أبحاث

الصراع مع جاليليو – العلاقة بين العلم والدين ج4

الصراع مع جاليليو - العلاقة بين العلم والدين ج4

الصراع مع جاليليو – العلاقة بين العلم والدين ج4

 

 

الصراع مع جاليليو - العلاقة بين العلم والدين ج4
الصراع مع جاليليو – العلاقة بين العلم والدين ج4

 

 

بدأنا في المرة اللي فاتت نتكلم عن بدايات نشأة الصراع بين العلم والدين، وإزاي علم الفلك كان المحور الأول في الصدام دا، وناقشنا بدايته الأولى من عصر الفلاسفة اليونانيين، وفي مطلع العصور الوسطى في أوروبا.. وهنكمل مع بعض في البوست دا، وهنتكلم عن الصراع الملحمي بين جاليليو والكنيسة، وعن الأسباب اللي دعت لاهوتيي القرون الوُسطى لمعارضة علم الفلك الحديث..

اتولد جاليليو جاليلي Galileo Galilei في بيزا في إيطاليا، وكان أستاذ في جامعة بيزا، وخلال مُحاضراته أعلن أكتر من مرة عن إيمانه بنظرية كوبرنيكوس اللي اتكلمنا عنها في البوست اللي فات.

وفي سنة 1609صنع تليسكوب خاص بيه، وعدِّل فيه كتير وحسن من أداءه، لحد ما قدر يخليه يقرب الأجسام ألف مرة ضعف حجمها الطبيعي، ودا كان إنجاز تكنولوجي كبير في عصره مكِّنه من رؤية نجوم ومجرات أُخرى خارج مجرتنا اللي بنسكن فيها، زي مجرة Milky Way، وقدر يشوف إن القمر مش مُجرد سطح أملس مُضيء، لكنه زاخر بجبال وأودية وتضاريس جُغرافية مُختلفة.

المُهم إن محكمة التفتيش (واحدة من المحاكم اللي ظهرت واضمحَّلِت في فترة العصور الوسطى، وكان هدفها الأساسي مُحاربة السحرة والهراطقة وكل الخارجين عن الدين)، أصدرت قرارها ضده بالهرطقة والتمرد على إيمان الكنيسة والعصيان، وعرضت عليه الغُفران مُقابل تأدية قسم يلعن فيه نظرية كوبرنيكوس ويتخلى فيه عن كل آراؤه، ويتلو المزامير لمدة ثلاث سنوات. ووقع على الحكم دا سبعة كرادلة، ورفض البابا إنه يوقع عليه.

اتنفذ عليه الحكم وبعد ثلاث سنين من السجن أمر البابا إنه يعيش في قصر الدوق الأكبر في ترنيتا مونتي وتُحدد إقامته هناك، بعدها بأسبوع اتنقل لمكان أكثر راحة، في قصر تلميذه السابق رئيس الأساقفة أسكانيو بتشولوميني Ascanio Piccolomini في سيِّينّا.

أمَّا عن إن الكنيسة أعدمته، أو إنه بعد المُحاكمة خبط برجله على الأرض وقال: “ولكنها تدور”، كل دا أساطير ملهاش أي أساس من الصحة..
وبعد حوالي 200 سنة من وفاته، سنة 1835، انتصر العلم، وحذفت الكنيسة أسماء كتبه من قائمة الكتب المحظورة..

– إيه هي الأسباب اللي أدت باللاهوتيين إنهم يدخلوا في صراع مع العلم؟

1- نصوص الكتاب المُقدس:

مكانش في استطاعة البروتستانتية الصاعدة في الوقت دا إنها تنصر العلم، وكان موقفها هو هو موقف الكنيسة الكاثوليكية، لإن تعاليمهم تأسست على كتاب مُقدس معصوم حرفيًا وعلميًا، وزي ما قلنا في البوست اللي فات إن دا كلام ملوش أي قيمة وبيجر المسيحية لأمور كتير هي بعيده تمامًا عن هدفها الأساسي، وهو الاتحاد بالله.
فبنلاقي مارتن لوثر رفض اكتشافات كوبرنيكوس الفلكية لإن التوراة ذكرت إن يشوع بن نون أمر الشمس توقف، مش الأرض، وبيقول في كتابه (حديث المائدة)، وهو واحد من أهم الكتب اللي بتوضح فكره اللاهوتي:

“إن الناس يستمعون إلى مُنَجِم مُحدث حاول التدليل على أن الأرض تدور، لا السموات ولا القبة الزرقاء، ولا الشمس ولا القمر… فهذا الأحمق يريد أن يقلب نظام الفلك كله رأساً على عقب. ولكن الكتاب المقدس ينبئنا بأن يشوع أمر الشمس لا الأرض أن تقف” (Table Talk, 69)

واحدة من النصوص الكتابية اللي على أساسها رفض لاهوتيو العصور الوُسطى علم الفلك الجديد، بيعرضها كالفن لما بيقول: “أيضاً تثبتت المسكونة، لا تتزعزع” (مز93) “فمن يجرؤ على ترجيح شهادة كوبرنيق على شهادة الروح القدس؟” (ورد النص في كتاب راسل: Russell, History of Western Philosophy, 528.).

والغريب إن النظرة دي للكتاب المُقدس، بإنه معصوم علميًا، لسه سائدة في عصرنا حتى الآن، وهي نظرة غريبة حتى عن مفهوم الوحي في المسيحية، اللي من خلاله بيوحي الله بفكرة للإنسان، والإنسان بيصيغها بإسلوبه وبثقافته وبطريقة مفهومه لقُرَّاءه المُعاصرين ليه، مش بمعلومات علمية هتيجي بعديه بآلاف السنين، ومفيش أي معنى من وجودها في النص الكتابي! اللي هو في الأصل رسالة روحية مش رسالة ماجستير!

دا غير إن كل المعلومات العلمية المُعاصرة، كان لها شكل بدائي عند الفلاسفة اليونان، لكن اللي ساد في الساحة هو نظرة أرسطو في الطبيعة وفلك بطليموس (ممكن ترجع للبوست اللي فات لمعلومات أكتر في النقطة دي).

2- التعليم بإن كل الأشياء خُلِقت للبشر:

كانت النظرية القديمة عن مركزية الأرض معقولة جدًا بالنسبة للاهوت اللي بيأسس إن كل شيء خُلِق من أجل الإنسان، وإن الإنسان هو مركز الكون كله، عايش في الأرض اللي هي مركز الفضاء، وكل الكواكب والنجوم بتدور حواليها.

فإيه معنى كلمة “السما” إن كان فوق وتحت فقدوا معانيهم لإن الأرض كروية؟! وعلشان كدا نلاقي في واحدة من خطابات جيمس وولف لعالم الفلك المُعارض لكوبرنيكوس تيكو براهي، بيقول فيها: ” ما من هجوم على المسيحية أشد خطراً من القول بضخامة السماوات وعمقها اللانهائيين”.

وبدا أن كل شيء جميل في المسيحية، بـ”يتصاعد دخاناً” (زي ما قال جوته فيما بعد) تحت لمسة علم الفلك الحديث.

وفي الحقيقة النقطة دي غريبة جدًا، برغم إنها واحدة من النقط اللي حارب لأجلها لاهوتيو العصور الوُسطى بشراسة علم الفلك الجديد، لكنها في مُنتهى السخافة، لإن الإنسان مركز الكون لإنه كائن خُلِق علشان يرعى الكون ويسود عليه كإله، طبعًا بمعنى السيادة الإلهية اللي بتعني الأبوة والرعاية، مش السيادة بالمفهوم البشري اللي بتحتم وجود عبد نسود عليه ونمتص خيره.

فالله خلق الإنسان علشان يستمتع بالكون، ويرعاه ويحفظه (يفلحها ويحفظها)، ويكون رأس كل الخليقة، زي ما المسيح صار رأس طبيعنا البشرية، سيد بخدمته في العالم وحفظه ليه وتمتعه بجماله.. حتى لو انحرف المفهوم دا عند كتير من البشر.. واللي جايز العصور الوُسطى لسيادة نظامي الملكية والإقطاع فيها، فمقدرش اللاهوتيين وقتها، أو مُعظمهم، يوصلوا للمفهوم دا..