تعافيت بك ف27 ج2 – رواية تعافيت بك PDF
الجزء التاني
الفصل السابع والعشرون ( أثر الفراشةِ)
غَريقٌ أنا في بحور عينيكِ…حتى كل المسارات أصبحت تقودني إليكِ
_________________________
خلقتُ بسيطًا لا أبالي، أصنع من علاقاتي بُساطًا للنجاة، أؤمن بأن العلاقات خُلقت للتعافى والليّن، لطالما كان صاحب القلب الليْن أقرب للناسِ، يُشبهون الناس بريق قلبه ببريق الماس، أنا هنا سندًا للجميع، أنا هنا وقت الحاجة لي…سأكون في المقدمةِ بقدرٍ كافي حتى يصل من احتاجني للتعافي.
حركت “مشيرة” رأسها باستنكارٍ واضح تحاول إدارك مقصد “وليد” من حديثه فوجدته يضيف مؤكدًا حديثه:
“زي ما سمعتي كدا، تروحي تتعالجي نفسيًا زينا، وكدا يبقى فعلًا أصفالك، على الأقل هصدق إنك كنتي بتعملي كدا غصب عنك”
ردت عليه هي بنبرةٍ باكية:
“أنا فعلًا كنت بعمل كدا غصب عني، أنا مكنتش ببقى واعية، أنا كنت كل يوم بليل أبص في المراية على نفسي علشان أعرف مين اللي قصادي دي، مين الجاحدة اللي قدامي”
حرك رأسه موافقًا وهو يقول بنبرةٍ متريثة ولكنها حادة لا تقبل النقاش:
“و هو دا سبب إنك تتعالجي، مشيرة أنتِ اللي عندك دا زي انفصام الشخصية، وممكن يرجع وأثره يبقى أقوى، علشان كدا العلاج هو الحل”
طالعته هي بدهشةٍ بعينيها الدامعتين، فوجدته يقول:
“شوفتي بقى إنها مفاجأة؟ فاكرة عايرتي خديجة قدامنا بإيه؟ قولتيلها أنتِ مريضة نفسيًا ومجنونة، ساعتها خديجة كانت زي العصفور اللي جناحه اتقطم، الزمن دار وطلعتي مريضة نفسيًا برضه، معلش أصل كاس وداير”
مسحت دموعها بقوة ثم ردت عليه بنبرةٍ جامدة:
“أنتَ كداب، أنتَ بتقول كدا علشان تحسسني بالندم، لكن أنا معنديش حاجة أصلًا، آه غلطت بس دا علشان أنا اتغدر بيا”
حرك رأسه للأعلى يطالع السماء، ثم أعادها من جديد وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
“نهاية الكلام، عيادة هناء مش بعيدة عليكي، لو عاوزة تثبتي إنك بجد بتحاولي تتغيري يبقى تروحي تتعالجي، على الأقل علشان جميلة تنسى الحاجز النفسي اللي بينكم”
عند ذِكر اسم ابنتها استطاع إثارة اهتمامها، لذلك ازدردت لُعابها بقلقٍ، فوجدته يبتسم بتهكمٍ وكأنه يسخر من حالتها بذلك، بينما هي زفرت بقوةٍ فوجدته يقول متكئًا على حروف كلماته:
“افتكري جـمـيلة يا مُشيرة، افتكري إن بنتك طول عمرها هتعيش بذنب أمها المؤذية”
هَبتّ مُنتفضة من جلستها وهي تقول بنبرةٍ منفعلة تصرخ في وجهه:
“و هو أنتَ مش مستوعب إن السبب في كل دا هو إن بنتي دي مكانتش معايا؟ مش واخد بالك إن أنا أم وقلبي أتوجع سنين؟ مش واخد بالك أني اتعذبت وعيشت زي خيال المآتة لوحدي؟”
وقف مقابلًا لـها وهو يقول بنبرةٍ منفعلة هو الآخر يصرخ في وجهها:
“و أنتِ مش واخدة بالك إن فيه واحدة بسببك حياتها باظت؟ مش واخدة بالك إن فيه بنت لحد دلوقتي بتخاف من الضلمة والصوت العالي؟ مش واخدة بالك من مسكتها في إيد جوزها طول ما هي هنا وكأنها بتتحامىٰ فيه؟ مش واخدة بالك إنك بتبرري عملتك في البت الصُغيرة؟”
طالعته بعينيها وهي تحاول استيعاب ما تفوه به أمامها فوجد العبرات تعرف طريقها على وجنتيها لذلك، اقترب منها بخطواتٍ متمهلة حتى أصبح مواجهًا لها وهو يقول:
“صدمة مش كدا؟! فاكرة إن العمر هينسيني؟ عاوزاني أنسى وجع أختي؟ أنسى لما كنت بنطلها زي الحرامي من المنور علشان الليل لما يدخل تلاقيني جنبها؟ افتكري الكلام دا كويس،
المجروح من أهله جرحه مبيلمش وأنا مصيبتي السودا إنك من أهلي يا مشيرة، جايز الوقت ينسي الألم، لكن الجرح مفتوح وأنتِ جرحك غويط أوي”
ضغطت على جفنيها بشدة حتى تحاول التحكم في عبراتها التي تُذرف بقوة وكأنها في مسابقة العِدو، بينما هو جلس من جديد وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
“لو هتاخدي الخَطوة أنا موافق وهاجي معاك، لو لسه هتفكري يبقى من هنا لحد ما وقتك يخلص وشوشنا متتقابلش، وافتكري إنك بعلاجك هتثبتي إن كان فيه مُشيرة تانية غيرك هي اللي بتحركك، تصبحي على خير”
راقبت هي جلوسه بتمعنٍ، ثم تنفست الصعداء ومن بعدها تركته وخرجت من أمامه وهي تفكر في صدق قوله، فمهما كان جرحها وآلمها ومهما ذاقت من الظلم ففي النهاية أخرجت ظلمها على فتاةٍ صغيرة لا حول لها ولا قوة.
جلس هو على الأريكة، ومن بعد تفكيره واستشعاره بالضيق يُخيم عليه حينما شعر بالذكريات المريرة تهجم عليه عندها وقف هو ثم ترك السطح بأكمله ثم توجه نحو شقتهم وبمجرد دلوفه وجد والدته في صالة الشقة تقرأ في المصحف الشريف بين كفيها، حينها اقترب منها، يجثو على ركبتيه أمامها فوجدها تغلق المصحف ثم رفعت ذراعها تضعه خلفها وهي تطالعه بلومٍ ورافق نظرتها تلك قولها المُعاتب:
“كدا !! يومين كاملين معرفش حاجة عنك وقلبي واكلني عليك؟ ودماغي تعبتني من كتر الخوف ومش عارفة أنام”
ابتسم لها ثم رفع نفسه حتى يصل لمقدمة رأسها يقبلها ومن بعدها عاد لموضعه وهو يقول بنبرةٍ مُعتذرة:
“طب لو قولتلك حقك عليا وعلى قلبي؟ أنا والله كنت مع ياسين متخافيش”
رفعت كفها تمسح على رأسه وهي تقول بتأثرٍ واضح ونبرة اختلطت بالبكاء وهي تقول:
“إزاي مخافش عليك؟ إزاي وأنا عارفاك وحفظاك وعارفة قلبك بيشوف إيه؟ إزاي يا وليد وأنتَ نور عيني؟”
ابتسم لها وهو يقول بنبرةٍ هادئة ممتزجة بمرحه:
“نور عيني !! من زمان مقولتيهاش ليا خلي بالك”
سحبته نحوها حتى يجلس مجاورًا لها وبعدها ضللت عليه بين ذراعيها وكأنه طفلًا صغيرًا يحتمي بين ذراعي والدته، بينما هي قبلت قمة رأسه ثم استندت بذقنها على رأسه وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
“هتفضل نور عيني وحبيبي، قلبي دا اتقسم تلاتة، مرتضى تِلت ووئام تِلت وأنتَ تِلت، التِلت بتاعك بقى شاف خوف وزعل علشانك كتير، وعلى قد كدا لسه بيرفرف لما يشوفك بتضحك، ضحكتك حلوة أوي يا وليد”