قوانين الايمان قبل مجمع نيقية – مختصر تاريخ الكنيسة القرن الرابع ج6
قوانين الايمان قبل مجمع نيقية - مختصر تاريخ الكنيسة القرن الرابع ج6
قوانين الايمان قبل مجمع نيقية – مختصر تاريخ الكنيسة القرن الرابع ج6
كان الإيمان بالمسيح المُخلّص هو مركز البشارة، حتّى صارت ”السمكة“ هيَ الرمز للإيمان المسيحيّ في العالم الهليني وذلك لأنها في اليونانيّة ”ἰχθύς – إكسوس“ تشمل الحروف الأولى من العبارة ”يسوع المسيح، ابن الله المخلّص“. وقد شهد العلَّامة ترتليان بذلك كما شهدت نقوش السراديب الرومانيّة. وردت هذه العبارة الرمزيّة في مؤلفات الكُتَّاب المسيحيّين في نطاق واسع كقانون إيمان يُعبّر عن المعتقد المسيحيّ.
هذا لم تستحدثه المسيحيّة، فقد سبقتها اليهوديّة إلى ذلك، من خلال ما يُسمى بـ”الشِمَع- שְׁמֵע“ والتي تعني ”اسمع“، المأخوذة من الآية: ”اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرّبّ إِلهُنَا رّبّ وَاحِدٌ“ (تث6: 4).[1] يُعتبر هذا هو أقدم قانون إيمان عرفته البشريّة، فقد كان يُتلى يوميًا في الصلوات اليهوديّة. [2] وهو من أكثر اللحظات نشوة عند المُتعبد اليهوديّ، ففيه يرى أنّه يتقابل مع الله، وفيه يشهد لله، حتّى أنّه قد جاء في المدراش: ”إنّ الله عُرِف في العالم، بسبب أنّنا حملنا الشهادة له“، ويرون أنّ هذا القانون هو جوهر الإيمان اليهوديّ.[3]
بعد مجئ السيد له المجد، وإذ انطلقت الكنيسة في عصر الرسل تكرز وتبشر العالم بالخلاص كان لزامًا أن يعترف كلّ موعوظ بإيمانه جهرًا في صيغة مُختصرة قبلما يتقبّل العضويّة في جسد المسيح، أي قُبيل عماده مباشرة. وذلك كما فعل الخصي الأثيوبيّ (أع ٨: ٣٧) حين أعلن رغبته في العماد مُعترفًا ”أنا أومن أنّ يسوع المسيح هو ابن الله“.
فلم تكن العقيدة آن ذاك مُجرّد تعبيرًا فرديًّا نظريًّا، بل كانت تعبيرًا عن واقع الكنيسة. ولقد تمت صياغة العقائد كردود أفعال ضد التأويلات الخاطئة التي للهراطقة، وقد كان هدفها الجوهريّ هو الحفاظ على جوهر رسالة الإنجيل.[4]
يتحدّث عن قانون الإيمان فيما قبل مجمع نيقية الكثير من آباء الكنيسة، لكنّ، لم يكن له مُسمّى واحد، فالبعض أطلق عليه اسم: ”قاعدة الإيمان“، ”κανὼν τη̂ς πίστεως,- regula fidei“، وفي أحيان أُخرى كان يُدعى بـ”قانون الحقّ“.
يخبرنا عن قاعدة الإيمان المؤرخ الأوّل للكنيسة يوسابيوس القيصريّ، عندما يتحدّث عن مُخالفة الهراطقة للإيمان الأرثوذكسيّ، نجده يكتب: ”لقد تركوا قاعدة الإيمان القديم، لذلك، هم لا يعرفون المسيح، ولا فحصوا الكتب كما ينبغي“.[5]
بينما يُخبرنا هيبوليتوس الرومانيّ عن ”قاعدة الحقّ“، قائلًا: ”لقد كتبنا كتبًا دفاعية عن الإيمان، بكفاية واسهاب، وشرحنا قاعدة الحقّ لكل من يرغب“.[6]
يُعدّد المُعلِّم إكليمندس السكندريّ أسماء قانون الإيمان على النحو التالي:
”إنَّ الإيمان له قاعدة، وأنّ هذه القاعدة هيَ قانون الإيمان، أو القانون الكنسيّ، أو قاعدة الحقّ والتسليم“.[7]
يخبرنا ترتليان إنّ قاعدة الإيمان هذه، هيَ المقياس، وهيَ التي يُقاس عليها التّعليم الأرثوذكسيّ، وتُفرز الهرطقات:
”هذه القاعدة هيَ من الرسل، وحتّى بولس الرسول بعد اهتدائه، صعد إلى أورشليم، كي يُقارن قاعدة إنجيله، بقاعدة الإيمان عند باقي الرسل، وهذه القاعدة هيَ التي يتمّ بموجبها فرز الهرطقات والهراطقة“.[8]
أوريجانوس، وهو من هو، يقول إنّ قاعدة الحقّ هذه كانت مُنتشرة ومعروفة في كلّ الكنائس: ”إنّ كلّ ما يخص المسيح، قد حدّدته الكنائس، حسب القاعدة التي تقبلها كلّ الكنائس، وكلّ وعظ وكرازة يجب أن يتّبع هذه القاعدة“.[9]
فقد كان قانون الإيمان نصًا يشمل عناصر الإيمان الجوهريّة للمسيحيّة، مُرتبطة باللِّتورجيَّا والكتاب المُقدّس، وهو المقياس الذي يحكم ويُفسرّ ويعظ المُعلمون من خلاله، وهو ليس بالأمر المُستحدث، بل هو مُترسِّخ في تّعليم الكنيسة منذ نشأتها.
وقد كانت قوانين الإيمان هذه تعبيرًا فكريًّا عن الإيمان الحيّ في الكنيسة، أو هو تعبير جهاريّ يُعلن الإيمان الراسخ في الكنيسة. ونجد له هيئة أوليّة في بعض نصوص العهد الجديد، مثل:
– في اعتراف الخصي الحبشيّ، قُبيل معموديته على يد فيلبس، نجد إحدى الأشكال الأولى لاعتراف الإيمان: ”فَقَالَ فِيلُبُّسُ:‘إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ مِنْ كلّ قَلْبِكَ يَجُوزُ’. فَأَجَابَ وَقَالَ: ‘أَنَا أُومِنُ أنّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ ابْنُ اللهِ’“ (أع8: 37).
– ”لإنّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرّبّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أنّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، خلّصتَ.لأنّ الْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ، وَالْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلاَصِ“ (رو10: 9، 10).
– ”فَإنّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: إنّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، وأنّهُ دُفِنَ، وَأنّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ“ (1كو15: 3، 4).
– ”عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ. وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سرّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرّر فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ“ (1تي3: 15، 16).[10]
وبهذا نجد أنّ صيّغ قانون الإيمان، تعود بذرتها الأولى إلى الرسل أنفسهم، وقد ظهر في أقدم أشكاله، كصيغة خاصة بالمعموديّة، يعترف بها طالب العماد مُعلنًا قبوله الحقّ ودخوله ”الحياة في المسيح يسوع“. فقد كانت المعموديّة، إحدى الدوافع التي أدت إلى ظهور قانون الإيمان، حتّى تتأكد الكنيسة أنّ المُعمّد مؤمن ومعترف بالإيمان المسيحيّ بأكمله.
في الدوائر اليهوديّة كان يكفي لطالب العماد أن يُعلن هذا القانون الإيمانيّ البسيط؛ أنّ ”يسوع هو المسيّا“، أي هو المخلّص الذي انتظره الآباء وشهد عنه الأنبياء، فيه كملت الشريعة وتحقّقت مواعيد الله للبشريّة. أمّا بالنسبة للأمم، إذ لم تكن لهم الشريعة ولا عرفوا النبوات عن المسيّا يعبدون آلهةً كثيرةً وأربابًا كثيرة، كان لزامًا على طالب العماد أن يُعلن حقّيقة إيمانه بأكثر وضوح: إيمانه بالله الواحد المثلث الأقانيم، وعمل المسيح الخلاّصيّ.
إذ ظهرت غنوصيّات غير أرثوذكسيّة تنادي بالثنائيّة، وتُحقِر من المادة وتشوّه حقّيقة التجسد الإلهيّ، لم يعد ”قانون الإيمان“ في صورته الأولى كافيًا، أي لا يكفي إعلان أنّ ”المسيح ابن الله الحيّ“، إنما يلزم الاعتراف بـ ”الحبل به من الروح القدس، ولادته من العذراء مريم، تألمه في عهد بيلاطس البنطي وموته ودفنه (وليس كما علَّم الغنوصيّين أنّه اختُطِف إلى السماء من على الصليب أو قبيل صلبه)، وأنّ الروح القدس حال في الكنيسة… إلخ“.[11]
نجد أولى الصياغات المُعبرة عن قانون الإيمان، خارج العهد الجديد، عند القديس إغناطيوس الأنطاكيّ، حيث يكتب في رسالته إلى سميرنا:
”أُمَجِد يسوع المسيح الذي جعلكم حكماء, لقد أدركت أنّكم قد بُنيتم بأيمان لا يتزعزع، كأنّكم مُسمرُون على صليب يسوع المسيح بالجسد والروح، وثابتون بقوة في المحبة بدم المسيح، الذي هو حقّيقة ‘من نسل داود بالجسد’ (رو1:4), وولد حقّيقة من العذراء، واعتمد من يوحنا ‘لتتم به كلّ عدالة’ (متى3:15), وسُمِّر من أجلنا على عهد بيلاطس البنطي وهيرودس رئيس الرُبع، وبثمرة صليبه وآلامه المُقدّسة وجدنا الحياة، وبقيامته ‘رفع رايته’ (إش 5:26) فوق العصور ليجمع قديسيه ومؤمنيه، في اليهوديّة والأمم، في جسد واحد أي في كنيسته“.[12]
في رسالته إلى تراليان نجد اعترافًا إيمانيًّا آخر، كالتالي:
”صُمّوا آذانكم عندما تسمعون كلامًا لا يكون عن المسيح ابن داود من مريم العذراء, عن المسيح الذي وُلِد حقًّا، وأكل وشرب، واحتمل الآلام على عهد بيلاطس البنطي، ومات على الصليب أمام السماء والأرض وما تحت الأرض, وقام من بين الأموات“.[13]
عند إغناطيوس، نجد أنّ حقّيقة ميلاده من العذراء مريم تُمثل بُرهانًا على بشريّة يسوع، وهذا في سياق حربه ضد بدعة الخياليّين أو الديسوتيّين. فكلمات مثل: ”حقًّا أكل وشرب“، تؤكد على حقّيقة تجسد الكلمة، وكثيرًا ما استخدمتها الكنيسة لتُحارب هذه البدع.
بوليكاربوس، في رسالته الوحيدة التي تركها لنا، قُبيل استشهاده، يكتب فيها:
”آمنوا بمن أقام سيدنا يسوع المسيح من الأموات، وأعطاه مجدًا، وأجلسه عن يمين عرشه، وأخضع له كلّ ما في السماء وما على الأرض، والذي تعبده كلّ نسمة، وسيأتي ليدين الأحياء والأموات“.[14]
يوستينوس الشهيد، عندما سأله الوالي ”ريستكس“، عن إيمانه. أجاب: ”الإيمان الذي نعتنقه بتقوى، إنه الإله صانع العالم بأسره منذ البدء، وأيضًا، بيسوع المسيح، ابن الله، والذي أخبر عنه الأنبياء بانه سوف ينزل للبشريّة كمُعلن للخلاص، ومُعلم للعقائد الحسنة“.[15]
في هذا الاعتراف الإيمانيّ المُختصر، نجد القديس يوستينوس يتحدث عن الله الخالق، وابنه يسوع الذي أخبر عنه الأنبياء. والنبوة في تعاليم آباء ما قبل نيقية مُرتبطة بشدة بالروح القدس مُعطي النبوة. ثُمَّ أنّ هذا الابن تجسد لكي يُعلمنا العقائد الإلهيّة السليمة ويقضي على التشوّهات التي كانت في مُخيلات البشر لدى الله، ثُمَّ يُعطينا الخلاص الذي منه.
أثيناغوراس، المُعلم السكندريّ الشهير، وأحد عُمداء مدرسة الإسكندريّة المسيحيّة، والذي سوف نتناول تعاليمه اللاهوتيّة في فصل خاص من هذا الكتاب، يقول في دفاعه عن المسيحيّين:
”لقد أشرت بما فيه الكفاية إلى أنّنا لسنا مُلحدين لأنّ إلهنا هو الإله الواحد غير المخلوق وأبديّ وغير مرئيّ ولا يُشبهه شيء مُدرك. يُمكن معرفته فقط بالعقل والمنطق، مُحاطٌ بنور وجمال، بالروح والقوة اللامُتناهية، الذي بكلمته خُلِقت المسكونة بترتيب وإحكام.
ونؤمن بابن الله، ودعونا نعترف أنّه لمن المُضحك أن يكون لله ابن! لكنّ، فيما يخص فكرنا عن الله الآب والابن، فهو مُختلف تمامًا عن أساطير الشُعراء التي تتضمن تعاليم عن آلهة لا يختلفون عن البشر! إنّ ابن الله هو كلمة الله (اللوغوس)، هو الفكر الذي يُبدع والقوة التي تخلق، الذي بموجب مشيئته كان كلّ شيء، فالآب والابن واحد، حيث إنّه من خلال قوة ووحدة الروح، فإنّ الآب في الابن والابن في الآب. إنّ ابن الله هو فكر وكلمة الآب.. وهو مولود من الآب، غير مخلوق، وإنّ الله كان لديه الكلمة في ذاته منذ البدء، لم يوجد وقت كان فيه الله بلا كلمة..
ونعلم أيضًا، أنّ الروح القدس الذي أظهر ذاته من خلال عمله في الأنبياء، مُنبثق من الله، فهو ينبع منه ويرجع إليه، مثل شعاع الشمس..
فنحن نعترف بإله واحد، آب وابن وروح قدس، لهم قوة واحدة“.[16]
في واحدة من رسائل الشهيد كبريانوس القرطاجنيّ، يكتب:
”بكل تأكيد، لا يؤمن ماركيون بنفس الإله الآب وخالق كلّ الأشياء، كما نُعلِّم نحن، هل هو يعترف بنفس الابن المسيح المولود من العذراء مريم الذي هو الكلمة المُتجسد، والذي حمل خطايانا وقهر الموت، وهو أوّل من أسّس قيامة الجسد في أقنومه، عندما أقام جسده، وأظهر لتلاميذه أنّه أقام نفس الجسد“.[17]
كبريانوس هُنا يتحدث عن الله الآب الخالق ضابط الكلّ، ويؤكد إنسانيّة المسيح المأخوذة من العذراء مريم، وأنّه حقًّا وُلِد ومات وقام.
القديس إيرينيئوس من بدايات القرن الثاني، يشرح خلاصة الإيمان المسيحيّ بالثالوث القدوس، في ثلاثة بنود، أشبه بقانون إيمانيّ، وهي:
”إنّ البند الأوّل من قانون إيماننا، وقاعدة البناء وأساس الخلاص هيَ أنّ: ‘الله الآب غير المولود، غير المُحوى، غير المرئي، إله واحد خالق الجميع. والبند الثاني: هو أنّ كلمة الله ابن الله، يسوع المسيح رّبّنا، الذي تنبأ عنه الأنبياء، الذي كلّ شيء به كان وبتدبير الآب في الأيام الأخيرة صار إنسانًا بين البشر (يو1: 14) وتراءى للكل لكي يُبطل الموت، ولكي يجمع كلّ شيء ويُظهر الحياة ويصنع شركة بين الله والإنسان. والبند الثالث هو أنّ: الروح القدس هو الذي بواسطته تنبأ الأنبياء وتعلّم الآباء بأمور الله، والذي بواسطته دخل الأبرار إلى طريق البر، كما أنّه انسكب في الأيام الأخيرة بطريقة جديدة على جنس البشر مجدّدًا الإنسان لله“.[18]
في مؤلفه الشهير ”ضد الهرطقات“، يكتب:
”قد استلمت من الرسل، ومن تلامذتهم، الإيمان بإله واحد، آب ضابط الكل، خالق السماء والأرض والبحار، وكلّ ما فيها، والإيمان بيسوع المسيح الواحد، الذي هو ابن الله، الذي تجسد من أجل خلاصنا، والإيمان بالروح القدس الذي أعلن التدبير بواسطة الأنبياء، أي بمجئ المسيح، وميلاده العذراويّ، وآلامه، وقيامته من بين الأموات، وصعوده إلى السموات جسديًّا، وظهوره ثانية من السماء، في مجد الآب، لكي يجمع كلّ الأشياء في نفسه، ولكي يُقيم أجساد كلّ البشر إلى الحياة، لكي تجثو للمسيح يسوع، رّبّنا وإلهنا ومُخلّصنا، كلّ ركبة، بحسب مشيئة الآب غير المنظور، ولكي يعترف كلّ لسان له، ولكي يجري دينونة عادلة… هذه الكرازة، وهذا الإيمان، تحفظه الكنيسة، رغم تشتتها في كلّ العالم“.[19]
العلَّامة ترتليان، هو الآخر يتحدث أكثر من مرة عن قانون الإيمان المعروف في عصره، فيقول:
”قاعدة الإيمان، نعرفها جميعًا ونُكرّرها بروح واحد… نؤمن بإله واحد عظيم، صانع العالم، وابنه، يسوع المسيح، الذي وُلِد من العذراء، وتألم في عهد بيلاطس البنطي، وقام في اليوم الثالث، وصعد إلى السماوات، ويجلس الآن عن اليد اليُمنى للآب، وسيأتي ليدين الأحياء والأموات، كما سيُقيم الأجساد“.[20]
إذ بدأت الهرطقات والبدع تنتشر، لم يعد ”قانون الإيمان“ خاصًا بطالبي العماد، إنما صارت الحاجة مُلحة لاستعماله الكنسيّ في العبادة الليتورچيّة والعبادة الخاصة. بدأت المجامع المسكونيّة تضع قانون الإيمان، لأهداف دفاعيّة وتّعليميّة. ففي مجمع نيقية وُضِع قانون الإيمان ليُحارب الآريوسيّة.
فإنّه وإن اقترب من قانون الإيمان الأورشليميّ العماديّ القديم، لكنّه أضاف إلى الفقرة الثانية الخاصة بالسيد المسيح هذه الصيغة: ”نور من نور، إله حقّ من إله حقّ، مولود غير مخلوق، واحد مع الآب في الجوهر“. هذه الصيغة لا يستطيع الآريوسيّون أن ينطقوا بها، فتفرزهم عن المؤمنين. بهذا قدّم مجمع نيقية للكنيسة صيغة لاهوتيّة مُبسطة تعلن إيمان الكنيسة، ويعترف بها المسيحيّون ويترنمون بها ويُصلّونها، فلم تعد حكرًا على المُعمدين فقط.
في المجمع المسكونيّ الثاني بالقسطنطينيّة أُضيف إلى قانون الإيمان النيقيّ صيغة خاصة بالروح القدس: ”الرّبّ المحيّي، المنبثق من الآب، نسجد له ونمجده مع الآب والابن، الناطق في الأنبياء…“.
[1] انظر أيضًا: تث4: 25؛ 2صم7: 22؛ 22: 32؛ 1مل8: 60؛ 1أخ17: 20؛ مز18: 31؛ إش43: 10؛ يوئيل2: 27؛ زك14: 9. هذه النصوص التي تتّبع قانون ”اسمع“، وتُشدّد على وحدانيّة الله ومُلكه. ولها مثيلاتها في العهد الجديد، انظر: مر12: 29؛ يو17: 3؛ 1كو8: 4؛ غلا3: 20؛ 1تي2: 5.
[2] للمزيد اقرأ: رافائيل البراموسي (الراهب القمص)، الرّبّ إلهنا رّبّ واحد (القاهرة: الكرمة، 2015).
[3] Sifri 346 on Deuteronomy 33: 5; Midrash Tehilim 123: 2; Pesikta 12: 102b; Yalkut 1: 275, 2: 317.
[4] Paul Tillich, A History of Christian Thought, XXXIX
[5] تاريخ الكنيسة 5: 28.
[6] Eleneshos, 10: 5: 1.
[7] المتنوعات 7: 7؛ 6: 15؛ 6: 18.
[8] ضد مركيون 5: 1، 3؛ ضد فالنتينوس 4: 1.
[9] تفسير يوحنا 13: 16؛ عظات على إرميا 5: 4.
[10] أغلب القراءات النقدّية الحديثة للنص، تقرأه ”الذي–ὅς ظهر في الجسد“، بدلًا من: ”الله-θεός ظهر في الجسد“. وهذا لا يُغير من معنى النص نهائيًا، فقد كان هذا تعبيرًا سرائريًا- μυστήριον عن الشخص (يسوع) الذي أعطى العالم المعرفة عن الله غير المُدرك، أو لنقل هو تعبير عن الله المُمجد، والذي لا يُمكن معرفته في مجده. فعدم نطق الاسم ”الله“، كان تعبيرًا عن هذا الإجلال السرائري للإله، حتّى في المفهوم اليهوديّ القديم (Philip Schaff, The Creeds of Christendom, With a History and Critical Notes, Volume II: The Greek and Latin Creeds, With Translations (New York: Harper & Brothers, 1890), 7.).
[11] منعًا للتكرار، يُمكن الرجوع إلى الفصل الخاص بالإيمان بالثالوث في المعموديّة، إذ جاء به الكثير من قوانين الإيمان الأولى، والتي آثرنا ألَّا نُعيد كتاباتها هُنا.
[13]إلى تراليان، 9؛ انظر أيضًا: مغنسيا، 11.
[14] الرسالة إلى فيلبي، 2.
[15] سيرافيم البراموسي (الراهب)، الشهادة في نصوص العهد الجديد وحياة الكنيسة الأولى (القاهرة: مدرسة الإسكندريّ للدراست المسيحيّة، 2014)، ص 177.
[16] A Pela Regarding Christians, 10.
[17] رسالة 73: 5.
[19] ضد الهرطقات، 1: 10: 1، 2.
[20] De Virginibus Velandis, cap. 1; Adv. Praxeam, cap. 2; De Præscript. Hæret. cap. 13.