تعافيت بك ف83 ج2 – رواية تعافيت بك PDF
الجزء الثاني
الفصل الثالث والثمانون (انسحبت الروح)
“إِن غِبت لَم أَلقَ إِنسانًا يُؤنسُني
وَإِن حَضَرت فَكُلُّ الناسِ قَد حَضَروا”
_مقتبس
_________________________
قيل في أحد المراسيل سابقًا:
“أن الحُب مثل العمى يُصيب القلوب، فتنغلق رؤيتها عدا رؤية من تُحب، فسبحان من جعل قلبًا أصيب بالعمى عن الحب يبصر برؤياكِ، سبحان الله خلق القلب ساكنًا ولم ينبض سوى لِـ عيناكِ.
في اليوم التالي خاصةً في الجمعية الخيرية ازداد حماس” خديجة” في معاونة الأطفال واتخاذ أولى خطواتها بِـ همةٍ ونشاطٍ بعدما خطط معها” ياسين” و عاونها على الرغم من كونه لم يفهم شيئًا مما تريده هي لكنه قرر معاونتها فيما تريد، فيكفيه فرحتها وحماسها والبريق الساكن بين عينيها.
جلست هي في الغرفة مع” نوف” التي قررت معاونتها هي الأخرى فيما تريد وحينما سألتها عنما تود فعله أجابتها” خديجة” بحماسٍ:
“بصي يا ستي؟! دلوقتي بما إنك بتدرسي سيكولوجية الطفل وبما إن الدار هنا فيها أطفال كتير باين عليهم المشاكل النفسية، فأنا عاوزة أساعدهم”
عقدت” نوف” ما بين حاجبيها وهي تقول بتعجبٍ منها:
“نساعدهم؟! طب ما إحنا بنساعدهم فعلًا، مش فاهمة قصدك !!”
ردت عليها” خديجة” بنفس الحماس تفسر لها الأمر أكثر:
“يعني دلوقتي فيه كام طفل هنا سلوكهم غريب عن الباقي، منهم اللي عصبي أوي ومنهم المنطوي الساكت ومنهم اللي بيتكلم كتير وملفت للنظر، كل دول غير اللي حواليهم، الأنواع دي لو ركزنا معاها هنلاقي إن المشاكل النفسية عندهم هتكبر وتتفاخم أكتر، احنا بقى هنحاول نحجم المشكلة ونلحقها قبل ما تتطور، بمعنى إننا نفهم سبب المشكلة ونحلها….ها فهمتي؟!”
حركت” نوف” رأسها بتفهمٍ لحديثها بعدما ادركت مقصدها، ثم سألتها بلهفةٍ:
“طب ثانية !! أنتِ تعرفي الأطفال اللي عندهم المشاكل دي؟؟ ولا لسه هتابعي؟!”
حركت رأسها موافقةً ثم أضافت:
“عرفتهم وكتبت اساميهم وكمان جهزت كل حاجة، عاوزة بس منك الأسباب اللي خليتهم ييجوا هنا”
قالت حديثها ثم أخرجت ورقة من حقيبتها وهي تقول بحماسٍ:
“دي الأسماء بتاعتهم أهيه، بنت و٣ ولاد، كل واحد فيهم عنده مشكلة غير التاني، المشاكل دي لو فضلت تكبر معاهم كدا عمرهم كله هيروح بطريقة غلط”
أيدت” نوف” حديثها لذلك قالت بهدوء تحاول التفاهم معاها:
“أنا فهماكي وكل حاجة بس دلوقتي أنتِ لاحظتي إيه؟؟”
تنفست” خديجة” بعمقٍ ثم أجابت بتريثٍ وهدوء:
“بصي !! دلوقتي فيه ريماس دي أكتر بنت لفتت نظري هنا، علطول ساكتة وقاعدة لوحدها حتى اللعب مش بتلفت نظرها، ولو قعدت وسط البنات يدوبك ١٠ دقايق وتروح تقعد تاني لوحدها”
ردت عليها” نوف” بثباتٍ:
“علشان ريماس دي كانت وسط الأطفال في الشارع، للأسف مرات باباها بعد وفاته خليتها تنزل الشارع تبيع مناديل وحاجات غريبة كدا، وريماس وسطهم كانت مظلومة وعلطول مهمشة، علشان كدا واحدة كلمتنا وخليتنا أخدناها وجبناها هنا، حاولنا كتير معاها بس برضه هي مصممة تفضل ساكتة ولما تحاول تقعد معاهم بتحس إنها مش مرغوبة”
ردت عليها” خديجة” بلهفةٍ:
“أيوا خدت بالي، وغالبًا دي عندها بوادر رهاب اجتماعي، يعني لو كبرت على كدا هيتحكم فيها ويضيع حياتها، فيه ٣ ولاد كمان منهم واحد عنيف جدًا أقل حاجة تواجهه يكسر ويضرب ولما يكون هادي أوي بيشتم، فيه واحد تاني غاوي يلفت الانتباه ليه بأي شكل، بمعنى إنه فيه انانية وعاوز يكون هو اللي ظاهر بس حتى لو معملش حاجة غاوي يظهر أنه هو اللي ضحى ولاحظت أنه كاره أي حد غيره يتشكر فيه”
ردت عليها” نوف” تتفاهم مع حديثها وتفسره لها:
“يمكن علشان هو كان مُهمش أوي وسط الناس وعلطول حاسس إن كلهم ظاهرين ميعادا هو علشان كدا غاوي يعمل شقاوة ويغطي على الكل بحضوره حتى لو كلامه ملهوش لازمة”
حركت رأسها موافقةً ثم أضافت:
“بالظبط وفيه واحد تاني طباعه غريبة يعني غاوي يخليهم يتخانقوا مع بعض ويضربوا بعض وبيكون فرحان رغم إن مفيش منهم صحابه، بس هو مش طايق أنهم يكونوا كويسين مع بعض وعلطول لسانه طويل”
توقفت عن الحديث ثم أضافت من جديد:
“الفكرة هنا هي أني احولهم وأخليهم حاجة تانية، بس الفكرة ازاي اصلًا هقدر اتفاهم معاهم وأقنعهم؟!”
ردت عليها الفتاة بهدوء وهي تفكر:
“الفكرة ازاي أصلًا نستغل الفكرة، يعني حاليًا في الدار سهلة ممكن نتعامل، لكن برة العالم مليان أطفال بتعاني نفسيًا وكل واحد منهم لأسباب الأهالي مش قادرة تفهمها”
ايدتها” خديجة” ثم أضافت:
“بالظبط، كل الحكاية في برة الدار وفي المدارس وازاي المدرسين اللي معندهمش ادراك لنفسية الطلاب بيكونوا سبب من أسباب الضغط عليهم، أنا عاوزة افهم الناس حاجة هما مش واخدين بالهم منها”
_” إيه هي يا خديجة؟؟”
“إن الطفل زيه زي الشخص الكبير، إنه بيحس وبيتأثر وبيزعل، إن الطفل عادي يعيط لأن الراجل من حقه يعيط، لازم يفهموا إنه بيواجه مشاكل على قد سِنه، لازم يفهم إن العالم الصغير بتاعه دا فيه هموم برضه وإن العالم مش مناسب برائته”
عقدت الفتاة ما بين حاجبيها فهبت” خديجة” منتفضة من مكانها وهي تقول بسرعةٍ كبرى:
“أنا عندي حل، عن اذنك يا نوف، هروح ضروري وهكلمك”
حملت حقيبة ظهرها الصغيرة ثم رحلت على الفور بعدما أخرجت هاتفها، فيما نظرت” نوف” في أثرها بتعجبٍ من حملها وطريقتها تلك لكن داخلها تأكد أن” خديجة” ستنجح فيما تريده.
_________________________