تفسير رسالة بطرس الثانية 1 الأصحاح الأول – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير رسالة بطرس الثانية 1 الأصحاح الأول – القمص تادرس يعقوب ملطي
الأصحاح الأول
ملكوت السماوات
- عمل الله من أجل الملكوت 1-4.
- جهاد الإنسان من أجل الملكوت 5-11.
- تأكيد الملكوت الأبدي:
أولاً: أنه لا يحتاج إلى تأكيد 12-15.
ثانيًا: التجلّي يشهد له 16-18.
ثالثًا: الأنبياء يشهدون له 19-21.
1. عمل الله من أجل الملكوت
“سمعان بطرس عبد يسوع المسيح ورسوله،
إلى الذين نالوا معنا إيمانًا ثمينًا مساويًا لنا،
ببرّ لهنا والمخلص يسوع المسيح ربنا” [1].
اختلفت هذه الافتتاحية عن تلك التي جاءت في الرسالة الأولى:
أولاً: هنا يذكر اسمه الأول “سمعان” ملازمًا الاسم الذي دعاه به الرب. فلو أن هذه الرسالة مدسوسة لما كتب هذا الاسم مقتبسًا الافتتاحية الأولى.
ثانيًا: دعا نفسه عبدًا، مظهرًا حقيقة مركزه بالنسبة لربنا يسوع[4].
ثالثًا: إذ يتحدث في هذه الرسالة عن “ملكوت السماوات وانتظار مجيء الرب الثاني”، لهذا يذكر في الافتتاحية أنها موجهة “إلى الذين نالوا معنا إيمانًا ثمينًا مساويًا لنا ببرّ إلهنا والمخلص يسوع المسيح ربنا” وهنا نلاحظ:
- لم يقل لهم إلى “المتغربين من شتات…” كما في الرسالة الأولى، حيث يحدثهم عن الآلام والضيق فيذكرهم بغربتهم، إنما يتحدث هنا “إلى الذين نالوا معنا إيمانًا ثمينًا“، إذ هذا هو طريق الملكوت.
- كان من الصعب عليهم أن يدركوا أن الإيمان الذي يتقبله الأمم مساويًا لإيمانهم لهذا أكد “مساويًا لنا”.
- ولئلا يظن القارئ أن الملكوت خاص بالرسل والتلاميذ وحدهم أراد أن يؤكد لهم أن الإيمان الثمين الذي لهم مساويًا لما هو للرسل لذا يقول: ببرّ إلهنا، أي ليس لأحد فضل فيه.
- لا يقول “مخلصنا” بل “المخلص” موضحًا أنه جاء ليخلص كل البشرية.
“لتكثر لكم النعمة والسلام” راجع تفسير (1 بط 1: 2).
“بمعرفة الله ويسوع ربنا“ [2] شروط التمتع بنعمة الرب وسلامه الحقيقي هو المعرفة الإلهية، ليست المعرفة الذهنية بل العملية أيضًا.
لهذا يطالبنا الأب نسطور أن نهتم بالمعرفة الاختبارية العملية، ولا نقف عند مجرد التأمل والفهم، وكما يقول: [يستحيل على النفس غير النقية، مهما بلغت أشواقها نحو القراءة، أن تحصل على معرفة روحية. لأنه لا يقدر أحد أن يسكب دهنًا طيبًا أو عسلاً جيدًا أو أي سائل قيّم في إناءٍ قذرٍ كريه الرائحة، لأن الإناء الذي امتلأ بروائح كريهة يفسد ما يوضح فيه أكثر مما يتأثر هو من الشيء الصالح، لأن ما هو نقي يفسد بسرعة أكثر من تأثير النقي عليه[5].]
تحمل هذه المعرفة الحقيقية لصاحبها حياة أبدية، إذ يقول الرب: “وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته” (يو 17: 3).
“كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى
بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة،
اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى الثمينة،
لكي تصيروا بها شركة الطبيعة الإلهية،
هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة” [3-4].
لقد كشف لنا الرسول:
أولاً: المدعوّين للملكوت
أعلن الله أعماق محبته لنا إذ دعا الجميع دعوة عامة للميراث الأبدي، إذ هو “المخلص” مقدمًا لنا إيمانًا ثمينًا مجانيًا بلا محاباة أو تمييز [1]. هذا الإيمان الثمين ليس لشعبٍ أو جنسٍ فضل فيه، بل قدمه ربنا؛ “ببرّ إلهنا والمخلص يسوع المسيح” الذي دفع ثمنًا على الصليب هذا مقداره!
ثانيًا: الدعوة بالمجد والفضيلة
عمومية الدعوة ومجانيتها لا يعنيان إلا حب الله. إذ هي دعوة للتزين بالمجد والفضيلة. وأي مجد؟ وأية فضيلة؟ إننا مدعوّون لنتزين بالله ونتسربل بفضائله، فهو مجدنا، وهو سلاحنا.
لسنا مدعوّين لفضائل خارجية بل للاتحاد به، والامتثال به، فيكون لنا حب الرب، وقداسته، وصبره واحتماله وطول أناته ووداعته وبساطته. لهذا يقول الرسول: “لكي تصيروا شركاء الطبيعة الإلهية هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة”.
فإذ نحن في العالم كيف نسلم من الفساد؟ بالاتحاد بالرب القدوس والإقتداء به؛ نتمثل به فلا يلمسنا فساد العالم الذي بالشهوة.
إنها دعوة ثمينة أن تنعكس علينا إشعاعات الصفات الإلهية من حب وقداسة ووداعة… على القلب لنكون مثله (1 يو 3: 2؛ مت 6: 23)!.
ثالثًا: إمكانيات الدعوة
ما فائدة الدعوة الثمينة التي دفع فيها ثمنًا هذا قدره، وقُدمت لننال مجدًا سماويًا وفضائل روحية بغير إمكانية للتنفيذ؟ لهذا يقول الرسول:”كما أن قدرته الإلهية قد وَهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى“. وكأن الرسول يقول لنا ما هو عذرنا بعد إن كان اللَّه قد قدم لنا بقدرته الإلهية كل ما هو للحياة والتقوى، إذ قدم لنا:
- ميلادًا جديدًا سماويًا، به نولد روحانيًا، لنمتثل باللَّه القدوس.
يقول الأب هيبوليتس:
[أتوسل إليكم أن تصغوا إليّ جيدًا، فإنني أرغب في الرجوع بكم إلى ينبوع الحياة لتروا الينبوع المتدفق بالشفاء.
الآب الخالد أرسل ابنه الكلمة الخالد إلى العالم، هذا الذي جاء إلى الإنسان لكي يغسله بالماء والروح، فأعادنا ثانية إلى عدم الفساد الذي للنفس والجسد، ونفخ فينا نسمة الحياة، وأمدنا بسلاحٍ غير فاسد. لذلك إذ يصير الإنسان خالدًا يصير إلهًا، وإذ يصير بالماء والروح القدس إلهًا خلال تجديده في الجرن، يصير بعد قيامته من الأموات شريكًا في الميراث مع المسيح (رو 8: 17).
لهذا فإنني أكرز بهذا الهدف: تعالوا يا جميع أجناس الأمم إلى الخلود الذي يهبه العماد.
إنني أقدم لكم بشائر الحياة الحسنة يا من تتخبطون في ظلمة الجهل!
تعالوا إلى الحرية يا من في العبودية! إلى الملكوت يا من في الظلمة! تعالوا من الفساد إلى عدم الفساد!
يقول قائل: وكيف نأتي؟ كيف؟ بواسطة الماء والروح القدس. هذا هو الماء المرتبط بالروح، الذي به يرتوي الفردوس، والذي به تغتني الأرض، وتنمو النباتات، وتتكاثر الحيوانات… وفي كلمة الذي به يُولد الإنسان ثانية ويتمتع بالحياة[6].]
- تكريسًا للأعضاء والحواس والعواطف والغرائز بسر الميرون.
- غسلاً لأقدامنا مع التلاميذ بيدي الرب يسوع الطاهرتين، الذي يتقدم في سرّ التوبة والاعتراف ويغسلهما.
- 4. تثبيتًا فيه وهو فينا خلال التناول من الأسرار المقدسة.
- وهبنا تعليمًا روحيًا غير غاش لنمونا، يرضعنا به الروح في الكنيسة.
- يقدم لنا الروح كل ما نحتاج إليه من ثمار وبركات روحية بل وزمنية أيضًا تعمل لأجل خلاصنا الخ.
2. جهاد الإنسان من أجل الملكوت
ضرورة الجهاد لخلاصنا
قدم لنا ربنا: 1. إيمانًا ببر إلهنا، بدونه نعجز عن العبور إلى الأبدية.
- دعوة للمجد والفضيلة.
- إمكانيات إلهية للحياة والتقوى.
ولكن هل يمكن للإنسان أن يخلص منتفعًا بهذه التقدمات الإلهية بغير جهاد؟ إننا لا نقدر أن نخلص ما لم نشترك في حمل الصليب، ليس بذاتيتنا، ولكن بنعمة اللَّه المعينة والمساعدة والمرشدة.
يا لعظم حبه الفائق أن يجعلنا ننحني مع سمعان القيرواني لنحمل معه صليبه؟ لهذا يقول الرسول: “ولهذا عينه وأنتم باذلون كل اجتهاد” [5]، أي لأجل الدعوة للأبدية ،أو لأجل خلاصكم وأنتم باذلون. وماذا نبذل؟ كل اجتهادٍ. فكما بذل الآب ابنه الوحيد، هكذا نربط نحن ابننا (كل ما هو محبوب لدينا) ونذبحه للرب كما قدم إبراهيم اسحق.
طريق الجهاد
“قدموا في إيمانكم فضيلة، وفي الفضيلة معرفة.
وفي المعرفة تعففًا، وفي التعفف صبرًا،
وفي الصبر تقوى، وفي التقوى مودة أخوية،
وفي المودة الأخوية محبة” [6-7].
يربط الرسول الفضائل بعضها البعض دون تقديم الواحدة عن الأخرى، فلا يقول “بعد إيمانكم فضيلة” بل “في إيمانكم فضيلة“. وكما يؤكد آباء الكنيسة أن الفضائل كما الرذائل هي سلسلة مترابطة وانعكاسات على بعضها البعض بطريقة لا تنفصل.
- فضيلة: يطالبنا الرسول أن نقدم في الإيمان أعمالاً حتى لا يكون ميتًا[7].
- معرفة: من يسير في الفضيلة بغير معرفة، يكون كمن يسير بلا هدف، ومن يدّعي المعرفة بغير السلوك في الفضيلة يكون ثرثارًا متكبرًا[8].
- تعفف: من له معرفة عملية تعرف نفسه الخطية، بل وكل ما هو زمني مشتاقًا إلى الأبديات، وكما يستند التعفف أي ضبط النفس على المعرفة، يسند هو أيضًا المعرفة.
- صبر: ضبط النفس أو التعفف النابع عن محبة السماويات يبعث في النفس قدرة على الاحتمال والصبر، فيترك الإنسان كل شيء برضا. هذا الصبر أو الاحتمال أيضًا يسند التعفف، لأن بدونه لا يقدر الإنسان أن يكون ضابطًا لنفسه.
- تقوى: الاحتمال من أجل السماويات يهب للنفس تقوى، أي يبعث فيها الورع والمخافة الإلهية، وهذه التقوى تعين الإنسان، فيحتمل صابرًا.
- المودة الأخوية: من يخاف الله ويتّقيه يعامل إخوته بلطفٍ وحنانٍ، وهذه المودة الأخوية أيضًا تملأ القلب ورعًا وتقوى.
- المحبة: أما من يحب فقد اقتنى كل الفضائل، ولا تقوم فضيلة ما بغير محبة. هذا وقدر ما يتسع القلب للمودة الأخوية يحب الله، وقدر ما يحب الله يتسع لمودة الناس.
يقول القديس دوروثيؤس: [تصور دائرة تخرج من مركزها أشعة أو خطوط. فبقدر ما تبتعد الخطوط عن المركز تفترق عن بعضها البعض… وبالعكس كلما اقتربت من المركز تقاربت نحو بعضها البعض. افترض أن هذه الدائرة في العالم ومركز الدائرة هو الله. والخطوط من المركز إلى المحيط أو من المحيط إلى المركز هي طريق حياة البشر، فإننا نجد نفس الأمر، فبقدر ما يتحرك القديسون في داخل الدائرة تجاه المركز راغبين في الاقتراب من الله، يقترب كل منهما للآخر[9].]
أهمية الجهاد وخطورة التخلي عنه
- “لأن هذه إذا كانت فيكم وكثرت، تصيّركم لا متكاسلين، ولا غير مثمرين، لمعرفة ربنا يسوع المسيح” [8].
متى كان فينا الجهاد في الفضائل السابق ذكرها، ونمونا فيها، تصّيرنا في حياة حيّة نشيطة مملوءة ثمارًا. هذه الثمار وسيلة للتعرف على ربنا يسوع معرفة حقيقية. من أجل هذا تطلب الكنيسة من الإشبين أن يزرع في الطفل المعمّد هذه الفضائل على الأرض الجيدة الخارجة من المعمودية والمرويّة بالماء حي والروح القدس.
- “لأن الذي ليس عنده هذه هو أعمى، قصير البصر، قد نسى تطهير خطاياه السالفة” [9].
وأما من كان خاليًا منها فهو أعمى بلا بصيرة روحية، فقد إدراكه لقيمة التطهير السالف الذي ناله في المعمودية، وهو قصير البصر لا تتعدى عيناه الأرضيات، مضروب بالنسيان من جهة أعمال اللَّه معه.
- “لذلك بالأكثر اجتهدوا أيها الإخوة أن تجعلوا دعوتكم واختياركم ثابتين، لأنكم إذا فعلتم ذلك لن تزلّوا أبدًا” [10].
إن الجهاد هام لجعل الدعوة والاختيار ثابتين، فبدونه يزل الإنسان ويتعثر كالأعمى، ويخسر دعوته واختياره[10]…
ولكن خشي الرسول لئلا ييأس أحد من خلاصه، لهذا أكمل قائلاً: “لأنه هكذا يقدم لكم بسعة دخول إلى ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الأبدي” [11]. ملكوت الله مفتوح متسع للمجاهدين لأننا إن صبرنا معه، فسنملك معه أيضًا (تي 2: 12). أبوابه مفتوحة على مصراعيه، لأن الله سخي وكريم.
3. تأكيد الملكوت الأبدي
أولاً: أنه لا يحتاج إلى تذكير
موضوع الملكوت ليس أمرًا جديدًا بل يكتب إليهم عنه لمجرد التذكرة.
“لذلك لا أهمل أن أذكركم دائمًا بهذه الأمور،
وإن كنتم عالمين ومثبتين في الحق الحاضر.
لكنني أحسبه حقًا مادمت في هذا المسكن أن أنهضكم بالتذكرة.
عالمًا أن خلع مسكني قريب،
كما أعلن لي ربنا يسوع المسيح أيضًا.
فاجتهدوا أيضًا أن تكونوا بعد خروجي تتذكرون كل حين بهذه الأمور” [12-15].
أدرك الرسول اقتراب خلع مسكنه، كما روى القديس أمبروسيوس[11]أن الوثنيين استشاطوا غيظًا فأرادوا قتله، فأوعز إليه المؤمنون أن يهرب. قبل الرسول مشورتهم، وفيما هو خارج من باب مدينة روما رأى السيد داخلاً فسأله القديس: إلي أين تذهب يا سيدي؟ فأجابه: إلي روما لكي أصلب ثانية. فأدرك بطرس أن السيد المسيح يريد استشهاده، فرجع للحال وأخبر المؤمنين بذلك، وسُجن 9 شهور إلى أن صلب منكّس الرأس، وقطعت رأس بولس الرسول بالسيف في نفس اليوم.
إدراكه اقتراب يوم انتقاله جعله لا يهمل أن يُذكّر أولاده بأبديتهم بالرغم من علمهم بها. وهذا التذكر لا يمل منه المؤمن مهما تكرر، بل يتوق لسماعه كمن يسمعه لأول مرة.
ونلاحظ أن الرسول يطالب أولاده أن يتذكروا هذا بعد انتقاله.
ثانيًا: التجلي يشهد لملكوته
“لأننا لم نتبع خرافات مصنعة،
إذ عرفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه،
بل قد كنا معاينين عظمته” [16].
لم تكن الكرازة بالملكوت من وحي خيال الرسل، بل عرفوا وعاينوا عظمة الرب وقوته خلال أعماله وفي تجلّيه، وقد عاين بطرس مع يعقوب ويوحنا التجلي الذي قال عنه الرب: “إن من القيام ههنا قومًا لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتيًا في ملكوته” (مت 16: 28). وقد شهد أيضًا يوحنا بما عاينه في التجلي قائلاً: “ورأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقًا” (يو1: 14).
ثالثًا: وماذا أدرك في التجلي؟
“لأنه أخذ من الله الآب كرامة ومجدًا،
إذ أقبل عليه صوت كهذا من المجد الأسنى،
هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت.
ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلاً من السماء
إذ كنا معه في الجبل المقدس” [17-18].
- انكشفت كرامته ومجده اللذان أخذهما من الآب، فإذ أخلى ذاته بإرادته، صار عبدًا ليعود فيتقبل الكرامة والمجد اللذين له من يديّ الآب في طاعة كاملة. هذا القبول ليس من أجل نفسه، لكنه قبول البشرية كلها في شخصه، لكي نكون شركاء معه في كرامته ومجده.
- الآب يشهد له أنه ابنه الحبيب الذي به سُر، ولم يكن ذلك وهمًا بل “نحن سمعناه” وعلى شاهدين أو ثلاثة تقوم الشهادة.
- هذا الصوت “من السماء“، لأن مجد الرب وكرامته ليسا أرضيين بل سماويين.
- تجلّي الرب جعله الجبل مقدسًا “إذ كنا معه في الجبل المقدس“.
رابعًا: الأنبياء يشهدون له
“وعندنا الكلمة النبوية وهي أثبت،
التي تفعلون حسنًا إن انتبهتم إليها
كما إلى سراج منير في موضع مظلم،
إلى أن يتفجر النهار، ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم” [19].
يهتم الرسول بطرس كخادم للختان بشهادة نبوات العهد القديم (1 بط 1: 10-12، أع 3: 20-21) وهي أثبت. إنها شهادة أنبياء من أزمنة مختلفة تدور حول تجسد الرب وآلامه وصلبه وقيامته وأمجاده ومجيئه الثاني.
يمدحهم الرسول من أجل اهتمامهم بدراستها وفحصها بتدقيق “التي تفعلون حسنًا إن انتبهتم إليها كما إلى سراج منير”، يبدد الظلمة، ويشرق في القلب كوكب الصبح – الرب يسوع – ويظهر نهاره مضيئًا ظلمة القلب.
“عالمين هذا أولاً،
أن كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص.
لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان،
بل تكلم أناس اللَّه القديسون،
مسوقين من الروح القدس” [20-21].
سجّل الأنبياء نبواتهم لا عن اجتهاد بشري، أي ليس عن تفسير خاص، بل بوحي من الروح القدس. إنهم أشبه بالقيثارة في يدي الروح تحركها لتعطي لحنًا عذبًا عن محبة اللَّه المعلنة في تجسد الرب وموته وقيامته ومجيئه الثاني لنرث معه.
وقد دعاهم الرسول “أناس اللَّه“، لأنهم قيثارته، مسوقين كالسفينة التي يوجهها ربّان ماهر.
هذا ما نطق به الرسول أيضًا قائلاً: “أيها الرجال الإخوة كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بفم داود” (أع 1: 15).
ويقول الأب هيبوليتس:
[يقال عن الأنبياء الطوباويين أنهم عيوننا، إذ سبق فرأوا خلال الإيمان أسرار الكلمة، وصاروا خدامًا لتلك الأمور الخاصة بالأجيال المتعاقبة، فلا يتحدثون فقط عن الأمور الماضية، بل ويعلنون الحاضر والمستقبل…
لأن هؤلاء انتعشوا بالروح القدس، وتكرّموا كثيرًا بالكلمة ذاته، وهكذا كانوا كآلات موسيقى، وكانت لهم الكلمة دائمًا مثل آلة plectrum يعملون معًا في انسجام، وإذ كان الكلمة (المسيح) يحثهم يعلنون إرادة اللَّه، لأنهم لم يكونوا يتكلمون من ذواتهم، ولا حسب أهوائهم[12].]
[4] راجع تفسير يع 1:1.
[5] مناظرات يوحنا كاسيان، مناظرة 14:14.
[6] Hippolytus Discourse on the Holy Theophany 8.
[7] راجع تفسير يع 2: 14-25.
[8] راجع مقال “المعرفة الروحية ” للأب نسطور- مناظرات كاسيان 14.
[9] الفيلوكاليا، ص 176.
[10] راجع تفسير رسالة يوحنا الأولى.
[11] عظة 68.
[12] Hippolytus: Treatise on Christ and antichrist 2.