400 ألف خطأ في مخطوطات العهد الجديد ج2 – ليه بنثق في نصوص الكتاب المقدس؟
ليه بنثق في نصوص الكتاب المقدس؟
تعليق إيرمان بأن هناك 400 ألف خطأ في مخطوطات العهد الجديد!
لنلق نظرة إلى دزينتين أو نحو ذلك من الأماكن الرئيسيّة حيث لا تتفق مخطوطات العهد الجديد. مع بعض الاستثناءات الممكنة، لا يوجد مكان حيث الناسخ بكلّ بساطة أساء في الاستماع أو أساء في قراءة نصّ ما. هذه هيَ النصوص التي لسبب أو لآخر، واحد أو أكثر من النُسَّاخ القُدماء قام بتغييرها. لذا، خذ لنفسك ترجمة مُعيّنة للكتاب المقدّس تحتوي على ملاحظات عن اختلافات النصوص، وانظر بحرص إلى الاحتمالات. قيّم كلّ احتمال بحرص، وقرّر لنفسك فيما إذا كانت الاختلافات حقًّا “جدًّا مهمة” في نهاية الأمر.
الحالة التي فيها نُسَّاخ غيورين
كثير من التغييرات الملحوظة في وثائق العهد الجديد نبعت من نُسَّاخ زادت عندهم الغيرة أو الحماسة التي من خلالها شعروا بأنّه من الضروريّ أن يوضّحوا مفاهيمًا إيمانيّة سبق تعليمها في النصوص. مثال على ذلك، تقريبًا في كلّ مخطوطات العهد الجديد، متّى 1: 16 تُقرأ بهذا الشكل: “وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَمَ الَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ”.
ولكن في نقطة ما، أراد النُسَّاخ أن يؤكدوا للقُرَّاء ليفهموا بأنّ يسوع مولود من عذراء، فغيَّر النُسَّاخ هذا العدّد، ليكون: “وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يُوسُفَ لمن كانت مخطوبة العذراء مَرْيَمَ الَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ”.
مع أنّ تصرُّف النُسَّاخ لم يكن بالضرورة جدير بالثناء، فإنّ هذا التغيير لا يؤثِّر على أحد ليفهم النصّ. إنّ بقيّة هذا الأصحاح يؤكّد بأن مريم كانت عذراء حين حبلت بيسوع (متّى 1: 18 – 25)، إذًا، النُسَّاخ ببساطة أكدوا على حقيقة كانت موجودة بكلّ وضوح في النص.
وتجد أمثلة أُخرى من هذا النوع في تغيير النصوص: في متّى 17: 12 – 13 أعاد الناسخ صياغة بضع كلمات ليؤكّد للقارئ أنّ يسوع وليس يوحنّا المعمدان هو المدعو بـ”ابن الإنسان”.
في لوقا 2: 33 حذف أحد النُسَّاخ الكلمات: “أبوه his father” لكي يؤكّد للقارئ بأنّ يوسف كان الأب الشرعيّ ليسوع وليس الأب البيولوجيّ. هذا التاْكيد هو بالفعل واضح في مقاطع أُخرى من هذا الإنجيل (لوقا 1: 26 – 38 و2: 5).
مثالًا آخر من هذه التغييرات وُجِد في الرسالة الأولى إلى تيموثاوس 3: 16 ناسخ لهذا النصّ غير كلمة “الذي who” إلى كلمة “الله God”. التغيير الذي قد يكون بسبب خطأ الناسخ، بما أنّه خطّ أو شرطة متناهية في الصغر يميّز الكلمة المختصرة (الله) بالشرطة في اللغة اليونانيّة التي تمّ ترجمتها إلى كلمة (الذي) بدون شرطة.[1]
من الممكن أيضًا، بالرغم من أنّ الناسخ أراد أن يؤكّد لاهوت يسوع المسيح. وقد جاء هذا التغيير في وقت أنّ الرسائل المنسوبة إلى الرسول بولس التي وصفت يسوع كائن، بمعنى ما، إلهيّ (فيلبي 2: 6 وكولوسي 1: 15) تمّ تعميم الرسائل بالفعل كمجموعة كاملة لبضعة قرون على الأقل. كما كانت هذه الحقيقة موجودة بالفعل في نصوص النُسَّاخ. مرة أُخرى نرى ناسخ آخر أكثر من متحمس يُسلّط الضوء على نصوص أخرى سبق وتمّ تعلّيمها أو تدريسها.
تجد عبارتين أخريتين من هذا النوع في أعمال الرسل 8: 37، وهذه هيَ النقطة بالضبط. إذا قرأت كتاب أعمال الرسل ككلّ، أنّه واضح في كلّ حالة معموديّة شخص ما كان أيضًا يُسلِّم حياته أو حياتها بالإيمان بيسوع المسيح (انظر: أعمال الرسل 2: 38 – 41 و8: 12 و9: 17 – 20 و16: 14 – 15 و30 – 33 و18: 8). لكن، في معظم الطبعات القديمة ومعظم الطبعات الموثوق فيها عن أعمال الرسل 8 أنّ الإيمان الشخصيّ -للخصي الحبشيّ- ليس واضح بشكل خاص. هنا ترى كيف أنّ النصّ الأصليّ للقاء فيلبس مع الخصي الحبشيّ ينتهي:
فَهتف الْخَصِيُّ:«هُوَذَا مَاءٌ. مَاذَا يَمْنَعُ أنّ أَعْتَمِدَ؟ فَأَمَرَ أنّ تَقِفَ الْمَرْكَبَةُ، فَنَزَلاَ كِلاَهُمَا إلى الْمَاءِ، فِيلُبُّسُ وَالْخَصِيُّ، فَعَمَّدَهُ.
وعند هذه النقطة، يبدو أنّ أحد النُسَّاخ خاف من أن يدفع هذا النصّ أحد الأشخاص ليظن بأنّ الخصي اعتمد من دون أن يؤمن بيسوع. لهذا، الناسخ أضاف الجملة ليصير العدّد في أعمال 8: 37 كالآتي:
فَقَالَ فِيلُبُّسُ:«إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ مِنْ كلّ قَلْبِكَ يَجُوزُ». فَأَجَابَ وَقَالَ:«أَنَا أُومِنُ أنّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ ابْنُ الله”.[2]
لقد أُعيد كتابة النصّ بجمالية للتأكيد، لكن ليس هذا ما بدا لنا في المخطوطات الأقدم والأكثر أصالة لسفر الأعمال. مرة أُخرى، يصنع الناسخ إيضاحًا في نصّ معيّن من خلال المفهوم العام للكتاب ككلّ.
من الممكن أنّ نفس النوع من التغيير ظهر في يوحنّا 1: 18 “اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ”.
قد يكون هذا العدد دعى يسوع بأنّه “الابن الوحيد” أو قد تكون قراءة النصّ “الإله الأوحد”.[3] إنّ شهادة المخطوطات لهاتين القرائتين هما، بحسب رأيي، منقسمة بالتساوي. هُنا هو الأكثر أهمّيّة، بالرغم من أنّ: كلتا القرائتين تؤكدان الحقائق الواضحة المُعبَّر عنها خلال إنجيل يوحنّا.
لدعم “الإله الأوحد” بالقرينة في يوحنّا 20: 28 “رَبِّي وَإِلهِي” بلا أي لبس بل بكلّ وضوح يحدّد يسوع أنّه الإله، وأنّ الأعداد في بداية إنجيل يوحنّا أيضًا توضّح لاهوت يسوع منفردًا.[4]
ولدعم “اَلابْنُ الْوَحِيدُ” لها قرينة أو كلمات تشبهها في يوحنّا 3: 16 “لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حتّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ”، سبق وأُشير إلى أنّ يسوع ابن الله الوحيد أو الابن الأوحد. كلتا القرائتين من يوحنّا 1: 18 تناسب السياق الأوسع من البشارة اليوحنّاويّة.
على الرغم من الاختلافات الحقيقيّة الموجودة بين المخطوطات، لا يوجد أي إمكانية تناقض إنجيل يوحنّا، أو الباقي من العهد الجديد، وإنّ الاختلافات لا تدعو إلى التشكيك في أي جانب من الجوانب الحاسمة للإيمان المسيحيّ. إذا حدث وأنّ بعض النُسَّاخ غيروا “الابن الوحيد” إلى “ابن الله الوحيد”، فإنّ النُسَّاخ ببساطة أوضحوا حقيقة كانت موجودة في إنجيل يوحنّا ككلّ.
هُنا مثالًا آخر وجد في عبرانيين 2: 9، هل مات يسوع “منفصلًا عن الله” (choris theou) أم “بنعمة الله” (charity theou)؟ بارت إيرمان يعتقد بأنّ كاتب العبرانيين الأصليّ كتب مفصولًا عن الله (choris theou). أدلة المخطوطات لهذه الكلمات ضعيفة، ولكن لا يوجد أكثر من احتمال واحد لقراءة النص. ومع هذا، كلتا العبارتين تناسب السياق الأوسع لرسالة العبرانيين.
وفقًا لعبرانيين 13: 11 – 13 يسوع مات مستبعدًا من الشركة مع شعب الله. في ضوء هذا النصّ -كذلك في مرقس 15: 34 وَفِي السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلًا:«إِلُوِي، إِلُوِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟» اَلَّذِي تَفْسِيرُهُ: إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟
الذي كان متداولًا بين الكنائس في وقت كتابة الرسالة إلى العبرانيين- سيكون من المنطقي أن نقول إنّ يسوع مات منفصلًا أو معزولًا عن الشركة مع الله الآب (بعيدًا عن الله). وفي نفس الوقت وفقًا لعبرانيين 13: 9 إنّه بنعمة الله يقدر الناس أن يتحمّلوا الاضطهاد. لذا، أبرز قراءة هيَ -”بنعمة الله”- أيضًا منطقيّة. لا يوجد في أي من الاحتمالين ما يُعارض ما جاء في الرسالة إلى العبرانيين أو العهد الجديد ككلّ.[5]
حالة تبديل نصّ كتابيّ بنصّ كتابيّ آخر
في بعض الأحيان قام النُسَّاخ بدمج نصّ من الكتاب المقدّس بنصّ كتابيّ شهير آخر. وهُنا مثال بسيط من بعض النُسَّاخ اللذين كانوا ينسخون النصوص المُستخدمة بشكل واسع في العبادة المسيحيّة:
في وقت معيّن من أواخر القرن الأوّل وبداية القرن الثاني، بعض المسيحيّين -محتمل في سوريا- أضافوا هذا المقطع المقتبس من “أخبار الأيام الأوّل 29: 11 لَكَ يَا رَبُّ الْعَظَمَةُ وَالْجَبَرُوتُ وَالْجَلاَلُ وَالْبَهَاءُ وَالْمَجْدُ، لأَنَّ لَكَ كلّ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. لَكَ يَا رَبُّ الْمُلْكُ، وَقَدِ ارْتَفَعْتَ رَأْسًا عَلَى الْجَمِيعِ”. في تلاوة الصلاة الربانيّة “لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ وَالْقُوَّةَ وَالْمَجْدَ إلى الأَبَدِ. آمِينَ”.
تباعًا، هذه الإضافة أصبحت مألوفة جدًّا بحيث قد أضافها النُسَّاخ إلى نهاية متّى 6: 13 حينما كانوا ينسخون إنجيله. وعليه، فإنّ نُسَّاخ آخرين لاحقًا، مدّدوا صيغة الصلاة الربانيّة الموجودة في لوقا 11 لتناسب الصيغة الموجودة في إنجيل متّى. بمعنى أنّ نصًّا من الكتاب المقدّس أُضيف إلى نصٍّ آخر من الكتاب المقدّس.
على نفس الشاكلة في إنجيل يوحنّا 19 اقتبس المؤلف من مزمور 22: 18 كنبوة عن الجنود اللذين ألقوا قرعة على ملابس يسوع: “يَقْسِمُونَ ثِيَابِي بَيْنَهُمْ وَعَلَى لِبَاسِي يَقْتَرِعُونَ”. كما ذُكِرت في انجيل يوحنّا 19: 24 “اقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً”.
هذا الاقتباس في أخر الأمر وُجَد لنفسه طريقًا في وصف متّى لصلب المسيح “متّى 27: 35: وَلَمَّا صَلَبُوهُ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ: «اقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً”. مرة أُخرى الناسخ استعمل نصًّا من الكتاب المقدّس ليمد نصًّا آخر. هل هذا الأمر مصدر إزعاج بالنسبة للناقد النصيّ وعلماء الكتاب المقدّس؟ بعض الشيء. لكن، هل هذه التغييرات هامّة جدًّا لتحرِّف بعض المفاهيم في الإيمان المسيحيّ؟ لا.
في وصف لوقا 3: 22 عن معمودية يسوع، في بعض المخطوطات القديمة استبدلت الكلمات المألوفة من السماء وُجِدَت في أناجيل أُخرى -”بِكَ سُرّرتُ”- بهذا الاقتباس من مزمور 2: 7 “أنا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ”. يصوِّر إيرمان قضية الاقتباس من المزامير وكأنّها تمثِّل الكلمات الأصليّة للإنجيل.[6]
لا أجد قضية إيرمان في هذه النقطة مثيرة.[7] مع هذا، فحتّى لو إنّ الاقتباس من المزامير كان الكلام الأصليّ، فإنّ الكلمات المتغيّرة والأصليّة تؤكّد الحقائق الظاهرة عن يسوع المسيح خلال العهد الجديد (انظر: متّى 3: 17 ومرقس 1: 11 وأعمال الرسل 13: 33 وعبرانيين 1: 5 و5: 5).
في متّى 27، مثال آخر من هذا النوع من التغيير يظهر في متّى 27: 34 بعض المخطوطات القديمة فيها: “أَعْطَوْهُ خَلًا مَمْزُوجًا بِمَرَارَةٍ لِيَشْرَبَ”. في محل آخر: “اعطوه خمرًا ليشرب “.
إيرمان يصوِّر هذا التغيير وكأنّه محاولة لتجنب التضارب بين النصوص ومتّى 26: 29 حيث يسوع يقول: “وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي مِنَ الآن لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ هَذَا إلى ذَلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ مَعَكُمْ جَدِيدًا فِي مَلَكُوتِ أَبِي”. مع أنّه ممكن أن يكون هذا السيناريو غير محتمل. وغير كلّ ذلك، فإنّه في القرن الأوّل الخل والخمر كلاهما نتاج “الفاكهة التي هيَ من الكرمة”.[8]
(حينما وعد يسوع بأنّه لن يشرب نتاج فاكهة الكرمة ثانية حتّى يكمل في ملكوت الله، كان على الأغلب يُثير انتباه الرسل إلى الوليمة التي يؤمن بها اليهود التي هيَ علامة على بداية مُلك المسيَّا).[9] لماذا إذًا، أحد النُسَّاخ غيَّر النصّ؟ على الأغلب لأنّ الناسخ تذكّر مقطع من المزامير الذي يقرأ فيه: “مزمور 69: 21 وَفِي عَطَشِي يَسْقُونَنِي خَلًا”.
بما أنّ النُسَّاخ كثيرًا ما استنسخوا الأناجيل الأربعة من العهد الجديد بالتوالي، فليس من المفاجئ أنّ النُسَّاخ أحيانًا غيّروا كلمات أحد الأناجيل ليُناسب البقيّة. مثلًا، بعض المخطوطات لمرقس 6: 3 فيها “ابن النجار” في محل “النجار”. بالرغم من أنّ محاولات إيرمان كانت للصق نوايا أُخرى إلى بعض النُسَّاخ التعساء، أكثر الاحتمالات هو أنّ الناسخ بكلّ بساطة تبنّى مرقس 6: 3 “أَلَيْسَ هَذَا هُوَ النَّجَّارَ؟” ليتفق بالتوازي مع المقطع في متّى 13: 55 “أَلَيْسَ هَذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟”.
هذا التغيير سبّب بعض الإرباك بين اللاهوتيّين المسيحيّين الأوائل، بما فيهم أوريجينوس السكندريّ.[10] لكن، مرة أُخرى، هذه التعديلات اكتُشِفَت بسهولة، ولا أعلم أي طائفة مذهبها في الإيمان المسيحيّ يعتمد على فيما إذا كان يسوع نجارًا أم ابن نجار، خصوصًا في حضارة كانت العادة فيها إجمالًا أنّ الأبناء يأخذون نفس حِرفة آبائهم.
حالة النُسَّاخ اللذين يعرفون أكثر من اللازم
في حالات أُخرى، شَعَر النُسَّاخ بأنّ النصوص الكتابيّة لم توفِّر كلّ المعلومات التي يحتاجها القُرَّاء. لذا، فإنّ النُسَّاخ أكملوا النصّ ليس من الكتاب المقدّس بل من معرفتهم الخاصة. مثلًا، كثير من المخطوطات الحديثة نسبيًّا أضافت بعض العبارات حول يوحنّا 5: 3 -4 لتوضِّح لماذا كثير من المرضى جسديَّا كانوا مجتمعين حول بركة بيت حسدا:
كانوا ينتظرون تحرُّك الماء، لأنّ ملاكًا من الرّب ينزل في وقت معيّن إلى البركة ويحرّك الماء، وكلّ من نزل أولًا بعد تحريك المياه يُشفى من مرضه.
معظم المخطوطات اليونانيّة القديمة لم تحتوي على هذه الكلمات، بالرغم من أنّ الإضافة ربّما كانت تحفظ اعتقادًا واسع الانتشار عن هذه البركة “بيت حسدا”. وإلَّا فإنّ كلمات الرجل المُقعد المذكور في يوحنّا 5: 7 لا تعني أي شيء: “أَجَابَهُ الْمَرِيضُ:«يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ. بَلْ بَيْنَمَا أنا آتٍ، يَنْزِلُ قُدَّامِي آخَرُ”. في مرحلة ما -رُبّما في منطقة بعيدة عن أورشليم، حيث هذه الأُمة الغريبة لم تكن عاداتها واسعة الانتشار- أحد النُسَّاخ الواسع الاطلاع شعر بأنّ القُرَّاء يحتاجون إلى توضيح لهذه العادة.
على نفس الشاكلة، ناسخ لإنجيل مرقس يبدو أنّه لاحظ بأنّ الاقتباس النبويّ في بداية البشارة حسب مرقس لم تاْتِ فقط من إشعياء 40: 3 ولكن أيضًا من ملاخي 3: 1، فألقى فيها أيضًا جزءًا من عبارة مقتبسة من خروج 23: 20. إيرمان صوَّر هذا كأنّه خطأ في إنجيل مرقس.
لكن نبوة إشعياء هيَ البارزة بين هذه الاقتباسات، وكانت هذه ممارسة شائعة في الاستشهاد بالمصدر الأبرز بين الاقتباسات المُشتركة.[11] مع هذا، في وقت لاحق رأى ناسخ أنّ هُناك مشكلة كامنة، كما يفعل إيرمان. ونتيجة لهذا، غيَّر هذا الناسخ الكلمات الافتتاحيّة لإنجيل مرقس 1: 2 من: “على حَسَبِ ما هو مَكْتوبٌ في إشَعيْا النَّبي”. إلى: “كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَنْبِيَاءِ”.
وهناك إضافات أُخرى من النُسَّاخ من هذا النوع تتضمّن تقاليد لم تكن جزءًا من الوثيقة الأصليّة، ولكن كانت تمثِّل روايات حقيقيّة لما حدث. مثلًا، في بعض المخطوطات من إنجيل لوقا، فإنّ النصّ (23: 34) غير موجود. علمًا بأنّ الحذف لا يدعو إلى التشكك في أي جانب من جوانب الإيمان المسيحيّ، هذه كلمات يسوع من على الصليب -«يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ»- كان لها تأثير عميق على كثير من الناس.
إيرمان يُجادل بأنّ هذا العدّد كان موجودًا أصلًا في إنجيل لوقا ولكن المسيحيّين اللذين هم ضد اليهود حذفوها. مع أنّه يجب أن يعترف، حيث إنّ المخطوطات الأولى وأفضلها لم تتضمن هذه الفقرة بالذات. لكن من المُرجَّح أنّ ناسخًا آخر في وقت لاحق أضاف هذا العدّد إلى البشارة بحسب لوقا.
وحينما تصل إلى لوقا 23: 34 -بجانب عدة إضافات أُخرى في الأناجيل- يظهر بأنّ النُسَّاخ دمجوا تقليدًا معروفًا كان متداولًا سابقًا بين الكنائس لمدة بضع عشرات من السنين. هذه التقاليد كانت معتمدة أو موثوقة، لكن لم تكن مكتوبة في المخطوطات الأصليّة للإنجيل. شخصيًّا، أشك بأنّ يسوع قال على الصليب: “يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ”. هذه الكلمات ببساطة لم تكن موجودة في الطبعة الأولى من إنجيل لوقا.
مثالين آخرين نجدهما في موضع آخر من نفس الإنجيل، في لوقا 22: 43 – 44 وأيضًا لوقا 24: 12. ففي لوقا 22: 43 – 44 بعض النصوص اللاحقة وصفت ملاكًا أتى ليقويّ يسوع كالمسيَّا الُمتألم الذي عرق جبينه صار كقطرات دم.[12]
أمَّا في لوقا24: 12 بعض المخطوطات أضافت رواية مختصرة عن سمعان بطرس واختباره عند القبر الفارغ، ذاك الذي يبدو أنّه مأخوذ من التقليد نفسه كما في يوحنّا 21: 3 – 10. هل هذه الرواية من تقاليد موثوقة؟ ربّما. هل هيَ جزء من إنجيل لوقا الأصليّ؟ ربّما لا.
هناك الكثير من أمثلة هذه الأنواع في الإضافات إلى العهد الجديد. وإحدى أهمّ هذه الروايات هيَ المرأة التي أُمسِكت بالزنا (يوحنّا 7: 53 – 8: 11) قصة محزنة وعميقة، للتأكد، ولكن ليست جزءًا أصيلًا من إنجيل يوحنّا. إنّها محذوفة تمامًا من المخطوطات الأولى مثل برديات القرن الثالث البردية P 66 وP 75، أيضًا في المخطوطة السينائيّة والفاتيكانيّة. وحتّى عندما تظهر هذه القصة في المخطوطات القديمة، فإنّ موقعها متغيِّر.
في بعض الأحيان تراها بعد يوحنّا 7: 36، وأحيانًا أُخرى تجدها في نهاية إنجيل يوحنّا. مرة ظهرت في البشارة حسب لوقا، ويبدو -من كتابات شخص مسيحيّ اسمه يوسابيوس القيصريّ في القرن الرابع- بأنّ القصة ظهرت في إنجيل مفقود اسمه إنجيل العبرانيين.[13]
ربّما يكون مرقس 16: 9 – 20 مثالًا آخر. إنّ أقدم المخطوطات لإنجيل مرقس تنتهي بهذه العبارة المحرجة: “فَخَرَجْنَ سَرِيعًا وَهَرَبْنَ مِنَ الْقَبْرِ لأَنَّ الرِّعْدَةَ وَالْحَيْرَةَ أَخَذَتَاهُنَّ. وَلَمْ يَقُلْنَ لأَحَدٍ شَيْئًا لأَنَّهُنَّ كُنَّ خَائِفَاتٍ”. فيما يبدو أنّ هذا التوقف المفاجيء ضايق أكثر من كاتب أو ناسخ واحد.[14] لهذه النهاية أُضيفت بعض النصوص كتذييل بليغ من مخطوطات القرون السابع والثامن والتاسع الميلاديّ:[15]
كلّ الذي قيل لهم، أخبَروه بإيجاز إلى بطرس والذين حوله. بعد هذه الأشياء بعث يسوع من خلالهم من مشرق البلاد إلى مغاربها رسالة الخلاص المقدّسة الخالدة في كلّ العصور.
مخطوطات أُخرى أضافت الأعداد التي نعرفها من مرقس 16: 9 – 20. مرة أُخرى هذه الأعداد محتمل أنّها لم تكن موجودة في إنجيل مرقس الأصليّ، ولكنها تُعبِّر عن تقليد أصيل لقيامة يسوع. في الوقت الذي يؤخذ هذا في الاعتبار، تصير واضحة -بحسب كلمات بروس ميتزجر- “بإنّ العهد الجديد يحتوي، ليس فقط أربعة، بل خمسة روايات إنجيليّة عن الأحداث اللاحقة لقيامة المسيح”.[16]
الأعداد المُضافة إلى مرقس 16 تبدو لأوّل وهلة أنّها تتضمن بعض التعاليم الغريبة: “يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ، وأنّ شَرِبُوا شَيْئًا مُمِيتًا لاَ يَضُرُّهُمْ”. النصّ يعلن (مرقس 16: 18)، إلَّا إذا فاتني أن أحزر، فهذه الوعود لم يكن المقصود منها دعوة إلهيّة لالتهام السموم أو التلاعب بالأفاعي الجرسيّة. بل كان في نيتهم إيضاح المعنى ببعض الاصطلاحات الخلَّابة لتبيان كيف أنّ الله قادر على حماية شعبه من أي عدو.
ما هو الأكثر غرابة، كلا الوعدان أيضًا موجودان في مقاطع كتابيّة أُخرى. شاهد عن الحماية من الأفاعي موجود في إنجيل (لوقا 10: 19 قارن مع إشعياء 11: 8)، وأنّ الوعد في الحماية من السمّ صدى لما جاء في مزمور 69: 21 و29 “وَيَجْعَلُونَ فِي طَعَامِي عَلْقَمًا… أَمَّا أنا فَمِسْكِينٌ وَكَئِيبٌ. خَلاَصُكَ يَا اللهُ فَلْيُرَفِّعْنِي”. مرة أُخرى لا شيء من الإضافات يغيّر أو يحرّف الإيمان المسيحيّ أو يؤثر على أيٍّ من ممارساته الأساسيّة.
عن كتاب: سوء اقتباس الحقيقة، لتيموثي بول جونز، ترجمة: أمجد بشارة، 2018
[1] أغلب القراءات النقدّية الحديثة للنص، تقرأه “الذي–ὅς ظهر في الجسد”، بدلًا من: “الله-θεός ظهر في الجسد”. وهذا لا يُغير من معنى النصّ نهائيًا، فقد كان هذا تعبيرًا سرائريًا- μυστήριον عن الشخص (يسوع) الذي أعطى العالم المعرفة عن الله غير المُدرك، أو لنقل هو تعبير عن الله المُمجد، والذي لا يُمكن معرفته في مجده. فعدم نطق الاسم “الله”، كان تعبيرًا عن هذا الإجلال السرائري للإله، حتّى في المفهوم اليهوديّ القديم
(Philip Schaff، The Creeds of Christendom، With a History and Critical Notes، Volume II: The Greek and Latin Creeds، With Translations (New York: Harper & Brothers، 1890)، 7.). (م)
[2] ورد هذا النصّ بهذه الصياغة في المخطوطات:
P45، 74 א A B C 33 614 vg syp،h co
وربّما كان المقصود منه هو تأكيد الأهمّيّة العُظمى لاعتراف الإيمان في الكنيسة الأولى. (م)
[3] الاختلاف الضئيل في الكلمات اليونانيّة بين “μονογενὴς θεός” مونجينيس ثيوس (الإله الوحيد)، وبين “ὁ μονογενὴς υἱός “ مونيجينيس هيوس (الابن الوحيد). كما يظهر لنا هُنا فهو حرف واحد. يُقرأ النصّ في المخطوطات التقليديّة والأحدث عمريًّا “الابن الوحيد”، بينما في المخطوطات القدم لنصّ إنجيل يوحنّا مثل (P75) تأتي الكلمة “الإله الوحيد”. (م)
[4] هذه الإشارة الواضحة ليسوع كإله تعارض حجّة إيرمان بأنّه: “نادرًا، وربّما أبدًا لم تُنسب الإلوهيّة ليسوع في العهد الجديد” (MJ، p. 11 3، emphasis added). وبرغم أنّه يُمكن المُجادلة في نسبة الإلوهيّة ليسوع في العهد الجديد، لكنّه من غير العادل تمامًا أن نقول إنّه لم تنسب له الإلوهيّة أبدًا.
[5] هذه النظرة قديمة، تصل إلى القرن الثالث، لاهوتيّ مسيحيّ من القرن الثالث وهو أوريجينوس قد اكتشف قراءتين لنصّ (عب2: 9)، لكنّه لم يهتمّ بالمُفاضلة بينهما، فقد وجد قيمة روحيّة في كليهما.
(Bruce Metzger and Bart Ehrman، The Text of the New Testament: Its Transmission، Corruption، and Restoration [New York: Oxford University Press، 2005)، p. 200).
[6] MJ، pp. 159-61; OC، pp. 61-73.
[7] انظر إلى المزيد من هذه الأدلة في كتاب:
Philip Comfort، Encountering the Manuscripts: An Introduction to New Testament Paleography and Textual Criticism (Nashville: Broadman & Holman، 2005)، p. 332.
[8] من المُمكن أن يكون الخلّ هو خمر مُخفّف، فإنّ شرب النبيذ المُختمر كان عادة عند العائلات الفقيرة، كما أنّه يُعطى للجنود الرومان لتبقى حاوسهم يقظة، انظر:
Andrew Dalby، Food in the Ancient World [London: Routledge، 2003) pp. 270، 343; cf. Leon Morris، The Gospel According to john [Grand Rapids، Mich: Eerdmans، 1971)، p. 814.
[9] Craig S. Keener، A Commentary on the Gospel of Matthew (Grand Rapids، Mich.: Eerdmans، 1990). pp. 402، 632.
[10] Origen of Alexandria Contra Celsum 6.36.
[11] R. T. France، The Gospel of Mark: A Commentary on the Greek Text (Grand Rapids، Mich.: Eerdmans، 2002)، p. 63.
يُرجّح بن وزرنجتون الثالث (Ben Witherington III) بأنّ مجموعة النصوص هذه قد تجيء من دمج النصّ ما بعد إنجيل ماركيون.
The Gospel of Mark: A Socio-Rhetorical Commentary [Grand Rapids، Mich.: Eerdmans، 2001). p. 7.
[12] انظر (OC، pp. 187-92)، حيث وضع إيرمان حُجة بأنّ الكلمات قد اُضيفت لتُعارض الخريستولوجيّ الدوسيتيّ. الأمر المُهمّ أنّ هذا النصّ يتفق مع محتوى إنجيل لوقا بالكامل، الذي يُظهر الإنسانيّة الكاملة ليسوع.
[13] Metzger and Ehrman، Text of the New Testament، pp. 319-20; Eusebius Ecclesiastical History. 3. 39.
[14] يُضيف كلايتون كروي N. Clayton Croy مُلاحظة جيّدة ورأي منطقيّ، وهو أنّه برغم احتمال عدم وجود النصوص (16: 9- 20) بإنجيل مرقس الأصليّ، فإنّ النهاية المُطولة تتوافق مع البداية المطوُّلة للإنجيل في المخطوطات الأصليّة. انظر:
. The Mutilation of Mark’s Gospel (Nashville: Abingdon، 2003).
[15] Metzger and Ehrman، Text of the New Testament، p. 323.
[16] Ibid.، p. 327.