تعافيت بك ف46 ج1 – رواية تعافيت بك PDF
الجزء الأول
الفصل السادس والأربعون (زغروطة؟)
_” إني أراكَ بعين قلبي جنّةً
يا من بقُربك مُرّ الحياةِ يطيبُ!”
__________
“أنا شخص بسيط أؤمن أن العلاقات خُلقت للراحة، للود والتفاهم واللين في التعامل بيننا، لم تُخلق للدفاع عن أنفسنا، لتجميلها، وللفوز في معارك المناقشات، كلمة لطيفة كفيلة بإنهاء أي خلاف لمجرد أنني أحبك.. أنا شخص أبسط من تعقيد العلاقات .”
ألم يحن الوقت حتى تكف تلك الصراعات والمناوشات؟ هكذا كان يفكر “حسان” بعدما تفوه “وليد” بجملته الأخيرة التي جعلت الرعشة تسير في الأجساد من هول المفاجأة، إقتربت هي منه بمقلتين على وسعيهما وهي تقول بذهول:
“أنتَ بتقول إيه؟ مين دي اللي عايشة”
نظر هو في أوجه الجميع ثم أعاد بصره لها وهو يقول بنبرة جادة:
“أمك مشيرة فايز أحمد الرشيد عايشة يا جميلة، ومستنياكِ ترجعيلها”
إلتفتت تنظر لأبيها ودموعها على وجنتيها دون إرادةً منها وهي تقول مستفسرة بنبرةٍ غير مصدقة:
“رد عليه يا بابا، بيقولك إن أمي عايشة، رد وقول أي حاجة متسكتش كدا”
أخفض “حسان” رأسه في خزيٌ، فلم يقوى على الكذب أمام عينيها، بينما هي حركت رأسها وهي تقول بصراخ:
“أنتَ بتسكت ليه قول أي حاجة يا بابا، رد أبوس إيدك”
_” عـــايــشـة، مـــشــيـرة عـايـشـة”
إرتمت هي على الأريكة من هول المفاجأة، بينما “وليد” و “طارق” نظر كلاهما لبعضهما البعض بأسى وحزن لأجلها، حركت هي رأسها عدة مرات وكأنها بذلك تخرج ذلك الحديث من أذنيها، ثم رفعت رأسها تنظر لوالدها وهي تقول بنبرة قوية جامدة:
“أنتَ دلوقتي هتقولي كل حاجة، إزاي أمي عايشة وإزاي كل حاجة طلعت كدب كدا، فــاهــم”
أخذ نفسًا عميقًا بعدما صرخت هي بكلمتها الأخيرة، بعد ذلك جلس على الأريكة المقابلة لها وهو يقول بهدوء:
“حاضر، حاضر يا جميلة”
ثم وجه بصره لهما وهو يقول بنبرة خالية:
“أنا هقولك كل حاجة علشان أرتاح، يمكن أعرف أنام”
تدخل “وليد” يقول بسخرية مريرة:
“لأ وأنتَ مسكين أوي مبتنامش كل دا”
زفر “حسان” بضيق ثم شَرَعَ في سرد الماضي بقوله:
“أنا حسان عز أبو الفدا، كنت شاب في أواخر العشرينات لما أبويا مات وسابني مع عمي اللي كان ساكن معايا في نص البيت، وبما أني مليش حد، عرض عليا أتجوز بنت من بناته يا ياخد البيت كله لحسابه، رفضت الفكرة كلها، ودخلت ناس كبيرة حلوا المشكلة بينا، وعلشان أخلص من زنه نزلت القاهرة ساعتها اتعرفت على عبده لما أجرت أوضة فوق السطح عندهم، فضلت أدور على شغل لحد ما أبو عبده دا شافلي شغل عند فايز أحمد الرشيد في مخزن الأعشاب الطبيعية، قولت أهي أحسن من القعدة، وروحت أشتغلت معاه فعلًا، كان معايا مجدي وأخته مديحة وكنا إحنا التلاتة بنشتغل سوا، بس أنا من شطارتي في الحسابات الحج فايز عجبه شغلي، وعرفني على عياله، واعتبرني إبنه الخامس، ساعتها شوفت مشيرة هناك، كانت جميلة ورقيقة أوي، بس أنا علشان أمانة الراجل اللي دخلني بيته، طلعت الموضوع من دماغي وقولت أني لازم أفوق لشغلي، هي بصراحة كانت طيبة أوي وكانت ذوق معايا، كانت بتيجي الشغل عندنا علشان مديحة، أو أنا اللي كنت فاكر كدا، هي كانت بتيجي علشان مجدي، الحج فايز معجبوش الموضوع وحس بحاجة، ساعتها طلب مني أتجوزها، ولما أنا رفضت قالي إن بنته طيبة ومن غيره هتتعب، أنا مكنتش واخد بالي من موضوع مجدي دا، وفضلت مكمل في شغلي زي ما أنا، بعدها فايز بدأ يتعب وساعتها أمرني أتجوزها وهو كلمته كانت سيف.”
أوقف حديثه وكأنه يرى الماضي يمر أمام عيناه، ثم أخذ نفسًا عميقًا، لكنه أعاد السرد من جديد بعدما قال “طارق” بضيق:
“كمل، وقفت ليه؟!”
أومأ له ثم أستطرد حديثه قائلًا:
“ساعتها أجبرها على الجواز وهي كانت بتحب مجدي، بس مجدي كان ملاوع وإبن سوق عاوز يوصلها علشان فاكر إن الحج كدا هيزود مركزه ويسلمه مخزن من بتوعه يديره، أتجوزتها وعيشت معاها في بيت الحج فايز بعدما بنى البيت الجديد وكان ليا شقة فيه، بعدها مات هو ومفيش شهور وحصلته الحجة، مشيرة كانت طول جوازنا بعيد عني وكرهاني، وخلفت مني جميلة برضه وهي كرهاني ساعتها قالتلي إنها ندمانة، فضلت عايش معاها علشان طلب أبوها وعلشان جميله اللي في رقبتي الراجل برضه شغلني وسكني وعملي قيمة وسط عياله وعمري ما حسيت بغربة وسطهم، بس للأسف هي الوحيدة اللي حسيت بالغربة وأنا معاها، بعدها هي عرفت إنها حامل، برضه كانت زعلانة وفي نفس الوقت فرحانة، أنا مكنتش عارف أعمل إيه بس كنت مستحمل طريقتها، بعدها خلفت جميلة وأنا كنت شوية في القاهرة وشوية مع طه ومحمود في أسوان، وشوية مع مرتضى في السويس، علشان أسيبها براحتها، مع الوقت بدأت هي تعرف قيمة غيابي، بس كان فات سنين، لحد ما مجدي رجع بالجوابات دي تاني، وساعتها بعتهم ليها وقالها إنه هيتجوز ومش عاوز تكون بينهم، للأسف دا اللي عرفته متأخر لما طارق ووليد ظهروا”
سألته هي بنبرة مهتزة وخالية من المشاعر:
“جوابات إيه دي؟ وكان فيها إيه؟”
نظر لها وهو يقول بنبرة موجوعة:
“الجوابات الغرامية اللي كانت بينهم، جالي نسخة منها وخط مشيرة وإمضتها أنا حافظها صم، ومع الجوابات صور ليهم سوا في رحلة الحج فايز كان عاملها وكانوا ماسكين إيد بعض، بس كل دا كان قبل جوازها مني، ساعتها مديحة جت ورتني الصور والجوابات وقالتلي إن مشيرة وأخوها بيحبوا بعض، وإن هي هتبدأ تعاملني حلو علشان بس أأمن ليها وهي تطلق مني وترجعله، ساعتها الدم غلي في عروقي وكان قدامي إختيارين ملهمش تالت يا أقتلها وأشرب من دمها، يا أخدك وأهرب بيكِ منها علشان متتربيش على إيد واحدة زيها، ساعتها سألت فاطمة مرات محمود بحكم إنها كانت بتشتغل معاهم وقالتلي إنهم فعلًا كانوا بيحبوا بعض وكانوا مخططين للجواز، مقدرتش أواجه ساعتها علشان مموتهاش وبنتي تبقى بنت قتال قتلة، روحت بعدها من سكات للمأذون وطلقتها، وروحت بليل كانت نايمة، خدتك من حضنها ومشيت وسبتلها جواب، لكن اللي معرفوش إن فيه ناس بريئة هتتظلم بسببي، أنا عيشت عمري كله غريب وتايه مليش حد، شوفت فيها كل أهلي وهي شافتني مجرد عابر سبيل، مشيت وروحت إسكندرية تاني بعت الشقة لعمي وهناك جميلة تعبت وجالها تسمم، والناس افتكرتها ماتت، خدتها من المستشفى وطلعت بيها على عمتي في الصعيد، وهناك بدأت حياتي أنا وجميلة بعدما أقنعتها إن أمها ماتت، فضلت تعيط علشان خديجة وطارق بما إنهم هما اللي مربينها، مع الوقت نسيتهم أو عملت نفسها نسيتهم، وبس رجعنا هنا تاني علشان كل حاجة تبان وعلشان المظلوم حقيقته تبان”