تعافيت بك ف19 – رواية تعافيت بك PDF
الفصل التاسع عشر (من أين تعلم؟)
“رواية تَعَافَيِّتُ بِكَ”
“دخلتُ حربًا فقط لأجل عيناكِ..ولم تأتني الهزيمة إلا من سواها”
____________
قد تعيش سنوات عُجاف لن تستطع الوقوف بها على قدميك، تُعاني روحك من الظمأ، تشعر حينها وكأن قلبك سُجِنَ بين أضلعه، إلا أن يأتي العوض لكَ، وفجأة يتحرر ذلك السجين ويشبه الفراشة في حريته.
بعد الكلمات التي ألقاها “ياسين” على مسامع “خديجة” يتغزل بها في أعينها، أصابها الخرس مع جحوظ مؤقت في العينين وفمٍ مفتوح ببلاهة من مفاجأة وقع الكلمات على أذنيها، وللحق مرت الكلمات على أُذينها قبل أذنيها، أما هو تصنع الثبات إلا أبعد الحدود، وحينما لاحظ طيلة صمتها أشار بكفه أمام أعينها ثم قال:
“يا ست الكل؟ يا خديجة”
حركت رأسها نفيًا ثم قالت له ببلاهة:
“نـعم”
حاول كتم ضحكته ونجح في ذلك ثم قال:
“نعم؟ كـدا أنتِ إتثبتي”
ثم غمز لها بطرف عينه وهو يبتسم.
خجلت من فعلته تلك وشعرت بالتوتر لكنها سألته مرة أخرى وهي تقول:
“هو أنا سمعت صح؟ ولا دي تَهيُأت؟”
حرك رأسه نفيًا ثم قال:
“لأ يا خديجة سمعتي صح”
أحمرت وجنتيها وزادت حمرتها أكثر من نظرته لها، إلتفت تنظر للجهة الأخرى وهي تأخذ نفسها لعلها تهدأ من فرط توترها، لاحظ حركتها تلك لذلك أشفق على حالها ثم قال:
“أنا أسف لو كنت ضايقتك، بس أنا كنت مجهز الكلام دا أقوله لكِ أول مرة نتقابل فيها بعد كتب الكتاب وبصراحة أنا شخص صريح مش بعرف أخبي مشاعري”
أومأت له مُتفهمة ثم قالت:
“لأ أبدًا متضايقتش ولا حاجة، أنا..أنا بس إستغربت إن الكلام باللغة العربية الفصحى”
تصنع الإندهاش وهو يقول:
“إيه دا هو فيه ناس مبتتكلمش لغة عربية فُصحى”
نظرت له بهدوء ثم قالت:
“الناس كلها بتستغرب من اللي بيحبها، الغريب إن كتير كانوا بيتريقوا عليا لما أتكلمها، أنا بس إستغربت إن فيه حد لسه بيتغزل بيها”
أنهت حديثها ثم سألته مُستفسرة:
“ليه بتتكلم بيها يعني دي مش أول مرة تقولي فيها كلام زي دا؟”
هز كتفيه وهو يتصنع اللامبالاة ثم قال:
“عادي يعني بحبها، بحسها أسهل في التعبير عن المشاعر بصراحة”
كان يكذب عليها ولكنها صدقته من إتقانه في الحديث، فهو على الرغم من جمال كلماته، إلا إنه كان يكره اللغة العربية ولم يستطع التعبير بها.
بعد فترة من الصمت من كليهما، أخذ نفسًا عميقًا ثم قال:
“على فكرة أنا لسه معرفش حاجة عنك..يعني كلميني عنك”
وفي تلك اللحظة تردد على مسامعها حديث “وليد” عن حربها وعن ماضيها، وللوهلة الأولى شعرت بالخوف من أن يتركها من طريقتها كما فعل غيره، تعلم أن الطريق صعب لكن يكفيها المحاول، وعلى الرغم من إضطراباتها وقلقها النفسي إلا أنها لم تظهر عليها الأعراض المُصاحبة لها دائمًا وما ظهر فقط هو سرعة نبضات قلبها، شردت هي في نفسها وفي الاطمئنان الذي إحتل قلبها، كيف حدث كل ذلك كيف من مقابلة واحدة يختفي خوفي، كيف أشعر بالأمان برفقته وعند هذه النقطة إكتشفت أنها أسترسلت معه في الحديث كثيرًا، وهذه على غير عادتها..كان ينظر لها ولقسمات وجهها والتغيرات التي تطرأ عليها وهو يعلم جيدًا بما تُفكر وكيف تُفكر..وفجأة شعرت برجفة بسيطة في كفيها، فتحدثت بصوتٍ مهزوز وهي تقول:
“لـ..لو سمحت هو ينفع أروح؟”
على الرغم من حزنه على تغيرها فجأة لكنه إبتسم مُطمئنًا لها ثم قال:
“طبعًا ينفع، يلا علشان أوصلك”
أومأت له ثم أخذت نفسًا عميقًا لكي تُهدئ به نفسها بينما هو كان ينظر لها ويراقب تصرفاتها عن كثب وحينها قرر قرار لا رجعة فيه.
___________
في منزل آلـ “رشيد” تحديدًا في الطابق الخاص بشقة “مُحمد” كانت “عبلة” جالسة وهي تُفكر في حديث أخيها عن “وليد” وعن حديثه أمام أخويهما، للحق لمست الصدق في حديثه ونظرته، كما ان علاقته بـ “هدير” لم تكن علاقة مُحبذة لتجعل بينهما قصة حب، لذلك إتخذت قرارها ثم قررت أن تُفاتح أخيها في قرارها.
في غرفة “طارق” كان جالسًا على فراشه وهو مُمسكًا صورة بين كفيه، كان ينظر للصورة بعمقٍ ثم أخرج زفيرًا قويًا ثم تبعه بقوله:
“لو كنتي موجودة كانت حاجات كتير إتغيرت، كان زماني كاتب كتابي عليكي زي ما قولتيلي وأنتِ صغيرة إنك هتتجوزيني في نفس يوم جواز خديجة، عارفة كمان إن أنا وهي أكتر أتنين تعبنا بعدك، هي إتلامت بسببك ومعرفتش تقرب من حد وأنا عيشت عمري كله مش قادر أنسى حبي لكِ ولا عارف أشوف غيرك”
قام بتقبيل الصورة ثم نظر لها مرة أخرى، أخرجه من ذكرياته تلك طُرقات على باب غرفته من قِبل أخته “عبلة” قام بوضع الصورة تحت وسادته ثم فرك وجهه بكفيه ليمحي أثار تعبيراته السابقة، ثم قال بصوتٍ أجش:
“أدخــل”
دخلت “عبلة” الغرفة ثم جلست بجانبه على الفراش وهي تنظر له بتفحص ثم قالت:
“أنتَ كنت بتعيط يا طارق ولا إيه؟ ووشك أحمر كدا ليه؟”
تصنع الثبات ونظر لها ثم قال بسخرية:
“أعيط! ليه إن شاء الله ياختي، كل الحكاية إني بفكر في الشغل والمرحلة الجاية، لسه عاوز أحقق أحلام كتير أوي”
هذه هي حُجته الدائمة حينما يأخذه التفكير في رحلة إلى الذكريات الماضية، كانت “عبلة” تعلم أنه يكذب عليها، لذلك لم تريد التطرق إلى الموضوع أكثر من ذلك فقالت بعدما زفرت بعمق:
“ربنا معاك يا حبيبي وتحقق كل اللي بتتمناه، ويجمعك باللي نفسك فيه”
نظر لها فـفهم من نظرتها له أنها علمت فيما كان يفكر قبل دخولها أومأ لها برأسه ثم آمن وراء دعاؤها، أما هي أخذت نفسًا عميقًا وكأنها تُعد نفسها ثم قالت:
“طارق، أنا قررت أدي علاقتي بـوليد فرصة، وهنسى كل اللي فات، حتى الرسالة اللي شوفتها بعيني هعمل نفسي مشوفتهاش أصلًا، بس أنتَ اللي مسؤول قُصادي لو طلع بيكذب عليا”
إعتدل “طارق” في جلسته حتى إقترب منها أكثر ثم سألها بـلهفة قائلًا:
“بجد يا عبلة.. يعني مش هترجعي لأسلوبك الزفت دا تاني معاه؟”
هزت رأسها نفيًا ثم قالت:
“لأ يا طارق بس أنتَ اللي هتضمنلي إنه مش زي ما أنا فاكرة”
إحتضنها “طارق” ثم قال بفرحة عارمة إحتلت نبرة صوته:
“وأنا موافق وأضمنهولك برقبتي”