شرح بكر كل خليقة πρωτότοκος πάσης κτίσεως (كو 1: 15) – الباحث أمجد بشارة
بعد أن أوضح بولس علاقة المسيح بالله كونه صورة الله غير المنظور الأزلي، يوضح الآن علاقة المسيح بالمخلوقات، وكتبها بطريقة دفاعية للرد على المعلمين الغنوصيين الكذبة الذين اعتقدوا أن المسيح مجرد هلام وليس شخصًا حقيقيًّا!
السياق يوضح أن اللقب لا يمكن أن يشير إليه باعتباره أول الكائنات المخلوقة، لأن الكلمات التالية مباشرة، والتي تقدم تعليقًا على العنوان (لإنه متبوع بأداة الوصل اليونانية ὅτι)، تؤكد على أنه هو الذي به الخليقة كلها. خرجت الى حيز الوجود. علاوة على ذلك، وبصرف النظر عن عدم توافق هذا الفكر مع تعليم بولس بشكل عام عن شخص المسيح وعمله، فإن كلمة πρωτότοκος (“البكر”) نفسها لا تحتم مثل هذا المعنى.[1]
فليس المقصود هُنا أن المسيح أول الخليقة، أو أول مخلوق خلقه الله؛ لأنه في الأية التالية مباشرة يقول الرسول: “فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ.” (كو 1: 16)، أي أن كل المخلوقات استمدت وجودها منها، خُلِقت بواسطة الابن، ولذلك فهو نفسه لا يمكن أن يكون مخلوقًا أبدًا؛ ولا هو الأول في الخليقة الجديدة، لأن الرسول في السياق يتحدث عن الخليقة القديمة، وليس عن الخليقة الجديدة.[2] حتى أنّ أوريجانوس استخدم هذا النص للدلالة على لاهوت المسيح.[3]
وفي الفكر اليهودي تم استخدام مصطلح “البكر” لأهداف محددة، فمثلًا تم تكراره في السبعينية (130 مرة)، غالبًا في سلاسل الأنساب والروايات التاريخية، للإشارة إلى الأولوية الزمنية وسيادة المرتبة. وكثيراً ما كانت كلمة “بكر” تُستخدم للإشارة إلى الشخص الذي كان له مكانة خاصة في محبة الأب. لذلك يُدعى إسرائيل “ابني الحبيب” (υἰὸς πρωτότοκός μου، خروج 4: 22 سبعينية)، “أَنْتَ بِكْرِي، قُوَّتِي وَأَوَّلُ قُدْرَتِي، فَضْلُ الرِّفْعَةِ وَفَضْلُ الْعِزِّ” (تك 49: 3).
كما أنّها يمكن أن تترجم بكلمة “رئيس” في العبرية كما جاء في 1 أخ 5: 12 LXX (بحسب السبعينية).[4] وهي كلمة تعبر عن العلاقة الوثيقة بين الله وإسرائيل. في اليهودية، كما يُمنح الملك المسيح، وكذلك إسرائيل والبطاركة والتوراة، هذا اللقب المميز في العهد القديم.[5] فالبنسبة لليهود كلمة “بكر” مرادفة لكلمة “ملك”، ويفسرونها بـ (גדול ושר)، “عظيم”، و”أمير”؛ كما جاء في المزامير: “أَنَا أَيْضًا أَجْعَلُهُ بِكْرًا، أَعْلَى مِنْ مُلُوكِ الأَرْضِ.” (مز 89: 27) وهي نبوة عن مسيانية.[6]
بينما تأمل الكتّاب اليهود حول الحكمة من خلال إعطائها مكانة شبه شخصية (كانت حاضرة عند الله منذ الأزل، حك 9: 9؛ مشاركة في العرش الإلهي، حك 9: 4؛ موجودة قبل السماء والأرض، ووفقًا لفيلون كانت “الحكمة”/”الابن البكر،” الأداة “التي بها جاء الكون إلى الوجود”).[7] حيث يقول:
” لأننا وإن كنا غير مؤهلين بعد لأن ندعى أبناء الله، فإننا لا نزال نستحق أن ندعى أبناء الله. لإننا نستحق أن نُدعى أبناء صورته الأبدية، كلمته المقدسة؛ لأن صورة الله هي كلمته الأقدم”.[8]
فالمعنى المقصود هُنا هو أنه ولد من الآب بطريقة لا يمكن للبشر تصورها ولا التعبير عنها، قبل أن توجد أية مخلوقات؛ أو أنه “الوالد الأول” أو جالب كل مخلوق إلى الوجود. فهو أول أصل لكل شيء مخلوق: “فإنه به خلق الكل” (كولوسي 1: 16)، أو يمكن أن يُفهم من المسيح، باعتباره الملك والرب والحاكم على جميع المخلوقات؛ كونه بكر الله، فهو وارث كل شيء، وله حق الحكم؛ وهو أعلى من ملوك الأرض، أو ملائكة السماء، أعلى مرتبة من المخلوقات، فهو خالق الجميع وحافظهم: “وَأَيْضًا مَتَى أَدْخَلَ الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: «وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ».” (عب 1: 6).
فنحن نفهم معنى كلمة البكر بطريقتين هُنا:
1- المتفوق على الخليقة حيث أنه أصلها وموجدها وسيدها وتستمد وجودها منه.
2- وجود المسيح بالجسد، حيث أنه يُدعى البكر الجديد أي الرأس الجديد للبشرية، كما كان آدم بكر البشرية ورأسها الأول.
“وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ” (أف1: 22، 23)؛
“أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ. كَوْكَبُ الصُّبْحِ الْمُنِيرُ” (رؤ22: 16)؛
“لأَنَّهُ لاَقَ بِذَاكَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ الْكُلُّ وَبِهِ الْكُلُّ، وَهُوَ آتٍ بِأَبْنَاءٍ كَثِيرِينَ إِلَى الْمَجْدِ، أَنْ يُكَمِّلَ رَئِيسَ خَلاَصِهِمْ بِالآلاَمِ.” (عب 2: 10)؛
“لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ، هكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ.” (1 كو 15: 22)؛
“فَإِذًا كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، هكَذَا بِبِرّ وَاحِدٍ صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ.” (رو 5: 18)؛
“الإِنْسَانُ الأَوَّلُ مِنَ الأَرْضِ تُرَابِيٌّ. الإِنْسَانُ الثَّانِي الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ.” (1 كو 15: 47)؛
“هكَذَا مَكْتُوبٌ أَيْضًا: «صَارَ آدَمُ، الإِنْسَانُ الأَوَّلُ، نَفْسًا حَيَّةً، وَآدَمُ الأَخِيرُ رُوحًا مُحْيِيًا».” (1 كو 15: 45).
إقرأ أيضًا:
شرح بداءة خليقة الله ἡ ἀρχὴ τῆς κτίσεως τοῦ θεοῦ (رؤ3: 14) – أمجد بشارة
[1] Peter T. O’Brien, Word Biblical Commentary: Colossians-Philemon, Word Biblical Commentary (Dallas: Word, Incorporated, 2002). 44.
[2] John Gills Exposition of the Bible Commentary, Colossians, 1: 15
[3] Book 2, sec. Against Celsus
[4] Craig S. Keener and InterVarsity Press, The IVP Bible Background Commentary: New Testament (Downers Grove, Ill.: InterVarsity Press, 1993). Col 1:15.
[5] Peter T. O’Brien, Word Biblical Commentary: Colossians-Philemon, Word Biblical Commentary (Dallas: Word, Incorporated, 2002). 44.
[6] R. Sol. Urbin. Ohel Moed, fol. 50. 1; Peter T. O’Brien, Word Biblical Commentary: Colossians-Philemon, Word Biblical Commentary (Dallas: Word, Incorporated, 2002). 44.
[7] Philo of Alexandria and Charles Duke Yonge, The Works of Philo: Complete and Unabridged (Peabody, MA: Hendrickson, 1995).178, 247, 348..
[8] Philo of Alexandria and Charles Duke Yonge, The Works of Philo: Complete and Unabridged (Peabody, MA: Hendrickson, 1995). 247.