تعافيت بك ف87 ج2 – رواية تعافيت بك PDF
الجزء الثاني
الفصل السابع والثمانون_الجزء الثاني (ألم فقدانها!)
قال واصفًا الشعور بخيبته:
“كمن أحضر حِلته لحضور حفل زفافٍ ولم تأتيه دعوةٌ بعد”
_________________________
يرهقني أنني مليءٌ من الداخل بخبايا وأسرارٍ لم استطع البوح عنها لكنها تفيض من عيناي، شخصٌ مثلي اعتاد القلق والسهر في جوف الليل خَلعًا من نفسي قبل الناس، لكن لا بأس فهي دنيا ولا يوجد بها راحةٍ، فأيقن قلبي أن الأمر كله بيد الله ولسان حالي يردد:
﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾.
كم هي قاسية صفعات الخذلان بعد الانعام بالراحةِ؟! حيث يشبه الأمر في حقيقته الحصول على بئر المياه وسط الصحراء بعدما سرت عَطِشًا طوال الليالي وحينما ركضت إليه بكامل قوتك؛ تفاجئت به فارغًا وكأن أحلامك سقطت فوق رأسك، هكذا كان حال” ياسر” و هو يقف أمام المحامي الذي أخبره بوفاة والده وكأن الكهرباء مَست جسده ليقف متسمرًا !! فقال المحامي من جديد:
“أنا أسف أني فاجئت حضرتك كدا بس أنا بحاول أوصل لحضرتك من اسبوعين ومش عارف، البقاء لله”
رأرأت عينيه وكأنها خالية من الحياة ولم يبادر حتى بالنطق على المحامي، فتحدث” خالد” بثباتٍ:
“و نعم بالله، اتفضل حضرتك مينفعش الكلام من على الباب كدا”
تحرك” عامر” بعد حديثه أخيه أمرًا الفتيات بجمودٍ:
“ادخلوا جوة كلكم محدش يطلع دلوقتي”
تحركت الفتيات بتعجبٍ ونظرات الاستنكار تدور بينهن وكلٍ منهن تنظر للأخرى بحيرةٍ حتى اختفى أثرهن، فدلف الشباب معًا للداخل وأمامهم المحامي وخلفهم” ياسر” يسير بلا روحٍ كما الجسد الخاوي.
جلسوا جميعًا فقال” حورج” بنبرةٍ عملية:
“أنا متأسف للمرة التانية اني جيت من غير ميعاد بس حارس العمارة عند استاذ ياسر قالي إنه هنا عند أخوه، اعذروني معلش”
رد عليه” ياسين” بنبرةٍ هادئة وعينيه تتابع قسمات وجه” ياسر” :
“ولا يهمك يا فندم حضرتك نورتنا طبعًا، بس هو توفى امتى؟!”
رد عليه” جورج” متأسفًا مراعيًا حالة الأخر:
“من شهر تقريبًا، بس على ما خلصت الإجراءات والورق وجيت هنا الموضوع خد مني وقت كبير”
تنفس” ياسر” بحدة محاولًا الثبات أمام نفسه قبلهم جميعًا لكن هل في ظروفه تلك سيتطع الثبات؟! كانت الأعين جميعها موجهةً نحوه فقال هو بنبرةٍ متحشرجة مختنقة:
“أنا مقدر مجهود حضرتك ووقتك كمان بس اعذرني، أنا مش هقدر أخد حاجة من دول، تقدر حضرتك ترجعها لصحابها وقولهم أنا مباخدش شفقة من حد”
نظر أخوته لبعضهم فيما قال” جورج” بثباتٍ:
“أنا مقدر حالتك وعارف الظروف الخاصة بيك وبوالدك، بس دا حقك أنتَ، الفلوس دي والدك اشتغل بيها وكبرها وعمل بيها اسم، يعني دا حقك أنتَ وأخواتك مش شفقة منهم !!”
رد عليه” ياسر” بنبرةٍ جامدة:
“الفلوس دي اللي هو سابنا علشانها؟! الفلوس اللي جت بكسرة قلبي أنا وأخواتي؟! الفلوس اللي قهرني بيها علشان تبقى معاه؟!”
رد عليه” جورج” بوقارٍ:
“أديك قولت أهو سابك علشانها !! وفي النهاية رجعتلك أنتَ وأخواتك ودا حقكم، الفلوس دي كانت مبلغ صغير مع المدام قبل جوازها من والدك، هو كبره وشغله وعمله بمجهوده، يعني فلوس حلال وحقك أنتَ اكتر من أي حد تاني، والاستاذ فادي بنفسه هو اللي صمم إن الحق دا يوصلك”
نظر له” ياسر” بامعانٍ فقال هو بوقارٍ وثباتٍ:
“الاوراق مع حضرتك أهيه راجعها وشوف كل حاجة فيها وأنا هنا في مصر فترة ومسافر تاني اتمنى إن حضرتك تمضي علشان أسلم حضرتك الحاجة، عن اذنكم ورايا ميعاد، ومش عاوز من حضرتك رد دلوقتي”
وقف” جورج” بعد حديثه بعدما قطع كل سُبل المعارضة على الأخر فوقف” ياسر” يقول بنبرةٍ متحشرجة:
“عن اذنكم هوصله وطالع تاني”
نظروا لبعضهم البعض بقلة حيلة يتابعوا خروجهما خلف بعضهما ونظرات الاستفهام تغلف ملامح وجوههم، فيما نزل” جورج” و معه” ياسر” هو الأخر الذي ذهب في وادٍ أخر، حتىٰ توقف المصعد وخرج منه كليهما، فقال” جورج” متفهمًا حالته:
“عن اذنك يا دكتور ياسر، منتظر ردك ومتأكد إنك هتحسبها صح، دا حقك شرعًا وقانونًا”
حرك” ياسر” رأسه موافقًا ثم مد يده للآخر يودعه ولازالت الدموع كما هي متحجرة في عينيه تأبى الخروج من مصدرها، فابتلع غصة مريرة في حلقه وكأنها أشواك تُخيم على حلقه وتؤلمه، شعر بكف أحدهم يوضع على كتفه من الخلف فحانت منه التفاتة برأسه حتى يتسنى له رؤيته فوجد” ياسين” يقول بنبرةٍ خافتة:
“تعالى في حضن أخوك وعيط، بلاش تكتم وجعك كدا، تعالى”
قالها” ياسين” بألمٍ وكأنه يناصف الأخر في حزنه فيما ارتمى” ياسر” عليه يتشبث به وهو يبكي بحرقة قلبٍ مكلومٍ حتى ارتفع صوت بكائه وتقطعت أنفاسه من الشهقات وحينها احتواه” ياسين” بين ذراعيه وهو يبكي معه ألمًا على صديقه وما حل به، وفجأة فتح المصعد ليركض منه” عامر” و” خالد” سويًا نحوهما وهما يبكيان بعناق بعضهما، فاقترب” عامر” يربت عليهما و“خالد” الذي سحب” ياسر” بين ذراعيه يُضلل عليه محاولًا الثبات أمامه، لكن هيهات ففي تلك اللحظة تشارك أربعتهم الوجع وكأنه مس قلوبهم جميعًا وليس واحدًا منهم.
_________________________
أنهت” خلود” الدرس والتكريم وقام المعلم بالتقاط صورةً معها فخرًا بها وكادت تجزم هي أنها أصبحت في خفة الفراشات المُحلقة على أغصان الشجر.
وقفت أمام المركز التعليمي تنتظر قدومه بعدما اتفقت معه أن يمر عليها ويأخذها إلى البيت نظرًا لتأخر الموعد، أتى” عمار” من خلفها يقول بنبرةٍ هادئة: