تعافيت بك ف59 ج2 – رواية تعافيت بك PDF
الجزء الثاني
الفصل التاسع والخمسون (فراق الحبيب)
ألا لَيْتَ حدود ذراعيْك لي بيتَ
_________________________
“غادرني الحبيب وعاد قلبي غريب، فياليتني ما أحببتُ يومًا ويا ليتني ما كنت منك القريب، نزل الدمعِ وزاد الوجعِ وأنا ابكي من لوعة فراق الحبيب وصدى قلبي تردد على السمعِ وهو يردد:
“ألا ليتَ قلبي بهوىٰ الحُب ما أصيب”
و لكني سأظل آملًا وأدعو بكامل رجائي وأنا ظني في اللّٰه لا يَخيب” .
_” دا عقد فض شراكة للشغل اللي ما بينا، محتاج توقيعكم عليه”
تفوه “حسن” بتلك الكلمات بثباتٍ أمام الشباب وكلًا منهم لا يصدق حدثه، فتلك الجملة وقعت على السمعِ كما وقع الصاعقة التي هزت ثبات الأجواء.
سادت لحظة صمت في المكان وهدوء، أشبه بهدوء ما قبل العاصفة خاصةً مع لزوم الصمت من قبلهم جميعًا وفقط أعينهم تجول بالمكان نحو ذلك الجالس حتى تحدث “طارق” بنبرةٍ مشوشة واستنكارٍ في كلماته:
“ازاي مش فاهم؟؟ عقد فض شراكة !! يعني إيه؟؟”
رد عليه بنفس الجمود والثبات:
“خلاص الشغل اللي ما بينا يا طارق، الشركة ما شاء الله بقت في حتة تانية خالص، أظن وجود اسمي معاكم ملوش لازمة”
تدخل “وئام” بنبرةٍ أقرب للانفعال من شدة غيظه:
“أنتَ أكيد اتجننت رسمي، الشركة دي بتاعتنا احنا التلاتة والاتفاق كان انها تقف وتكمل بينا ومحدش فينا يسيب مكانه دا، جاي دلوقتي عاوز تنسحب منها؟!”
سأله باستنكارٍ بات واضحًا في صوته وطريقته ومعالم وجهه، فحرك “حسن” رأسه موافقًا ثم تحدث بنبرةٍ أقل ثباتًا يشوبها بعض التردد:
“أنا بعمل كدا علشان أضمن حقوق الناس، أنا مش عاوز اسمي يفضل معاكم فيها”
تدخل “وليد” يسأله بثباتٍ وثقةٍ لم تهتز منذ بداية الجلسة:
“اومال عاوز إيه؟؟ بتشوف غلاوتك عندنا مثلًا؟؟ غالي والطلب رخيص يا أبو علي”
تهكم في حديثه بسخريةٍ من الأخر الذي زفر بقوةٍ ثم تحدث بجمودٍ:
“وليد !! أنا مش عاوز هزار، عاوز إمضة وئام وطارق على الورق دا، وكدا أحسن”
تحدث “وليد” بثقةٍ:
“الحوار دا مش داخل دماغي، حصل إيه علشان تتقلب كدا؟! ما هو احنا مش سراير علشان تتقلب علينا براحتك، عرفني إيه الحوار بدل ما اعرف أنا بطريقتي”
تنفس الصعداء بعمقٍ ثم تحدث على مضضٍ:
“علشان فيه شريك جديد هيجي مكاني، هيدخل مكاني بنفس قيمة نصيبي”
عقدوا جميعًا ما بين حاجبيهم يستنكرون حديثه وكلماته، فتحدث “أحمد” مدهوشًا مما وقع على سمعه:
“شريك !! هو من إمتى بيدخل شريك ما بينا؟! مش طارق مانع إن حد غريب يدخل في الشغل !”
رد عليه بنبرةٍ هادئة:
“الشريك مش هيكون غريب، الشريك دا من دمكم ومن منكم”
ازداد الاستنكار أكثر من قبل على ملامحهم وقبل أن يهم أيًا منهم بالحديث، تكلم هو برزانةٍ:
“هدير ….الشريك الجديد معاكم هتكون هدير الرشيد مراتي وبنت عمكم”
نظر أربعتهم لبعضهم البعض بأعين متسعة قد تصل لمرحلة الجحوظ، وتشوش وتخبطٍ فأضاف هو بثباتٍ:
“عاوز أضمن حق هدير علشان لو جرالي حاجة يبقى حقها محفوظ، وعاوز كمان أكتب لها الشقة وبيت الساحل باسمها”
رمقه “وليد” بامعانٍ وكأنه يحاول سبر أغواره بعد ذلك الحديث خصيصًا وهو يهرب بنظراته في شتى أنحاء الغرفة، فتحدث “طارق” مُستفسرًا بذهولٍ طغى عليه:
“ليه دا كله يا حسن؟؟ ما هي مراتك وعايشة معاك ومفيش بينكم فلوس ولا فرق، ليه عاوز تكتب كل حاجة ليها؟!”
تحدث بعدما زفر بقلة حيلة:
“علشان الدنيا مش مضمونة وعلشان محدش عارف عمره فاضل فيه قد إيه، هدير مراتي وحبيبتي كمان بس أنا عاوز أضمن حقها، على الأقل لو حصلي حاجة تتسند من بعدي، علشان كدا عاوز اتنازل عن نصيبي معاكم هنا ليها هي”
اقترب منه “وئام” يجلس بجواره على يد مقعده ثم احتواه بين ذراعيه وهو يقول بهدوء:
“يا حسن أنتَ أخونا وهدير اختنا، بطل الكلام الأهبل دا، نصيبك هيفضل معانا باسمك زي ما هو، عاوز تأمن مراتك يبقى بينكم وبين بعض، إنما الشغل يفضل زي ما هو باسمك”
تنفس الهواء مباشرة على رئتيه ثم تحدث على مضضٍ:
“خلاص…. يبقى البيت والشقة والعربية كلهم يروحوا ليها”
_” لأ !! العربية دي موديل السنة، أنا عامل حسابي أخدها لما تموت”
تفوه “أحمد” بذلك مُسرعًا بخوفٍ زائفٍ جعلهم يضحكون عليه حتى “حسن” نفسه، فتدخل “طارق” يسأله باهتمامٍ:
“هو الكلام دا إيه اللي فتحه؟! حصل حاجة يا حسن؟!”
حرك رأسه نفيًا ثم قال بنبرةٍ مترددة الوتيرة في حروفها:
“لأ بس افتكرت من كام يوم كدا موت أبويا وانه كان مأمني أنا وحنان كويس وكذلك أمي برضه، علشان كدا عاوز أأمن مراتي”
ضيق “وليد” جفنيه بشدة يحاول التوصل لطرف الخيط في الحديث على الرغم من اقتناعه بنسبة قد تكون منعدمة لكنه الحديث على أي حالٍ اقنعه، لكن هناك بالطبع ما يخفيه عنهم وهذا ما ظهر عليه حينما هرب بعينيه من نظرات الأخر.
_________________________
وصل “ياسين” مقر عمله بعدما قام بتوصيل “ياسر” في طريقه إلى عمله هو الآخر، جلس في مكتبه وشرع في تنفيذ عمله وقلبه وعقله يفكر بتلك التي استمرت في البكاء منذ الأمس حتى نزوله من البيت.
و على عكس عادتها لم تشاركه في وجبة الإفطار بل أعدته له وتحركت نحو الداخل تاركةً إياه بمفرده يتناول طعامه وملامح وجهها أصبحت باهتةً، فحتى عينيها هربت من عينيه وكأنها تخشى التقاء نظراتهما سويًا.