تعافيت بك ف61 ج2 – رواية تعافيت بك PDF
الجزء الثاني
الفصل الواحد والستون (عصفورٌ في اليد)
“أوصدتِ في وجهي بابك…
حكمتَ على قلبي بغيابك”
_________________________
و كأنني يا صديقي مُعتمٌ فيخشوني الآخرين، أو ربما بهتت روحي وبات القلب حزين، أو ليس لي مكانًا في هذا العالم؟! وربما أنا به سجين، فياليت كل ما شعر به القلب ليس حقيقةً، ويا ليت دنياي تعطف عليَّ وأنا المسكين، غدوت عن نفسي غريبًا وداخلي يبكي قهرًا من فرط الحنين.
_” طلقني يا حسن….طلقني علشان نرتاح احنا الاتنين”
تفوهت بها “هدير” بثباتٍ زائفٍ وهو يطالعها بأعين متلهفة، لكنها صدمته بقولها كمن مسك السكين وطعنه غدرًا دون أن يرأف بحاله، ازدرد لُعابه بخوفٍ وهو يحرك رأسه مُستنكرًا ما تفوهت به، فأضافت هي بصوتٍ مختنقٍ متحشرجٍ نتيجة تماسكها الزائف:
“طلقني علشان لا أنا ولا أنتَ هنعرف نرتاح سوا، أنا مبعرفش أعيش في صراعات، سيبني علشان أختك ترتاح وعلشان متاخدش واحدة زيي بتستغلك”
أمسك مرفقها بحدة وهو يهزها في يده بعنف ورافق حركته تلك قوله المنفعل:
“أنتِ واعية لنفسك بتقولي إيه؟! سامعة كلامك يا هدير؟! حرام عليكي دا أنا بلف عليكي زي المجنون من امبارح، أنا عيطت علشانك زي اليتيم اللي اتيتم للمرة التانية، ليه يا هدير؟!”
بكت هي رغمًا عنها من نبرة صوته المتألمة والوجع الذي بدا عليه، فأضاف هو متوسلًا لها:
“أنتِ عيشتي معايا شوفتي مني حاجة وحشة طيب؟! زعلتك في حاجة؟؟ والله العظيم أنا مش عاوز غيرك أنتِ بس من الدنيا”
زاد بكائها ونحيبها حتى شهقت بقوةٍ وامتزج البكاء بالوجع والآهات، فأضاف هو بنبرةٍ باكية ودموعه تنهمر على وجنتيه:
“ليه عاوزة تيتميني تاني؟! ليه عاوزة ترجعيني غريب في الدنيا دي، وأنا مش طالب غير وجودك فيها؟!”
حركت رأسها نفيًا وهي تبكي وكأنها لا تملك الجواب على أسألته الموجوعة، فترك مرفقها وهو يقول مُقررًا بصوتٍ مختنقٍ:
“أنا مش هطلق يا هدير، مش هرضى بغربتي بعد ما لقيت الونس، أنا هبقى أناني المرة دي”
ترك المكان بأكمله بعد تلك المقابلة وخاصةً مع بكائها الذي أخذ يزداد مثل الطفل الصغير، فرحل هو من البيت بأكمله وبداخله نيرانٌ ملتهبة تحرق روحه، أما هي ارتمت على الأريكة وهي تبكي فركضت لها “عبلة” من الداخل تحتضنها وهي تبكي معها، حينها جلس “وليد” على ركبتيه أمامهما يسألها بنبرةٍ هادئة مُراعيًا حالتها وما تمر به:
“أنا مش هضغط عليكي في حاجة، بس هقولك إن حسن ميستاهلش إنك تسيبيه، حسن طيب وابن حلال، ولو هو مش كدا أنا عمري ما هسلمك ليه”
ردت عليه هي بوجعٍ وصراخٍ:
“أنا بعمل كدا علشان هو يرتاح، مش هيستحمل إنه يتوجع تاني بأي طريقة، أنا بختار الوجع الأحن عليه، هو لازم يفهم إننا مش هننفع مع بعض”
ربتت “عبلة” على رأسها بعدما احتوتها بين ذراعيها، فسألها “وليد” بثباتٍ:
“مفيش حاجة اسمها وجع أحن من وجع تاني، في النهاية كله وجع، وأنا متأكد إن حسن معملكيش حاجة أصلًا، ولو حنان هي السبب تبقي غبية لو سيبتيه علشانها”
تحدثت هي ببكاءٍ وصراخٍ منفعلًا في وجهه:
“أنتَ مش فاهم حاجة، مشوفتش وجعي كان عامل ازاي منها ومن كلامها، دبحتني وأنا واقفة قصادها مش عارفة أرد، عايرتني بموضوع جوازنا وإنك أنتَ اللي طلبت منه يتدخل ويلحقني، اتهتمني في شرفي أني غلطت مع راشد وأنتم لزقتوني لـ حسن علشان سُمعة العيلة”
صُعق هو مما وقع على سمعه وكأنه يمسك أسلاك الكهرباء مباشرةً فسرت القشعريرة في جسده مثل سريان الكهرباء في الأجساد، وزوجته لم تختلف عنه كثيرًا حتى ارتخى كفيها من على “هدير” و هي تطالعهما بذهولٍ؛ حتى تحدث “وليد” بنبرةٍ مهتزة:
“أنتِ بتقولي إيه يا هدير…..أكيد فيه حاجة غلط، مستحيل”
صرخت في وجهه وهي تقول:
“ليه مستحيل !! دا اللي حصل فعلًا…قالتلي كلام زي السم، أنا محسيتش بنفسي غير وأنا برفع ايدي عليها علشان أضربها، مسكت ايدي وطردتني من البيت، أنا اللي خلاني نزلت أني كنت هموتها، كنت هرميها من البلكونة علشان النار اللي جوايا تهدى، مكانش ينفع أفضل في مكان واحد معاها، كانت هتخلص بموت واحدة فينا”
كانت تتحدث عن وجعها بصراخٍ رغم قوته إلا أنه أظهر صوتها المُنكسر، فأضافت هي بنبرةٍ أكثر وجعًا:
“لأول مرة أحس أني اتيتمت وأمي ماتت، وأول مرة أحس اني محتاجة أخ يلحقني ويجيبلي حقي، أنا عيني اتكسرت يا وليد، عيشت عمري كله رافعة عيني في وش الكل، وجت هي عرفت تكسرني صح، أبوس إيدك خليه يطلقني، مش هستحمل وجع أكتر من كدا ولا هو هيتحمل”
نزلت دموعه إثر حديثها الذي بعثر ثباته وهز كيانه، فتحدث بنبرةٍ متحشرجة:
“أنتِ مش يتيمة، أنا وكلنا معاكي، وعندك بدل الأخ أربعة يجيبوا حقك، وحتى لو كلهم اتخلوا عنك، وليد أخوكي في ضهرك ومش هسيب حقك”
سألته بخزيٍ وخجلٍ بنبرة صوتها المنكسرة ودموعها تنساب بحريةٍ أطلقت هي لها العنان:
“حتى بعد كل حاجة حصلت زمان هتقف معايا؟!”
حرك رأسه موافقًا ثم تحدث مُفسرًا:
“كل حاجة حصلت زمان أنا نسيتها ورميتها من دماغي خلاص، ومهما حصل احنا ولاد عم وعمري ما هقبل إن حد يمسك ولو بكلمة، متقلقيش”
حركت رأسها موافقةً وهي تبكي، فطالعته “عبلة” بامتنانٍ له ولحديثه، فتحدث هو بعدما زفر بقوةٍ:
“ادخلي ريحي يا هدير ونامي كويس، علشان لما تصحي هتقوليلي كل حاجة، أنا لازم افهم حصل إيه علشان أعرف اتصرف صح”