تعافيت بك ف74 ج2 – رواية تعافيت بك PDF
الجزء الثاني
الفصل الرابع والسبعون (لمن النصر؟)
“و كَأن الطلَة من مُحياها وهيج الروح؛ ووحدها بسمتها شفاء الجروح.
_________________________
“هل من المعقول أن يشقىٰ المرء بلين قلبه، هل يمكن أن يتسبب رخوه في تمزقه إلى أشلاءٍ لم تعد تنفع ولا تضر؟! كيف لنورٍ يملأ القلب أن يعيش في ظلامٍ حالكٍ وسط أناسٌ قلبهم أشد من قسوة الصِوان؟! كيف لقلوب أن تفتقد لـ كل كلمات الرحمة واللين وما بها من معانِ؟ كيف لدنياي أن تُخفي الفرحة من ناظري وكيف لها أن تتفنن في كسر خاطري؟”
غدت الروح تُحلق في الجسد مثل الفراشات وكأنها طيرٌ أمتلك الجناحات، فملأ النور قلبها وسكنت الراحة في وجهها، وتشبثت بذراعيها به وهي تشهق شهقاتٍ مُتقطعة وتردد من بين تلك الشهقات بصوتٍ باكِ مختنقٍ من شدة ما تعايشه من مشاعر جديدة عليها كليًا بسبب سعادة ملموسة تمسكها في يدها على هيئة اوراقٍ حلمت بها مرارًا منذ أن أصبحت معه هو:
“الحمد لله يا رب، ألف حمد وشكر ليك يا رب، الحمد لله”
أبتسم هو ما إن أدرك مدى فرحتها والتي بالطبع تأكد هو منها مُسبقًا، فرفع ذراعيه يطوقها بهما وهو يقول بصوته الرخيم:
“الحمد لله إن ربنا كتبها لينا سوا، والله كل حاجة كانت متيسرة وكأنها واقفة بس على حركتي، الحمد لله على فضله وكرمه”
حركت كفيها على ظهره تمسد عليه وهي تقول من بين عبراتها المناسبة وصوتها الباكِ:
“أنا بحبك يا حسن أوي، آسفة لو كنت تعبتك يوم أو خليتك تحس احساس صعب عليك، بس أنا والله بحارب نفسي علشان مرجعش في يوم هدير اللي كله كرهها، قولي أعمل إيه يخليك ترتاح طيب؟! قولي ازاي انسيك إنك تعبت في الدنيا دي؟! قولي ازاي أقدر أوفي دينك دا”
ابتسم هو نتيجةً لحديثها ثم ابتعد عنها بنسبة قليلة حتى يتسنى له رؤية وجهها الباكِ وهو يقول بنفس النبرة الرخيمة الهادئة:
“مش عاوز منك حاجة غير وجودك والله، وهقولها تاني أنا الغريب اللي لقى ونسه فيكي أنتِ، خليكي معايا في الدنيا دي لحد ما ربنا يأذن ونمشي منها ونروح جنته، علشان أكون خدت راحتي دنيا وآخرة، خليكي معايا”
حركت رأسها موافقةً عدة مرات خلف بعضهم بقوةٍ وهي تبكي بحرقةٍ جعلته يسألها بلهفةٍ:
“مالك؟! بتعيطي كدا ليه؟! دا مش عياط فرح، أنتِ زعلانة ليه”
ردت عليه هي من دموعها وشهقاتها:
“علشان أنتَ كتير والله عليا، كتير أوي وعمري ما كنت أتخيل إن ييجي اليوم اللي أعيش فيه كدا معاك، هنروح العمُرة بجد؟؟ أكتر أمنية بقيت بحلم بيها أنتَ بتحققها ليا يا حسن…..كل ما أحس أني حلوة وفيا حاجة تستاهل تتحب، ألاقيك ترجعني تاني لنقطة الصفر وأشوفك كتير عليا، والله العظيم كل يوم أفكر إزاي أخليك تفرح من قلبك”
احتضنها هو بقوةٍ وهو يتنفس الصعداء يدخل الهواء الطلق إلى رئتيه حتى قال بنبرةٍ هادئة:
“خليكي معايا….هي دي بس الإجابة والله، مش لاقي غيرها يفرحني، وأهو الحمد لله أنتِ قابلة وراضية بيا وبوجودي، وحباني كمان، كلمة احضني يا حسن دي بالدنيا عندي والله، سهرك معايا وأوضة أحلامك كل دا بيفرحني أنا قبلك، واحد زيي عاش مش لاقي حد في الدنيا دي يونسه، علشان يعرف قيمة وجودك في الحياة يا هدير”
سألته بصوتٍ باكٍ:
“طب اشمعنا العمرة؟! ليه فكرت في دي بالذات؟!”
تنفس هو بعمقٍ ثم قال بعدما ابتسم بهدوء:
“علشان كان نفسي أشوفك بالأبيض أوي، بس محصلش نصيب، قولت خلاص ألبسها الأبيض الأحلى منه، غير كدا، أنا بدأت أقرب من ربنا أكتر وأنا وأنتِ بنساعد بعض ودي أول سنة تيجي عليا وأنا معاكي، دي أكتر سنة فرحت فيها وشوفت كرم ربنا عليا وأنا متجوز ومعايا اللي بحبها”
عقدت ما بين حاجبيها بعد حديثه لذا ابتعدت عنه تطالعه بتعجبٍ ثم رفعت كفها الأيمن تمسح دموعها بظهر الكف وهي تسأله:
“ازاي؟! مش كنت متجوز ريم؟! وتقريبًا قضيتوا سنتين مع بعض؟! يعني إيه وأنتَ متجوز؟!”
رد عليها بنبرةٍ هادئة بعدما زفر بقوةٍ حينما تذكر ما سبق عليه:
“أنا مكنتش معتبرها جوازة يا هدير، أنا كنت منظر ليها قدام الناس وهي ليا كانت واحدة بحاول اتأقلم معاها، كانت أغلب الأوقات مع مامتها وصحابها، كنا بنتقابل اسبوعيًا ومع ذلك كنت بحاول والله علشانها”
ردت عليه هي بنبرةٍ جامدة بعدما أثار حديثه فتيلة غيظها وكطبع الأنثى تغار من مجرد الذكر فقط قالت:
“خلاص؟! أنتَ بتحرق دمي !! الله يرحمها بقى، متنكدش عليا”
ابتسم هو رغمًا عنه وهو يقول بنبرةٍ تمتزج بضحكاته:
“الله !! مش أنتِ اللي سألتي طيب؟! معرفش إنك بتغيري كدا، دي واحدة ميتة”
ردت عليه بعدما وكزته في مرفقه بغيظٍ من برود اعصابه:
“بطل تغيظني، الله؟! إيه حاولت علشانها دي؟! ناقص تقولي انكم روحتوا شهر عسل سوا !!”
حاول كتم ضحكته بجهادٍ وفشل في ذلك حتى شهقت بقوةٍ وهي تسأله بدهشةٍ:
“روحتوا شهر عسل !! وأنا كنت فين؟؟ لأ لأ أكيد مش هغير من واحدة ميتة، لأ خلاص”
رد عليها هو بنبرةٍ لازال بها أثر ضحكاته عليها:
“برافو عليكي يا هدير، شطورة، بعدين خلاص أنا معاكي أنتِ وقلبي ليكي أنتِ ورحلة العمر مكملها معاكي أنتِ، والعُمرة هنروحها سوا خلاص، إيه اللي مزعلك؟! هي الله يرحمها ملهاش عندي غير شوية أيام أنا نسيتهم أصلًا وأطلب ليها الرحمة من ربنا، لكن أنتِ يا ونس العمر، أنا افديكي بروحي كمان”
ابتسمت هي بسعادةٍ بالغة فقال هو بنبرةٍ هادئة:
“رني عليا كدا عاوز أوريكي حاجة، رني بس بسرعة”