رسالة فيلبي ع3 – ق. يوحنا ذهبي الفم – جورج ميشيل أندراوس
تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي
للقديس يوحنا ذهبي الفم
جزء أول (العظات من 1 ـ 8 )
ترجمة عن اليونانية
الباحث جورج ميشيل أندراوس
العظة الثالثة
“ فَإِنَّ اللهَ شَاهِدٌ لِي كَيْفَ أَشْتَاقُ إِلَى جَمِيعِكُمْ فِي أَحْشَاءِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. وَهذَا أُصَلِّيهِ: أَنْ تَزْدَادَ مَحَبَّتُكُمْ أَيْضًا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ فِي الْمَعْرِفَةِ وَفِي كُلِّ فَهْمٍ، حَتَّى تُمَيِّزُوا الأُمُورَ الْمُتَخَالِفَةَ، لِكَيْ تَكُونُوا مُخْلِصِينَ وَبِلاَ عَثْرَةٍ إِلَى يَوْمِ الْمَسِيحِ، مَمْلُوئِينَ مِنْ ثَمَرِ الْبِرِّ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِمَجْدِ اللهِ وَحَمْدِهِ.“[1].
هنا يدعو الله شاهدًا له، ليس باعتبار أنه غير مُصدّق، ولكنه يفعل ذلك عن قناعة تامة لأجل أن يكون إيمانهم كاملاً ويكون لديهم الشجاعة الكافية. ولأنه سبق أن قال إنهم شركاء معه ـ وحتى لا يعتقدوا أنه لأجل هذا السبب يشتاق إليهم، وليس لأجل أشخاصهم في حد ذاتها ـ لهذا تحديدًا أضاف تعبير “في أحشاء المسيح“. ماذا يعني هذا؟ يقول بحسب المسيح، وليس بحسبه هو لأنهم مؤمنين ومحبين للمسيح، ولأجل المحبة التي بحسب المسيح. وهو لم يقل إنه يشتاق إليهم بدافع المحبة، ولكن ما هو أقوى، “في أحشاء المسيح”، فقد أصبح الله أبونا من خلال شخص المسيح. لأن هذه العلاقة تمنح لنا أحشاءًا وقلبًا قويًا وحارًا، لأن المسيح يمنح محبته القلبية لعبيده الحقيقيين. هكذا يقول إن محبتي لكم هى هكذا، فيستطيع المرء أن يقول إن محبتي ليست نابعة من قلبي البشري، ولكن نابعة من محبة قلب المسيح.
يقول ” كيف أشتاق إلى جميعكم “. أشتاق إلى جميعكم جدًا، لأن جميعكم أيضًا هكذا (مملوئين بالمحبة). لا أستطيع أن أعبّر بالكلمات، كيف أشتاق إليكم جدًا، إنه لمن الصعب أن أقول هذا. لذا أتركه لله الذي يعرف خفايا القلب.
ولقد كان بولس الرسول صادقًا في مشاعره ولم يسعَ لكي يتملق أهل فيلبي، وإلاّ لما كان قد استطاع أن يدعو الله شاهدًا على ما يقوله، ولعرّض مصداقيته للخطر.
” وهذا أُصلّيه، أن تزداد محبتكم أيضًا أكثر فأكثر “. وذلك لأن هذه المحبة لا يُشبع منها. انتبه فهذا يعني أن المحبوب يريد أن يُحَب أكثر فأكثر. لأن المحب لا يريد أن يتوقف عند حد معين للمحبة، لأنه لا يوجد معيار لهذا الأمر الحسن. والرسول بولس يشتهي أن تكونوا هكذا على الدوام فيقول: ” لا تكونوا مديونين لأحد بشئ إلاّ بأن يُحب بعضكم بعضًا “[2]. فمقياس المحبة هو ألا تتوقف أبدًا. لكي تزداد كما يقول، محبتكم أكثر فأكثر. لاحظ أهمية التعبير ” أكثر فأكثر “.
” أن تزداد محبتكم في المعرفة وفي كل فهم “. وهو لا يُريد مجرد الصداقة، أو المحبة فحسب، وإنما المحبة التي تأتي من المعرفة الكاملة، أي لا تشرعون في ممارسة هذه المحبة نحو الجميع، لأن المحبة التي تخلو من المعرفة ليست محبة وإنما هى رغبة فاترة. ماذا تعني عبارة “في المعرفة”؟ تعني بتمييز، بتفكر، بإحساس. لأنه يوجد بعض من يحبون بدون تعقل، بطيش، وبالصدفة، لهذا فإن المحبة التي من هذا النوع لا تكون قوية.
” في المعرفة وفي كل فهم، حتى تميّزوا الأمور المتخالفة “، أى تلك المعرفة وهذا الفهم الذي يؤول لمنفعتكم. ويستطرد قائلاً إن ما قلته لم يكن لأجلي، بل لأجلكم، لأن هناك تخوّف فربما يفسد أحد بسبب محبة الهراطقة، أي أنه يلمّح إلى هذا الأمر. انتبه كيف يعرض هذا الأمر، فهو يشرح أن ما قاله لم يكن من أجل نفسه ولكن لكي يكونوا مخلصين، أي لا يقبلوا أي عقيدة زائفة بحجة المحبة.
كيف إذًا يقول ” إن كان ممكنًا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس“[3]؟، ما يعنيه هنا هو أن يكون لكم علاقات سلام وليس أن تحبوا بطريقة تجعلكم تُضارون من المحبة. وقد قال الرب أيضًا ” فإن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها والقها عنك “[4]. ” لكي تكونوا مخلصين ” أمام الله وبلا لوم من نحو الناس. فإن الصداقات الكثيرة غالبًا ما تضرهم، فإن لم تضرك أنت في شئ، فقد يُعثر شخص آخر. ” إلى يوم المسيح “، أي أن تكونوا أنقياء في تلك الساعة، دون أن تُعثروا أحدًا. ” مملوئين من ثمر البر الذي بيسوع المسيح لمجد الله وحمده ” بمعنى أن يكون لكم بالإضافة إلى العقائد الصحيحة أيضًا حياة مستقيمة، وليس مستقيمة فقط وإنما أيضًا أن تكون مملوءة من ثمر البر. فهناك بالطبع بر، ولكنه ليس بحسب المسيح، إنه يطلب الحياة البارة حيث ” ثمر البر الذي بيسوع المسيح لمجد الله وحمده “.
أرأيت كيف أنه لا يتكلم عن مجده الخاص وإنما عن مجد الله؟ في مواضع كثيرة يدعو الإحسان برًا. ويضيف: أن المحبة لا تعيقكم عن إدراك الأمور النافعة، ولا تؤدى إلى فقدان شجاعتكم. لأنني أرغب أن تزداد محبتكم، ولكن ليس بطريقة تؤدى لضرركم. كما أنني لست أرغب في ذلك بدون اختبار، وإنما بعد أن تختبروا إن كان كلامنا حسن. لم يقل أيدوا آراءنا، وإنما قال “تميّزوا”. ولم يقل صراحةً لا تقترب من هذا أو ذاك الشخص، وإنما كان يتوق أن تؤول المحبة إلى منفعتهم، وألاّ يسلكوا بلا مبالاة. إنه من الحماقة حقًا، ألاّ تحيوا في البر لأجل المسيح وبالمسيح. انتبه مرة أخرى للكلمة “به” (بالمسيح). إذًا هل يستخدم الله كمجرد مُعين؟ مثل هذا التفكير هو أمر مستبعد. إن ما يقوله لا يهدف إلى أن يُمتدح هو، بل إلى تمجيد الله.
” ثم أريد أن تعلموا أيها الاخوة أن أموري قد آلت أكثر إلى تقدم الإنجيل. حتى إن وُثُقي صارت ظاهرة في المسيح في كل دار الولاية وفي باقي الأماكن أجمع “[5]. من الطبيعي أن يحزنوا حينما أُخبروا أنه في القيود ويتصوروا أن هناك عوائق تواجه الكرازة. إذًا ماذا يحدث؟ لقد بدّد هذا الشك في الحال. لقد أعلن لهم ما حدث له، لأنهم كانوا قلقين، وهذا أيضًا يظهر محبته نحوهم. وماذا تقصد بقولك هذا؟ فإن كانوا قد وضعوك في الحبس، ورجليك في القيود، فبأي طريقة حينئذٍ تتقدم الكرازة؟ يجيب ” حتى أن وُثُقي صارت ظاهرة في المسيح في كل دار الولاية “. وهذا ليس فقط لم يغلق أفواه بقية تلاميذه، ولا جعلهم جبناء، بل أن ذلك الحدث عينه قد أعطاهم جرأة أكثر. فإذا كان هؤلاء القريبون من المخاطر ليس فقط لم ينلهم أي شرٍ، وإنما إزدادوا شجاعة أكثر، فبالحري يجب أن تتشجعوا أنتم أكثر جدًا. فإن كان في وثقه قد احتمل وصَمَتَ، فهذا أيضًا مدعاة لإحتمالهم، فبالرغم من أنه كان مقيدًا فقد كان يتكلّم بأكثر جرأة، لذا قد أعطى لهم شجاعة أكثر جدًا مما لو كان حرًا. لكن كيف آلت القيود إلى تقدم الكرازة بالإنجيل؟ لقد دبر الله هذا الأمر، ألا تبقى هذه القيود بدون ملاحظة، والتي كانت بسبب الإيمان بالمسيح ولأجل المسيح. ” في كل دار الولاية “، لأنه هكذا كانت تُسمى القصور من قبل، ثم يُضيف ” وفي باقي الأماكن أجمع “.
” وأكثر الأخوة وهم واثقون في الرب بوثقي يجترئون أكثر على التكلّم بالكلمة بلا خوف“[6]. يقول إنه كانت لديهم شجاعة قبل ذلك أيضًا ويتكلّمون بجرأة، ولكن الآن أصبحت هذه الشجاعة أكثر جدًا من ذي قبل. إن كان الآخرون إذًا، كما يقول، ينالون شجاعة من وُثُقي، فبالأكثر جدًا أكون أنا، فإن كنت أنا سبب هذه الشجاعة للآخرين، فبالأولى جدًا أتشجع أنا نفسي.
” وأكثر الأخوة وهم واثقون في الرب “. ولأنه كان أمر مبالغ فيه أن يقول إن قيودي أعطت شجاعة لهؤلاء، لذلك إستدرك فقال “ في الرب“. أرأيت كيف يتحدّث هنا، فبينما هو مُلزم بالتحدّث عن أشياء عظيمة، إلاّ أنه يتحدث بتواضع؟ ” يجترئون أكثر على التكلم بالكلمة بلا خوف “. كلمة “أكثر” تبيّن، كيف أنهم بدأوا بالفعل في الكرازة.
“أما قومُ فعن حسد وخصام يكرزون بالمسيح وأما قومُ فعن مسرة “[7]. ما معنى ذلك؟ هذا ما يستحق أن نعرفه. لأن بولس حين قُبض عليه، فإن كثيرين من الوثنيين رغبة منهم في إثارة الإمبراطور ضد المسيحيين فيقوم بإضطهادهم، نادوا هم أيضًا بالمسيح، حتى يصبح غضب الإمبراطور أعظم، بسبب أن الكرازة كانت قد انتشرت في كل مكان، وبذلك يصب كل غضبه على رأس بولس. لهذا فإن القيود قد خلقت نوعان من السلوك. فبالنسبة للمؤمنين قد منحتهم شجاعة كبيرة، وأما لغير المؤمنين، فلأنهم كانوا يأملون في القضاء عليه، فقد نصَّبوا أنفسهم ككارزين بالمسيح. ” أما قوم فعن حسد “، أي لأنهم حقدوا على الثبات والكرامة الخاصة بي، وهم يتنازعون معي ويرغبون في هلاكي، رغم أنهم يعملون معي، أو أنهم يرغبون أن يكرّموا هم أيضًا، ظانين بهذا أنهم ينزعون جزءًا من كرامتي. ” وأما قوم فعن مسرة “، أي أنهم يكرزون بدون تظاهر، وبكل نيّة حسنة.
” فهؤلاء عن تحزب ينادون بالمسيح لا عن إخلاص “[8]، أى ليس عن صدق، ولا من أجل فائدة الكرازة. إذًا لأي هدف يكرزون؟ ” ظانين أنهم يضيفون إلى وُثُقي ضيقًا “. لأنهم يعتقدون أنهم بإضافة ضيق فوق الضيق (الحالي) سأقع في خطر أعظم. يا لها من قساوة، ما هذا العمل الشيطاني!! فإنهم كانوا يرونه محبوسًا وموثقًا، ومع هذا كانوا يحسدونه. لقد كانوا يرغبون أن تتزايد النكبات عليه، ويجعلوه سببًا لغضب أعظم. وحسنًا قال “ظانين”، لأنه لم يحدث ذلك. فهؤلاء كانوا يظنون أنني بهذا أشعر بالحزن، ولكنني كنت مملوء فرحًا، لأن الكرازة بالإنجيل كانت تتقدّم.
” وأولئك عن محبة عالمين أني موضوع لحماية الإنجيل “[9]. ماذا يعني ” أني موضوع لحماية الإنجيل “؟ أى أنهم بكرازتهم هذه قد ساهموا في اعدادى لتحمّل مسئوليتي أمام الله، وساعدوني في البشارة بالإنجيل. ماذا يقصد بكلمة “لحماية”؟ يقصد أنني تلقيت أمرًا أن أبشر بالإنجيل، وأن أُعطى حسابًا عن العمل الذي كُلّفت به، ومن أجل هذا فإن هؤلاء يساعدونني حتى يصير هذا العمل سهلاً. لأنه إذا كان هناك كثيرون قد تلقوا التعليم وآمنوا، فحينئذٍ سيكون الدفاع عن الإنجيل أمرًا سهلاً بالنسبة للقديس بولس. هكذا فإنه من الممكن أن تعمل عملاً حسنًا، لكن ليس عن رغبة حسنة، فمن جهة هذا العمل (الذي يُؤدَى بنية سيئة)، ليس فقط لن تُعطَ عنه مكافأة، بل أيضًا سيكون سبب عقوبة. ولأنهم إذ كانوا يرغبون أن يضعوا رسول المسيح في مخاطر شديدة، فقد كرزوا بالمسيح، هؤلاء ليس فقط لا ينالون مكافأة، وإنما سيكونوا مستحقين أيضًا للعقوبة وللجحيم. ” وأولئك عن محبة “، أي يعرفون أنه يجب أن أُعطي حسابًا عن الكرازة.
” فماذا غير أنه على كل وجه سواء كان بعلّة أم بحق يُنادى بالمسيح“[10]. أترون حكمة الرسول، فهو لم يتهّم هؤلاء بقسوة، ولكنه تكلم عما حدث. هكذا يقول ماذا يهمني إن كان يُكرز بالمسيح بهذه الطريقة أو بتلك؟ ” غير أنه على كل وجه، سواء كان بعلّة أم بحق يُنادى بالمسيح “. لم يطلب منهم أن ينادوا بالمسيح، كما يظن البعض، زاعمين أنه بهذا يسمح بالهرطقات، ولكنه قال “يُنادى به”. فأولاً: هو لم يقل نادوا به، كمن يضع قانونًا، ولكنه يقرر الواقع. وثانيًا: إنه حتى لو قال هذا كمن يضع قانونًا، فهذا لا يعني أنه يفتح الطريق للهرطقات. ولكن لنفحص الموضوع جيدًا، لأنه لو أَمَرَ أن نكرز هكذا كما يفعل أولئك، فلن يُدخِل الهرطقات بهذه الطريقة. كيف؟ لأن هؤلاء يكرزون وهم مدركون لما يفعلونه، ولكن الهدف والفكر اللذان يكرزان بهما، هما فاسدان، أما الكرازة ذاتها فلم تتغير. لقد كانوا مضطرين لهذه الطريقة. لماذا؟ لأنهم لو كانوا قد كرزوا بطريقة أخرى، مختلفة عن تلك التي لبولس، لما استطاعوا أن يزيدوا غضب الإمبراطور. لكن الآن بانتشار كرازته، وبتعليمهم بطريقة مماثلة وإعدادهم تلاميذ كما صنع ذاك (ق. بولس)، إستطاعوا أن يدفعوا الإمبراطور لممارسة الإضطهاد لأن من الواضح أن عدد المؤمنين كان كبيرًا جدًا. ولكن قد يأتي شخص رديء، وبلا حس، فيستند على هذا النص ويقول لو كانوا حقًا قد أرادوا أن يضايقوه لكانوا قد فعلوا النقيض؛ بأن يضلوا هؤلاء الذين آمنوا بالفعل، ولما جعلوا المؤمنين يزداد عددهم. ماذا سنجيب إذًا؟ نقول إن هؤلاء كانوا يهدفون إلى أن يحيطوا ق. بولس بالمخاطر الحاضرة، ولا يتركوه ينجو، معتقدين أنهم بهذا يسببون له حزنًا، وأن الكرازة ستنتهي، ولا توجد طريقة أخرى لتحقيق هذا الهدف، أفضل من تلك التي كرزوا بها. لأنهم لو كرزوا بطريقة مختلفة لكانوا قد خففوا من وطأة غضب الإمبراطور الذي كان سيترك بولس حرًا لكي يكرز مرة أخرى. وهكذا اعتقدوا أنهم إذا نجحوا في القضاء عليه، فسيربحون كل شئ. وهذا التوجه كان غير معروف لدى الكثيرين، بل كان محصورًا في بعض القساة فقط.
يقول ” وبهذا أنا أفرح بل سأفرح أيضًا “. ماذا يعني “بل سأفرح أيضًا”؟ يعني أنه سيفرح حتى ولو تم هذا على نطاق واسع. لأنهم يعملون معي على عكس رغبتهم، ولأجل عملهم هذا الذي تعبوا فيه، سيحصدون الآلام في جهنم، بينما أنا الذي لم أُساهم بشئ (فيما فعلوه)، سأنال إذًا مكافأة. فهل يوجد شئ أكثر نجاسة من الشيطان، الذي يخطط من خلال التبشير والأتعاب الكثيرة أن يصل بهم إلى الدينونة والجحيم؟
انظر كم من الشرور يدخلها الشيطان في أتباعه؟ وهل هناك طريقة يستطيع بها عدو آخر مقاوم لخلاصهم أن يرتِّب كل هذا؟ أترى كيف أن من يحارب الحق لا ينجح في شئ، ولكن بالحري يجرح نفسه كمن يطئ المسامير؟
” لأني أعلم أن هذا يؤول لي إلى خلاص بطلبتكم ومؤازرة روح يسوع المسيح “[11]. لا يوجد مَن هو أكثر نجاسة من الشيطان، فهو يحيط تابعيه في كل مكان بأتعاب باطلة ويدّمرهم. وبالإضافة إلى أنه لا يتركهم كي ينالوا مكافأة، فإنه يجعلهم أيضًا مستحقين جهنم. فهو يعرف أن يدفع هؤلاء ليس فقط نحو الكرازة، بل أيضًا لممارسة الصوم والبتولية، الذي يؤدى بهم ليس فقط إلى حرمانهم من المكافأة الإلهية، بل كان يدفعهم أيضًا نحو مزيد من الشر الذي كان يضمرونه، وهم الذين يقول عنهم “موسومة ضمائرهم“[12].
لأجل هذا ينبغي أن نشكر الله على كل الأحوال، لأنه خفف أتعابنا وعظّم مكافأتنا. فالمتزوجين منا الذين يعيشون بعفة يتمتعون بمكافأة، لا يستمتع بها المتبتلون من هؤلاء، وهؤلاء المتبتلون الهراطقة يستحقون المجازاة التي تليق بالزناة. فإنهم بصفة عامة لا يعملون شيئًا من أجل هدف نبيل، وإنما لكي يشتكوا على خليقة الله وأيضًا على حكمته غير الموصوفة. إذًا علينا ألاّ نتوانى، فقد رتّب لنا الله جهادًا يناسبنا، وليس فيه أية مشقة. لذا فعلينا ألا نحتقر هذا الجهاد. فإن كان الهراطقة يتألّمون بمتاعب باطلة، فماذا سيكون دفاعنا، إذا كنا لا نريد أن نجوز حتى الأتعاب الصغيرة، والتي لها مكافأة أكبر؟ فما هو الأمر الثقيل أو المؤلم في وصايا المسيح؟ ألا تستطيع أن تعيش حياة بتولية؟ مسموح لك أن تتزوج. ألا تستطيع أن تُحرِم نفسك من كل خيراتك؟ فمتاح لك أن تسد احتياجات الآخرين بما هو موجود ” فضالتكم لأعوازهم “[13]. هذه طبعًا تظهر ثقيلة. ماذا أعني؟ أعني أن نحتقر المال وأن ننتصر على رغبات الجسد، والأمور الباقية لا تحتاج لأية محاولات خاصة، ولا لأية قوة جسدية أو روحية.
أخبرني إذًا أية قوة نحتاج كي لا نَشْتِم، ولكي لا نوشي بأحد؟ أية قوة تحتاج كي لا تحسد الآخرين على ما في أيديهم من خيرات؟ وأية قوة نحتاج حتى لا يسودنا الكبرياء؟ فإن تعذّب أحد واحتمل العذابات فهذا يوصف بالإحتمال، وإن سلك أحد بالحكمة فهو أيضًا احتمال، وأن يصبر أحد على الفقر وأن يجاهد ضد الجوع والعطش فهذا أيضًا نموذج آخر للإحتمال. لكن حينما لا توجد أي من هذه الأمور، ويُسمح بالإستمتاع بالخيرات الموجودة، كما يوافق المسيحي، فهل هناك إحتياج لقوة كي لا يحسد أحد الآخرين؟ إن الحسد لا يأتي إلاّ من إلتصاق المرء بالأرضيات، وبالأحرى من ممارسة كل الشرور. لأنك لو كنت قد احتقرت المال ومجد هذا العالم، لما حسدت أولئك الذين يملكونه. لكن لأنك فتحت فاك وتعجبت وتأثرت بهذه الأشياء فإن الحسد والمجد الباطل قد سبّب لك ضيقًا. كل الأشياء تأتي من الإستعباد لخيرات الحياة الحاضرة. أتحسد شخصًا لأنه صار غنيًا؟ هذا أمر لا يجدي لأن هذا الشخص يستحق الشفقة والدموع.
ستقول حالاً ساخرًا، إنني أنا المستحق للدموع، وليس ذاك. أنت أيضًا تستحق الدموع، ليس لأنك فقير، وإنما لأنك تعتقد أنك مستحق للشفقة أو الرحمة. إننا نرثي لهؤلاء الذين لا يُعانون من أي بلايا، ومع ذلك يتألمون، لا لأنهم يعانون من بلّية ما، ولكن لأنهم يعتقدون بأنهم يُعانون، بينما في الحقيقة هم لا يُعانون من أي شئ. كما يحدث على سبيل المثال إذا كان هناك شخص ما غير مُصاب بالحُمى، ومع ذلك تجده في حالة اضطراب، فيتقلّب على فراشه، بينما هو في الحقيقة مُعافى. ألا يكون هذا مستحق للدموع أكثر من هؤلاء الذين هم بالفعل مُصابون بالحمى، ليس بسبب أنه مُصاب بالٍحمى، لأنه في الواقع ليس كذلك، وإنما لأنه يعتقد أنه يتحمّل شيئًا، بينما هو لا يعاني من أي مرض؟ وأنت أيضًا لأجل هذا تستحق الدموع، لأنك تظن نفسك مستحق للشفقة، لكن ليس لأجل فقرك، لأنك تُعتبر محظوظًا أيضًا بسبب فقرك. لماذا تشعر بالحسد تجاه الغَنِّي؟ هل لأنه يشغل نفسه باهتمامات كثيرة ويخضع لعبودية رهيبة؟ هل لأن أمواله قد قيدته بسلاسل كثيرة، تمامًا كما يُقيد أحد الكلاب؟ إن حل المساء، وأتى الليل الذي هو وقت الراحة للجميع يكون بالنسبة للغَنِّي وقت انشغال وتكدّر وألم واهتمام. إن حدثت أية ضوضاء، في الحال يقفز متسائلاً: هل سرقوا أحدًا؟ فإن هذا (الغنى) الذي لم يفقد شيئًا، يهتم أكثر من ذاك الذي فقد شيئًا. لأن ذاك قد فقد مرةً شيئًا ما، وبعدما تألم، ترك جانبًا كل اهتمام، أما هذا فهو يعيش في هم دائم.
حقًا إن هؤلاء الذين يتملّكهم حزن شديد لا يركنوا ولا يلجأوا إلى الأصدقاء أو الأقارب أو أهل المنزل، بل وفي مرات عديدة لا يلجأون أيضًا إلى آبائهم الذين يعزّونهم، ولكنهم كثيرًا جدًا ما يغضبون أيضًا من تلك الكلمات المعزّية. بل ولا يستطيعون حتى ولا أن يروا النوم عندما يأتي الليل، الذي من المفترض أن يدفعهم للهدوء والذي هو مرفأ لمصائبنا، سلوان لنكباتنا، دواء لجراحنا. فتلك المرارة التي تصيب أنفسنا نتيجة للأسى هى أسوأ من أي تأجج داخلي. مثلما يحدث بالضبط حين يتألم جسد متأجج، ويكافح أشعة الشمس الملتهبة، فعندما يأتي إلى مأوى به ينابيع مياه عديدة يجد النسيم العليل الذي يخفف من وطأة الحرارة، هكذا فإن الليل يُسلّم نفوسنا إلى النوم. في الواقع لا الليل ولا النوم هو الذي يريح نفوسنا المتعبة، وإنما الله هو الذي يعرف طبيعة الجنس البشري التعس، وهو الذي يفعل كل هذا.
نحن لا نتراءف على أنفسنا، كأننا أعداء لأنفسنا، فنؤّرقها بسبب الثراء، وهذا الأرق هو أكثر شدة من احتياجنا الطبيعي للراحة. لأن ” السهر لأجل الِغنَى يذيب الجسم والاهتمام به ينفي النوم “[14]. لاحظ مقدار عناية الله. فهو لم يترك مسألة النوم والراحة لاختيارنا، وإنما جعلها حاجة طبيعية لنا حتى ننال هذا الخير بدون تدخل إرادي. بمعنى أن النوم من خصائص الطبيعة البشرية. فنحن إذ نبغض نفوسنا بشدة ونحاربها ونكدّرها كعدو لنا، فإننا نطغي عليها بصورة تتنافى مع هذه الحاجة الطبيعية. إن هذا الإستبداد يأتي بسبب محبتنا للمال. وعندما يطلع النهار نجد أن محب المال يخاف ممن يستغلونه بالإكراه. وإذا حلّ المساء يستولي عليه الرعب خوفًا من اللصوص. وإذا أتت ساعة الموت نجده يغتم لأن أمواله ستذهب لآخرين، أكثر من حزنه على مفارقة الحياة. وحين يُرزق طفلاً يرغب في المزيد من الأولاد؛ وحين يعطيه الله أولادًا كثيرين تحاصره الهموم بسبب كثرة الإنفاق. وإن لم يُعط طفلاً يزداد غمًا. إذًا هل تطوب ذاك، وهو لا يقدر أن يبتهج ويفرح بأي شئ؟ أتحسد ذاك الذي يتألم، بينما أنت مُقيم في ميناء هادئ، بسبب عدم غناك؟ هذا بالحقيقة هو ضعف في الطبيعة البشرية، فهى لا تتصرف في الخير بنبل، بل تسفِّه خيراتها.
هذه الأشياء تحدث في الحياة الحاضرة ولكن حينما نأتي إلى الحياة الأبدية، فاسمع ما يقوله الغَنِّي الذي كانت لديه خيرات لا تحصى، كما يعتقد المرء، لأنني بالتأكيد لا أدعو هذه خيرات، فهى ليست خيرًا ولا شرًا. اسمع ماذا يقول هذا الذي كانت لديه خيرات لا تُحصى، إلى أي مدى من الإحتياج قد وصل، يقول: ” يا أبى إبراهيم أرسل لعازر ليبل طرف إصبعه بماء ويبرّد لساني لأني معذب في هذا اللهيب “[15]. يا ليت ذاك الغني لم ينل أي شئ مما ذكرته، ويا ليته قد عاش كل حياته في هدوء وبدون اضطراب. لماذا أُطلِق على هذه اللحظة أنها كل حياته، لأن الحياة هى حقًا لحظة. لأن الكتاب يقول كل حياتنا هى لحظة واحدة مقارنة بالحياة الأبدية. فلو أن كل الأشياء كانت تسير حسنًا حسبما أراد ذلك الغَنِّي لما استحق إذًا تلك الكلمات، وبالحري ذلك المصير؟ ألم تغرق مائدته في النبيذ؟ الآن ليس لديه ولا حتى قطرة ماء، بل ولديه احتياج كبير إليها. ألم يحتقر الفقير الذي كان ممتلئًا بالجراح؟ لكنه الآن يرغب في التطلع إليه، ولا يسمح له أحد بهذا. كان ذاك الفقير بجانب باب بيته، لكنه الآن في أحضان إبراهيم. كان الغنى يسكن تحت الأسقف الشاهقة لكنه الآن يمكث في لهيب الهاوية.
فليسمع ذلك الأغنياء، وبالحري الأغنياء غير الرحماء، لأنه لم يُعاقب (الغَنِّي) لأنه كان غنيًا، وإنما لأنه لم يعط صدقة. فمن الممكن بالطبع أن الغني الذي يترأف يربح كل الخير. لهذا السبب فإن عينيّ الغَنِّي لم تكن مثبتة على أي شخص آخر إلاّ ذاك الفقير الذي كان في احتياج إليه، كي يعلم ـ متذكرًا ما فعله ـ إنه ينال جزاء ما فعله بعدلٍ. فهل لم يكن هناك فقراء صالحين لا يُحصى عددهم؟! لكن فقط الفقير، الذي كان بجوار باب الغني، هذا يظهر لكي يعلّمه وإيانا، كيف هو أمر حسن ألاّ نثق في المال. فالفقر لم يمنع لعازر مطلقًا من دخول ملكوت الله. والغِنى لم ينفع الغَنِّي أبدًا حتى يتجنّب الجحيم. حتى متى سيتملككم الشعور بأنكم معوزين وحتى متى ستشعرون بأنكم فقراء؟! فالفقير حقًا ليس هو من لا يملك أي شئ، وإنما ذاك الذي يرغب في امتلاك أشياء كثيرة. كما أنه ليس الغَنِّي من يملك الكثير، بل الغَنِّي هو الذي ليس لديه احتياج لأحد. لأن ما هى المنفعة أن يملك أحد العالم كله، ويعيش في قنوط أكثر من ذاك الذي لا يملك أي شئ؟ فالميول والرغبات، وليس الثروة أو الحرمان منها هى التي تجعل هؤلاء أغنياء وهؤلاء فقراء.
أيها الفقير أتريد أن تصير غنيًا؟ يمكنك أن تصير كذلك طالما أنك ترغب في تحقيق ذلك، ولن يضع أحد أمامك أي عوائق. فقط احتقر أموال العالم، اعتبر أن ليس لها أية قيمة، وهى حقًا كذلك. أنزع عنك الرغبة في الغِنَى، وبهذا تصير غنيًا بالفعل. فإنه غَنِّي حقًا ذاك الذي لا يريد أن يكون غنيًا، وفقير هو ذاك الذي لا يريد أن يكون فقيرًا. كما أنه مريض حقًا ذاك الذي حتى حينما يكون معافى فإنه يُعاني كما لو كان مريضًا، وليس مريضًا ذاك الذي يحتمل المرض برضى أكثر مما لو كان بصحة تامة. بهذه الطريقة فإنه فقير أيضًا ذاك الذي لا يستطيع أن يحتمل فقره، لأنه حتى وهو في غناه يعتقد أنه فقير أكثر من الفقراء، وليس بفقير ذاك الذي يتحّمل الفقر بصورة أسهل من هؤلاء الأغنياء، لأن هذا بالحري يكون أغنى. أخبرني إذًا، لماذا تخاف الفقر؟ لماذا ترتعد منه؟ أليس لأجل الجوع أو بسبب العطش أو لأجل البرد أو لأجل أشياء أخرى مماثلة؟ لا يوجد شخص يمكن أن يُحرم من تلك الأشياء أبدًا ” انظروا إلى الأجيال القديمة وتأملوا. هل توكل أحد على الرب فخزي “[16]. وأيضًا ” انظروا إلى طيور السماء إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن وأبوكم السماوي يقوتها “[17]. فإنه لا يستطيع أحد أن يدّلنا على شخص قد هلك بسبب الجوع أو البرد.
لأي سبب إذًا ترتعد من الفقر؟ لا تستطيع أن تجيب. لأنه إذا كان لديك وفرة من الخيرات الضرورية، فلماذا في نهاية الأمر ترتعد من الفقر؟ أبسبب أنك لا تحوز على عدد كبير من العبيد[18]؟ إن كان الأمر هكذا فإن هذا يعني التحرر من شهوة تملك العبيد، وهذا بحد ذاته يعني السعادة الدائمة، ويعني التحرّر من الاهتمامات العالمية. هل لأنه ليس لديك آنية ذهبية وأَسِّرَة وأثاث مصنوع من الفضة؟ هل من يحوز هذه الأشياء يتمتّع بها أكثر من تمتعك بما لديك؟ بالطبع لا، فهى متساوية من ناحية الاستخدام، بغض النظر عن كونها مصنوعة من هذه المادة أو تلك. هل لأنك لا تُخيف الآخرين؟ يجب ألاّ يصير مثل هذا أبدًا. لأن ما هى السعادة في أن يرتعب ويخاف منك البعض؟ هل لأنك تخاف الآخرين؟ لكن لا يوجد سبب يدعوك للخوف. ” أفتريد أن لا تخاف السلطان. افعل الصلاح فيكون لك مدح منه “[19].
لكن ربما يتساءل أحد: لماذا يُهمَل الفقراء ويعاملوا معاملة سيئة؟ نقول إن سبب هذه المعاملة هو بالتأكيد الشر وليس الفقر. لأن هناك فقراء كثيرين قد عاشوا كل حياتهم بدون أن يُعَاملوا معاملة كهذه، بينما تجد أن أغنياء كثيرين ورؤساء كانوا يُهمَلون ويعاملون معاملة أسوأ من فاعلي الشر واللصوص وناقبي القبور. فمن يفعل الشر ويعامل الآخر معاملة سيئة لا يفرق في هذا بين فقير أو غَنِّي ، لأنهم أيضًا يحسدون الأغنياء ويتقوّلون عليهم. فالإحتياج والعوز هو بالحري أفضل من أن نفعل الشر. فالذي يحسد يجنِّد كل قواه لفعل الشر، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن مَن يقدم إحسانات للفقير، فقد صار له ـ دون أن يدري ـ سببًا في تحرره من الحسد الذي يتملَّكه على الأغنياء. وحين يقال للحاسد إنه ربما يمكنه أن ينال كثيرًا، لو تخلّص من شخص له نفوذ، ولهذا يحسده، أما إن كان هذا الشخص فقيرًا، فما هى الفائدة التي ستعود عليه إن تخلّص من هذا الفقير؟ فلو أن الحاسد قد نظر للكل على أنهم فقراء فإنه لا يحسدهم وربما انطفأ غضبه. ومع ذلك كله فإن الحسد ضد الأغنياء لا يتوقف بل يدفع الحاسد كي يفعل الشر بكل قوته ويسكب سمومه. أرأيت كيف أنه لا الفقر ولا الغنى هو حسن في ذاته ولكن هذا يتوقف على رغباتنا الخاصة؟ لنتحكم في هذه الرغبات، لنهذبها كي تكون متزنة. فإن سارت هذه بصورة جيدة، فلا الغِنَى ولا الفقر يقدران أن يحرماننا من ملكوت السموات. ولكن سنتحمّل الفقر بلطف، دون أن نُحرم من التمتع بالخيرات العتيدة، ولا حتى من خيرات الحياة الحاضرة. ولكن سنتمتع بهذه، وسنفوز بالخيرات السماوية أيضًا. ليتنا جميعًا نفوز بهذه النعم، بالنعمة والرأفة ومحبة البشر اللواتي لربنا يسوع المسيح والذي يليق به مع أبيه الصالح والروح القدس المجد والقوة والعزة الآن وكل أوان وإلى دهر الداهرين آمين.
+ + + + + + +
[1] في8:1ـ11.
[2] رو8:13.
[3] رو18:12.
[4] مت29:5.
[5] في12:1ـ13.
[6] في14:1.
[7] في15:1.
[8] في16:1.
[9] في 17:1.
[10] في18:1.
[11] في19:1.
[12] 1تي2:4.
[13] 2كو14:8.
[14] يشوع بن سيراخ 1:31.
[15] لو24:16.
[16] يشوع بن سيراخ 11:2.
[17] مت26:6.
[18] حيث كانت حيازة العبيد منتشرة في ذلك العصر.
[19] رو3:13.