ان كان المسيح الها فالشيطان ايضا دعي اله هذا الدهر
ان كان المسيح الها فالشيطان ايضا دعي اله هذا الدهر
ان كان المسيح الها فالشيطان ايضا دعي اله هذا الدهر
يدعو بولس الشيطان إله هذا الدهر، ليس لوضع الشيطان على مستوى الله، ولكن لإظهار أن الشيطان هو حاكم هذا العالم.[1]
في القرون القليلة الأولى من العصر المسيحي، نشرت الغنوصية مذهبها القائل بأن الشيطان هو إله هذا الدهر.
ليس الله الحقيقي، بل إله شرير هو الذي خلق هذا العالم ويسيطر عليه الآن. معارضة لهذا التعليم، أراد العديد من اللاهوتيين حرمان الشيطان من لقب الإله ونسبه إلى الله فقط. وهكذا اقترحوا الترجمة: “لأولئك غير المؤمنين في هذا الدهر الذين أعمى الله عقولهم.”[2] لكن ترتيب الكلمات اليوناني لن يدعم هذه الترجمة. الله لا يريد موت أحد، بل يريد أن يتوب الجميع ويحيوا (حزقيال ١٨: ٢٣، ٣٢؛ ٢ بطرس ٣: ٩). الشيطان هو عدو الله وشعبه. وعلى هذه الأرض، يمارس السلطان المعطى له (لوقا 4: 6).
فقد استخدم ماركيون هذا النص ليدلل على وجود إلهين في العالم، واحد صالح والآخر شرير، وهذه واحدة من اهم عقائد الغنوصيين،[3] لذا فإن كثير من آباء الكنيسة قد رفضوا تفسير هذا النص على أنه يعود على الشيطان، بل على الله ذاته الذي أعمى أذهان غير المؤمنين الرافضين له، أي أنه اسلمهم لذهن مرفوض، أو كما قسى الله قلب فرعون في القديم. (انظر ذهبي الفم:
PG 61 col. 455: οὕτως ἀναγνωστέον, ὅτι τῶν ἀπίστων τοῦ αἰῶνος τούτου ἐτύφλωσεν ὁ θεὸς τὰ νοήματα،
والذي ترجمته: “يجب أن تُقرأ هكذا؛ “لقد أعمى الله أذهان غير المؤمنين في هذا العالم”. وليس ذهبي الفم وترتليان فحسب بل غالبية الآباء الأولين.[4]
لكن هذا التفسير مرفوض تمامًا، لإنه يحل مشكلة واحدة ويخلق مشاكل أُخرى، كما أنه متأثر بالرد على الهرطقة الغنوصية فقط! وأخيرًا فإن الله ليس إله هذا الدهر فقط، بل هو إله كل الدهور![5]
لم يتحدث معلمون يهود آخرون صراحة عن الشيطان باعتباره “إله هذا الدهر”، لكن معظمهم أدركوا أن الأمم (الجميع ما عدا أنفسهم) كانت تحكمها قوى روحية تحت قيادة الشيطان[6]. وحتى في المصادر الرابينية[7] نجد أن المعلمين اليهود يدعون الشيطان أحيانًا بالإله الغريب، أو الإله الآخر.[8] كما يوضح بعض الرابيين أن الإله الأول هو الإله الحق، أم الإله الثاني فهو الشيطان Samael.[9]
وليست هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها الكتاب المقدس عن شيء بتعبير “إله”، فالإنسان يصنع إلهه الخاص الذي يعبده ويتبعه ويعطيه السلطان على حياته ومصيره، كما جاء في فيلبي: “الَّذِينَ نِهَايَتُهُمُ الْهَلاَكُ، الَّذِينَ إِلهُهُمْ بَطْنُهُمْ وَمَجْدُهُمْ فِي خِزْيِهِمِ، الَّذِينَ يَفْتَكِرُونَ فِي الأَرْضِيَّاتِ.” (في 3: 19).[10] ومكتوب أيضًا: “لأَنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ مَا يُسَمَّى آلِهَةً، سِوَاءٌ كَانَ فِي السَّمَاءِ أَوْ عَلَى الأَرْضِ، كَمَا يُوجَدُ آلِهَةٌ كَثِيرُونَ وَأَرْبَابٌ كَثِيرُونَ.” (1 كو 8: 5).
كما أن الشيطان قادر على أن يتحول إلى ملاك نور (11: 14) ليخدع الناس. ومن خلال المعجزات والآيات والعجائب المزيفة، يستخدم مكائده الشريرة لخداع الهالكين (2 تسالونيكي 2: 9). إنه يجول كأسد زائر باحثًا عن فريسة ليأكلها (1 بط 5: 8). وكروح (إله) الدهر، لديه القدرة على أن يعمي أذهان غير المؤمنين.
والتناقض هُنا مذهل: فالوعاظ يطردون ظلمة العالم بإنجيل المسيح المنير؛ يضرب الشيطان غير المؤمنين بالعمى، حتى لا تتمكن عقولهم من رؤية نور الإنجيل. فالحجاب يغطي أذهانهم، مثلما رفض شعب إسرائيل رؤية وجه موسى يشع بمجد الله، وكما لم يتمكن اليهود من فهم رسالة الكتاب المقدس (3: 13-15).
وعلى العكس من ذلك، يرسل المسيحيون نور إنجيل المسيح ويعكسون مجده. ليس للشيطان سلطان على المؤمنين الثابتين في إيمانهم، على الرغم من أنه يحاول خداعهم – إذا كان ذلك ممكنًا (متى 24: 24؛ مرقس 13: 22). لا يرى المؤمنون مجد المسيح من خلال إنارة الإنجيل فحسب، بل يعكسون مجده أيضًا في حياتهم اليومية.[11]
يضع بولس ثلاثة مضافين بعد إنارة الاسم، وهي “الإنجيل”، “المجد”، “المسيح”. يشرح كل مضاف ويؤكد الاسم الذي يسبقه. ومن ثم، لدينا هذا التسلسل: الإضاءة التي يصدرها الإنجيل مستمدة من المجد الذي للمسيح.[12]
وخاتمة هذه الآية هي بيان حقيقة: “”المسيح… هو صورة الله”” (1كو 11: 7؛ كولوسي 1: 15؛ قارن رومية 8: 29؛ 2كو 3: 18؛ فيلبي 1: 15؛ 2: 6؛ عب 1: 3). إن مفهوم صورة الله يوجه انتباهنا إلى الله الذي خلق الإنسان على صورته ومثاله (تكوين 1: 26-27). وهنا علاقة الأب والطفل التي تنطوي على تشابه أحدهما مع الآخر. في حين أن آدم هو حامل صورة الله فقط عن طريق القياس، فإن المسيح هو “التمثيل الدقيق لوجوده” (عبرانيين 1: 3).
علاوة على ذلك، فإن ابن الله يعكس مجد الله ببراعة وبالتالي في جوهره يمتد مجد الآب.[13] من خلال يسوع المسيح، أصبح مجد الآب مرئيًا لعالم البشرية (يوحنا 1: 14ب؛ 14: 9). وهذا بالضبط ما يوضحه بولس في السياق التالي: “لأَنَّ اللهَ الَّذِي قَالَ:«أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ»، هُوَ الَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ اللهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ” (الآية 6).
هل قام بولس بتأليف العبارة صورة الله؟ يرى العديد من اللاهوتيين أن هذا السطر كان جزءًا من صيغة اعترافية أو ترنيمة كانت مستخدمة عندما كتب بولس رسائله.[14] وهذا يثير سؤالًا مثيرًا للاهتمام حول ما إذا كان من الممكن أن يكون بولس هو مؤلف هذه الصيغة أو الترنيمة.[15] يبقى أن نرى ما إذا كانت الأدلة كافية لإثبات أن بولس ليس هو المؤلف. والبحث في هذه النقطة يتجاوز نطاق هذا التعليق.[16]
[1] يؤكد رودولف بولتمان أن بولس يستعير هنا بعض المصطلحات الغنوصية للرد عليها، دون الإشارة إلى أن هذه الهرطقة كانت منتشرة في كنيسة كورنثوس.
See Theology of the New Testament, 2 vols., trans. K. Grobel (London: SCM, 1952–55), vol. 1, pp. 170–72.
[2] Consult the survey by Norbert Brox, “‘Non huius aevi deus’ (Zu Tertullian, adv. Marc. V 11, 10),” ZNTW 59 (1968): 259–61.
[3] Tertullian, Adv. Marc. V xi; PL 2 col. 499 (cited by MacRae, ‘Anti-Dualist Polemic’, p. 420)
[4] Irenaeus (Haer. iv. 48), Origen, Tertullian (contra Marc. iv. 11), Chrysostom, Augustine (c. advers. leg. ii. 7. 8), Oecumenius, Theodoret, Theophylact.
[5] “وَمَلِكُ الدُّهُورِ الَّذِي لاَ يَفْنَى وَلاَ يُرَى، الإِلهُ الْحَكِيمُ وَحْدَهُ، لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْمَجْدُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. آمِينَ.” (1 تي 1: 17).
Margaret E. Thrall, A Critical and Exegetical Commentary on the Second Epistle of the Corinthians (London; New York: T&T Clark International, 2004). 307.
[6] Craig S. Keener and InterVarsity Press, The IVP Bible Background Commentary: New Testament (Downers Grove, Ill.: InterVarsity Press, 1993). 2 Co 4:3.
[7] Heinrich August Wilhelm Meyer, ed. William P. Dickson, trans. D. Douglas Bannerman, David Hunter and William P. Dickson, Critical and Exegetical Commentary on the New Testament (Edinburgh: T&T Clark, 1879). 228.
[8] Jalkut Rubeni, f. 10. 4, ad Gen. 1:27. Comp. the passages in Eisenmenger, Entdecht. Judenth. I. p. 827.
[9] Alfred Plummer, A Critical and Exegetical Commentary on the Second Epistle of St. Paul to the Corinthians. (New York: Scribner, 1915). 115.
[10] Robert Jamieson, A. R. Fausset, A. R. Fausset, David Brown and David Brown, A Commentary, Critical and Explanatory, on the Old and New Testaments (Oak Harbor, WA: Logos Research Systems, Inc., 1997). 2 Co 4:4.
[11] Derk W. Oostendorp, Another Jesus: A Gospel of Jewish-Christian Superiority in II Corinthians (Kampen: Kok, 1967), p. 48.
[12] Compare J. H. Moulton and Nigel A. Turner, A Grammar of New Testament Greek (Edinburgh: Clark, 1963), vol. 3, Syntax, p. 218.
[13] Refer to Herman Bavinck, Gereformeerde Dogmatiek, 4 vols. (Kampen: Kok, 1928), vol. 2, p. 241.
[14] See, among others, Jacob Jervell, Imago Dei: Gen 1, 26f im Spätjudentum und in den paulinischen Briefen, FRLANT 76 (Göttingen: Vandenhoeck und Ruprecht, 1960), pp. 198, 209, 214.
[15] Kim, Origin of Paul’s Gospel, pp. 143–45.
[16] Simon J. Kistemaker and William Hendriksen, New Testament Commentary: Exposition of the Second Epistle to the Corinthians, New Testament Commentary (Grand Rapids: Baker Book House, 1953-2001). 141.