مخطوطات وترجمات العهد الجديد – ليه بنثق في نصوص الكتاب المقدس؟
مخطوطات وترجمات العهد الجديد - ليه بنثق في نصوص الكتاب المقدس؟
مخطوطات وترجمات العهد الجديد – ليه بنثق في نصوص الكتاب المقدس؟
العدد الهائل لمخطوطات وترجمات العهد الجديد
هناك خمسة آلاف وسبعمائة مخطوطة يونانية للعهد الجديد موجودين. وعدد هذه المصادر فى إزدياد. كل عقد وكل سنة، مخطوطات جديدة تُكتشف. فى الوقت الذى تتوفر فيه كتابات أى مؤلف كلاسيكى بمتوسط عشرين مخطوطة فقط، فإن العهد الجديد – فى مخطوطاته اليونانية فقط – يتعدى هذا المقدار بنحو ثلاثمائة مرة. بجانب المخطوطات اليونانية، فهناك اللاتينية، القبطية، السيريانية، الأرمينية، القوطية، الجيورجية، العربية، وترجمات أخرى كثيرة للعهد الجديد.
عدد المخطوطات اللاتينية أكثر من عشرة آلاف. بعد كل هذا، فإن العهد الجديد تمثله مخطوطاته بأكثر من ألف مرة تقريباً من متوسط كتابات المؤلف الكلاسيكى. حتى المؤلفين المعروفين – مثل هوميروس وهيرودوت – لا يرقون للمقارنة مع كمية النسخ التى يتمتع بها العهد الجديد. فى الحقيقة، فهوميروس يقع فى المركز الثانى من حيث عدد مخطوطاته، لكن هناك أقل من ألفين وخمسمائة مخطوطة باقية لهوميروس اليوم.
الذى يعنيه هذا أن نُقاد نص العهد الجديد لا يفتقرون للمادة. لدينا بيانات متمهلة للعمل معها، وتمكننا من إعادة تكوين صياغة العهد الجديد الأصلى فى كل مكان تقريباً. وحينما يكون هناك شكوك، فلدينا شهادة المخطوط. نحن لم نُترك للتخمين، دون إرشاد هذه الوثائق، فى كل مكان فى العهد الجديد تقريباً.[1]
يقول العالم ف. ف. بروس F. F. Bruce:” ربما أمكننا تقدير مدى ثراء العهد الجديد بالمخطوطات إذا ما قارنا بينه وبين غيره من الأعمال التاريخية القديمة. فلم يتبق سوى عدد قليل من المخطوطات لكتابات قيصر عن حروب الغال (كتبت بين عامي 58 ، 50 ق.م.) منها تسع أو عشر مخطوطات فقط لا تزال صالحة ويفصل بين أقدمها وبين عصر قيصر حوالي 900 سنة.
ومن بين 142 كتاباً للتاريخ الروماني الذي كتبه ليفي (59 ق.م. – 17م) هناك 35 كتاباً فقط لا تزال باقية. وهذه الكتب التي وصلت إلينا لم نعرفها إلا من خلال ما يقلّ عن 20 مخطوطة فقط. واحدة من هذه المخطوطات فقط، وهي التي تحوي أجزاء من الكتب من الثالث إلى السادس، ترجع إلى القرن الرابع.
ومن بين 14 كتاباً لتاريخ تاسيتوس (حوالي 100م) هناك أربعة كتب ونصف فقط ما زالت موجودة، ومن بين حولياته التاريخية التي تبلغ 16 كتاباً بقي 10 كتب كاملة وكتابان غير كاملين. ونصوص هذه الأجزاء المتبقية لاثنين من أعماله التاريخية العظيمة تعتمد بشكل كلي على مخطوطتين ترجع إحداهما إلى القرن التاسع والأخرى إلى القرن الحادي عشر.
أما المخطوطات المتبقية لأعماله الصغرى (Dialogus de Oratoribus, Agricola, Germania) ، فمصدرها مخطوطة ترجع إلى القرن العاشر. أما تاريخ ثوسيديدس (حوالي 460-400 ق.م.)، فقد وصل إلينا في ثماني مخطوطات ترجع أقدمها إلى حوالي سنة 900م، وبعض أوراق البردي القليلة التي ترجع إلى بداية العصر المسيحي.
وينطبق الأمر نفسه على تاريخ هيرودت (488-428 ق.م.) ومع ذلك لا يقبل أي دارس للكتابات الكلاسيكية أي تشكيك في موثوقية كتابات هيرودت أو ثوسيديدس لأن أقدم مخطوطاتها الهامة يفصل بينها وبين الأصل أكثر من 1300 عاماً.”[2]
و هذا أيضاً ما يُمكن قراءته عند العالِم بروس ميتزجر حينما قال : “حفظت لنا أعمال الكثير من المؤلفين القدامى من خلال خيط رفيع جداً من المخطوطات المتناقلة. فمثلاً انتقل التاريخ الوجيز لروما الذي كتبه فيليوس باتركلوس إلى العصور الحديثة عبر مخطوطة واحدة غير كاملة صدرت عنها الطبعة الأولي – وهذه المخطوطة الوحيدة فقدت في القرن السابع عشر بعد نسخها على يد بيتوس ريناوس في أمبرباخ.
كما أن الحوليات التاريخية للمؤرخ الشهير تاسيتوس بقيت الكتب الستة الأولي منها فقط من خلال مخطوطة واحدة ترجع إلى القرن التاسع. وفي عام 1870 احترقت المخطوطة الوحيدة المعروفة لـ الرسالة إلى ديوجنيتس في المكتبة المحلية لمدينة شتراسبورج وهذه الرسالة من المؤلفات المسيحية المبكرة التي تعتبر ضمن كتابات الآباء الرسوليين.
وعلى النقيض من هذا كله، يجد الناقد النصي للعهد الجديد نفسه في حيرة بسبب كثرة المخطوطات التي بين يديه.” [3]
أما فى حالة العهد الجديد , فنحن نمتلك بحسب أحدث إحصائية قام بها العالِم ميتزجر , نحو 5664 مخطوطة يونانية للعهد الجديد [4] وما بين 8000 – 10000 مخطوطة للترجمة اللاتينية التى قام بها القديس جيروم فى القرن الرابع وتُسمى “الفلجاتا” Vulgate , بجانب نحو 8000 نُسخة من بقية الترجمات التى تُرجِم إليها العهد الجديد فى القرون الأولى للمسيحية.
هذا ما يُؤكده العالم بروس ميتزجر قائلاً[5] :” كمية مادة العهد الجديد تُحرج أى مقارنة بالكتب الاخرى من العصور القديمة , فبجانب العهد الجديد , الكمية الاكبر لشهادة المخطوطات هو إلياذة هوميروس , التى كانت بمثابة إنجيل اليونانيين القدماء.
ويوجد منها اليوم أقل من 650 مخطوط يونانى. وبعضها متجزأ الى اجزاء , وقد وصلت إلينا من القرن الثانى والثالث الميلادى وما بعده. وعندما نتأمل ان هوميروس قد أعّد ملحمته حوالى سنة 800 ق.م , يُمكنك ان ترى فجوة كبيرة جداً”
و كما رأينا وقبِل العلماء نصوص الكلاسيكيات القديمة , رغم أن أقدم المخطوطات الموجودة لها كُتِبت بعد كتابة الأصول بفترات طويلة وقرون هذا عددها , ورغم أن عدد نُسخها قليل جداً , فإنه بات واضحاً الآن أن مصداقية وموثوقية نص العهد الجديد أصبحت شىء أساسى لدى العلماء[6].
الاقتباسات مأخوذة عن كتاب مدخل للنقد النصي للعهد الجديد لفادي عاطف…
[1] دان والاس، خلع يسوع عن عرشه، الفصل الاول
[2] The New Testament Documents , Are They Reliable? , By F. F. Bruce , P. 16 – 17
[3] The Text Of The New Testament , By Bruce M. Metzger , P. 34
[4] تتنوع أحجام وأشكال هذه المخطوطات , فنحو 200 منهم يحتوى على نص العهد الجديد كاملاً , ونحو 50 مخطوطة تحتوى على كل العهد الجديد ماعدا الأناجيل الأربعة , ونحو 1500 تحتوى كل أو معظم الأناجيل فقط , وأخيراً فالبقية الكبرى تحتوى على إصحاحات أو أعداد من سفر أو سفرين من العهد الجديد.
[5] القضية للمسيح (تحقيق صحفى شخصى للشهادة عن يسوع) , تأليف لى ستروبل , ترجمة الأستاذ سعد مقارى , إصدار مكتبة دار الكلمة LOGOS , الطبعة الاولى: القاهرة 2007 , الفصل الثالث , ص 77
[6] أفضل طريقة يُمكن بها معرفة مدى ثراء نص العهد الجديد هو مقارنتها بالكتابات العلمانية , فلو نظرنا الى كتابات شكسبير والتى ترجع الى القرن السادس عشر والسابع عشر , ورغم هذا نقرأ قول العالم جيروم ماك جان :” هناك إتفاق عام أن المشاكل النصية فى (كتابات) شكسبير لها من التعقيد البالغ , حتى انه لا يوجد نص يُمكن إثباته و يُشير الى الموافقة العامة على الحسم (أى النتيجة الحاسمة).” أنظر:
Textual Criticism and Literary Interpretation , By Jerome J. MacGann , P. 5
فحينما تكون نسبة التحقق من النصوص فى كتابات شكسبير الذى من القرن السادس عشر شبه مستحيلة , فحقاً يستحق ذاك الكتاب العظيم الإنحناء إجلالاً وتقديراًَ أمام نسبة موثوقية نصوصه الرهيبة!