تعافيت بك ف45 ج1 – رواية تعافيت بك PDF
الجزء الأول
الفصل الخامس والأربعون (عروس مثل القمر)
“كيف حالك بدوني، يا من أفديها بعيوني”
______________
أنا أيضًا أَملُك لسانًا، وأيضًا أستطيع أن أجعله لازعًا كما يفعل الآخرون، فأنا أستطيع أيضًا أن أنطق بكلمات تترك علامات سوداء في القلوب، وربما أستطع أيضًا ترك كلمات تخترق صدرك كما يفعل سهم العدو، لكنني وبملء إرادتي أردتُ أن أتجاوز تلك الكلمات وربما قد يكون هذا أنبل وأعظم اختياراتي.
(مشهد عودة إلى يوم الأربعاء)
نزلت “خديجة” في ذلك اليوم له حتى تذهب معه إلى الطبيبة، ركبت بجانبه السيارة، وكانت “مُشيرة” في تلك اللحظة عائدة من الخارج بعدما جلبت مشترياتها، ولسوء حفظهما كانت لاتزال في داخل سيارة الأجرة التي تأخذها في المشاوير الخاصة بها وبتسوقها، إنتظرت هي حتى تحرك هو بسيارته ثم قالت بهدوء للسائق وكأنها تحارب حماسها حتى لا يظهر أمامه:
“معلش يا علي خليك ماشي ورا العربية دي وأنا هديك اللي أنتَ عاوزه”
رد عليها السائق بحماس مُرحبًا بطلبها:
“تحت أمرك يا ست مُشيرة، اللي تؤمري بيه، ولو عاوزة حاجة أنا موجود تحت أمرك”
ردت عليه بضيق وهي تحرك رأسها وتراقب حركة سيارته:
“لأ، ركز بس وإلحق العربية دي بسرعة”
حرك رأسه موافقًا ثم شرع في القيادة وهي لا يتطرق إلى التفاصيل، بالطبع هو لا يهمه سوى ما سيحصل عليه منها، حتى وإن أرادت أن يجوب بها الطرقات طوال الليل لن يرفض لها طلبًا، بينما هي كانت تنظر أمامها بأعين تشبه نظرات الصقر وهي تتابع السيارة الخاصة بـ “ياسين” وتنقلها، بعد فترة قصيرة من القيادة توقفت سيارة الأجرة، مما جعلها تحرك رأسها وكأنها تتفحص المكانؤ فقالت بنبرة مستنكرة:
“إحنا وقفنا هنا ليه يا على؟”
رد عليها هو بهدوء:
“العربية وقفت هنا يا ست مُشيرة، وأنا وقفت هنا علشان محدش ياخد باله إننا ماشيين وراهم”
كانت كلماته الأخيرة بنبرة خبيثة وكأنه بذلك يرسل لها رسالة مبطنة أنه يعلم ما تريده هي، أومأت له بعدما نظرت له بضيق، ولكنها انتفضت في مقعدها حينما لمحتهما يخرجا سويًا من السيارة، ثم دخلا بناية حديثة البناء مصممة على أحدث التصميمات، يكثر بها اللوحات الطبية التي تحمل أسماء الأطباء، نزلت هي بهدوء ثم وقفت تقرأ ما دون على اللوحة بتعجب، فوقفت تقول بنبرة مستنكرة:
“دكتورة نفسية؟ لأ صعب، طب ماهي العمارة مليانة دكاترة برضه”
زفرت بضيق ثم وجهت بصرها نحو الأريكة الموضوعة بجانب البناية فوجدت رجل في منتصف العقد الرابع من عمره يجلس بإسترخاء واضح، إقتربت هي منه تقول بهدوء وهي تجبر شفتيها على الإبتسام:
“مساء الخير”
وقف هو منتفضًا من جلسته المسترخية وهو يقول بتلهف:
“مساء النور، أؤمري يا هانم، تحت أمرك”
أخرجت أوراق مالية من حقيبة يدها ثم دستها في كفه وهي تقول:
“الأمر لله، ركز بس وقولي الأساتذة اللي لسه طالعين دول طالعين فين؟”
نظر هو داخل الممر الرخامي ثم أشار برأسه نحو سيارته وهو يقول مُقررًا أكثر من كونه مُستفسرًا:
“قصدك الأستاذ صاحب العربية دي وجماعته؟”
_” آه هما، دول طالعين فين بقي؟”
خرجت منها تلك الجملة المستفسرة بتلهفٍ، جعله يقول لها بحماس:
“الأستاذ وجماعته دول بيطلعوا عند الدكتورة النفسية اللي فوق، إسمها دكتورة هناء عادل دكتورة شاطرة أوي، تؤمري بحاجة تاني؟”
تنفست الصعداء وظهرت الشماتة في نظرتها قبل نبرتها وهي تقول:
“لأ تسلم لحد كدا، طبعًا محدش يعرف حاجة خالص”
قالت جملتها ثم أخرجت ورقة مالية أخرى تدسها في كفه، وهي تنظر له نظرة مُحذرة إلتقطها هو على الفور مما جعله يومأ له عدة مرات برأسه وكأنه بذلك يؤكد نظرتها، تركته هي ثم ركبت سيارة الأجرة مرةً أُخرى كانت تفكر من منهما يأتي لتلك الطبيبة ومن منهما بحاجة للعلاج النفسي ولكنها لم تدم في تفكيرها طويلًا حتى أتى في مخيلتها ووقع على مسامعها جملة “خديجة” في ذلك اليوم المنشود حينما نظرت لها بثبات وهي تقول:
“أنتِ فاهمة غلط، ياسين جوزي مش زي حد وميتقارنش بحد”
حينما تذكرت هي تلك الجملة إبتسمت بتهكم وهي تفكر أن ذلك التغيير المفاجئ الذي طرأ على “خديجة” لم يأت عبثًا، بل كان نتيجة العلاج النفسي، إبتسمت هي بخبثٍ وهي تفكر أن هذه النقطة ستقع لصالحها حتى وإن لم تأتِ لها بما تريد وتهوى، لكنها ستطيب عيناها حين ترى نظرة الإنكسار في عينيها أمام الجميع، تنهدت هي حينما آخذها تفكيرها إلى تلك النقطة.
(عودة إلى الوقت الحالي” يوم الجمعة” )
“كنت بحس بنفس اللي هتحسيه لما أقولك إن جميلة بنتك عايشة وأنا عارف مكانها بس قسمًا برب الكعبة ما هريح قلبك ولا أطفي نارك يا مشيرة”
خرجت منه تلك الجملة بفحيح يشبه فحيح الأفعى بجانب أذنها لكنه وصل لمسامع الجميع، وفقًا للصمت الدائر في المكان بعدما ألقت هي بحديثها الخبيث، أما عن الجميع فكانت حالتهم تشبه حالة من يحلق الطير فوق رؤوسهم، بِخلاف “مشيرة” التي تحدثت تقول بسخرية وكأنها ترفض تصديق حديثه:
“أنتَ أكيد إتجننت، ولا تلاقيك لسه بتاخد حاجة من الهباب اللي كنت بتاخده، جميلة مين دي اللي تعرف مكانها”
إعتدل في وقفته بعدما إبتعد عنها نسبيًا وهو يقول بخبثٍ:
“وماله، أنتِ حرة بس متوجعيش دماغي بعد كدا علشان تعرفي مكانها، أصل أنا قلبي أسود أوي ومش بعرف أنسى”