تعافيت بك ف47 ج2 – رواية تعافيت بك PDF
الجزء الثاني
الفصل السابع والأربعون (ماذا يفعل هنا؟!)
“كُـنّتِ لي كَلماتِ الألحانِ…
فـ غدوتي لي سلام الأوطانِ”
_________________________
“لا أنا بطيرٍ ولا قلبي بخيرٍ”
عبارةٌ رددها ذات مرةٍ شخصٌ هُزم من الحياة، فكم عاش يتصور نفسه مثل الطير يسطتع فرد جناحه دون حاجته للسير، فتفاجأ بجناحه يُكسر على يد الغَير، حينها بكى وهو يرى ما عاش يحلم به يفوته، وهو من ظن نفسه مثل الطير، فوقف مُرددًا بخيبة أملٍ:
“لا أنا بطيرٍ ولا قلبي بخيرٍ
فما جنيت سوى الخسارة من السير
و لا استطعت مقاومة الغير،
كنتَ أحلم بالطير في الآفاق
و غدوت آمل فقط عِناق”
وقف الشباب جميعهم بلهفةٍ فسأله “ياسين” بقلقٍ ممتزج بالسرعة واللهفةِ معًا:
“بجد !! فين طيب بسرعة؟!”
رد عليه بنفس التردد والصوت المهتز:
“للأسف في المشرحة، الناس جابوه النهاردة عامل حادثة على الطريق ومش معاه أي اثباتات شخصية، ياريت حد ييجي علشان تتعرفوا على الجُثة”
حرك “ياسين” رأسه نفيًا وهو يكذب حديثه، فصرخت “ميمي” بملء صوتها وحرقة نابعة من داخلها:
“ابـــنــــي”
أما “عامر” فارتمى على الأرض وهو يقول صارخًا:
“لأ….مــــش هـــو….”
اقترب “خالد” يسحب الهاتف من “ياسين” وهو يقول منفعلًا بغضبٍ:
“أنتَ بتقول إيه يا عم أنتَ !! أنتَ مجنون ولا إيه؟! ياسر مين اللي في المشرحة؟!”
رد عليه الرجل بتفهمٍ لحالتهم:
“يا أستاذ حضراتكم طلبتوا مني ادور على المواصفات دي، ودا جاي النهاردة عامل حادثة على الطريق، يا رب يطلع مش هو”
رد عليه “وليد” بعضبٍ هو الآخر:
“مش هو !! أنتَ فاهم….أكيد فيه حاجة غلط”
أغلق الرجل الهاتف دون أن ينتظر تكملة حديثهم ففي مثل تلك الحالات يصعب على المرء التعامل بعقله، بينما الشباب بدأ البكاء يجلو على وجوههم وكلًا منهم يحاول استيعاب ما حدث، لكن هيهات، فقد رفض العقل كل ذلك وتوقف فقط عند حديث الرجل، حتى صرخت “ميمي” فيهم تنبههم:
“قــومــوا….رجعولي ابني….ابني مماتش، قوم يا ياسين هات أخوك، أخوك لسه عايش…..قـــوم”
صرخت مرةً أخرى ببكاءٍ مزق نياط قلوبهم حتى ركضوا خلف بعضهم من خارج الشقة، عدا “عامر” الذي ظل موضعه، حتى اقترب منه “طارق” يوقفه وهو يقول بصوتٍ متحشرجٍ:
“قوم يا عامر……يلا علشان نروح نرجع أخوك، قوم معايا”
رفع “عامر” رأسه له وهو يقول ببكاءٍ:
“ياسر مماتش يا طارق….ياسر عايش وقالي إنه هيكمل معايا العمر…..أنا مش هقدر أكمل من غيره….مش هقدر”
بكى بحرقةٍ جعلت “طارق” يربت عليه وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
“يلا يا عامر….. أخوك كويس متخافش…..هنلاقيه ونرجع بيه”
سار معه حتى باب الشقة فصرخت “ميمي” به قبل رحيله:
“ترجعلي بابني يا عامر….. ترجعلي بيه حي وفيه النفس”
حرك رأسه موافقًا ببكاءٍ ثم تحرك من الشقة ومعه “طارق” بعد رحيل الشباب جميعهم من المكان، وبعد مرور دقائق توقفت السيارات أمام المشفى الميداني بالمنطقة وكانت السيارات تصارع مع الأرض أسفلها حتى تصل للمشفى، وبعدها ركضوا جميعهم للداخل نحو تلك ما تُسمى بالمشرحة، ليشاهدا أصعب موقف قد يمر على المرء بحياته.
وقفوا جميعًا بالخارج فتحدث العامل لهم بهدوء:
“الجثة اللي حضراتكم جايين تشوفوها في التلاجة دلوقتي، حضراتكم هتدخلوا تتعرفوا عليها ويا رب يطلع مش هو”
حرك له “طارق” رأسه موافقًا وقبل أن يفتح الباب الخاص بالغرفة الموضوع بها الجثث ارتمى “عامر” على جسد “خالد” بغير قصدٍ منه وهو يقول بصوتٍ مهتز:
“مش هقدر…..مش هقدر أدخل أشوف حاجة زي دي….بلاش”
بكى “خالد” بحرقةٍ وهو يحرك رأسه نفيًا، فهو الآن أمام أصعب المواقف التي يواجهها بحياته، فمن المفترض أنه هنا حتى يتعرف على جثمان رفيق روحه الآخر، أي وضعٍ هذا؟! كيف يتم وضعه في موقفًا مثل ذلك؟! بينما “ياسين” بمجرد ما قام الموظف بفتح الباب حرك رأسه نفيًا وهو يقول بحرقة قلبٍ وخوف وكأنه يلقى مصرعه:
“لأ….مش هقدر…. بلاش والله ما هقدر، يلا نرجع….يلا ياسر مماتش”
نزلت دموعهم رغمًا عنهم جميعًا فتحدث العامل بتفهمٍ:
“أنا مقدر موقفكم، بس لازم تدخلوا تتعرفوا عليه…يا رب يبقى مش هو ويطلع أخوكم كويس”
اقترب “وليد” يمسك يد “ياسين” و كليهما يبكي حتى فُتح الباب، دلف “وليد” أولًا وخلفه “ياسين” و ضربات قلبه تتصارع وكأن قلبه سيخرج من موضعه الآن، كانت غرفةً ذات إضاءةٍ خافتة أقرب في لونها إلى الأخضر، ممتلئة بمربعاتٍ كبرى تشبه الصفيح وكلًا منها يتم وضع الجثمان به، وقبل أن يقترب الرجل من أيًا منهم، عاد “ياسين” للخلف متقهقرًا وهو يقول ببكاءٍ:
“ياسر مماتش….مش هو…..أخويا مش هيسيبني، أنا عندي أموت أهون عندي من إني أشوف اللحظة دي….مش هقدر….و الله مش هقدر”
قام العمل بفتح الثلاجة فجأةً، حينها التفت “ياسين” يضرب رأسه في الحائط وهو يقول:
“لأ….مش هو….قلبي بيقولي إنه عايش وإنه مش هو….يا يــــاســـر”
في الخارج استمع الشباب لصرخة “ياسين” و حينها كل ما هو سيء حضر ببالهم، فضرب “عامر” رأسه في الحائط خلفه و”خالد” خارت قواه حتى ارتمى على الأرض وكأن الثبات مهمة ثقيلة عليه وعلى عاتقه.
في الداخل اقترب “وليد” من الثلاجة بعدما فتحها العامل، ودّ لو توقف قلبه عن النبض حتى لا يُكمل تلك اللحظة، فصارع جسده حتى يقدر على الحِراك حتى اقترب منها وقام بكشف وجه المتوفي، حينها أغلق “وليد” عينيه خوفًا من القادم، فتحدث العامل يقول:
“اتفضل يا أستاذ….شوف”