تعافيت بك ف4 ج2 – رواية تعافيت بك PDF
الجزء التاني
الفصل الرابع
سرت بين دروب الحياة المعتمة بحثًا عن الأمان…فوجدتك أنتَ فأصبحت لي حنية الزمان.
____________
عشنا طوال الحياة نبحث عن الهناء حتى نسينا أنها دارًا للشقاء، فكيف تجد في تلك الدنيا ما يَسرك وأنتَ مجرد شخص كُتِبَ عليه العناء، وها قد حان وقت الفراق…هل كنت تظن أنك محظوظٌ بالبقاء؟
“البقاء لله آنسة هدير، مادام فاطمة تعيشي أنتِ”
تفوهت الممرضة بتلك الجملة بنظرة عين منكسرة وبنبرةٍ مهتزة مما جعل “جميلة” تذرف دموعها عند صراخ “هدير” وهي تقول بصوتٍ عالٍ:
“أنــتِ بِــتـقــولـي إيـــه؟ دي بتكدب يا جميلة متصدقيهاش… ماما قالتلي أنا مش هسيبك، والله بتكدب….والله بتكدب، هي بتحبني ومش هتسبني…أنـــتِ كــدابـة…كَــ”
عند كلماتها الأخيرة التي خرجت منها بصوتٍ متهدج، سقطت مغشيةً عليها وكأنها ترفض تصديق ذلك الواقع الأليم الذي صدمها بموت أعز الناس على قلبها، أما “جميلة” فبعد ما صرخت باسمها مرارًا ببكاء، حملتها على الأريكة بمعاونة الممرضة، ثم وقفت بعدها في المنتصف لاتدري ماذا تفعل وكأن طبول الحرب قُرعت فوق رأسها وهي تبكي لا تدري ماذا تفعل، لذلك ركضت فورًا درجات السلم بعدما خرجت من الشقة وكأن عقلها توقف عن العمل حتى غفلت عن استخدام المصعد، وصلت شقة “محمد” وجدت زوجها يجلس برفقة “وليد” و باب الشقة مفتوحٌ على مصراعيه، ركضت تحتضنه وهي تقول ببكاء من بين شهقاتها:
“طنط فاطمة ماتت يا طارق…ماتت قصادي…ماتت وهدير…هدير…أغمى عليها تحت”
صُعق كليهما من ما تفوهت به واتسعت حدقتيهما، فزاد بكاءها بينما “وليد” تحرك آليًا يركض على سلم البيت حتى وصل أمامها، وقف أمام الفراش مذهولًا لايدري ماذا يفعل، ثم وجه بصره نحو الأريكة وجد “هدير” عليها والممرضة تحاول ايفاقتها، لكن دون جدوى، لم ينبته لأيًا مما يصير حوله حتى وجد العائلة بأجمعها مجتمعة حوله وصرخات النساء بدأت تعلو تزامنًا مع بكاءهم، فكان المشهد موجعًا للقلب، ويا لها من لحظةٍ مُهيبة تقشعر لها الأبدان، ولكن ما مزق نياط قلوب الجميع، حينما ركضت “هدى” إلى فراش والدتها تزيل الغطاء عن وجهها وهي تقول بصراخ:
“لأ…علشان خاطري متعمليش كدا فيا…متمشيش وتسيبيني… والله مش هزعلك ولا هزعل منك تاني… أنا بحبك أوي والله…غصب عني كنت بزعلك مني…قومي يا ماما….قومي متسبينيش لوحدي…متكسرنيش ببعدك عني….قـــومــي”
صرخت بكلمتها الأخيرة فوجدت “وئام” يحتضنها وهو يبكي بقوة، فوجدها تتشبث به بقوة وهي تقول بصراخ:
“سابتني يا وئام….سابتني ومشيت….كنت عاوزة أقولها أني بحبها، والله بحبها أوي، طب خليها تصحى وأنا مش هزعلها تاني…هي كان نفسها تبقى تيتة….والله قربت خلاص…خليها تصحى بقى علشان خاطري…”
زاد بكاءه هو الآخر وهو يتمسك بها ثم وقف وهي بين ذراعيه تبكي بقوة، فقالت له “سهير” ببكاء:
“خدها من هنا يا بني، الموقف صعب مش هتتحمله، ولسه عمك محمود في الجامع….خدها فوق عندي”
أومأ لها في هدوء ثم حملها بين ذراعيه وهي تبكي وكأنها في عالم آخر لا تدري ما يحدث حولها سوى صوت البكاء، أما هي فكانت تُتمتم بكلمات غير مفهومة من بين بكاءها، فـ سار هو بها حتى وصل شقتهم، ثم وصل غرفته، فـ وضعها على الفراش الخاص بغرفته في شقة والده، وقبل أن يتركها وجدها تتمسك به وهي تُتمتم وكأنها في عالم آخر:
“متمشيش أنتَ كمان…علشان خاطري…هي مشيت…خليك أنتَ”
تنهد هو بألمٍ ثم استلقى بجانبها وهو يأخذها بين ذراعيه مُربتًا على رأسها، أما هي فاستسلمت لتلك الدوامة السوداء التي تهرب إليها من آلامها، تنهد هو بأسى وهو ينظر لها بتمعن، فكيف سيستطع التخفيف عنها في آلامها، ففي نهاية الأمر هذه والدتها، التي لو ظلت العمر بأكمله تبكي على فراقها لن توفيها حقها، زفر بقوة ثم سحب نفسه من جانبها حينما سمع طُرقات على باب الشقة، خرج من الغرفة ثم توجه إلى الصالة بجسدٍ واهن وكأن عمره أصبح الضعف في خلال ثوانٍ، فتح باب الشقة فوجد “وليد” يحمل “هدير” بين ذراعيه و”عبلة” خلفه، فتحدث “وليد” يقول بنبرة متحشرجة:
“مراتك فين يا وئام؟”
رد عليه “وئام” بنبرة حزينة:
“نايمة في أوضتي جوة، هي مش حاسة بحاجة وعمالة تخرف بالكلام”
أومأ له “وليد” ثم قال:
“طب تعالى معايا افتحلي باب أوضتي، تعالي ورايا يا عبلة”
أومأ له كليهما في هدوء وهما يلحقان به، فدخل هو غرفته ثم وضع “هدير” على فراشه وهو ينظر لها بأسى ثم تنهد بضيق، بينما “عبلة” اقتربت تُغطي جسدها ثم ربتت على رأسها بحنو، فسألهما “وئام” بنبرة متحشرجة إثر كتم بكاءه:
“هي هدير حصلها إيه؟ أنا كنت مركز مع هدى”
تنفس “وليد” بقوة ثم قال بنبرةٍ حزينة لأجلها:
“هي اللي خدت الخضة علشان كانت معاها في الأوضة، فأغمى عليها علطول، ولما حاولنا نفوقها صحيت تصرخ وتصوت الممرضة بقى ادتها حقنة مهدئة وأنا جبتها هنا علشان لسه ورانا مشوار طويل، كفاية عمك تحت مقطع قلوبنا كلنا”
تنهد “وئام” بضجرٍ ثم قال بهدوء:
“طب دلوقتي هنعمل إيه؟ الدنيا ليل”
ردت “عبلة” عليه بهدوء:
“طارق راح يجيب حد من اللي شغالين في الصحة عمو مرتضى قاله عليه، علشان على ما الصبح يطلع تكون كل حاجة جاهزة”
أومأ لها “وئام” ولم يعقب بل أخرج هاتفه حينما سمع رنينه، بينما “وليد” التفت لها يقول بتوسل:
“عبلة معلش علشان خاطري أنا، خليكي هنا مع هدى وهدير علشان لو واحدة فيهم فاقت، أنتِ كدا كدا مش هتعملي حاجة تحت، وأنا هجيب سلمى وخلود معاكي هنا”