Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

هرطقات ظهرت بعد الاريوسية – مختصر تاريخ الكنيسة القرن الرابع ج8

هرطقات ظهرت بعد الاريوسية – مختصر تاريخ الكنيسة القرن الرابع ج8

 

هرطقات ظهرت بعد الاريوسية – مختصر تاريخ الكنيسة القرن الرابع ج8

 

بعض الهرطقات التي ظهرت بعد الآريوسية

(1) الإفنوميُّون

بدعة الإفنوميِّين، نسبة إلى زعيمهم إفنوميوس Eunomius (394+م) الذي كان كاتم سِّر مؤسِّس هذه البدعة، الذي يُدعى إيتيوس Aetius. وإيتيوس هذا كان أوفر المغامرين اللاهوتيين إنتاجاً[1]، أمَّا إفنوميوس فكان مشهوراً بجرأته وقُدرته على العمل المتواصل، وكان كثير التَّقلُّب.

أُقيم أسقفاً على كيزيكوس Cyzicus بواسطة إفدوكسيوس Eudoxius (300-370م) أسقف القسطنطينيَّة[2]، وسُرعان ما أتَّحد مع إيتيوس Aetius وانفصلا علناً عن إفدوكسيوس Eudoxius ووصماه بأنه رَجُل متلّون، مخادع، وانتهازي.

كان أتباع إفنوميوس Eunomius يقولون: إنَّ الابن يمكن أن يُدعى الله، ولكن بالاسم لا غير، ليبقى بينه وبين الله الرأس غير المخلوق، هوَّة لا يمكن اجتيازها. فحتى عبارة الأريوسيِّين عن الابن بأنه “شبيه في الجوهر” كانوا يعتبرونها تحفُّظاً غير الشريف، فكانوا إذاً أسوأ من الأريوسيِّين في اعتقادهم.

وكان إفنوميوس Eunomius يُعيد معمودية الذين ينضمُّون إلى مذهبه، مغطِّساً إياهم غطسة واحدة، ومنكِّساً رؤوسهم إلى أسفل وأرجلهم إلى فوق، وهو يقول: “يُعمَّد فلان باسم الآب غير المخلوق، والابن المخلوق، والرُّوح القُدُس المخلوق من الابن المخلوق”. وكان يُنكر العذاب الأخير، وجهنَّم.

 

(2) الإفدوكسيُّون

نسبة إلى إفدوكسيوس Eudoxius أسقف القسطنطينيَّة[3] في عهد الإمبراطور فالنس (364-378م). وهي فئة لم تكن أريوسيَّة بكلِّ معنى الكلمة، لكنَّها انحازت بصورة ظاهرة إلى اليسار في الأريوسيَّة، وادَّعت أنها  تمثِّل الأريوسيَّة الأصلية القديمة. وتمسَّك إفدوكسيوس Eudoxiusبالعبارة المبهمة التي اخترعها أكاكيوس Acacius (+366م) أسقف قيصريَّة[4] وهي “أنّ الابن شبيه بالآب”، بدون إشارة إلى أن هذه المشابهة تتخطّى الوجهة الأدبية.

فكانت النتيجة العملية، إعداد الطريق لأصحاب البدعة الإفنوميَّة.

(3) النِّصف أريوسيِّين

ويُسمَّون أيضاً “محاربي الروح”. وكان زعيمهم هو باسيليوس أسقف أنقرة Basil of Ancyra[5]. وكان حزب النِّصف أريوسيِّين هم أصل بدعة مقدونيوس Macedonius (+362) أسقف القسطنطينيَّة بقوَّة الملك قسطنديوس[6] (337-361م) بعد إنزال أسقُفه القانوني بولس. ثم خُلع من هذه الأسقفية في سنة 360م بواسطة الإفنوميِّين. وقد علَّم أن “الابن مشابه للآب في كل شيء، ولكنَّه لا يساويه في الجوهر. وأن الروح القدس مخلوق وخادم للابن، كأحد الملائكة”.

وقد سُمِّى مشايعوه “المقدونيِّين”. وكانوا قد تدرَّجوا في إيمانهم إلى إعلان عظمة الابن غير المخلوقة، إلا أنهم ظلُّوا يرفضون عبارة مجمع نيقية بأن الابن “مساو للآب في الجوهر”. وقال عنهم القديس أثناسيوس الرسولي (329-373م) وهو في منفاه الثاني:

[سمعتُ والأمل يحزُّ في نفسي، أن بعض الذين هجروا الأريوسِّين اشمئزازاً منهم لتجديفهم على الله، يدعون بعد ذلك الروح مخلوقاً ويقولون: إنه أحد الأرواح الخادمة، ولا يختلف عن الملائكة إلا بالرُّتبة][7].

وهو ما دفع مجمع القسطنطينيَّة إلى تثبيت تكملة قانون الإيمان النِّيقاوي بعد عبارة “نؤمن بالروح القدس”، بقوله: “الرَّب المحيي المنبثق من الآب، الذي هو من الآب والابن مسجودٌ له وممجَّد”، وكانت هذه الإضافة جزءًا من دساتير الإيمان المحليَّة في الكنائس المختلفة في الشَّرق.

 (4) السَّابيليُّون

نسبة إلى سابيليوس  Sabellius[8] الذي اعتقد أن الثلاثة أقانيم هم أقنوم واحد مثلث الأسماء، ظهر تارة كآب، وتارة كابن، وأُخرى كروح قُدُس، بتغيُّر الصُّورة والشَّكل. وترجع بدعة السَّابيليِّين إلى تعاليم نوفاتوس الذي هو نوفاتيان[9] Novatian ومعه أيضاً براكسياس Praxeas في أواخر القرن الثاني الميلادي[10].

فيقول السَّابيليُّون: إن الابن والروح القدس إنما هما من الظُّهورات والأشكال أو الانبثاقات من شخص الآب الواحد. وقد أرسل البابا ديونيسيوس الكبير (248-265م) البطريرك الإسكندرية رسالة إلى زيستوس الثاني Sixtus II (257-258م) أسقف روما، يصف فيها هرطقة سابيليوس، بأنها مملوءة كُفراً وتجديفاً على الله الآب، وشكوكاً كثيرة بخصوص ابنه الوحيد بكرُ كلّ خليقة، الكلمة المتأنِّس، وقصوراً شديداً في معرفة الروح القدس، فيقول:

[قد كتبتُ بضع رسائل لمعالجة الموضوع، وضعتُ فيها بمساعدة الله، كثيراً من التَّعاليم على قدر استطاعتي، وها أنا أرسلُ إليك نُسخاً منها][11].

 (5) المركليُّون

نسبة إلى مركلُّوس Marcellus (+374م) أسقف أنقرة Ancyra في غلاطية. وكان اعتقاده قريباً من تعليم سابيليوس، ومناقضاً للإيمان الحقيقي بلاهوت الابن، وبالتَّجسُّد. ويُنسب إليه الرأي، بأن الكلمة كان قوَّة إلهيَّة غير شخصيَّة، كامنة في الآب منذ الأزل، ولكنَّها صادرة منه في عمل الخليقة، ودخلت أخيراً في علاقات مع شخص الإنساني، فصار بذلك ابن الله. على أن هذا الامتداد من الوحدة الإلهيَّة، يتبعه انكماش، عندما ينسحب الكلمة من يسوع، ويكون الله ثانية، الُكل في الكُل!

(6) القوتينيُّون

هم أتباع فوتينوس Photinus الذي صار أسقفاً على سيرميوم Sirmium سنة 344م[12] وهو تلميذ مركلُّوس Marcellus (+374م) أسقف أنقرة. وكان فوتينوس Photinus هذا متصلَّباً في رأيه، عنيداً، حاضر الذِّهن. وقد صدرت ضدَّه أحكام أربعة مجامع متتابعة قبل أن يضع السلطة المدنيَّة حدًّا لمشاغباته في سنة 351م. وقال في تعليمه عن شخص السيِّد المسيح له المجد “إن يسوع الذي استقرَّ فيه الكلمة استقراراً تاماً ممتازاً، كان إنساناً مجرَّداً بسيطاً”.

وهو رأيٌّ يشبه رأي بولس السَّاموساطي. ولم يكن يعترف بالثالوث القدُّوس، وكان يُسمِّي الله روحاً خالق الكُل، ويرى أن الكلمة ما هو إلا كلمة لفظيَّة، وأمرٌ إلهيٌ خادمٌ لله في إبداع الكون كأنَّه آله صناعيَّة، وأن المسيح إنسانٌ مجرَّد، اقتبل كلمة الله ولكنَّه لم يقتبل الجوهر، بل اللفظ فقط، وأن بدء وجوده كان في مريم”[13].

 (7) الأبوليناريُّون

هم أتباع أبوليناريوس Apollinarius (310-390م) أسقف اللاذقيّة في سوريا. ويقول عنه البابا أثناسيوس الرسولي:

[إنه اعتاد أن يقول: إن الكلمة أخذ جسداً بدون نفس. وإذ يشعر أحياناً بخجل لجهله، يعود فيقول: إن الجسد الذي اتَّخذه، كانت فيه نفس غير عاقلة، جارياً على رأي أفلاطون في التَّفريق بين النَّفس والعقل].

وفي تفسيره الخاطيء للآيتين (1 تسالونيكي 23:5، غلاطية 18:5) نسب للمسيح جسداً بشرياً ونفساً بشريَّة، ونفى أن يكون له روح عاقلة، وجعل الكلمة يحلُّ محلّ الرُّوح في شخص المسيح، فيجعل المسيح كائناً متوسِّطاً بين الله والإنسان، قائلاً: إن المسيح مزيجٌ من الله والإنسان. واندفع إلى القول: إنه لا يجوز أن نعبُد كائناً بشرياً متوشِّحاً بالله، أو نسجد له. فتصدَّى له القديس غريغوريوس اللاهوتي (329-389م) قائلاً:

[يجب أن نسجُد لإله متوشِّح بالنَّاسوت، وليس لجسد متوشِّح باللاهوت].

[1] أثناسيوس في المجامع (31)، وسقراط في تاريخ الكنيسة (45:2).

[2] شارك في كثير من المجامع الأريوسية في القرن الرَّابع الميلادي. ورُسم أسقفاً على أنطاكية سنة 358م، ثم صار أسقفاً للقسطنطينيَّة سنة 360م. ولم يتبق من كتاباته سوى شذرات بسيطة من مقالة له عن التَّجسُّد.

ODCC, 2nd edition, p. 479, 480.

[3] سبق الإشارة إليه منذ قليل.

[4] لاهوتي أريوسي، وهو تلميذ يوسابيوس Eusebius القيصري (360-340م)، وخليفته على كرسي قيصريَّة فلسطين.

Cf. ODCC, 2nd edition, p. 8.

[5] Cf. ODCC, 2nd edition, p. 141.

[6] وهو يُسمَّى أيضاً “قسطنطينوس”. والذي حكم الجزء الشَّرقي من الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة.

[7] الرسالة الأولى إلى القديس سرابيون عن الروح القدس.

[8] يُعرَف عنه القليل جداً. ويُظن أنَّه لاهوتي من بواكير القرن الثالث الميلادي، ومن أصل روماني. ورد ذكره في بعض كتابات الآباء اليونان في أواخر القرن الرَّابع أو الخامس الميلادي، حيث ينسبونه إلى ليبيا أو الخمس مُدُن الغربيَّة Pentapolis.

Cf. ODCC, 2nd edition, p. 1218.

[9] نوفاتوس أو نوفاتيان، هو قس من كنيسة روما، له مؤلّف هام ومتكامل عن الثالوث. أما تفاصيل حياته، فهي مجهولة. وقد تعرَّض للاستشهاد في حُكم فالريان سنة 257م. ولم تقبل الكنيسة تعاليمه، كما رفضها البابا ديونيسيوس الكبير (248-265م).

Cf. ODCC, 2nd edition, p. 984.

ويقول عنه يوسابيوس القيصري: نحن بحق نشعر بالكراهية نحو نوفاتوس الذي قسَّم الكنيسة، ودفع ببعض الإخوة إلى الكُفر والتَّجديف، وأدخل تعاليم كُفريَّة عن الله وأخرى عن ربنا يسوع المسيح الكُلي الرأفة، مدَّعياً بأنه غير رحيم. وعلاوة على كل هذا، فإنه يرفض المعمودية المقدسة، ويقلب الإيمان والاعتراف اللذين يسبقانها، ويمنع عنهم كُليَّة الروح القدس، إن كان هناك أيُّ رجاء أن يبقى معهم أو يعود إليهم.

انظر: يوسابيوس القيصري، تاريخ الكنيسة، ترجمة القمص مرقس داود، الطبعة الثانية، القاهرة، 1979م، ص351.

[10] براكسياس هو هرطوقي، وصلتنا معلومات عن تاريخه وتعليمه من مقالة باليونانية بعنوان “ضدَّ براكسيان” Adversus Praxian كُتبت حوالي سنة 213م.

وقد اشار العلامة ترتليان (160-225م) إلى تعاليمه الخاطئة.

Cf. ODCC, 2nd edition, p. 1115.

[11] يوسابيوس القيصري، تاريخ الكنيسة، ترجمة القمص مرقس دادود، مرجع سابق، (6:7)، ص 349.

[12] ظل فوتينوس أسقفاً على سيرميوم Sirmium حتى سنة 351م حين أُقصيّ عن منصبه، لتعاليمه الخاطئة، وبقرار من مجمع عُقد في سيرميوم بأمر الإمبراطور قنسطنطيوس Constantius. ولم يصلنا شيء من كتاباته. أما تعليمه، فعرفناه مما كتبه عنه مناوئوه.

Cf. ODCC, 2nd edition, p. 1087.

[13] تاريخ الكنيسة لسوزومين (6:4).

 

هرطقات ظهرت بعد الاريوسية – مختصر تاريخ الكنيسة القرن الرابع ج8

Exit mobile version