اختيار ورفض بعض الكتب من قانون العهد الجديد – ليه بنثق في نصوص الكتاب المقدس؟
ليه تم اختيار بعض الكتب ورفض البعض الأخر من قانون العهد الجديد
لكن كانت هناك تساؤلات حول بعض النصوص.
التساؤلات بدأت عندما أحضر أحد المعلمين الزوار بعض المخطوطات الجديدة – إنجيل يدّعي إنّه لبطرس، كتاب عن ما بعد الحياة منسوب لبطرس أيضًا، رؤيا نقلها كائن إلهيّ في زي راعي ودليل مفيد يدّعي أنّه يحتوي على تعاليم الرسل الإثني عشر. إضافة إلى عدّة رسائل كان نُسَّاخ الرعايا المجاورة لطفاء كفاية لينسخوها لكنيستك. هناك رسالة ثانية من سمعان بطرس، ملاحظة من قائد في الكنيسة الرومانية يدعى اكليمنضس ورسالة تدّعي أنها لبرنابا. وليس هنالك أحد متأكد مما يفعل بتلك الكتابات. هل على قادة الكنيسة قراءتها بجانب الأناجيل ورسائل بولس والنصوص اليهوديّة؟ وإذا حصل ذلك، هل على كلّ من في الكنيسة اتباع ما تقترحه هذه الكتابات؟ من ثمّ هنالك إشاعات من مدينة روما. عامل جلود من اجتماعكم كان قد عاد توًّا من مدينة الشيوخ والقياصرة. بعد أن قضى أيامه في بيع جلود الماعز في السوق، وكان قد استمع إلى عدة محاضرات من واعظ متحمس اسمه مرقيون. وبحسب مرقيون الكتب الوحيدة التي تنتمي لخزانة الكتب المسيحيّة هي رسائل بولس والانجيل بحسب لوقا. ومن ثمّ جادل مرقيون أنّ بعض أجزاء إنجيل لوقا يجب أن تُحذَف.
الآن، عامل الجلود مقتنع بأنّ بعض المخطوطات –على الأقل- في خزانة كتب كنيستك غير جديرة بالثقة. وعلى الأقل يقول إنّ الكتب ليست كلّها متساوية. بالتأكيد كلمات المسيح وأتباعه الأوائل أهمّ من رسائل لاحقة من أساقفة آخرين. والآن مجموعة من الناس تتساءل إذا ما كان مرقيون محقّا: لربّما الكتب التي تنتمي لخزانة كتبك هي رسائل بولس والإنجيل بحسب لوقا.
كيف اتفقت الكنائس؟
هل شعرت بالمعضلة التي واجهت كنائس القرن الثاني عندما بدأت الكثير من الكتابات المسيحيّة بالتداول؟ وعندما بدأت كتابات جديدة تظهر على السطح، كان على المسيحيّين تقرير أي الوثائق تمثل الحقيقة حول المسيح وأي نوع من النفوذ يجب أن تحظى به هذه الوثائق في حياتهم اليوميّة. إذًا كيف قام المؤمنون الأوائل باتخاذ القرار؟
هاكم كيف قررت الكنائس الأولى أي الكتاب كانت قانونية حسب تفسير بارت إيرمان في “Misquoting Jesus”:
“نستطيع تحديد أوّل مرة قام فيها أي مسيحيّ بإدراج السبع وعشرين كتابًا من عهدنا الجديد كأسفار العهد الجديد، لا أكثر ولا أقل. وبقدر ما يبدو مفاجئًا، هذا المسيحيّ كان يكتب في النصف الثاني للقرن الرابع الميلاديّ، أي بعد حوالي 300 سنة من كتابة كتب العهد الجديد. المؤلف كان أسقف الإسكندريّة القوي أثناسيوس. في عام 367 ميلاديّ كتب أثناسيوس رسالته الأسقفيّة السنويّة للكنائس المصريّة تحت ولايته. وفي هذه الرسالة أرفق نصيحة بالكتب التي يجب أن تُقرأ كنصوص في الكنائس. ويدرج كتبنا السبع وعشرين ويستقصي غيرها. هذه هي الحادثة الأولى الباقية لأي أحد يؤكِّد مجموعة كتبنا للعهد الجديد. ولكن حتّى أثناسيوس لم يحسم المسألة. المناظرات استمرت عقودًا لا بل قرونًا بعد ذلك”.[1]
كلّ حقيقة أوردها إيرمان في هذا التلخيص صحيحة، لكنه أقصى بعض الحقائق المفتاحيّة. ولذلك، فإنّ تلخيص إيرمان يمكن أن يترك القُرَّاء مع بعض الانطباعات غير الصحيحة. انطباعات مثل: 1) حتّى قت متأخر من القرن الرابع لم يكن هناك إجماع حول أي الكتابات المسيحيّة قانونيّة وصحيحة. 2) إنّه حتّى في ذلك الوقت معيار الكنيسة كان كلمة أسقف قويّ.
إذًا، ما هي الحقيقة الكاملة؟ متى اتفق المسيحيّون على أي الكتابات قانونية في اجتماعاتهم؟ وماذا كانت المعايير لهذه القرارات؟
بداية، المعيار الأساسيّ لتحديد أي الكتب قانونية ظهر قبل القرن الرابع بوقت طويل— والمعيار لم يكن كلمة أسقف قويّ. في الحقيقة نستطيع إيجاد تلميحات عن هذا المعيار في الكتابات المسيحيّة للقرن الأوّل. بالرغم من أن لا أحد وضع هذا المعيار بشكل كتابيّ إلَّا إنَّ الفكرة الأساسيّة كانت شيئًا من هذا القبيل: الشهادة المرتبطة بشهود عيان حول الربّ المُقام كانت قانونيّة عند المسيحيّين الأوائل بشكل فريد.[2]
لماذا نهتم لشهود العيان؟
حتّى في فترة كتابة أسفار العهد الجديد كلمات الناس اللذين رأوا وتبعوا الربّ المُقَام – خاصة كلمات وكتابات الرسل – حملت سلطة خاصة في الكنائس (راجع أعمال 1: 21-26؛ 15: 6؛ 16: 5، كورنثوس الأولى 4-5، 9: 1-12، غلاطية 1: 1-12، تسالونيكي الأولى 5: 26-27). بعد موت الرسل استمر المسيحيّون بتقدير شهادة شهود العيان ومعاونيهم. وفي حوالي عام 110م وضعها بابياس أسقف هيرابوليس بهذه الطريقة:
لم تأخذني المتعة بأولئك اللذين تحدثوا كثيرًا بل بمن علَّموا الحقيقة – ولا بأولئك اللذين سردوا وصايا غريبة، بل بأولئك اللذين سردوا الوصايا المعطاة من قِبَل الربّ… لذلك إذا جاء أحد ممن خدم الشيوخ سألت عن أقوالهم بالتفصيل – الذي قاله أندراوس أو بطرس أو الذي قاله فيليبس أو توما او يهوذا أو يوحنّا أو متّى أو أي من أتباع الربّ.[3]
وفي ذلك الوقت قام قائد كنيسة باسم بوليكاربوس باقتباس كلمات الرسول بولس على أنّها “نصوص مقدسة”.[4]
و بعدها بجيل عندما أراد أحدهم في الكنيسة الرومانيّة أن يرى أي الكتابات المسيحيّة يجب أن تُعتبر قانونيّة بقيَّ هذا التشديد على شهادة العيان الرسوليَّة. بعدما أدرج الكتب التي وجدها قانونيّة، هاكم ما كتبه أحد المسيحيّين بخصوص كتاب مشهور اسمه “الراعي” الذي كان متداولًا بين الكنائس:
هرماس ألَّف “الراعي” حديثًا، في وقتنا وفي مدينة روما بينما كان أخوه بيوس المشرف يخدم كمشرف لمدينة روما. لذلك، مع أنّه يجب قراءته، إلَّا إنّه لا يمكن قراءته علنًا لشعب الكنيسة. لا يمكن عدّه ضمن الأنبياء (لإنّ عددهم اكتمل) ولا ضمن الرسل (لإنّه بعد وقتهم)”.[5]
لاحظ بعناية الأسباب التي جعلت كُتَّاب القرن الثاني يرفضون كتاب الراعي لهرماس من أن يكون مُرشِدًا للكنائس: هذه الكتابة لا يمكن إضافتها لأنبياء العهد القديم لأن وقت الأنبياء العبرانيين قد مضى (“لأن عددهم اكتمل”) كما أنّه مع موت الرسل انتهى وقت شهود العيان الرسوليّين (“لأنه بعد وقتهم”). هذا المُعلِّم لم يمنع المؤمنين من قراءة “الراعي”، لكنه ببساطة نوَّه إلى أنّ هذا الكتاب لا يجب أن يُخدَم به في اللِّتورجيَّا الكنسيّة كنص موثوق به أو قانونيّ (“إنّه لا يمكن قراءته علنًا لشعب الكنيسة”).
فيما بعد، ردّد قادة كنسيّين مثل ترتليان القرطاجيّ وسيرابيون الأنطاكيّ هذا النوع من المعايير، وقد قال سيرابيون بوضوح: “نحن أيها الإخوة والأخوات نستقبل بطرس كما نستقبل المسيح نفسه. لكن تلك الكتابات الموصوفة زورًا بأسمائهم، نرفضها بحذر، عارفين أنّ كتابات كتلك لم تُسلَّم لنا”.[6] مجدّدًا، رسّخ المسيحيّون معيارهم لتحديد أي الكتابات كانت قانونيّة بشهادة شهود العيان الرسوليّين.
من القرن الأوّل فصاعدًا رأى المسيحيّون أنّ الشهادة التي يمكن أن تصل لشهود عيان الربّ المُقام كانت قانونيّة (موثوق بها) بشكل فريد. المنطق وراء هذا المعيار بسيط “الأشخاص اللذين على الأرجح يعرفون الأكثر حول المسيح كانوا إمَّا شهود عيان قابلوا المسيح شخصيًّا أو مساعدون أقرباء من شهود العيان”. لذلك، بالرغم من أن المسيحيّين تنازعوا لعدة قرون حول أي الكتابات قانونيّة (موثوق بها) كان هنالك شيء أعظم بكثير من مكيدة سياسيّة لقيادة قراراتهم. هدفهم كان تحديد أي الكتب يمكن وصلها بشهود عيان للرب المقام.
مع وضع هذا في الحسبان، دعونا ننظر إلى بعض الأمثلة من الحياة الواقعية عن كيف انتهى الحال ببعض الكتابات مقصاة من مجموعة الكتب الكنسية التي تعتبر قانونية (موثوق بها).
إنجيل بطرس: إنجيل الصليب المتحدث
في عام 199م صار أجد الأساقفة مشرفًا على الكنيسة الرئيسيّة في سوريا، وهو المدعو باسم سيرابيون، أسقف الكنيسة في أنطاكية، لم يكن سيرابيون مسؤولًا عن كنيسته فحسب بل كان مسؤولًا عن عدة رعايا أصغر حجمًا في المنطقة. إحدى هذه الرعايا اجتمعت في قرية روسوس Rhossus. خلال عدة شهور سمع سيرابيون إشاعات بأنّ الكنيسة في روسوس كانت على حافة صدع، لذلك وجد سيرابيون نفسه يجتاز الطريق الساحليّ الحجريّ الذي أخذه شمال أنطاكية نحو روسوس.
عندما وصل إلى روسوس، اكتشف أنّ بعض أعضاء الكنيسة كانت لديهم مشكلة مع إنجيل كان “منقوشًا عليه اسم بطرس”.[7] عندما سمع سيرابيون هذا أجاب: “إذا كان هذا هو جل ما يهدد إنتاج مشاعر بغضاء فيما بينكم، دعوا الإنجيل يُقرأ”. فبالنهاية إذا جاء هذا السرد عن خدمة يسوع من سمعان بطرس، فإنّه بالتأكيد يمثل شهادة شاهد عيان. وبما أنّه حسب التقليد الكنسيّ المتسق في الكنيسة الأولى أنّ إنجيل مرقس مثل رواية بطرس عن حياة المسيح، من الممكن أن يكون سيرابيون قد افترض أنّ الرفاق الطيبين في روسوس كانوا يصفون إنجيل مرقس.
على أي حال، لم يكن الجواب بالوضوح الذي توقعه سيرابيون. ففي وقت لاحق، أحدهم أحضر إلى الأسقف نسخة من إنجيل بطرس. وعندما قرأ سيرابيون المخطوطة بنفسه، أدرك أنّه ارتكب خطًا فادحًا. بالتأكيد، عكس معظم إنجيل بطرس، القصص نفسها الموجودة في الكتابات الكنسيّة التي تنتمي لخزانة كتب الكنيسة. القليل (أو لا شيء) من المخطوطات المتوفرة لدينا من إنجيل بطرس يتعارض بشكل مباشر مع ما جاء في أناجيل (بشارات) العهد الجديد.
مع ذلك رأى سيرابيون بوضوح أن هذا الكتاب ليس نتاج وعظ سمعان بطرس.[8] كانت هنالك دلائل على بداية إيمان خاطيء قد ظهر قرب نهاية القرن الأوّل، بعد بضع عقود من موت بطرس. هذه الهرطقة التي تدعى الدوسيتيّة من الكلمة اليونانية dokein التي تعني “يظهر” ادّعت أنّ المسيح لم يكن إنسانًا حقًّا، بل، وبحسب هؤلاء المعلمين، المسيح فقط بدا (ظهر) بشريًّا. على سبيل المثال عندما يصف إنجيل بطرس الصلب، يقترح أن المسيح “كان صامتًا، كأنّه لم يشعر بالألم”.[9] نية هذه العبارة على الأغلب أن تشير إلى هدوء المسيا (المُخلِّص) على الصليب مرددة صدى عبارة في إشعياء 53: 7:
“ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ”.
ولا يقول إنّ المسيح لم يشعر بأي ألم، بل يقول إنّ ردّ فعله كان “كأنّه لم يشعر بالألم”. مع ذلك يستطيع الدوسيتيّون أن يلووا هذه الفقرة لتعني أنّ المسيح لم يشعر بأي ألم جسدي، لذلك يتوجب ألَّا يكون قد ملك جسدًا فيزيائيَّا (حقيقيًّا).
هناك مجموعة أُخرى من الأشياء الغريبة في إنجيل بطرس. عندما مات يقول إنجيل بطرس ببساطة: “إنّه رُفِع إلى الأعلى”. لكن بما أنّ إنجيل بطرس يذكر قيامة جسديّة بعد بضعة أعداد، على الأغلب كانت هذه الجملة طريقة أخرى ليقول كما قالت أناجيل العهد الجديد: “أسلم (أو تخلى عن) روحه” (متّى 27: 50؛ يوحنّا 19: 30)
أغرب نص في إنجيل بطرس كان عندما قام يسوع من القبر. في عيون الجنود بدا المسيح طويلًا كالسماء وخلفه لمحوا ما يبدو كصليب هائل الحجم. وصوت أرعد من السماء: “هل أعلنت لمن هم نيام”؟ ويجيب الصليب على هذا: “نعم”.
بعد قراءة إنجيل بطرس، بعث سيرابيون برسالة إلى الكنيسة في روسوس مراجعًا فيها قراره السابق، معلنًا: “أنا على عجل لرؤيتكم، توقعوا أن تروني قريبًا… أغلب الأشياء (في هذا الإنجيل) من كلمة مخلصنا الصحيحة، لكن هنالك بعض الأشياء الخاطئة. وسأوضح لكم هذه الأمور”.
إذًا، لماذا رفض سيرابيون الأنطاكيّ إنجيل بطرس؟ يضع إيرمان الكثير من الانتباه على رفض سيرابيون، مدعيًّا أنّ مشرف أنطاكية رفض الكتاب لأنّه فشل في مطابقة أفكاره المسبقة عن هوية المسيح. وبحسب إيرمان:
“استنتج سيرابيون بما أنّ الكتاب من الممكن أن يكون هرطوقيًّا، إذًا يجب ألَّا يكون بطرس قد كتبه. مستندًا على الافتراض المشكوك فيه بأنّه إذا خالف نص الحقيقة كما يراها هو ورفقاؤه الأرثوذكسيّون الأوائل، إذًا لا يمكن أن يكون النصّ رسوليًّا”.[10]
بالرغم من اتهام إيرمان لمنطق سيرابيون بـ”المشكوك فيه”، إلَّا إنّ استنتاج سيرابيون منطقيّ للغاية. سيرابيون، وبحسب رسالته للكنيسة في روسوس، كان قد وصله شهادة شهود العيان الرسوليّين “في الكتابات التي تسلمناها”.[11] هذه الكتابات على الأغلب تضمّنت رسائل بولس وواحدة أو أكثر من واحدة من بشارات العهد الجديد بما فيها شهادة عيان بطرس في إنجيل مرقس. وهي وثائق ربطتها التقاليد الشفويّة منذ زمن طويل لشاهد رسوليّ.
عندما واجهته كتابة تدّعي أنّها جاءت من سمعان بطرس، قارنها سيرابيون بتلك “الكتابات التي تسلمناها” ووجد عدة تناقضات محتملة بين إنجيل بطرس وكتابات مثل إنجيل مرقس ورسالة بطرس الأولى، وهذه الكتب ربطتها التقاليد الشفوية منذ زمن طويل بسمعان بطرس. ولذلك، وصل سيرابيون إلى استنتاج منطقيّ وهو أنّ سمعان بطرس الذي كان شاهد عيان رسوليّ للمسيح بحسب رسائل بولس وأقدم الأناجيل لا يمكن أن يكون مصدر الإنجيل المسمى بإنجيل بطرس. كان هدف سيرابيون كهدف إخوته المؤمنين المتناثرين حول العالم: أراد أن يحفظ شهادة شهود العيان عن المسيح. وعندما فحص هذه الوثيقة كان استنتاجه أنّها ليست شهادة شاهد عيان بتاتًا.
كما اتضح، سيرابيون كان على حق. اللغة ونمط الأفكار في إنجيل بطرس أقنعا أغلب العلماء المعاصرين أنّ هذا الكتاب كُتِب في النصف الأوّل من القرن الثاني بعد جيل من موت بطرس في وقت كانت التعاليم الدوسيتيّة تنتشر.[12]
بالرغم من رفض سيرابيون للكتاب، ظلّ إنجيل بطرس مشهورًا بين المسيحيّين لعدة قرون. في واقع الأمر، بقايا إنجيل بطرس القديمة تفوق عددا بقايا إنجيل مرقس. قطعة من الفخار المكسور تعود للقرن السادس والسابع تعلن على أحد جهاتها “بطرس، قديس، بشير” وعلى الجهة الأخرى “دعونا نستقبل إنجيله”. بالرغم من ذلك، ليس واضحًا بشكل تام إذا ما كانت “إنجيله” تشير إلى الوثيقة المعروفة بإنجيل بطرس أو لتعاليم بطرس عن المسيح. كما وُجِدت نسخة من إنجيل بطرس مدفونة مع راهب مصريّ تعود للقرن السابع.[13] مع ذلك، لا توجد أي أدلة كافية تشير إلى أنّ إنجيل بطرس تمّ اعتماده كرواية قانونيّة لحياة المسيح.[14]
أعمال بولس: لماذا لا تعمد كنيستك الأسود
حواليّ عام 200 م اندلع جدال حول المعمودية في إحدى طوائف شمال إفريقيا. بضع أعضاء الكنيسة احتكم إلى كتابة معروفة بأعمال بولس (وثيقة اعتبرها بعض المسيحيّين كوثيقة قانونيّة). وعليَّ أن أعترف أنّ هُنالك أجزاء من أعمال بولس كانت لتثير بعض النقاشات المثيرة للاهتمام خلال مجموعات دراسة الكتاب المقدس في كنيستك.
بحسب هذه الوثيقة لكي تكون مسيحيّا لا يجب أن تؤمن بالمسيح فحسب بل يجب أن تمتنع عن العلاقات الجنسيّة تمامًا حتّى ضمن نطاق الزواج. كما نرى في منتصف أعمال بولس نجد الرسول بولس يعمد أسدًا طوله ثمانية عشر قدمًا. لذلك إذا انتهى المطاف بأعمال بولس في العهد الجديد قد تصح لك الفرصة لغمر القطط البريّة في حوض عماد كنيستك، لكن يجب أن تمتنع عن الجنس كذلك. (نعم، أعرف – هذا كثير لاتّباع المسيح). بشكل عام، أغلب الكتاب عبارة عن مجموعة من القصص الغريبة عن كيف تغلَّب بولس وامرأة اسمها تكلا على كلّ مكيدة ممكنة كانت تمنعهم من إعلان البشارة.
شيخ باسم ترتليان القرطاجي يعطي بعض الأسباب لعدم اعتبار أعمال بولس من الكتب القانونيّة للمسيحيّين.[15] عندما سمع ترتليان أنّ بعض أعضاء الكنيسة يحتكمون لأعمال بولس كتصوير قانونيّ لخدمة بولس، على ما يبدو أنّه قام ببعض البحث عن أصول هذا الكتاب. وفي خلال هذه العملية قام بإيجاد بعض الحقائق التي وضعت الشك حول مصداقيّة هذا الكتاب.
اكتشف ترتليان أنّ مؤلف أعمال بولس لم يكن رسولًا ولم يكن له علاقة بأي من الرسل. المؤلف خدم إحدى شيوخ أحد كنائس آسيا لأربعين سنة بعد استشهاد بولس.[16] وعندما سُئِل الشيخ أكّد أنّه ألَّف هذه القصص “لحبه لبولس”.[17] وعندما عرفت الكنائس في المنطقة أنّ هذه القصص هي أوهام تقية، أجبرت الشيخ للتنحي عن منصبه. وهذا بشكل صحيح جعل ترتليان يرفض أعمال بولس كـ”كتاب يتداول بشكل خاطيء تحت اسم بولس”.[18]
الذي يثير اهتمامي بشكل خاص في الأحداث التي تحيط بقصة أعمال بولس ليس أن أحدًا يريد أن يُصدّق أنّ بولس عمّد أسدًا -بالرغم من أنّ هذا السؤال يخطر في بالي- ما يثير اهتمامي هو مقدار رغبة المسيحيّين الأوائل بالتأكُّد من أنّ كتاباتهم القانونيّة تُمثِّل حقائقًا تاريخيّة. كان مهمًّا لهؤلاء الرجال والنساء أن تكون الحقائق التاريخيّة قد شكلت بالفعل أسس كتبهم المقدسة. إذا لم يكن مسيحيّو القرن الثاني مهتمين بحفظ حقائق شهود العيان لماذا إذًا مؤلف أعمال بولس (الذي على الأغلب لم يرد شيئًا سوى تكريم ذكرى بولس ببضعة قصص خياليّة) انتهى به الحال في خزي وعري من رسامته؟
حتّى وسط مسيحيّي القرن الثاني أي شهادة يمكن ربطها لشهود عيان الرب القائم كانت تعتبر قانونيّة بشكل فريد. لذلك، فالنصوص المزعوم ضياعها ضاعت أو بشكل أدق لم تُحفظ بعناية ككتابات تظهر في العهد الجديد في يومنا هذا.
ليس فقط إنجيل بطرس، بل أناجيل رسوليّة أُخرى ظهرت في القرنين الثاني والثالث للميلاد بعد موت أخر رسول بوقت طويل (إنجيل يهوذا، إنجيل مريم، إنجيل فيلبس، إنجيل المصريّين، إنجيل المخلص، إنجيل الحقيقة، والكثير غيرها). صحيح أنّ بعض أجزاء إنجيل بطرس وإنجيل توما (إنجيل آخر ظهر في القرن الثاني منسوب خطأ لأحد التلاميذ) على الأغلب تنبثق من شهادة شهود عيان حول المسيح.[19] لكن هذه التقاليد القليلة من القرن الأوّل خلطت بشكل كبير مع تقاليد من القرنين الثاني والثالث.
في أغلب الحالات عرف المسيحيّون أنّ هذه الوثائق جاءت متأخرة جدًّا لتمثّل شهاة شهود عيان عن المسيح. لذلك رفضوا هذه النصوص كنصوص قانونيّة تمثِّل حياة المسيح. الحُفَّاظ الأساسيّون لهذه النصوص المتأخرة أصبحوا طوائف (كالغنوصيّة على سبيل المثال) مهتمّة بتفسيرات غامضة لتعاليم المسيح أكثر من اهتمامهم بالأحداث التاريخيّة لحياة المسيح. نصوص إحدى هذه الطوائف تمّ اكتشافها في الأربعينيات بقرب القرية المصريّة نجع حمادي.[20]
كيف تمّ جمع الأسفار القانونيّة
لا أريد أن أترككم مع الانطباع الخاطئ بان المسيحيّين حلوا المناظرات القائمة حول كتبهم المقدسة بسرعة وبسهولة. قبيل القرن الخامس عندما قامت الرعايا المختلفة بإدراج الكتابات التي يعتبرونها شهادات قانونية عن المسيح النتائج قلما كانت متطابقة تماما. حتى نرى كيف تختلف هذه الوائم من مكان لاخر أنظر إلى هذه القوائم الثلاثة من ثلاث أماكن وأوقات مختلفة في جدول رقم 1.[21]
مخطوطة موراتوري (منتصف القرن الثاني، روما) |
مخطوطة كلارومونتانوس (منتصق القرن الثالث، مصر وشمال إفريقيا) |
يوسابيوس القيصري تاريخ الكنيسة (بداية القرن الرابع، فللسطين واسيا لصغرى) |
المقبولة: متى مرقس لوقا يوحنّا أعمال الرسل رومية كورنثوس الأولى والثانية غلاطية أفسس فيلبي كولوسي تسالونيكي الاولى والثانية تيموثاوس الأولى والثانية تيطس فليمون يوحنّا الأولى يوحنّا الثانية والثالثة (اعتبروها رسالة واحدة) يهوذا رؤيا حكمة سليمان |
المقبولة: متى مرقس لوقا يوحنّا أعمال رومية كورنثوس الأولى والثانية غلاطية أفسس فيلبي كولوسي تسالونيكي الأولى والثانية تيموثاوس الأولى والثانية تيطس فليمون العبرانيين* بطرس الأولى والثانية يوحنّا الأولى والثانية والثالثة يعقوب يهوذا رؤيا |
المقبولة متى مرقس لوقا يوحنّا أعمال الرسل رومية كورنثوس الأولى والثانية غلاطية أفسس فيلبي كولوسي تسالونيكي الأولى والثانية تيموثاوس الأولى والثانية تيطس فيلمون العبرانيين يعقوب بطرس الأولى يوحنّا الأولى رؤيا* |
المتنازع عليها
رؤيا بطرس |
المتنازع عليها
رؤيا بطرس رسالة برنابا الراعي لهرماس أعمال بولس |
المتنازع عليها
يعقوب يهذا بطرس الثانية يوحنّا الثانية والثالثة
|
المرفوضة
اللاودكيين الاسكندريين الراعي لهرماس |
|
المرفوضة
رؤيا بطرس أعمال بولس الراعي لهرماس رسالة برنابا تعاليم الرسل الاثني عشر انجيل بطرس انجيل توما انجيل متياس انجيل العبرانيين اعمال اندراوس اعمال يوحنّا |
عندما ننظر إلى القوائم في جدول 1، بإمكاننا بسهولة أن نركز على الكتب القليلة التي يمكن أن تكون قد وَجَدَت طريقًا للعهد الجديد أو لا. قبل أن تهتم بما يمكن أن يكون قد حصل لو أنّ المسيحيّين استنتجوا أنّ سفرك المفضل في العهد الجديد لم يكن أهلًا، لاحظ درجة التطابق الساحقة بين هذه القوائم. على الأقل في وقت مبكر كالقرن الثاني الميلاديّ كان هنالك 20 كتابًا لم تدر حولها الشكوك أبدًا – وهذه هي الكتابات التي تعكس أكثر الحقائق الأساسيّة عن المسيح. منذ البدايات اعتنق المسيحيّون (قبلوا) الأناجيل الأربعة، أعمال الرسل، رسائل بولس وعلى الأقل رسالة واحدة من يوحنّا. وحتّى لو كانت مجموعة الكتب هذه هي الوثائق الوحيدة التي مثّلت شهادة عيان حول المسيح، كلّ حقيقة أساسيّة في الإيمان المسيحيّ ستبقى سليمة.
خلافات حول بضعة كتابات (رسائل بطرس، رسالتا يوحنّا الثانية والثالثة، ورسائل يعقوب ويهوذا) ظلّت قائمة بعد القرن الثاني. وبالرغم من ذلك ومع أخر سنوات القرن الرابع وصل المسيحيّون إلى اتفاق حول 27 كتابًا (كتابات آمنوا أنّها مرتكزة على أساس شهادة شهود عيان حول المسيح). رسالة أثناسيوس في عام 367 (الرسالة التي بحسب إيرمان أوّل من حرّض “على أنّ كتبنا الـ27 الحاليّة… تُقبَل كنصوص مقدّسة”) عكست هذا الإجماع.
بالنسبة للجزء الأكبر، فإيرمان كان على حق بخصوص كيف تمّ تجميع لائحة الكتب القانونيّة للعهد الجديد. العديد من السنين مضت قبل أن يتفق المسيحيّون حول أي الكتب يجب أن تكون جزءًا من نصوصهم المُقدّسة. بالرغم من ذلك كان هنالك معيارًا محدّدًا وجّه هذه العملية (قناعة تامة أنّ هذه الكتابة يجب أن تكون متجذرة في شهادة شهود عيان يمكن الاعتماد عليها حول يسوع المسيح).
و الأكثر من هذا، وبالرغم من الخلافات المستمرة حول بعض الكتابات كان هنالك إجماع حول حواليّ عشرين كتابًا في وقت مبكر جدًّا في القرن الثاني. الله لم يعد قط أنّ عملية تحديد أي الكتب تمثِّل شهادة شهود عيان ستكون بلا خطأ. بالرغم من ذلك هنالك كلّ سبب لنصدق أنّ الشهادة الموجودة في العهد الجديد تعكس بدقة تجارب رجال ونساء تبعوا المسيح شخصيًّا ومرّروا تجاربهم لأجيال قادمة.
عن كتاب: سوء اقتباس الحقيقة، لتيموثي بول جونز، ترجمة أمجد بشارة، 2018
[1] MJ, p. 36; cf. IS, pp. 1-3.
[2] يضع إيرمان هذا المبدأ لاحقًا من حيث الأهمّيّة، ويُلخِّصه كالآتي: النصوص الموثوقة كان يجب عليها أن تكون قديمة (من وقت المسيح)، ورسوليّة (عن أتباع المسيح المباشرين أو شركائهم) (LC، pp. 242- 43). كما يُلاحظ إيرمان عاملان آخران يظهران على الساحة فيما بعد، وهما الجامعيّة catholicity (انتشار استخدامهم بين المسيحيّين)، والأرثوذكسيّة (أن تتوافق مع بقيّة الأسفار). وأنا أوكد أنّه بالنسبة للمسيحيّين الأوائل فقد كانت هذه الوثائق أرثوذكسيّة ورسوليّة وأصيلة، بشكل لا مثيل له. الشروط الثلاثة جميعها كانت تنطبق بشكل جذريّ على شهود العيان.
[3] Quoted in Eusebius Ecclesiastical History 3.39.
[4] polycarp of Smyrna, To the Philippians, in The Apostolic Fathers, 1, 1 Qement. ll Qement. Ignatius. Polycarp. Didache, ed. Ban Ehrman, Loeb Classical library (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 2003), 12. 1.
[5] Translated from “Muratorian Canon in Latin”: retrieved October 28, 2006, from <http:// www.earlychristianwritings.com/text/muratorian-latin.html/>
[6] Eusebius Ecclesiastical History 6. 12; cf. Tenullian of Canhage De Praescriptione Haereticorum 3. 20. 21; retrieved October 28, 2006, from <http:/ /www.tertullian.org >
[7] Eusebius Ecclesiastical History 6.12.
[8] For funher discussion, see Manin Hengel, The Four Gospels and the One Gospel of Jesus Christ, trans. john Bowden (Harrisburg, Penn.: Trinity Press, 2000), pp. 12-15.
[9] Translated from text of P. Cair. 10759. For the text of this fragment as well as a more cautionary approach to its identification as the Gospel of Peter, see Paul Foster, “Are There Any Early Fragments of the So-Called Gospel of Peter?” New Testament Studies 52 (2006): 1-28.
[10] LC, p. 16.
[11] Eusebius Ecclesiastical History 6.12.
[12] See LC, p. 16.
بدايات لوم شعب اليهود كصالبي المسيح بدأ في مُحاكمة بيلاطس البنطيّ الواردة في إنجيل بطرس، لذا يُقترح أنّه كُتِبَ بعد طرد المسيحيّين من المعابد اليهوديّة بعد القرن الأوّل الميلاديّ.
[13] LC, pp. 22-28.
[14] يُمكن الادعاء بأنّ رفض يوسابيوس لإنجيل بطرس لا يُعتمد عليه، إذ أنّ بعض الكنائس قد قَبِلته، لكن هذا خداع محض. ففي بضع سنين بعد حاثة روسوس Rhossus، فإنّ الأناجيل الأربعة: متّى، مرقس، لوقا، ويوحنا، قد أصبحت وثائق لها السلطة الرسوليّة للتعرُّف على حياة يسوع. إيرينيئوس أسقف ليون وضع بالفعل موافقته حواليّ سنة 180م؛ بالتزامن مع إكليمندس السكندريّ في بدايات القرن الثالث، حيث أصبحت للأناجيل الأربعة ذات السلطان في الإسكندريّة أيضًا.
Hengel, Four Gospels, pp. 15-19.
[15] For examinations of the authenticity of Tenullians repon, see Jan N. Bremmer, “Magic, Martyrdom, and Womens liberation,” and, A. Hilhorst, “T enullian on The Acts of Paul,” in The Apocryphal Acts of Paul and Thecla, ed. jan N. Bremmer (Kampen: Kok Pharos, 1996), pp. 56-60, 157-6 1. Acts of Paul evidently included three documents that later became known as Acts of Paul and Thecla, Martyrdom of Paul and Ill Corinthians.
[16] التأريخ التقريبيّ لكتاب أعمال بولس هو 160م تقريبًا, أي بعد قرن من بولس الرسول. استشهد Hilhorst بكتابات جيروم ليثبت أنّه في تاريخ لاحق، ولكنّه بقيَّ بعد مائة عام تقريبًا من بولس ((“Tertullian,” pp. 158-6 1).
[17] “Sciant in Asia presbyterum, qui eram scripturam construxit quasi titulo Pauli suo cumulans convictum atque confessum id se amore Pauli fecisse et loco decessisse” (Tenullian of Canhage De Baptismo 17: retrieved October 28, 2006, from http://www.tertullian.org
[18] Tertullian De Baptismo 17.
[19] For example, in 2 Qement 5:2-4, the unknown proclaimer of this sermon appears to be working from a common-and most likely reliable-oral tradition thats also preserved in Gospel of Peter.
[20] مخطوطات نجع حمادي: مجموعة من أكثر من أربعين وثيقة غنوصيّة كُشِفَت في الأربعينيّات قرب قرية نجع حمادي، قرية في مصر العليا. من النصوص المهمة التي وُجِدَت في نجع حمادي: رؤيا بولس القبطيّة، رؤيا بطرس القبطيّة، إنجيل يوحنّا المنحول، خطاب المخلِّص، إنجيل القبطيّين المصريّ، إنجيل فيليبس، إنجيل توما وإنجيل الحقيقة.
[21] جدول 1: تفيد العلامة (*) أنّ هذا السفر ضمن الأسفار المُتنازع عليها، برغم وجوده في اللائحة القانونيّة النهائيّة.