الكرازة الرسولية ج2 – ق. إيرينيوس – د. نصحى عبد الشهيد
الكرازة الرسولية ج2 - ق. إيرينيوس - د. نصحى عبد الشهيد
الكرازة الرسولية ج2 – ق. إيرينيوس – د. نصحى عبد الشهيد
الجزء الثانى
نص كتاب
”الكرازة الرسولية ” [1]
مقدمة:
1ـ اعرف أيها المحبوب ماركيانوس[2] غيرتك وتقواك نحو الله، التي هى الطريق الوحيد الذى يقود الإنسان نحو الحياة الأبدية، كما أشاركك فرحك وأتمنى أن دخولك للإيمان وثباتك فيه يجعلك حسن القبول عند الله خالقك. ويا ليتنا كُنا معًا لكى يساعد الواحد منا الآخر ونتقاسم أمور هذه الحياة بالأحاديث اليومية في الموضوعات المفيدة. لكن طالما الواحد منا بعيد عن الآخر ـ فى الوقت الحاضر ـ ولا يمكن أن نتواصل معًا إلاّ بواسطة الكتابة، لهذا أنوى أن أعرض لك كرازة الحق، بإيجاز، لكى تعضدك في الإيمان. وأرسل إليك “مذكرة ملخصة” فى شكل نقاط أساسية حتى تفهم أمورًا كثيرة بواسطة هذا القليل. وهذا العرض الموجز سوف يمدك بمحصلة “عن كل أعضاء جسد الحقيقة”[3] وبراهين العقائد الإلهية. أيضًا سيمكنك أن تقتنى ثمار الخلاص وتُفحم من يعيشون في الضلال. وبواسطة هذا العرض هنا ستتمكن من أن تنقل بأمانٍ تام كلمة مقدسة وبلا لوم إلى أولئك المشتاقين لمعرفة إيماننا.
سِر فى الطريق بالإيمان:
ولا يوجد سوى طريق واحد[4] فقط منير بواسطة النور الإلهى، لأولئك الذين يبصرون، أما الذين لا يبصرون، فهم يواجهون طُرقًا مُظلمة متعارضة فيما بينها. إذن، الطريق الأول يقود إلى ملكوت السموات بواسطة اتحاد الإنسان بالله، والطرق الأخرى تؤدى إلى الموت لأنها تُبعد الإنسان عن الله. وبالتالى فمن الضرورى لك ولكل الذين يعتنون بأمر خلاص نفوسهم أن يستمروا في مسيرتهم نحو نور الإيمان بتمسكهم بالإيمان بلا انحرافات وبغيرة وثبات. وإذا تكاسلتم وتوقفتم في الطريق فإنكم تسقطون فى شهوات جسيمة وتضلون وتبتعدون عن الطريق المستقيم[5].
قداسة الإنسان : النفس والجسد معًا:
2 ـ إن الإنسان كائن حى مكوّن من: النفس والجسد، لهذا يجب أن يأخذ المرء في اعتباره هذا التكوين، لأنه يمكن أن يأتى السقوط من الاثنين[6]. فقداسة الجسد تتحقق بطرد الرغبات الوضيعة والابتعاد عن الأعمال الشريرة، بينما قداسة النفس تتحقق بسلامة الإيمان[7] بالله بدون إضافة أو حذف. لأن التقوى تذبل وتفسد بواسطة دنس الجسد ونجاسته، كما أن الضلال عندما يتسلّل إلى النفس يُجمّدها ويلوثها وتفقد سلامتها. وعلى العكس فإن التقوى تحفظ بهائها وجمالها طالما أن النفس تُوجد في الحق والجسد يحتفظ بالنقاوة[8].
فما الفائدة أن يعرف الإنسان الحق بالكلام وهو يلوث الجسد ويسُلّمه إلى الأعمال الشريرة؟ وما الفائدة من قداسة الجسد لو أن الحق غير موجود في النفس؟ لأن هذان الاثنان (النفس والجسد) يفرحان معًا ويحاولان معًا أن يقودا الإنسان إلى حضرة الله. لذا يقول الروح القدس على فم داود: ” طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار“[9]، أى مشورة الأمم الذين لا يعرفون الله. فالأشرار هم الأمم الذين لا يعبدون الله الكائن الحقيقى، إذ أن الكلمة أيضًا يقول لموسى: ” أنا هو الكائن“[10]. إذن كل الذين لا يعبدون الله الكائن هم “أشرار”. ويكمل فى المزمور قائلاً: “ وفي طريق الخطاة لم يقف“. الخطاة هم الذين، بالرغم من أنهم يملكون معرفة الله، فإنهم لا يحفظون وصاياه بل يستهينون بها. ” وفي مجلس المستهزئين لا يجلس“، وهم الناس المملؤون من الكذب والتعليم الضال وينشرون المرض (الطاعون) ويفسدون لا ذواتهم فقط بل الآخرين أيضًا. إذ أن كلمة “مجلس” تعنى مدرسة أو مكان للتعليم. فكلام المزمور ينطبق على الهراطقة أيضًا الذين “يجلسون في مجلس المستهزئين” ينفثون سموم تعاليمهم فى الذين يسمعونهم.
حافظ على قانون الإيمان:
3 ـ ولكى لا نتعرّض لمثل هذه الأمور لابد أن نتمسك بقانون الإيمان[11] الثابت ونحفظ فى إيمان وصايا الله، ونخافه كرب ونحبه كأب[12].
إذن فإن حفظ الوصايا يأتى نتيجة للإيمان، لأن ” إن لم تؤمنوا ـ يقول إشعياء ـ فلا تفهموا“[13]. فالحق يمنح الإيمان لأن الإيمان مؤسس على الأمور الموجودة حقًا، حتى إننا نؤمن بما هو حقيقى كما هو في الواقع، وإذ نؤمن بما هو موجود حقًا كما هو فعلاً، فإننا نحفظ اعتقادنا ثابتًا من جهة هذه الأشياء.
إذن، طالما أن خلاصنا يعتمد على الإيمان، فمن الضرورى أن نبذل كل اهتمام لحفظ هذا الإيمان، وأيضًا كى يكون فهمنا لهذا الإيمان فهمًا صحيحًا وحقيقيًا.
الله والإنسان
إذن ما الذي يخبرنا عنه الإيمان كما سُلم لنا من الشيوخ تلاميذ الرسل[14]. فإن الإيمان أول كل شئ يحثنا أن نتذكر أننا قبلنا المعمودية باسم الله الآب ويسوع المسيح ابن الله، الذي تجسد وصلب وقام، وروح الله القدوس، لغفران خطايانا، وأن هذه المعمودية هى ختم[15] الحياة الأبدية وميلادنا الثانى[16] من الله، حتى لا نكون بعد أولاد البشر المائتين، بل أولاد الله الأبدى. وعلينا دائمًا باستمرار أن نعمل لأجل أن نتسامى فوق كل الأشياء المخلوقة، فالكل موجود تحت سلطان الله، وكل ما هو موجود تحت سلطانه عليه أن يعمل لأجله، لأن الله هو رب الكل والكل ينتمى إليه. الله هو ذو السلطان المطلق والكل يأتى منه.
الله خلق الكل بكلمته وحكمته:
4 ـ في الحقيقة، إن كل المخلوقات تستمد بالضرورة بداية وجودها من علة أولى عظيمة، وعلة كل الأشياء هو الله. الكل يأتى منه، أما هو فلم يُوجِده أحد. لذا فإنه من الاستقامة والحق أن نؤمن بأنه يوجد إله واحد، الآب، الذي خلق الكل[17]، وصنع كل ما لم يكن موجودًا من قبل، وهو يحوى “الكل”، هذا الذي هو نفسه غير المحوى من أى شئ. كما أن العالم يدخل في نطاق ذلك “الكل” الذي يحويه الله ومن بين هذا “العالم” الإنسان أيضًا، وبالتالى فإن الله خلق هذا العالم كله.
5 ـ ويتضح تعليم إيماننا في الآتى: واحد فقط هو الله، الآب، غير مولود، غير منظور خالق الجميع، فوقه لا يوجد إله آخر[18]. ولأن الله هو ناطق فقد خلق كل الأشياء بكلمته. ولأن الله روح ولذلك فقد زيّن كل الأشياء بروحه، كما يقول النبى ” بكلمة الرب صُنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها“[19]. وبينما الكلمة يؤسس أى يعطى الكائن جوهره ويمنحه الوجود، فإن الروح يمنح الشكل والجمال لهذه القوات المختلفة، لذا فإنه من الصواب أن يُدعى الابن كلمة الله، بينما يُدعى الروح حكمة الله[20]. لذلك بالصواب أيضًا يقول بولس: ” إله وآب واحد للكل الذي على الكل وبالكل وفي كلكم“[21]. فالآب هو ” فوق الجميع“، والكلمة “بالكل” “ di£ p£ntwn“، طالما أن كل الأشياء بواسطته[22] خُلقت من الله. الروح هو فينا جميعًا ” في كلنا ἐn pάsin hm‹n ” وهو يصرخ ” يا أبا الآب“[23].
كما أنه يمنح الإنسان أن يكون على صورة الله. والروح أيضًا يُظهر الكلمة[24]، لذلك تنبأ الأنبياء عن ابن الله. والكلمة أيضًا متحد بالروح. لذلك فهو يفسر[25] كتب الأنبياء ويُدخل الإنسان إلى الآب.
ثلاثة بنود لقانون الإيمان والمعمودية:
6ـ إن البند الأول من قانون إيماننا، وقاعدة البناء وأساس الخلاص هى أن: ” الله الآب غير المولود، غير المُحوى، غير المرئى[26] إله واحد خالق الجميع”.
والبند الثانى: هو أن كلمة الله ” ابن الله، يسوع المسيح ربنا، الذي تنبأ عنه الأنبياء[27]، الذى كل شئ به كان[28] وبتدبير الآب في الأيام الأخيرة صار إنسانًا بين البشر[29] وتراءى للكل[30] لكى يُبطل الموت[31] ولكى يجمّع[32] كل شئ ويُظهر الحياة ويصنع شركة بين الله والإنسان”.
والبند الثالث هو أن: “الروح القدس هو الذي بواسطته تنبأ الأنبياء وتعلّم الآباء بأمور الله، والذي بواسطته دخل الأبرار إلى طريق البر، كما أنه انسكب في الأيام الأخيرة[33] بطريقة جديدة على جنس البشر مجددًا الإنسان لله”[34].
7 ـ لأجل هذا، فإن المعمودية التي هى ميلادنا الثانى[35] تُجرى على اسم الثالوث[36]، وهى التى تضمن لنا الميلاد الثانى من الله الآب بابنه في الروح القدس[37]. لأن الذين يعتمدون ينالون روح الله الذي يقودهم نحو الكلمة، أى نحو الابن، بينما الابن يأتى بهم إلى الآب الذى يمنحهم عدم الفساد[38]. إذن فبدون الروح لا يمكن أن يرى هؤلاء كلمة الله وبدون الابن لا يمكن لأحد أن يصل إلى الآب، لأننا ننقاد إلى الآب من خلال معرفة الابن[39]، بينما معرفة ابن الله الكلمة تصير بواسطة الروح القدس. كما أن الابن يمنح الروح بحسب ما يريد الآب[40].
8 ـ والروح القدس يدعو الآب كلّى القدرة ورب القوات، لكى يعلّمنا أن الله هو مبدع السماء والأرض والكون كله، خالق الملائكة والناس ورب الكل، ذاك الذي به توجد وتُحفظ كل الأشياء، إنه الرحوم، والرؤوف، والصالح، والبار، والكامل في المحبة، إله الجميع؛ اليهود والأمم والمؤمنين. ومع ذلك هو أب للمؤمنين أيضًا لأنه في آخر الأزمنة أعطى لهم عهد[41] التبنى. بينما لليهود هو سيد ومُشرِّع، لأنه عبر الأزمنة تناسى البشر الله وابتعدوا عنه وتمردوا عليه فساقهم للعبودية، ونير الناموس يعلّمهم أن لهم رب واحد، خالق وصانع كل شئ، الذي يمنح نسمة الحياة، وله يجب أن نقدم العبادة صباحًا ومساءً. هو البداية الخالقة وهو السيد. هو المعتنى بالكل وفي نفس الوقت هو المُربى، والملك والديَّان، لأنه لا يوجد أحد يمكنه أن يفلت من دينونته سواء يهودى أو أممى ولا خاطئ ولا ملاك. لكن الذين ـ في الوقت الحاضر ـ يرفضون الإيمان بصلاحه فسوف يعرفون قوته في يوم الدينونة، وفق كلمات بولس الطوباوى: ” غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة. ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة الذي سيجازى كل واحد حسب أعماله“[42]. هذا هو الله الذي يدعوه الناموس إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب، إله الأحياء. وعلى الرغم من ذلك فإن عظمة وسمو هذا الإله لا تُوصف.
عالم الملائكة:
9ـ والعالم[43] مُحاط بسبعة سموات، هناك تسكن قوات لا تُحصى، وملائكة، ورؤساء ملائكة الذين يتممون واجب العبادة لله كُلى القدرة وخالق الجميع. ليس لأن الله في احتياج[44] (لعبادة الملائكة)، لكن حتى لا يظلوا بلا عمل وبلا فائدة وبلا نفع. وروح الله له فعل متعدد الوجوه، وإشعياء النبى يحصى سبعة أشكال لخدمة الروح عندما يتحدث عن الروح الذي سوف يحل على ابن الله أى على الكلمة في زمن تجسده، لذا ” ويحل عليه روح الرب روح الحكمة روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب“[45]، فالسماء الأولى، العليا المحاطة بالسموات الأخرى، هى سماء الحكمة، الثانية هى للفهم، والثالثة للمشورة ـ والرابعة من فوق إلى أسفل ـ هى للقدرة، الخامسة للمعرفة، والسادسة للتقوى، والسابعة ـ التي تمثل قبتنا الزرقاء ـ هى مملوءة من مخافة الروح الذي ينير السموات.
10 ـ هذا الإله يُمجد بواسطة كلمته الذي هو ابنه الأزلى وبالروح القدس الذي هو حكمة[46] الآب الذى هو أب الجميع. هذان الأقنومان الإلهيان، الكلمة والحكمة لهما في خدمتهما طغمة من الأرواح الملائكية تُدعى الشاروبيم والسيرافيم الذين يمجدون الله بتسابيحهم التي لا تنقطع، وكل ما فى السموات المخلوقة يعطى مجدًا لله، آب الجميع، الذي بكلمته خلق العالم ـ بما فيه ـ الملائكة وأعطى قوانين (نواميس) لكل العالم، حتى أن الجميع يظلون في مكانهم ولا يتجاوزن حدودهم المرسومة لهم بواسطة الله، بل إن كل واحد منهم يتمم العمل المحدد له من قِبَل الله.
خلق الإنسان:
11 ـ أما الإنسان، فقد خلقه بيديه[47] نفسها، آخذًا جزءً رقيقًا ونقيًا من الأرض ثم وحّده بجزء من قوته. بعد ذلك طبع صورته على خليقته[48] حتى يكون مميزًا تمييزًا واضحًا، بأنه مخلوق على صورة الله. ثم وضع الإنسان المخلوق على الأرض لكى يمثل صورة الله فيها[49]. ولكى ينقل الله الحياة إلى الإنسان نفخ في وجهه نسمة الحياة[50]، وهذه جعلت الإنسان شبيهًا بالله[51].
لقد خُلق الإنسان حرًا وسيدًا[52] وعُين من قِبَل الله لكى يتسلط على كل ما على الأرض. وهذا العالم العظيم المخلوق من قِبَل الله، والذي أُعد قبل خلق الإنسان، أُعطى للإنسان كمسكن له، حتى يحيا متنعمًا فيه[53] ووضع الله، خالق الجميع، داخل هذا العالم خُدامًا، وحدَّد لكل واحد منهم خدمة خاصة. حارس هذا العالم هو الرئيس المدبر رئيس الربوات، ورئيس لأعوانه الآخرين. الخُدام كانوا الملائكة ورئيس الربوات كان رئيس الملائكة.
12 ـ وإذ جعل الإنسان (آدم) سيدًا على الأرض وكل شئ فيها، فإنه جعله كذلك سيدًا على الكائنات التي كان ينبغى أن تخدمه. ولكن بينما كانت هذه الكائنات الأخيرة في قمة قوتها، كان سيدها أى الإنسان لا يزال صغيرًا، كان طفلاً عليه أن ينمو لكى يحقق كماله[54]. ولكى يمكنه أن يحيا في فرح وهناء، أعدّ الله له أفضل مكان في العالم من حيث توفر الهواء والجمال والنور والغذاء والنبات والثمار والمياه، لم ينقصه شيئًا من مستلزمات الحياة، لذا دُعى هذا المكان الفردوس. هذا الفردوس كان جميلاً وحسنًا، كلمة الله (ابن الله) كان يتمشى هناك باستمرار يتحدث مع الإنسان عن الأمور العتيدة، بل حاول بالحرى أن يوضح له أنه سيكون رفيقًا له ويتحدث ويتحاور معه، وأنه سوف يسكن مع البشر لكى يعلّمهم البر. لكن الإنسان كان طفلاً، لم يكن لديه بعد إرادة ناضجة، لذا خُدع بسهولة من المضلّل.
خلق المرأة:
13 ـ بينما كان آدم يتمشى في الفردوس، أحضر الله أمامه كل الحيوانات وأمره بأن يعطى اسمًا لكل واحد منها، وأعطى آدم اسمًا لكل من الكائنات الحية[55]. وقرر الله أيضًا أن يعطى معينًا للإنسان، إذ يقول: ” ليس جيدًا أن يكون آدم وحده، فأصنع له معينًا نظيره“[56]، لأنه من كل الكائنات الحية لم يكن هناك مُعين مساوٍ لآدم ونظير وشبيه له. فمن ثمَّ أوقع الله آدم في سُبات وأنامه. هكذا لكى يكمل الله خليقته، سمح الله لآدم بأن ينام مع أن النوم لم يكن يوجد سابقًا في الفردوس. ثم أخذ الله واحدة (ضلع) من جنب آدم، وأكمل المكان الذي أُخذ منه باللحم، ومن هذا الجنب خلق المرأة وأحضرها أمام آدم. عندما رآها آدم قال: ” هذه الآن عظم من عظامى ولحم من لحمى هذه تُدعى امرأة لأنها من امرءٍ أُخذت“[57].
14 ـ كان آدم وحواء ـ وهذا هو اسم المرأة ـ عريانين ولا يخجلان[58]، لأنهما كانا بريئين وأفكارهما كانت طاهرة كأفكار الأطفال، ولم يكن شئ يدخل في روحهما وعقلهما يسبّب لهما شهوات دنسة ومخزية في النفس، وحَفِظا نقاء وسلامة طبيعتهما، لأنه فى لحظة الخلق نُفخ فيهما نسمة الحياة[59]. ومن ثمَّ، فطالما هذه النسمة كانت باقية تسرى فيهم بقوة، كانت تحمى فكرهما وروحهما من الشر. لذا فقد كانا لا يخجلان عندما يتعانقان ويداعبان الواحد الآخر كالأطفال.
ناموس للحياة:
15 ـ لكن لكى لا يتعاظم الإنسان ولا يهاجمه الغرور[60]، كأن لا رب له، ولكى لا يتصور تصورات خاطئة في علاقاته مع الله، خالقه، بسبب القوة والحرية المحيطين به ويتجاوز حدوده المعينة له، ولكى لا ينزلق بسبب أفكار التعالى ويتمرد على الله، أُعطى إليه ناموس من الله، لكى يعلّمه أن سيده وربه، هو رب الكل. الله وضع له حدودًا معينة، حتى يمكنه أن يظل دائمًا في هذه الحالة، أى غير مائت، لو حفظ وصايا الله، بينما لو ظل غير مؤمن، فسيدركه الموت وسيرجع إلى الأرض التي أُخذ منها. وكانت الوصية هى: “من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتًا تموت“[61].
التعدى:
16 ـ ولكن الإنسان لم يحفظ هذه الوصية، ولا أطاع الله، لكن خُدع من الملاك (الساقط)[62] الذي حسده بسبب العطايا الكثيرة التي أعطاها الله للإنسان، وجلب له الدمار وجعله خاطئًا، مقنعًا إياه أن يخالف وصية الله. بنفس الطريقة، إذ صار الملاك (الساقط) بواسطة الأكاذيب أبًا ومدبرًا للخطية، فإنه طُرد لأنه كان مضادًا لله وصار سببًا في طرد الإنسان من الفردوس. وبواسطة هذا التصرف تمرد وانفصل عن الله ، دُعى فى اللغة العبرية شيطان الذى يعنى المتمرد، وقد دُعى أيضًا إبليس. ثم لعن الله الحية التي كانت إناءً لإبليس، وحلت اللعنة على الحيوان نفسه (الحية) كما على الملاك الذي اختفى فيها أى الشيطان. أما بالنسبة للإنسان، فطرده الله من حضرته، وأسكنه بالقرب من الفردوس، لأن الخطاة لا يُقبلون داخل الفردوس[63].
قايين وهابيل:
17 ـ طُرد آدم من الفردوس وكذلك امرأته حواء، فأتت عليهما أحزان ومصاعب، وحياتهما في هذا العالم سادها حزن شديد وتطلبت عملاً شاقًا. حقيقةً، لقد أفلح آدم الأرض تحت أشعة الشمس، ولكنها أنبتت له شوكًا وحسكًا كعقاب للخطية. بعد ذلك نقرأ ” وعرف آدم حواء امرأته فحبلت وولدت قايين. وقالت اقتنيت رجلاً من عند الرب. ثم عادت فولدت هابيل“[64]. لكن الملاك المتمرد (الشيطان)، الذي قاد الإنسان إلى العصيان وجعله خاطئًا وكان هو سبب طرده من الفردوس، لم يكتفِ بهذا الشر الأول، إذ ملأ روح الشر قايين وجعله يقتل أخيه. هكذا مات هابيل، مقتولاً من أخيه، وهذه إشارة بأنه منذ ذلك الوقت فإن بعض الناس سوف يُضطهدون ويُقهرون ويُقتلون، بينما الظالمون سوف يطردون ويقتلون الأبرار[65]. عندئذٍ غضب الله ولعن قايين ونتيجة لهذا، صارت قبيلته من جيل إلى جيل مثل أبيهم (يقصد صاروا قتلة مثل أبيهم قايين). وعوضًا عن هابيل المقتول أعطى الله ابنًا آخر إلى آدم[66].
تكاثر الشر:
18 ـ واتسع الشر وانتشر[67] بلا انقطاع حتى سيطر على كل الجنس البشرى، لدرجة أنه لم يبقِ إلاّ القليل جدًا من الأبرار بينهم. حقيقةً صار هناك زيجات مخالفة على الأرض، ملائكة صنعوا علاقات زيجة مع بنات الناس وانجبوا منهم أبناء، الذين بسبب قامتهم غير المعتادة (في الطول) دُعوا جبابرة[68]. والملائكة أعطوا لزوجاتهم دروسًا للشر، لأنهم علّموهم عن كيفية استخدام الجذور والأعشاب فى أعمال السحر، واستخدام الألوان وتزيين الوجوه، واكتشاف طريقة البحث عن الكنوز، والسحر، والكراهية، والزنى، والشهوات، والإبداعات الشريرة، وأسرار السحر، وكل أنواع التنجيم وعبادة الأوثان، التي هى عداوة لله. كل هذا تفاقم داخل العالم فتزايد تيار الشر بينما البر كان يتناقص.
نوح والطوفان:
19ـ بعد عشرة قرون من خلق الإنسان الأول أرسل الله الطوفان لكى يعاقب العالم، لأنه لم يجد إلاّ بارًا واحدًا فقط هو نوح[69]. وبسبب بره خلّصه مع امرأته وثلاثة من أبنائه وزوجاتهم الثلاثة[70]. وأغلق عليهم داخل الفلك مع كل الحيوانات التي أراها الله لنوح لكى تدخل معه. وعندما سقط هذا السوط المدمر على كل البشر والحيوانات التي وُجدت على الأرض، فإن بذرة الحياة حُفظت في الفلك. وبواسطة الثلاثة أبناء سام وحام ويافث، تكاثر الجنس البشرى من جديد ومنهم أخذ البشر بدايتهم بعد الطوفان.
لعنة حام:
20 ـ أحد الثلاثة وقع تحت اللعنة بينما الاثنين الآخرين نالوا بركة بسبب أعمالهم. فالأصغر منهم المدعو حام أهان أبيه[71] وبسبب السلوك المشين تجاه أبيه أُدين لعدم تقواه واستحق اللعنة التي انتقلت إلى أحفاده، وهؤلاء كانوا يزدادون لعنة كلما انغمسوا في الخطية. وعلى العكس، فإن سام ويافث أخواه بسبب تقواهما كابنين وفيّين تجاه أبيهما أخذا بركة عظيمة. وكانت لعنة الأب نوح الموجهة إلى حام كالآتى: ” فقال ملعون كنعان. عبد العبيد يكون لإخوته“[72]. فكان له أبناء وأحفاد كثيرون على الأرض، حتى أربعة عشر جيلاً في منطقتهم، حتى عاقبهم الله وأدانهم. فالكنعانيون والحثيون والفرزيون والحوريون والأموريون واليبوسيون، والجرجاسيون والسدوميون، والعرب والساكنون في فينيقية، والمصريون واللوديميون انحدروا من قبيلة حام[73]، كل هؤلاء وقعت عليهم لعنة الله التي استمرت لمدة طويلة على غير الأنقياء.
البركة لسام ويافث:
21 ـ وكما أن اللعنة تعاقبت على هذه الأجيال الشريرة هكذا أيضًا استمرت البركة للأحفاد المُباركين، كل واحد بدوره. سام، الأول منهم نال بركة بالكلمات الآتية: ” مبارك الرب إله سام وليكن كنعان عبدًا له“[74]. نتيجة هذه البركة صار سام يعبد الله سيد الكل. هذه البركة الممتدة ازدهرت حين وصلت إلى إبراهيم، الحفيد المطيع لسام في الجيل العاشر. ولذلك فإن الله أبو الجميع قَبِل أن يُدعى ” إله إبراهيم واسحق ويعقوب“[75]، لأن بركة سام امتدت واتسعت ووصلت حتى إبراهيم. بالنسبة لبركة يافث كانت هكذا: ” ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام وليكن كنعان عبدًا لهم“[76]. وقد حقق الرب هذه البركة في نهاية الأزمنة، إذ امتدت دعوته حتى الأمم بظهور الرب حسب المكتوب: ” في كل الأرض خرج منطقهم وإلى أقصى المسكونة كلماتهم“[77]. ليفتح الله ليافث يعنى دعوة الأمم أى الكنيسة، وعبارة ” فيسكن في مساكن سام” تعنى أن يسكن (الأمم) في إرث البطاركة في المسيح يسوع، ويحصلون على حقوق البكورية. هكذا كل واحد نال البركة بنفس الترتيب إذ قَبِل بواسطة أحفاده ثمار البركة[78].
العهد مع نوح:
22 ـ قطع الله عهدًا بعد الطوفان مع كل الكون خاصةً الحيوانات والبشر ووعد بأنه سوف لا يدمر بالطوفان كل قائم على وجه الأرض مرة أخرى، وأعطاهم علامة: ” فيكون متى أنشر سحابًا على الأرض ويظهر القوس في السحاب. أنى أذكر ميثاقى الذي بينى وبينكم وبين كل نفس حية في كل جسد. فلا تكون أيضًا المياه طوفانًا لتهلك كل ذي جسد“[79]. ثم غيّر غذاء البشر، إذ سمح بأكل اللحم، إذ أنه منذ خلق آدم حتى الطوفان تغذى البشر فقط بالخضروات وثمار الأشجار، ولم يكن مسموحًا لهم بأكل اللحم. ولأن الأبناء الثلاثة لنوح يمثلون جذور الجنس البشرى، باركهم الله قائلاً: ” وبارك الله نوحًا وبنيه وقال لهم اثمروا واكثروا واملأوا الأرض. ولتكن خشيتكم ورهبتكم على كل حيوانات الأرض وكل طيور السماء مع كل ما يدب على الأرض وكل أسماك البحر قد دُفعت إلى أيديكم. كل دابة حية تكون لكم طعامًا. كالعشب الأخضر دُفعت إليكم الجميع. غير أن لحمًا بحياته دمه لا تأكلوه. واطلب أنا دمكم لأنفسكم فقط. من يد كل حيوان أطلبه. ومن يد الإنسان أطلب نفس الإنسان. من يد الإنسان أخيه. سافك دم الإنسان بالإنسان يُسفك دمه. لأن الله على صورته عمل الإنسان“[80]. صورة الله هى الابن[81]، والذى على صورته خُلِق الإنسان. لذلك ظهر الابن في الأيام الأخيرة[82] لكى يجعل الإنسان، الذى خُلِق على صورته، مشابهًا له[83].
تكاثر الجنس البشرى المنحدر من الثلاثة أبناء بعد الطوفان، وكانت الأرض لها شفاه واحدة أى لسانًا واحدًا[84].
برج بابل:
23ـ ارتحل البشر وابتعدوا من أرض المشرق ووصلوا إلى بقعة في أرض شنعار[85]. هناك شرعوا في بناء برج، وكان قصدهم أن يرتفعوا بواسطته حتى السماء، تاركين هكذا هذا البرج إلى الأجيال الآتية نصبًا تذكاريًا دائمًا لهم[86]. وعملوا البناء من اللبِن والحُمِر. ومما زاد تهورهم وجرأتهم أنه كان لهم فكر واحد وإرادة واحدة وساعدتهم وحدة اللغة أن يحققوا ما قصدوه. لكن الله إذ لم يَرِد أن يستمر هذا العمل، فإنه بلبل ألسنتهم[87]، بطريقة لا تُمكِّن الواحد من أن يفهم الآخر. هكذا انفصل الواحد عن الآخر وتبدَّدوا على كل وجه الأرض مرتحلين لينزلوا في أماكن مختلفة. وسكنوا في مجموعات حسب لغة كل مجموعة، ومن هنا صارت شعوب كثيرة ولغات مختلفة على الأرض. ثلاث قبائل (أجناس) من البشر سكنوا الأرض: واحدة منها حلّت عليها اللعنة، والاثنين الآخرين نالتا البركة، أعطيت البركة أولاً لسام الذي سكن أحفاده في الشرق وامتلكوا أرض الكلدانيين.
إبراهيم واسحق ويعقوب:
24 ـ بعد مرور سنين كثيرة، في الجيل العاشر بعد الطوفان، أراد إبراهيم أن يعلم ما سوف يعود عليه من تحقيق النبوة المعطاة إلى جده، متشوقًا لمعرفه الله الذي ينتظره. وبسبب رغبة نفسه هذه طاف كل العالم باحثًا لعله يجد الله، وعندما نَفَدت محاولات البحث، رحمه الله. إذ بينما كان يطلبه في صمت ظهر الله له معلنًا نفسه بالكلمة كشعاع نور. إذ تحدث إليه من السماء وقال:” اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك“[88]. آمن إبراهيم بصوت السماء وبالرغم من أنه كان متقدمًا في العمر إذ كان له سبعون عامًا وكان متزوجًا، خرج من بلاد ما بين النهرين مع امرأته، آخذًا معه لوط ابن أخيه المتوفى. عندما وصل إلى المكان المًسمى اليوم اليهودية والذي كانت تسكنه سبع قبائل من نسل حام، ظهر الله له وقال: ” لنسلك أعطى هذه الأرض“[89]، وأخبره بأن نسله سوف يتغرّب في بلاد غريبة، وسوف يكابد شرًا فيها، ويعاني في عذاب وعبودية أربعة قرون وأنه في الجيل الرابع سوف يعود إلى الأرض، التي وُعد بها إبراهيم. وسوف يعاقب الله الأمم التي استعبدت نسله. ولكى يجعل الله إبراهيم عارفًا بمقدار كثرة نسله، دعاه في الليل وقال له: ” انظر إلى السماء وعِد النجوم إذ استطعت أن تعدها. هكذا يكون نسلك“[90] ورأى الله أن إبراهيم لم يشك لكن آمن من كل نفسه فشهد له بواسطة الروح القدس قائلاً في الكتاب المقدس: ” فآمن بالرب فحسبه له برًا“[91]. كان (إبراهيم) غير مختون، عندما أخذ هذه الشهادة، ثم أُعطِى له الختان كختم للبر الذي حققه بالإيمان إذ كان بعد غير مختون[92]. بعد هذا فإن سارة ـ التي كانت عاقرًا ـ ولدت اسحق، بحسب وعد الله لها وقام إبراهيم فختن إسحق، حسب العهد الذي قطعه الله معه، وإسحق ولد يعقوب[93].
وهكذا البركة القديمة، المعطاة من البداية إلى سام، انتقلت من إبراهيم إلى اسحق ومن اسحق إلى يعقوب كميراث مُعطى لهم من الروح. لذا دُعى الله ” إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب“. ثم أن يعقوب ولد اثنى عشر ابنًا الذين بأسمائهم سُميت أسباط إسرائيل الاثنى عشر.
موسى والفصح والتحرر من العبودية:
25 ـ لقد اجتاح الجوع في كل الأرض ولم يوجد بعد طعام إلاّ في مصر فقط. عندئذٍ هاجر يعقوب مع عائلته وأتى ليسكن في مصر[94]، وكان عدد المهاجرين خمسة وسبعون. وبعد مرور أربعمائة عام وبحسب النبوة التي أعطيت من قبل[95]، أصبح عددهم ستين ألفًا وستمائة نسمة. ولأنهم كانوا مقهورين[96] من المعاملات السيئة تحت نير العبودية القاسية تنهدوا وصرخوا إلى الله، إله البطاركة إبراهيم واسحق ويعقوب، فأخرجهم الله من مصر بواسطة موسى وهارون[97]، وضرب المصريين بعشرة ضربات. وأرسل فى الضربة الأخيرة الملاك المُهلك الذي قتل كل أبكار البشر والحيوانات[98]، لكنه أنقذ أبناء إسرائيل من الهلاك، معلنًا آلام المسيح فى سرٍ[99]، إذ أمرهم أن يذبحوا حملاً بلا عيب، ويدهنوا بدمه[100] أبواب بيوتهم لينجوا من العقاب. هذا السر يُدعى “فصح”[101]، وهو سبب التحرر. وقد شق الله البحر الأحمر، وقاد أبناء إسرائيل إلى الصحراء بكل أمانة. بينما حكم بالموت غرقًا في البحر على المصريين الذين أرادوا أن يلحقوا بهم[102]. وبهذه الطريقة عاقب الله هؤلاء الذين استعبدوا أبناء إبراهيم ظلمًا.
البرية والناموس:
26 ـ استلم موسى الناموس من الله في الصحراء، أى الوصايا العشرة مكتوبة بإصبع الله على لوحى حجر[103]ـ بإصبع الله أى الروح القدس[104]ـ ثم بعد ذلك سُلّمت وصايا الناموس بواسطته إلى أبناء إسرائيل (ليحفظوها). وصنع موسى بأمر الله خيمة الشهادة وفق المثال الذي رآه وهى شبيهة بالأشياء الروحية وغير المنظورة التي في السموات وهى رمز لصورة الكنيسة[105] ونبوءة عن الأمور العتيدة. وتحتوى الخيمة أوانى للعبادة، والمذابح وتابوت العهد الذي وُضع داخله لوحا الشريعة. وعُيّن هارون وأولاده ككهنة وأُعطِى الكهنوت إلى السبط المنحدر من لاوى. وقد دعى هذا السبط بحسب أمر الله لكى توضع على عاتقه واجبات العبادة داخل هيكل الله، وأُعطى لهم شريعة اللاوى لكى يُظهر لهم الطريقة التى يجب أن يحيا بها الذين يقومون بخدمة الله داخل هيكل الله باستمرار[106].
تجسس الأرض، وتذمر الشعب:
27 ـ عندما اقترب العبرانيون إلى الأرض التي وعد الله بها إبراهيم ونسله، فإن موسى اختار واحدًا من كل سبط وأرسلهم لكى يتجسسوا الأرض والمدن والساكنين فيها. عندئذٍ كشف الله له الاسم العتيد الذي يستطيع وحده أن يخلّص المؤمنين باسمه. ثم عمل موسى كل الترتيبات، واختار هوشع بن نون ودعاه يشوع[107]. ثم بعد ذلك أرسله بكل قوة الاسم مقتنعًا بأنه بقيادة هذا الاسم سوف يرجع إليه المُرسلون سالمين. وعندما رجع المُرسلون من مهمة التجسس حاملين معهم عناقيد العنب، فإن البعض من هؤلاء الاثنى عشر[108] أرعبوا كل الجماعة قائلين لقد رأينا مدنًا عظيمةً محصنةً بأسوارٍ وسكان هذه الأرض هم أبناء عمالقة[109]، لذا من المستحيل أن نأخذ هذه الأرض. عندئذٍ بدأ كل الشعب في البكاء وفقدان الأمل في أن يعطيهم الله القوة، وأن يُخضِع الكل تحت سلطانهم. وأضافوا قائلين بأن هذه الأرض لا تستحق المخاطرة لأجل الاستيلاء عليها. لكن اثنين من الاثنى عشر، يشوع بن نون وكالب بن يفُنّة، وهما ينظران النتيجة السيئة لهذه الأقوال، مزقا ثيابهما متوسلين إلى الشعب ألاّ يفقد شجاعته، لأن الله دفع كل شئ فى أيديهم، وأن هذه الأرض فائقة الخصوبة. لكن بسبب أن الشعب لم يصدقهما وبقى في يأسه، فإن الله غيّر مسارهم وسمح بأن يتوهوا داخل الصحراء كعقاب لهم. ولأن الجواسيس قد ظلوا يتجسسون الأرض لمدة أربعين يومًا، فإنه بالمثل أتاههم أربعين سنة، إذ استبدل الله كل يوم بسنة. حيث لم يكن أحد من المتقدمين في العمر والناضجين عقليًا كان مستحقًا أن يدخل هذه الأرض بسبب عدم إيمانهم، إلاّ الاثنين اللذين شهدا بحق عن الميراث الموعود، وهما يشوع بن نون وكالب بن يفُنّة، أما الذين كانوا صغارًا بعد، فلم يكونوا يميزون بعد يمينهم من شمالهم. وهكذا فإن كل الشعب غير المؤمن انقرض وهلك ومات فى الصحراء تدريجيًا. لكن خلال فترة الأربعين عامًا نما الأطفال وكبروا حتى وصلوا إلى الحد الذي يمكنهم أن يملأوا الفراغ الناتج عن موت آبائهم.
التثنية:
28 ـ بعد مرور أربعون عامًا، وصل الشعب بالقرب من الأردن وعسكروا أمام أريحا. هناك جمعّهم موسى وقصّ عليهم تاريخ كل ما حدث، إذ روى لهم كل الحوادث المعجزية التي صنعها الله بينهم، وكيف قاد أولئك الذين ترعرعوا في الصحراء حتى أرشدهم إلى مخافة الله وحفظ وصاياه، مستخدمًا تجاه هذا الشريعة التى أُعطيت لهم أولاً بالإضافة إلى ما يمكن ان يُسمى شريعة ثانية. وما يسمى بسفر التثنية الذي يحتوى أيضًا على نبوات كثيرة تشير إلى ربنا يسوع المسيح، وإلى الشعب، وإلى دعوة الأمم وإلى ملكوت الله.
أرض الموعد:
29 ـ عندما وصل موسى إلى نهاية حياته، قال له الله ” اصعد إلى جبل… وانظر أرض كنعان التي أعطيتها لبنى إسرائيل… ومُت في الجبل الذي تصعد إليه وانضم إلى قومك…“[110]. مات موسى بحسب كلام الرب، وخلفه يشوع بن نون، الذي عبر الأردن وقاد الشعب إلى أرض الميعاد، الذى طرح ودمر واستعبد الشعوب السبعة التي كانت تسكن هناك. وهناك كانت أورشليم التي صار داود ملكًا عليها وابنه سليمان الذي بنى الهيكل لتكريم الله على مثال خيمة الشهادة، التي صنعها موسى وفق صورة الأشياء السماوية الروحية.
الأنبياء:
30 ـ هنا أرسل الله الأنبياء الذين بإلهام الروح القدس قادوا الشعب إلى إله الآباء، الكلى القدرة، وتنبأوا عن مجيء ربنا يسوع المسيح، ابن الله معلنين أنه سوف يأتى من نسل داود، بحسب الجسد وهكذا يكون المسيح هو ابن داود، الذى هو من خلال سلسلة من الأنساب من نسل إبراهيم، أما حسب الروح فهو ابن الله الكائن أزليًا، مولود من الآب قبل (كل الدهور) وكل الخليقة، ثم ظهر كإنسان في العالم في الأزمنة الأخيرة، فهو كلمة الله الذي يجمع في ذاته كل الأشياء ما في السماء وما على الأرض[111]
التجسد:
31 ـ وهكذا وَحّدَ (اللوغوس المتجسد) الإنسان مع الله وصنع شركة بين الله والإنسان. فلو لم يكن قد أتى إلينا لكان من غير الممكن أن نشترك في عدم الفساد، لأنه لو كان عدم الفساد ظل غير منظور ومخفى عن أعيننا، لما كنا قد انتفعنا بأى شئ. لذلك فإن اللوغوس بواسطة تجسده جعل عدم الفساد منظورًا حتى يمكننا بكل الطرق أن نشترك فيه[112]. ولأن الجميع اقتيدوا إلى الموت بسبب عصيان أبونا الأول، آدم، كان مناسبًا وضروريًا أن يَبُطل نير الموت بواسطة طاعة ذاك، الذي صار إنسانًا من أجلنا. وبسبب أن الموت ساد على الجسد، كان من الضرورى أن يُهزم الموت بواسطة الجسد ويَخلُّص الإنسان من سطوته. وهكذا صار الكلمة جسدًا لكى بواسطة الجسد الذى استعبدته الخطية، يُخلّصنا (المسيح) من الخطية كى لا نعود نُستعبد من الخطية. لذلك أخذ ربنا جسدًا شبيهًا بجسد أبينا الأول، لكى بجهاده ـ عوضًا عن أبوينا الأولين ـ ينتصر على ذاك الذي في آدم جرحنا جرحًا مميتًا[113].
الميلاد العذراوى:
32ـ لكن من أين يكون جسد أبينا الأول؟ ومن أين وُجِد؟ من إرادة وحكمة الله ومن الأرض البكر (العذراء) ” كل شجر البرية لم يكن بعد في الأرض وكل عشب البرية لم ينبت بعد. لأن الرب الإله لم يكن قد أمطر على الأرض. ولا كان إنسان ليعمل الأرض“[114]. أخذ إذن الله طينًا من الأرض، التي كانت بعد عذراء[115]، خلق الإنسان، كبداية للجنس البشرى. وهكذا إذ أراد الرب أن يُعيد الإنسان، اتبع بتجسده هذا التدبير، بأن وُلِدَ من العذراء بإرادة وحكمة الله، لكى يوضح أنه أخذ جسدًا مشابهًا لجسد آدم، وليكون هو الإنسان، الذي كُتب عنه في البداية بأنه خُلِق بحسب “صورة الله ومثاله”.
33 ـ وكما أنه بسبب عذراء عاصية (حواء) جُرِح الإنسان وسقط ومات، هكذا أيضًا بسبب عذراء مطيعة لكلمة الله أُعيد الإنسان ثانيةً إلى الحياة (الولادة الثانية). الإنسان كان هو الخروف الضال الذي جاء الرب ليبحث عنه على الأرض. لأجل هذا أخذ جسدًا مشابهًا به البشر، مِن هذه (العذراء) التى من نسل داود. حقيقةً، كان ضروريًا أن يتجدّد آدم في المسيح لكى يُبتلع الموت من عدم الموت (الخلود)، وهكذا تصير العذراء (مريم) شفيعة لعذراء أخرى (حواء)[116] وتَمحِى عصيان العذراء الأولى بواسطة طاعتها العذراوية[117].
الموت على الصليب:
34 ـ الخطية التي حدثت بواسطة الشجرة[118]، أُزيلت بواسطة الطاعة على الشجرة التي صُلِب عليها ابن الإنسان، مطيعًا لله، مبطلاً بهذا معرفة الشر ومُعطيًا للبشر معرفة الخير. لأن الشر يتمثل في عصيان الله، أما الخير فهو طاعة الله. لذا يتحدث الكلمة على فم إشعياء النبى معلنًا مسبقًا الأمور العتيدة التي سوف تحدث ـ فالنبى هو الذي يتنبأ بالمستقبل ـ ولهذا فإن الكلمة يقول ” وأنا لم أعاند إلى الوراء لم أرتد، بذلت ظهرى للضاربين وخدى للناتفين وجهى لم أستر عن العار والبصق“[119]. هكذا بواسطة الموت، موت الصليب[120] وطاعته غفر العصيان الأول الذى حدث بواسطة الشجرة[121]. لأن كلمة الله كُلّى القدرة، والذي حضوره غير المنظور، هو يمتد حتى يملأ كل العالم، ويستمر تأثيره على العالم كله طوله وعرضه وعلوه وعمقه ـ لأنه بواسطة كلمة الله يوجد الكل تحت تأثير التدبير الخلاصى ـ لقد صُلب ابن الله لأجل الجميع، وطبع علامة الصليب على كل الأشياء. لأنه كان من الضرورى لذاك الذي صار منظورًا أن يُظهر علامة الصليب فى كل الأشياء. وهكذا بواسطته شكله المنظور (على الصليب) يصير تأثيره محسوسًا في كل الأشياء المنظورة. لأن هو الذى ينير “الأعالى” أى السماويات، ويضبط “الأعماق” أى ما تحت الأرض، وهو يمد “الطول” العظيم من المشرق إلى المغرب، ويجمع “العرض” الهائل من الشمال حتى الجنوب، داعيًا البشر[122] المشتتين من كل الأنحاء إلى معرفة أبيه.
تحقيق الوعد المُعطى لإبراهيم
35 ـ المسيح هو ذاك الذي حقق الوعد المُعطى لإبراهيم من قِبَل الله، بأن نسله سيكون كنجوم السماء[123]. فإن المسيح هو الذى حقق الوعد بميلاده من العذراء التي من نسل إبراهيم، وبإظهاره للمؤمنين به “كأنوار في العالم”، وأعطى البر للأمم بالإيمـان مثل إبراهيم. لأن إبراهيم ” آمن بالله فحسب له برًا“[124]. هكذا نحن تبررنا بالإيمان لأن ” البار بالإيمان يحيا“[125]. فإن الوعد أُعطى إلى إبراهيم بالإيمان وليس بواسطة الناموس. وحيث إن إبراهيم تبرّر بالإيمان “والناموس لم يُوضع للبار”، هكذا بالمثل نحن لا نتبرر بالناموس، بل بالإيمان الذى شُهِد له من الناموس والأنبياء[126]، هذا الإيمان الذى أعطاه لنا كلمة الله.
تحقيق الوعد المُعطى لداود:
36 ـ هكذا أيضًا حقق الوعد لداود. الله وعده بأنه سيقيم من نسله مَلِكًا أبديًا، ليس لملكه نهاية[127]. هذا الملك هو المسيح، ابن الله، الذي صار إنسانًا، إذ أنه وُلِد من العذراء التي من نسل داود[128]. إذن الوعد المُعطى قد تحقق بواسطة ثمرة رحم العذراء. الملمح الخاص والفريد لهذه الولادة يتمثل في أن الطفل يمثل ثمرة حبل خاص وفريد لامرأة وليس ثمرة مشيئة رجل أو باختلاط دم[129]، بطريقة حتى يُعلن هذا الحدث الفريد والخاص أنه حُبِل ووُلِد بواسطة العذراء، التى من بيت داود، وأنه يملك على بيت داود إلى الأبد وأن ملكه ليس له نهاية.
37 ـ هكذا دبّر خلاصنا بمجدٍ عظيم، وحقق الوعد المُعطى لآبائنا وأصلح العصيان القديم. إذن ابن الله صار ابن داود وابن إبراهيم وجمع الكل في ذاته، لكى يمنح لنا الحياة. كلمة الله صار جسدًا من العذراء، حتى يُبطل الموت ويُحيي البشر[130]. لأننا (قبله) كُنا مقيدين بالخطية، وكنا خطاة وخاضعين تحت سلطان الموت.
38 ـ هكذا، فإن الله الآب، الغنى فى الرحمة، أرسل لنا الكلمة[131] لكى يخلّصنا. فجاء في نفس المكان ونفس الوضع الذى كنا فيه، حينما فقدنا الحياة وحطم القيود. أشرق علينا بنوره، فبدّد ظلام السجن وقدَّس ميلادنا وحياتنا، وأبطل الموت، إذ حطّم القيود التي كُنا مقيدين بها. وبقيامته صار البكر بين الأموات[132]، وأقام الإنسان الساقط فى ذاته ورفّعه إلى أعالى السموات، إلى يمين مجد الآب. هكذا سبق ووعد الله بالأنبياء قائلاً: “وأقيم خيمة داود الساقطة“[133]، أى الجسد الذى من داود. هذا ما حققه ربنا يسوع المسيح متممًا خلاصنا بصورة مجيدة، إذ أقامنا بالحقيقة وخلّصنا للآب[134]. وإذا لم يقبل المرء وُلادته من عذراء، فكيف يمكن أن يقبل قيامته من بين الأموات؟ لأنه ليس بعجيب ولا غريب على الاطلاق أنه بدون أن يُولد، لا يقوم من الأموات، لأنه فى هذه الحالة سيكون من المستحيل أن نتكلّم عن قيامته، طالما أنه لم يولد وبالتالى لم يمت حتى يقوم، فمَن ليست له ولادة زمنية لا يمكن أن يموت. لأن ذاك الذي لم تكن له بداية كإنسان كيف يمكن أن تصير له نهاية كإنسان؟
المسيح متقدِّم فى كل شئ:
39 ـ إذن، فإن كان لم يُولد، فإنه لم يمت، وإن كان لم يمت، فإنه لم يقم من الأموات[135]، وإذا كان لم يقم من الأموات، فلا يكون الموت قد غُلِب[136]، ولا تكون مملكته قد أُبيدت، فإن كان الموت لم يُهزم فكيف يكون ممكنًا أن نرتفع إلى الحياة، نحن الذين من البداية قد خضعنا للموت؟ وهكذا فأولئك الذين يرفضون خلاص الإنسان ولا يؤمنون أن الله سيقيمهم من الأموات، هؤلاء يحتقرون ولادة ربنا، كلمة الله الذى تجسد لكى يُظهر لنا قيامة الجسد ولكى يكون متقدمًا فى كل شئ. ففى السماء هو البكر في مشورة الآب و”الكلمة” الكامل، الذى يضبط ويحكم الكل، بينما على الأرض، هو بكر[137] العذراء، الإنسان البار، القدوس، الصالح، المُرضِى لله، الكامل في كل شئ، والذي أنقذ جميع الذين تبعوه من الهاوية، إذ هو بكر[138] بين الأموات وهو رئيس الحياة التى من الله[139].
40 ـ وهكذا فإن كلمة الله متقدم فى كل شئ لأنه هو الإنسان الحقيقى، وهو في نفس الوقت ” عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا“[140]، وهو الذى يدعو الإنسان من جديد ليكون له شركة قوية مع الله، لكى بهذه الشركة معه ننال شركة فى عدم فساده[141].
الناموس والأنبياء والرسل:
من ثمَّ فإن ذاك الذي تنبأ عنه الناموس بواسطة موسى وأنبياء الله العلى والقدير، ابن أبى الجميع، الذى به كان كل شئ، وهو الذي تحدّث مع موسى، هذا أتى إلى اليهودية، وحُبِل به بواسطة الروح القدس ووُلِد من مريم العذراء، التى هى من نسل داود وإبراهيم، هو يسوع المسيح الذي تبرّهن أنه هو الذي تنبأ عنه الأنبياء.
41 ـ يوحنا المعمدان[142]، السابق ومهيئ الطريق، الذي أَعدّ الشعب لقبول كلمة الحياة، شَهَد بأن الذي يستقر عليه روح الله بطريقة منظورة هو المسيح[143]. والرسل بصفتهم تلاميذ للمسيح وشهود لجميع أعماله وتعاليمه، وشهود لآلامه، وموته وقيامته وصعوده إلى السموات، هؤلاء أرسلهم المسيح إلى العالم بعد قيامته ـ مُعضَدين بقوة الروح القدس ـ لكى يدعوا الأمم، ويُظهروا للبشر طريق الحياة، ولكى يحوّلوهم من عبادة الأوثان، والزنى والشراهة والدعارة، ويطهروا نفوسهم وأجسادهم بمعمودية الماء والروح القدس[144]. لقد نقل الرسل الروح القدس إلى المؤمنين، ذلك الروح الذي أخذوه هم أنفسهم من الرب، وبهذه الطريقة أسسوا الكنائس[145].
دعوة الأمم:
كرز الرسل بالإيمان والمحبة والرجاء، وحققوا ما تنبأ به الأنبياء عن دعوة الأمم[146]. هكذا بواسطة عملهم ساهموا في ظهور رحمة الله التي تتمثل في قبول الأمم ليشتركوا في الموعد الذى أُعطى إلى البطاركة. لقد علّموا الذين قَبلوا كلمة الحق، أن يحبوا الرب ويحيوا في النقاوة والبر والصبر، وهكذا فإن الله سيمنحهم الحياة الأبدية بقيامتهم من الأموات، بفضل ذاك الذي صُلب وقام، يسوع المسيح، الذي أُعطيت له السيادة والمُلك على كل الأشياء، والسلطان على الأحياء والأموات والدينونة. لقد كرز الرسل بكلمة الحق، وعلّموا المؤمنين أن يحفظوا أجسادهم طاهرة لأجل القيامة ويحفظوا أرواحهم من كل دنس.
42 ـ ولكى يفلح المؤمنون في هذا، يجب أن يبقى الروح القدس[147] متحدًا بهم اتحادًا قويًا، الروح القدس، المُعطى من الله بالمعمودية، ويظل الروح في الذي يأخذه، طالما هو يحيا في الحق، والقداسة والبر والصبر[148]. لأنه بواسطة هذا الروح سوف ينال المؤمنون القيامة، عندما يتحد الجسد من جديد مع النفس بقوة الروح القدس ويدخل إلى ملكوت الله. هكذا تكون ثمرة بركة يافث، أى دعوة الأمم، المُعلنة بواسطة الكنيسة التي تُدخِلهم لكى “يسكنون في بيت سام”، وفق وعد الله.
شرح الكرازة حسب الأنبياء:
تنبأ الروح القدس بواسطة الأنبياء، أن كل هذا سوف يصير هكذا، لكى يؤكد إيمان أولئك الذين يعبدون الله بالحق. لأن كل ما هو غير ممكن إطلاقًا لطبيعتنا وهذا ما يثير عدم الإيمان بين البشر، سبق الله فتنبأ عنه بواسطة الأنبياء. ومن هذه الحقيقة: أن كل ما سبق التنبؤ عنه قبل حدوثه بأزمنة كثيرة تحقق أخيرًا، كما تنبأوا به بدقة مسبقًا، نستنتج أن الله هو الذى أعلن كل هذا مسبقًا لأجل خلاصنا.
الابن كان فى البدء مع الآب:
43 ـ يجب أن نؤمن بالله في كل شئ لأنه صادق فى كل شئ. ويجب أن نؤمن بابن الله الذي هو كائن ليس فقط قبل زمن مجيئه إلى العالم، بل وقبل خلق العالم. فموسى، الذي هو الأول تنبأ، مُعبِّرًا باللغة العبرية قائلاً: “في البدء كان الابن، ثم خلق السماء والأرض”[149]. هذا ما يؤكده النبى قائلاً: ” قبل نجمة الصبح ولدتك واسمك قبل الشمس“[150] أى قبل خلق العالم، طالما أن النجوم خُلقت في نفس الوقت مع العالم. هذا النبى يقول: ” طوبى، للذي كان قبل أن يصير إنسانًا“[151]. فبالنسبة لله كان الابن موجودًا في البدء، فهو الذى خلق العالم، أما بالنسبة لنا فهو يُعتبر موجودًا الآن منذ اللحظة التى أُعلن فيها لنا، لأنه قبل ذلك لم يكن موجودًا بالنسبة لنا نحن الذين لم نكن نعرفه. لذلك فإن تلميذه يوحنا يخبرنا عن من هو ابن الله، الذى كان عند الله قبل خلق العالم، وأن به خُلق الكل، إذ يقول: ” في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله. كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان“[152]، مظهرًا بوضوح، أن الكلمة الذى كان في البدء[153] عند الآب والذى به خُلِقت كل الأشياء، هذا هو ابنه.
[1] يذكر يوسابيوس المؤرخ الكنسى عنوان هذا العمل هكذا ” في (e„j) شرح الكرازة الرسولية” (تاريخ الكنيسة 1:26:5)، لكن لا يبدو أن (e„j) هى ضمن العنوان القديم لهذا العمل. كلمة epˆdeixij في اللاتينية ostensio وهى تعنى عند إيرينيوس عرض أو شرح تعليم الحقيقة. هذا العنوان موجود في الترجمة الأرمينية القديمة وبحسب اليونانية هو ” برهان أو شرح الكرازة الرسولية” وللسهولة سوف نشير إليه بعنوان “الكرازة الرسولية”.
[2] ماركيانوس المرسل إليه هنا هو غير ماركيون أحد أشهر الهراطقة الغنوسيين فى القرن الثانى.
[3] تعبير “جسد الحقيقة” sîma t»j alhqeˆaj تعنى الكرازة الرسولية والتي تمثل تعليم وعظى كامل، محتواه الإيمان المُسلّم للرسل القديسين من قِبل المسيح الذى تحققت فيه كل نبوات العهد القديم.
[4] يشرح لنا القديس أغسطينوس كيف أن المسيح هو “الطريق” قائلاً: [ المسيح هو “الطريق” الذى علينا أن نتبعه ونهتدى به، وهو فى نفس الوقت الهدف الذى نسعى لبلوغه] PL38, 1206.
[5] راجع (أم 18:4، 28:12، رسالة برنابا 1:18، ديداخى1).
[6] أى العنصر المادى: الجسد، والعنصر غير المادى: النفس، وهذه النفس تنال الروح من الله كما يعلّم القديس إيرينيوس (انظر تعليم القديس إيرينيوس عن الإنسان فى المقدمة).
[7] هنا يربط القديس إيرينيوس الإيمان المستقيم للنفس بالسلوك المقدس للجسد، أى بين قداسة النفس وقداسة الجسد. فالهرطوقى لا يسلك بنقاوة لأن نفسه تؤمن بإيمان غير مستقيم. وهنا نتذكر تعبير: أرثوذكسية العقيدة وارتباطها بأرثوذكسية السلوك العملى.
[8] هنا نتذكر صلوات سر مسحة المرضى التى تؤكد على أن الله هو الطبيب الذى يهتم بشفاء نفوسنا وأجسادنا، إذ يصلى الكاهن قائلاً: ” يا الله الآب الصالح طبيب أجسادنا وأرواحنا، الذى أرسل ابنه الوحيد يسوع المسيح ليشفى كل الأمراض وينقذ من الموت. أشف عبدك من أمراضه الجسدية. وامنحه حياة مستقيمة، ليمجد عظمتك ويشكر إحسانك وتكمل مشيئتك من أجل نعمة مسيحك” صلوات الخدمات فى الكنيسة القبطية، إصدار مكتبة المحبة، ص 159. والقديس أغناطيوس الأنطاكى يعظ قائلاً: [يوجد طبيب واحد نفسى وجسدى… يسوع المسيح ربنا] (ΒΕΠΕΣ2, 265). ويؤكد العلاّمة أوريجينوس فى تفسيره لسفر أيوب: [ إن المسيح أتى من السموات ليشفينا من الأمراض المستعصية، والتى ما كان لنفوسنا أن تُشفى منها بدونها] (ΒΕΠΕΣ15,287).
[9] مز1:1.
[10] خر14:3.
[11] راجع ضد الهرطقات. يقصد بقانون الإيمان هو الإيمان الذى تسلمناه وقبلناه فى المعمودية.
[12] راجع Kuprianoà, De Oratione, 15.
[13] إش9:7س.
[14] يعطى إيرينيوس أهمية كبرى لأصالة وشهادة الشيوخ الذين كانوا حاملين للتقليد الرسولى. وكشيوخ يصفهم أحيانًا بالتلاميذ المباشرين للرسل (AH5:5:1) وأحيانًا تلاميذ بوليكاربوس (AH3:3:4).
[15] يقول القديس كيرلس الأورشليمى عن المعمودية: [ إنها حدثٌ عظيم، فداء المأسورين، غفران الخطايا، فناء الخطية، ولادة ثانية للنفس، لباس النور، الختم المقدس الذى لا يُمحى، نعمة التنبى] PG33, 360A. والقديس غريغوريوس اللاهوتى يخبرنا بقائمة مُماثلة من الألقاب عن المعمودية: [المعمودية هى شركة اللوغوس، تحطيم الخطية، مركبة نحو الله، مفتاح لملكوت السموات، لباس عدم الفساد، حميم الميلاد الثانى، الختم] PG36, 361C.
[16] انظر تي5:3ـ6.
[17] راجع الراعى هرماس، الرؤيا الأولى I:6، III:4، الآباء الرسوليون، عربه عن اليونانية مطران حلب إلياس معوض، منشورات النور، 1970، ص174، 176.
[18] راجع الحوار مع تريفو6:5 أيضًا انظر ضد الهرطقات1:1:1، 3:28:1.
[19] مز6:33
[20] راجع AH2:47:2, 3:28:2.
[21] أف6:4 راجعAH4:34::2, 5:18:1 . نفس هذه الآية يستخدمها أيضًا القديس أثناسيوس فى رسائله عن الروح القدس إلى الأسقف سرابيون، قائلاً: [فالآب بالكلمة فى الروح القدس يعمل كل الأشياء، وهكذا تُحفظ وحدة الثالوث القدوس سالمة. وهكذا يُكرز بإله واحد فى الكنيسة ” الذى على الكل وبالكل وفى الكل” (أف6:4). “على الكل” كأب، وكبدء، وكينبوع، “وبالكل” أى بالكلمة. “وفى الكل” أى فى الروح القدس، هو ثالوث ليس فقط بالاسم وصيغة الكلام بل بالحق والوجود الفعلى] رسائل عن الروح القدس إلى الأسقف سرابيون، ترجمة د. موريس تاوضروس ود. نصحى عبد الشهيد، مركز دراسات الآباء، القاهرة1994، الرسالة الأولى: 28 ص83.
[22] أيضًا القديس أثناسيوس فى كتابه “تجسد الكلمة” يؤكد فى الفصل الأول على أن [الآب الصالح يضبط كل الأشياء بالكلمة، وأن كل شئ به وفيه يحيا ويتحرك] تجسد الكلمة1:1 ترجمة د. جوزيف موريس، المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، القاهرة2002، أيضًا انظر3:3، 1:17، 4:42ـ6، وضد الوثنيين 1:41.
[23] غلا6:4
[24] وشرح القديس أثناسيوس هذا الأمر فيما بعد قائلاً: [الروح القدس لا يمكن أن يكون ملاكًا ولا مخلوقًا على الإطلاق، بل هو خاص بالكلمة] رسائل عن الروح القدس إلى الأسقف سرابيون، المرجع السابق، الرسالة الأولى: 27.
[25] إيرينيوس ينسب إلهام الأنبياء إلى الروح القدس (الكرازة الرسولية6و9و40و100)، وأيضًا ينسبه إلى اللوغوسAH4:34:4، انظر أيضًا الكرازة الرسولية73.
[26] هى نفس التعبيرات الواردة فى القداس الغريغورى: [أيها الواحد وحده الحقيقى. الله محب البشر الذى لا يُنطق به. غير المرئى، غير المُحوى، غير المبتدئ، غير الزمنى، الذى لا يُحد. غير المفحوص، غير المستحيل، خالق الكل، مخلّص الجميع] الخولاجى المقدس، لجنة التحرير والنشر لمطرانية بنى سويف والبهنسا، الطبعة الثالثة1710ش، 1993م، ص469.
[27] انظر 1بط10:1ـ12.
[28] انظر يو3:1 ويقول القديس كيرلس الأسكندرى: [الله المُبدع الأعظم خلق بواسطة ابنه كل المخلوقات لأنه مكتوب:” كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان“] (تعليقات لامعة “جلافيرا” المقالة الأولى على سفر التكوين،الكتاب الشهرى نوفمبر 2003، ص10، ترجمة د. جورج عوض.
[29] انظر يو14:1.
[30] وقد شرح القديس أثناسيوس فى كتابه “تجسد الكلمة” فصل43، السبب الذى جعل الكلمة يصير إنسانًا بين البشر، قائلاً: [ إن الرب لم يأتِ لكى يتظاهر أو يستعرض نفسه، بل جاء لكى يُشفي ويعلّم أولئك الذين هم تحت الآلام] (1:43) ص124، وهكذا تراءى للكل لا لكى يبهر الأنظار لكن لأن الإنسان وحده هو الذى أخطأ دون سائر المخلوقات.
[31] يشرح القديس أثناسيوس باستفاضة هذا الأمر فى كتابه “تجسد الكلمة” قائلاً: [وهكذا إذ اتخذ جسدًا مماثلاً لطبيعة أجسادنا، وإذ كان الجميع خاضعين للموت والفساد، فقط بذل نفسه للموت عوضًا عن الجميع، وقدمه للآب. كل هذا فعله من أجل محبته للبشر، أولاً: لكى إذ كان الجميع قد ماتوا فيه، فإنه يُبطل عن البشر ناموس الموت والفناء، ذلك لأن سلطان الموت قد استُنفد فى جسد الرب، فلا يعود للموت سلطان على أجساد البشر (المماثلة لجسد الرب). ثانيًا: وأيضًا فإن البشر الذين رجعوا إلى الفساد بالمعصية يعيدهم إلى عدم الفساد ويحييهم من الموت بالجسد الذى جعله جسده الخاص، وبنعمة القيامة يبيد الموت منهم، كما تبيد النار القش] تجسد الكلمة4:8 ص22.
أيضًا يؤكد القديس كيرلس الأسكندرى على إبطال الموت بواسطة الابن قائلاً: [ عندما سقط الإنسان بعصيانه واستُعبِد لقوة الموت وفقد كرامته القديمة أعاده الآب وجدَّده إلى الحياة الجديدة بالابن كما كان فى البدءِ. وكيف جدَّده الابن؟ بموته بالجسد ذبح الموت وأعاد الجنس البشرى إلى عدم الفساد عندما قام من الموت لأجلنا] قيامة المسيح، للقديس كيرلس عمود الدين، تفسير يوحنا20، ترجمة د. نصحى عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، القاهرة 2003، ص27.
[32] الكلام هنا عن المصطلح الذى فضّله القديس إيرينيوس واقتبسه من الرسول بولس (أف10:1)، وهو “إنجماع (ανακεφαλίωση) الكل فى المسيح”. ويشرح أيضًا القديس كيرلس هذه الآية فى كلامه عن آدم فى كتابه “تعليقات لامعة” (جلافيرا) قائلاً: [إن بولس العارف الحقيقى للناموس قد فهم سر الخلاص بواسطة المسيح، إذ قال إنه فى شخص المسيح صار إنجماع (أف10:1) ما فى السموات وما فى الأرض، وفق محبة الله الآب وإرادته، موضحًا بكلمة إنجماع أنه قد حدثت عملية إصلاح للكل، كما ارتقت الطبيعة التى طالها الفساد إلى الحالة التي كانت عليها فى بداية الخليقة] (الكتاب الشهرى نوفمبر 2003، ص10).
[33] انظر يوئيل29:2، أع18:2.
[34] انظر الرسائل عن الروح القدس للقديس أثناسيوس، المرجع السابق، ص72، كما يخبرنا القديس كيرلس الأسكندرى بكل وضوح عن عمل الروح القدس فى تجديد الإنسان فى شرحه ليوحنا22:20ـ23: ” ولما قال هذا نفخ وقال لهم: اقبلوا الروح القدس…“، قائلاً: [ولكى نعلم أنه هو الذي في البدء خلقنا وختمنا بالروح القدس، لذلك يمنح مخلّصنا الروح القدس من خلال العلامة المنظورة أى “نفخته” للرسل القديسين لأنهم باكورة الطبيعة البشرية المجددة. وكما كتب موسى عن الخلق الأول أن الله نفخ في أنف الإنسان نسمة الحياة، يحدث نفس الشئ الذي حدث في البدء عندما يجدّد الله الإنسان وهو ما يسجله يوحنا هنا. وكما خلق الإنسان في البدء على صورة خالقه. كذلك الآن بالاشتراك في الروح القدس يتغير إلى صورة خالقه ويصبح على مثاله] قيامة المسيح، المرجع السابق، ص27.
[35] انظر يو3:3.
[36] هنا نعمة الميلاد الثانى تُمنح باسم الثالوث، وهذا التقليد يعرفه القديس أثناسيوس وينبه على خطورة إنكار أحد الأقانيم الثلاثة قائلاً: [ لأنه كما أن الإيمان بالثالوث ـ المُسلم إلينا ـ يجعلنا متحدين بالله، وكما أن ذلك الذى يستبعد أى واحد من الثالوث ويعتمد باسم الآب وحده، أو باسم الابن وحده، أو باسم الآب والابن بدون الروح القدس، لا ينال شيئًا، بل يظل غير فعّال وغير مكتمل… هكذا ذلك الذى يفصل فليس له الاب ولا الابن بل هو بدون إله، وهو أشر من غير المؤمن، ويمكن أن يكون أى شئ إلاّ أن يكون مسيحيًا]. الرسائل عن الروح القدس، المرجع السابق، الرسالة الأولى: 30، ص85ـ86.
[37] هكذا يعبّر القديس إيرينيوس عن التقليد الكنسى الذى استمر مع الآباء الذين اتوا بعده بخصوص أن الآب يفعل كل شئ بالابن فى الروح القدس، انظر القديس أثناسيوس على سبيل المثال، عندما= =شدد على وحدة عمل أقانيم الثالوث فى سياق شرحه لآية: ” نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدس مع جميعكم” (2كو13:13)، حين قال: [لأن هذه النعمة والهبة تُعطى فى الثالوث من الآب بالابن فى الروح القدس. وكما أن النعمة المُعطاة هى من الآب بالابن، هكذا فإنه لا يكون لنا شركة فى العطية إلاّ فى الروح القدس] الرسائل عن الروح القدس، المرجع السابق، الرسالة الأولى ص 31.
[38] هنا يشرح القديس إيرينيوس عمل الثالوث فينا بوضوح، فالروح يقودنا إلى الابن، والابن يأتى بنا إلى الآب الذى يمنحنا عدم الفساد. راجعAH4:34:5.
[39] انظر يو6:14.
[40] يؤكد القديس كيرلس على هذه الحقيقة فى سياق حديثه عن إلوهية الابن وأنه واحد مع الآب فى الجوهر: [إذن فطالما أن كل عطية صالحة تأتى من فوق، من الآب وتوزع بواسطة الابن، الذى له السلطة الإلهية وليس كخادم، فبأى طريقة إذن لا يكون واحدًا فى الجوهر مع الآب الذى ولده، بمعنى كيف لا يكون إلهًا بالحق، وليس مزينًا من الخارج بكرامات مثل اللوحات المرسومة] حوار حول الثالوث، للقديس كيرلس عمود الدين، (الجزء الثانى ـ الحوار الثالث)، ترجمة د. جوزيف موريس، المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، القاهرة 2005، ص 73ـ74. وفى الحوار السابع يشرح القديس كيرلس عمل الروح القدس قائلاً: [ أليس هو الروح الذى ينقش صورة الله فينا، وهو الختم الذى يصنع فينا البر والجمال الفائق للعالم؟ قد يقولون: بلى، ولكن ليس باعتباره إلهًا، بل كموصل لنعمة إلهية فقط، فليس هو بنفسه الموسوم فينا، بل “نعمة” من خلاله. إذن، فإن كان الأمر كذلك، فكان ينبغى أن يُدعى الإنسان لا صورة الله بل صورة النعمة!] ΕΠΕ9, ΒΥΖΑΝΤΙΟΝ..
[41] مصطلح عهد Diαq»kh نجده في AH3:11:5, 3:18:1, 4:56:2, 5:9:4, 5:3:1.
[42] رو4:2ـ6.
[43] بدايةً من هذه الفقرة ينتقل القديس إيرينيوس من الكلام على الله (Θεολογία) ثيولوجيا إلى “الكلام عن العالم” (Κοσμολογία) الكوزمولوجيا. عن عدد السموات عند الغنوسيين انظر AH1:1:9, 1:19:1.
[44] يشرح لنا القديس غريغوريوس اللاهوتى سبب خلقة الملائكة قائلاً: [كان يجب أن يُسكب الصلاح وينتشر خارج ذاته، لكى يكثر الذين ينالون من إحسانه.. لذلك فإن الله فكر أولاً فى خلقة الملائكة والقوات السماوية] ثيوفانيا: ميلاد المسيح، ترجمة الدكتور نصحى عبد الشهيد، دكتور جورج عوض، المركز الأرثوذكسى للدراسات الابائية، يناير 2004، ص20.
[45] إش2:11.
[46] ينفرد القديس إيرينيوس بوصف الروح القدس بحكمة الله، الأمر الذى لا نجده فى كتابات الآباء بعد ذلك، انظر AH4:7:4.
[47] يقصد الابن والروح القدس، لأن القديس إيرينيوس ينفرد بتسمية الابن والروح القدس بيدى الله، الأمر الذى لا نجده أيضًا فى كتابات الآباء بعد ذلك انظر AH5:6:1، انظر أيضًا تعليم القديس إيرينيوس عن الثالوث فى المقدمة.
[48] نفس هذا المعنى نجده فى القداس الغريغوري: ” وكتبت فىَّ صورة سلطانك”، الخولاجى المقدس، المرجع السابق، ص478. يقول أيضًا القديس إيرينيوس موضحًا مفهوم “الصورة” و”الشبه”: [“الصورة” تتضمن المواهب الطبيعية، وعلى الأخص العقل وحرية الإرادة، وهذه لا يمكن أن تُفقد. و”الشبه” فائق للطبيعة وهو اقتناء الكلمة وشركة الروح، وهذا فقده آدم واسترجعه المسيح] (AH5:6:1).
[49] راجع تك26:1ـ27 . 1كو 7:11.
[50] انظر تك7:2. نفس الأمر يقوله القديس كيرلس الأسكندرى: [ الله الاب فى البدء بكلمته أخذ من تراب الأرض ـ كما هو مكتوب ـ وخلق الإنسان كائنًا حيًا له نفس عاقلة حسب إرادته وأناره بنصيب من روحه ” ونفخ فى أنفسه نسمة حياة” (تك7:2)] قيامة المسيح، للقديس كيرلس الأسكندرى، المرجع السابق، ص27.
[51] يتحدث القديس كيرلس الأسكندرى عن تميّز خلقة الإنسان عن سائر المخلوقات قائلاً: [فقد مضى في خلق الإنسان وجعل خلقته أسمى منها جميعًا، على الرغم من أن كل المخلوقات الأخرى صنعها بكلمته. ولأن الإنسان يعتبر وجودًا حيًا وعبقريًا بالحقيقة وشبيهًا جدًا بالله، وحتى لا يُعتبر أن هذا الذى كان شبيهًا جدًا بالمجد السماوى خُلِق بنفس الطريقة التى خُلِقت بها المخلوقات الأخرى التى لم تكن هكذا، كرّم خلقته وذلك بإرادته الإلهية فقط، وعلى الرغم من أنه قد خلقه من الطين، إلا أنه كائن حى عاقل ونفخ فيه مباشرة روح خالدة ومحيية، لأنه مكتوب: ” ونفخ فى وجهه نسمة حياة فصار آدم نفسًا حية” (تك7:2)] تعليقات لامعة (جلافيرا) نوفمبر 2003، ص13. وفى موضع آخر يقول القديس كيرلس: [ فالله قد خلق الإنسان، ذلك الكائن الحى، بطبيعة خاصة به كإنسان، مانحًا إياه غنى التشبع به. إذ قد رُسمت صورة الطبيعة الإلهية فى الطبيعة البشرية بنفخة الروح القدس. وحيث الله هو الحياة ـ بحسب الطبيعة ـ لذلك فهو يعطى نسمة الحياة] (السجود والعبادة بالروح والحق، الجزء الأول، ترجمة دكتور جورج عوض، المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، القاهرة 2001، ص28).
[52] يقول القديس كيرلس بهذا الشأن: [وبعد أن وضعه فى الفردوس وأعطاه السيادة على كل المخلوقات الأرضية، وجعله سيدًا على كل أنواع الكائنات التى تحيا فى المياه والطيور، وأخضع له الوحوش المفترسة ومعها أجناس الحيات السامة، وألزمها بنواميس طبيعية أن تهابه، أصبح الإنسان يمثّل المجد الأسمى على الأرض وصورة للسيادة الملائمة لله] تعليقات لامعة (جلافيرا) نوفمبر 2003، ص13. وفى موضع آخر يقول القديس كيرلس: [ لا ينبغى أن يشك أحد فى أن الإنسان قد جاء إلى الوجود ليس لأجل أعمال مخزية بل لأجل عمل كل ما هو ممدوح، بما أنه ثمرة إبداع الله الصالح. ولكن تظل الحقيقة قائمة أنه قد خُلق سيدًا لنفسه وحرًا، وقادرًا على التحرك بواسطة قوة إرادته الخاصة نحو أى اتجاه يختاره سواء كان خيرًا أو شرًا] ضد يوليانوس الجاحد (PG76, 925). راجع أيضًا qeof…lou Antioce…aj, prÒj AutÒlukon 2,27.
[53] قال بعد ذلك غريغوريوس النزينزى أن الله خلق أولاً القصر ثم بعد ذلك أدخل الملك (الإنسان) فيه. Lόgoj MD/ eij t»j kain» kuriak»n, 84, P.G. 36, 612.
[54] راجع AH4:62,63, 1 kai qeof…lou Antioce…aj prÒj AutÒlukon 2,25.
ففكرة أن الإنسان الأول كان طفلاً من جهة النضوج فى الإيمان ينفرد بها القديس إيرينيوس الذى أراد أن يشدّد على أن الإنسان الأول كان مدعوًا لمسيرة نحو الكمال. هذه الدعوة تحدث عنها القديس باسيليوس الكبير الذى نادى بأن الهبات الإلهية ترمى إلى إصعاد الإنسان إلى حالة الكمال، أى الصعود من الخلق بـ”حسب الصورة” إلى “حسب المثال”، بمعنى تحقيق كل إمكانيات الصورة. وهذا الصعود مستمر ودائم مثل عطايا الله التى هى دائمة ومتجدّدة بالروح القدس (انظر القديس باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور، PG31. 345، لاحظ نفسك PG31. 212B-213A، أيضًا عن الروح القدس PG32: 109BC.
[55] راجع تك19:2.
[56] تك18:2.
[57] تك23:2.
[58] تك25:2.
[59] انظر فقرة 11.
[60] نفس الفكر قاله القديس كيرلس بعد أكثر من 200 سنة: [ولأن هذا الإنسان الذى وصل الى مثل هذه الدرجة من المجد والسعادة، كان يجب عليه أن يعرف جيدًا إن سلطان الله الملك والرب يفوق كل ما يمتلكه، وحتى لا ينزلق سريعًا بسبب امتيازاته الكثيرة إلى الاعتقاد بأنه صار حرًا من سلطان الله وسموه، أعطاه الله على الفور وصية] تعليقات لامعة (جلافيرا) المرجع السابق، نوفمبر 2003، ص13.
[61] تك16:2ـ17.
[62] ويقصد ايريناوس أن الشيطان الذى هو ملاك ساقط.
[63] راجع تك24:3.
[64] تك1:4.
[65] وقد عبّر عن ذلك القديس كيرلس فيما بعد: [ هكذا صار قايين معلّمًا لطريق قتل البشر] تعليقات لامعة (جلافيرا)، المرجع السابق، مارس 2004، ص25.
[66] راجع تك25:4.
[67] بحسب القديس كيرلس: [ انعطف الجميع ناحية الخطية الجامحة] تعليقات لامعة (جلافيرا)، المرجع السابق، مايو 2004، ص20و21
[68] راجع تك2:6ـ4.
[69] تك8:6. حكمة سيراخ 17:44.
[70] راجع 1بط20:3، وقد شرح القديس كيرلس هذا الأمر فيما بعد قائلاً: [أن نوحًا نفسه وعناية الله الحكيمة والسرية بالفلك يمثل صورة الخلاص بواسطة المسيح] تعليقات لامعة (جلافيرا)، المرجع= =السابق، مايو 2004، ص23.
[71] انظر القديس كيرلس الأسكندرى، تعليقات لامعة (جلافيرا)، المرجع السابق، أغسطس2004 ص16-18.
[72] تك25:9.
[73] انظر تك6:10ـ20.
[74] تك26:9.
[75] خر6:3.
[76] تك27:9.
[77] مز5:18، رو18:10.
[78] يشرح القديس كيرلس التفسير الروحى للبركة التى أُعطيت للابنين قائلاً: [إن كل الشعوب كانت ثلاثة، الشعب الأول الذى يمثله سام والمتوسط يرمز له حام الملعون والثالث الأخير هو يافث الذى يفسر بمعنى “المتسع”. عندما أعلن لنا الله الآب ابنه الذى يُرمز إليه بجسد نوح العارى وبينما هو محتقر وتعيس من جهة الشكل البشرى، فهو من جهة المفهوم الروحى يشير إلى جمال الألوهة. كما يقول النبى: ” وكمستر عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به” (إش2:53) فهذا قد تم بالضبط كما تؤكده طبيعة الأمور: الشعبان الأول والأخير ـ أى الابنان (سام ويافث) اللذان فى البداية وبالطبع اللذان دعيا أخيرًا ـ نالا رحمة من عمانوئيل الذى بواسطته صارا مباركين من الله الآب. لكن ذاك الذى كان بينهما (أى حام) ـ فلأنه استهزأ بنوح (الذى يشير للمسيح) بسبب منظره المحتقر من جهة طبيعته البشرية، فإنه ظل فى العبودية وفقد الحرية التى كانت للآباء] تعليقات لامعة (جلافيرا)، المرجع السابق، أغسطس 2004، ص18.
[79] تك14:9ـ15.
[80] تك1:9ـ6.
[81] يدعى يسوع المسيح “صورة الله” في رسائل بولس الرسول (2كو4:4، كو15:1). آباء كثيرون للكنيسة يميزون بين “صورة الله” و” بحسب صورة الله” فالأولى للمسيح والثانية للبشر. راجع أوريجينوس، ضد كيلسوس63:6، أثناسيوس، ضد الآريوسيين 1, 20:2. 49:3,10
[82] راجع 1بط 21:1: ” ولكنه قد أُظهر في الأيام الأخيرة من أجلكم “
[83] راجع AH5:16:2. يوضح القديس أثناسيوس الرسولى نفس هذا المعنى قائلاً: [ ولم يكن ممكنًا أن يعيد خلق البشر ليكونوا على صورة الله إلاّ الذى هو على صورة الآب] تجسد الكلمة، المرجع السابق، 1:20 ص56.
[84] راجع تك1:11: ” وكانت الأرض كلها لسانًا واحدًا ولغة واحدة“.
[85] راجع تك2:11ـ4.
[86] أو بحسب تعبير القديس كيرلس: [ أرادوا أن يفعلوا شيئًا للتفاخر] تعليقات لامعة (جلافيرا) الكتاب الشهرى أغسطس 2004، ص20.
[87] يقول القديس كيرلس فى تعليقه على بلبلة الألسنة، إن الله يظهر بلبلة الألسنة لأن الأفكار التى تتجاوز قدرات الإنسان لا يتركها الله بدون توبيخ، إذ بحسب قول القديس كيرلس: [بلبل الألسنة لأن هذه الأعمال التى تحتاج فقط لقوة الخالق، وأيضًا لسلطانه، ليس لأحد سلطان عليها إلا هو فقط] تعليقات لامعة (جلافيرا)، الكتاب الشهرى أغسطس 2004، ص20.
[88] تك1:12، يشرح القديس كيرلس الأسكندرى سر عن دعوة الله لإبراهيم بالهجرة من أرضه قائلاً: [إن الله عندما يدعو أُناسًا لكى يتبعوه روحيًا، يريد أن يبعدهم عن حياة العالم، وأيضًا بعيدًا عن حياة الملذات وحب الجسد، هؤلاء أراد الله أن يكرّمهم، فهل هناك شئ أفضل من هذا؟ فليتصاغر إذن أمام عيوننا، الوطن والعشيرة والبيت العائلى والتكالب على الخيرات الأرضية] السجود والعبادة بالروح والحق، المقالة الأولى، ترجمة الباحث جورج عوض، المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، ديسمبر 2001، ص 44.
[89] تك7:12، 15:13، 8:17. يقول القديس كيرلس الأسكندرى: [عندما كان (ابرآم) فى وطنه أُعطى له الأمر النافع والوحيد، أنه يجب أن ينتقل إلى أرض أخرى مهاجرًا من وطنه. لكن عندما وصل إلى أرض كنعان ومعه كل عائلته واحتياجاته، وصعد إلى الأرض المقدسة، أُعطيت له نعمة الرؤيا الإلهية وثقة الرجاء فى الحرية الثابتة، ثم التصريح له بعد ذلك ببناء مذبح] السجود والعبادة بالروح والحق، المرجع السابق ص46.
[90] تك5:15.
[91] تك6:15 ، رو3:4 ، غلا6:3.
[92] راجع رو 11:4.
[93] راجع تك1:21ـ4 ، 25:25.
[94] تك41:4 ، 6:46ـ7 ، أع 11:7ـ15.
[95] تك5:15.
[96] يفسر القديس كيرلس الأسكندرى هذا القهر تفسيرًا روحيًا قائلاً: [إن مشقة الإسرائيليين تمثل الصورة الواضحة المتكررة لأطماعنا الباطلة الدنسة هنا على الأرض، كما أن الشيطان وقواته الشريرة يمارسون ضغوطًا وهجومًا علينا] السجود والعبادة بالروح الحق، المرجع السابق، ص62.
[97] نفس المعنى يقوله القديس كيرلس الأسكندرى باستفاضة: [لكن الله أظهر حينذاك رحمته لهؤلاء الذين أصابهم شر بواسطة مقاصد المصريين الشريرة، لأن الله أعد موسى العظيم ليكون خادمًا لإحسانه نحوهم] السجود والعبادة بالروح والحق، المرجع السابق ص62.
[98] خر28:7 ، 3:12.
[99] أيضًا يُفضل القديس كيرلس الأسكندرى تعبير “سر المسيح”، إذ يقول: [ وأُمر أن يُحتفل بالفصح الذى يشير إلى سر المسيح قبل إعلان غضبه على أبكار المصريين] المسيح فصحنا الجديد،= =ترجمة د. جورج عوض إبراهيم، مراجعة د. نصحى عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، مايو 2005، ص9.
[100] دم الحمل هنا يشير إلى دم المسيح لأنه كان من المستحيل ـ بحسب قول القديس كيرلس ـ أن يُبطل الموت بواسطة موسى والناموس [ بل إن دم المسيح الكريم وحده هو الذى يُبعد المُهلِك ويحرر المُقدَّسين من هلاك الموت. لأن المسيح هو الحياة وهو إله الكل إذ أنه إله من إله] المسيح فصحنا الجديد، المرجع السابق ص9.
[101] كلمة “فصح” بمعنى عبور فى اللغة العبرية، ويشرح القديس كيرلس هذا المعنى قائلاً: [” إنه فصحٌ للرب” (خر12: 11)، أي العبور من الحياة الحاضرة إلى المدينة التي يُسرُّ بها الله] المسيح فصحنا الجديد، المرجع السابق، ص23.
[102] خر15:14ـ31
[103] خر31:18.
[104] لقد ترجم Wilson ” إصبع الله هو الروح القدس لأنه ينبثق من الآب “. لكن هذه الترجمة ـ بحسب رأى البروفيسور جون كارافيدبولس ـ لا تُفهم من سياق النص، طالما أن إيرينيوس هنا لا يتحدث عن انبثاق الروح القدس، بل عن قوة الله، المرموز لها بالإصبع. راجع متى 28:12، لو 20:11. إن البروفيسور L.M Froidevaux الذى قام بالترجمة الفرنسية التى نُشرت فى SC سنة 1959م، يرى أن إيرينيوس يقتبس هنا آية خروج18:31 لكن على أساس الترجمة السبعينية.= =ونص إيرينيوس نجده في رسالة برنابا (2:14) “لوحى (الحجر) مكتوبين بإصبع يد الرب في الروح”.
[105] يرى القديس إيرينيوس أن الخيمة رمزًا لأورشليم السماوية مسكن الله مع الناس: [عندما تزول هذه الأشياء من على الأرض، يقول يوحنا تلميذ الرب: إن أورشليم الجديدة العُليا سوف تنزل (من السماء) كعروس مزينة لرجلها (رؤ2:21)، فهذا هو مسكن الله حيث يسكن مع الناس… وهذا المسكن تَقبّل موسى مثاله على الجبل…] (AH4:35:2).
[106] أيضًا يشرح القديس إيرينيوس الهدف الذى من أجله أمر الله موسى ببناء الخيمة وتشييد الهيكل واختيار اللاويين، وتقديم الذبائح والقرابين، وسائر مطالب الناموس التشريعية، قائلاً: [بالرغم من أن الله نفسه لا يحتاج بالحقيقة لأى شئ منها، لأنه ممتلئ دائمًا بكل صلاح، وينبع منه كل عبيق الجود والسخاء، وكل عطر طيب، حتى قبل أن يأتى موسى إلى الوجود، إلاّ أنه قصد أن يوصى الشعب الذى كان ميالاُ بطبعه إلى عبادة الأوثان ـ مكررًا لهم تعليماته بين الحين والآخر لكى يثابروا على عبادة الله، داعيًا إياهم بواسطة الأمور الثانوية إلى الأشياء التى لها الأهمية الرئيسية، أعنى بذلك جذبهم إلى الأشياء الحقيقية بواسطة ما هو رمزى، وعن طريق الأشياء الزمنية يأتى بهم إلى الأبديات، وبالجسديات يقودهم إلى الروحيات، ومن الأرضيات يرفعهم إلى السمائيات، كما قال هكذا لموسى: انظر فاصنعها على مثالها الذى أُظهر لك فى الجبل (خر40:25)] (AH4:14:3).
[107] عد16:13.
[108] يقارن القديس كيرلس الأسكندرى بين هؤلاء الجواسيس الاثنى عشر وبين الاثنين والسبعين المبشرين بملكوت الله، حيث هناك نرى المناداة بالخوف والذعر من أشياء لا ينبغى الخوف منها، بينما نجد تلاميذ المسيح يتقبلون منه القدرة على هزيمة (كل قوة العدو) انظر تعليقات لامعة (جلافيرا) على سفر العدد PG69, 606-615.
[109] انظر عد20:24، تث17:25و18. الاسم “عماليق” معناه “شعب يدمر كل ما هو أمامه”. وقد دعاهم يوسيفيوس المؤرخ اليهودى من القرن الأول الميلادى “جوبوليتس Gobolitis”. ومازالت القبائل المقيمة فى برية سيناء حول منطقة دير سانت كاترين تُدعى باسم “الجُبلية”، مما يؤكد صحة التقليد اليهودى الذى نقل عنه يوسيفوس. واسم “عماليق” قد ذُكر فى تك12:36 فى قائمة أنساب عيسو (المُلقب أدوم). ويرى القديس كيرلس فى الجبابرة بنى عناق أنهم يرمزون إلى الرؤساء والسلاطين وولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية فى السماوات (انظر تعليقات لامعة (جلافيرا) على سفر العدد PG69, 606-615).
[110] تك49:32ـ52.
[111] راجع أف 10:1. انظر فقرة 6.
[112] وبحسب تعبير القديس غريغوريوس النيسى: [ وهكذا اتصلت البشرية بالله بواسطة ناسوت المسيح (الذى اتحد بلاهوته). فبجسدنا الذى حمله فى ذاته سرت القوة الإلهية فى كل الطبيعة البشرية] (ضد افنوميوس2 PG45, 533A).
[113] في هذه الفقرة لخص إيرينيوس جوهر تعليمه عن المسيح والخلاص. فتجسد المسيح له المجد كان ضروريًا لكى ينقل عدم الفساد إلى البشر ولكى يَبطُل الشر الآتى من عصيان آدم. وهذا الأمر قد شرحه فيما بعد القديس أثناسيوس فى كتابه “تجسد الكلمة”: [لأن المخلّص تمّم بتأنسه عمليتى المحبة: (أولاً): أنه أباد الموت من داخلنا وجدّدنا ثانية. (ثانيًا): أنه إذ هو غير ظاهر ولا منظور، فقد أعلن نفسه وعرّف ذاته بأعماله في الجسد، بأنه كلمة الآب، ومدّبر وملك الكون] تجسد الكلمة، المرجع السابق، 5:16. والقديس أمبروسيوس أسقف ميلان يصف لنا المسيح بأوصاف توضح نتائج التجسد بالنسبة لنا: [المسيح هو لنا كل شئ… إذا أردت أن تبرئ جرحك، فهو الطبيب الشافى؛ إذا أردت أن تروى عطشك الشديد، فهو ينبوع الماء الحي؛ إذا كنت فى حاجة إلى معونة، فهو القوة الحية الفعّالة؛ إذا كنت ترهب الموت، فهو الحياة القاهرة للموت؛ إذا كنت تخشى الظلام، فهو “النور الحقيقى”؛ إذا كنت جوعانًا، فهو قوت الحياة] (PL16, 305).
[114] تك5:2.
[115] راجع فيلون: Πer… t¾j kat£ Mοãsša kosmopol…aj, 137.
[116] راجع أيضًا AH3:23:4, 5:19:1.
[117] كل الترجمات تُنهى الفقرة (33) هنا هكذا فيما عدا الترجمة الصادرة عن سلسلة “المصادر المسيحية”، فهى تُنهى هذه الفقرة بجزء من فقرة (34) الذى ينتهى بعبارة: ” أما الخير فهو طاعة لله”. Sources Chrétiennes, L. M . Frodievaux.
[118] الشجرة أو العصا فى العهد القديم تشير إلى الصليب (انظر على سبيل المثال يوستينوس، الحوار مع تريفو 1:86ـ6). أو كما يقول القديس إيرينيوس فى موضع آخر: [ قد جاء الرب إلى خاصته علانية وصارت خليقته الخاصة تحمله، وهى بعينها المحمولة منه. والمخالفة التى صارت بالشجرة عوضها بالطاعة (التى) أكملها على الخشبة (الصليب)، والغواية التى أُغويت بها العذراء حواء على نحو يُرثى له، وهى تحت طاعة رجل، قد انحلّت ببشارة الحق التى بُشرت بها العذراء مريم على نحو مفرح بواسطة الملاك، وهى تحت طاعة رجل أيضًا (يوسف). فكما ان تلك (حواء) أُغويت بكلمة الملاك (الساقط) لكى تحيد عن الله وتخالف كلمته، هكذا هذه (مريم) أيضًا بُشرت بكلمة الملاك لكى تحمل الله وتطيع كلمته. وكما أن تلك (حواء) أُغويت بأن تخالف الله؛ هكذا هذه (مريم) اقتنعت بأن تطيع الله لكى تصير العذراء مريم محامية عن العذراء حواء. وكما أن الجنس البشرى= =صار مُقيدًا بالموت بواسطة عذراء (حواء)، هكذا قد انحل أيضًا بواسطة عذراء (مريم)، وكأن المخالفة العذراوية قد عادلتها الطاعة العذراوية] (AH5:19:5)، (SC. 153,249-251).
[119] إش6:50.
[120] راجع في 8:2.
[121] والقديس يوحنا ذهبى الفم أيضًا فى عظته عن “الصليب” يقول: [إذا عرفت بأي طريقة انتصر المسيح، سوف يصير إعجابك أعظم. فبنفس الأسلحة التي غلب الشيطان بها الإنسان، انتصر المسيح عليه. واسمع كيف؟ عذراء وخشبة وموت هي رموز هزيمتنا. العذراء كانت حواء، لأنها لم تكن قد عرفت رجلها. الخشبة كانت الشجرة (التي أوصى الله آدم بألاّ يأكل منها) والموت كان عقاب آدم. لكن العذراء والخشبة والموت التى كانت رموزًا لهزيمتنا، صارت رموزًا للانتصار. لأن لدينا مريم العذراء بدلاً من حواء، ولدينا خشبة الصليب بدلاً من شجرة معرفة الخير والشر، ولدينا موت المسيح بدلا من موت آدم. هل رأيت، فالشيطان هُزم بنفس الأسلحة التي انتصر بها قديمًا؟!] انظر كتاب “الصليب” عظتان للقديس يوحنا ذهبى الفم، ترجمة د. جوزيف موريس فلتس، ود. جورج عوض إبراهيم، المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، ابريل 2004، العظة الثانية، ص 28و29. أيضًا القديس كيرلس الأورشليمى يقول عن أبوينا الأولين: [ وإن كانا قد طُردا من الفردوس بسبب أكلهما منها أفلا يكون أسهل على المؤمنين الآن أن يدخلوا الفردوس بسبب شجرة يسوع] عظات للموعوظين 2:13، ΒΕΠΕΣ 39, 153.
[122] يشرح لنا القديس أثناسيوس لماذا تم الموت بالصليب من بين كل أنواع الموت؟ فيعطى لنا نفس معانى هذه الفقرة، قائلاً: [إن كان موت الرب هو فدية (lÝtron) عن الجميع وبواسطة موته هذا نقض “حائط السياج المتوسط” وصارت الدعوة لجميع الأمم، فكيف كان ممكنًا أن يدعونا إليه لو لم يكن قد صُلِبَ؟ لأنه على الصليب وحده يمكن أن يموت إنسان باسطًا ذراعيه. لهذا كان لائقًا بالرب أن يحتمل هذا الموت ويبسط ذراعيه، لكى بأحدهما يجتذب الشعب القديم وبالذراع الأخر يجتذب الذين هم من الأمم، ويوّحد الاثنين فى شخصه] تجسد الكلمة، المرجع السابق، 25:3.
[123] تك5:15.
[124] تك6:15 ، رو 3:4 ، غلا6:3.
[125] حب4:2، رو 17:1، غلا7:3، 11، عب 38:1.
[126] يؤكد القديس كيرلس الأورشليمى أن إيماننا يستند على شهادة الأنبياء وليس على براهين بشرية قائلاً: [ لا تبالِ ببراهين من عندى كى لا تضل الطريق، بل إن لم تتقبل شهادة الأنبياء فلا تصدقنى. ما لم تتعلّم من الكتاب المقدس بخصوص البتول وعن مكان الميلاد وزمانه وطريقته فلا تقبل شهادة إنسان (يو34:5)] كيرلس الأورشليمى، كنيسة مار جرجس بسبورتنج، الأسكندرية 1970، المقالة الثانية عشر لطالبى العماد، ص227.
[127] انظر مز11:132، 29:89، 35:89.
[128] انظر مت9:21، يو13:12.
[129] يوضّح القديس أثناسيوس نفس هذا المعنى قائلاً: [ أخذ (الكلمة) جسدًا من جنسنا، وليس ذلك فحسب، بل أخذه من عذراء طاهرة نقية لم تعرف رجلاً، جسدًا طاهرًا وبدون زرع بشر] تجسد= =الكلمة، المرجع السابق3:8. وكذلك يقول القديس كيرلس الأورشليمى: [ يليق بكلى الطهارة ومعلّمها أن يتجسد فى أحشاء عروس طاهرة… إنه يقول بنفسه فى المزمور ” اخرجتنى من الرحم” (مز1:22)، مُظهرًا أنه مولود بغير زرع رجل، وهو إنما يحمل الجسد من عذراء، الأمر الذى يختلف عن المولودين من زرع بشرى] كيرلس الأورشليمى، المرجع السابق، ص238.
[130] يقول القديس ميليتوس أسقف ساردس (القرن الثانى): [ الإله لبس جسدًا واتخذ صورة الإنسان. قًبِل الآلام عن كل متألم وحُوكم من أجل كل محكوم عليه. ودُفِن فى القبر من أجل كل المدفونين، ولكنه قام حيًا من بين الأموات (بقوة لاهوته) وأعلن قائلاً: مَنْ ذا الذى يمكنه أن يقاضينى؟ لقد خلّصت المديونين، وأعَدتُ الحياة للذين ماتوا، وأخرجتهم من قبورهم (بكامل قواهم)؛ مَنْ هو الذى سيحاججنى؟ لقد أبطلتُ الموت؛ وسحقتُ الهاوية، ثم رفعت البشرية إلى أعلى السموات، نعم، أنا هو المسيح، أنا هو ذبيحة كفارة غفرانكم، أنا هو فصح خلاصكم، أنا هو نوركم، أنا هو قيامتكم] (SC.123, p. 116, 120, 122).
[131] وعن الهدف الذى من أجله أرسل الله الكلمة وليس أحد آخر، يقول القديس أثناسيوس متسائلاً: [إذن فما هو الذى كان ممكنًا أن يفعله الله؟ وماذا كان يمكن أن يتم سوى تجديد الخليقة التي وُجدت على صورة الله، مرة أخرى، ولكي يستطيع البشر أن يعرفوه مرة أخرى؟ ولكن كيف كان ممكنًا لهذا الأمر أن يحدث إلاّ بحضور نفس صورة الله ـ مخلّصنا يسوع المسيح؟ كان ذلك الأمر مستحيلاً أن يتم بواسطة البشر لأنهم هم أيضًا خُلِقوا على مثال تلك الصورة.(وليس هم الصورة= =نفسها)، ولا أيضًا بواسطة الملائكة لأنهم ليسوا صورًا (لله) ولهذا أتى كلمة الله بذاته لكي يستطيع ـ وهو صورة الآب ـ أن يجدّد خلقة الإنسان، على مثال الصورة] تجسد الكلمة، المرجع السابق، 7:13.
[132] رؤ5:1، كو18:1.
[133] عا11:9 . أع 16:15.
[134] نفس هذه المعانى القوية نجدها عند القديس هيلاريون أسقف بواتييه (+367م): [إن ابن الله قد وُلِد كإنسان من العذراء فى ملء الزمان لكى يرفع البشرية فى شخصه حتى إلى (الاتحاد) باللاهوت] (عن الثالوث PL 10, 284). وأيضًا: [ فقد صار كلمة الله جسدًا لكى يستطيع كل جسد بواسطة هذا الكلمة المتجسد أن يرتقى إلى الاتحاد بالله الكلمة] (PL10, 33)، لذا غاية التجسد عند هيلاريون هى: [ أن يأخذنا (الابن المتجسد) فى نفسه إلى داخل الله!] (PL10, 286).
[135] أو بحسب تعبير القديس أثناسيوس: [ فالموت لابد أن يسبق القيامة، لأنه لا يمكن أن تكون هناك قيامة ما لم يسبقها موت] تجسد الكلمة، المرجع السابق، 1:23.
[136] أيضًا يؤكد القديس أثناسيوس هذا المعنى قائلاً: [فالموت الذى قَبِلَه واحتمله على الصليب قد أوقعه عليه آخرون ـ الذين هم أعداؤه، ظانين أن هذا الموت مرعب ومهين ولا يمكن احتماله ـ لكن المسيح أباد هذا الموت، فآمن الجميع أنه هو الحياة، الذي به تتم إبادة سلطان الموت كلية] تجسد الكلمة، المرجع السابق، 3:24.
[137] يشرح القديس كيرلس معنى ما قاله لو7:2 ” فولدت ابنها البكر” قائلاً: [ إن معنى البكر هنا ليس أنه الأول بين اخوة عديدين، بل هو ابنها الأول والوحيد] تفسير إنجيل لوقا، الجزء الأول، ترجمة د.نصحى عبد الشهيد، مايو 1990م، ص29.
[138] يقول القديس كيرلس الأسكندرى: [ بسبب محبة الآب لخلائقه قد دعا الابن نفسه بكرًا لكل خليقة (1كو15:1). فهو بكر من أجلنا نحن، حتى تصير الخليقة كلها مُطعّمة فيه، كما فى أصل جديد خالد، فتنبت من جديد من الكائن الأزلى نفسه!] الكنز فى الثالوث: 25.
[139] أع15:3.
[140] إش6:9.
[141] يشرح القديس كيرلس الأسكندرى حقيقة نوالنا نعمة عدم الفساد قائلاً: [(المسيح) يقول: “أنا حى، ولأنى أنا الحياة بالطبيعة، فقد أظهرت هيكل (جسدى) أنه حى. وبالرغم من أنكم ذوى طبيعة فاسدة، لكنكم حينما سترون أنفسكم أحياءً، كما أنى أنا حي، فسوف تعرفون بكل وضوح أنه بسبب كونى أنا الحياة بالطبيعة، فقد ربطتكم من خلال ذاتى بالله الآب؛ الذى هو نفسه الحياة بالطبيعة، وبهذا جعلتكم شركاء ومشاركين فى صفة عدم الفساد التى له… لقد جعلتكم شركاء الطبيعة الإلهية، لما وضعت روحى فيكم”. لأن المسيح فينا بالروح وقد استرجع ما هو فاسد بالطبيعة إلى عدم الفساد، وغيَّره من الموت إلى عدم الموت] شرح إنجيل يوحنا20:14 Pussey, Lib IX, Cap. I, p. 487-488.
[142] الذى يقول عنه القديس كيرلس الأسكندرى، إنه: [ كنور الفجر قبل ظهور نور المخلّص الساطع، وهو المقدمة لنور النهار الروحى] تفسير إنجيل لوقا، ترجمة د. نصحى عبد الشهيد، مؤسسة القديس أنطونيوس القاهرة، 1990، العظة العاشرة، ص66.
[143] انظر لو30:1و33و34.
[144] انظر مت19:28.
[145] يقول القديس إيرينيوس: [ حيثما وجِدت الكنيسة وُجِد الروح القدس، وحيثما وُجِد الروح القدس وُجِدت الكنيسة] (AH3:24:1).
[146] يعلّق القديس أغسطينوس على وعد الله لإبراهيم المُؤكد بقسم ” ويتبارك فى نسلك جميع أمم= =الأرض، من أجل أنك سمعت لقولى” قائلاً: [ … وهكذا صار الوعد الخاص بدعوة الأمم فى نسل إبراهيم، مُؤكدًا بقَسمٍ من الله بعد هذه المحرقة (الكبش الذى قُدِّم عوضًا عن إسحق) التى ترمز للمسيح. لأنه كثيرًا ما وعد ولكنه لم يُقسِم قط. وماذا يكون قَسم الله الصادق والأمين إلاّ تأكيدًا للوعد وتوبيخًا مضاعفًا لغير المؤمن؟] (St. Augustine, The City of God, ch. 32).
[147] يقول القديس إيرينيوس فى موضع آخر: [ الرب قد وعد أن يُرسل لنا الباراقليط ليوّحِدنا مع الله. فكما أنه مستحيل أن تُعجن عجينة متماسكة من دقيق جاف بدون ماء ولا يمكن ابدًا أن تصير خبزة واحدة، هكذا أيضًا نحن الكثيرين لم يكن ممكنًا أن نصير واحدًا فى المسيح يسوع بدون الماء الذى من السماء (يقصد الروح القدس)] AH3:17:1-3.
[148] يؤكد القديس باسيليوس الكبير على هذا المفهوم قائلاً: [ إتحاد الروح بالنفس يحدث عندما تختفى الأهواء التى تنمو فى النفس بسبب اتحادها ومحبتها للجسد وهو ما يجعل النفس تتغرب عن الشركة مع الله. وعندما تتنقى النفس من عار الدنس الذى لحق بها بسبب فسادها وتعود إلى جمالها= =الطبيعى تتمسك بالصورة الملوكية (الإلهية) وتسترد شكلها الأول عند ذلك فقط يمكن أن تقترب من الباراقليط] الروح القدس:9.
[149] تك1:1.
[150] هذا المقطع مركب من مز 3:109 ، مز 17:71س.
[151] هذا العدد يتماثل مع المزمور 17:71.
[152] يو1:1ـ3.
[153] يفسر لنا القديس كيرلس الأسكندرى معنى ” فى البدء كان الكلمة” قائلاً: [لا يوجد ما سبق البدء. إذا ظل البدء بالحق بدأ، لأن بدء البدء مستحيل، وإذا تصورنا أن شيئًا ما سبق البدء تغير البدء ولم يعد بدءًا بالمرة. وإذا تصورنا أن شيئًا يمكن أن يسبق البدء، فإن اللغة الإنسانية سوف لا تمكننا من الكلام لأن ما سبق البدء هو البدء المطلق والحقيقي ويصبح ما بعد ذلك ليس بدءًا بالمرة. إذًا لا بدء للبدء حسب دقة المنطق، وتظل حقيقة البدء غير مدركة، لأن إدراكها يجعل البدء يفقد كونه أنه البدء. وحيث إننا مهما عدنا إلى الوراء فإننا نعجز عن الوصول إلى البدء مهما حاولنا، فإن هذا يعني أن الابن لم يخلق بالمرة، بل هو كائن مع الآب لأنه “كان في البدء”. وإذا كان في البدء فأين هو العقل الذي يستطيع أن يتخطى كلمة “كان” ويتصور أن الابن جاء إلى الوجود في الزمان، إن كلمة “كان” سوف تظل كما هي “كان” تتحدى وتسبق كل البراهين، بل تجوز أمام كل الأفكار التي تحاول عبثًا أن تدركها] شرح إنجيل يوحنا، الجزء الأول، مركز دراسات الآباء، القاهرة 1989، ص15ـ16.