آبائيات

الكرازة الرسولية ج3 – ق. إيرينيوس – د. نصحى عبد الشهيد

الكرازة الرسولية ج3 - ق. إيرينيوس - د. نصحى عبد الشهيد

الكرازة الرسولية ج3 – ق. إيرينيوس – د. نصحى عبد الشهيد

 

الكرازة الرسولية ج3 - ق. إيرينيوس - د. نصحى عبد الشهيد
الكرازة الرسولية ج3 – ق. إيرينيوس – د. نصحى عبد الشهيد

 

إبراهيم سبق فرآه:

         44 ـ وأيضًا يقول موسى، إن ابن الله نزل بالقرب من إبراهيم وتكلّم معه ” وظهر له الرب عند بلوطات ممرا وهو جالس في باب الخيمة وقت حر النهار. فرفع عينيه ونظر وإذا ثُلثة رجال واقفون لديه. فلما نظر ركض لاستقبالهم من باب الخيمة وسجد إلى الأرض. وقال يا سيد أن كنت قد وجدت نعمة في عينيك فلا تتجاوز عبدك[1]. وبعد ذلك تكلّم مع الرب والرب تحاور معه. اثنين من هؤلاء الأشخاص كانا ملاكين، لكن واحد كان ابن الله[2]، الذى تحدّث معه إبراهيم وهو يتوسط بأن لا يُدمر سكان سدوم، لو وجد فيها حتى عشرة أبرار على الأقل. وبينما هما يتحدثان، انتقل الملاكان إلى سدوم حيث قبلهما لوط، ثم بعد ذلك يضيف الكتاب: ” فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتًا ونارًا من عند الرب من السماء[3]، أى أن الابن[4]، الذي تحدّث مع إبراهيم، وهو “الرب” أخذ سلطانًا أن يعاقب سكان سدوم وعمورة من رب السماء، الآب الذى هو سيد الكل. هكذا، كان إبراهيم نبيًا، ورأى[5] تلك الأمور التي سوف تحدث في المستقبل، أى أن ابن الله سيأتى في الشكل البشرى وأنه سوف يتحدّث مع البشر[6]، ويأكل معهم، وبعد ذلك يجلس ديّانًا لهم، هذا هو الذي أخذ من الآب ورب الكل سلطانًا ليعاقب سكان سدوم وعمورة.

 

يعقوب سبق فرآه:

         45ـ كذلك يعقوب وهو ذاهب إلى ما بين النهرين رآه في حلم واقفًا على سُلّم[7]، وكان السلم منتصبًا من الأرض إلى السماء، الذى هو كمثال الصليب. إذ يصعد المؤمنون به إلى السماء، حيث إن آلام ربنا هى بمثابة طريق صعودنا إلى فوق. كما أن الرؤى المتعددة تشير إلى ابن الله وهو يتحدّث مع البشر ويحيا بينهم. لأن الآب الذى لم يره أحد من العالم وخالق الكون ليس هو الذي قال: ” السموات كرسى والأرض موطئ قدمى. أين البيت الذي تبنون لى وأين مكان راحتى[8]. والذي ” كال بكفه المياه وقاس السموات بالشبر وكال بالكيل تراب الأرض ووزن الجبال بالقبان والآكام بالميزان[9]. وليس هو الذى نزل إلى ذلك الركن من الأرض لكى يتحدّث مع إبراهيم، بل إن كلمة الله، هو الذي كان دائمًا مع جنس البشرى، قد أعلن مسبقًا ما سوف يحدث في المستقبل وعلَّم البشر أمور الله[10].

 

الابن تحدّث مع موسى:

         46 ـ هكذا تحدث في العليقة المشتعلة[11] مع موسى قائلاً: ” إنى قد رأيت مذلة شعبى الذي في مصر وسمعت صراخهم من أجل مسخرينهم. إنى علمت أوجاعهم[12]. هذا هو الذي صعد ونزل لخلاص الحزانى (المتألمين)، لكى ينقذنا من استعباد المصريين، أى من كل عبادة للأوثان ومن كل فجور، لكى ينقذنا من البحر الأحمر، أى لكى يحفظنا من معارك الأمم الدامية، ومن عثرة تجديفاتهم المرّة. هكذا أتى كلمة الله[13] لكى يعايش ظروفنا، وأظهر لنا مسبقًا ما سوف يحدث في المستقبل، وهو نفسه الآن قد حرَّرنا من عبودية الأمم القاسية وفجَّر ماء بوفرة من الصخرة فى الصحراء، والصخرة كانت هو نفسه (المسيح)[14]. وأعطانا أيضًا اثنى عشر ينبوعًا، أى تعليم الرسل الاثنى عشر. فالذين لم يؤمنوا به قد ماتوا في الصحراء، أما الذين آمنوا، وكانوا أطفالاً في الشر، هؤلاء صاروا مقبولين في ميراث الآباء. هذا الميراث الذى أعطاه لنا يسوع ـ وليس موسى هو الذي حرَّرنا من عماليق ـ ببسط ذراعيه على الصليب، وهو أيضًا الذى يقودنا إلى ملكوت أبيه[15].

 

الآب والابن كلاهما ربٌ وإله:

         47 ـ فالآب إذًا رب والابن رب، الآب إله والابن هو إله، لأن الذي يُولد من إله هو إله[16]. هكذا إذن فبحسب كيانه وقوته وجوهره هو إله واحد. ولكن بحسب تدبير خلاصنا يوجد آب واحد وابن واحد. وحيث إن أبا الجميع هو غير منظور وغير مدرك من المخلوقات، فمن الضرورى على من يريدون أن يقتربوا إلى الله أن ينالوا نعمة القدوم إلى الآب بالابن[17].

 

الابن هو الله:

         ويتحدّث داود بوضـوح عن الآب والابن فيقـول: ” كرسيك يا الله إلى دهر الدهور. قضيب استقامة قضيب ملكك. أحببت البر وأبغضت الاثم من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك[18]. طالما أن الابن هو إله بالحقيقة فهو يأخذ عرش الملكوت الأبدى من الآب أى من الله ويُمسح بدهن الابتهاج أكثر من رفقائه. “ودهن الابتهاج” أو زيت المسحة هو الروح الذى مُسح به، ورفقائه هم الأنبياء، والأبرار والرسل وجميع الذين ينالون شركة في ملكوته، أى تلاميذه.

 

الابن هو الرب:

         48 ـ ويقول داود أيضًا: ” قال الرب لربى[19] اجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك. يرسل الرب قضيب عزك من صهيون. تسلط في وسط أعدائك. شعبك منتدب في يوم قوتك في زينة مقدسة من البطن قبل كوكب الصبح ولدتك. أقسم الرب ولن يندم. أنت كاهن إلى الأبد على رُتبة ملكى صادق. الرب عن يمينك يُحطم في يوم رجزه ملوكًا. يدين بين الأمم. ملأ جثثًا أرضًا واسعة سحق رؤوسها. من النهر يشرب في الطريق لذلك يرفع الرأس[20]. بهذه الكلمات يتضح تمامًا أن المسيح كائن قبل الكل، وأنه يسود على الأمم وأنه يدين كل البشر والملوك الذين يضطهدون اسمه الآن، لأن هؤلاء هم أعدائه، وإذ يدعوه كاهن الله الأبدى، فهذا إعلان بأنه الحى الذى لا يموت. وعندما يقول: “من النهر يشرب في الطريق لذلك يرفع رأسه” فهو يشير إلى تمجيد ناسوته وصعوده بعد المهانة والذل.

 

المسيح هو الابن والملك:

         49 ـ إشعياء النبى يقول: ” هكذا يقول الرب لمسيحه لكورش الذي أمسكت بيمينه لأدوس أمامه أممًا[21]، وأما كيف أن المسيح يُدعى ابن الله وملك الشعوب (الأمم)، أى ملك كل البشر، وأنه يُسمى ـ كما أنه هو فعلاً وبالحق ـ ابن الله وملك الأمم فهذا ما يتكلم عنه داود هكذا: ” الرب قال لى أنت ابنى أنا اليوم ولدتك. اسألنى فأعطيك الأمم ميراثًا وأقاصى الأرض مُلكًا لك[22]. هذه الأقوال لم تُوجه لداود، لأنه لم يملك على الأمم وعلى أقاصى الأرض، بل على اليهود فقط. إذن من الواضح أن الوعد المُعطى “للممسوح” بأن يملك حتى أقاصى الأرض إنما هو لابن الله الذي يعترف به داود نفسه قائلاً: ” قال الرب لربى اجلس عن يمينى…“. فهو يقول إن الآب يتحدث مع الابن، كما رأينا ذلك سابقًا في إشعياء، الذي تكلّم هكذا قائلاً: “هكذا يقول الرب لمسيحه… الذي أمسكت بيمينه لأدوس أمامه أممًا“. إن النبوءتين تتحدّثان عن نفس الوعد بأنه يكون ملكًا، وبالتالى فكلام الله مُوجه إلى شخص واحد بعينه، أى إلى المسيح ابن الله. وعندما يقول داود: ” قال الرب لربى“، فيلزم أن نعترف بأنه لا داود ولا غيره من الأنبياء، يتحدّث عن ذاته. لأن الإنسان لا ينطق بالنبوات، إنما روح الله، يتكلّم فى الأنبياء بكلمات تخص أحيانًا المسيح وأحيانًا أخرى الآب[23].

 

عبد الرب مجبول من البطن:

         50 ـ وهكذا فإن المسيح يقول بطريقة ملائمة جدًا بواسطة فم داود، إن الآب يتحدّث معه، ويكرز أيضًا بحقائق عن نفسه بواسطة الأنبياء. وهذا ما نقرأه على سبيل المثال في إشعياء: ” والآن قال الرب جابلى من البطن عبدًا له لإرجاع يعقوب إليه فينضم إليه إسرائيل فأتمجد في عينى الرب، وإلهى يصير قوتى. فقال قليل أن تكون لى عبدًا لإقامة أسباط يعقوب ورد محفوظى إسرائيل. فقد جعلتك نورًا للأمم لتكون خلاصى إلى أقصى الأرض[24].

         51 ـ إن الوجود الأزلى للابن يُستنتج من حقيقة أن الآب يتحدث معه وبهذا أُعلن عنه للبشر قبل ولادته. ثم بعد ذلك نستنتج أنه لابد له أن يولد إنسانًا بين الناس، طالما أنه سوف ينحدر من البشر[25] والله نفسه سيجبله من البطن، أى أنه سيُولد من العذراء بروح الله، وأنه سيكون رب جميع الناس ومخلّص المؤمنين به، اليهود والأمم. لأن الشعب اليهودى في اللغة العبرية يُدعى إسرائيل نسبة ليعقوب أب الآباء الذي كان هو أول من دُعى إسرائيل[26]، أما كل البشر فيدعوهم “الأمم”. وقد دُعى الابن “خادم” الآب، بسبب طاعته للآب، فهذا هو نفس ما يحدث بين البشر، أن كل ابن هو خادم لأبيه.

         52 ـ فَلنَر بعد ذلك ما تشهد به الكتب: أن المسيح الكلمة ابن الله الكائن أزليًا عند الآب، والذى لا يزال كائنًا عند الآب؛ قد ظهر بين البشر وكوَّن علاقة معهم، وهو ملك الكون كله، حيث إن الآب أخضع الكل تحت سلطانه وأنه هو مخلّص الذين يؤمنون به. كما أنه من الصعب أن نُحصى كل نصوص الكتاب المقدس التي تشير إلى هذا الموضوع، وهى كلها متشابهة، فينبغى عليك أن تؤمن بالمسيح وتطلب من الله فهمًا وحكمةً لكى تفهم ما قيل بواسطة الأنبياء.

         53 ـ المسيح الذي هو كلمة الله والذى كان عند الله، كان مزمعًا أن يتجسد، ويصير إنسانًا ويخضع لظروف الولادة البشرية، وأن يُولد من عذراء وأن يحيا وسط الناس[27]، وقد دبّر أبو الكل تجسده. إذ تنبأ إشعياء قائلاً: ” ويعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل، زبدًا وعسلاً يأكل متى عرف أن يرفض الشر ويختار الخير[28]. وهو يؤكد أنه سيُولد من عذراء، لأن قوله “يأكل” يشير إلى أنه سوف يكون إنسانًا حقيقيًا، وأيضًا بأنه سوف يأتى طفلاً[29] ويُعطى له اسم لأن هذه هى العادة بالنسبة للأطفال. وسيحمل اسمًا مزدوجًا، “فالمسيا” فى اللغة العبرية معناها المسيح، أما “يسوع” فمعناها المخلّص، والاثنان يُستخدمان فى التعبير عن الأعمال التي سوف يتممها. لقد دُعى مسيحًا؛ لأن الآب مسح (قدَّس) به الكل ولأنه في تأنسه قد مَسحه روح الله أبيه، كما يقول هو نفسه في موضع آخر على فم إشعياء ” روح الرب علىَّ لأنه مَسحنى لأبشر المساكين[30]. وقد دُعى مخلّص لأنه سبب خلاص لأولئك الذين حرَّرهم هو نفسه فى تلك الأزمنة من كل أنواع الأمراض ومن الموت، كما أنه هو مُعطِى الخيرات العتيدة والخلاص الأبدى لأولئك الذين آمنوا به بعد ذلك.

         54 ـ إذن فلأجل هذا دُعى مخلّص. أما بالنسبة لكلمة عمانوئيل فهى تعنى: الله معنا، وإذا قيلت من النبى فهى تأتى في صيغة التمنى أى: فليكن الله معنا! وفي هذه الحالة تكون شرحًا وإعلانًا للوعد الإلهى ” ها العذراء تحبل وتلد ابنًا“، ولأنه هو الله فسيكون الله معنا. وأمام هذا الحدث يتنبأ النبى بدهشة كاملة، بأن الله سيكون معنا. ويشير النبى نفسه في مكان آخر إلى الميلاد بقـوله: ” قبل أن يأخذها الطلق ولدت، قبل أن يأتى عليها المخاض ولدت ذكرًا[31]. وبهذه الطريقة، فهو يشير إلى الولادة العجيبة الفائقة الوصف من العذراء.

 

”يُولد لنا ولد”:

         نفس النبى يقول أيضًا: ” لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنًا ويُدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا[32].

         55 ـ فهو يدعوه ” عجيبًا مشيرًا” للآب، لأنه بمشورته وبه خلق الآب كل شئ، كما هو مكتوب في سفر موسى الذي يُدعى التكوين:   ” نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا[33]. هنا يبدو أن الآب يتحدث مع الابن الذي هو ” المشير العجيب” للآب[34]. لكن في نفس الوقت هو مشيرنا الخاص لأنه يظل معنا، ينصحنا بدون أن يجبرنا[35] بسلطانه (كإله)، بالرغم من أنه “إله قدير”. فهو ينصحنا بأن نتخلى عن ظلام الجهل ونقبل نور المعرفة، وأن نبتعد عن الضلال ونأتى إلى الحق، وأن نطرح الفساد ونكتسب عدم الفساد[36].

         56 ـ ويقول إشعياء أيضًا: ” لأن كل سلاح المُتسلح في الوغى وكل رداء مُدحرج في الدماء يكون للحريق مأكلاً للنار. لأنه يولد لنا ولد ونُعطى ابنًا وتكون الرياسة على كتفه ويُدعى اسمًا عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا رئيس السلام. لنمو رئاسته وللسلام لا نهاية على كرسى داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن إلى الأبد[37]. من هذه الأقوال يتضح أن ابن الله سوف يُولد (كإنسان) وسوف يُدعى ملكًا أبديًا. أما تعبير “يكون للحريق مأكلاً للنار” فيشير إلى أولئك الذين لم يؤمنوا به وفعلوا ضده ما فعلوه. هؤلاء سوف يصرخون في يوم الدينونة: ” كان الأفضل لنا أن نكون مأكلاً للنار قبل ميلاد ابن الله، عن أن نكون غير مؤمنين به”، لأنه يوجد رجاء للذين ماتوا قبل مجىء المسيح أن ينالوا الخلاص وذلك بعد قيامتهم أى في الدينونة. وينطبق ذلك على الذين كانوا يخافون الله وقد ماتوا في البر وكان عندهم روح الله فى داخلهم مثل البطاركة والأنبياء والأبرار. أما أولئك الذين لم يؤمنوا بالمسيح بعد مجيئه فإن عقابهم في يوم الدينونة سيكون بلا رحمة.

أن تعبير ” وتكون الرياسة على كتفه” يشير رمزيًا إلى الصليب الذي سُمِرت عليه يداه. فالصليب الذي كان له عارًا وبسببه كان عارًا لنا أيضًا، هذا الصليب نفسه يشهد لرياسته، وهو راية مملكته. وأنه كان بالنسبة للآب هو: “ ملاك المشورة العظمى“، كما يقول النبى، وهو الذي أعلن لنا الآب.

         57 ـ أما كون ابن الله سوف يُولد والطريقة التى بها سوف يُولد وعن ظهوره كمسيح، فهذا ما تحدث عنه الأنبياء الذين تنبأوا عنه، فأخبروا عن ولادته، وعن العائلة التي سيولد منها.

 

رئيس من يهوذا:

         فموسى يتحدّث في سفر التكوين قائلاً: ” لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتى شيلون وله يكون خضوع شعوب. رابطًا بالكرمة جحشه وبالجفنة ابن أتانه غسل بالخمر لباسه وبدم العنب ثوبه[38]. يهوذا جد اليهود كان ابن ليعقوب، ومنه أخذ اليهود التسمية[39]. ولم يحدث في أية فترة أنهم كانوا بدون رئيس أو قائد حتى مجىء المسيح[40]. لكن بعد مجىء المسيح فإن رجال حرب مقتدرون احتلوا بلادهم بالسلاح، وخضعت أرض اليهود للرومان، ولم يعد لديهم كأمة رئيس ولا ملك. لأنه أتى ذاك الذي له الملكوت فى السموات، ذاك الذي غسل ” في الخمر لباسه وبدم العنب ثوبه”. اللباس والثوب هما هؤلاء الذين آمنوا به والذين غسلهم، عندما خلّصنا بدمه. الذى هو “دم عنب”[41] لأنه، كما أن دم العنب لا يصير بواسطة إنسان، لكن من الله الذي صنعه وهو يُفرِّح مَنْ يشربه، بنفس الطريقة فإن جسد المسيح ودمه ليسا من صنع إنسان، بل من الله.

         الرب نفسه أعطى نبوة عن ميلاده العذرى (نبوة إشعياء 11:7ـ14)، أى أن هذا هو الذي وُلد من العذراء، عمانوئيل الذي أبهج هؤلاء الذين يشربون منه، أى يأخذون روحه، وبذلك ينالون الفرح الأبدى. لذلك فهو يُمثل مشتهى الأمم، للذين يأملون فيه وينتظروا تأسيس ملكوته.

 

كوكب من يعقوب:

         58 ـ ويقول موسى أيضًا: ” يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب من إسرائيل[42]. هذا يعلن بوضوح أن تدبير ميلاده بحسب الجسد سيكون بين اليهود، وأن ذاك الذي سوف يولد من بيت يعقوب ويهوذا، سوف ينزل من السماء، هو الذى سيُتمم هذا التدبير. فقد ظهر “نجم” في السماء. و”قضيب” تعنى “ملك”[43] إذ هو ملك جميع المخلَّصين. وعند ميلاده ظهر النجم للمجوس الذين جاءوا من المشرق. وبظهور النجم عرفوا أن المسيح قد وُلِد، فأتوا إلى اليهودية منقادين بواسطة هذا النجم، إلى أن وصل إلى بيت لحم، حيث وُلِد المسيح. وعندما أتوا إلى البيت حيث كان الطفل مُقمطًا، توقف النجم فوق رأسه لكى يعلن للمجوس أن هذا الطفل المولود هو المسيح ابن الله[44].

 

قضيب من جذع يسى:

         59 ـ يعبّر إشعياء عن هذا قائلاً: ” ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله. ويحل عليه روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب. ولذته تكون في مخافة الرب فلا يقضى بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع اذنيه. بل يقضى بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف لبائس الأرض ويضرب الأرض بقضيب فمه ويُميت المنافق بنفخة شفتيه. ويكون البر منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه. فيسكن الذئب مع الخروف. ويربض النمر مع الجدى، والعجل والشبل والمسمّن معًا ويلعب الرضيع على سرب الصل، ويمد الفطيم يده على جحر الأفعوان فلا يؤذيه… ويكون فى ذلك اليوم أن أصل يسى القائم ليسود على الأمم، وعليه يكون رجاء الأمم، ويكون قيامه مجدًا[45]. يتنبأ إشعياء بواسطة هذه الأقوال، إن المسيح سوف يُولد من العذراء التي هى من بيت داود وإبراهيم. لأن يسى كان من نسل إبراهيم وهو أبو داود. والعذراء التى حملت بالمسيح أتت من نفس العائلة. إذن هو المُشار إليه بـ”القضيب”. لذلك يستخدم موسى “العصا أو القضيب” لكى يصنع المعجزات أمام فرعون. والعصا في الشعوب الأخرى هى علامة السيادة. أما كونها قد أنبتت كقول إشعياء فهذا يشير إلى جسد المسيح الذي “نبت” بواسطة فعل الروح القدس كما قُلنا سابقًا.

         60 ـ الكلمات ” فلا يقضى بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه. بل يقضى بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف لبائس الأرض” تُظهر بالأكثر ألوهيته. لأن برّ الله وحده هو الذى يحكم بالعدل، بدون تمييز للأشخاص وبدون محاباة للأشراف (العظماء)، ويعطى العدل للفقراء بالتساوى وبالحق وفق أوامر العلى وعدله الإلهى. لأن الله لا يخضع لأى تأثير ولا يعمل سوى عدل وحق. والرحمة هى أيضًا تليق بالله نفسه الذي في صلاحه يريد أن يقدِّم الخلاص. وتعبير ” بل يقضى بالعدل للمساكين… ويُميت المنافق بنفخة شفتيه[46]. يشير أيضًا إلى الله الذي خلق الكل بكلمة. ويقول: “ويكون البر منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه” فهو يشير إلى الشكل البشرى للمسيح، وإلى بره الحقيقى والفائق.

 

عندما يملك على الجميع:

         61 ـ كل ما يؤمن به الشيوخ (الحاملون التقليد الرسولى)[47] عن سيادة الوفاق والوحدة والسلام بين الحيوانات المعادية بعضها لبعض بحسب طبيعتها سيتحقق عند مجىء المسيح عندما يملك على الجميع. ويستخدم النبى صورًا رمزية لكى يُعلّم بأن جموع البشر من مختلف الأمم بالرغم من اختلاف عاداتهم سوف يعيشون في سلام ووفاق باسم المسيح. فقد شبّه الأبرار بالأبقار والحملان والجداء مع صغارها حيث لا أحد يؤذى الآخر، بينما الرجال والنساء فى العصور السابقة قد تشبّهوا بالحيوانات المتوحشة بسبب شهواتهم، حتى أنهم مثل الذئاب والأسود يفتكون بالضعفاء ويجرّون ويشعلون بينهم معارك عنيفة. وهذا سوف يحدث بالنسبة للنساء اللاتي هن أخطر من الدروع والمركبات، إذ هنّ قادرات أن يسكبن سُمًا مُميتًا على من يحبون ويميتونهم بسبب الغيرة. أما الناس المجتمعون في مكان واحد باسم الرب، سوف يكتسبون بواسطة نعمة الله سلوكًا مستقيمًا وسيقتلعون من ذواتهم النزعات الوحشية الطبيعية. وهذا قد حدث بالفعل لأن كل الذين كانوا سابقًا أشرارًا جدًا، حتى أنهم كانوا يفعلون كل شر عندما تعلّموا عن المسيح آمنوا به تغيّروا، حتى أنهم يتممون كل بر. ما أعظم التغيير الذى يعمل فى المؤمنين بواسطة الإيمان بيسوع المسيح ابن الله!. ويضيف النبى، أن المسيح عندما يقوم سوف يسود على الأمم، لذلك كان يجب أن يموت ويقوم لكى يعترف الجميع ويؤمنون بأنه هو ابن الله والملك. كذلك يقول النبى بعد ذلك: “ويكون قيامه كرامه“، أى المجد، لأنه عندما قام مُجد كإله.

 

خيمة داود:

         62 ـ وأيضًا يقول نبى آخر: ” وفي ذلك اليوم أقيم خيمة داود الساقطـة[48]، أى جسد المسيح، المنحدر من داود، كما قلنا سابقًا، أن المسيح بعد موته سيقوم من الأموات، لأن الجسد يُدعى خيمة. كل شهادات الكتاب تتنبأ بأن المسيح الذي أتى من نسل داود بحسب الجسد، سيدعى ابن الله، وأنه بعد موته سوف يقوم، وأنه فى الشكل سيكون إنسانًا[49] ولكنه هو الله ذو القدرة، وأنه هو نفسه سوف يدين العالم كله، كما كان هو وحده صانع البر والخلاص.

 

بيت لحم اليهودية:

         63 ـ وقد تنبأ النبى ميخا أن المسيح سيولد في بيت لحم اليهودية، قائلاً: ” وأنت يا بيت لحم، أرض يهوذا لست الصغرى بين رئاسات يهوذا، لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبى إسرائيل[50]. ولأن بيت لحم هى مدينة داود، فهذا برهان على أن المسيح هو ابن داود، ليس فقط لأنه وُلد من العذراء لكن لأنه وُلد في بيت لحم، مدينة داود.     

 

ثمرة بطن ” داود ”:

         64 ـ وداود تنبأ بأن المسيح سوف يُولد من نسله، هكذا: ” من أجل داود عبدك لا ترد وجه مسيحك. أقسم الرب لداود بالحق لا يرجع عنه. من ثمرة بطنك أجعل على كرسيك إن حفظ بنوك عهدى وشهاداتى التى أعلّمهم إياها فبنوهم إلى الأبد يجلسون على كرسيك[51]. لكن ولا واحد من أولاد داود مَلَك مُلكًا أبديًا، ولا كانت إلى الأبد مملكتهم لأنها قد تلاشت. ولكن المسيح وحده، المنحدر من نسل داود هو الملك الأبدى. كل هذه الشواهد تُظهر مرارًا وبوضوح نسل ابن داود بحسب الجسد وتظهر المكان الذى سيُولد فيه. فلا ينبغى البحث عن مجيء ابن الله بين الأمم أو في أى مكان آخر، إلاّ فى بيت لحم اليهودية، ومن نسل إبراهيم وداود.

         65 ـ ويصف إشعياء دخوله إلى أورشليم، عاصمة اليهودية ومركز رؤسائها والتى يوجد فيها هيكل الله قائلاً: ” قولوا لابنة صهيون هوذا ملكك آتِ وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان[52]. فهو قد دخل إلى أورشليم راكبًا على جحش ابن أتان وفرش له الجموع ثيابهم. وقد دعا النبى أورشليم “ابنة صهيون”.

         66 ـ إذن، فطريقة ولادة ابن الله، ومكان ولادته وأنه هو المسيح الملك الأبدى ـ كل هذا قد تنبأ عنه الأنبياء. كما قالوا أيضًا، إن ابن الله سوف يشفى المرضى وحقًا قد شفاهم، إنه سيكون مكروهًا ومهانًا وسيُعذب، وسيُصلب ويموت، وبالفعل صار مكروهًا ومُحتقرًا وحُكِم عليه بالموت[53].

 

معجزات المسيح وآلامه وتمجيده:

         67 ـ دعونا نتحدّث عن معجزات شفائه. فإشعياء يقول: ” هو أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا[54] أى سيأخذ عنا خطايانا وسيحملها في ذاته. عادةً ما يتحدّث روح الله على فم الأنبياء عن الأمور العتيدة كأنها قد حدثت بالفعل. لأن الله يضع الخطة في ذهنه وقد اتخذ قرارًا للتنفيذ، ولكن الكتاب يذكرها على أنها حدثت بالفعل، والروح القدس وكأنه يرى زمن التحقيق، يستخدم كلمات إعلانية، بأن النبوة قد تحققت بالفعل. بالنسبة لمعجزات الشفاء يقـول: ” ويسمع في ذلك اليوم الصُم أقوال السفر وتنظر من القتام والظلمة عيون العُمى[55]. وأيضًا يقول: ” شددوا الأيادى المسترخية والرُكب المرتعشة ثبتوها. قولوا لخائفى القلوب تشددوا لا تخافوا هوذا إلهكم. الانتقام يأتى. جزاء الله. هو يأتى ويخلّصكم. حينئذٍ تتفتح عيون العمى وآذان الصُم تتفتح. حينئذٍ يقفز الأعرج كالأيل ويترنم لسان الأخرس[56]، وعن الموتى يقول: ” تحيا أمواتك، تقوم الجثث، استيقظوا ترنموا يا سكان التراب[57]. فالذي يعمل كل هذه الأمور يستحق أن نؤمن به أنه ابن الله[58].

68ـ وإشعياء يتنبأ بأنه سيُهان ثم يموت إذ يقول: ” هوذا عَبدي يَعقِلُ يتعالى وَيَرتَقي ويتسامَى جِداً. كَمَا اندَهش منكَ كَثِيرُون. كَان منظَره كَذَا مُفسدًا أكثَرَ مِن الرَّجُلِ وَصُورَته أكثَرَ مِنْ بَنِي آدَمَ. هَكذَا يَنضِحُ أُمَمًا كَثِيرِينَ. مِنْ أَجلِهِ يَسُدُّ ملوكٌ أَفوَاهَهُم لأنهم قَد أَبصَروا مَا لَم يُخْبَُوا بِهِ وَمَا لَمْ يَسْمَعُوهُ فَهِمُوهُ مَنْ صَدَّقَ خَبَرنا وَلِمَن استُعلِنَت ذِرَاعُ الربِّ؟. نَبَت قُدامَهُ كَفرخٍ وَكعِرقٍ مِنْ أَرضٍ يَابِسَةٍ لا صُورَة لهُ ولا جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِليه وَلاَ منظَرَ فَنَشتَهيه. محتَقَرٌ وَمَخذُولٌ مِنَ الناسِ رَجلُ أَوجَاعٍ وَمُختَبِرُ الحُزنِ وَكَمُستَّرٍ عَنهُ وُجُوهنَا مُحتَقرٌ فَلَم نَعتد به. لكن أَحزاننا حَمَلَهَا أوجاعنا تحمّلها. ونحنُ حسبنَاه مُصَابًا مَضروبًا مِنَ اللهِ ومذلولاً. وهو مَجروحٌ لأجل معاصينا مَسحوقٌ لأجل آثامنا. تَأدِيبُ سَلاَمِنَا عليه وبحُبُرهِ شُفِينَا[59].

         نرى هنا أن المسيح خضع للآلام التي سبق وقال عنها داود:       ” كنت مصابًا اليوم كله[60]، ليس داود بل المسيح هو ذاك الذي خضع للعذابات، عندما صدر الأمر بالصلب. وأيضًا يقول الله على فم إشعياء: ” بذلت ظهرى للضاربين وخدى للناتفين وجهى لم أستر عن العار والبصق[61]. وهذا يقوله النبى إرميا ” يعطى خده لضاربه، يشبع عارًا[62]. وقد تحمَّل المسيح كل هذا.

         69 ـ ويقول إشعياء: ” وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه اثم جميعنا[63]. إذن من الواضح أنه بمشيئة الآب حدث هذا لأجل خلاصنا ” ظُلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تُساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه[64]. هنا يكرر بأنه خضع طوعًا للموت.

 

الدينونة:

         كلمات النبى ” من الضُغطة ومن الدينونة أُخذ[65] تعلن مدى تعرضه للإهانة ولأنه أخلى نفسه فقد قَبِلَ الدينونة. لقد صارت الدينونة مقبولة إذ أنها للبعض صارت للخلاص وللبعض الآخر صارت عذابًا للهلاك. وهكذا تظل الدينونة عقابًا للبعض ، بينما البعض الآخر تكون للخلاص. فالذين صلبوه جلبوا الدينونة على أنفسهم، وفعلوا هذا، لأنهم لم يؤمنوا به. لذلك بسبب هذه الدينونة هلكوا فى العذاب، بينما كل الذين آمنوا رُفعت عنهم الدينونة ولم يخضعوا لها. الدينونة التي ستصير بالنار سوف تجلب هلاكًا لغير المؤمنين في نهاية هذا العالم.

         70 ـ إذا كان النبى يقول: ” وفي جيله مَنْ كان يظن أنه قُطع من أرض الأحياء أنه ضُرب من أجل ذنب شعبى[66]، فإنه يقول هذا من خوفه أننا بسبب آلامه نكون شهود أحقاد ونعتبره نحن إنسانًا محتقرًا ومرذولاً. إن ذاك الذي عانى كل هذا له أصل ونسب لا يُوصف، أى أصله الذى هو أبوه، والذى لا يُوصف ولا يمكن التعبير عنه. اعرف إذن أن ذاك الذى خضع لهذه الآلام يمكن أن يسترد مجده الإلهى، فلا تحتقره بسبب العذابات التي تحملها لأجلنا، بالحرى فلنوقره ونكرّمه لأنه إله حقيقى بحسب طبيعته.

         71 ـ يقول إرميا في سياق آخر: ” نفس أنوفنا مسيح الرب أُخذ في حُفرهم الذي قلنا عنه في ظله، نعيش بين الأمم[67]. والكتاب يشهد بأن المسيح إذ هو روح (الله روح) سوف يصير إنسانًا متألمًا، وأيضًا إذ تعجب النبى لآلامه وللعذابات الكثيرة التي سيعانيها ـ شهد له قائلاً إننا سنحيا تحت ظله. فهو يدعو جسده “ظل”، لأنه كما أن الظِلّ يأتى من الجسد هكذا جسد المسيح يأتى من روحه. والظِلّ أيضًا يشير إلى التواضع وإلى تعرض جسده للاحتقار: لأنه كما أن ظِلّ الجسد المنتصب يكون على الأرض ويُداس تحت الأقدام، هكذا جسد المسيح، سقط على الأرض وقت آلامه وداسته الأقدام. وأيضًا ربما دعا النبى جسد المسيح “ظلاً” وكأنه كان يخفى مجد الروح ويغطيه. وأيضًا مرات كثيرة كانوا يوضعون المرضى على الطريق حيث يمر الرب والذين سقط ظله عليهم نالوا الشفاء[68].

72 ـ يقول النبى بخصوص آلام المسيح : ” باد الصديق وليس أحد يضع ذلك في قلبه ورجال الاحسان يُضمون وليس من يفطن بأنه من وجه الشر يُضم الصديق. دفنه يكون سلامًا. يستريحون في مضاجعهم. السالك بالاستقامة[69]. مَنْ هو الصديق البار والكامل إلاّ ابن الله الذي يقود إلى البر التام. وأولئك الذين يؤمنون به والذين يُضطهدون ويموتون مثله. عبارة “دفنه يكون”[70] يشير إلى الكرازة بموته لأجل خلاصنا. ” سلامًا ” تعنى “خلاصنا”. حقًا، بواسطة موته، كل مَنْ كانوا قبلاً أعداء بعضهم لبعض، فإنهم بإيمانهم به يحيون فى سلام فيما بينهم، فالإيمان المشترك به يجعلهم أصدقاء. أما قوله “رُفع من الوسط” أى أنه يعلن قيامته من بين الأموات، لأنه بعد قبره لم يره أحد ميتًا.

 

”حياة سألك”:

         كان لابد أن يقوم ويظل عديم الموت، هذا ما يعبّر عنه النبى قائلاً: ” حياة سألك فأعطيته. طول الأيام إلى الدهر والأبد[71]. فلماذا يقول ” حياة سألك” مادام مزمعًا أن يموت؟ إذن فالنبى يتكلّم هنا عن أنه سيقوم من الأموات وسيظل عديم الموت لأنه أُعطى حياة حتى يقوم، ” وطول الأيام إلى الدهر” لأنه سيكون في عدم فناء.

 

” اضجعت ونمت، ثم استيقظت ”:

         73 ـ وداود يتحدّث عن موت وقيامة المسيح هكذا: ” أنا اضطجعت ونمت ثم استيقظت لأن الرب عضدنى[72]. وداود لم يقل هذا عن نفسه، فهو لم يقم بعد موته، لكن روح المسيح ـ كما تحدث بواسطة الأنبياء الآخرين ـ يتحدّث الآن أيضًا عن المسيح بواسطة داود: ” أنا اضطجعت ونمت ثم استيقظت لأن الرب عضدنى“، هو يدعو الموت “نومًا” لأنه قام.

         74 ـ ويقول داود أيضًا عن آلام المسيح: ” لماذا ارتجت الأمم وتفكر الشعوب في الباطل. قام ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معًا على الرب وعلى مسيحه[73]. تحققت هذه النبوءة إذ أن هيرودس ملك اليهود وبيلاطس البنطى وكيل الإمبراطور الرومانى قد اتفقا على الحكم عليه بالصلب.

         إذ أن هيرودس خاف أن يصير المسيح ملكًا على الأرض فيأخذ منه عرشه. وأيضًا بيلاطس، فبتحريض من هيرودس واليهود المحيطين به، قد أُجبِر بالإكراه على تسليم المسيح للموت، على أساس أنه لو لم يفعل هذا لاعتبُرَ عدوًا لقيصر بتبرأته إنسانًا نصّبَ نفسه ملكًا.

 

رُفضت ورذلت:

         75 ـ ويقول النبى أيضًا عن آلام المسيح: ” لكنك رفضت ورذلت. غضبت على مسيحك. نقضت عهد عبدك، طرحت مقدسه في التراب، هدمت كل جدرانه، جعلت حصونه خرابًا. أخذه كل عابرى الطريق. صار عارًا عند جيرانه. رفعت يمين مضايقيه فرحت جميع أعدائه. أيضًا رددت حد سيفه ولم تنصره في القتال. أبعدته عن النقاوة، وألقيت عرشه إلى الأرض. قصرت أيام شبابه غطيته بالخزى[74]. فالنبى يعلن بوضوح أن المسيح سيتحمل هذه الآلام وأنها ستكون بحسب مشيئة أبيه، فبالحقيقة أن كل ما تحمله إنما قد تحمَّله بمشيئة الآب.

 

” اضرب الراعى”:

         76 ـ تنبأ زكريا: ” استيقظ يا سيف على راعىّ وعلى رجل رفقتى يقول رب الجنود اضرب الراعى فتتشتت الغنم[75]، وقد تحقق هذا عندما قُبض على المسيح بواسطة اليهود، فقد تركه تلاميذه، لخوفهم من الموت، فإيمانهم لم يكن قد تثبّت بعد إلى أن رأوه قائمًا من بين الأموات.

 

” أحضروه مقيدًا”:

         77 ـ ويقول في الأنبياء الاثنى عشر: ” وأحضروه مقيدًا كهدية للملك[76]. فقد كان بيلاطس هو والى اليهودية وكان يكن عداوة لهيرودس ملك اليهودية، فلما أحضروا يسوع مقيدًا أمامه، أرسله إلى محكمة هيرودس بقصد استجوابه لكى يحققوا فيمَنْ يكون هو. وهذه كانت فرصة مناسبة لمصالحة الوالى الرومانى مع هيرودس الملك[77].

 

النزول إلى الجحيم:

         78 ـ نجد في إرميا التنبؤ بموته ونزوله إلى الجحيم (الهاوية) إذ يقول: ” الرب قدوس إسرائيل تذّكر أمواته الراقدين في التراب ونزل إليهم مبشرًا إياهم بخلاصـه[78]. هنا يبيّن بوضوح سبب موته، وأن نزوله إلى الجحيم هو خلاص للأموات.

 

” بسطت يدىَّ”

         79 ـ وأيضًا إشعياء يقول عن صلبه: ” بسطت يدى طول النهار إلى معاند ومقاوم[79]. هذه الكلمات تشير إلى الصليب. ويتحدث داود بأكثر وضوح: ” لأنه أحاطت بى كلاب جماعة من الأشرار اكتنفتنى. ثقبوا يدىّ ورجلى[80]، ثم يقول: “ صار قلبى كالشمع. قد ذاب وسط أمعائى. انفصلت كل عظامى[81] ويقول أيضًا: ” أنقذ من السيف نفسى قد اقشعر لحمى من رعبك لأن جماعة الأشرار قاموا علىَّ[82]. بهذه الكلمات يُعلن أن المسيح سوف يُصلب، وهذا ما سبق وقاله موسى للشعب: ” وتكون حياتك معلّقة قدامك وترتعب ليلاً ونهارًا ولا تأمن على حياتك[83].

 

”اقتسموا ثيابى”:

         80 ـ وأيضًا داود يقول: ” اقتسموا ثيابى بينهم وعلى لباسى يقتـرعون[84]. وهذا ما حدث بعد الصلب فقد اقتسم الجنود ثيابه فيما بينهم، بينما القميص (الرداء) الذى كان منسوجًا ألقوا عليه قرعة لكى يأخذه من تقع عليه القرعة[85].

 

” أخذوا الثلاثين من الفضة”:

         81 ـ ويقول النبى أيضًا: ” وأخذوا الثلاثين من الفضة ثمن المثمن الذي ثمنوه من بنى إسرائيل وأعطوها عن حقل الفخارى كمـا أمرنى الرب[86]. حقًا كان يهوذا واحد من تلاميذ المسيح، ولأنه عَرِف أن اليهود يريدون أن يقبضوا على المسيح، اتفق معهم لكى يسلّمه إذ كان يحمل بغضة تجاهه، لأنه قد توبخ منه، استلم الثلاثين من الفضة وسلّمهم المسيح، لكنه ندم لأجل خيانته، وألقى الثلاثين من الفضة عند أقدام رؤساء اليهود، وشنق نفسه. أما الرؤساء فقد اعتبروا أنه ليس من اللائق أن يضعوا هذه (الفضة) في خزانتهم لأنها كانت ثمن دم، فاشتروا بها حقل الفخارى مقبرة للغرباء[87].

 

” أعطوه خلاًّ”:

         82 ـ وعندما رُفعوه على الصليب، عطش وأعطوه خلاًّ ممزوجًا بمرارة وهذا ما قد سبق أن قاله داود: ” ويجعلون في طعامى علقمًا وفي عطشى يسقوننى خلاًّ[88].

 

موت المسيح وقيامته وصعوده:

         83 ـ وعن أنه سيقوم من الأموات ويصعد إلى السموات، فقد سبق وتنبأ عنه داود بقوله: ” مركبات الله ربوات ألوف مكررة. الرب فيها. صهيون في القدس. صعدت إلى العلاء. سبيت سبيًا. قبلت عطايا من الناس[89]. و”السبى” يشير إلى إبطَال سلطة الملائكة الساقطين. كما أنه أظهر المكان الذي سيصعد منه على الأرض نحو السماء. لأن الرب يقول: ” من صهيون صعد إلى العلاء“، أى من الجبل الذي هو مقابل أورشليم ويُدعى جبل الزيتون. عندما قام الرب جمّع تلاميذه وتحدث إليهم عن ملكوت السموات، حيث صعد أمام أنظارهم ورأوا السموات تنفتح لكى تستقبله[90].

 

” ارفعوا أبوابكم”:

         84 ـ عن هذا يقول داود ” ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم، وارتفعى أيتها الأبواب الدهرية فيدخل ملك المجد[91]. الأبواب الدهرية هى السموات. ولكن لأن الكلمة الذى تجسد لم يكن منظورًا بالنسبة للمخلوقات، عندما نزل على الأرض، إلاّ أنه بسبب تجسده، قد صعد منظورًا فى الأعـالى، فقد رأته الملائكة وصاحوا إلى نظرائهم الذين فى الأعالى: ” ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم، وارتفعى أيتها الأبواب الدهرية فيدخل ملك المجد“، وعندما اندهشت الملائكة الذين في الأعالى وقالوا: ” مَنْ هو ملك المجد؟“، صرخ كل الذين سبق أن شاهدوه: ” الرب القدير الجبار هو ملك المجد[92].

         85 ـ ويتحدّث داود عن قيامته وجلوسه عن يمين الآب وانتظاره لليوم المُعيّن من أبيه الذي فيه سيدين الكل ويخضع له أعدائه. أعداؤه هم كل أولئك الذين تمردوا: الملائكة رؤساء الملائكة، السلاطين والكراسى، الذين استهانوا بالحق، فيقول: ” قال الرب لربى اجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك[93]. ويتحدّث داود عن صعوده إلى المكان الذي نزل منه: ” من أقصى السموات خروجها ومدارها إلى أقاصيها[94]، وبعد ذلك يشير إلى الدينونة فيقول: ” ولا شئ يختفى من حَرارته[95].

 

دعوة الأمم: شعب الله الجديد:

         86 ـ كل ما تنبأ به الأنبياء عن ابن الله، بأنه سوف يظهر على الأرض، أى في مكان محدد وكيف وفى أية ظروف سوف يظهر، جميع هذه الأمور تحققت في شخص ربنا. لذا فإيماننا به يستند على أساسات لا تتزعزع إذ أن تقليد الكرازة صادق وحق، الذى هو شهادة الرسل الذين أرسلهم الرب، وكرزوا في كل العالم، أن ابن الله أتى على الأرض وتحمل الألم لكى يبيد الموت ويمنح لنا الحياة[96].

         فهو إذ قد أبطل العداوة التى أوجدتها الخطية بيننا وبين الله، فإنه صالحنا مع الله وجعلنا أحباء له[97].

 

” ما أجمل أقدام المبشرين بالسلام”:

وهذا ما تنبأ عنه الأنبياء: ” ما أجمل أقدام المبشرين بالسلام المبشرين بالخيرات[98]. بعد ذلك يتنبأ إشعياء، عن الرسل أنهم سوف يخرجون من اليهودية ومن أورشليم لكى يُعلنوا لنا كلمة الله التي هى قانون لنا بقوله: “ لأن من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب[99]، وداود يقول، إنهم سوف يكـرزون في كل العالـم: ” في كل الأرض خرج منطقهم وإلى أقصى المسكونة كلماتهم[100].

 

قضاء الرب فى كل الأرض:

         87 ـ أيضًا يتنبأ إشعياء بأن البشر سوف لا يكونوا تحت نير فرائض الناموس، بل سوف يحيون في بساطة الإيمان والمحبة ” قد قضى بفناء فائض بالعدل. لأن السيد رب الجنود يصنع فناء وقضاء في كل الأرض[101]، لذلك يقول الرسول بولس: ” لأن من أحب غيره فقد اكمل الناموس. المحبة هى تكميل الناموس[102]. وأيضًا عندما سُئل الرب عن أعظم وصية أجاب: ” تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك هذه هى الوصية الأولى والعظمى والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك بهاتين الوصيتين يتعلّق الناموس كله والأنبياء[103]. فبإيماننا به ازدادت محبتنا نحو الله وللقريب، وجعلنا أتقياءً وأبرارًا وصالحين، لأجل هذا صنع الرب “قضاء في كل الأرض”.

 

يُدعون باسم جديد

         88 ـ ويشير إشعياء، إلى أنه بعد صعوده سوف يتمجد مجدًا عاليًا فوق الكل ولن يكون هناك مَنْ يُقارن به: ” من هو صاحب دعوى معى، ليتقدم مقابلى. مِنْ هو الذى يسير مبررًا. فليقترب من ابن الله! ويل لك، لأن الكل كالثوب يبلون يأكلهم العث[104]. وأيضًا     “ توضع عينا تشامخ الإنسان وتخفض رفعة الناس ويسمو الـرب وحده[105]. ويشير إشعياء أنه في النهاية، الذين يخدمون الله سوف يخلصون باسمه إذ يقول: ” والذين خدمونى سوف يُدعون باسم جديد. فالذي يتبرك في الأرض يتبرك بإله الحق[106]. أخيرًا، فإن هو نفسه وفي شخصه تتحقق هذه النبوة إنه يفدينا بدمه إذ يقول إشعياء: ” ليس شفيع ولا ملاك بل الرب نفسه، لأنه خلّصهم وأحبهم وقد أشفق عليهم وفداهم بنفسه[107].

 

” هاأنذا صانع أمرًا جديدًا”:

         89 ـ وأيضًا يعرفنا إشعياء، أن الرب لا يريد للمؤمنين أن يرتدوا إلى ناموس موسى، لأن الناموس قد تحقق بالمسيح، لكن بواسطة الإيمان والمحبة نحو ابن الله نخلّص بجدة الحياة بمعونة الكلمة، بقوله: ” لا تذكروا الأوليات والقديمات لا تتأملوا بها. هأنذا صانع أمرًا جديدًا. الآن ينبت. ألاَ تعرفونه. اجعل في البرية طريقًا في القفر أنهارًا. يمجدنى حيوان الصحراء الذئاب وبنات النعام لأنى جعلت في البرية ماء أنهارًا في القفر لأسقى شعبى مختارى. هذا الشعب جبلته لنفسى، يُحدّث بفضائلى[108]. قبل دعوة الأمم، كانت حياتهم مثل صحراء جرداء، لأن الكلمة لم يكن أتى إليهم ولا الروح القدس قد سقاهم، فالكلمة الذى مهّد طريقًا جديدًا للتقوى نحو الله والبر، هو أيضًا جعل الأنهار (النعمة) تفيض بغزارة ويُسكب الروح القدس بوفرة على الأرض، كما وعد بواسطة الأنبياء، بأنه سوف يسكب الروح القدس في الأيام الأخيرة على الأرض[109].

اكتب شريعتى على قلوبهم:

         90 ـ دعوتنا، إذن، هى فى ” جدة الروح القدس وليس في حفظ عتق الحرف”[110]، وفق نبوة إرميا ” ها أيام تأتى يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدًا جديدًا. ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدى فرفضتهم يقول الرب. بل هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب. اجعل شريعتى في داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهًا وهم يكونون لى شعبًا، ولا يعلّمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد أخاه قائلين: اعرفوا الرب، لأن الجميع سيعرفوننى من كبيرهم إلى صغيرهم، لأنى أصفح عن إثمهم ولا أذكر خطيتهم بعد[111].

 

” يثق الإنسان بصانعه”:

         91 ـ سبق لإشعياء أن أشار إلى أن الأمم سوف يُدعون لكى يرثوا هذه الوعود ويأخذوا مكانًا في العهد الجديد، بقوله: ” في ذلك اليوم يثق الإنسان بصانعه وتنظر عيناه إلى قدوس إسرائيل. ولا يلتفت إلى المذابح صنعة يديه ولا ينظر إلى ما صنعتـه أصابعه[112]. هذه الأقوال قيلت بوضوح عن الذين هجروا عبادة الأصنام وآمنوا بالله خالقنا قدوس إسرائيل. وقدوس إسرائيل هو المسيح، الذي ظهر للبشر، والذى إليه تنظر عيوننا، إذ نحن لا نثق بذبائح الأصنام ولا بأعمال أيدينا.

 

” صرت ظاهرًا للذين لم يسألوا عنى”:

         92 ـ الكلمة نفسه كرز بواسطة إشعياء، بأنه سوف يظهر بيننا، وأنه هو نفسه ابن الله، سيصير ابن الإنسان، وأنه سوف يُوجد بيننا نحن الذين لم نكن نعرفه بعد، بقوله: ” صرتُ ظاهرًا لمِنْ لم يسألوا عنى، وُجدتُ من الذين لم يطلبوننى. قلت هاأنذا لأمة لم تسمَ باسمى[113].

 

” أعطيهم قلب لحم”:

         93 ـ وكون أن هذا الشعب سيكون شعبًا مقدسًا فهذا ما تنبأ به هوشع الذى هو من الأنبياء الاثنى عشر: ” سأدعو الذي ليس شعبى شعبى والتي ليست محبوبة محبوبة ويكون في الموضع الذي قيل لهم فيه لستم شعبى أنه هناك يدعون أبناء الله الحى[114]. ونفس الأمر قاله يوحنا المعمدان أيضًا: ” إن الله قادر أن يقيم من الحجارة أولاد لإبراهيم[115]. فإن قلوبنا تحرّرت من عبادة الأوثان ورُفعنا بواسطة الإيمان إلى رؤية الله، وبذلك صرنا أبناء إبراهيم، الذي تبرر بالإيمان. ولذلك يقول الله على فم حزقيال: ” وأعطيهم قلبًا واحدًا وأجعل في داخلكم روحًا جديدًا وأنزع قلب الحجر من لحمهم وأعطيهم قلب لحم لكى يسلكوا في فرائضى ويحفظوا أحكامى ويعملوا بها ويكونون لى شعبًا فأنا أكون لهم إلهًا[116].

         94ـ إذن، بواسطة الدعوة الجديدة تغيّرت قلوب الأمم بواسطة الكلمة الذي تأنس وحلّ بيننا، كما يقول تلميذه يوحنا: ” الكلمة صار جسدًا وحلّ فينا[117]. لهذا فالكنيسة تضم عددًا كبيرًا من المُخلّصين، لأن الذى يخلّصنا ليس شفيعًا مثل موسى ولا ملاكًا (مرسلاً) مثل إيليا بل هو الرب نفسه[118]، وهو الذي أعطى الكنيسة أبناءً أكثر من أبناء المجمع (اليهودى)، كما يقول إشعياء: ” ترنمى أيتها العاقر التي لم تلد أشيدى بالترنم أيتها التي لم تمخض لأن بنى المستوحشة أكثر من بنى ذات البعل قال الـرب[119]، “ العاقر التي لم تلد” هى الكنيسـة التي لم يكـن لديها أبنـاء من قبل، ولهذا ينطبق عليها النبوة: ” اهتفى واصرخى أيتها التي لم تتمخض فإن أولاد الموحشة أكثر من التي لها زوج[120]، أما المجمع القديم فله زوج وهو الناموس.

 

” بأمة غبية أغيظكم”:

         95 ـ ويقول موسى في سفر التثنية، إن الأمم سيصبحون هم “الرأس”، والشعب غير المؤمن هو “الذنب”[121]، ويضيف: ” أهم أغارونى بم ليس إلهًا أغاظونى بأباطيلهم فأنا أغيّرهم بما ليس شعبًا بأمة غبية أغيظهم[122]. حقيقةً لقد هجر اليهود الله الكائن لكى يسجدوا للآلهة الغريبة غير الموجودة، قتلوا الأنبياء وتنبأوا بواسطة بعل[123]، الذي إليه يقدّم الكنعانيون الأصنام، مُهينين ابن الله، الكائن، وأنكروه وفضلوا عليه باراباس، الذي كان لصًا مُدانًا بجريمة القتل، رفضوا الملك الأبدى، لكى يُنادوا بملك وقتى هو قيصر. لأجل هذا سُرَّ الله أن يهب الأمم أن يكونوا شركاء في الميراث، وهم الذين لم يكونوا منتمين لله ولم يكونوا يعرفون مَنْ هو الله. وحيث إن الله منح الحياة بواسطة هذه الدعوة ووهب لنا إيمان إبراهيم، فلا ينبغى أن نرتد إلى الناموس القديم، طالما قبلنا ابن الله الذى هو رب الناموس. وبواسطة الإيمان به علّمنا أن نحب الله بكل قلوبنا وقريبنا كنفسنا. لكن المحبة لله هى بعيدة عن كل خطية، والمحبة للقريب لا تصنع شًرا للقريب[124].

 

” كان الناموس مؤدبًا لنا”:

         96 ـ لذلك فنحن لا نحتاج للناموس كمُربى[125]. نحن أطفال من جهة الشر، لكن أقوياء في كل بر وطهارة، وها نحن نقف أمام الآب ونتحدّث معه. الناموس لا يمكن أن يقول ” لا تزن” لذاك، الذي لا يشتهى حتى امرأة آخر[126]، أو ” لا تقتل” لذاك، الذي نزع من قلبه أى شعور بالغضب والعداوة، و” لا تشتهى حقل قريبك أو ثوره أو حماره” لأولئك الذين لا يهتمون بالأمور الأرضية، بل يكنزون كنوزًا في السماء. ولا يمكن أن يقول ” عين بعين وسن بسن” لذاك، الذي ليس له عدو أبدًا، إنما يعتبر الجميع إخوة، وبالتالى من المستحيل أن يرفع يده للانتقام. الناموس سوف لا يطلب العشور من ذاك الذي كرّس كل خيراته لله وترك الأب والأم والإخوة والأخوات، لكى يتبع الكلمة. الناموس لن يفرض بأن يُحفظ يومًا معينًا لذاك، الذي عنده كل يوم هو كيوم السبت ويحيا في هيكل الله، الذي هو الجسد البشرى، مشغولاً بعبادة الله وممارسًا للبر. فالله يقول: ” أريد رحمة لا ذبيحة ومعرفة الله أكثر من محرقات[127]، أما الإنسان المتعدى على الشريعة ” الذى يذبح ثورًا لى فهو كمن ينحر كلبًا، ومن يُصعد تقدمة دقيق فهو كمن يُصعد دم خنزير[128]. ولكن ” كل مَنْ يدعو باسم الرب يخلص[129].

 

يسوع المسيح خلاصنا:

 ” وليس بأحد غيره الخلاص. لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أُعطى بين الناس به ينبغى أن نخلص[130] إنه اسم يسوع، ابن الله الذي يخضع له حتى الشياطين والأرواح الشريرة والقوات المعادية.

         97 ـ بدعاء اسم يسوع المسيح، المصلوب على عهد بيلاطس البنطى[131]، يهرب الشيطان من البشر. يسوع المسيح يأتى ويبعد الشيطان عن البشر أينما وُجدوا. وحيث إنهم يؤمنون به ويحفظون إرادته ويدعون باسمه، فإنه يحضر معهم ويسمع توسلاتهم وطلباتهم المُوجهة إليه بقلب طاهر. وهو الذي بحكمته غير المتناهية وغير الموصوفة خلّصنا وبشرنا من السماء بالخلاص، بمجيئه بيننا، أى نعمة تجسده. فالبشر لا يستطيعون من أنفسهم أن يحصلوا على هذه النعمة، ولكن غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله. لذا يصرخ إرميا: ” مَن صعد إلى السماء فأمسكها ونزل بها من الغيوم؟ مَن عبر البحر فوجدها وحصل عليها بالذهب الابريز؟ ليس أحد يعرف طريقها ويرغب في سبيلها لكن العالِم بكل شئ يعلمها وبعقله وجدها، وهو الذي جهز الأرض للأبد، وملأها حيوانات من ذوات الأربع. والذي يُرسل النور فيذهب دعاة فأطاعه مُرتعدًا. أن النجوم أشرقت في محارسها وتهللت. دعاها فقالت: ” هاأنذا ” وأشرقت متهللة للذي صنعها. هذا هو إلهنا، ولا يُحسب غيرة تجاهه. اهتدى إلى كل طريق للمعرفة، وجعله ليعقوب عبده وإسرائيل حبيبه. وبعد ذلك رُئيت على الأرض وعاشت بين البشر. هى كتاب أوامر الله والشريعة القائمة للأبد. كل مَن تمسك بها فله الحياة والذين يُهملونها يموتون[132]. ويقصد بيعقوب وإسرائيل، ابن الله الذي أخذ من الآب السلطان لينزل على الأرض لكى ينقل لنا الحياة ويُصاحب البشر البعيدين عن الآب. لقد وَحّد روح الله بخليقة الله حتى أن الإنسان يظل على صورة الله ومثاله (أى التشبه بالله)[133].

         98 ـ أيها الصديق الحبيب، هذه هى كرازة الحق، وهذا هو قانون خلاصنا وهذا هو طريق الحياة. هذه الحقيقة تنبأ عنها الأنبياء، وقد ثبّتها المسيح ونقلها الرسل إلينا وقدّمتها الكنيسة إلى أبنائها[134]. ينبغى أن نحافظ عليها بحرص عظيم، مُرضين الله بأعمال صالحة وبذهن سليم.

         99 ـ لا ينبغى أن يُفهم بأنه يوجد إله آخر غير الله خالقنا، كما يظن الهراطقة[135]، الذين يحتقرون الله، الكائن، ويصنعون من الأصنام آلهة غير حقيقية، ويتمسكون “بأب” آخر أسمى من خالقنا. كل هؤلاء هم غير أتقياء ويجدفون على خالقهم وأبيهم، أيضًا برهنا على هذا في كتابنا ” نقد ودحض المعرفة الكاذبة”[136]. وهراطقة آخرون ينكرون مجيء ابن الله وتدبير تجسده، هذا الإيمان الذي سُلّم بواسطة الرسل وتنبأ عنه الأنبياء من أجل خلاص البشرية، كما أوضحنا هنا بإيجاز[137]. آخرون أيضًا لم يقبلوا عطايا الروح القدس وينكرون الموهبة النبوية، التي بواسطتها يصير الإنسان حاملاً الحياة الإلهية كثمرة. هؤلاء الذين يقول لهم إشعياء: ” لأنكم تصيرون كبطمة قد ذبل ورقها وكجنة ليس لها ماء[138]، هؤلاء لا نفع منهم عند الله إذ أنهم لا يحملون ثمارًا.

         100 ـ إذن، فالضلال المتعلق بالفهم المنحرف للبنود الأساسية لمعموديتنا[139]، يقود الكثيرين بعيدًا عن الحق، لأنهم إماَّ يحتقرون الآب أو لم يقبلوا الابن، رافضين تدبير تجسده، أو لم يقبلوا الروح القدس، أى أنهم احتقروا النبوة. وعلى كل حال ينبغى أن نحترس من هؤلاء الهراطقة ونهرب من أفكارهم والشركة معهم، إذا أردنا أن نُرضى الله حقًا ونحصل على الخلاص.

 

 

ختام المخطوط

شرح الكرازة الرسولية لإيرينيوس

المجد للثالوث القدوس، وللإله الواحد الآب والابن والروح القدس المحامى عن الجميع إلى دهر الدهور آمين

تذكار في الرب للقديس ومثلث البركات

رئيس الأساقفة يوحنا[140]،

ومالك هذا المخطوط

وأخو القديس باسيليوس

وأيضًا حقارتى الكاتب.

[1] تك1:18ـ3.

[2] هذا التفسير أيضًا عند يوستينوس فى حواره مع تريفو Di£logoj 56,22

[3] تك24:19.

[4] نفس الأمر يقوله القديس كيرلس الأورشليمى عن الكلمة فى العهد القديم مؤكدًا أن: [الرب (الكلمة) الذى هو مع الآب، عمل معه فى حالة سدوم أيضًا إذ يقول الكتاب المقدس “فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتًا ونارًا من عند الرب من السماء” (تك24:19)] كيرلس الأورشليمى، المرجع السابق، المقال العاشر، ص201.

[5] يعلق القديس إيرينيوس على قول الرب يسوع لليهود: ” إبراهيم أبوكم تهلل بأن يرى يومى فرأى وفرح” (يو56:8)، قائلاً: [ … وهكذا إبراهيم أيضًا، إذ عرف الآب من خلال الكلمة، الذى ابدع السماء والأرض، اعترف بإلوهيته، وإذ تعلّم باستعلان أن ابن الله سيصير إنسانًا بين البشر، وأنه بمجيئه سيصير نسله كنجوم السماء، اشتهى أن يرى ذلك اليوم، لكى يعانق هو نفسه أيضًا المسيح، وإذ رآه بروح النبوة، تهلّل…] (AH4:7:1).

[6] يؤكد العلامة أوريجينوس على أن المسيح قد افتقد البشرية قبل مجيئه فى الجسد، قائلاً: [لم يكن هناك البتة حقبة زمنية (فى تاريخ البشرية) فيها لم يفتقد المسيح العالم بالخلاص الإلهى، ويعلن عن ذاته لقديسيه. فكلمة الله تجسد وصار بشرًا فى آخر الأزمنة (أى الأزمنة المحددة لاستعلان الخلاص الكامل)، وأعلن عن نفسه فى يسوع المسيح. ولكن قبل هذا المجيء المنظور فى الجسد كان كائنًا، ولكن بدون أن يتخذ هيئة إنسانية (كما اتخذها فى سر التجسد)، فهو الوسيط الدائم بين الله والناس] تفسير إنجيل يوحنا 12:20، PG14, 1297.

[7] أيضًا يفسر القديس كيرلس الأسكندرى ما رآه يعقوب فى حلمه بأن المسيح هو الذى كان جالسًا فى أعلى السُلّم، معتمدًا فى هذا على قول المسيح: ” الحق أقول لكم من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان” (يو51:1) انظر جلافيرا على سفر التكوين المقالة الرابعة تحت النشر.

[8] إش1:66.

[9] إش12:40.

[10] انظر يو8:1

[11] يقول القديس يوستينوس: [ فكلمة الله هو ابن الله، وقد دُعى ملاكًا ورسولاً، لأنه أعلن لنا ما ينبغى أن نعرفه، وقد أُرسل ليكشف كل ما يجب أن يُستعلن، كما قال الرب نفسه: ” الذى يسمع منى يسمع الذى أرسلنى” (لو16:10). ومن كتابات موسى أيضًا يظهر هذا الأمر واضحًا، لأنه مكتوب فيها “وخاطب ملاك الرب موسى من لهيب النار من وسط العليقة قائلاً: أنا الكائن بذاتى، إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب، إله آبائك. انزل إلى مصر واخرج شعبى من هناك“. وإذا أردت أن تعرف ما جاء بعد ذلك، فيمكنك أن تفعل ولكن ما أكثر المكتوب لكى يبرهن على أن يسوع المسيح هو ابن الله ورسوله الذى هو الكلمة منذ القدم، الذى ظهر أحيانًا فى هيئة نار وأحيانًا اخرى شبه ملاك، ولكنه الآن صار إنسانًا، بإرادة الله، من أجل جنس البشر] (ANF Vol. I, p. 184).

[12] خر7:3. راجع القديس إيرينيوس AH4:23:1.

[13] يقول القديس إيرينيوس فى موضع آخر: [ لا يوجد إلاّ إله واحد وحيد: هو الله الآب، وكلمته الفاعلة والحاضرة مع البشرية على الدوام، وإن كان بأنواع وتدابير مختلفة، أو بمعاملات متعدّدة الأشكال، مخلّصًا منذ البدء كل الذين شملهم الخلاص، أى أولئك الذين يحبون الله، والذين بحسب مقتضيات زمانهم ـ يتبعون كلمته..] (AH4:28:2) (SC.100, 758). كما يقول أيضًا بأكثر وضوح: [إن المسيح لم يأتِ فقط لأولئك الذين بدأوا يؤمنون به منذ أيام طيباريوس، والآب لم يفتقد بعنايته الإلهية أُناس اليوم (المسيحيين) فحسب. وإنما رعايته هى لكل البشر بلا استثناء، الذين منذ البدء كانوا، بقدر طاقتهم وإمكانيات عصرهم، يخافون الله ويحبونه، ويمارسون البر والعطف تجاه القريب (كل إنسان)، ويشتهون أن يروا المسيح ويسمعوا صوته] (AH4:27:2) (SC.100, 688).

[14] راجع خر 6:17. 1كو 4:10.

[15] يجمع الآباء على أن نزول الله إلى شعبه لكى يخلّصهم هو إشارة إلى تجسد الكلمة لكى يخلّص الجنس البشرى، فيقول مار افرآم السريانى: [قال الله: إنى نظرت تعب شعبى وضيقهم واستعباد المصريين لهم، ونزلت لكى اخلصهم. الله متعالٍ عن كل كذب، وقوله: “نزلت”، لا يمكن تحقيقه فى الطبيعة الإلهية، لأن الذى لا يسعه مكان ولا يخلو منه موضع ولا نهاية له ولا حدّ، كيف يمكن أن يصِح له نزول؟ لأن المكان الذى يُقال أنه نزل منه هو لم يزل فيه. بل كان هذا القول إشارة إلى تجسده وظهوره على الأرض من أجل خلاص جنس آدم ونجاتهم من استعباد المصريين العقليين، أعنى إبليس وجنوده الذين كانوا يستعبدونهم فى الأعمال الشريرة المُهلكة وبعد ذلك يحدرونهم إلى الجحيم. فتجسد الله الكلمة هو نزول حقيقى، وذلك أن الطبيعة غير المنظورة اتحدَّت فى الأقنوم بطبيعة منظورة. والطبيعة غير المحدودة اتحدَّت بطبيعة محدودة، وصار غير المنظور بالحقيقة منظورًا، وغير المحدود بالحقيقة محدودًا من حيث إنه صار جسدًا. وهذا هو نزول واتضاع حقيقى فعله لخلاصنا] فى تفسيره للخروج، المخطوطة رقم 112هـ بمكتبة اكسفورد.

[16] راجع أيضًا القديس إيرينيوس AH1:1:18. وعن كون أن الابن هو الله، يقول القديس كيرلس الأورشليمى: [نقول إن الله حقيقى لا يلد إلهًا باطلاً، ولا هو تمعن وبعد ذلك وَلدَ، بل وَلدَ أزليًا بأكثر سرعة من ولادة كلماتنا وأفكارنا، إذ نحن نتكلّم فى زمان ونستهلك زمانًا، لكن بالنسبة للقوة الإلهية، فالميلاد هو بلا زمن…] كيرلس الأورشليمى، المرجع السابق، المقالة الحادية عشر: 14، ص218.

[17] انظر أف18:2 و12:3.

[18] انظر مز6:45ـ7، عب8:1و9.

[19] يعلق القديس كيرلس الأورشليمى على هذه الكلمات مبرهنًا على إلوهية الابن، بقوله: [الرب قال هذا للرب، لا لعبد، بل لرب الكل، ابنه الذى أخضع كل شئ له: ” ولكن حينما يقول إن كل شئ قد أُخضِع فواضح أنه غير الذى أخضع الكل له” وماذا يلى هذا؟ ” كى يكون الله الكل فى الكل“. الابن الوحيد هو رب الكل، لكن ابن الآب المُطيع لم يحصل على لاهوته كأنه لم يكن له بل هو ابن بالطبيعة] كيرلس الأورشليمى، المرجع السابق، المقالة العاشرة، ص203.

[20] مز109 (سبعينية).

[21] إش1:45.

[22] مز7:2ـ8.

[23] راجع الدفاع الأول ليوستينوس 36,2.

[24] إش5:49ـ6.

[25] يشرح القديس كيرلس الأورشليمى ـ بطريقة رائعة وواضحة ـ كيف أن الابن هو الإله الأزلى وكيف أنه بالتجسد صار ابن داود، قائلاً: [ هو ابن داود فى ملء الأزمنة، ولكنه ابن الله قبل الدهور بلا بداية. قد تقَبَل البنوة (لداود) إذ لم تكن له، أما البنوة للآب فهى له سرمديًا. إن له أبان؛ داود حسب الجسد، والآخر أى الله أباه فى اللاهوت (أى بالطبيعة). بكونه ابن داود يخضع للزمن وللتدبير والتنازل النسبى، لكن من جهة اللاهوت فلا يخضع لا لزمان ولا لمكان] كيرلس الأورشليمى، المرجع السابق، المقالة العاشرة ص231.

[26] راجع تك28:32.

[27] انظر باروخ38:3.

[28] إش14:7ـ16.

[29] لقد صار المسيح طفلاً لكى يعيد للأطفال الشركة مع الله، كذلك صبيًا وفتى وشابًا ورجلاً ليعيد ذلك أيضًا للصبيان والفتيان والشبان والبالغين، لذا يقول القديس إيرينيوس: [ فإن المسيح كما قلنا قد وحَّدَ الإنسان مع الله… فقد كان لائقًا أن الوسيط بين الله والناس بحق قرابته الخاصة مع كل منهما، يعيد الألفة والتوافق بينهما ويقدم الإنسان إلى الله ويُظهر الله للإنسان… فإنه من أجل ذلك قد جاء مجتازًا فى جميع الأعمار لكى يعيد للجميع الشركة مع الله] (AH7:18:3).

[30] إش1:61 . لو 18:4.

[31] إش7:66.

[32] إش6:9.

[33] تك26:1.

[34] صيغة الجمع في تك26:1 كحوار داخل الثالوث تشير إليها رسالة برنابا5:5، ورسالة ثيوفيلوس= =الأنطاكى إلى أوتوليكوس18:2. وكيرلس الأسكندرى حوار حول الثالوث ج29:2: [ تعبيرا “لنعمل” وأيضًا “على صورتنا” يدلان على أن المتكلّم ليس شخصًا واحدًا بل أكثر من واحد وأكثر من اثنين]، ويقول القديس كيرلس بوضوح فى موضع آخر متسائلاً: [ فلو كان الله أقنومًا واحدًا بلا تعدد وليس ثلاثة أقانيم فمَنْ الذى كان يتكلم مع مَنْ؟ ويقول له ” نخلق الإنسان على صورتنا“، ولو كان الله أقنومًا واحدًا لقال: ” أخلق الإنسان على صورتى” لكن الكتاب لم يذكر ذلك، ولكن حيث إن صيغة الجمع استخدمت “صورتنا” فإنها تعلن بصوت قوى أن أقانيم الثالوث هى أكثر من واحد] شرح إنجيل يوحنا ج1، المرجع السابق، ص24.

[35] فى تعليقه على قول المسيح لأورشليم: ” كم مرة أردت ان أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا” (مت17:23)، يحدثنا القديس إيرينيوس عن حرية الإنسان قائلاً: [أوضح الرب بقوله هذا الشريعة القديمة لحرية الإنسان، لأن الله منذ البدء خلق الإنسان حرًا. فللإنسان سلطانه على قراره، كما أن له حياته الخاصة، حتى يتمم مقاصد الله بدون قسرٍ من الله لأن الله لا يستخدم القهر، بل هو فى كل الأزمنة يريد ما هو لخير الإنسان، ولهذا فإن تدبيره صالح للكل. لقد زوّد الإنسان بسلطان الاختيار، مثلما زوّد الملائكة به، حتى أن كل من يطيع ينال الصلاح حقًا، الصلاح المُعطى من الله، والمنوط بالبشر الاحتفاظ به. فإن كان هناك حقًا (كما يدعى البعض) مَنْ هم بالطبيعة أشرار ومَنْ هم بالطبيعة أخيار، فلا يكون الأخيار جديرين بالمدح على فعلهم الصلاح، لأنه داخل تركيبهم الطبيعى، ولا الأشرار يكونون مسئولين عن شرهم لأنهم هكذا خُلقوا. ولكن الكل فى الحقيقة لهم نفس الطبيعة، أى سلطان قبول  الصلاح وتنفيذه أو الازدراء وعدم تنفيذه] (AH4:27:1).

[36] عند القديس إيرينيوس نعمة عدم الفساد هى عطية الثالوث القدوس للمؤمن: [ الروح القدس يهيئ الإنسان لاقتبال ابن الله، والابن يأتى به إلى الآب، والآب ينعم عليه بعدم الفساد للحياة الأبدية] AH4:20:5.

[37] إش5:9ـ7.

[38] تك10:49ـ11.

[39] راجع يوستينوس الدفاع الأول 32,3..

[40] نفس هذا المفهوم يؤكد عليه القديس كيرلس الأورشليمى حين علّق على هذه النبوة قائلاً: [بهذا أعطى علامة لمجيء المسيح هو انقطاع الحكم من اليهود. فلو لم يكونوا تحت حكم الرومان لما كان المسيح قد جاء بعد. لو كان لليهود ملك من يهوذا من نسل داود لما جاء المسيح بعد…] كيرلس الأورشليمى، المرجع السابق، المقالة الحادية عشر، ص235.

[41] غاية التجسد عند القديس إيرينيوس هى أن “يمتزج” الإنسان بالكلمة فيصير بذلك ابنًا لله وهذا= =الاتحاد بين الله والإنسان يشبّهه بقبول مزيج الخمر السماوى، فالهراطقة يفحصون شخص المسيح فى ذاته بمعزل عن عمله الخلاصى وبدون تفاعل داخلى مع هذا العمل الخلاصى: [ فباطل هو تعليم الإيبونيين الذين لا يقبلون فى نفوسهم بالإيمان اتحاد الله بالبشرية… فإن هؤلاء الهراطقة يرفضون مزيج الخمر السمائى ويتمسكون فقط بالماء العالمى ولا يريدون أن يقبلوا الإله (الذى جاء) ليمتزج (ليتحد) بهم] (AH5:1:3).

[42] عد 17:24.

[43] انظر مت2:2.

[44] انظر مت 1:2ـ11.

[45] إش1:11ـ10 سبعينية.

[46] إش4:11.

[47] انظر فقرة 3.

[48] عا11:9 ، أع 16:15. عن الخيمة المقدسة التى أمر الله موسى أن يبنيها يؤكد غريغوريوس النيسى أنها تشير ايضًا إلى المسيح، ويتساءل قائلاً: [ ما هى إذن هذه الخيمة “غير المصنوعة بيد”، التى أُظهرت لموسى على الجبل والتى تسلّم رسمها وشاهد ترتيب مثالها الأصلى، حتى يمكن أن يجعل هذه الاية العجيبة التى لم تُصنع بيد بشر مرئية فى هيئة خيمة مصنوعة بيد البشر؟.. فأى حقائق غير مرئية كانت هذه الأشياء (الموجودة فى الخيمة) رمزًا ومثالاً لها؟!.. انطلاقًا من إشارة بولس الرسول الذى أزاح الستار جزئيًا عن السر المكنون فى هذه الأشياء التى بُلغ بها موسى بالرمز مسبقًا عن سر الخيمة التى تشمل الكل، التى هى المسيح، فإنه هو  “قوة الله وحكمة الله”، الذى فى طبيعته الذاتية ليس مصنوعًا بيدٍ بشرية، ولكنه لبس جسدًا مخلوقًا لما صار ضروريًا أن ينصب خيمته بيننا] حياة موسى:2، 170و173.

[49] راجع في 7:2.

[50] ميخا1:5.

[51] مز 10:132ـ12.

[52] هذا النص من زكريا 9:9. راجع مت 5:21، إش11:62.

[53] هذه الفقرة (66) هى مُلخص لفقرات 53ـ65 وأيضًا تمهيدًا للفقرات القادمة (67ـ88).

[54] إش4:53 . راجع 17:8.

[55] إش18:29.

[56] إش3:35ـ6.

[57] إش19:26.

[58] والشهيد يوستينوس يرى أن الله برهّن على العهد الجديد بالتعليم والمعجزات قائلاً: [ لقد برهن الله على هذا العهد بالتعليم والمعجزات، ولذلك آمنا أنه (أى المسيح) هو الناموس الجديد والعهد الجديد. والذين آمنوا به جاءوا من كل الشعوب، وصار لهم رجاء صالح فى الله، وصار هو إسرائيل الروحى الذى من سبط يهوذا ويعقوب وإسحق، وإبراهيم الذى نال البركة وهو غير مختون بل دُعىَّ أب الشعوب، ونحن صرنا الذين أفرزهم الله من الشعوب بواسطة المسيح المصلوب] الحوار مع تريفو10.

[59] إش13:52ـ5:53.

[60] مز14:73.

[61] إش6:50.

[62] مراثى إر3:3.

[63] إش5:53ـ6.

[64] إش53:7.

[65] إش8:53.

[66] إش53:8.

[67] مراثى إرميا20:4.

[68] انظر أع 15:5.

[69] إش1:57ـ2.

[70] إش57:2 (الطبعة البيروتية) ” هلك البار ولم يُبال أحد وأزيل أهل التقوى ولم يفطن أحد بأنه بسبب الشر أزيل البار. لكن السلام سيأتى والسائرون بالاستقامة يستقرون في مضاجعهم“.

[71] مز4:21.

[72] مز6:3(س).

[73] مز 1:2ـ2. راجع أع 25:4ـ26.

[74] مز38:89ـ45.

[75] زك7:13. راجع مت 31:26. مر 27:14.

[76] هو6:10س.

[77] راجع لو6:23ـ12.

[78] هذا المقطع موجود باللغة اليونانية عند يوستينوس فى الحوار مع تريفو 4:74 الذي ينسبه إلى إرميا، ويقول إن اليهود قد حذفوه من نصوصهم العبرية. راجع:

  1. Bénoit, Ecriture et Tradition Chez st. Irénée, in Rev. d’ Hist. Et de philo.= =Religieuses, 1960, No1, p.82.

[79] إش2:65س، انظر رو21:10.

[80] مز17:22.

[81] مز14:22ـ15.

[82] هذا الشاهد مركب من: مز21:22س، مز120:119س، ومز17:22س، ومز14:86س.

[83] تث66:28.

[84] مز18:22.

[85] بشأن هذه النبوة يقول القديس كيرلس الأورشليمى: [قد يقول آخر: اعطنى علامة أخرى تحققت بدقة. فأقول له: يسوع صُلِب، ولم يكن له سوى لباس واحد وثوب واحد. الثوب اقتسمه العسكر فيما بينهم إلى أربعة أجزاء، أما اللباس فلم يُقسم بينهم، إذ كان يفقد نفعه لو اُقتسم، فطرحوا قرعة عليه كقطعة واحدة… ويقول المزمور: ” اقتسموا ثيابى وعلى لباسى ألقوا قرعة“] كيرلس الأورشليمى، المرجع السابق، المقال الثالث عشر، ص259.

[86] زكريا 12:11، 13، مت10:27 ومن المحتمل أن يكون مصدر إيرينيوس هو إنجيل متى.

[87] انظر مت 1:27ـ10.

[88] مز21:69. مت 34:27. يتأمل القديس كيرلس الأورشليمى التحقيق الواضح لهذه النبوة قائلاً: [ها أنت ترى وضوح النبوة وصفائها! لكن أى نوع من العلقم وضعوه فى فمه؟ أعطوه خمرًا ممزوجًا بمرٍ هذا المر طعمه كالعلقم شديد المرارة. أبهذا تجازى الرب أيتها الكرمة؟! أهذه تقدمتك له ؟! بالحقيقة قال إشعياء فى القديم مولولاً عليك: ” كان لحبيبى كرم على أكمة خصبة. فنقبه ونقى حجارته وغرسه كرمًا سورق.. فانتظر أن يصنع عنبًا (إذ عطش طالبًا عنبًا) فنع شوكًا” (راجع إش1:5و2)] كيرلس الأورشليمى، المرجع السابق، المقال الثالث عشر، ص260.

[89] ” مز18:68ـ19.

[90] راجع أع 1:1ـ11.

[91] مز7:24. يعلّق القديس أثناسيوس على هذه الآية من المزمور قائلاً: [ فلم يكن الكلمة نفسه هو المحتاج لانفتاح الأبواب، إذ هو رب الكل ـ فلم تكن مخلوقاته مغلقة فى وجهه هو الذى خلقها ـ بل نحن الذين كنا فى احتياج إلى ذلك (أى إلى انفتاح الأبواب)، نحن الذين حملنا فى جسده الخاص. لأنه قدم جسده للموت عن الجميع، هكذا بنفس هذا الجسد، أعد الطريق للصعود إلى السموات] تجسد الكلمة، المرجع السابق، 6:35.

[92] مز10:24س.

[93] مز1:110.

[94] مز6:19أ.

[95] مز6:19ب.

[96] يقول القديس كيرلس الأسكندرى: [قد صار الابن حقًا هو الخلاص والبر من الله الآب لأجلنا، إذ هو الحق، وهو الذى تبرّرنا به لأنه انتصر على الموت الذى كان متملكًا علينا منذ القديم، وأعادنا إلى عدم الموت، وأعاد تشكيلنا إلى الحالة التى كانت عليها طبيعتنا منذ البداية] تعليقات لامعة (جلافيرا)، المرجع السابق، الكتاب الشهرى أبريل2005، ص20.

[97] يوضّح القديس إيرينيوس مفهوم هذه المصالحة بأنها إقامة الشركة بين الله والإنسان، حين قال: [لقد فدانا الرب بدمه وبذل نفسه من أجل نفوسنا، وجسده من أجل أجسادنا، وأرسل لنا روح الآب ليقيم الوحدة والشركة بين الله والإنسان] AH5:1:1,10.

[98] إش7:52. راجع رو 15:10.

[99] إش3:2.

[100] مز4:19.

[101] إش22:10ـ23

[102] رو8:13و10.

[103] مت37:22ـ40. يؤكد القديس إيرينيوس على أن شريعة العهد الجديد جاءت لكى تكمّل وتحقق شريعة العهد القديم، وأن الإله الذى نؤمن به هو إله العهدين: [ بما أن الوصية الأولى والعظمى= =فى كل من الناموس والإنجيل، هى تحب الإله من كل القلب، والثانية مثلها، تحب قريبك كنفسك، فإنها تدل على أن واضع الناموس والإنجيل هو واحد. فبما أن مبادئ الحياة الكاملة واحدة فى كلا العهدين، فإنها تشير إلى إله واحد، الذى أوصى بلا ريب بوصايا محدّدة تتناسب مع كل عهد، بينما اعطى تزكيته الخاصة للوصايا الأعظم والأهم التى بدونها لا يمكن أن يكون هناك خلاص لأحد فى كلا العهدين] (AH4:12:3).

[104] إش8:50ـ9، 11:2 .

[105] إش11:2س.

[106] إش15:65ـ16س.

[107] إش9:63س. يشرح لنا القديس كيرلس كيف أن المسيح قد فدانا بدمه أى بذبيحة نفسه قائلاً: [إنه يمارس الكهنوت متخطيًا الناموس، لأنه هو نفسه الذبيحة والحمل الحقيقى، وهو بعينه أيضًا رئيس الكهنة الذى بلا شر وبلا لوم، الذى لا يكهن عن خطايا نفسه لأنه إله فوق الخطية، بل يكهن لكى يبطل خطايا العالم. فقد صار هو نفسه إذن الكاهن الذى يكهن بذبيحة نفسه] تفسير الرسالة إلى العبرانيين1:3، PG74: 969-972.

[108] إش18:43ـ20س.

[109] راجع يوئيل28:2ـ29؛ أع17:2ـ18.

[110] رو6:7.

[111] إر31:31ـ34، عب8:8ـ12. يؤكد القديس يوستينوس على الشريعة الجديدة قائلاً: [ لا يوجد خلاص (بوساطة) موسى أو الناموس مثلكم، ولكن كما قرأت فى الأسفار الإلهية أنه سيكون ناموس (شريعة) جديد أبدى هو نهاية أو كمال الناموس (الشريعة) القديم، وسيكون عهد يفوق العهد السابق، هذا العهد يدعو كل البشر إلى التمسك به، لأنه سيجعل الله نفسه هو الميراث. أما الناموس الذى أُعلِنَ على جبل حوريب فهو قديم ويخصكم أنتم فقط (اليهود)، وأنت تعلم أن القانون الذى يخلف قانونًا قديمًا يلغى القانون القديم، وهكذا ينطبق أيضًا على العهد. أما الناموس والعهد الأبدى فهو ما أعطاه المسيح لنا، وهو عهد جديد بالقبول والإيمان به، ولا يوجد بعده قانون أو وصايا أو فرائض] حواره مع تريفو اليهودى 10.

[112] إش7:17ـ8.

[113] إش1:65، وانظر رو20:10.

[114] رو25:9ـ26، انظر هو1:2و25.

[115] مت19:3.

[116] حز19:11ـ20.

[117] يو14:1.

[118] يعبّر القديس كيرلس عن هذا المفهوم قائلاً: [ لما صار إنسانًا ـ بحسب قول يوحنا إن الكلمة صار جسدًا ـ حينئذٍ جُِعل رسولاً من أجلنا ورئيس كهنة لاعترافنا ليرفع إلى الآب اعترافنا بالإيمان] الكنز فى الثالوث: 21.

[119] إش1:54.

[120] غلا27:4.

[121] انظر تث44:28.

[122] تث21:32. راجع رو 19:10.

[123] انظر إر8:2.

[124] راجع رو 10:13.

[125] هنا يشرح القديس إيرينيوس مدى تفوق شريعة العهد الجديد (النعمة) على شريعة الناموس وهو لا ينادى أبدًا بإلغاء الناموس ووصاياه الأخلاقية، فهى الحد الأدنى ـ بحسب رأيه ـ مقارنة بالحياة الروحية فى المسيح.

[126] انظر خر13:20، ومت27:5و28.

[127] هوشع6:6. راجع مت 13:9، 7:12.

[128] إش3:66.

[129] أع21:2.

[130] أع12:4.

[131] راجع يوستينوس الدفاع الثانى6:6.

[132] هذا النص ورد أيضًا في (AH5:35,1) وهو موجود فى سفر باروخ (29:3ـ104) وهذا النص هو مديح للحكمة.

[133] راجع فقرة 22و55. هدف التأنس بحسب إيرينيوس هو جمع الكل في المسيح  “anakefalaiwsij “ وإحضار الإنسان إلى الحالة الأولى قبل السقوط. وكل ما فقده الإنسان في آدم أى “التشبه” بالله، يمكن أن يكتسبه في المسيح وبالمسيح. هكذا “بحسب الصـورة” و”بحسب المثال ” تؤسس وفق إيرينيوس على الخريستولوجية (أى التعليم عن المسيح) ويشددّ إيرينيوس على أن “بحسب المثال” يتحقق بفعل عمل الروح القدس.

[134] انظر القديس أثناسيوس الرسولى: الرسائل عن الروح القدس للأسقف سرابيون، المرجع السابق الرسالة الأولى:28.

[135] الهراطقة التي يقصدهم إيرينيوس هم الغنوسيون ومنهم بالتأكيد ماركيون.

[136] الكتاب باللغة باليونانية باسم Elegcoj kai anatrop» tÁj yeudwnÚmou gnèsewj: المعروف بكتاب “ضد الهرطقات”.

[137] هنا يُفهم أن إيرينيوس أراد أن يتحدث في كتابه (ضد الهرطقات) عن اللاهوت أى التعليم عن الله (qeolog…a) أما في عمله الحالى ” شرح الكرازة الرسولية ” عن الخريستولوجية  “cristolog…an “ أى التعليم عن المسيح.

[138] إش30:1.

[139] يقصد قانون الإيمان الذى يقرّ به المقبل على العماد عندما يتجه ناحية الشرق.

[140] يقصد رئيس الأساقفة يوحنا الأخ الأكبر لباسيليوس كليكيا Hetum (1226-1270)، الذي صار أسقفًا عام 1259م ورحل عام 1289م.

 

الكرازة الرسولية ج3 – ق. إيرينيوس – د. نصحى عبد الشهيد