التبعيض والتجزئة عند ابن تيمية ونفي التركيب عند المسيحيين
يؤمن المسيحيون أن الله في ذاته ليس بجسم، ولا مركب من أجزاء، فيقول ق كيرلس:
”لا يشعر محارب المسيح أنه مخمور، لذا تجده يثرثر بلا هدف، متطاولاً على الجوهر الإلهي، لأن قَطع (تقسيم) الشيء إلى قطعتين بينهما مسافة هو سمة من سمات الأجسام. بينما الجوهر الإلهي الذي ليس بجسم، لا يقبل التقسيم والتجزئة“ (الكنوز مقالة 9).
ويقول أثيناغوراس المدافع:
”إن سقراط كان مركبًا ومقسمًا إلى أجزاء، لأنه كان مخلوقًا وفانيًا، لكن الله غير مخلوق وغير متغير وغير قابل للانقسام، لذلك فهو لا يتألف من أجزاء“ (المرافعة 8).
ويؤكد يو حنا الدمشقي أن الله:
”لا يحدُّ ولا يُصوَّر ولا يُلمس ولا يُرى، وهو بسيط وغير مركب“
وأسباب الدمشقي في ذلك تتلخص في العبارة التالية:
”التركيب بدء النفور، والنفور بدء التفكك. والتفكك بدء الانحلال. والانحلال غريب تمامًا عن الله“ (الإيمان الأرثوذكسي 1: 4: 4).
لذلك نجد الإمام محمد عبده في ”رسالة التوحيد“ يؤكد على ما سبق وأن أكد عليه اللاهوتيون المسيحيون، مشيرًا إلى أسباب منطقية لنفي التركيب عن الله سبحانه وتعالى، ويقول:
”من أحكامه أن لا يكون مركبًا، إذ لو تركَّب لتقدَّم وجود كل جزء من أجزائه على وجود جملته التي هي ذاته، وكلُّ جزء من أجزائه غير ذاته بالضرورة فيكون وجود جملته محتاجًا إلى وجود غيره، وقد سبق أن الواجب ما كان وجوده لذاته، ولأنه لو تركب لكان الحكم له بالوجود موقوفًا على الحكم بوجود أجزائه“.
التركيب يعني أن الأجزاء سابقة عن الكل، وأن الكل محتاج إلى الأجزاء.. والله ليس فيه شيء من هذا. تعالى الله علوًا كبيرًا.
لكن دعنا ننتقل إلى شيخ الإسلام الإمام الشهير جدًا ابن تيميه، الذي يقول في فتاويه:
هل يصح أن نمثل الله سبحانه وتعالى بالنخلة بأجزائها أو بجسم الإنسان بأجزائه المختلفة؟! لم يفعلها اللاهوتيون المسيحيون!!
هذه الصورة السابقة من كتاب بعنوان ”ابن تيمية ليس سلفيًا“ تأليف منصور محمد محمد عويس، وهو حاصل على الشهادة العالية من كلية أصول الدين، وهو مبعوث الأزهر إلى الجمهورية الليبية، والصفحات 234- 235.
ما يهمني هنا فكرة التركيب بالأساس، فمؤلف الكتاب السابق يكمل عن ابن تيميه أنه قال:
هل الله يبدي (يُظهر) عن بعضه؟! هل الله يقبل التبعيض هكذا؟ يقول مؤلف الكتاب إن المركب يحتاج إلى أجزائه، والاحتياج علامة على الإمكان والحدوث.. والله سبحانه وتعالى واجب الوجود وليس ممكن الوجود وهو أزلي غير حادث.
هذه النظرة التركيبة للإله كفيلة بأن تحول الله إلى وثن أو مخلوق.. فالمخلوق هو وحده المفتقر إلى أجزائه، وهو الذي يكون عرضة للانحلال.. ومع ذلك فنحن كمسيحيين برغم أننا نؤمن بالثالوث، ثالوث الأقانيم في الله الواحد، نعرف جيدًا خطورة هذا التركيب، ونتحشاه في عقيدتنا لوعينا الكامل أنه يؤدي إلى نسف فكرة الألوهة من أساسها.
فها هو ق غريغوريوس النزيانزي يقول بوضوح:
”ليس لنا نحن إلا إله واحد، لكون الألوهة واحدة… وإن كنا نؤمن أن هناك ثلاثة: ليس الواحد الله أكثر من الآخر، ولا ذاك أقل، ليس الواحد قبل، والآخر بعد، ليس فيهم انفصام في الإرادة، ولا انقسام في القدرة. لا يمكن أن يكون فيهم شيء مما نجده في الخلائق المركبة. وإذا كان لابد من الإيجاز قلنا: إن الألوهة غير منقسمة في مَن هم متمايزون (يقصد الأقانيم)“ (الخطب اللاهوتية 31: 14).
بالطبع ليس لعقلنا المحدود أن يبرر أو يحلل كيف تتمايز الأقانيم في الجوهر الإلهي الواحد. لكننا في نفس الوقت نحافظ على الحد الأدنى لما نحن متأكدون منه عن طبيعة الألوهة، وفي ضوء الوحي المعلن لنا في الإنجيل. هذا الحد الأدنى يسقط فيه شيخ الإسلام ابن تيميه، وهو من أعاظم الأئمة المرموقين. ثم يخرج علينا بعض الصبية غير المتخصصين، والمنتفخين حماسة لا علمًا ليشككوا بسطائنا في عقيدتنا وإيماننا بالله الواحد.
إنه لزمان أغبر لأنه أتاح لبعض الجهال مساحة على الفضاء الألكتروني، وهي وظيفة مربحة بالتأكيد، كما أنها تنفخ صاحبها وتجعله يشعر أنه عالم كبير، كما أن اللايكات تجعله ينتشي، ومع هذا الإدمان لدوبامين اللايكات تجده متعجلاً لا يقرأ الكتاب كله.. بل يقتطع منه.. لا يحاول أن يفهم.. لا يحاول أن يقارن ويحلل.. لذا هذا سعي غير أمين.. والله اسمه الحق.