نشأة وتطور الصراع بين العلم واللاهوت – العلاقة بين العلم والدين ج3
نشأة وتطور الصراع بين العلم واللاهوت - العلاقة بين العلم والدين ج3
نشأة وتطور الصراع بين العلم واللاهوت – العلاقة بين العلم والدين ج3
اتكلمنا في المقالات اللي فاتت عن الإيمان المسيحي والعقل، وإلى أي مدى الإيمان المسيحي مُتعقِل، وإلى أي مدى مُمكن يبتعد الإيمان عن العقل المحض علشان يشمل باقي الجوانب الإنسانية الأُخرى زي الحس والوجدان والمشاعر..
المرة دي هنبص بنظرة سريعة على نشأة الصراع بين العلم والدين، وإيه الأسباب اللي أدت للصراع دا في القرون الوسطى.
زمان كانت الفلسفة بتشمل النظرة للعالم المادي والروحي على السواء، بتجمع بين التفكير في الآلهة، والإنسان، والعالم المادي. فكان العلم جزء منها ومش مُتغرِب عنها، ولا عن الدين لإن الكل بيُنظر ليه نظرة ميتافيزيقية أو نظرة غير مادية بتبحث في ما وراء العالم والمادة. وكان في مجموعة من فلاسفة الشك ظهروا بعد أرسطو، واللي كانوا أقرب للوجودية المُعاصرة، لإنهم توقفوا عند المادة والعالم والشقاء الإنسان وعدمية الحياة.. لكن مش دي النظرة السائدة عامة.
وفضل الحال على ما هو عليه لحد نهايات القرن الـ 15 تقريبًا سنة 1475 مع بداية ظهور اكتشافات كوبرنيكوس القس الكاثوليكي اللي بدأ يؤسس لكروية الأرض وعدم مركزيتها. ومن هنا بدأت الحرب بين العلم والدين، أو هي كانت حرب بين المذهب الأرسطوطالي في شرح الطبيعة، والمنهجية العلمية اللي ظهرت عن طريق البحث المُباشر بالمناظير اللي قربت الرؤية للعالم علشان يقدر يدون مُلاحظات أفضل عن الفضاء. النظرة دي اللي نتج عنها كتابين موسوعيين بيوصفوا الفترة دي بالـ”الحرب”، وهما:
“The History of the Conflict Between Religion and Science” الصادر عام 1875 لمؤلفه جون داربر John w. Darper، وهو أول رئيس للجميعة الأمريكية لعلوم الكيمياء.
وبعده بعشرين سنة، في 1895، صدر كتاب “A History of the Warfare of Science with Theology in Christendom” لأول رئيس لجامعة كورنيل، أندرو وايت Andrew D. White
ويكفي اسمي الكتابين علشان نقدر نتصوَّر مدى العلاقة المُعقدة والمتوترة اللي كانت بين العلم والعلماء من جهة، ومش هنقول الدين، لكن علماء الدين أو لاهوتيي العصور الوسطى من جهة تانية.
وكان الفرسان التلاتة للمعركة دي هما: كوبرنيكوس- كبلر- جاليليو.. جه من بعدهم إسحق نيوتن وأينشتاين، لكن الأمور كانت أفضل كتير في وقتهم. وعلشان كدا هنركز حديثنا عن التلاته الأولين فقط. واللي سبق ظهورهم نظرة للعالم على إنه أرض المعركة بين الله والشيطان، وإن أي حدث طبيعي بيحصل، مطر رعد برق، وأي حتى مرض أو وباء بيصيب البشرية، هو لازم وحتمًا إما تأديب وإشارة إلهية أو حرب شيطانية، واتملت كتب التاريخ في الوقت دا بالأساطير والمُعجزات.. وتقريبًا دا اللي بنشوفه في أيامنا دي من انتشار كتب المُعجزات بشكل خرافي، من تعلق المسيحيين بالأسطورة عن تمسكهم بالواقع، من رؤيتهم للمطر والرعد كأنه غضب الله على الشر والضيقات، وبعض الكارزماتيين البروتستانت اللي بيحاربوا حتى أفلام الكارتون!
1- كوبرنيكوس: اتولد سنة 1473 في مدينة تورن بروسيا الغربية، درس الرياضيات في جامعة بولونيا، وكان من مُعلميه في الجامعة أستاذ اسمه دومينيكو دي نوفارا، ودا كان بينتقد نظرية بطليموس (فيلسوف سكندري وضع منهج فلكي مُعقد عن ثبات ومركزية الأرض، وفضل منهجه مُستخدم طوال فترة القرون الوسطى في جامعات أوروبا، وارتبط كمان بتفاسير الكتاب المُقدس). واترسم كوبرنيكوس كاهن في كاتدرائية فراونبورج ببولندا، وكرَّس مُعظم وقته للبحث العلمي.
وتلخصت نظريته زي ما وردت في كتابه تعليقات مُختصرة (Commentariolus in Rosen, Three Copernican Treatises, 58.) كالتالي:
أ- مفيش مركز واحد لكل الكواكب السماوية.
ب- الأرض مش مركز الكون.
ج- كل الكرات (الكواكب) تدور حول الشمس، فالشمس هي مركز الكون.
د- حركة السماء والسحب مش سببها تحرك السماء، إنما تحرك الأرض اللي بتلف دورة كاملة كل يوم.
وكوبرنيكوس مش أول شخص في التاريخ قال بالنظرية دي، إنما سبقه فلاسفة يونانيين كتير، منهم فيلولاوس الفيثاغورثي Philolaus the Pythagorean اللي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، وقال إن الأرض والكواكب بتدور حول نار مركزية غير مرئية اسمها “هستيا”. ومن بعده جه هيكيتاس السيراكيوزي Hicetas of Syracuse اللي اتكلم عنه الفيلسوف والأديب اللاتيني الشهير شيشرون، وقال بنفس الأمر، ومن بعدهم أريستارخوس الساموسي Aristarchus of Samos (310-230 ق. م.) واللي قال إن الأرض بتدور حول الشمس، لكنه اتُهِم بالضلال والكُفر وتراجع عن نظريته، وفي القرن التاني قبل الميلاد، أعاد إحياء الفكرة سلوقس البابلي Seleucus of Babylonia وكانت نظريته هتسود، لولا مجئ بطليموس السكندري اللي وضع منهج فلكي مُعقد ومحدش قدر ينازعه أو يجادله حتى العصور الوسطى، وبداية عصر العلم.
وجود الفلاسفة القدام وتعليقاتهم دي بتنفي تمامًا أي وجود لأي إعجاز علمي من أي نوع بيدّعيه أي كتاب قديم، لا الكتاب المُقدس بيحوي إعجاز علمي، ولا أي نص آخر، لإن الأمور اللي تناولها الكتاب المُقدس، وغيره من الكتابات الدينية، هي تعاليم مُرتبطة بعصرها، ومكانش في أي كشف جديد جه بيه علشان ندعي وجود إعجاز أو توافق مع العلم، لإن النص الديني وليد عصره، وغير معصوم غير فيما يخص رسالته الدينية الجوهرية فقط، مش في الصور اللي استخدمها لإيصال الرسالة دي..
2- كبلر: تاني أهم العُلماء اللي واجهوا زمن الصراع بين العلم والدين، اتولد في قرية فيل في شتوتجارت بألمانيا، اتتلمذ كبلر على إيد عالم فلك شهير ومُعارض شرس لنظرية كوبرنيكوس، اسمه “تيكو براهي”، تيكو براهي توسم في كبلر العلم وأحبه، وعلشان كدا ترك له بعد ما مات كل الأدوات والأبحاث الخاصة بيه، واللي بدأ كبلر يشتغل عليها ويطورها. أهم عمل قدمه كبلر لعلم الفلك إنه أكتشف “القطع الناقص” أو الشكل البيضاوي للمدارات الفضائية، فبدل ما المدارات الفضائية كانوا بيعتقدوا إنها دائرية، اكتشف كبلر أنها بيضاوية الشكل، والشمس مش في المركز، لكنها في واحد من طرفي القطع الناقص دا. ودا دعَّم نظرية كوبرنيكوس في أكبر نقاط ضعفها، وساعد نيوتين اللي جه بعده بسنين في وضع قوانين أدق عن الجاذبية.