تعافيت بك ف68 ج2 – رواية تعافيت بك PDF
الجزء الثاني
الفصل الثامن والستون (بالطبع مستحيل)
“يمكن الهوىٰ غلاب ولكن إيه العمل في غُلب فراق الأحباب؟!”
_________________________
“ودت فقط لو أعود لنفسي، أود أن أجدني بعدما فقدت نفسي وذاتي وقُدرتي على مواساتي، اخشى أن أتوه مني في الزحام، وتزول مني قدرتي على الكلام، فكيف لي بمفردي أن أعيش في كل تلك الآلام، وكيف للمرء أن لا يُعانق الأحلام؟!.
أطمئن شباب العائلة وفتياتها على “عبلة” و استمر المزاح قائمًا بينهم وسخريةً على “وليد”، أما هي فكانت في عالمٍ أخر، حيث شردت في فيه هو تحديدًا، لم تتخيل أن يفعل ذلك لأجلها، كما أنه يجلس بجوارها ولا يفارقها، نزلت ببصرها نحو موضع كفها، فوجدته مُحاصرًا بين كفه وكأنه يُطمئنها بتلك الطريقة أنه سيبقى بجوارها، أو بطريقةٍ أخرى يعتذر لها عما حدث لها بمفردها دون أن يكون مجاورًا لها.
نزل الشباب خلف بعضهم تباعًا من الشقة، وظلت “هدير” معهم بعدما تابعت رحيل “حسن” بملامح وجه مُقتضبة، حرك “وليد” عيناهُ بتساوٍ بينهما ثم تحدث أخيرًا بتهكمٍ:
“و بعدين هتفضلوا قالبين خلقتكم كدا في وش أهالينا؟؟ فُكوا الخِلقة خلوها تتفك علينا”
رمقته كلتاهما بحدةٍ وأول من ردت عليه بعدما جذبت منه أطراف الحديث كانت “هدير”:
“نعم أنتَ عاوز إيه؟! خير يا سيدي؟!”
رد عليها ساخرًا منها:
“انعم الله عليكِ يا أستاذة هدير، مروحتيش مع حسن ليه؟! مش ناوية تبطلي هيافة بقى”
شهقت شهقة قوية بعدما تأهبت في جلستها وهي تردد خلفه باستنكارٍ:
“أنا هايفة؟! تصدق إنك رخم وبارد وتنح !!”
رد عليها مؤكدًا:
“آه أصدق وحطي عليهم متربيتش وسافل وقذر، حاجة مش جديدة يعني، بس أنتِ مروحتيش ليه؟!”
كانت الفتيات يتابعن ذلك الموقف وهن يحاولن كتم الضحكات، وقد نجحت “خديجة” في ذلك وتحدثت بنبرةٍ هادئة:
“وليد معاه حق يا هدير، كنتي روحتي معاه أحسن، شكله أصلًا كان زعلان لما خرج من البلكونة، كان متعشم إنك تروحي معاه، شكلك كسرتي بخاطره”
ردت عليها مُسرعةً:
“أنا مكانش قصدي أعمل كدا والله، أنا كنت بفهمه وضعي وأني مش هقدر أروح الشقة دلوقتي، هو أكيد فاهم حاجة زي دي”
ردت عليها “عبلة” بهدوء:
“لأ هو أكيد مش فاهم حاجة زي دي، حسن أكيد فاهم غلط وفاهم إنك كدا مش عاوزة ترجعيله، وبصراحة أي حد مكانه هيفكر كدا”
سألتها باهتمامٍ غلف نظراتها وسيطر على نبرتها بالكامل:
“هيفكر ازاي؟! هو قالي إنه مش هيضغط عليا وأنه متقبل الوضع دا لحد ما أنا أرجعله”
نطقت “خديجة” تلك المرة بنبرةٍ منفعلة إلى حدٍ ما:
“و ليه من الأول؟! ما تروحي يا بنتي شقتك مع جوزك وخلاص، لازمتها إيه البهدلة دي ليكم انتم الاتنين؟!”
ردت عليها مُفسرةً بصوتٍ مختنقٍ:
“علشان أنا مش عاوزة أروح هناك وحاسة إني لو روحت هتخنق، حنان دي الوحيدة اللي خوفتني صح، خلصت مني القديم والجديد، الوحيدة اللي مقدرتش أقف قصادها أكتر من كدا وعلشان خاطر الحب، أنا عاوزة أروح بيتي وارجعه زي ما كان بس غصب عني عقلي مش مستوعب غير شكلي وأنا نازلة معيطة وبجري في وشي”
اقتربت في تلك اللحظة منها “خلود” تقول بطريقتها المعتادة التي تختلط دومًا بالدَهاء:
“يا هبلة وكدا حنان تبقى كسبت وعملت اللي هي عاوزاه، فرقت بينكم وممكن تستغل دا وتسخن حسن عليكي، دي مش بعيد تاخده تجوزه كمان”
حركت “هدير” رأسها نحوها بسرعةٍ كبرى وهي تقول بنبرةٍ جامدة:
“مستحيل !! دي لو عملت كدا أنا أشرب من دمها بجد، أنا ساكتة ليها بما فيه الكفاية”
ردت عليها مسرعةً بنفس الدهاء والحِنكة التفكيرية:
“ليه مستحيل !! مش جوزها عمال يكلمه وبيحاول يتواصل معاه؟! ممكن تكون هي اللي مسلطاه، لو منك أحلق على جوزي، مش بعيد هو نفسه يتقل عليكي وميردش على مكلماتك، اسمعي مني، تاكلي الشهد، ارجعي بيتك وعيشي فيه براحتك، ومتخليش فرصة لحد يقرب من حسن، حتى لو أخته الحرباية دي”
انتفضت “هدير” فورًا من مقعدها تنزل للأسفل دون أن تتفوه بكلمةٍ واحدة، فيما ابتسمت “خلود” بانتصارٍ وخبثٍ غلف نظرات عينيها، حينها تحدث “وليد” بفخرٍ:
“تربيتي بجد مش هزار !! ما شاء الله خليفتي في الملاعب”
غمزت له وهي تقول بثقةٍ:
“عيب عليك، يا رب هو بس يسمع كلامي وميعكش الدنيا”
وزعت “خديجة” النظرات بينهما بتساوٍ ثم تحدثت بقلقٍ منهما:
“بقولكم إيه انتم الاتنين؟! أنا بخاف منكم أصلًا، اوعوا تكونوا بتعملوا مصيبة؟!”
نظر كليهما لبعضهما وما لبثوا ثوانٍ من التقاء نظراتهما حتى انفلتت ضحكاتٍ خافتة منهما يحاولا كتمها حتى لا يفتضح أمرهما، بينما “خلود” شردت فيما حدث منذ قليل قبل رحيل “حسن” من البيت.
(قبل ذلك بلحظات)
خرج “حسن” من الشقة و”هدير” تتابعه بعينيها وهو يذهب دون حتى أن يحاول توديعها، فقط تجاهلها كما لو أنها قطعة من قطع الديكور الموضوعة بأحد الأركان دون أن يكترث أحدٌ بوجودها، خرج من الشقة فلحقته “خلود” نحو الخارج بعدما تابعت نظرات الأخرى، وقبل أن يخرج من باب البيت أوقفته مُسرعةً وهي تقول:
“استنى يا حسن !! عاوزاك معلش ضروري”
عقد ما بين حاجبيه ثم التفت لها يقول بتعجبٍ:
“خير يا خلود؟! فيه حاجة ولا إيه؟!”