تعافيت بك ف44 ج2 – رواية تعافيت بك PDF
الجزء الثاني
الفصل الرابع والأربعون (فرحة البيت)
“وجدت فيك ونسي وأنسي….كما لو أنك قمري وشمسي”
_________________________
لم يكن الخطأ خطئي، كانت حياتي كورقةً بيضاء وقعت في يد أشخاصٌ مُلطخةً بالحبر، فأصبحت غير قادرًا على إزالة حبرهم ولا أنا بقادرٍ على الكتابة بها من جديد، وفقط غدوت اتسأل بماذا الندم يُفيد؟! وقع الإثم عليَّ وبقيت أنا وحيد، أسير في الزمان كما لو أنني شريد.
_” ســمـيـر !!”
تفوهت بها “عفاف” بدهشةٍ غير مصدقة وجوده أمام عينيها بعدما يقرب العشرون عامًا، ملامحه كما هي حادة لم يعرف اللين طريقها يومًا ما، زرقاوتيه كما هما تنبثق منها القسوة، كيف لم تتعرف عليه كلتاهما؟! تلك القسوة لم تعهدها كلتاهما من قبل، بينما “ميرفت” ازدادت ضربات قلبها وهي تراه أمامها بعد كل ذلك العمر، يقف بكل ثبات وكأنه لم يفعل شيئًا قط، حينما تراجعت للخلف وكادت أن تسقط من هول صدمتها، تدخلت رفيقتها تمسك يدها تردع سقوطها أرضًا، بينما هو تنهد بعمقٍ ثم تحدث أخيرًا وهو يقول بصوتٍ مهتز:
“إزيك يا ميرفت؟! عاملة إيه؟!”
أغلقت أهدابها فوق مقلتيها وهي تصر على أسنانها بقوةٍ تود لو أخرجت طاقتها وغيظها منه الآن، فتدخلت “عفاف” تقول بنبرةٍ أشبه بالصراخ:
“أنتَ معندكش دم؟! جــاي لــيه؟! بعد العمر دا كله؟! أنتَ ميت يا سمير، ميت ومحدش فينا حتى بيترحم عليك”
أغلق عينيه وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
“إزيك يا أم خالد، ممكن أدخل علشان أعرف أتكلم؟!، الجيران كدا هتشوفني”
ردت عليه “ميرفت” بصراخ:
“بـــأي حَـــق؟! عاوز تدخل هنا بأي حق؟! بصفتك مين؟! هـــا رد عـــلــيـا !!”
دلف هو ثم أغلق الباب وهو يقول بنبرةٍ حاول جعلها ثابتة:
“بصفتي أبو عيالك….و وجودي هنا علشانهم”
طالعته بغير تصديق وهي ترتمي على أول مقعد قابلها حتى تجلس عليه، بينما “عفاف” سألته بتهكمٍ:
“عيالك؟! هو أنتَ فاكر عيالك؟! فاكر هما مين أصلًا؟! عيالك اللي عاشوا العمر كله مكسورين ومقهورين؟! عيالك اللي جحودك ظهر قدامهم من غير حتى ما تفكر فيهم؟! رد يا سمير؟! رجعت ليه؟!”
ازدرد لُعابه بقلقٍ وهو يقول:
“جيت علشان أشوف ولادي، العمر مش باقي فيه كتير….. طمنوني عليهم”
ردت عليه “ميرفت” بصراخٍ في وجهه:
“ياريته كان خلص قبل ما أشوفك….أنا بكرهك وبكره اليوم اللي حياتي ارتبطت فيه بواحد زيك، وبكره أهلي اللي رموني ليك، بكره أي حاجة تجمعني بيك، الحسنة الوحيدة هما عيالي، مليش غيرهم في الدنيا دي….أمــشــي برة بقولك”
صرخت في وجهه بذلك فوجدته يقول بصوتٍ خافت:
“ياسر فين يا ميرفت؟! وندى ونيرمين فين؟!”
اقتربت منه بعدما انتفضت من جلستها وعلى حين غرة صفعته على وجهه بقهرٍ خبئته في قلبها لأعوامًا طويلة، ثم أمسكت تلابيبه وهي تقول بصراخٍ:
“اسم واحد فيهم ميجيش على لسانك القذر دا !! ملكش عيال عندي، أنتَ ميت، فـــاهم يــعنــي إيه مَيت؟! يعني تغور من هنا لحد ما ربنا يأذن وياخدك من الدنيا كلها”
ابتسم بسخريةٍ وهو يقول:
“هيحصل، كلها أيام وأموت يا ميرفت، أنا من ساعة ما رجعت وأنا عمال أقدم رجل وأخر رجل علشان أجي اشوفكم، لحد ما الدكتور كلمني وقالي إنها مسألة أيام وحياتي تنتهي، أنا جيت علشان ابقى شوفتكم قبل ما أموت”
صرخت في وجهه وهي تهزه بعنفٍ في يدها:
“أنتَ إيـــه !! حتى في الموت أنـــانـــي؟! وبرضه بتعمل اللي في مصلحتك؟! مفكرتش إن ظهورك هيدمرنا؟! مفكرتش إن عيالك حتى مش فاكرين شكلك؟! أرجع يا سمير تاني، محدش عاوزك هنا، روح موت وغور في ستين داهية، أنتَ مين من زمان بالنسبة ليا”
سألها ببكاءٍ نابع من قلبه:
“طب طمنيني عليهم…. عاملين إيه؟!”
صرخت في وجهه:
“مـــلــكش دعوة…..دا مش من حقك السؤال دا، دول عيالي من يوم ما ضربتني قصادهم وقولت إنك مش عاوزنا، نـــســيت؟!”
قبل أن يتحدث هو تدخلت “عفاف” تقول متشفيةً به:
“لأ حقه، مش هو سابهم وقال إنه مش ملزم بيهم، كان معاه حق، عارفة ليه؟! علشان النضافة مينفعش تفضل جنب الزبالة كتير، والحمد لله الزبالة عرفت نفسها ومشيت، ولادك بقوا حاجة تشرف وأي حد يرفع راسه ويتمنى ضافر منهم، نيرمين بقت أم لـ ولد وبنت وبقت أخصائية علاج طبيعي ومتجوزة زميلها دكتور برضه، وندى خريجة أداب وبقت أم برضه ومتجوزة حبيب عمرها، وياسر بقى دكتور، دكتور العين تتشرف بيه والقلب يفرح بشوفته وبقى جوز بنتي، بعد ما جوز أخواته وصرف عليهم وصرف على البيت وشال مسئوليتك اللي أنتَ سبتها، تحب تعرف تاني؟! التلاتة بيكرهوك ومفيش واحد فيهم عاوز بس يلمح طيفك، غور بقى إحنا ما صدقنا حياتهم تتعدل”
ابتلع غصة مريرة في حلقه بعد حديثها، فوجد طليقته تقول متوسلةً له ببكاء:
“أبوس إيدك أمشي…..مش عاوزة ابني يتقهر، روح يا سمير مكان ما كنت…..بلاش توجع قلب ابني”
أغمض جفنيه فوق عينيه فوجد “عفاف” تقول بنبرةٍ جامدة رغم بكائها:
“اسمع !! ظهورك تاني دا محدش هيعرف بيه حاجة، ولا حتى اللي أنتَ بتقول عليهم عيالك، وعلى الله ياسر يعرف إنك ظهرت، هخلي أخواته يقطعوك بإيديهم”
مسح دموعه وهو يقول بصوتٍ مهتز:
“أنا كنت عاوز أشوفهم بس قبل ما أموت، أنا مش عارف دا هيحصل إمتى، بس هيحصل…كنت متأكد إن المقابلة دي مش هتفيدني بحاجة”
ردت عليه “ميرفت” بألمٍ:
“أنتَ جيت متأخر أوي، عارف استنيتك قد إيه؟! عارف أنا فضلت أحارب نفسي قد إيه؟! عارف أنا وهما استحملنا في غيابك إيه؟! عارف سمعت بسببك كلام عامل إزاي؟! أنا عاوزة أقولك حاجة واحدة، لو بينك وبين طلوع روحك كلمة سامحتك، مش هقولهالك، ولو أمنية إنك تشوف عيالك هي دي أملك في الحياة صدقني أنساه، علشان أنا عاوزاك تتقهر زيي وزيهم، لو روحك هتطلع بالكلمة دي صدقني مش هريحك”