أبحاث

بدعة التجسيم في الإسلام ونفي التجسيم عند المسيحيين

بدعة التجسيم في الإسلام ونفي التجسيم عند المسيحيين

بدعة التجسيم في الإسلام ونفي التجسيم عند المسيحيين

بدعة التجسيم في الإسلام ونفي التجسيم عند المسيحيين
بدعة التجسيم في الإسلام ونفي التجسيم عند المسيحيين

إقرأ أيضا:

ينسب الكتاب المقدس والقرآن لله أوصافًا مثل الوجه واليد والأصابع.. إلخ، يسميها اللاهوتيون المسيحيون ”أنثربومورفيزم“ anthropomorphism، أي التشبه بهيئة الإنسان، أما المتكلمون المسلمون يضعونها في تقسيم صفات الله، فهذه الأوصاف عندهم هي صفات ذاتية، أي متعلقة بذات الله وليس أفعاله، وهي صفات خبرية لأنهم أُخبروا بها في القرآن والسنة، إذن هي صفات ذاتية خبرية.

لكن آباء الكنيسة كانوا واضحين في التعامل مع هذه الأوصاف، إذ كانوا مؤمنين بأن الله روح وليس بجسم، فعملوا على تأويل هذه الأوصاف بما يليق بعظمة الله سبحانه وتعالى. فمثلاً:

1- ق يوستين الشهيد يعلق على تعبير ”أصبع الله“ كما يرد في مز 7: 4 قائلاً:

إن لم أدرك عمل كلمته (الذي هو المسيح) فلن أفهم النص. وسأكون مثل معلميكم (أي معلمي اليهود) الذين يتصورون أن أبا الكل… له يدان ورجلان وأصابع ونفس مثل المخلوق المركب“ (الحوار مع تريفو 114).

وهنا يشير يوستين إلى طائفة من اليهود الذين كانوا يقرأون هذه الأوصاف على ظاهرها.

2- أيضًا العلامة أوريجانوس يؤكد على أننا

لا ينبغي أن نفكر في الله على أنه جسم، أو في جسم، وإنما كوجود عقلي بسيط، لا يقبل في ذاته أية إضافة من أي نوع“ لأن ”العقل لا يحتاج لمساحة فيزيائية ليتحرك ويعمل فيها، ولا يحتاج لحجمٍ تميِّزه الحواس، ولا شكل جسمي، ولا لون، ولا أي شيء يشبه ذلك يليق بالأجسام والمادة“ (المبادئ 1: 1: 6)

3- ويقول يوحنا كاسيان إن الله لا يمكن أن:

يُحوى في شكل ومثال بشري، إذ أن طبيعته غير هيولية وبسيطة… ولا يمكن إدراكها بالعيون“ (المحاورات، محاورة 10).

4- وكتب ق كيرلس السكندري ”ضد من يتصورون أن لله هيئة بشرية“ قائلاً:

لا الأعين، ولا الأذن، ولا طبعًا الأيدي والأرجل ينبغي أن ننسبها لله، بل ولا حتى الأجنحة… لأنه من الغباء أن يفكر أحد بمثل هذا التفكير. لأن الله روح“ (ضد الذين يتصورون، فصل 1).

السؤال الآن كيف فهم اللاهوتيون المسيحيون هذه الأوصاف حين ترد في الكتاب المقدس؟ الإجابة: فهموها على أنها مجاز ويجب تأويلها ولا تؤخذ على ظاهرها، لأن الثابت عندنا أن الله ليس بجسم. فنجد يوحنا الدمشقي يفسرها كالآتي:

كل ما يُقال في الله بصورة جسمية إنما يقال بصورة رمزية.. لأن الإله بسيط ولا شكل له. إذن يُراد بعيني الله وجفنيه ونظره قوته المشرفة على الكل، ومعرفته التي لا خفي أمامها.. ويُراد بأذنيه وسمعه تعطفه واستجابة سؤالنا.. ويُراد بفمه وكلامه إعلان مشيئته.. ويراد بوجهه إعلانه تعالى وظهوره بأفعاله.. ويراد بيديه فاعليته في عمله“ (الإيمان الأورثوكسي 1: 11).

في المقابل انقسم العلماء المسلمون حول تفسير الآيات والأحاديث التي تضم الصفات الخبرية إلى ثلاثة اتجاهات:

1- غلاة المجسمة الذين قرأوا الآيات على ظاهرها،

وذهبت غلاة المجسمة إلى أن الإله ذو صورة مثل صورة الإنسان. وحُكي عن داود الخوارزمي إنه قال: – اعفوني عن الفرج واللحية واسألوا عما وراء ذلك، وصرَّح بأن معبوده جسم ولحم“ (لباب العقول ص 174).

2- المعتزلة وهؤلاء قاموا بتأويل هذه النصوص كما فعل آباء الكنيسة. والمعروف أن المعتزلة تمت محاربتهم وإفشال حركتهم الفكرية.

3- التجسيم بلا كيفية، فقد قال أبو الحسن الأشعري ”أن الله جسم لا كالأجسام“. وهذا موقف الأشاعرة ومعظم أهل السنة والجماعة. هؤلاء قالوا بتمريرها دون شرح، وتفويض أمرها لله، لكن عبارة ”جسم لا كالأجسام“ لا تنفي الجسمية عنه، بل تنفي التشبيه فقط، وبالتالي لا مفر من الإفلات من التركيب والتشبيه، والله منزه عن كليهما.

في المقابل نرى شيخ الإسلام ابن تيمية يقول

الكلام في وصف الله بالجسم نفيًا وإثباتًا بدعة لم يقل أحد من سلف الأمة وأئمتها إن الله ليس بجسم كما لم يقولوا إن الله جسم…“ (الفتاوي، ج 5، ص 192).

ما هذا التخبط؟ هل الله جسم أو ليس بجسم؟! نحن نقرأ لأبي حامد الغزالي:

فإن خطر بباله أن الله جسم مركب.. فهو عابد صنم، وأن كل جسم فهو مخلوق… فمن عبد جسمًا فهو كافر بإجماع الأئمة والسلف منهم والخلف“ (إلجام العوام ص 6، 7).

فمن نصدق ابن تيمية أم الغزالي؟ وكلاهما يحتكمان إلى إجماع الأئمة؟ ما هذا التخبط في قضية كانت واضحة جدًا عند اللاهوتيين المسيحيين والمعتزلة؟!

أريد أن أقول لصانعي المحتوى على السوشيال ميديا، إذا كان توحيدكم سهلاً بسيطًا واضحًا، فلماذا كل هذا التخبط؟

هل تعرفون كم من الورق والحبر استنفذ في قضية الاستواء على العرش أو بقية الصفات الخبرية؟

يبدو أن ليس لديكم وقت للاطلاع على المجلدات!

لماذا تقنعون الناس أن التوحيد الإسلامي أبسط وأسهل من التثليث المسيحي، بينما الإنسان يغرق في تفاصيل شرح علمائكم في القضية الواحدة. إذا أردنا أن نستخرج من كتبكم التناقضات فسنمرح فيها كالخيل في المضمار، لكن أريد أن أقول كلمة حق.. لأن الله اسمه الحق.

لا يوجد شيء سهل في الحديث عن الله، لأن عقولنا لا يمكن أن تحيط علمًا بالله غير الموصوف، فلا تهينوا الله بقولكم إن كل شيء واضح عن الله في الإسلام.

تمتلئ صفحات كتبكم بعبارات مثل ”بلا كيف“، ”نمررها بلا كيفية“، ”نفوض أمرها لله“، فلماذا تستكثرون علينا أن نقول إن ولادة الابن من الآب هي ”بلا كيف“، أو أن الأقانيم ثلاثة والألوهة واحدة بشكل ”غير موصوف“، وأننا نؤمن بالله الواحد مثلث الأقانيم وفقًا لبراهين نقلية أُعلنت لنا في الكتاب المقدس.

بدعة التجسيم في الإسلام ونفي التجسيم عند المسيحيين