تفسير العهد الجديد

تفسير سفر الرؤيا 16 الأصحاح السادس عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير سفر الرؤيا 16 الأصحاح السادس عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير سفر الرؤيا 16 الأصحاح السادس عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير سفر الرؤيا 16 الأصحاح السادس عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير سفر الرؤيا 16 الأصحاح السادس عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير سفر الرؤيا 16 الأصحاح السادس عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

 

الأصحاح السادس عشر

الجامات السبعة

في هذا الأصحاح نجد التنفيذ العملي لسكب الجامات:

  1. صدور الأمر بالتنفيذ 1.
  2. التنفيذ العملي 2 – 21.
  3. صدور الأمر بالتنفيذ

“وسمعت صوتًا عظيمًا من الهيكل قائلاً للسبعة الملائكة:

امضوا واسكبوا جامات غضب الله” [1].

خرج الأمر للسبعة ملائكة أن يمضوا ويسكبوا الجامات، هذه التي تتميز بالآتي:

أولاً: تتفق هذه الجامات مع الضربات التي حدثت في مصر، إلا أن الأولى تمتاز بأنها رمزية تتمشى مع روح السفر بكونه رمزي، أما الضربات التي حدثت قديمًا فكانت حقيقية كما هي. ونحن لسنا بهذا نستعصب حدوث ما يرد في الجامات أن يتحقق، لكن يجب أن نفهمه بروح السفر.

الجام الأول يطابق الضربة السادسة.

الجام الثاني يطابق الضربة الأولى.

الجام الثالث يطابق الضربة الخامسة.

الجام الرابع يطابق الضربة التاسعة.

الجام الخامس يطابق الضربة الثانية.

الجام السادس يطابق الضربة السابعة.

الجام السابع يطابق الضربة السابعة.

ثانيًا: أنها تتفق مع الأبواق السبعة غير أنها أكثر منها شدة وعنفًا.

ثالثًا: إن قوله “جامات غضب الله” لا يعني بالغضب الانتقام بغير رحمة، بل كما سبق أن رأينا أن غضب الله هو في حقيقته حب… حب كامل من الله تجاه البشر، لأن الله لا يضيره شيء حتى ينتقم لنفسه بالمفهوم العام الذي ندركه، بل من قبيل محبته يسمح بالتأديب أو التخلي عنا لأجل توبتنا، أو توبة الآخرين[1].

2.التنفيذ العملي

الجام الأول

“فمضى الأول وسكب جامه على الأرض،

فحدثت دمامل خبيثة ورديّة على الناس الذين بهم سمة الوحش،

والذين يسجدون لصورته” [2].

سُكب الجام الأول على الأرض، والثاني على البحر، والثالث على الأنهار، والرابع يخص الشمس، والخامس مملكة ضد المسيح، والسادس على نهر الفرات، والسابع في الجو. يرى البعض أن هذه رموز لتأديبات الله التي تحل خلال التاريخ:

  1. توعد الله لليهود الأشرار (الأرض، إذ كانوا شعبًا مستقرًا في معرفة الله).
  2. توعد الله للأمم الوثنيين (البحر، إذ كانوا شعبًا مضطربًا لم يعرف الله).
  3. توعد الله للمبتدعين في المسيحية (الأنهار، إذ كان يليق بهم أن يفيضوا بمياه الحياة).
  4. توعد الله للمسيحيين الأشرار (الشمس، إذ كان يليق بهم أن ينيروا العالم).
  5. توعد الله لضد المسيح.
  6. توعد الله للتابعين له (نهر الفرات، إذ في هذه المنطقة كانت بابل القديمة المقاومة لله، ويقال إنها ستقوم وتناضل مع ضد المسيح).
  7. 7. توعد الله قبيل الدينونة مباشرة (الجو، إذ يعقبه مجيء الرب على السحاب مباشرة).

نعود إلى الجام الأول لنجد ضربة مملوءة نتانة، إذ تحدث على أثر سكب الجام من بثور وقروح. هذه الضربة التي يسمح بها الله لمقاوميه ومختلسي حقه (1 مل 5: 6، 9). فإن قلنا إن الأرض تشير إلى جماعة اليهود، نقول إن الله الذي زينهم بإعطائهم الشريعة والمواعيد ووهبهم بركات بلا حصر، عاد فأنتن رائحتهم بسبب شرهم ورفضهم المخلص المسيا. وإن قلنا إن هذه الضربة تحل في أيام ضد المسيح، يمكننا أن نتبين أن الله سيسمح بتأديبات حتى تظهر نتانة تعاليم ضد المسيح وفساد دعوته.

الجام الثاني

“ثم سكب الملاك الثاني جامه على البحر،

فصار دمًا كدم ميت.

وكل نفس حيَّة ماتت في البحر [3].

هذا الجام ينسكب على الأمم الوثنيين الذين كانوا لا يعرفون الله، بل كانوا مضطربين في معرفته. والبحر كثيرًا ما يرد في الكتاب المقدس ليشير إلى العالم واضطراباته. وإن أخذنا أيضًا بالمبدأ القائل بأن هذه الجامات تخص فترة ضد المسيح، نقول إن هذه الضربة تحل بالشعوب التي صارت خاضعة له تتعبد له كإله. أنهم يموتون روحيًا، ليس فقط تصير رائحتهم كريهة كالضربة الأولى، بل وتصير كدم ميت، وهذا أبشع منظر لا تطيقه البشرية؛ هكذا يكون حالهم!

الجام الثالث

“ثم سكب الملاك الثالث جامه على الأنهار وعلى ينابيع المياه،

فصارت دمًا.

وسمعت ملاك المياه يقول:

عادل أنت أيها الكائن والذي يكون لأنك حكمت هكذا.

لأنهم سفكوا دم قديسين وأنبياء،

فأعطيتهم دمًا ليشربوا، لأنهم مستحقون.

وسمعت آخر من المذبح قائلاً:

نعم أيها الرب الإله القادر على كل شيء،

حق وعادلة هي أحكامك [4-7].

هؤلاء يمثلون فئة خطيرة ومميتة، إذ استودعهم الله ينابيع الحياة، وكان يليق بهم أن يقدموا ماءً حيًا سماويًا لتشرب منه البشرية الظمآنة، لكنهم بعدما عرفوا الرب وشربوا من ينابيعه وتسلموا مراكز خدمة وكرازة وعمل في الكنيسة انحرفوا. هؤلاء هم جماعة المبتدعين الذين صارت ينابيعهم دمًا. لهذا تشتاق الملائكة المملوءة حبًا ورحمة أن يؤدبهم الرب ويضيق عليهم، ليس رغبة في الانتقام، إنما من أجل النفوس البسيطة التي تشرب من أيديهم دمًا مهلكًا.

وهى أيضًا ضربة تحل في فترة ضد المسيح، تحل على الذين سلمهم ضد المسيح مراكز قيادية للخدمة والكرازة، هؤلاء من بينهم من كانوا يومًا ما كارزين بالحق، ومبشرين بالكلمة الصادقة غير المغشوشة.

الجام الرابع

“ثم سكب الملاك الرابع جامه على الشمس،

فأعطيت أن تحرق الناس بنار.

فاحترق الناس احتراقًا عظيمًا،

وجدفوا على اسم الله الذي له سلطان على هذه الضربات

ولم يتوبوا ليعطوه مجدًا” [8-9].

لقد قال لنا الرب: “أنتم نور العالم“، وقيل أننا في ملكوت أبينا نضيء كالشمس (مت 23: 42). فالإنسان المسيحي، خاصة الراعي الذي ينحرف ليس من جهة الإيمان، بل في حياته، معثرًا من هم حوله، ناسيًا رسالته، هو موضوع هذا التأديب، حيث يسكب عليه الجام الرابع.

وتظهر رمزية هذه الجامات من أنه يقول “فاحترق الناس احتراقًا عظيمًا” فلو أنهم احترقوا بصورة حرفية، لما أكمل “وجدفوا على اسم الله” ولما كان هناك محل لضربات تالية مادام الناس قد احترقوا. لكنه هنا يصور لنا شدة التأديب الذي يحل بالإنسان الذي يعرف كثيرًا ويؤتمن كسفير للمسيح فيسيء إلى موكله!

ومتى أخذنا هذا الجام عن ضد المسيح يمكن أن نفهم الشمس بالسلطة الحاكمة العليا. حيث يقيم ضد المسيح لنفسه مملكة أرضية، ويكون له سلطان زمني عنيف، ولكن إلى حين قليل كما سبق أن رأينا.

الجام الخامس

“ثم سكب الملاك الخامس جامه على عرش الوحش،

فصارت مملكته مظلمة،

وكانوا يعضون على ألسنتهم من الوجع.

وجدفوا على إله السماء من أوجاعهم، ومن قروحهم،

ولم يتوبوا عن أعمالهم” [10-11].

هنا الجام يُصب على ضد المسيح ذاته. فتصير مملكته مظلمة روحيًا وأدبيًا، ويمتليء الناس شكوكًا وحيرة من جهته. لكنهم للأسف لم يتوبوا عن أعمالهم بل جدفوا على إله السماء.

وفي قوله “لم يتوبوا عن أعمالهم“، يكشف لنا الله عن غاية سكب هذه الجامات حتى في فترة ضد المسيح المظلمة… إنه يريد توبة!

في هذا الجام تتحدى السماء ضد المسيح وأتباعه القائلين: “من هو مثل الوحش؟ من يستطيع أن يحاربه؟” (رؤ 13: 4)، ومع هذا لم يتوبوا.

الجام السادس

“ثم سكب الملاك السادس جامه على النهر الكبير الفرات،

فنشف ماؤه لكي يعد طريق الملوك الذين من مشرق الشمس [12].

في هذا الموضع – بابل – التي تشير إلى المعاندة لله، تقوم مملكة ضد المسيح ومساعديه الذين يجعلون من بابل مركزًا لسيطرتهم وتخطيطاتهم وتدابيرهم. ويشير تجفيف نهر الفرات إلى جفاف مملكة ضد المسيح المدنية وسلطانها العنيف.

ويرى الأب أبيوليطس أن هذا التجفيف يسمح به الله للملوك أتباع ضد المسيح القاطنين هناك لكي يأتوا إليه ليجتمعوا لمعاونته لكنهم ينقلبون ضده. ويرى ابن العسال أن هؤلاء الملوك هم ضده فيسهل الرب وصولهم إليه لإهلاكه.

منظر اعتراضي

“ورأيت من فم التنين ومن فم الوحش ومن فم النبي الكذاب

ثلاثة أرواح نجسة شبه ضفادع.

فإنهم أرواح شياطين صانعة آيات،

تخرج على ملوك العالم، وكل المسكونة،

لتجمعهم لقتال ذلك اليوم العظيم يوم الله القادر على كل شيء…

فجمعهم إلى موضع هرمجدون [13-16].

في الجام السادس كما في البوق السادس نجد اشتداد الحرب الأخيرة بين الثالوث النجس – أي التنين والوحش البحري (ضد المسيح) والوحش البري (النبي الكذاب) وبين الكنيسة. يتفق ثلاثتهم في شن حرب شعواء ضد الكنيسة، بروح واحدة إذ يخرج من أفواههم ثلاثة أرواح نجسة شبه ضفادع. أما كونه شبه ضفادع فذلك للأسباب:

  1. أنه روح شر نجس، لا يطيق روح الله القدوس العامل في الكنيسة.
  2. أنه يخرج في الظلام، لا يطيق النور.
  3. يعيش في الأماكن الوحلة، لذا يقوم على الخداع بالشهوات الدنسة.
  4. يملأ آذان الناس ضجيجًا، يحث الجميع على معاندة الله.

هذه الأرواح الشريرة هي:

  1. أرواح شياطين، تعمل متخفية مستخدمة آلات بشرية كثيرة.
  2. تستخدم الآيات والمعجزات الشيطانية للتضليل والخداع.
  3. تستخدم العنف، إذ يخدع ضد المسيح ملوكًا كثيرين، يجمعهم لمحاربة الله، وستكون هذه الحرب في “هرمجدون“. وهو موقع رمزي، إذ هو من ميادين القتال الشهيرة التي يرتبط اسمها بسفك الدماء والحزن (زك 12: 11). في هذا الميدان غلب جدعون المديانيين، والفلسطينيون شاول، وبالاق ودبورة الملك الكنعاني يابين، وقتل ياهو أخزيا بسهمٍ.

ويرى القديس إيرينيموس أن معنى “هرمجدون” جبل اللصوص، لأن ضد المسيح وشيعته هم لصوص يغتصبون حق الله ومجده. ويرى ابن العسال أنها تعني “الموضع الدنيء”.

نعود لنسمع تحذير الرب: “ها أنا آتي كلص. طوبى لمن يسهر ويحفظ ثيابه، لئلا يمشي عريانًا، فيروا عورته [15].

هذا التحذير موجه من الرب لكل إنسان في كل عصر. أنه سيأتي فجأة إذ ملكوت الله لا يأتي بمراقبة. ولعل الرب قد خشي أن يهتموا بالبحث عن الأوقات والمواعيد، ومن خلال هذه الجامات الست يظنون أن وقت ضد المسيح لم يحن بعد فيهملون، لهذا أعلن أنه آتٍ كلصٍ بلا موعد معروف لنا، لذا يليق بنا:

  1. أن ننال تطويب السهر والمثابرة.
  2. أن نحفظ ثيابنا، أي لا نخلعه أثناء النوم لكي نبقى مستيقظين حتى في نومنا، قائلين: “أنا نائمة وقلبي مستيقظ” (نش 5: 2). بهذا لا يقوم الإنسان غفلة، فيجد نفسه عاريًا فينفضح. والثوب يشير إلى نعمة الله الساترة علينا، وفضائل الرب التي نعيش فيها، وننمو فتسترنا وتزيننا.

الجام السابع

“ثم سكب الملاك السابع جامه على الهواء،

فخرج صوت عظيم من هيكل السماء

من العرش قائل:اً قد تم [17].

في هذا الجام الأخير كما في البوق الأخير يستخدم أحداث ما قبيل القيامة مباشرة كفرصة أخيرة للتأديب. لقد جاء وقت الدينونة لهذا سمع الرسول صوتًا عظيمًا خارجًا من هيكل السماء، من العرش، قائلاً: “قد تم“. فإن آخر ما يمكن أن يقدم للبشر لأجل خلاصهم قد تم.

وقد لخص الرسول الجام السابع في قوله:

“فحدثت أصوات ورعود وبروق.

وحدثت زلزلة عظيمة لم يحدث مثلها منذ صار الناس على الأرض،

زلزلة بمقدارها عظيمة هكذا.

وصارت المدينة العظيمة ثلاثة أقسام،

ومدن الأمم سقطت،

وبابل العظيمة ذكرت أمام الله ليعطيها كأس خمر سخط غضبه.

وكل جزيرة هربت، وجبال لم توجد [18-20].

هذه الأحداث جميعها سبق شرحها في الحديث عن الختم السادس (رؤ 6: 12-17)0 أما سقوط المدينة العظيمة، فتشير إلى المدينة المقدسة أورشليم التي لم تعد مقدسة، بسبب استخدام ضد المسيح لها كمركز شيطاني لبث أضاليله. وأما سقوط بابل العظيمة ومدن الأمم فسيأتي الحديث عنها في الإصحاحين 17 و18.

وأخيرًا يقول: “وبرد عظيم نحو ثقل وزنة نزل من السماء على الناس، فجدف الناس على الله من ضربة البرد، لأن ضربته عظيمة جدًا [21].

هذا البرد الثقيل النازل من السماء إنما هو صورة استعارية للكشف عن شدة غضب الله التي تجتاح العالم. فكما كانت الشريعة تأمر برجم من يجدف على اسم الله (لا 24: 16)، وهوذا قد بث ضد المسيح التجديف في أوسع نطاق، رجمتهم السماء بالغضب الإلهي. ومع هذا لم يتوبوا حتى في لحظات احتضارهم بل ازدادوا تجديفًا وعنادًا.

 

 

[1] راجع هذا المفهوم بصورة أكثر توسعًا في كتاب الحب الأخوي طبعة 1963.

تفسير سفر الرؤيا 16 الأصحاح السادس عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي