تفسير رسالة بطرس الأولى – المقدمة – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير رسالة بطرس الأولى – المقدمة – القمص تادرس يعقوب ملطي
رسالة بطرس الأولى
القمص تادرس يعقوب ملطي
كنيسة الشهيد مار جرجس باسبورتنج
رسالة بطرس الرسول الأولى
مشكلة الألم والحياة الجديدة
لهذه الرسالة أهميتها الخاصة في حياة الكنيسة، إذ تعالج مشكلة الألم، هذه التي يئن منها كل إنسان، تشغل فكره، وتهز كل كيانه، خاصة حين يسقط تحت ضيقٍ جسدي أو نفسي أو أدبي، فيشعر بالحاجة إلى من يضمد جراحاته العميقة، لا على مستوى فلسفي نظري، وإنما على مستوى الحياة الواقعية العملية.
والرسالة في جوهرها دعوة لمقابلة الألم لا بنظرة سوداوية قاتمة، وإنما بروح الرجاء الحي، خلال تمتعنا بميلاد جديد غالب للألم بل وللموت نفسه، إذ يقوم على قوة “قيامة يسوع المسيح من الأموات” (1: 3). عِوَض الارتباك بمرارة الألم يرفعنا الرسول إلى بهجة التمتع بالميراث الأبدي، فننعم بفرح لا ينطق به ومجيد (1: 8)، وعِوَض الانغماس في متاعب الحياة القاتلة للنفس يرفعنا إلى انتظار مجيء القدوس خلال الحياة المقدسة (1: 15-16)، مدركين دورنا الحقيقي كحجارة حية في البيت الروحي الكهنوتي (2: 5).
إن كانت هذه الرسالة قد كُتِبَت إلى “المتغربين من شتات بُنتُس وغلاطية…” (1: 1)، فغالبًا لم تُكتَب من أجل اليهود الذين تشتتوا عن وطنهم، بل من أجل جميع المؤمنين، ايًا كان أصلهم، وقد عانوا التشتت بسبب إيمانهم، إذ واضح إنه يُحَدِّث أيضًا مؤمنين من أصل أممي (5: 14، 18؛ 2: 10؛ 4: 3). فالتغرُّب والتشتيت هنا يشير إلى كل مؤمن يشعر بتغرُّبه عن موطنه السماوي (في 3: 20). إنها رسالة موجهة إلى كل إنسان متألم في غربته!
كاتب الرسالة
- أجمع مؤرخو الكنيسة وقديسوها أن كاتبها القديس بطرس الرسول.
- 2. القديس إيريناؤس هو أول من اقتبس منها ذكر اسم الرسول بطرس، غير أننا نجد مقتطفات منها أو ما يناظرها في كتابات آباء سابقين له من القرن الأول، وأيضًا آباء لاحقين؛ مثلما جاء في رسالة برنابا[1]، وكتابات القديس إكليمنضس أسقف روما[2]، وكتاب الراعي لهرماس[3]، وكتابات القديس بوليكربوس الشهيد.
- أشار إليها القديس إكليمنضس السكندري والعلامة ترتليان، كما ذكر المؤرخ يوسابيوس أن رسالة بطرس الرسول من الكتب التي تقبلتها الكنيسة دون أدنى شك.
- تتفق الرسالة مع أسلوب عظات الرسول الواردة في سفر الأعمال مثال:
أولاً: أشار إلى الله كديان يحكم بغير محاباة (١: ٧ مع أع ١٠: ٣٤).
ثانيًا: يهتم بالحديث عن الآب الذي أقام المسيح (١: ٢١ مع أع ٢: ٣٢، ٣: ١٥، ١٠: ٤٠).
ثالثا: إعلانه عن السيد المسيح بكونه رأس الزاوية (٢: ٧ مع أع ٤: ١١).
لمن كُتِبَت رسالة بطرس الأولى؟
- كتبت إلى المؤمنين المتغربين من شتات بُنتُس وغلاطية وكبدوكية وآسيا وبثينية (١: ١)، وهذه جميعها تقع في آسيا الصغرى.
- يوجد رأي ينادي بأن الرسول لم يقصد بهذه الأسماء المقاطعات بحسب حدودها الجغرافية الرسمية، فمثلا بنتس كانت ضمن مقاطعة غلاطية حتى سنة ٦٣م. وفريجية التي تشمل جزءًا كبيرًا وسط آسيا الصغرى لم تذكر بين هذه المقاطعات وقد كان غير ممكن لحامل الرسالة أن يجتاز من كبدوكية إلى آسيا دون أن يمر بفريجية، ولهذا فإنه من غير الممكن أن لا نُدخِل مسيحيّي مقاطعة فريجية ضمن قراء هذه الرسالة خاصة وأن عددهم كان كبيرًا (أع ١٨: ٢٣) لهذا فإن هذه الأسماء تؤخذ بمعنى أوسع أي يقصد بها كل آسيا الصغرى[4].
- كان في يوم الخمسين من يمثل بنتس وكبدوكية وآسيا (أع ٢: ٩).
- بُنتُس: تقع بالقرب من بحر القزم، وهي مسقط أكيلا. وإذ بدأ الرسول بها لذلك لقب العلامة ترتليان والشهيد كبريانوس والقديس چيروم هذه الرسالة بالرسالة البنطية أو الرسالة إلى أهل بنتس.
- كبدوكية: وهي تميل إلى غرب بنتس.
- آسيا: ويقصد بها مقاطعة آسيا التابعة لآسيا الصغرى، وهي موطن أكيلا المختار (أع ١٨: ٢).
- بيثينية: بالقرب من بنتس من جهة القسطنطينية.
زمان ومكان كتابتها
يرجح أنها كتبت ما بين سنة ٦٣، ٦٧ م أثناء اضطهاد نيرون (٥٤ – ٦٨ م).
كتبت من بابل (5: ١٣) وقد اختلفت الآراء في تحديد مدينة بابل:
- يكاد يجمع الرأي أنها ليست بابل التي على نهر الفرات إذ كانت خربة، كما لم يذكر التقليد أن الرسول ذهب إليها، ويبعد جدًا أن يكون القديسان مرقس وسيلا هناك.
- يدعي الكاثوليك أنها تشير إلى روما مستندين في ذلك إلى أن “بابل” الواردة في سفر الرؤيا تشير إلى روما، لكن ليس هناك ما يسند هذا الرأي بل ما ينقضه:
أولاً: ما الداعي لعدم ذكر الرسول اسم روما صراحةً؟
ثانيًا: ثابت تاريخيًا أن الرسول بطرس لم يصل روما قبل استشهاده بها بفترة طويلة كافية لإرسال رسالتين.
ثالثًا: ترتيب الولايات كما جاء في الرسالة من الشرق إلى الغرب مما يؤيد أن الرسالة كُتبت من مكان ما بالشرق.
- الرأي الأرجح أن بابل هي “بابلون” أي مصر القديمة. وقد كانت قبلاً موطنًا لجماعة من اليهود ومقر عسكر روماني لا تزال آثاره قائمة إلى يومنا هذا.
وهذا الرأي تسنده التقاليد التاريخية التي تقول بأن القديس مرقس الرسول قدم إلى مصر حوالي سنة ٦١ أو ٦٢م.
خصائص الرسالة
- امتازت بكثرة التشابه بينها وبين ما ورد في بعض رسائل بولس الرسول وخاصة الرسالة إلى أفسس[5]، والرسالة إلى أهل رومية[6]، والرسالة إلى أهل غلاطية[7]، والرسالة إلى تيطس[8]… ونجد تشابهًا بينها وبين الرسالة إلى العبرانيين على نطاق واسع، إذ نجد كثيرًا من الألفاظ وردت في الرسالتين دون غيرهما من أسفار العهد الجديد[9].
- اقتبست الرسالة الكثير من العهد القديم، وذلك لأنه رسول الختان.
- كثرة الإشارة إلى أقوال السيد المسيح، لأنه كان شاهد عيان لما رأي وسمع من الرب نفسه.
غاية الرسالة
- تشجيع المؤمنين لقبول الألم. وتعتبر هذه الرسالة من رسائل التعزيّة الرائعة، ولا يخلو أصحاح من الحديث عنه.
- الكشف عن الحياة المقدسة العمليّة والعلاقات المتبادلة في العائلة والمجتمع والكنيسة خلال الإيمان بربنا يسوع المتألم.
اعتراضات على كاتب الرسالة والرد عليها
تحدثنا عن الجانب الإيجابي الذي يؤكد أن الرسالة من وضع القديس بطرس الرسول، غير أن بعض النقاد قدموا اعتراضات على الكاتب، وقد قدم الدارسون ردًا عليها:
أولاً: من الجانب اللغوي:
لم يكن القديس بطرس رجلاً أميًا، لكنه في نفس الوقت ليس ذا ثقافة عالية، فقد كان صيادًا (مر 1: 16؛ لو 5: 2-3، يو 21: 3)، جاء من بيت صيدا بالجليل (يو 1: 44)، قيل عنه هو ويوحنا أمام مجمع السنهدرين “إنهما إنسانان عديما العلم وعاميان“ (أع 4: 13).
مع هذا فإن الرسالة تضم أجمل وأروع ما كُتب في العهد الجديد من جهة اللغة اليونانية[10]، فالفكر متقدم والعبارات سهلة وجذابة، تستخدم عبارات فنيّة رائعة كما في (3: 21)، تكشف عن غنى عظيم في المفردات، إذ بها 60 كلمة يونانيّة لم توجد في بقية أسفار العهد الجديد، ومن جهة أخرى فإنه لا يمكن أن تكون قد كُتبت أولاً بالآرامية، اللغة اليوميّة لشعب فلسطين في أيام السيد المسيح، ثم ترجمت إلى اليونانيّة، لأنها تحوي اقتباسات من العهد القديم مقتطفة مباشرة من الترجمة السبعينيّة[11].
يرى[12] R. knoph أن لوقا وكاتب الرسالة إلى العبرانيّين وحدهما يمكن مقارنتهما بكاتب هذه الرسالة من جهة الطابع اليوناني.
أسلوبها اليوناني أكثر سلاسة من أسلوب القديس بولس وأعلى من أن تكون للقديس بطرس[13].
والآن نقدم في اختصار الرد على هذه الاعتراضات:
- من جهة اللغة والثقافة اليونانيّة، فكما سبق أن قلت في مقدمة الإنجيل بحسب يوحنا إن اليهود اعتادوا أن تكون لهم حرفة، مهما بلغت ثقافتهم أو غناهم، فكان شاول الطرسوسي ضليعًا في المعرفة وله مكانته الاجتماعيّة والدينيّة وفي نفس الوقت يمارس حرفة الخيام، هكذا أيضًا سمعان بطرس وإن كان صياد سمك، فهذا لا يعني أنه ليس بذي ثقافة يونانيّة عالية، خاصة وأن موطنه هو بيت صيدا، قرية على الجانب الشرقي من الأردن ليست ببعيدة عن بحيرة جنيسارت؛ المنطقة يهوديّة لكنها تحمل طابعًا عالميًا. لهذا نجد أخاه أندراوس وأيضًا فيلبس من بيت صيدا (يو 1: 44، 12: 21) يحملان اسمين يونانيين. كل من نشأ في بيت صيدا، يفهم اليونانيّة وله معرفة بالثقافة الهيلينيّة[14].
- يركز كثير من الدارسين على عبارة الرسول: “بيد سلوانس الأخ الأمين كما أظن كتبت إليكم بكلمات قليلة…” (5: 12) ، متسائلين ما هو الدور الحقيقي لسلوانس الذي يدعى سيلا، ويُحسب نبيًا ورافق القديس بولس في كرازته (أع 15-18)؟
يرى البعض أنه لم يكن كاتبًا للقديس بطرس وسكرتيرًا له فحسب، كما كان أيضًا بالنسبة للقديس بولس، وإنما ككارز وخادم له دوره الحيوي في الكنيسة، ساهم مع القديس بطرس في الرسالة، من جهة اللغة وأيضًا في الفكر. وربما كان يمثل حلقة اتصال في الفكر بين الرسولين، لذا جاءت الرسالة متقاربة مع بعض رسائل القديس بولس.
يرى بعض النقاد أن سيلا أو سلوانس كان مسيحيًا من أورشليم ذا ثقافة هيلينيّة عالية، لذا كان له دوره الرئيسي كحلقة اتصال بين الرسل والناطقين باليونانيّة. هذا واضح من اختياره مع يهوذا الملقب برسابا للذهاب إلى أنطاكية وسوريا وكيليكيّة يترجم للكنائس ما نطق بها القديس يعقوب في مجمع أورشليم (15: 22 الخ.).
ثانيًا: من الجانب التعليمي أو اللاهوتي:
يعترض البعض على الكاتب، بالقول إنه لو كان الكاتب هو القديس بطرس الذي عاش قريبًا جدًا من السيد المسيح لما كتب بعبارات لاهوتيّة وإنما لسجل لنا ما جمعه من السيد. حقًا لقد دعا نفسه “الشاهد لآلام المسيح” (5: 1)، لكنه لم يقدم تفاصيل للآلام.
الفكر اللاهوتي هنا، في رأي بعض النقاد، إنه أقرب إلى مدرسة القديس بولس منه إلى القديس بطرس، لذا يرون إنه يمكن أن تكون من وضع أحد تلاميذ بولس وليس القديس بطرس. يرى[15] F.W. Beare أن للكاتب فكرًا خاصًا به يختلف عن فكر القديس بولس لكنه تشكل خلال كتابات بولس كتلميذ له.
ويرد على ذلك بالآتي:
- بالنسبة للاعتراض على نسبتها للرسول بحجة أنه لم يكتب ذكرياته أو ما جمعه عن أعمال السيد المسيح الشخصيّة، فإن كثير من الدارسين يجدون في هذا الاعتراض ما يحمل العكس، أي يحمل التأييد لنسبتها للرسول الذي كان الإنجيل واضحًا نصب عينيه، إذ هو يهتم كيف يدخل بالمؤمنين إلى الحياة المُقامة في المسيح يسوع، ويلهب قلوب المتألمين بالتطلع نحو مجيء المسيح الأخير لا إلى تقديم ذكريات شخصيّة.
- أما بالنسبة إلى ما تحمله الرسالة من فكر مقارب لمدرسة القديس بولس الرسول، فنود أولاً تأكيد جانبين هامين: الأول عدم تجاهل دور الروح القدس في الوحي الإلهي الذي يهب للكتاب المقدس كله وحدة واحدة. فإن كان لكل كاتب سماته الخاصة التي تميزه، لكن الروح واحد. كما يقول الرسول بطرس: “عالمين هذا أولاً أن كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص، لأنه لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسانٍ بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس” (2 بط 1: 20-21). ثانيًا، أنه وإن تمايز القديسان بطرس وبولس في تقديم الفكر اللاهوتي، فلا يعني هذا التمايز اختلافًا في الفكر، بل وحدة الفكر اللاهوتي الأصيل، مع تقديمه بطريقة متمايزة حسب مواهب كل رسول وحسب احتياجات السامعين. وحدة الفكر تقوم على أساس الوحدة في جسد المسيح الواحد خلال عمل الروح القدس الواحد، وتبني التسليم الواحد المُسَلَّم مرة للقديسين.
هذا ولا ننكر أن شركة الحب العامل بين الرسل، ولقاءاتهم المستمرة في المسيح يسوع قد أعطت تفاعلاً فيما بينهم، فيتأثر كل منهم بأخيه، مع وجود القاعدة الإيمانيّة الأساسيّة الثابتة. ففي الرسالة إلى أهل غلاطية يتحدث القديس بولس بكل وضوح: “ثم بعد أربع عشرة سنة صعدت أيضًا إلى أورشليم… صعدت بموجب إعلان وعرضت عليهم الإنجيل الذي أكرز به بين الأمم ولكن بالانفراد على المعتبرين لئلا أكون أسعى أو قد سعيت باطلاً” (غلا 2: 1-2). وفي نفس الوقت يقول: “ولكن لما أتى بطرس إلى أنطاكية قاومته مواجهة لأنه كان ملومًا” (غل 2: 11).
هذا ويرى[16] J.W.C. Wand في الرسالة غياب التعاليم البولسيّة مثل التبرير، والناموس، وآدم الجديد، والجسد؛ مع ظهور الملامح الخاصة بفكر القديس بطرس بوضوح مثل فيض الاقتباسات من العهد القديم، والشعور الكنسي والتاريخي، والشعور بالسيد المسيح. إن كان لا يمكن وضع الفكر اللاهوتي الخاص بالقديس بطرس بطريقة علميّة معينة، لكنه متمايز عن الفكر البولسي[17]. فمن ملامح الرسالة الرئيسيّة انطباع قيامة السيد المسيح، التي تلامس معها القديس بطرس، على كل رسالة، خاصة في التعليم بنزول السيد المسيح إلى الجحيم (السجن) ليكرز للأموات مبشرًا إياهم بتحقيق ما ماتوا عنه على الرجاء (3: 19).
ثالثًا: من الجانب التاريخي
يعترض البعض كيف يمكن أن يكون الكاتب هو بطرس الرسول، بينما يحدث الكاتب المسيحيّين المُضطهدين (1: 6؛ 2: 12، 15؛ 4: 12، 14-16؛ 5: 8-9)، بكونهم مُضطهدين من أجل اسم المسيح. هذا يفترض أن المسيحيّة في ذلك الوقت كانت تُحسب جريمة في ذاتها يُعاقب عليها رسميًا، وأن الأمر ليس مجرد ضيق فردي أو من جماعات غير مسئولة. ويرى بعض النقاد من الجانب التاريخي إنه وإن كان الاضطهاد النيروني قد أثُير ضد المسيحيّين في روما، فإن هذا الاضطهاد في نظرهم لم يمتد إلى البلاد المذكورة في هذه الرسالة (بنطس، غلاطية، كبادوكية، آسيا، بيثينيّة)، لهذا فإن هذه الرسالة، في نظر هؤلاء النقاد، كُتبت إما في أثناء اضطهاد دومتيان أو تراجان بينما استشهد القديس بطرس مبكرًا في عهد نيرون.
يؤيد ذلك، غي نظر الناقدين، التقارب بين ما جاء في هذه الرسالة وما جاء في رسالة بليني Pliny للإمبراطور تراجان[18].
يُرَد على ذلك بالآتي:
- من جهة افتراض أن الاضطهادَ المذكور في الرسالة هو اضطهادٌ شامل ورسمي لا يناسب عهد نيرون بل دوميتان، فإن هذا الافتراض مشكوك فيه، لأنه وإن وُجد استشهاد لعدد قليل من المسيحيّين في روما مثل فلافيوس كليمندس ودوميتلا في عهد دوميتان، إلاّ أنه لا يوجد دليل قاطع على قيام اضطهاد شامل في المقاطعات المذكورة في الرسالة، الأمر الذي يصعب معه اعتبار الكاتب معاصرًا لعهد دوميتان.
- ليس من ضرورة تُلزم بأن الاضطهاد المذكور في الرسالة اضطهاد رسمي ضد المسيحيّين. فإن كان الرسول يذكر أنهم تألموا من أجل اسم المسيح (4: 14)، هذا لا يعني لأنهم يُدعون مسيحيّين، فإن المؤمنين منذ البداية يعتبرون كل ألم يصيبهم هو من أجل اسم المسيح. هذا بالإضافة إلى أن اسم “مسيحيين” لم يكن قد انتشر بعد في هذه المقاطعات.
- لا يمكن قبول نظريّة بعض النقاد بأن هذه الرسالة كُتبت في عهد تراجان، بسبب التشابه بينها وبين مراسلات بليني الوالي للإمبراطور والتي يكشف عن وضع المسيحيّين، وذلك للأسباب التالية:
أ. ما جاء في بليني لا يكشف عن اضطهاد شامل في كل موضع، أما ما جاء في الرسالة هنا (5: 9) فيعلن عن ضيق يحل بالمسيحيّين أينما وجدوا.
ب. ما جاء في بليني يظهر أن ما يحل بالمسيحيّين ليس بالأمر الجديد، لكنه عمل ممتد من الماضي، أما ما جاء في رسالة القديس بطرس فيظهر كخبرة جديدة (4: 12).
- ليس ما يمنع من قبول أن الاضطهاد المذكور في الرسالة كان في عهد نيرون، فإن كان ليس هناك من دليل على امتداد الاضطهاد في كل المقاطعات، لكن العلامة ترتليان يقدم لنا تقريرًا عن الـ “Institutum Neronianum” جاء فيه أن المسيحيّين لا يحميهم القانون[19]، (وإن كنا لا نجد ما يؤكد ذلك).على أي الأحوال، بلا شك كانت المقاطعات المذكورة في الرسالة على علاقة بالعاصمة روما، وما حلّ بالمسيحيّين في روما قد بلغ هذه المقاطعات، وكان له أثره على التعامل مع المسيحيّين في كل موضع، بالرغم من عدم صدور منشور رسمي بالاضطهاد. ما جاء في الرسالة لا ينفي قبول هذه النظريّة[20].
- هل من ضرورة تلزم بأن ما جاء في الرسالة يعني اضطهادًا رسميًا من الدولة الرومانيّة؟ ما جاء في الجزء الأول من الرسالة يتحدث عن الآلام بصفة عامة (1: 6، 7؛ 3: 13-17) أما ما ورد في نهاية الرسالة فيكشف عن مقاومة شديدة وضيقة مرّة حلت بهم، إذ يقول: “أيها الأحباء لا تسغربوا البلوى المحرقة التي بينكم حادثة لأجل امتحانكم كأنه أصابكم أمر غريب” (4: 12). غير أن هذا لا يعني بالضرورة دخولهم تحت ضيق الاستشهاد بسفك دمهم بأمر إمبراطوري، إنما هو انعكاس لنظرة المواطنين إليهم بطريقة ممقوتة.
لعل قوله “البلوى المحرقة” يشير إلى ما كان يفعله نيرون حيث استخدام المسيحيّين كمشاعل في الطرق بحرقهم بالنار، وربمًا يعني رمزيًا الضيق المرّ الذي يجعل الإنسان كمن يحترق.
رابعًا: في قول الرسول: “الشيوخ الذين بينكم أنا الشيخ”. ما جعل البعض يتشكك في أن يكون الكاتب هو بطرس الرسول، خاصة أن القديس بطرس لم يشاهد آلام السيد المسيح بينما يقول هنا “والشاهد لآلام المسيح”، فيرد على ذلك بالآتي:
- إن كلمة “شيوخ” في اليونانية “presbyteroi” وتعني “كهنة” أيُا كانت درجتهم (أساقفة أو قسوس أو شمامسة)؛ والقديس بطرس وهو رسول يحمل “الكهنوت”. كان هذا اللقب يطلق على الرسل حتى أيام بابياس[21]، فلا يعني في الكنيسة الأولى لقبًا أقل. لهذا يدعو الرسول يوحنا نفسه الشيخ “presbyteros” (2 يو 1، 3 يو 1).
- يرى H. Windish أن الرسول بطرس تحدث هكذا كواحدٍ بين الشيوخ بروح التواضع، غير مميزٍ نفسه عنهم، ويرى Selwyn أن الرسول بطرس كتب هذا تعاطفًا مع قارئيه.
- إن كان الرسول بطرس لم يعاين كل آلام السيد، لكنه هو شاهد لها بمعاينته نصيبًا منها.
أقسام الرسالة
- الخلاص والآلام الأصحاح الأول.
- علاقتنا بالمسيح صخرتنا الأصحاح الثاني.
- علاقاتنا الاجتماعية في الرب يسوع الأصحاح الثاني.
- علاقاتنا العائلية في الرب يسوع الأصحاح الثالث.
- علاقاتنا بالمضايقين في الرب يسوع الأصحاح الثالث.
- الضيق وحياة القداسة الأصحاح الرابع.
- علاقاتنا الكنسية في الرب يسوع الأصحاح الخامس.
[1] قارن رسالة برنابا ١: ٥ مع ١ بط ٩ – ٤: ١٢ مع ١: ١٧ – ٥: ١ مع ١: ٢ – ٥: ٦ مع ١: ١١ – ١٦: ١٠ مع ٢: ٥.
[2] قارن رسالة إكليمنضس أسقف روما (طبعة ١٩٦٨) ٧: ٤ مع ١ بط 3: 20 – ٩: ٤ مع ٣: ٢٠ – ٣٦: ٢ مع ٢: ٩ – ٣٠: ٢ مع ٥: ٥ – ٤٩: ٥٠ مع ٤: ٨.
[3] راجع كتاب الراعي لهرماس ٣: ٥، ٤: ٣، ٤.
[4] دراسات في رسالة بطرس الأولى للدكتور موريس تواضروس.
[5] قابل ١ بط ١: ١-3 مع أف ١: ١–٣؛ ١: ٢٠ مع ١: ٤؛ ٢: ٩ مع ١: ١٤؛ ٣: ٢٢ مع ١: ٢١؛ ٢: ٥ مع ٢: ٢١، ٢٢؛ ٣: ١–٦ مع ٥: ٢٢–٢٤.
[6] قابل ١ بط ١: ٢١ مع رو ٤: ٢٤؛ ٤: ١ مع ٦: ٦، ٧؛ ٢: ٢٤ مع ٦: ١١؛ ٥: ١ مع ٨: ١٨؛ ٣: ٢٢ مع ٨: ٣٤، ٢: ٥ مع ١٢: ١؛ ١: ١٤ مع ١٢: ٢؛ ٤: ١٠، ١١ مع ١٢: ٣ – ٨؛ ١: ٢١ مع ١٢: ٩؛ ١٠، ٣: ٨ – ١٢ مع ١٢: ١٤ – ١٩؛ ٣: ١٣، ١٤ مع ١٣: ١ – ٤؛ ٢: ٦، ٧ مع ٩: ٣٣.
[7] قابل ١ بط ١: ٤ مع غلا ٣: ٢٣؛ ٢: ١٦ مع ٥: ١٣.
[8] قابل ١ بط ١: ١ مع تي ١: ١؛ ٢: ٩ مع ٢: ١٤؛ ١: ٣ مع ٣: ٥؛ ٣: ٧ مع ٣: ٧؛ ١: ١٨ مع ٢: ١٤.
[9] راجع دراسات في رسالة بطرس الرسول الأولى للدكتور موريس تواضروس.
[10] A.. C. R. Leany: The New Testament., 1972, p. 195.
[11] Oscar Cullmann: The New Testamen, SCM, 1968, p. 98.
[12] Die Biefe und Juda, 1912, p. 16.
[13] Donald Guthrie: New Testament Introduction, 1975, p. 784.
[14] Oscar Cullmann: The New Testamen, SCM, 1968, p. 98, 99.
[15] M. Dibelius: A Fresh Approach to the New Testament and the Early Christian Literature, 1936, p.188.
[16] The General Epistles of St. Peter and St. Jude, 1934, p. 17f.
[17] Donald Guthrie: New Testament Introduction, 1975, p. 785.
[18] B. H. Streeter: The Primitive Church, p. 122f.
[19] Ad Nationes VII.
[20] Donald Guthrie: New Testament Introduction, 1975, p. 783.
[21]Eusebius: H.E. 3:39:4.