تعافيت بك ف3 ج2 – رواية تعافيت بك PDF
الجزء التاني
الفصل الثالث ( البقاء لله)
تلك العيون التي احتوتني في ظلمة الليل….لن أرى وميضها في أخرى حتى وإن تجولت طوال الدهر بحثًا عن مثيلتها.
____________
ليس من المهم أن تكون شخصًا مبهرًا حتى تنال اعجاب الجميع، يكفيك أن تصبح شخصًا حقيقيًا يتصرف بتلقائيته المعهودة، فلا يوجد ما يتطلب منك التخلي عن عفويتك حتى تنال الاعجاب، ففي النهاية أنتَ مبهر في الأعين التي تُحبك، حتى وإن كنت غير مثالي.
في بيت آلـ “الرشيد” كان “وليد” جالسًا على الأرض الرخامية فوق سطح البيت و”عبلة” تجلس مقابلةً له، يتناولا الطعام التي قامت هي باعداده سويًا، أنهى هو طعامه أولًا نظرًا لعدم تناوله الطعام طوال اليوم، أما هي فكانت تأكل بشهية مفتوحة نظرًا لمشاركته طعامها، كان ينظر لها بتمعن شديد، تزامنًا مع البسمة العذبة التي زينت ثُغره وهو يراقبها، لم تلاحظ هي تحديقه بها إلا بعد مرور ثوانٍ عديدة، رفعت رأسها وهي تقول له متعجبة من توقفه عن تناول الطعام:
“مش بتاكل ليه يا وليد؟ الأكل مش عاجبك؟”
حرك رأسه نفيًا ببساطة ثم أضاف ينفي حديثها:
“أنا شبعت الحمد لله، والأكل حلو تسلم إيدك”
حركت رأسها بشكٍ تستفسر أكثر، فوجدته يقول مؤكدًا:
“كلت والله العظيم، لو الأكل مش عاجبني هقولك، بس تسلم ايدك أنا عارف إنك شاطرة”
ابتسمت هي له ثم قالت بنبرةٍ حماسية:
“أنا عرفت كل الأكل اللي أنتَ بتحبه وبتعلمه علشانك، صحيح لسه بجرب، بس إن شاء الله هبقى شاطرة فيه زي ما أنتَ بتحبه، صح؟!”
سألته بكلمتها الأخيرة بتشككٍ واضح، جعله يُعيد تأمله لها من جديد وهو يتنهد بعمقٍ ثم أضاف مؤكدًا:
“الحاجة اللي بتتعمل بحب بتوصل بحب، وأنتِ بتعملي كدا علشاني، يبقى أكيد هحب اللي بتعمليه حتى لو مش زي ما أنا عاوز بالظبط، كفاية إنك تحاولي تفرحيني”
نظرت هي له بحبٍ ثم قالت مستفسرة عن نظرته التي يطالعها بها:
“هو أنتَ ليه عمال تبصلي كدا كل شوية، وعمال تركز في عيني، أنا ملاحظة على فكرة، خد بالك”
ابتسم هو لها، ثم سألها وكأنه لم ينتبه لسؤالها:
“خلصتي أكل يا عبلة؟”
أومأت له وهي مندهشة من حديثه، فوجدته يُجمع أدوات الطعام على الصينية ثم رفعها يضعها على الأريكة، كانت هي تراقبه بتعجبٍ من حركاته، فوجدته يُلقي برأسه على قدمها وهو يتنهد بعمقٍ، اتسعت مقلتاها من حركته تلك، لكنها ربتت على خصلاته الكثيفة وهي تقول بنبرة أهدأ:
“طب مش عاوز تجاوبني ليه؟ هو…هو أنتَ زعلان مني لسه؟”
أصدر صوت من حلقه يَنُم عن النفي ثم قال بعدما زفر بقوة:
“كنت ببصلك علشان اتأكد إنك قصادي فعلًا بارداتك، وأنا باكل كدا سرحت لثواني افكر هو أنتِ قصادي فعلًا وموجودة علشاني ولا عقلي من غُلبه بقى بيتهيأ وجودك، لما لقيتك قصادي فرحت ولما اتأكدت انك فعلًا معايا افتكرت أغنية أحمد كان عمال يغنيها طول اليوم”
لقد أسرها حديثه الجميل وعلى الرغم من انها تود في تلك اللحظة أن تصرخ له حتى يتيقن من وجودها إلا أنها آثرت الصمت ثم سألته عن جملته الأخيرة بهدوء ولكن نبرتها كانت مهتزة من مشاعرها الفرحة:
“أغينة أحمد ازاي يعني؟ هو أحمد عامل أغنية”
حرك رأسه نفيًا ثم قال بهدوء:
“لأ، بس كان طول اليوم مشغلها في الشركة وهو بيشتغل، أول مرة اسمعها ساعتها، بس لقيت إن كلامها كله لايق عليا معاكي، كان بيقول:
“أنا أصلًا مشكلتي في عينها، تاخدني بلاد وتوديني، وبلادي اللي أنا أصلًا منها بيعاني وبطلع عيني”
افتكرت ان أنا مشكلتي في عينك يا عبلة، بفضل طول اليوم بخبط واحايل في الدنيا وهي معاندة معايا، وكأنها حالفة يمين بالله إني أفضل افكر طول اليوم في اليوم اللي بعده، قصاد كل دا عيونك هما اللي بيطمنوني، بـ بصة منهم بس بطمن بعد كل الخوف اللي بشوفه، لونهم زي العسل الصافي شفا للقلب،
و أنا يا بخت قلبي بعيونك”
توقفت يدها عن السير في رأسه ثم سألته بنبرةٍ مهتزة:
“أنتَ بتتكلم جد ولا بتهزر، والله ممكن أعيط وأبهدلك هنا، قول إنك بجد مش بتهزر”
رفع نفسه من على فخذها ثم نظر في عيناها بحبٍ وهو يقول بنبرة تخرج من فم عاشق:
“يعلم ربنا إن كل كلمة خرجت مني صدق وإنك الوحيدة اللي تقدر تشوف ضعفي دا، والله يا عبلة ما حد غيرك شاف النسخة دي مني، بس أنا مسلمك قلبي وأنا عارف إنك هتحافظي عليه”
أومأت لها بقوة ثم قالت بنبرة مصطبغة بالمرح:
“اطمن يا ليدو…وعلى رأي عبد الباسط حموده اديني قلبك وخد قلبي”
ضحك هو على حديثها ثم اخذها بين ذراعيه وهو يقول بنبرة هادئة:
“أنا عارف إنك هطلة من الأول، وأنا بصراحة كدا نقطة ضعفي الهطل، بس برضه أنتِ بنت أصول وتستاهلي الواحد يعافر علشانك”
ابتسمت هي بعد حديثه ثم القت برأسها على كتفه وهي تتنهد بعمقٍ، ابتسم هو الأخر ثم رفع ذراعه يربت على رأسها بحنانه المعتاد، وبعد فترة من الصمت من كليهما تحدث هو يقول بتشككٍ ممتزج بالمرحِ:
“عبلة..مش ملاحظة إن أبوكِ سايبنا براحتنا بقاله كتير؟ أنا خايف يكون مبلغ عني”
_” والله لو أقدر أعملها مش هتأخر، بس خايف على زعل أهلك اللي معرفوش يربوك”
خرجت تلك الجملة من “محمد” بعدما دخل السطح بهدوء، حيث كان يقف على اعتاب السطح قبل سماعه جملة “وليد”، وبعد حديثه اتسعت مقلتي “عبلة”، بينما هو ابتسم بسخرية يائسة، اقترب منهما “محمد” يطالعهما من عليته وهو واقفٌ وهما يجلسا على الأرض، رفع “وليد” رأسه ولازالت هي قابعة بين ذراعيه بعدما شدد هو تمسكه بها ليقول ببراءة:
“ابن حلال يا حمايا…لسه كنت بجيب في سيرتك”
نظر له “محمد” بسخرية وهو يقول متهكمًا:
“مانا سمعت يا اخويا…قوم ياض أنتَ وهي، عيب كدا بقى”