شرح الإيمان المسيحى ج2 – ق. أمبروسيوس – د. نصحى عبد الشهيد
الفصل السادس
ملخص:
القديس أمبروسيوس وهو يبرهن على أن المسيح لا يختلف عن الآب، يذكر أسماء القادة الآريوسيين الأكثر شهرة، ويشرح كيف أن شهادتهم لا تتفق كثيرًا، ويبين أن الدليل الذى تقدمه الكتب المقدسة ضدهم.
43 ـ يقول الآريوسيون إن المسيح ليس مثل الآب، أما نحن فننكر هذا القول، بل بالحرى حقًا، نحن نجزع هلعًا عند سماع هذه العبارة. ومع ذلك فأنا أريد من جلالتك أن تثق فى مناظراتنا ومحاوراتنا. دعنا نسأل الكتب المقدسة، الرسل، الأنبياء، المسيح، بل دعنا فى كلمة (واحدة) نسأل عن الآب الذى يقول هؤلاء القوم إنهم يُرفِّعون من قدره عندما يدّعون أن الابن أدنى منه. علمًا بأن إهانة الابن لن تؤول إلى كرامة للآب الصالح. ولا يمكن أن يُسرّ الآب الصالح إذا قيل إن الابن أقل من الآب، وليس مساويًا له .
44 ـ إننى أتوسل إلى جلالتك أن تحتملنى إن كنت ـ لفترة وجيزة ـ أوجه كلامى لهؤلاء الناس بنوعٍ خاص. ولكن من منهم أختاره لأقتبس منه؟ أونوميوس[1] Eunomius، أم آريوس وإتيوس Aetïus[2] معلميه، لأن أسماءهم كثيرة، ولكنهم مشتركون فى كفر واحد، ثابت فى الشر، ولكن فى المناقشات، فإنهم ينقسمون على أنفسهم بغير اختلاف فيما يخص المخادعة والمكر؛ ولكن فى مجموعهم يشتركون فى الإقدام على بث الخلافات، ولكن لماذا لا يتفقون معًا فيما بينهم فهذا ما لا أفهمه؟!
45 ـ الآريوسيون ينبذون شخص أونوميوس، ولكنهم يتمسكون بكفره ويسيرون فى طرقه الشريرة. هم يقولون إنه بحماس كبير نشر كتابات آريوس. حقًا يا لها وفرة مسرفة فى الضلال! إنهم يمدحون من أعطى الأمر ويرفضون من ينفذه! ولذلك فقد انقسموا إلى شيع متعددة. فالبعض يتبع أونوميوس أو إتيوس، والبعض يتبع بلاديوس أو ديموفيلوس Demophilus وأكسينتيوس Auxentius أو الوارثين لهذا النمط من الكفر[3]، وآخرون أيضًا يتبعون معلمين مختلفين، فهل انقسم المسيح[4]؟ حاشا، ولكن أولئك الذين يفصلون المسيح عن الآب فإنهم يقطعون أنفسهم بأيديهم إلى أجزاء متباعدة .
46 ـ لذلك إذ أرى أن الرجال الذين لا يتوافقون بين أنفسهم وكلهم يتماثلون فى التآمر على كنيسة الله، فسوف أطلق على أولئك الذين أرد عليهم، اللقب المشترك، “الهراطقة”. إن الهرطقة هى مثل نوع من الطحالب المذكورة فى الأساطير، والتى عندما تخرج، فإنها تغطى نفسها بطبقة سميكة من الشمع، كما أنه يحدث فى أكثر الأحيان إنه عندما يقصر طولها بسبب ما ينالها من قَطْع أجزاء منها فإنها تنمو من جديد. هذا النوع من الطحالب لا يمكن ملاشاته إلاّ بلهيب النار[5]، أو مثل نوع من الـ”سكيللا” Scylla الهائلة والمريعة ـ ينقسمون إلى أشكال كثيرة من الكفر ـ فإنها تتخفى كما بقناع لتخفى غدرها، هكذا هم يتظاهرون بأنهم شيعة مسيحية. إن هؤلاء القوم البائسين والتعساء الذين يندفعون ذهابا وإيابًا ـ يشبهون ذاك الوحش الذى يندفع وسط أمواج عنفه الشرير ـ هكذا هم أيضًا يندفعون وسط حطام مذهبهم، يتمرغون بتورطهم الشديد فى تعاليمهم الكفرية متمنطقين بحيوانات متوحشة.
47 ـ إن كهف هذا الوحش الفظ، يا جلالة الإمبراطور محفوظ كما يقول الملاحون فى مرابض مختفية، ولذلك فإن جميع الجيران فى المناطق المجاورة، يتعرفون عليه بواسطة نباح الكلاب، لذا فيجب علينا نحن أيضًا أن نرهف آذاننا جيدًا إلى نباح كفرهم، لأنه مكتوب: ” انظر، سيِّج أذنيك بالشوك” (يشوع بن سيراخ28:28) وأيضًا: ” احذروا الكلاب، احذروا فعلة الشر” (فى2:3)، بل وأيضًا: ” الرجل المبتدع بعد الإنذار مرة ومرتين أعرض عنه، عالمًا أن مثل هذا قد انحرف وهو يخطئ محكومًا عليه من نفسه” (تى10:3ـ11). إذن فمثل بحارة حكماء، دعنا نقلع رافعين شراع إيماننا فى الطريق الذى نعبره بأمان شديد، وأيضًا نتبع شواطئ الكتب المقدسة.
الفصل السابع
ملخص:
إن مماثلة Likeness المسيح للآب تُؤكَّد بالاستناد إلى القديس بولس، والأنبياء، والأناجيل، وخاصة بالاعتماد على خلقة الإنسان على صورة الله.
48 ـ يقول الرسول إن المسيح هو صورة الآب، لأنه يدعوه: ” صورة الله غير المنظور، بِكر كل خليقة “. انتبه من فضلك، فهو يقول بِكر وليس أول الخليقة، حتى نؤمن به أنه مولود حسب طبيعته[6]، وأنه الأول بسبب أزليته. وفى مكان آخر أيضًا، فإن الرسول قد أعلن أن الله جعل الابن: “ وارثًا لكل شئ، الذى به أيضًا عمل العالمين، الذى هو بهاء مجده وصورة جوهره” (عب2:1و3). فالرسول يدعو المسيح صورة الآب، بينما يقول آريوس إنه ليس مثل الآب، فلماذا إذن يُسمَّى صورة إن لم يكن مماثلاً (للآب)؟ إن البشر لن يقبلوا أن تكون الصور التى تُعمل لهم غير مماثلة لهم، وآريوس يقول إن الآب ليس مثل الابن، وأن الآب قد وَلَد شخصًا ليس مماثلاً له، وكأنه غير قادر أن يَلِد المماثل لنفسه.
49 ـ يقول الأنبياء: ” بنورك نرى نورًا” (مز9:36)، وأيضًا ” الحكمة هى شعاع النور الأزلى ومرآة جلال (بهاء) الله التى لا عيب فيها وصورة صلاحه” (حكمة26:7). انظر أيَّة أسماء يعلنونها! ” شعاع ” لأنه فى الابن يُشرق مجد الآب بوضوح، و”المرآة التى لا عيب فيها” لأن الآب يُرى فى الابن[7]، و”صورة صلاحه” لأن الذى يُرى منعكسًا فى آخر ليس جسم ما، بل كل القوة التى للاهوت، تُرى فى الابن. إن كلمة ” صورة ” تُعلِّمنا أنه لا يوجد اختلاف، بل تعنى “التعبير” أو “نسخة طبق الأصل لهيئة الآب”، و”البهاء” يُعبِّر عن أزليته[8]. إن ” الصورة ” فى الحقيقة ليست هى لملامح أو تقاطيع جسدية، كما أنها ليست مصنوعة بالألوان، ولا شُكِّلت فى (قالب) شمع، وإنما هى مستمدة ببساطة من الله، صادرة من الآب، رُسمت من الينبوع الأصلى.
50 ـ وبواسطة هذه الصورة فإن الرب قد أظهر الآب لفيلبس بقوله: “ الذى رآنى فقد رأى الآب فكيف تقول أنت أرِنا الآب؟ ألست تؤمن إنى أنا فى الآب والآب فىَّ؟“[9]. حقًا إن من ينظر إلى الابن، يرى الآب فى صورة شخصية[10]. لاحظ أى نوع من الصورة نتكلم عنه. إنه الحق، البر، قوة الله[11]، وهى ليست صماء، لأنها هى “الكلمة”، وليست عديمة الحس لأنها “الحكمة”، وليست باطلة وغبية، لأنها هى القوة، وليست بلا روح، لأنها هى الحياة، وليست ميتة لأنها هى القيامة[12]. فأنت ترى إذن بينما الكلام هو عن صورة، فإنما المعنى المقصود هو الابن الذى هو صورة الآب، حيث إنه لا يمكن لأى كائن أن يكون هو صورة نفسه.
51 ـ ربما أكون قد وضعتُ ودوَّنتُ كثيرًا من شهادات الابن، ولئلا نظهره ربما كأنه يشهد لنفسه أكثر، لهذا دعنا نتوجه إلى الآب لنتعلم منه، لأنه يقول: ” نعمل الإنسان على صورتنا ومثالنا” (تك26:1). إن الآب يقول للابن: “ على صورتنا ومثالنا“، بينما أنت أيها الهرطوقى تقول إن الابن ليس مثل الآب.
52 ـ يقول القديس يوحنا: ” أيها الأحباء الآن نحن أولاد الله ولم يُظهر بعد ماذا سنكون، ولكن نعلم أنه إذا أُظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو” (1يو2:3). يا للجنون الأعمى! يا للعناد الذى لا يخجل! نحن بشر، ورغم ما نحن عليه فإننا سوف نكون مثل الله، فهل نجرؤ نحن وننكر أن الابن هو مثل الله؟
53 ـ لذلك يقول الآب: ” نعمل الإنسان على صورتنا وشبهنا“. عند بدء العالم نفسه، وكما قرأت، كان الآب والابن موجودين. وأنا أرى خليقة واحدة، وأنا أسمع ذاك الذى يتكلم[13]، وأنا أعترف بذاك الذى يعمل[14]، ولكننى أقرأ عن صورة واحدة، مثال واحد. إن هذا المثال Likeness (الشبه) لا يخص التعدد والاختلاف ولكن يخص الوحدة. فما تدَّعيه إذًا أنت لنفسك، إنما قد أخذته من ابن الله، إذ أنك ترى فى الواقع أنه لا يمكنك أن تكون ” على صورة الله” إلاَّ بفضل ” صورة الله” (يقصد الابن).
الفصل الثامن
ملخص:
هنا يثبت القديس أمبروسيوس مماثلة Likeness الابن للآب. إنه ليس من الصعب إثبات أزلية الابن، مع أنه ـ في الواقع ـ يمكن أن يُبنى هذا بالاستناد على شهادات النبى إشعياء والقديس يوحنا البشير، هذه التى بالرجوع إليها يُمكن أن تُدحَض تعاليم الهراطقة.
54 ـ لذلك فمن الواضح أن الابن ليس غير مماثل للآب، وهكذا فإنه يمكننا أن نعترف بأكثر سهولة أنه أيضًا أزلى، لأن الذي هو مِثل الأزلى لابد أن يكون أزليًا. ولكن إن كنا نقول إن الآب أزلى ثم ننكر أزلية الابن، فنحن بهذا نقول إن الابن ليس مماثلاً للآب، لأن الزمنى يختلف عن الأزلى. والنبى يُعلن أنه أزلى، وكذلك فإن الرسول يُعلن أنه أزلى؛ وكلا العهدين القديم والجديد هما على قدم المساواة مملوءان بالشهادة لأزلية الابن.
55 ـ دعنا الآن نتناولهما بحسب ترتيبهما. ففي العهد القديم دعنا نستشهد بإحدى الشهادات العديدة، فإنه مكتوب: “.. قبلى لم يوجد إله وبعدى لا يكون” (إش10:43). إننى لن أُعلَّق على هذا الشاهد ولكننى أسألك مباشرةً: ” مَن الذي يتكلَّم هذه الكلمات، الآب أم الابن؟”. سواء قلت إنه الآب أو الابن، فسوف تجد نفسك مقتنعًا، وإن كنت مؤمنًا فسوف تتعلّم. مَن إذن هو الذي ينطق بهذه الكلمات: الآب أم الابن؟ إن كان الابن فإنه يقول: “ قبلى لم يوجد إله“، وإن كان الآب، فإنه يقول: ” وبعدى لا يكون“. فالواحد لا يوجد أحد قبله، والآخر لا يوجد أحد بعده. وكما أن الآب يُعرف في الابن، هكذا أيضًا فإن الابن يُعرف في الآب، لأنه في أى وقت تتكلَّم عن الآب، فأنت تتكلم أيضًا ضمنيًا عن ابنه، إذ ترى أنه لا يوجد آخر سواه هو أبوه own father الخاص (الذاتى)؛ وعندما تذكر الابن، فأنت تعترف أيضًا بأبيه، نظرًا لأنه لا يمكن أن يكون هناك آخر غير ابنه الخاص (الذاتى). وهكذا فإنه لا يمكن أن يوجد الابن بدون الآب ولا أن يوجد الآب بدون الابن. لذلك فالآب أزلى والابن أيضًا أزلى.
56 ـ ” في البدء كان الكلمة، والكلمة كان مع with الله، وكان الكلمة الله، هذا نفسه the same كان في البدء مع الله” (يو1:1). لاحظ كلمة “كان مع الله”. انتبه! إن لدينا كلمة “كان” مكرَّرة 4 مرات، أين يجد المجدَّف أنه مكتوب: “لم يكن”. ومرة ثانية، فإن يوحنا في عبارة أخرى في رسالته يتكلم عن: ” الذي كان من البدء” (1يو1:1). إن امتداد الـ “كان” لا نهائى. تصور أى طول للزمن تريده، ومع ذلك فإن الابن يظل كما هو: “كان”.
57 ـ والآن، فإنه في هذه الفقرة القصيرة، قد سدَّ صيَّادنا[15] الطريق على كل هرطقة، لأن الذي “كان في البدء” لا يُفهم أنه كان في الزمن، وهو لا يسبقه أى بدء. لذلك دع آريوس يكف عن الكلام. وإضافة إلى ذلك، فإن هذا الذي كان “مع الله” ليس مختلطًا أو ممتزجًا معه، ولكنه مُميَّز (يقصد التميُّز الأقنومى ـ المترجم)، بسبب الكمال التام الذي له، باعتباره الكلمة الموجود مع الله. لهذا، فدع السابليين أيضًا يصمتون[16]. و” الكلمة كان الله“، فلذلك فإن هذه الكلمة ليس هو كلام منطوق، بل هو لقب مميَّز ذو رفعة سماوية، وهكذا يدحض تعليم “فوتينوس”. بل والأكثر من هذا، فمن حقيقة أنه “في البدء كان مع الله”، تتبرهن الوحدة غير المنقسمة للاهوت الأزلى للآب والابن، ودع أونوميوس[17] يخزى ويخجل. وأخيرًا وإذ نرى أنه مكتوب عنه أن جميع الأشياء خُلِقت به، فإنه يظهر جليًا أنه هو مصدر العهدين القديم والجديد كليهما، حتى لا يجد أصحاب مانى أى سبب أو أساس لهجومهم. وهكذا فإن الصياد الماهر قد اصطادهم جميعًا في شبكة واحدة، ليجعلهم غير قادرين على الخداع، ولو أنه سمك غير نافع بالمرة.
الفصل التاسع
ملخص:
في هذا الفصل يسأل القديس أمبروسيوس الهراطقة ويفند إجاباتهم، التي هى أن الابن موجود حقيقة قبل كل الأزمنة ومع ذلك فهو ليس مساوِِ للآب في الأزلية، ولأجل ذلك فهو يُبيَّن أنهم يُظهرون الألوهة كما لو كانت متغيرة، وعلاوة على ذلك، أن كل أقنوم يجب أن يؤمَن به أنه أزلى.
58 ـ أخبرنى أيها الهرطوقى ـ إذ أن سماحة الإمبراطور الفائقة تُخوَّل إلىَّ هذا التسامح لمخاطبتك لفترة وجيزة، ليس لأننى أريد أن أتباحث معك، أو لأننى أطمع أن أسمع حججك، ولكن لأنى أريد أن أفندها. أريد أن تخبرنى هل كان يوجد مطلقًا زمن لم يكن فيه الله الكلِّى القدرة آبًا، ومع ذلك فقد كان هو الله؟ إنك سوف ترد علىَّ وتقول: “إننى لم أتكلم شيئًا بخصوص الزمن”. حسنًا! ولكن أنت تعترض بطريقة خبيثة، لأنك إن أدخلت الزمن في الجدال، فأنت سوف تدين نفسك، إذ (بحسب رأيك) يجب أن تعترف أنه كان يوجد زمن لم يكن فيه الابن، بينما الابن هو الضابط الكل وهو خالق الزمن، لأنه لا يمكن أن يبدأ (الابن) في الوجود بعد شئ ما صنعه هو، لذلك فإنك ترى أنك تحتاج أن تعترف به سيدًا وخالقًا لصنعته.
59 ـ قد تجيب: ” إننى لم أقل إن الابن لم يوجد قبل الزمن، ولكننى عندما أدعوه “ابنًا”، فإننى أُظهر وأُوضح أن أباه موجود قبلاً منه، كما يُقال: ” إن الآب موجود قبل الابن”. ولكن ماذا يعنى هذا؟ أنت تنكر أن الزمن كان موجود قبل الابن، ومع ذلك فأنت تريد أن تقول إنه يوجد شئ يسبق وجود الابن، أى مخلوق زمنى: أنت تُبيَّن مراحل نشوء متوسطة متداخلة، وتريدنا بذلك أن نفهم أن الولادة من الآب قد حدثت في الزمن. إن قلت إنه ابتدأ أن يكون أبًا، فيظهر لأول وهلة أنه كان إلهًا في الأول وبعد ذلك أصبح أبًا. كيف يكون هذا بخصوص الله بينما هو غير متغيّر[18]، لأنه إن كان أولاً إلهًا ثم بعد ذلك صار أبًا، فلابد بالتأكيد أنه قد حدث له تغير بسبب عملية الولادة المضافة والحادثة متأخرًا.
60 ـ ليت الله يحفظنا من هذا الجنون، فإننا لم نكتب إلاّ لندحض ونفنَّد عدم تقوى الهراطقة. إن الروح التقية المتخشعة تؤكد ميلادًا ليس في الزمن، وهكذا تعلن أن الآب والابن متساويان في الأزلية، كما لا تعترف بأن الله قد خضع لأى تغيير.
61 ـ لذلك دعنا نقدم العبادة للآب والابن معًا ما داما متشاركان في الألوهة. لا تسمح للتجديف أن يشطر هذين اللذين قد ربطتهما الولادة معًا بقوة. دعنا نكرَّم الابن فبهذا نكرَّم الآب أيضًا كما هو مكتوب في الإنجيل[19]. إن أزلية الابن هى بهاء جلال الآب وعظمته. إن لم يكن الابن منذ البدء، فسوف يكون الآب نفسه قد لحقه التغيير؛ ولكن الابن هو منذ الأزل، لذلك فالآب لم يعتره أى تغيير، لأنه دائمًا غير متغير، لذلك فنحن نرى أن الذين ينكرون أزلية الابن سوف يعلِّمون أن الآب متغيّر.
الفصل العاشر
ملخص:
إن أزلية المسيح يُبرهَن عليها من تعليم الرسول. والقديس أمبروسيوس يحضنا على الاعتقاد بأن الميلاد الإلهى لا يجب أن يُفكَّر فيه بأنه على نمط التناسل البشرى، ولا يجب أن يُنظر إليه فى فضول. من ثمَّ وبسبب الصعوبات الناجمة، فإنه يرفض أن يبحث فى هذا الموضوع، ويقول إنه مهما كانت العبارات والاصطلاحات (التى يُعبَّر بها) والتى نستمدها من معرفتنا البشرية الشخصية، فهذه عندما تُستخدم فى الميلاد الإلهى، فإنه يجب علينا أن نفهمها بمعنى روحى.
62 ـ لدينا هنا برهان آخر يبّين بوضوح أزلية الابن. فالرسول يقول إن قوة الله والألوهة هما أزليان، وإن المسيح هو قوة الله، لأنه مكتوب أن المسيح هو: ” قوة الله وحكمة الله” (1كو23:1و24)، فإن كان المسيح هو قوة الله، فمن ثمَّ نظرًا لأن قوة الله هى أزلية فيكون المسيح أيضًا أزليًا.
63 ـ فأنت لا تقدر إذن أيها الهرطوقى أن تبنى عقيدة مزيفة من خلال عُرف التناسل البشرى، ولا أن تجمع مدلولات من خلال حديثنا هذا، إذ أنه لا يمكننا أن نحيط بعظمة الألوهة غير المحدودة من خلال لغتنا المحدودة، لأنه: ” ليس لعظمته استقصاء” (مز3:145). إن كنت تبحث فى أن تُعطى حسابًا عن ميلاد إنسان، فإنه يلزمك أن نحدد زمنًا، أمّا الميلاد الإلهى فهو فوق كل الأشياء، إنه يبلغ أقصى بُعده واتساعه، ويرتفع فوق كل فكر وإحساس، لأنه مكتوب: ” ليس أحد يأتى إلى الآب إلاّ بى” (يو6:14). لذلك فمهما تخيلت فيما يتعلق بالآب، حتى ولو كان أزليته، فلن تستطيع أن تدرك شيئًا عنه إلاّ بمعونة الابن، ولا يمكن لأى فهم أو إدراك أن يرتفع إلى الآب إلاّ بالابن. إن الآب يقول: ” هذا هو ابنى الحبيب” (مت5:17، مر7:9، لو35:9). عليك أن تلاحظ وتنتبه إلى أن لفظة: “هو”، أى هو كائن كما هو إلى الأبد، ومن ثمَّ فإن داود تحرك ليقول: ” يارب إن كلمتك مثبتة فى السموات إلى الأبد” (مز89:119). إن ما يثبت لا يكف عن أن يكون موجودًا وأزليًا.
64 ـ ولكنك قد تسألنى كيف يكون المسيح ابنًا إن لم يكن له أبٌ موجود قبله؟ وأنا بدورى أسألك كيف ومتى تظن أنت أن الابن قد وُلِدَ؟ أما بالنسبة لى فإن معرفة سر ميلاده تفوق ما يمكننى إدراكه[20]، والفكر يعجز واللسان يبكم، ودائمًا، ولست أنا فقط، ولكن الملائكة أيضًا. إنه سر أسمى من قدرة القوات (الملائكة)، وفوق الملائكة وفوق الشاروبيم والساروفيم، وفوق كل الموجودات التى لها حسٌّ وإدراكٌ، لأنه مكتوب: ” سلام المسيح الذى يفوق كل فهم” (فى7:4)، فإن كان سلام المسيح يفوق كل فهم، فكيف لا يكون هذا الميلاد العجيب فوق كل إدراك؟
65 ـ فعليك إذن (مثل الملائكة) أن تُغطِّى وجهك بيدك[21]، إذ لم يُعطَ لك أن تتطلَّع إلى الأسرار العجيبة! إنه من الجائز والمسموح به لنا أن نعرف أن الابن مولود، لا أن نجادل فى طريقة ميلاده. إننى لا يمكننى أن أنكر الأمر الأول، أما الثانى فإننى أخشى أن أبحث فيه، لأنه إن كان بولس يقول إن الكلمات التى سمعها عندما اختُطِف إلى السماء الثالثة لا يُنطق بها[22]، فكيف يمكننا نحن أن نشرح سر هذا الميلاد من الآب، الشيء الذى لا يمكننا أن نسمعه ولا أن نبلغه بعقلنا؟
66 ـ ولكنك إن كنت تجبرنى على قبول قاعدة الولادة البشرية، حتى تدعنى أسمح لك أن تقول إن الآب كان موجودًا قبل الابن، فعليك أن تفكر، هل الأمثلة التى تُستمد من المخلوقات الأرضية، تكون مناسبة لتُبيّن وتُوضح الميلاد الإلهى. فإن كنا نتكلم بحسب ما هو معتاد أن يحدث بين الناس، فإنه لا يمكنك أن تنكر أنه ـ فى الإنسان ـ فإن التغيُّرات التى تحدث فى كيان الأب (الوالد) تحدث قبل تلك التى تحدث فى أبنائه. فالأب هو الأول فى النمو، وفى الدخول فى الشيخوخة، وفى أن يحزن، وفى أن يبكى. إذن فإن كان الابن يأتى بعده فى الزمن، فالأب يكون أقدم فى الخبرة عن الابن. وإن كان الابن يُولد، فإن الوالد يفلت من عار الولادة.
67 ـ لماذا تجد لذة فى هذا العذاب بالأسئلة. أنت تسمع اسم ابن الله، فإمّا أن تلغيه وتبطله، أو أن تقرّ وتعترف بطبيعته الحقيقية. أنت تسمعه يتكلم عن الرحِم، فعليك أن تعترف بحقيقة الميلاد الذى لا شك فيه[23]، وتسمع عن قلبه ـ فعليك أن تعترف أنه يوجد هنا كلمة الله[24]. وعن يده اليمنى ـ فعليك أن تعترف بقوته[25]. وعن وجهه ـ فاعترف بحكمته[26]. فعندما نتكلم عن الله، فلا يجب أن نفهم هذه الكلمات، كما نفهمها حينما نتكلم عن الأجساد. إن ميلاد الابن يفوق الفهم، والآب يلد الابن بدون ألم[27]، ومع ذلك فإن الإله الحق قد وَلَدَ الإله الحق من ذاته وولده قبل كل الدهور. الآب يحب الابن[28]، بينما أنت تفحص بقلق عن شخصه. إن الآب قد سُرَّ به[29]، أمَّا أنت فإنك تشترك مع اليهود إذ تنظر إليه بعين شريرة؛ الآب يعرف الابن[30]، وأنت تشترك مع الوثنيين بسبّك وإهانتك وشتيمتك له[31].
الفصل الحادى عشر
ملخص:
لا يمكن للكتب المقدسة إثبات أن الآب موجود قبل الابن، كما أنه لا يمكن أن تكون المجادلات المتخذة من التناسل البشرى تفيد في هذا الصدد، لأنها تُوصَّل إلى سخافات منافية للعقل ولا نهاية لها. أمَّا مَن يتجاسر ليعلّم بأن المسيح بدأ وجوده في الزمن، فهذا هو قمة التجديف.
68 ـ أنت تسألنى هل من الممكن أن يكون الآب سابقًا في وجوده (على الابن). وأنا أسألك أن تخبرنى متى كان الآب موجودًا دون أن يكون الابن (معه). فأى برهان يمكن أن تقدمه أو ما هى الحجج والأدلة التي تؤيد ذلك من الكتاب المقدس. فإن كنت تعتمد على أدلة (من الكتاب)، فإنك بلا شك قد تعلمت أن قوة الله أزلية. فلابد أنك قرأت الكتاب القائل: “ يا إسرائيل إن سمعت لى، فلن يكون فيك إله غريب ولا تسجد لإله أجنبى” (مز8:81و9). أول هذه الوصايا يدل على أزلية (الابن)، والثانى منها يدل على امتلاكه لنفس الطبيعة، حتى إننا لا نستطيع أن نؤمن أنه جاء إلى الوجود بعد الآب، كما لا يمكننا أن نفترض أنه ابن لإله آخر. لأنه لو لم يكن موجودًا دائمًا مع الآب، فإنه يكون إلهًا ” غريبًا ” (جديدًا)، وإن لم يكن من نفس الألوهة مع الآب، فهو يكون إلهًا ” أجنبيًا “. فالابن لم يوجد بعد الآب، لأنه ليس “إلهًا جديدًا”، ولا هو ” إله أجنبى “، لأنه مولود من الآب، ولأنه هو: ” الكائن على الكل إلهًا مباركًا إلى الأبد” (رو5:9) كما هو مكتوب.
69 ـ ولكن إن كان الآريوسيين يعتقدون فيه أنه إله أجنبى، فلماذا إذن يعبدونه بينما الكتاب يقول: ” لا تسجد لإله غريب؟ “، وإلاّ فإن كانوا لا يسجدون للابن، فليتهم إذًا يعترفون بذلك وبهذا ينتهى الموضوع، فلا يخدعون أحدًا باعترافات ديانتهم. هذه هى إذن شهادات الكتب المقدسة. أمَّا إن كان عندك شهادات أخرى، فهذا هو عملك الذي عليك أن تقوم به.
70 ـ دعنا الآن نتقدم أكثر لنستخلص الحقيقة من خلال البراهين والحجج. فمع أن البراهين تكون كافية عادةً للمنطق البشرى، إلاّ أن الهرطوقى لا يزال يجادل كما تفعل أنت، فأنت تقول: ” إن الاختبار يُعلّمنا أن الكائن الذي يلد هو سابق على ” الكائن المولود “، وأنا أجيب: دعنا نتتبع اختبارنا المعتاد في كل جوانبه، فإن كانت باقى الجوانب تتفق مع ما تقوله هنا، فإننى لن أعارض ادعاءك وسوف أُسلّم بما تقول، ولكن إن لم يوجد مثل هذا الاتفاق، فكيف تطالب بالموافقة على هذه النقطة الواحدة، بينما يعوزك السند في باقى الجوانب؟ فأنت باستنادك على ما هو معتاد تقول إن الابن عندما وُلِدَ من الآب كان طفلاً صغيرًا. أنت تراه طفلاً يصرخ في المهد، وبمرور السنين أخذ ينمو من قوة إلى قوة ـ لأنه لو كان ضعيفًا بخضوعه لضعف الأشياء المولودة، فلابد أيضًا (الابن) أن يكون قد سقط تحت نفس الضعف فقط، ليس من جهة الولادة فقط بل من جهة الحياة أيضًا.
71 ـ ولكنك ربما بهذا تجرى نحو هوة من الغباء حتى تجعلك لا تحجم عن أن تؤكد على حدوث هذه الأمور مع ابن الله، وتقيسه كما تفعل الآن، بحسب مقياس الضعف البشرى. إذن فبينما أنت لا يمكنك أن ترفض أن تعطيه اسم إله، إلاّ أنك تنزع إلى إثبات أنه إنسان بسبب الضعف؟ وماذا إن كنت وأنت تفحص شخص الابن، فإنك تتشكك في الآب، وبينما أنت تحكم بتسرع على الأول (الابن)، فإنك تضم الآخر (الآب) تحت نفس الحكم!
72 ـ لو كانت الولادة الإلهية خاضعة لحدود الزمن إن افترضنا هذا، باقتباس ما هو معتاد في الولادة البشرية، فإنه يتبع ذلك أن يكون الآب قد حبل بالابن في رحم جسدى، وتمخض تحت نير الحمل إلى أن انقضت عشرة أشهر. ولكن كيف يمكن أن يتم التوالد كما يحدث عادةً بدون اشتراك الجنس الآخر؟ إنك ترى أن النظام المعتاد للتوالد لم يكن هو ما حدث في البداية، وأنت تظن أن طرق التوالد العادى الذي تحكمه ضرورات معينة تخضع لها الأجساد، كانت سائدة دائمًا فيما سبق. أنت تفترض الطريق المعتاد، وأنا أسأل عن اختلاف الجنس: أنت تتمسك بوجود الزمن، وأنا أتمسك بالطريقة (طريقة الولادة)، أنت تبحث في النهاية، وأنا أبحث في البداية.
والآن، بالتأكيد فإن النهاية تعتمد على البداية، وليست البداية هى التي تعتمد على النهاية.
73 ـ أنت تقول: ” إن كل ما يولد له بداية، ولأن الابن هو ابن، فلابد أن تكون له بداية، وقد أتى إلى الوجود أولاً ضمن حدود الزمن. إن هذا هو ما ينطق به فم الهراطقة. أما بالنسبة لى، فإننى أعترف أن الابن مولود، ولكن بقية كلامهم تجعلنى أرتعد. أيها الإنسان، هل تعترف بالله، وبعد ذلك تحط من كرامته بمثل هذا الافتراء؟ ليت الله ينقذنا من هذا الجنون.
|
الفصل الثانى عشر
ملخص:
إن اعتراضات إضافية بخصوص ألوهة الابن تُقابَل بنفس الإجابة، وهى توضح للذهن الذكى أن هذه الاعتراضات تكون ضد الآب أيضًا بالتساوى. فإن كان الآب لا يُحد إطلاقًا، لا بزمن أو بمكان أو بأى شئ آخر مخلوق، فمثل هذه التحديدات ينبغى ألا تُفرض على الابن أيضًا، الذي ميلاده العجيب ليس هو من الآب فقط، بل ومن العذراء أيضًا. ولذلك فحيث إنه في ميلاده من الآب لم يكن هناك تمييز في الجنس (ذكر وأنثى) وما شابه ذلك، فإن هذا التمييز ليس له وجود في حالة ولادته من العذراء.
74 ـ إن الاعتراض التالى هو هذا: ” إن لم يكن للابن تلك الصفات التي لجميع الأبناء، فلن يكون ابنًا”. ليت الآب والابن والروح القدس يسامحونى، لأننى أعرض الاعتراض بكل خشوع وورع. بالتأكيد، فإن الآب كائن وهو دائم إلى الأبد: والأشياء المخلوقة موجودة كما رسم لها الله أن توجد. هل يوجد أىّ من هذه المخلوقات غير خاضع لحدود الزمن أو المكان أو لحقيقة أنه مخلوق، أو لعلة ما أو أصل خالق؟ بالتأكيد، لا يوجد. فماذا إذن؟ هل الله يحتاج إلى أى واحد من هذه المخلوقات؟ إن قلت هذا، فهذا هو التجديف بعينه. كفّ إذًا عن أن تنسب للألوهة ما هو خاص ومناسب فقط للموجودات المخلوقة. أما إن كنت تُصّمم على إتمام المقارنة (في الموضوع)، فتفكر مليًا إلى أين يقودك شرّك هذا. لا سمح الله لنا، حتى أن ترى نهاية هذه الأمور.
75 ـ نحن نؤكد على الجواب الذي تعطيه التقوى. الله كُلَّى القدرة، ولذلك فإن الله الآب لا يحتاج لأى من تلك الأشياء، إذ لا يوجد في الله أى تغيير أو احتياج إلى مثل هذه المعونة التي نحتاجها نحن. فإن ضعفنا يتم مساندته بأشياء من هذا القبيل. أمَّا الذي هو كلّى القدرة، فمن الواضح أنه غير مخلوق، وغير منحصر في مكان بعينه، وهو يتجاوز الزمن. قبل الله لم يكن شئ. حاشا، فحتى أن تتكلم عن وجود شئ قبل الله فهذا خطية فظيعة مُهلكة. إذن، فإن كنت تُسلَّم أنه لا يوجد شئ في طبيعة الله الآب يلمح إلى أنه يحتاج إلى مساندة، بسبب كونه الله، فيتبع ذلك أنه لا شئ من هذا النوع يمكن أن يُفترض أنه يوجد في ابن الله، لا شئ يدل على بداءة أو ازدياد، من حيث إنه ” إله حق من إله حق“[32].
76 ـ وإذ نرى إذن، أننا لا نجد النظام المعتاد، سائدًا هنا، فإننا نقتنع أيها الآريوسى، بأن نؤمن بميلاد عجائبى للابن. أقول لك: كن مقتنعًا، وإن كنت لا تُصَّدقنى، فاحترم على الأقل صوت الله الذي يقول: ” بمن تشبهوننى لنتشابه؟” (إش5:46س)، وأيضًا: ” الله ليس إنسانًا فيكذب” (عد19:23). فإن كان الله حقًا يعمل بطريقة سرَّية، إذ نراه لا يعمل أى عمل، أو يصنع أى شئ، أو يُحضِره إلى كماله، بواسطة عمل اليدين أو من خلال سير الزمن، لأنه: ” أَمَرَ فَخُلِقت” (مز5:148)، فلماذا لا نصدّق أن هذا الذي نعترف به كخالق يعمل بطريقة سرية ـ مميزين طريقته هذه في مخلوقاته ـ لماذا لا نصدق أنه قد ولد ابنه أيضًا بطريقة سرية؟ إنه من المناسب، بالتأكيد أن يُعتبر أنه قد ولد ابنه بطريقة خاصة وسرَّية. فهذا الذي له الجلال المنقطع النظير، يليق به أيضًا المجد الخاص بالولادة السرَّية.
77 ـ وليس فقط ميلاد المسيح من الآب، بل أيضًا ميلاده من العذراء يدعو إلى تعجبنا. إنك تقول إن الميلاد الأول يكون بحسب الطريقة التي نولد بها نحن البشر. ولكننى سوف أُريك بل وسوف أضطرك أنت نفسك أن تعترف، بأن الميلاد من العذراء أيضًا لا يشبه طريقة ميلادنا نحن. أخبرنى كيف وُلد من مريم، وأى قانون يتفق مع الحمل به في رحم عذراء، كيف تكون هناك أية ولادة بدون زرع رجل، كيف يمكن لعذراء أن تحمل بطفل، وكيف صارت أمًا قبل أن تختبر مثل هذا الاتصال الذي يتم بين الزوجات وأزواجهن. إنه لا يوجد سبب منظور ـ ومع ذلك فإن ولدًا قد وُلد. كيف تم إذن هذا الميلاد تحت قانون جديد؟.
78 ـ فإن لم يكن هذا النظام البشرى المعروف قائمًا في حالة العذراء مريم، فكيف تطلب أنت أن تكون ولادة الله الآب لابنه بمثل الطريقة التي وُلِدتَ أنت بها؟ وبالتأكيد فإن النظام المعروف يتحقق بواسطة اختلاف الجنس، إذ أن هذا قد غُرس في طبيعة جسدنا، ولكن حيث لا يوجد جسد، فكيف يمكن أن تتوقع أن تجد ضعف الجسد. لا يستطيع أحد أن يحاكم مَن هو أفضل منه. فإن تؤمن فهذا ما أُمرتَ به دون أن يُؤذَن لك بأن تسأل أو تحاكِم، لأنه مكتوب: ” آمن إبراهيم بالله فحُسب له برًا” (تك6:15). إن اللغة تقصر عن أن توضح ليس فقط ميلاد الابن بل حتى أعمال الله أيضًا، كما هو مكتوب: ” كل أعماله تنجز بالأمانة” (مز4:33س). فأعماله إذن تُصنع بأمانة، ولكن ليس ميلاده. نحن دُعينا وأُمرنا أن نؤمن، وبدلاً من أن نسأل عن ما نراه بعيوننا، نجد أنفسنا أننا نفحص ونفتش ونرتاب في ما لا نراه؟
الفصل الثالث عشر
ملخص:
لا يزال الحديث عن الولادة الإلهية مستمرًا فى هذا الفصل. والقديس أمبروسيوس يوضح طريقة هذا الميلاد بنفس المثال الذى استخدمه كاتب الرسالة إلى العبرانيين. ويُبيِّن وجوب الإيمان بما أُعلن باستخدام مثال نبوخذنصر والقديس بطرس. ومن خلال الرؤيا التى وُهِبت للقديس بطرس تُظهر أزلية الابن وألوهيته، وينبغى أن نصدق بطرس الرسول أكثر من معلمى الفلسفة، الذين تهاوت سلطتهم فى كل مكان ولم يعد أحد يصدقهم. ومن الجهة الأخرى، يوضح أن الآريوسيين هم كالوثنيين.
79 ـ سوف يُطرح السؤال: ” بأى طريقة وُلِدَ الابن؟ (فنجيب) لقد وُلِدَ كائنًا له دوام أبدى، وُلِدَ كلمة، وُلِدَ كبهاء النور الأزلى[33]. فالبهاء يكون فاعلاً فى لحظة مجيئه إلى الوجود. هذا المثل ليس من عندى ولكنه من عند الرسول (بولس). فلا تفكر إذن أنه كانت هناك لحظة من الزمان على الإطلاق كان الله فيها بدون حكمة، مثلما لم يكن هناك زمن على الإطلاق كان النور فيه بلا إشعاع. لا تحكم أيها الآريوسى على الأمور الإلهية بمقاييس بشرية، ولكن آمن بالأمور الإلهية عندما لا تجد (ما يماثلها فى) الأمور البشرية.
80 ـ لقد أبصر الملك الوثنى فى النار التى أُلقى فيها الثلاثة فتية اليهود ـ رابعًا معهم شبيهًا بملاك[34]، ولأنه ظن أن هذا الملاك يفوق جميع الملائكة، فإنه حكم بأنه ابن الله، وهو الذى لم يكن قد سمع عنه، ولكنه آمن به، وإبراهيم أيضًا أبصر ثلاثة وسجد لواحد[35].
81 ـ بطرس لما رأى موسى وإيليا على الجبل مع ابن الله، لم ينخدع بسبب طبيعتهما ومجدهما. وهو لم يسأل أحدًا منهما، إنما سأل المسيح عما يجب أن يعمله، فمع كونه قدَّم الاحترام والوقار للثلاثة، ولكنه انتظر الأمر من واحد. ولكن بسبب أنه بجهالة فكر بأن يصنع ثلاث مظال، إلاَّ أن الصوت الإلهى المهيمن الذى لله الآب قد صحح وتدارك هذا بقوله: ” هذا هو ابنى الحبيب، له اسمعوا” (مت5:17)، أى: ” لماذا تضع إخوتك العبيد على قدم المساواة مع سيدك؟”، إن ” هذا (وحده) هو ابنى”، ” موسى ليس ابنى”، ” وإيليا ليس ابنى” بل ” هذا هو ابنى“. ولم يكن الرسول غبيًا بل فهم التوبيخ، لذلك فإنه سقط على وجهه وانحنى متضعًا لصوت الآب وللجمال المُمجد الذى للابن، ولكن الابن أقامه، الذى يُسرّ بأن يقيم الساقطين[36]. وبعد هذا فإنه رأى واحدًا فقط[37]، ابن الله فقط، لأن العبيد انسحبوا، ليظهر أنه هو الرب وحده، وهو وحده الذى سُمِّى ” الابن”.
82 ـ ماذا إذن كان الغرض من هذه الرؤيا والتى بيّنت أن المسيح وعبيده هم غير متساوين، بل وتدل على سر، إذ ينبغى أن يصير جليًا لنا أن الناموس والأنبياء متفقون مع الإنجيل، ويعلنون أن المسيح هو ابن الله الأزلى، الذى سبق أن بُشروا به. لذلك فعندما نسمع أن الابن يخرج من الرحم، كما أن الكلمة يخرج من القلب، فليتنا نؤمن أن الابن المبارك ليس مخلوقًا بل هو مولود من الآب، ليس هو عمل صانع ماهر، ولكنه مولود الآب.
83 ـ فذاك الذى قال: ” هذا هو ابنى” لم يقل: ” هذا مخلوق فى الزمن” ولم يقل: ” هذا الكائن هو خليقتى، ولا هو من من صنعى، ولا هو خادمى”، ولكنه قال: ” هذا هو ابنى الذى ترونه مُمجدًا”. هذا هو إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب الذى ظهر لموسى فى العليقة[38]، والذى قال عنه موسى: “ الذى هو الكائن قد أرسلنى“. لم يكن الآب هو الذى تكلم مع موسى فى العليقة أو البرية، بل الابن. وعن موسى هذا تكلم اسطفانوس قائلاً: ” هذا هو الذى كان فى الكنيسة فى البرية مع الملاك“[39]. إذن، فهذا هو الذى أعطى الناموس، والذى تكلم مع موسى قائلاً: ” أنا إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب“. هذا هو، إذن، إله الآباء البطاركة، هذا هو إله الأنبياء.
84 ـ لذلك، فعن الابن نحن نقرأ، فليفهم عقلك القراءة، ودع لسانك يعترف ابتعد عن المجادلات حيث يكون الإيمان مطلوبًا. دع المنطق الجدلى يهدأ حتى فى وسط مدارسه الخاصة. أنا لا أسأل ما الذى يقوله الفلاسفة، ولكننى أريد أن أعرف ماذا يعملون. إنهم يقفون مهجورين فى مدارسهم. انظر إلى نصرة الإيمان على المجادلات. إن هؤلاء الذين يجادلون بدقة، إنما يهجرهم زملاؤهم كل يوم، وأولئك الذين يؤمنون ببساطة يزدادون كل يوم. إن الذين يُصدقهم الناس الآن ليسوا هم الفلاسفة بل صيادى السمك، ليس المتمرسون فى المنطق ولكن جباة الضرائب. إن أولئك بالملذات والترف قد وضعوا ثقل العالم على أنفسهم، والآخرون بالصوم وإماتة الشهوات قد طرحوا هذا الحمل عنهم، وهكذا يبدو أن الحزن قد أخذ يربح أتباعًا أكثر من أتباع اللذة.
85 ـ دعنا الآن نرى إلى أى مدى يختلف الآريوسيون عن الوثنيين. إن الوثنيين يتخذون لأنفسهم آلهة مختلفة فى الجنس وغير متساوية فى القوة، بينما يؤكد الآريوسيون ويقرون (إيمانهم) بثالوث ولكن بدون تساوى فى القوة، وتنُّوع فى الألوهية. يؤكد الوثنيون أن آلهتهم قد بدأت وجودها فى زمن ما، والآريوسيون يجاهرون كاذبين أن المسيح بدأ فى الوجود فى زمن ما. ألم يصبغ الجميع عقوقهم وعدم تقواهم فى أوعية الفلسفة؟ ولكن فى الحقيقة، فإن الوثنيين يمجدون ويُرفِّعون ما يعبدونه[40]، بينما يقول الآريوسيون إن ابن الله، الذى هو إله، إنما هو مخلوق.
الفصل الرابع عشر
ملخص:
ابن الله ليس كائنًا مخلوقًا، هذا ما يمكن أن يُبَرهنُ عليه بالحجج التالية:
1 ـ أنه أمر تلاميذه أن يكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها وليس لنفسه.
2 ـ أن الكائن المخلوق مُستعبد للبُطل.
3 ـ أن الابن قد خلق كل الأشياء.
4 ـ أننا نقرأ عنه أنه مولود.
5 ـ أن الفرق بين الميلاد والتبنى، كان دائمًا مفهومًا فى تلك الشواهد، التى يتضح منها أن كلا الطبيعتين ـ الإلهية والبشرية ـ متواجدتان معًا فيه.
كل الشواهد الخاصة بهذه الأمور تُثبت بواسطة تفسيرات الرسول.
86 ـ أعتقد أنه قد صار واضحًا الآن، لجلالتك المقدسة، أن الرب يسوع ليس مختلفًا عن الآب، كما أنه لم يبدأ وجوده أثناء الزمن. ومع ذلك، فلا يزال علينا أن ندحض تجديفًا آخر، وأن نوضح أن ابن الله ليس كائنًا مخلوقًا. نجد هنا الكلمة الحية التى نقرأها كمعين لنا، لأننا قد سمعنا العبارة التى يقول فيها الرب: ” اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها” (مر15:16). إن الذى يقول ” للخليقة كلها” لا يستثنى شيئًا، فكيف يتأتى لهم أن يدّعوا على المسيح أنه “مخلوق”؟، لأنه لو كان مخلوقًا، فهل كان يمكنه أن يأمر أن يُكرز بالإنجيل له هو نفسه؟، لذلك، فالذى يسلّم لتلاميذه عمل الكرازة للمخلوقات، ليس مخلوقًا بل خالقًا.
87 ـ فالمسيح، إذن، ليس كائنًا مخلوقًا، لأن الأشياء المخلوقة كما يقول الرسول: ” قد أُخضِعت للبُطل” (رو20:8)، فهل المسيح أُخضِع للبُطل؟ وأيضًا، “ فإن الخليقة تئن وتتمخض معًا إلى الآن” (رو22:8) كما يقول نفس الرسول، ماذا إذن؟ هل المسيح له نصيب فى هذا الأنين والمخاض، وهو الذى حرّرنا نحن الباكين البؤساء من الموت؟ يقول الرسول: ” الخليقة سوف تُعتق من عبودية الفساد” (رو21:8). نحن نرى إذن أنه بين الخليقة وخالقها يوجد اختلاف شاسع، لأن الخليقة مستعبدة، ” أما الرب فهو الروح، وحيث روح الرب فهناك حرية” (2كو17:3).
88 ـ مَن هو ذاك الذى قاد أولاً إلى هذا الضلال بإعلانه أن الذى خلق الأشياء وصنعها، يكون مخلوقًا؟ إننى أتساءل: هل الرب يخلق نفسه؟ إننا نقرأ: ” كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان” (انظر يو3:1). وإن كان هو هكذا، فهل هو خلق نفسه؟ نحن نقرأ : ” الله بالحكمة صنع كل شئ” (مز24:104)، ومن يستطيع أن ينكر المكتوب؟ فإن كان الأمر هكذا فكيف يمكننا أن نفترض أن الحكمة قد خُلِقت بنفسها؟
89 ـ إننا نقرأ أن الابن مولود، بحسب ما يقول الآب: ” مِن الرحم قبل كوكب الصبح ولدتك” (مز3:109س). ونقرأ عن ” الابن البكر”[41] وعن “الابن الوحيد”[42] فهو البكر لأنه لا يوجد أحد قبله، وهو “الابن الوحيد”، لأنه لا يوجد بعده أحد. ونقرأ أيضًا: “ وميلاده generation من يُخبِر به” (إش8:53س). لاحظ أنه مكتوب: “ميلاده” وليس “خلقته”. وأى مجادلات يمكن أن تقف أمام شهادات عظيمة وقوية جدًا مثل هذه.
90 ـ وعلاوة على ذلك، فإن ابن الله يكشف الفرق بين الميلاد والنعمة عندما يقول: ” إنى أصعد إلى أبى وأبيكم وإلهى وإلهكم” (يو17:20)[43]. فهو لم يقل: “إنى أصعد إلى أبينا”، وإنما قال: ” إنى أصعد إلى أبى وأبيكم“. هذا التمييز إنما هو برهان على الفرق، فالذى هو أب المسيح هو خالقنا نحن.
91 ـ وعلاوة على ذلك، فإنه يقول: ” وإلهى وإلهكم“، لأنه رغم أنه هو والآب واحد، والآب هو أبوه إذ له نفس طبيعة أبيه ـ بينما قد بدأ الله أن يصير أبًا لنا بواسطة عمل الابن، ليس بفضل الطبيعة بل بالنعمة، إلاّ أنه ينبهنا هنا إلى وجود طبيعتين معًا فى المسيح، اللاهوت والناسوت، اللاهوت من أبيه، والناسوت من أمه. الأولى كائنة قبل الأشياء، والثانية مأخوذة من العذراء. بسبب الأولى ـ إذ هو يتكلم على أنه الابن، فهو يدعو الله أباه، وبعد ذلك، إذ يتكلم كإنسان، فإنه يدعوه إلهًا له.
92 ـ ففى الحقيقة نجد فى مواضع كثيرة، شهادات فى الكتب المقدسة تبين أن المسيح، عندما يدعو الله إلهه، فإنه يفعل هذا كإنسان، مثل: ” إلهى إلهى لماذا تركتنى” (مز1:22)[44]، وأيضًا: ” من بطن أمى أنت إلهى” (مز10:22). ففى الشاهد الأول، فإنه يتألم كإنسان، وفى الثانى، فإن إنسانًا هو الذى خرج من رحِم أمه. وهكذا، فإنه عندما يقول: ” من بطن أمى أنت إلهى“، فهو يعنى أن هذا الذى كان أبوه على الدوام، هو أيضًا إلهه من لحظة خروجه من بطن أمه.
93 ـ وهكذا نرى أننا عندما نقرأ فى الأناجيل وفى الرسائل وفى الأنبياء، فإننا نجد انه مكتوب عن المسيح أنه “مولود”، فكيف يجرؤ الآريوسيون أن يقولوا إنه مخلوق أو مصنوع؟ كان يجب عليهم فى الحقيقة أن يفكروا ويتأملوا مليًا فى هذه الشهادات، وأين يقرأوا فيها عنه أنه مخلوق أو مصنوع؟ وإذ قد بيّنا بوضوح أن ابن الله، مولود من الله، دعهم إذن يفكرون ويفحصون فيما هو مكتوب، أين قرأوا أنه مصنوع، وسوف يرون أنه لم يصر إلهًا ولكنه وُلِدَ إلهًا، وهو ابن الله، وبعد ذلك، صار إنسانًا من مريم، حسب الجسد.
94 ـ ” ولما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس” (غل4:4). لاحظ جيدًا القول، فإنه يقول ابنه، فهو ليس واحدًا من كثيرين، ولا هو شريك مع آخر، ولكنه ابنه الخاص. وكذلك، فإنه فى القول “ابنه”، فإن الرسول هنا يوضِّح أنه من جهة طبيعة الابن فإن ميلاده كان أزليًا، ويؤكد عنه الرسول أنه بعد ذلك صار من امرأة، حتى لا يُفهم أن الصيرورة خاصة بالألوهة، ولكن بسبب لبسه جسدًا “مصنوعًا من امرأة” بأخذه جسدًا “مصنوعًا تحت الناموس” أى بواسطة حفظ الناموس. وهكذا فإنه بينما الأولى، أى الولادة الروحية هى قبل وجود الناموس، فإن الأخرى هى بعده.
الفصل الخامس عشر
ملخص:
فى هذا الفصل شرح للآية (أع36:2) و(أمثال22:8). وأن هذه الآيات تتحدث عن إنسانية (ناسوت) المسيح فقط.
95 ـ إن اقتباس الهراطقة المعتاد من الكتاب المقدس للآية: ” الله جعله ربًا ومسيحًا” لن يؤدى إلى غرض أو غاية. ليت هؤلاء الجهلاء يقرأون العبارة كلها ويفهمونها، لأنه هكذا هو مكتوب: ” الله جعل يسوع هذا الذى صلبتموه أنتم ربًا ومسيحًا“[45]. إنه ليس اللاهوت ولكن الجسد هو الذى صُلِب، وهذا فى الواقع ممكن لأن الجسد الذى أخذه هو قابل للصلب، ولهذا فإنه لا ينتج عن ذلك أن يكون ابن الله كائنًا مخلوقًا.
96 ـ دعنا نوضح بعد ذلك بسرعة تلك الآية الأخرى التى يسيئون تفسيرها ـ لكى يتعلموا ما هو معنى الكلمات: ” الله خلقنى“. إنه لم يُكتب: ” الآب خلقنى“[46]. الذى يتحدث هنا هو الجسد الذى يعترف بربه، والتسبيح يُعلِن عن الآب: إن طبيعتنا المخلوقة تعترف بالأول، وتحب الآخر وتعرفه. من إذن لا يمكنه أن يلاحظ أن هذه الكلمات تُعِلن التجسد؟ فالابن يتكلم عن نفسه كمخلوق، أى الجسد الذى يشهد به لنفسه، إنه إنسان، حينما يقول: ” لماذا تطلبون أن تقتلونى وأنا إنسان قد كلمكم بالحق؟” (يو40:8). إنه يتكلم عن بشريته، والتى صُلِب بها ومات ودُفن.
97 ـ وعلاوة على ذلك، فإنه لا يوجد شك أن الكاتب يتكلم عما هو آتٍ (مستقبلاً) وكأنه تمَّ فى الماضى، وهذا هو العُرف فى النبوة أن الأشياء الآتية يُذكَر كما لو كانت فى الحاضر أو قد تمت فى الماضي. ونعطى مثلاً على ذلك، ففى المزمور 22 قد قرأت : ” أقوياء باشان اكتنفتنى“[47] وأيضًا: ” اقتسموا ثيابي بينهم“[48]. هذا يوضحه الإنجيلي أنه إنما كُتب نبويًا عن زمن الآلام، لأنه بالنسبة لله، فإن الأشياء الآتية فى المستقبل تكون حاضرة أمامه، ولذا فإن الذى يعرف كل الأشياء قبل حدوثها تظهر له كما لو أنها تمت وانقضت، كما هو مكتوب: ” الذى صنع الأشياء التى ستكون“[49].
98 ـ فليس من العجب إذن أن يُعلن عن مكانه أنه قد تعيّن ونُصِبَ قبل كل العوالم، إذ نرى أن الكتب المقدسة تخبرنا أنه قد تعين من قبل، أى قبل الأزمنة والدهور. إن العبارة التالية تكشف كيف أن الكلمات التى هى مضمون التساؤل تعلن عن نفسها كنبوة حقيقية عن التجسد: ” الحكمة بنت لها بيتًا، أقامت سبعة أعمدة لتُدعِّمها، وذبحت ذبحها، ومزجت خمرها فى الطاس، وأيضًا رتبت مائدتها، وأرسلت خدامها وهم ينادون بصوتٍ عالٍ، يدعون الرجال معًا وهى تقول: من هو بسيط فليمل إلىَّ” (أم1:9ـ4س). أما نرى فى الإنجيل أن جميع هذه الأشياء قد تحققت بعد التجسد، إذ أن المسيح كشف أسرار العشاء المقدس، وأرسل تلاميذه وصرخ بصوتٍ عالٍ، قائلاً: ” إن عطش أحد فليُقبل إلىّ ويشرب” (يو37:7). إذن، فما يأتى بعد ذلك إنما يجيب عما جاء قبله. ونحن نرى بأنفسنا قصة التجسد كلها مبينة وموضحة باختصار بواسطة النبوة.
99 ـ وتوجد مقاطع كثيرة يمكن أن نرى فيها أنها نبوات من هذا النوع بخصوص التجسد، ولكن لن أتعوّق (فى البحث) فى الكتب، لئلا يبدو البحث طويلاً جدًا.
الفصل السادس عشر
ملخص:
يُجدف الآريوسيون على المسيح إذ يفهمون كلمتَي “مخلوق” و”مولود” بنفس المعنى. ولكن لو كانوا يعتبرون الكلمات مختلفة عن بعضها فى المعنى، فعندئذ يجب ألاّ يتكلموا عن المسيح المولود كما لو كان كائنًا مخلوقًا. إن هذه القاعدة تستند على شهادة القديس بولس الذي بينما يُصرح عن نفسه أنه عبد للمسيح، فهو ينهي عن عبادة أى مخلوق. إن الله إذ هو جوهر خالص وغير مُركَّب، فلا توجد فيه طبيعة مخلوقة؛ وبالإضافة إلى ذلك، يجب ألاَّ يُحط بالابن إلى مستوى المخلوقات، فنحن نرى أن الآب قد سُرَّ به.
100 ـ والآن أود أن أسأل الآريوسيين بالذات إن كانوا يعتقدون أن مولود ومخلوق لهما نفس المعنى. إذا كانوا يعتبرونهما بنفس المعنى الواحد، فلا يكون هناك إذن فرق بين الولادة والخلقة. وعليه لأننا نحن أيضًا مخلوقون، فلا يكون بيننا وبين المسيح أى فرق. ومهما كان جنون الآريوسيين عظيمًا، إلاّ أنهم لن يتجاسروا أن يقولوا هذا.
101 ـ وبالإضافة إلى ذلك، إذا ما وافقنا على ما هو ليس حقيقيًا وأخذنا بغبائهم، أود أن أسألهم إن كان لا يوجد فرق فى الألفاظ كما يظنون، فلماذا لا ينادون الذي يعبدونه باللقب الأفضل؟ لماذا لا ينتفعون من ” كلمة الآب”؟ ولماذا يرفضون لقب الكرامة ويستعملون اسمًا مهينًا؟
102 ـ وإن كان يوجد مع ذلك تمييز ـ كما أظن ـ بين كلمة “مخلوق” وكلمة “مولود”، فإننا عندما نقرأ عنه أنه “مولود” ، فبالتأكيد سوف لا نفهم نفس الشيء من كلمتَي: “مولود” و”مخلوق”. دعهم إذن يعترفون به بأنه مولود begotten من الآب ومولود born من العذراء، أو فليقولوا لنا كيف أن ابن الله يمكن أن يكون مولودًا ومخلوقًا معًا؟ إن الطبيعة الواحدة التى هي فوق الكل، أى الكائن الإلهي، لا تقبل أى صراع أو تناقض (فى داخلها).
103 ـ على أى حال، فلندع جانبًا رأينا الخاص، ولنسأل بولس هذا الإنسان المملوء بروح الله، والذى إذ قد سبق فرأي هذه التساؤلات فإنه حكم ضد الوثنيين عامة وعلى الآريوسيين خاصة قائلاً إن الذين يعبدون المخلوق دون الخالق هم مُدانون بحسب قضاء الله. ويمكنك فى الواقع أن تقرأ: ” لذلك أسلمهم الله أيضا فى شهوات قلوبهم إلى النجاسة لإهانة أجسادهم الواحد مع الآخر، هؤلاء الذين استبدلوا حق الله بالكذب، وعبدوا وخدموا المخلوق دون الخالق، الذي هو الله المبارك إلى الأبد” (انظر رو25،24:1).
104 ـ إن بولس يمنعني أن أعبد مخلوقًا، ويحثني على عمل واجبي، بأن أعبد المسيح. يتبع ذلك أن المسيح ليس كائنًا مخلوقًا. إن الرسول يدعو نفسه: ” بولس عبد ليسوع المسيح” (رو1:1)، وهذا العبد الصالح الذي يعترف بإلهه، يريدنا بالمثل ألاّ نعبد ما هو مخلوق. كيف إذن يتأتَّى أن يكون الرسول نفسه عبدًا للمسيح لو كان بولس يعتقد أن المسيح شخص مخلوق؟ دع هؤلاء الهراطقة يكفُّون عن أن يعبدوه، هذا الذى يدعونه “كائنًا مخلوقًا” أو يسمونه مخلوقًا هذا الذي يتظاهرون أنهم يعبدونه، لئلا تحت شكل أنهم عابدون فإنهم يسقطون في عبادة رديئة، لأن ما يظهر للعيان أنه قريب هو أردأ من العدو الغريب. وكون هؤلاء القوم يستخدمون اسم المسيح لإهانة المسيح، فإن هذا يزيد إثمهم.
105 ـ أيُّ شارح للكتب المقدسة سنجده أفضل من رسول الأمم، ذاك الإناء المختار، والمختار من ضمن كثير من المضطهدين؟ إن ذاك الذي كان يضطهد المسيح صار يعترف به، إنه على أي حال قرأ سليمان أكثر مما فعل آريوس، وكان متعلمًا حسنًا في الناموس، ولذلك فهو لم يقل إن المسيح كان مخلوقًا، بل إنه كان مولودًا. إنه قرأ: ” لأنه قال فكان ، وأمر فخُلِقت“[50]. وأنا أسأل: ” هل المسيح صُنِع بكلمة؟ خُلِق بأمر؟”.
106 ـ وبالإضافة إلى ذلك، كيف يمكن أن توجد طبيعة مخلوقة داخل الله؟ وفى الحقيقة فإن طبيعة الله ليست مُركَّبة، ولا يمكن أن يُضاف إليه شئ، وهو لا يحوي فى طبيعته سوى ما هو إلهي فقط، يملأ كل الأشياء[51]، دون أن يختلط بأي شئ. هو يتخلل كل الأشياء، ولكن لا يتخلله شئ أبدًا. موجود بكل ملئه فى نفس اللحظة، فى السماء وعلى الأرض وفى عمق أعماق البحر[52]. هو غير مرئي للعيون ولا يُعبَّر عنه بالنطق، ولا يُقاس بالإحساس، ولكن يُقتفى أثره بالإيمان، ويُعبد بالورع، حتى إنه مهما كان هناك من ألقاب تفوق فى عمقها كل ما عُرف فى الإدراك الروحي، من حيث المجد والكرامة وعظمة القوة، فهذا عليك أن تعرف أنه يخص الله بحق.
107 ـ حيث إن الآب قد سُرَّ بالابن، فآمن أن الابن جدير بالآب، وأنه خرج من الآب كما يشهد هو لنفسه قائلاً: ” لأنى خرجت من قِبل الله وأتيت” (يو42:8)، وأيضًا ” من عند الله خرجت” (يو27:16). فالذي خرج من الله، أيمكن أن تكون له صفات سوى صفات الله ؟!
الفصل السابع عشر
108 ـ فمن ثمَّ فإن المسيح لا يكون إلهًا فقط، ولكن هو الله نفسه حقيقة، هو إله حق من إله حق، إذ أنه هو الحق[53]. وإن سألنا عن اسمه، فإن “الحق” هو اسمه. وإن بحثنا لنعرف مرتبته الطبيعية ومنزلته، فهو بالحق تمامًا ابن الله الحقيقي، لأنه في الحقيقة ابن الله الخاص كما هو مكتوب: ” الذي لم يُشفق على ابنه (الخاص) بل بذلك لأجلنا أجمعين” (رو32:8). وعندما يقول “بذله” فإنه يتحدث عن الجسد، أما أن يكون ابن الله الخاص، فهذا يُعلن ألوهيته؛ وإذ هو إله حقيقي فهذا يُبيّن أنه ابن الله الذاتي؛ أما مذلته فهي بسبب خضوعه وهو في الجسد، وبسبب ذبيحته، وهي بداية طريق خلاصنا.
109 ـ ومع ذلك، فلئلا يُحرِّف البعض الكتب المقدسة بسبب العبارة: ” الله بذله “، فإن الرسول نفسه يقول في مكان آخر: ” سلام من الله الآب ومن ربنا يسوع المسيح الذي بذل نفسه لأجل خطايانا” (غلا3:1و4)، وأيضًا: ” كما أحبنا المسيح أيضًا وبذل نفسه لأجلنا” (أف2:5). فإن كان الآب قد بذله، وأيضًا هو بذل نفسه من تلقاء نفسه، فمن البيِّن إذن أن إرادة وعمل الآب والابن هما واحد.
110 ـ فإن كنا نسأل عن تفوقه الطبيعي، فإننا نجد أن سبب ذلك هو كونه مولود، أمّا إن كنت تفكر أن ابن الله مولود (من الله) فهذا معناه أنك تفكر أنه ابن الله الذاتي؛ وكذلك أن تُنكر أن المسيح هو ابن الله الذاتي، فهذا معناه أنك تُصنِّفه مع سائر البشر ولا يكون بعد ابنًا مختلفًا عن الآخرين. أمَّا إن كنا نسأل عن خاصية ميلاده المُتميزة فهي هكذا: إنه خرج من الله. لأنه بينما نعرف من خبرتنا أن كلمة يخرج تتضمن أيضًا شيئًا موجودًا من قبل، والشيء الذي يُقال عنه إنه يخرج يظهر لنا أنه ينتقل من أماكن داخلية ومستترة، فنحن مع أننا قدَّمنا الموضوع في عبارات موجزة، إلاّ أنه علينا أن نلاحظ الخاصية المميزة للميلاد الإلهي، كون الابن لا يظهر أنه يخرج من مكان، ولكنه يخرج كإله من إله، أي كابن من أبيه، كما أنه ليست له بداية زمنية، ولكنه خرج من الآب بالميلاد. أمّا عن كونه هو نفسه مولودًا، فإنه يقول: ” إني خرجت من فم العلي” (يشوع بن سيراخ3:24).
111 ـ ولكن إن كان الآريوسيون لا يعترفون بطبيعة الابن، وإن كانوا لا يؤمنون بالكتب المقدسة، دعهم على الأقل يؤمنون بالأعمال المقتدرة. ونحن نسأل لمن يقول الآب: ” نعمل الإنسان” (تك26:1) إلاّ لمن يعرف أنه ابنه الحقيقي؟ وهل يمكن للآب أن يرى صورته إّلا في هذا الواحد الحقيقي؟ إن الابن المتبنَّي ليس مثل الابن الحقيقي، وإلاّ ما كان يمكن للابن أن يقول: ” أنا والآب واحد” [54] إن كان يقيس نفسه بمن هو حقيقي بينما هو نفسه غير حقيقي. لذلك فإن الآب يقول: ” نعمل الإنسان“. إن الذي يتكلم هو صادق، فهل يمكن أن الذي يعمل (معه) لا يكون صادقًا؟ هل يمكن للكرامة التي تُقدم لذاك الذي يتكلم أن تُحجز عن الذي يعمل؟
112 ـ كيف يمكن للآب إن لم يكن يعرف أنه ابنه الحقيقي أن يستودعه إرادته للتعاون الكامل. وأن يستودعه أعماله ليخلق الأشياء بالفعل؟ وإذ نرى أن الابن يعمل الأعمال التي يعملها الآب، وأن الابن يُحيى من يشاء[55] كما هو مكتوب، فمن ثمَّ فهو مساوٍ في القوة وحر في إرادته، وهكذا تتأكد الوحدانية بينهما، نظرًا لأن قوة الله تكمن في أن جوهر الألوهة هو خاص بكل أقنوم، والحرية لا تعني أي اختلاف، ولكنها تكمن في وحدة المشيئة.
113 ـ والرسل عندما تقاذفتهم العواصف وهم في البحر، حالما رأوا المياه تقفز حول أقدام سيدهم وهم ينظرون خطواته الشجاعة غير الخائفة على الماء وهو يسير وسط أمواج البحر الثائرة، وعندما رأوا السفينة التي كانت تضربها الأمواج، وقد هدأت حالما دخلها المسيح، وأيضًا لما رأوا الأمواج والريح يطيعانه، فمع أنهم لم يكونوا قد آمنوا بعد، فقد آمنوا أنه هو ابن الله الحقيقي وقالوا: ” حقًا أنت ابن الله” [56].
114 ـ وبالمثل فإن نفس الأمر نجده عندما اعترف قائد المائة والآخرون الذين كانوا معه لمّا عاينوا اهتزاز أساسات المسكونة وقت آلام الرب، وهذا تنكره أنت أيها الهرطوقي! قال قائد المائة: ” حقًا كان هذا ابن الله” (مت 54:27)، إنه قال: “كان” والآريوسيون يقولون: “لم يكن!”، لذلك فإن قائد المائة وبأيدي مصبوغة بالدم، ولكن بذهن ورع مخلص يفصح عن حقيقة وأزلية ميلاد المسيح كليهما، وأنت أيها الهرطوقي تُنكر حقيقة هذا الميلاد وتجعله زمنيًا! هل لطخت يداك أكثر من نفسك! ولكنك أنت غير الطاهر حتى في يديك، والقاتل عمدًا، تطلب موت المسيح الذي تترصده إذ أراك تفكر فيه كوضيع وضعيف، كلاَّ، فهذه خطية رديئة، لأنه ولو أن جوهر الألوهة غير متألم، إلاّ أنك تعمل باجتهاد لتذبح المسيح، ليس جسده ولكن مجده.
115 ـ لا يمكننا إذن أن نشك بأن الابن هو إله حق حيث إن ألوهته الحقة يؤمن بها حتى القتلة، والأرواح الشريرة كذلك تعترف بها. إننا لا نحتاج الآن إلى شهادتهم، ولكنها مع ذلك هي أعظم من تجاديفك. إننا استدعيناهم للشهادة لنجعلك تستحي، هذا بالإضافة إلى أننا نقتبس مما هو مكتوب في الوحي الإلهي بقصد أن نقودك إلى الإيمان.
116 ـ يُعلن الرب بفم إشعياء: ” وأطلب في فم الذين يخدمونني اسمًا جديدًا، الذي يبارك في كل الأرض، وسوف يباركون الإله الحق، والذين يحلفون بالإله الحق” (إش16:65س). إنني أقول إن إشعياء نطق بهذه الكلمات عندما رأي مجد الرب، وقد قيل بوضوح في الإنجيل إنه رأي مجد المسيح وتكلم عنه[57].
اسمع أيضًا ما كتبه يوحنا البشير في رسالته قائلاً: ” ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق، ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح، هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية” (1يو20:5). يوحنا يسميه ابن الله الحقيقي والإله الحق، فإن كان هو الإله الحق، فبالتأكيد يكون غير مخلوق، بلا وصمة كذب أو خداع، وليس فيه اختلاط ولا عدم تماثل مع أبيه.
الفصل الثامن عشر
ملخص:
إن أخطاء الآريوسيين مذكورة في النصّ المحدّد لقانون الإيمان النيقاوي، حتى لا تكون لهم فرصة أن يخدعوا أي شخص. وهذه الأخطاء تُسرد بالإضافة إلى الحرم الصريح ضدهم، والذي يُقال إن النطق بهذا الحرم ضدهم لم يكن في مجمع نيقية فقط، وإنما كُرِّر مرتين أيضًا في مجمع أرمينيوم.
118 ـ إذن، فالمسيح هو: ” إله من إله، نور من نور، إله حق من إله حق؛ مولود من الآب غير مخلوق؛ له جوهر واحد مع الآب”.
119 ـ لذلك حقًا، إذ قد اتبع آباؤنا إرشاد الكتب المقدسة، فإنهم أعلنوا ـ بل أكثر من ذلك ـ تمسكوا، بأن مِن واجبهم أن يذكروا تلك التعاليم المُضادة للتقوى (التي للآريوسيين) في سجل قوانينهم، حتى يُكشف كفر آريوس، ولا يظهر متنكرًاـ كما لو أنه ـ يتستر بصبغة أو دهان للوجه[58]، لأن الآريوسيين يعطون لونًا مزيفًا لأفكارهم التي لا يجرؤون أن يظهروها صراحة. وبحسب ما هو متّبع في سجلات المكتوبات، فإن الهرطقة الآريوسية لا يُكشف عنها بالاسم[59]، ولكن الإدانات الصريحة الموجهة لها تجعلها ظاهرة، حتى يمكن لمن هو مدقق ومتلهف على أن يسمع عنها، أن يُحفظ من السقوط، عندما يعرف أنه قد تمَّ مسبقًا الحكم عليها وإدانتها، من قبل أن يسمع عنها، وتكون نتيجة ذلك هي أن يؤمن (بالإيمان المستقيم).
120 ـ ويستطرد القانون قائلاً: ” أولئك الذين يدَّعون إنه يوجد زمن لم يكن فيه ابن الله موجودًا، وإنه لم يكن موجودًا من قبل ميلاده، أو إنه خُلق من العدم، أو إنه من جوهر أو طبيعة أخرى، أو إنه قابل للتغيير، أو إنه يوجد فيه أي ظلّ دوران، فأولئك تُعلن الكنيسة الجامعة الرسولية أنهم محرومون.
121 ـ لقد وافقتَ يا صاحب الجلالة على أن من ينطق بمثل هذه التعاليم المنحرفة يُدان عن صواب. إنه لم يكن قرارًا بشريًا أو من مشورة بشرية أن يتقابل في مجمع مسكوني ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفًا كما بيَّنت بالتفصيل والاستفاضة من قبل[60]، كما أن عددهم هذا يبرهن على أن الرب يسوع بواسطة علامة اسمه وآلامه كان في وسط خاصته، الذين اجتمعوا باسمه[61]، لأن من خلال الرقم ثلاثمائة تتضح علامة الصليب، ومن خلال الرقم ثمانية عشر كانت علامة اسم يسوع[62].
122 ـ كان هذا أيضًا هو الإقرار الأول للإيمان، في مجمع أرمينيوم وكذلك في التعديل الثاني بعد هذا المجمع. وبخصوص الإقرار، فإن الخطاب المُرسل إلى الإمبراطور قنسطانطين يشهد بذلك، والمجمع الذي تلاه يوضح التصحيح[63].
الفصل التاسع عشر
ملخص:
اتُهِمَ آريوس بالخطأ الأول من الأخطاء المذكورة سابقًا، وقد دُحِضَ هذا الخطأ بشهادة القديس يوحنا. إن الموت الشنيع التعيس للزعيم الهرطوقي موصوف هنا، وكذلك تُفَحص هنا باقي الأخطاء التجديفية واحدة بواحدة ويُردُّ عليها.
123 ـ يقول آريوس: ” كان هناك زمن لم يكن فيه ابن الله موجودًا”، ولكن الكُتب المقدسة تقول: “كان”، ولا تقول: ” لم يكن”. وعلاوة على ذلك. فإن القديس يوحنا كَتَب: ” في البدء كان الكلمة، والكلمة كان مع الله، وكان الكلمة الله، هذا كان في البدء مع الله” (يو1:1ـ2). لاحظ كم مرة يظهر الفعل “كان”، بينا لم يوجد أي مكان يُذكر فيه “لم يكن”. مَن مِنْ الاثنين إذن يجب علينا أن نصدِّقه؟ القديس يوحنا الذي كان يتكئ في حضن المسيح، أم آريوس الذي غاص متمرغًا وسط أحشائه المنسكبة؟ إن تمرُّغه يجعلنا نفهم كيف أظهر آريوس نفسه ـ بتعاليمه ـ أنه كان مشابهًا ليهوذا، إذ عاقبه الله بعقاب مشابه.
124 ـ إن أحشاء آريوس انسكبت أيضًا خارجًا، والحياء يمنعنا أن نذكر أين حدث هذا، وهكذا فإنه انفجر مشطورًا في الوسط، وسقط منطرحًا على وجهه، وتلوثت تلك الشفاه الشريرة التي أنكر بها المسيح. لقد انشق تمامًا كما قال القديس بطرس عن يهوذا، ” لأنه اقتني حقلاً من أجرة الظلم وفِعل الشر، وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها“[64]. لم يحدث هذا الموت مصادفة، لأنه قد عوقب مثل هذا الشر بعقاب مُشابه، بهدف أن أولئك الذين ينكرون ويخونون نفس الرب سوف ينالون نفس العذاب.
125 ـ دعنا الآن ننتقل إلى نقاط أخرى. يقول آريوس: ” إن ابن الله لم يكن موجودًا قبل أن يُولد”، ولكن الكتب المقدسة تقول إن كل الأشياء إنما تقوم في الوجود[65] (أي خُلِقَت) عن طريق الابن، فكيف يمكن إذن لهذا الذي لم يكن موجودًا أن يمنح الوجود لغيره؟ ومرة أخرى نقول إن المجدِّف عندما يستخدم الكلمات: “عندما” و “قبل”، فهو بالتأكيد يستخدم كلمات تشير إلى الزمن. كيف يقول الآريوسيون إن الزمن كان موجودًا قبل الابن، وهناك أشياء مخلوقة في الزمن أي أنها بذلك تكون موجودة قبل الابن، بينما نعرف من الكتب المقدسة أن كل الأشياء قد خُلِقت عن طريق الابن؟
126 ـ يقول آريوس إن ابن الله جاء للوجود من لا شئ، فكيف يكون إذن هو ابن الله، كيف وُلد من داخل الآب، كيف نقرأ عنه أنه الكلمة الذي خرج من عند الآب كفيض[66] صادر من صميم طبيعته، إلاّ إذا أقررنا بأنه يجب أن نؤمن أنه خرج ـ كما هو مكتوب ـ من عمق أعماق أقداس الآب الذي لا يُدنى منه؟ أن يُدعى شخص ما ابنًا، فهذا يكون إما بسبب التبنى أو بسبب الطبيعة. فنحن نُسمَّى أبناء (لله) بالتبنى[67]. أما المسيح فهو ابن الله بمقتضى طبيعته الحقيقية الأزلية والدائمة. فكيف يمكن إذن لهذا الذي خلق كل الأشياء من العدم أن يكون هو نفسه مخلوقًا من العدم؟
127 ـ إن مَن لا يعرف ما هو مصدر الابن ليس له الابن، لذلك فإن اليهود ليس لهم الابن؛ لأنهم لم يعرفوا من أين هو، لذلك فإن الرب قال لهم: ” أنتم لا تعلمون من أين آتى“[68]، وأيضًا قال: ” لستم تعرفوننى أنا ولا أبى” (يو19:8)، لأن الذي ينكر أن الابن من الآب لا يعرف الآب الذي منه (جاء) الابن، وأيضًا لا يعرف الابن لأنه لا يعرف الآب[69].
128 ـ يقول آريوس: [ إن الابن من طبيعة أخرى ]، ولكن أى طبيعة أخرى يمكن أن تُرفع إلى درجة المساواة مع ابن الله ـ والتي بمقتضاها يصير هو ابن الله؟! وبأى حق يلومنا الآريوسيون عندما نتكلم باليونانية عن جوهر الله بكلمة oÙs…a أو عندما نُعبِّر باللاتينية بكلمة substantia عن جوهره، إن كانوا هم أنفسهم بقولهم إن ابن الله هو من “جوهر” آخر إنما يؤكدون وجود “جوهر” إلهي.
129 ـ ومع أنهم يرغبون في المجادلة بخصوص استخدام الكلمات: “جوهر إلهي” أو “طبيعة إلهية”، فإنهم سوف يُدحَضون بسهولة، لأن الكتابات المقدسة القديمة إنما قد تكلَّمت عن الجوهر oÙs…a باليونانية وعن الطبيعة substantia باللاتينية. فنحن نقرأ أن القديس بطرس يقول إننا شركاء في الطبيعة الإلهية. أما إن قالوا إن الابن هو من طبيعة أخرى، فإنهم بشفاههم يردُّون على أنفسهم، لأنهم بينما يعترفون بالتعبير “طبيعة”، إلاّ أنهم يخافون منه، وهم يضعون الابن في مستوى الخلائق التي يدّعون بأنهم يرفعون الابن إلى مستوى أعلى منها.
130 ـ إن آريوس يدعو الابن مخلوقًا، ولكن [ليس مثل باقى المخلوقات]، ولكن في اى شئ لا تختلف المخلوقات عن بعضها؟ فالإنسان ليس ملاكًا، ولا الأرض سماء، والشمس ليست مثل الماء، ولا النور مثل الظلام (ولكنها كلها مخلوقة) ومن ثم فإن تمييز آريوس للابن إنما هو عقيم، لأنه إنما يكون كمَن أخفى ـ بصبغة حقيرة كئيبة ـ تجاديفه الغاشة والخادعة ليصطاد البسطاء.
131 ـ يُصَّرح آريوس بأن ابن الله يمكنه أن يتغير وينحرف، فكيف يمكن له أن يكون إلهًا إن كان هو متغيرًا، ونحن نراه يقول: “ أنا الكائن، أنا الكائن، لا أتغير“[70]؟.
الفصل العشرون
132 ـ إنني أحتاج أن أعترف باعتراف النبي إشعياء الذي قاله قبل أن يجاهر بكلمة الرب: ” ويل لي، قد ضُرِب قلبي، لأنه وبينما أنا إنسان نجس الشفتين وساكن بين شعب نجس الشفتين، فإنني قد رأيت الملك رب الصباؤوت” (إش5:6). فإن كان إشعياء قال ” ويلٌ لي” عندما رأى رب الصباؤوت، فماذا أقول أنا عن نفسي، وأنا: ” إنسان نجس الشفتين، كُلِّفت لأبحث موضوع الميلاد الإلهي؟ كيف يحلُّ لي أن أتكلم عن أشياء أنا متخوف منها، في حين أن داود يُصلّي ليضع الله حارسًا على فمه بخصوص أمور هو يعرفها[71]. ليت واحدًا من السيرافيم يأتيني بالجمرة المشتعلة من على المذبح السماوي ويضعها في مِلقطي العهدين (القديم والجديد). ومن النار الخارجة منها يطهر شفتيّ النجستين!
133 ـ ولكن بينما هبط أحد السيرافيم آنئذ إلى النبي في رؤية، فإنك أيها الرب، في إعلان السر أتيت إلينا في الجسد[72]، فأنت بلا وسيط ولا عن طريق أي رسول، أنت بذاتك طهِّر ضميري من خطاياي الخفية، حتى أنا أيضًا الذي كنت قبلاً نجسًا، أصير برحمتك طاهرًا بالإيمان، وأرنم بكلمات داود: ” أرنم لك بالعود يا قدوس إسرائيل، تبتهج شفتاي إذ أرنم لك ونفسي التي فديتها” (مز22:71و23).
134 ـ وهكذا أيها الرب فلتترك أولئك الذين يفترون عليك ويكرهونك، ولتأتِ إلينا، مُطهرًا أذني حاكمنا الملك جراتيان وجميع من معه، الذين سوف يصل هذا الكتاب إليهم ليكون بين أيديهم، وطهّر أذنيَّ حتى لا تبقى فيها أي وصمة من وصمات الكفر التي سمعتها أذناي. طهر إذن بالتمام آذاننا، لا بماء الينبوع أو البحر أو بواسطة جداول تخر وتتموج (مياهها)، وإنما بالكلمات المطهرة كالماء، والتي هي أكثر صفاءً من أي مياه، وأنقى من أي ثلج، كما تقول الكلمات التي نطقتَ بها: ” إن كانت خطاياكم كالقرمز أجعلها تبيض كالثلج” (إش18:1).
135 ـ وعلاوة على ذلك، فإنه يوجد كأس مملوء من خمر عجيب، ذاك الذي تستخدمه لتطهير مخادع النفس الداخلية، كأس ليس هو من النظام العتيق[73]، ولا هو ممتلئ من عصير كرم عادي، وإنما كأس هبط إلينا من السماء إلى الأرض[74]، وهو ممتلئ من خمر عصير العنقود المُعلق بشكل بشري على خشبة الصليب، مثل العنب المُعلّق في الكرمة. من هذا العنقود يكون الخمر الذي يفرّح قلب الإنسان[75]، والذي يرفع الحزين، والذي أريجه يسكب فينا نشوة الإيمان، والعبادة والتقوى الحقيقية والنقاء.
136 ـ ولذلك، فبهذا الخمر أيها الرب إلهي، طهّر تمامًا الآذان الروحية لملكنا الإمبراطور، وكما أن الإنسان عندما ينتشي بالخمر العادي، فإنه يحب الراحة والهدوء، ويلقي عنه خوف الموت ولا يشعر بالأذي، ولا يبحث فيما يخص الآخرين بل ينسى ما لهم، هكذا هو أيضًا أعطِه أن يسكر بخمرك؛ فيحب السلام، وإذ هو مؤتمن على رفعة الإيمان، لا يناله موت الكفرة غير المؤمنين، ولينشر الصبر المملوء محبة، ولا يشترك في تجاديف الناس الآخرين، بل يتمسك بالإيمان أكثر من تمسكه بالأسرة والأشقاء والأولاد، كما هو مكتوب: ” اترك كل ما لك واتبعني“[76].
137 ـ بهذا الخمر، أيها الرب يسوع، طهر أيضًا حواسنا، لكي نمجدك ونعبدك أنت خالق كل الأشياء المنظورة وغير المنظورة. أنت دائمًا بالحق غير منظور وأنت دائمًا صالح، أنت الذي أعطيت خلائقك أن تكون غير منظورة وصالحة[77].
[1] كان أونوميوس فى وقت ما أسقفًا على سيزيكوس Cyzicus، واشتهر عام 355م، وعلّم ـ مثل آريوس أن الابن مخلوق، مع أنه أول وأكمل مخلوقات الله، وعمله هو أن يرشد الخلائق الأخرى إلى معرفة مصدر وجودهم. فالدين إذن من وجهة نظره يتكون من فهم عقلى كامل لمبدأ فائق للطبيعة وليس أكثر من هذا، واعتبر أن ميلاد الابن حدث فى الزمن وليس قبل الزمن. أمّا النقطة التى ذهب بها أونوميوس أبعد من آريوس فكانت هى إثبات إمكانية إدراك العقل البشرى للجوهر الإلهى، وقال إن أولئك الذين يُصرِّحون بأن الله فى جوهره لا يُدرَك بالعقل، والذين يُعلِّمون أنه إنما يُعرف جزئيًا وبعلامات ودلائل، إنما هم يُعلِّمون (الناس) إلهًا غير معروف، وينكرون كل معرفة ممكنة لله، ولذلك حيث إنه بدون معرفة الله لا يمكن أن توجد مسيحية، فهؤلاء لا يستخدمون أيضًا اسم مسيحيين.
[2] كان إتيوس هو معلم أونوميوس وأصبح أسقفًا على إنطاكية، الكرسى الذى ضُمن له بواسطة الآريوسي أودوكسيوس Eudoxius والذى تمكن من الحصول على (كرسى) سيزيكوس لأونوميوس. وعلى أى حال فإن كلاً من إتيوس وأونوميوس قد عُزلا حوالى عام 360م.
[3] كان ديموفيلوس أسقفًا على القسطنطينية أيام الإمبراطور فالنس (378م)، ولكن عند تبوّأ الإمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير، فإنه اضطر إلى ترك كرسيه، الذى أُعطى إلى غريغوريوس النزينزى.
[4] 1كو13:1.
[5] يرى هيراكلس Hercules أنه من المستحيل قتل الطحلب الهدرا (نوع من أنواع ثعابين البحر الغريبة والضخمة) الموجود فى المستنقعات الليرنية Lernean marshes بمجرد ضربها فقط على الرأس، من حيث إنه حتى إذا قُطع جزء منها، فإن اثنين ينميان مكانه للتو، لذلك يصبح من اللازم تجفيف الجرح بالنار، كما أنه يوجد واحد من رؤوسها دون أن يموت، ويقول هيراكلس إنه يمكن التخلص منه فقط بسحقه تحت صخرة كبيرة.
[6] المقصود بنوته للآب، وهنا يشير القديس أمبروسيوس إلى كولوسى15:1.
[7] قارن يوحنا45:12 ” والذى يرانى يرى الذى أرسلنى“.
[8] إن بهاء أو ضياء أىّ جسم يظل موجودًا طالما أن هذا الجسم موجود؛ ولأن الآب أزلى فالابن الذى هو بهاؤه يجب أن يكون هو أزليًا أيضًا.
[9] انظر يو9:14ـ10.
[10] أو من يرى الآب فى الابن يراه كما فى صورة شخصية Portrait.
[11] المسيح هو : الحق : يو6:14؛ البر: إر16،33، إر6:23، 1كو30:1؛ قوة الله: 1كو24:1.
[12] المسيح هو: الكلمة: انظر يو1:1ـ18؛ الحكمة: 1كو24:1، 1كو30:1؛ القيامة والحياة: يو25:11.
[13] يقصد الآب .
[14] يقصد الابن .
[15] يقصد القديس يوحنا الرسول لأنه كان صيادًا للسمك.
[16] السابيلية تضعف التمييز بين الأقانيم الثلاثة في اللاهوت، وتجعله مجرد تمييز أشكال متعددة لنفس الشخص. إنهم لا يقسمون الجوهر ولكنهم خلطوا الأقانيم.
[17] كان أونوميوس معلِّمًا وقائدًا آريوسيًا، والبرهان والحُجَّة المبسوطتان ضده هنا مِن المناسب أن توجه أيضًا ضد آريوس نفسه.
[18] فكيف تتعامل مع مثل هذه الشواهد: ” أنت أنت وسنوك لن تفنى“، ” أنا هو الرب، أنا لا أتغير، فأنتم يا أبناء يعقوب لن تهلكوا“، ” أبى الأنوار الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران“.
[19] يو23:5 ” لكى يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب، مَن لا يكرم الابن لا يُكرم الآب الذي أرسله“.
[20] مز6:139: ” عجيبة هذه المعرفة فوقى، ارتَفَعَتْ لا أستطيعها“.
[21] قارن إشعياء5:6.
[22] 2كو2:12ـ5.
[23] قد يكون الشاهد هنا هو إش5:49س ” والآن قال الرب جابلى من الرحم (البطن)“.
[24] 1صم14:13 ” .. قد انتخب الرب لنفسه رجلاً حسب قلبه ..” .
[25] مز2:97 ” أحيَت (خلَّصت) له يمينه وذراعه القدوسة .. “.
[26] مز9:27 ” لا تحجب وجهك عنى ..” .
[27] أى دون أن يعتريه أى تغيير فى نفسه.
[28] يو20:5 ” لأن الآب يحب الابن “.
[29] انظر مت17:3، مر11:1، لو22:3.
[30] انظر يو22:5و23، يو35:3، يو1:17و2و5.
[31] انظر لو36:23و37.
[32] انظر قانون الإيمان النيقاوى.
[33] انظر عب3:1
[34] انظر دا25:3.
[35] تك1:18ـ3.
[36] مت6:17ـ8.
[37] مت7:17.
[38] خر14:3.
[39] أع38:7.
[40] المقصود بهذا الكلام أن الوثنيين يعبدون آلهة غير حقيقية، ولكنهم على الأقل لديهم الاحتشام والتوقير ليعتبروها فى درجة أعلى من المخلوقات البشرية، ولا ينقصون بعناد من قدرها.
[41] كو15:1.
[42] يو14:1.
[43] النعمة التى يتكلم عنها القديس أمبروسيوس هى نعمة التبنى. إن يسوع المسيح هو ابن الله “بالطبيعة” (fÚsi) أمّا نحن فأبناء الله “بالتبنى” (uƒoqes…v).
[44] وانظر مت46:27، مر24:15.
[45] أع36:2، وقارن 1يو3:4
[46] أم22:8س وفى العبرية: ” الله قنانى“.
[47] مز12:22، قارن مت36:27، لو35:23.
[48] مز18:22، قارن مت35:37، مر24:15، لو34:23، يو23:19، 24.
[49] إش11:45س، أما بحسب الترجمة العبرية فإن النص هو: ” اسألوني عن الآتيات“.
[50] مز9:33، مز5:148.
[51] عد21:14 ” ولكن حيٌّ أنا فتُملأ كل الأرض من مجد الرب“.
[52] مز19:72 ” ومبارك اسم مجده إلى الدهر، ولتمتلئ الأرض كلها من مجده“؛ إش3:6 “ وهذا نادي ذاك وقال: قدوس قدوس قدوس رب الجنود، مجده ملء كل الأرض“؛ زك9:14 ” ويكون الرب ملكًا على كل الأرض، في ذلك اليوم يكون الرب وحده واسمه وحده“.
[53] يو6:14.
[54] انظر يو30:10.
[55] انظر يو19:5و21.
[56] انظر مت33:14.
[57] انظر يو41:12.
[58] يقصد القديس أمبروسيوس أن كُفر الآريوسيين يحاولون أن يخفوا حقيقته، تمامًا كما تحاول النسوة إخفاء حقيقة وجوههن باستخدام الأصباغ والدهانات للوجه، هذه الأمور التي كانت منتشرة في الشرق وانتقلت إلى اليونان (اقرأ عن إيزابل عندما كحلت بالأُثمد عينيها 2مل30:9 وأيضًا حز40:23).
[59] يتبع القديس هنا ما هو جارٍ في سجلات مجلس الشيوخ في القديم، عندما كان يُصمت عن ذكر شخص ما، وتُسقط الكتابة عنه، ويُفهم أن سبب الإبعاد غالبًا ما يكون تدنيًا أخلاقيًا خطيرًا. هكذا بالمثل لا يُذكر آريوس أو الآريوسية صراحة بالاسم، حتى لا تُدان بشكل صريح.
[60] انظر الفصلين الثالث والخامس.
[61] انظر مت20:18.
[62] انظر الفصلين الثالث والخامس.
[63] عُقد مجمع أرمينيوم عام 359م إبان حكم الإمبراطور قنسطنطيوس، وحضره أكثر من أربعمائة أسقف، وهؤلاء أعلموا الإمبراطور أنهم مصمِّمون على ألاّ يسمحوا بأي تغيير بخصوص ما قُرِّر في مجمع نيقية، وهذا هو المعروف بـ ” الإقرار الأول “. ولكن مع ذلك فإن هذا الإقرار لم يُحافظ عليه طويلاً، لأن الأساقفة، إلى حدٍّ ما، بسبب إرهاب الإمبراطور، وجزئيًا بسبب أنهم خُدعوا من الآريوسيين، فإنهم وافقوا على أن يحذفوا الكلمات: ” طبيعة Substance” و” من نفس الجوهر Consubstantial”، ولكن بعد هذا كان “التصحيح” والذي يسميه القديس أمبروسيوس “الثاني”، والذي تمَّ إما بأولئك الأساقفة الذين إذ عرفوا خطأهم سحبوا قرارات المجمع الذي عُقد في أرمينيوم، أو بواسطة المجامع التي تلته، وبالتحديد مجامع الأسكندرية (الذي ترأسه القديس أثناسيوس) وباريس (362م) وروما (الذي ترأسه داماسوس عام 369م).
[64] أع18:1. يبدو أن آريوس انتابته إصابة مرعبة بالكوليرا أو بميكروب من نفس النوع. انظر:
Newman, Arians of the Fourth century chII:2 & Robertson, History of The Christian Church: vol. I, pp 301-2, ed. 1875.
[65] كو17:1 ” فيه يقوم الكل “.
[66] مز1:45س “فاض قلبى بكلام صالح”
[67] غل4:4ـ5 “ولكن لما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه: مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس ليفتدى الذين تحت الناموس لننال التبنى“.
[68] انظر يو14:8
[69] انظر 1يو23:2
[70] قارن خر14:3 ” أهيه الذي أهيه” أى “أكون الذي أكون” مع ملا6:3 “ أنا الرب لا أتغيَّر“، حيث يجمعهما القديس أمبروسيوس في تعبير واحد.
[71] مز1:39و2، 3:141و4.
[72] يقابل القديس أمبروسيوس ظهور السيرافيم لإشعياء بظهور الرب للناس في الجسد في حياتهم اليومية، انظر إش6:6و7، 1تي16:3.
[73] يقصد بهذا، أنه غير متوفر في الطقس الموسوي، وأيضًا لا يختص بالخليقة القديمة، وإنما هو عربون وسبق للجديد (رؤ5:21) ” وقال الجالس على العرش، ها أنا أصنع كل شئ جديدًا“.
[74] انظر يو32:6 و 50ـ51.
[75] قض13:9 ” فقالت لها الكرمة أ أترك مسطاري (خمرى) الذي يُفرِّح الله والناس“.
[76] انظر مت21:19 ” اذهب وبع أملاكك … وتعال اتبعني“.
[77] انظر كو15:1و16.