يُجيبنا عالم العهد الجديد كريج ايفانز بالآتي:
“العديدُ من النّاسِ ومن ضمنهِم المسيحيينَ , لا يعرفون لماذا تم إعدامُ المسيحِ, لماذا واجهَ معارضة مميتةً . لقد سمعتُ أناساً يقولون أن يسوع قد حوكم بالموت لأنه كانَ رجلاً جيداً أو لأنَ الفريسيين المُنافقينَ قد خافوا منهُ . ولكن هذا في الواقع شيء خارج عن المنطقِ . تكشفُ أناجيل العهد الجديد عن عدة عواملَ تاريخية , كلها في نهاية حياةِ يسوع ,التي قادت إلى إعدامهِ , أمّا طيبَتهُ وخِصامه مع الفريسيين ليسا من بينهم .
السّبب الأول أن يسوع أثار معارضيه , بسبب الطّريقة التي دخَلَ بها إلى أورشليم في بداية الأسبوع الأخير من خدمتهِ . فقد دخَلَ المدينة المُقدسة راكباً على جحشٍ , وسطَ الهُتافاتِ ” أوصنا! , مباركة مملكة أبينا داود الآتية باسم الرب!”(مرقس 1:11-10), دخول المدينة بهذه الطّريقة فإنه قد حاكى عمداً سليمان ابن داوود , الذي قبل ألف سنة قاد بغلةً بشكل ملوكي للإعلان عن مُلكه (1مل 32:1-40), وهكذا دخول أيضاً أجابَ على النبوءة القديمة عن الملك المُنتظر المتواضع (زك9:9)
وليس فقط ما فَعلُهُ يسوع يُذكّرُ بآمالِ مجيء ابن داوود , بل أنّ الجماهير عكَسَت نفس التفسير الشّعبي له.
“فأوصنا” هي كتلميح لمزمور 118 ,كانَ بمثابة إعلان أن هذا الذي يأتي إلى الهيكل “باسم الرب” ليس أحد آخر غير داوود,المُقدر أن يكون ملكَ اسرائيلَ وحاكِمها.(انظر مز 19:118-27,بحسب الصياغة الآرامية).وكهذا حدث يقترحُ في مفاهيمَ غيرَ مغلوطة أنّ ملِكَ اسرائيلَ هو يسوع, وليسَ قيصر.وبالتالي من اللحظة الأولى لدخول أورشليمَ, فإنّ يسوع قد كانَ في وضع تصادم مع السُّلطة الرّومانيّة.
السّبب الثاني أن يسوع قد أثار مُعارضيهِ, كانَ بسبب أفعالهِ في ساحةِ الهيكلِ . ففعلُهُ المشهور قد عطّل حركةَ تجارة الذبائِح , وتحدّى الكهنة المُسيطرين بكلماتٍ مُقلِقة (مر 15:11-18):
“أليس مكتوبا:
بيتي بيت صلاة يدعى لجميع الأمم؟
وأنتم جعلتموه مغارة لصوص”
الجزء الأول من هذا الاقتباس مأخوذ من اشعياء 7:56 التي هي جُزء من وحي الذي يتطلع إلى اليوم عندما يكون كل النّاس , الأمم واليهود من بعيد,سيأتون إلى أورشليم وسيكون مُرحّباً فيهم.كُلّ النّاس سيعبدون إله اسرائيل:وستُقبل هداياهم وصلواتهم سَتُسمع .فهذا الوحي لم يعني شيئاً جديداً لليهود في ذلك الوقت , فهو يعكس الهدف الأصلي من الهيكل , كما هو موجود في صلاة سليمان الخلاصية القديمة (1مل41:8-43),فما فعلهُ يسوع وسأل عنه فهو يُطبق ما جاء في وحيّ اشعياء والتي تعني أنّ سلطات الهيكل قد فشلوا في اداء خدمتهم.
فالهيكل لم يَعُد مكاناً للصلاة لكل الأمم , بل قد أصبح “مغارةَ لصوص” .وهنا في الجزء الثّاني فإنّ يسوع يُلمّح إلى النّقد اللّاذع في ارميا لتأسيس الهيكل في أيامِه(ار11:7), مُحذّراً بأنّ الله سيدمر الهيكل ,فالكهنة المُسيطرين والكَتبة والشيوخ قد كانوا قد شعروا بالإهانة بسبب نقد يسوع وكلماتهِ الهجوميّة.
فهذه العِظة المليئة بالغضب , المبنية على ارميا 7 والذي قد يُدخل في المشاكل موثّق عند يوسيفوس[مؤرخ يهوديّ]. فيوسيفوس يُخبرُنا عن يشوع بن حنانيا ,والذي بدأ عام 62م بالتنبأ بهلاك مدينة أورشليم وهيكلها المشهور.مثلَ يسوع النّاصري فإن يشوع بن حنانيا أشار إلى ارميا 7 عندما كانَ بالقُربِ من الهيكل.(Josephus, J. W. 6.300-305; cf. Jer. 7:34)..فإنّ هذا “يشوع” كان محظوظاً,فعلى خلافِ يسوع النّاصري فإن يشوع بن حنانيا لم يُعدم(بالرغم من مُطالبةِ القادة الدّينين بأن يموت), ولكن قد أُعفيَ عنهُ.
وعلى أيه حالِ فإن حظه قد انتهى بعد سبع سنواتٍ عندما , في حصارٍ,قد قُتِلَ يشوع بن حنانيا بواسطة صخرة منجنيق التي اندفعت على الحائط.
“السبب الثالث أن يسوع قد قوبل بالمعارضة هو قوله لمثل “حقل الكرم” (مر 1:12-12). فهو قد روى هذا المثل كإجابة غير مباشرة للسؤال الذي وُضِع أمامه بواسطة الكهنة المسيطرين وأتباعهم, والذين طلبوا منه أن يعرفوا بأي سلطان قد فعل يسوع ما فعل في المنطقة المحيطة بالمعبد(الهيكل).(مر27:11-33). وهذا سيء بشكل كافٍ أن يسوع قد بنى مثَلَه هذا على مثَل اشعياء لحقل الكرم , والذي فيه تم تحذير إسرائيل بقرب حدوث الدينونة بسبب فشلهم في تطبيق العدالة.(اشعياء 1:5-7). وما جعل مثل يسوع مزعجاً على وجه التحديد للكهنه ذوي النفوذ أن مثَل اشعياء أصبح يُفهم على أنه موجّه بشكل أوليّ ضد تأسيس المعبد (الهيكل). نستطيع أن نرى هذا المنظور في إعادة صياغة نص اشعياء بالآرامية , في التفاسير الرابانية اللاحقة , وأيضاً في لفافة من قمران (4Q500) والتي تؤرخ إلى القرن الأول ق.م. النقطة التي يشير إليها يسوع من الصعوبة أن تفوَّت , بسبب تمردهم على الله , وخصوصاً كما يُرى من تآمرهم لقتل ابنه , فالكهنة المسيطرين قد واجهوا الحكم.فهذا التهديد ,معاً والتهديد المُتضمن قبل قليل عندما استخدم يسوع ارميا 7 , قد حثّ الكهنة ذوي النفوذ ليسعوا وراء حياة يسوع.
السبب الرّابع أن يسوع قد قوبل بالمعارضة, كانَ بسبب قيامِ المرأة غير المعروف اسمها بمسحهِ بالطيب(مر3:14-9).ولسنواتٍ عديدة قد رفض المفسرون أن يُفسروا هذا الفعل كمسحةٍ مسيانيّة من جهةِ المرأة,مقترحين بدلاً من ذلك أنّه مسحة عيد الفصح.ربما مثل ما يوافق في يومنا هذا دبق شجرة عيد الميلادChristmas mistletoe. هذا الرّفض العلمي ربما كان مبنياً بشكلٍ خاطئ على الفرض من البعض أنّ المسيح لم يفهم نفسه بمفاهيمَ مسيّانيّة.هذا المفهوم الغريب قد تمّ تحديهِ بسبب اكتشاف لفافة قمران المتأخرة والتي لا تقل أهمية (4Q521) والتي تتحدثُ بكلماتِ شفاءٍ والتي ستحدث عندما يُظهر المسيّا نفسهُ , أعمالٍ توازي بشكلٍ قريبِ ما قاله يسوع بشكلٍ مُختصر في رده على المسجون يوحنا المعمدان مُثبَط العزيمة.(متى 2:11-6,لو18:7-23).من هذا الاكتشاف المُهم , فإنّ العُلماء الآن مُنفتحينَ أكثر لتأكيد ما قالتهُ الأناجيلُ طوالَ الوقتِ ,أنّ يسوع قد فهم نفسه كمسيّا اسرائيل .كيف نُعلل هوية يسوع في كل مكان على أنه المسيح , أنّ يسوع لم يعتقد في نفسهِ بهذه المُصطلحاتِ , سؤالٌ لم يكن كافياً لإثارة اعجابِ هؤلاء العلماء المُشككين.
النقطة الهامة في هذا الحدث أنه في الوقت ذاته بعدما قامت المرأة بمسح يسوع , غادر يهوذا الاسخريوطي ليخون سيده(مر10:14-11),فالتباين بين اسم التلميذ الذي قام بفعل الغدر , والمرأة غير معروفة الاسم التي قامت بفعل التقوى , قد تمّ التعليق عليهما مراراً. فهو قطعة أدبية فنية ,بلا شك!ولكن أحياناً قد تمّ تجاهُل أن أفعال المرأة من المحتمل قد وصلت للكهنة المُسيطرين , مع عقد صفقة يهوذا!
لم يستحق يهوذا المال فقط من خلال إرشاد الكهنة المسيطرين لمكان صلاةِ يسوع الخاص , بل سيخبرهم بشهادة عما علّم يسوع وكيف اعتبره التلاميذ .فالمرأة التي قامت بمسح يسوع ستكون مهمة جداً لدرجة أنهُ من الصّعب تجاهلها.
فهيَ قد تزود أسباباً أكثر لتدمير يسوع .
في النهاية ,فإن السّلـطات اليهودية سعت لقتل يسوع ليس لأنه رجل صالح ولكنّ يسوع تم ادراكه أنه يُشكلُ تهديداً سياسياً جاداً, فرسالته لحكم الله قد هددت الوضع الراهن.والتي لم يرد الكهنة المسيطرين أن تُقلب .فإن يسوع دخَلَ أورشليمَ كالممسوح ابن داوود,فهو فرض السّلطة في ساحة الهيكل كما لو يملك السّلطة المسيانيّة , فهو احتكم إلى هدف الهيكل بطريقة تُذكّر بصلاة سليمان الخلاصية للهيكل بطريقة تشير إلى أنه الملك , وهو بالفعل قد تمّ مسحه على الأقل من خلال تابعٍ واحد, مسحةٍ في كل الاحتمالات تُفسر على أنها لها أهمية مسيانية . بالكادِ يكون الأمرُ مُفاجئاً أنّ رئيسُ الكهنة الغاضب يسألُ يسوعَ مباشرةً “أأنت المسيحُ ابنُ المبارك ؟” , أن الحاكم الرّوماني قد وضع بالقرب من الصليب لوحة تُقرأ” هذا يسوع ,ملك اليهود”.
Craig A. Evans, N.T Wright,(2009) Jesus The Final Days What Really Happened, Westminster John Knox Press,pp.5-9