Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

شفاء المخلع – ق. يوحنا ذهبى الفم – د. جورج عوض إبراهيم

شفاء المخلع – ق. يوحنا ذهبى الفم – د. جورج عوض إبراهيم

 

شفاء المخلع – ق. يوحنا ذهبى الفم – د. جورج عوض إبراهيم

 

 

(عظة 36)

” وبعد هذا كان عيد لليهود فصعد يسوع إلى أورشليم”

(يو5: 1)

 

أي عيد هذا؟[1]

         أنا أعتقد أنه عيد الخمسين، ” صعد يسوع إلى أورشليم“. ففي الأعياد كان يسوع يصعد إلى المدينة لكي يحتفل بالأعياد معهم، ولكي يدعو بسطاء الشعب إلى الإيمان. وكان الأتقياء يذهبون أيضًا إلى المدينة في تلك الأيام.

وفي أورشليم عند باب الضأن بركة يقال لها بالعبرانية بيت حسدا لها خمسة أروقة. في هذه كان مضطجعًا جمهور كثير من مرضى وعُمي وعُرج وعُسم يتوقعون تحريك الماء” (يو5: 2ـ3).

         أي طريقة شفاء هذه؟ وإلى أي سر تشير؟ إن هذه الأمور لم تكتب دونما سبب، لكنه يصف ما هو آتٍ بما يشبه العرض أو الصورة التوضيحية حتى لا يسبب هذا ضررًا لإيمان الكثيرين. ورغم غرابة أسلوب الشفاء هذا وعدم توقعه إلاَّ أنه كان يحدث.

 

سر المعمودية:

         إذن ما هذا الذي يريد أن نصفه؟ لقد أراد أن يتحدث عن المعمودية التي هي ملء القوة والنعمة. المعمودية التي تطهِّر كل الخطايا، والتي أقامت من الأموات. وقد استخدم صورة البِركة باعتبارها تعبيرًا وصفيًا عن هذه الأمور وغيرها من الأمور الأخرى. في البداية يشير إلى الماء الذي يطهر أدناس الجسد والدنسين، مثلما شفى البُّرص الذين كانوا في القبور، أو كانوا في تشييع جنازة. ويمكن للمرء أن يرى أن بعض المعجزات في العهد القديم قد حدثت لنفس هذا السبب، أي للإشارة إلى ما سيحدث في المستقبل.

         دعونا نعود لموضوعنا. في البداية ـ كما قلت ـ خلُصنا بواسطة الماء من أدناس الجسد ومن أمراضٍ مختلفة. لكن الله أراد الآن أن يقدم لنا صورةً أكثر قربًا عن حقيقة نعمة المعمودية لكي يشفي ليس النجسين فقط، بل والمرضى بأمراض مستعصية أيضًا. لأن التصويرات التي تقترب من الحقيقة تبدو أكثر وضوحًا في المعمودية، وفي الألم، وفي بعض الأمور الأخرى الخاصة بالعهد القديم. وكأنك أمام صورة عن أعوان الملك، يكون الأكثر ظهورًا فيها هم المتواجدون بالقرب منه، بعكس أولئك البعيدين عنه.

         أمَّا عن نزول ملاك ليحِّرك الماء ويمنحه قوة شفاء، فلكي يتعلم اليهود أن رب الملائكة يستطيع بالأكثر جدًا أن يشفي أمراض النفس المستعصية. ويجب أن نلاحظ أن الشفاء هنا ليس ناتجًا عن خاصية الماء فقط، لكن عن فعل الملاك، وهذا هو ما كان يحدث دائمًا. هكذا الأمر بالنسبة لنا فالشفاء ليس من فعل ماء المعمودية، لكن عندما يقبل الماء نعمة الروح القدس عندئذٍ يغفر كل الخطايا.

         بالقرب من هذه البركة ” كان مضطجعًا جمهور كثير من مرضى وعمي وعرج وعسم يتوقعون تحريك الماء“. في ذلك الوقت كان المرض يعيق كل مَن يريد أن يبرأ، لكن الآن كل واحد يستطيع أن يأتي، لأنه لم يعد الملاك هو الذى يحرك الماء، لكن رب الملائكة هو الذي يفعل كل شيء. وبالتالي لا يستطيع أحد أن يزعم قائلاً: بينما أستعد للنزول يسبقني آخر، فلو أتت كل المسكونة فلا النعمة تنتهي ولا الفاعلية تُستنزف، لكن تظل النعمة كما هي (بدون نقص). فكما أن أشعة الشمس تنير طوال النهار دون أن تنفد، ولا يُستنزف عطاؤها الوفير بحيث ينقص نورها، هكذا بالحري جدًا لا يعتري فعل الروح القدس أي نقصان بسبب الجمع الكثير الذي يستمتع بفعله. وقد صار الأمر هكذا حتى يؤمن أولئك الذين خضعوا للمرض سنين طويلة أنه يمكن بسهولة، ليس فقط شفاء أمراض الجسد المستعصية، بل وأمراض النفس المستعصية أيضًا.

         ولكن لماذا ترك يسوع الآخرين واقترب من مريض الثماني والثلاثين سنة؟ ولماذا سأله: ” أتريد أن تبرأ؟” طبعًا ليس لكي يعرف؛ لأن حالته لا تحتاج إلى سؤال، لكن لكي يُظهر لنا صبر المريض واحتماله، ولكي نفهم أنه لأجل هذا بالتحديد (أي صبر المريض واحتماله) ترك الآخرين وذهب لهذا المريض، فماذا فعل المريض؟

 

حوار هادئ:

أجابه المريض يا سيد ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء، بل بينما أنا آتٍ ينـزل قدامي آخر” (يو5: 7).

         إذن، سأله يسوع ” أتريد أن تبرأ؟” لكي نعرف نحن رد المريض. ولم يقل له يسوع أتريد أن أشفيك؟ بل سأله ” أتريد أن تبرأ؟“.لأن المريض لم يكن لديه فكرة مسبقة عنه.

         لقد كان صبر المشلول مدهشًا؛ فقد ظل مشلولاً لمدة ثمان وثلاثين سنة، وفي كل سنة كان يأمل أن يتخلص من مرضه، فلبِثَ عند البركة ولم يبتعد عنها. ولو لم يكن على صبر عظيم لكان قد ترك المكان وهرب لعدم ثقته بالمستقبل. تأمَّل من فضلك، كم كان يجب على المرضى أن يكونوا على يقظة من أمرهم لأن أحدًا لم يكن يعلم متى يأتي الملاك ليحرك الماء. وإذا قلنا إن المشلولين والعسم كان في مقدورهم أن يروا ذلك بعيونهم، فليس أمام العميان إلاَّ أن يعرفوا ذلك عن طريق ما يحدث من ضوضاء عند تحريك الماء.

         وإذا كان المشلول قد ظل ثمان وثلاثين عامًا عند البركة ولم يبتعد، بالرغم من أنه لم يفلح في تحقيق ما أراد، فليتنا نخجل إذن     يا أحبائي، ليتنا نخجل، بل دعونا نحزن لما نحن فيه من خمول وكسل ولامبالاة. فالمريض لم يفلح، لا بسبب إهماله، لكن لأنه أُعيق وعانى من قهر الآخرين، ولكنه لم ييأس من ذلك أيضًا. أمَّا بالنسبة لنا، فإن بقينا عشرة أيام فقط نترجى شيئًا ولم يتحقق، يعترينا خمول شديد، ولا نُبدى ما سبق أن أبديناه من استعداد. وقد نظل سنوات عديدة مجندين أنفسنا لأجل قريب لنا بالجسد، محتملين المشقة، ومقدمين له خدامنا لكي يخدموه صابرين حتى النهاية، أمَّا قريب ربنا[2] حيث يمكننا أن نفوز بمكافأة أعظم جدًا بالمقارنة مع أتعابنا، لا نحتمل أن نبقى معه بالاستعداد اللائق، أي بالرجاء والصبر، بينما الرسول يقول: ” الرجاء لا يخزى” (رو5:5).

 

أعمال الفضيلة:

         ولذلك كم عقابٌ يكون خليقًا بنا أن نعانيه لأجل كل هذا؟ فإن كنا لم نأخذ شيئًا بعدُ من حديثنا، فإن الاستمرار فيه يكون بلا طائل ولا يساوي قيمة الخيرات الصالحة الأبدية. هل تعتبر الصلاة الدائمة عملاً متعبًا؟ اخبرني أيضًا: ما هو غير المتعب من أعمال الفضيلة؟ ستقول إنه سوف تنتابك حيرة كبيرة، فمن جهة الشر: فإن نصيبك من السعادة سوف يزول لأنها وقتية، بينما في الفضيلة لابد من التعب. فما هو سبب ذلك؟ لقد أعطانا الله في البداية حياةً حرةً ومتحررة من الهموم والأتعاب، لكننا لم نستخدم العطية كما يليق، بل أفسدناها بالخمول، ففقدنا الفردوس. لذلك جعل بقية حياتنا مليئةً بالأتعاب، وكمن يشرح موقفه من الجنس البشري كأنه يقول: لقد أعطيتكم منذ البداية حياةً سعيدة، لكنكم صرتم أكثر سوءًا بسبب حنانى، لذلك أمرت أن تبذلوا جهدًا وعرقًا وأتعابًا بقية حياتكم.

         ولأن ذلك التعب لم يلجِّمنا، فقد أعطى ناموسًا بوصايا كثيرة مثلما يضع أحدٌ لجامًا لحصانٍ أهوج لكي يلجم جموحه. هكذا يفعل مروضو الجياد. إذن، فحياتنا شاقة لأننا نفسد راحتنا بأنفسنا. ولأن الخمول غير نافع لطبيعتنا، لأنها تميل بسهولة ناحية الشر. لأننا لو افترضنا أن الإنسان الحكيم لا يحتاج للأتعاب، وكذلك الآخر الذي يمارس الفضيلة، فكيف نوفَّق في تحقيق المطلوب، ونحن هادئين؟ وفيم نستخدم الراحة؟ أليس للجهل والحسد؟

         وقد تسأل، لماذا ترتبط السعادة بالشر، وتحتاج الفضيلة إلى تعبٌ كثيرٌ وجهدٌ وعرق؟ وأي سعادة يمكن أن تنالها، ولأي سبب ستأخذ مكافأة، لو لم تكن الفضيلة متعبة؟

         استطيع أن أبيِّن لك أن هناك البعض هم بحسب طبيعتهم يتجنبون الاختلاط بالنساء، ويتجنبون معاشرة النساء باعتبارها عملاً دنسًا، أفهل نسمي هؤلاء أعفَّاء، ونتوجهم بالكرامة؟ أبدًا، إن العفة هي الانضباط، وهي معركةٌ للانتصار على اللذات. وفي الحروب، عندما تكون الصراعات شديدة، تبدو عند ذلك فقط رايةُ النصر أكثر بهاءً، لا عندما لا يكون هناك قتال.

         يوجد كثيرون ضعفاء بالطبيعة، هل ندعو هؤلاء ودعاء؟ أبدًا، لذلك يذكر المسيح ثلاثة مستويات للخصيان، المستويان الأولان تركهما دون تتويج، أما الثالث فقد أدخله ملكوت السموات[3].

         وقد تسأل: أي ضرورة للشر؟ وأنا أيضًا أسأل نفس السؤال. من هو خالق الخمول؟ من هو ذلك الآخر الذي يقيم خارج رخاوة إرادتنا؟ وقد تقول: كان يجب أن نكون صالحين بذواتنا، حسنًا، فما هى علامة هذا الصلاح؟ أيكون المرء فاهمًا ومتيقظًا، أو يكون نائمًا وخاملاً؟ ولماذا؟ سوف تتساءل: لماذا لم يتم تنظيم الأمور بحيث يكون الإنسان صالحًا ويفعل كل شيء دون تعب؟ أنت تقول كلامًا يليق بالبهائم والشرهين، وأولئك الذين إلههم بطنهم. ولكي تعرف مدى غباء هذه الأقوال أجبني عن الآتي: لو افترضنا أن هناك ملكًا يغُطُّ في نوم عميق، بينما هناك جنديٌ يبذل جهدًا ليرفع رايات النصر، فلمَن تظن يُنسب هذا النصر، ومن يجني فرح الانتصار؟

         ألا ترى أن النفس تميل غالبًا إلى ما تبذل من أجله مجهودًا؟ لأجل هذا يخلط الله العمل بالتعب، وهكذا الفضيلة؛ لأنه أراد أن يوطن النفس مع الفضيلة. لهذا نمدح الفضيلة حتى ولو لم نمارسها بعد، ونذم الشر حتى لو كان سبب فرح أو سعادة أرضية ووقتية. وإن كنت تتساءل في حيرة: لماذا لا نمدح الفضيلة الآتية عن ضعف الطبيعة، بينما نُثني على أولئك الفضلاء بالإرادة؟ نقول: إنه يحق علينا أن نفضِّل من يتعب أكثر ممن لا يتعب.

         وقد تسأل: ما الذي يدعونا للتعب الآن؟ أقول إننا إن لم نتعب، سوف نستسلم للخمول. ولو فحص أحد الأمر بدقة لوجد أن الخمول يفسدنا ويتعبنا كثيرًا. ولو أردت أن تتأكد من ذلك، دعنا ندعو إنسانًا لمكان ما نقدم له فيه الطعام بمفرده، ونمده بكل ما تريده بطنه دون توقف، على أن لا يعمل أو يمشي، لكن فقط يأكل وينام ويحيا حياة هانئة دائما، فأي حياة تكون أسوأ من هذه الحياة؟

         لكن عليك أن تفرِّق بين كونك تعمل، وبين أن تتعب، فهذا شيءٌ آخر. لكن، هل هناك عمل دون تعب؟ هل هذا ممكن؟ نعم، هكذا كانت إرادة الله، لكنك رفضت هذه الإرادة. فقد أعدَّك في الفردوس لكي تعمل، وحدد لك ماذا تعمل، وإن كان لم يمزجه بالتعب؛ لأنه لو كان تعب منذ البداية، لَمَا أصبح التعب عقابًا فيما بعد. إذن كان من الممكن أن يعمل الإنسان بدون تعب مثل الملائكة، فالملائكة تعمل أيضًا. اسمع ماذا يقول: ” باركوا الرب يا ملائكته المقتدرين قوة الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه” (مز103: 20). إن غياب العافية (الذهنية) هو ما يسبب التعب الكثير، لكن فى البداية لم يكن الأمر هكذا. لأن من يأتي إلى راحته “ يستريح من أتعابه” (عب4: 4)، كما استراح الله من أعماله، لأن الله ما يزال يعمل كما يؤكد المسيح      ” أبي يعمل وأنا أعمل” (يو5: 17).

         لذلك أنصحكم طالما تخلصتم من الإهمال واللامبالاة أن تتبعوا الفضيلة فورًا؛ لأن السعادة التي تأتي من الشر لا تدوم كثيرًا، بينما الحزن المتأتي منه يستمر دائمًا. على النقيض من ذلك، فإن الفرح الناتج عن الفضيلة هو فرح أبدي، أما التعب الناشئ عنها فهو وقتي. والفضيلة ترفع فاعلها وتغذيه بالرجاء قبل أن تتوجه، لكن الشر يعاقب فاعله وقبل العقاب يتسبب في قلق الضمير والخوف ويجعل كل شئ أمامه سببًا للتعاسة. وكم هذه الأمور أسوأ من الأتعاب والمشقات؟!.

         إن لم تكن هناك أتعاب ومشقات، فسوف توجد اللذة، ولكن ما أتفهها من لذة؛ لأنها تطير وتذبل وترحل قبل أن تحصل عليها، حتى لو كانت هذه اللذة لذةً جسديةً، أو لذة طول العمر أو لذة المال. إن هذه كلها لا تتوقف عن أن تشيخ وتذبل كل يوم، وعندما يكون هناك جحيم وعقاب، فهل هناك مصير أسوأ من ذلك؟

         فلنضع في اعتبارنا كل هذا، ودعونا نتحمل كل شيء في سبيل الفضيلة؛ لأننا هكذا نستمتع بالفضيلة الحقيقية، بنعمة محبة البشر التي لربنا يسوع المسيح الذي له المجد مع الآب والروح القدس إلى أبد الآبدين آمين.

 

 

(عظة 37)

”هذا رآه يسوع … فقال له أتريد أن تبرأ. أجابه المريض يا سيد ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء. بل بينما أنا آتٍ ينزل قدامي آخر. فقال له يسوع  قم. احمل سريرك وأمش”

(يو5: 6ـ8)

 

 

الكتب المقدسة عزاؤنا:

         إن ربحنا من الكتب المقدسة هو ربح عظيم، وفائدتها لنا كبيرة. وهذا ما أراد أن يظهره بولس حين قال: ” لأن كل ما سبق فكُتِبَ، كُتِبَ لأجل تعليمنا حتى بالصبر والتعزية بما في الكتب يكون لنا رجاءٌ” (رو5: 1ـ4). فالكتب المقدسة هي كنـز من الأدوية، بحيث لو احتاج أحدٌ أن ينزع الغيرة والحسد، أو أن يخمد الشهوة ويدوس على حب المال ويحتقر الألم، ويهيئ نفسه ويتحلى بالصبر ويتزين بالفرح، فإنه سيجد فى الكتب المقدسة علاجًا عظيمًا لكل هذه.

         لأنه مَنْ من أولئك الذين يصارعون دائمًا مع الفقر، أو مِن أولئك الذين يعانون مرضًا عضالاً لا يأخذ عزاءً كبيرًا من قراءة مقطع الإنجيل المذكور أعلاه؟ لأن هذا المريض ظل ثمان وثلاثون سنةً مشلولاً وكل عام يرى الآخرين يشفون، بينما ما يزال المرض جاثمًا على صدره، لكن بالرغم من كل هذا لم يفقد شجاعته ولم ييأس. ولكن الحزن على ما فات، وغياب الرجاء في المستقبل كان يمكن أن يزعزعانه.

 

ليس لى إنسان:

         إذن اسمع ماذا يقول وتأمَّل حجم مأساته. فعندما سأله المسيح:     “ أتريد أن تبرأ؟”، أجاب: ” يا سيد ليس لي إنسانٌ يلقيني في البِركة متى تحرك الماء“. ما الذي يمكن أن يوجد أسوأ من هذه الأقوال؟ أي مصيبة كبيرة هذه؟ هل رأيت نفسًا سُحقت من المرض الدائم؟ هل رأيت قدرته على كبح جماح الغضب؟ فهو لم يتفوه بأي تجديف من تلك التي نسمعها في مثل هذه الحالات. لم يلعن يومه، لم يسأل سؤالاً لا يليق، ولا قال لقد أتيت لتخدعني وتسخر مني لأنك تسألني هل أريد أن أبرأ؟ لكنه أجاب بهدوء واعتدال عظيم: ” نعم يا سيد” ولم يكن يعرف مَنْ هو الذى كان يسأله، ولا إن كان سوف يشفيه، لكنه يتكلّم بهدوء ولا يطلب شيئًا، كمن يتحدث مع الطبيب ويريد فقط أن يشرح مرضه. لأنه ربما كان يرجو أن يكون المسيح له مفيدًا في هذا، أي أن يلقيه في الماء، وأراد بهذه الأقوال أن يدعوه ليفعل ذلك. ماذا فعل المسيح؟ بما أن المسيح يستطيع دومًا أن يفعل كل شيء بكلمة، قال له: ” قم. احمل سريرك وامشِ” (يو5: 8).

 

بين المخلع والمفلوج:

         كان البعض قد ظن أن هذا المشلول هو نفسه المشلول الذي ذكر في نص متى الإنجيلي[4] لكن ليس هو نفسه. وهذا يبدو من كثير من الأدلة والشواهد:

أولاً: يبدو هذا من عدم وجود من يعتني به، بعكس المفلوج فى إنجيل متى التف حوله كثيرون يعتنون به ونقلوه، بينما هذا ليس له أحد. لذلك قال: ” ليس لي إنسان“.

ثانيًا: يظهر ذلك من الإجابة؛ لأن مفلوج “إنجيل متى” لا يقول شيئًا، لكن المشلول هنا يعرض كل ما عنده.

وثالثًا: يظهر من الزمن (أي زمن تتميم المعجزة)؛ لأن هذا يشفي هنا في يوم عيد، اقصد السبت، بينما الآخر في يوم آخر. كما أن مكان كل منهما مختلف. الواحد شفي في بيت، والآخر بالقرب من البِركة.

         أيضًا طريقة الشفاء مختلفة: لأن المسيح يقول “لمفلوج متى”:      ” يا بني مغفورة لك خطاياك” (مت9: 2). أما هنا فيشفي الجسد أولاً، ومن ثم يعتني بالنفس. ففي الحالة الأولى يعطي الصفح ويقول: “مغفورة لك خطاياك“، أمَّا هنا في هذه الحالة فيعطي نصيحةً وتحذيرًا لكى يؤمِّن المشلول في المستقبل؛ لأن المسيح قال له: ” لا تعد تخطئ لئلا يكون لك أشر“.

 

يسوع يقود إلى الإيمان:

         وقد استتبع ذلك اختلاف اتهامات اليهود؛ ففي هذه الحالة يتهمونه بأنه عمل يوم السبت، بينما في الحالة الأخرى اتهموه بأنه قد جدَّف. لعلك تلاحظ حكمة الله الفائقة، فهو لم يُقِم المشلول مباشرةً، لكن هو تآلف معه بالسؤال أولاً، لكي يفتح له طريقًا للإيمان بعد ذلك، وهو لم يقمه فقط، بل أمره أن يحمل سريره حتى يؤكد حدوث المعجزة، فلا يستطيع أحد أن يشك أنها قد حدثت بالفعل، أو أنها نتاج خيال وضلال؛ لأنه لو أن أعضاء الجسد لم تكتسب الثبات والقوة ما كان المشلول قد استطاع أن يحمل السرير.

         مرات كثيرة يفعل المسيح ذلك لكي يسد أفواه هؤلاء الذين يريدون أن يشوهونه بأقوالٍ سيئةٍ.ففي معجزة الخبزات، حَرِصَ على أن يجمعوا الفائض الكثير من الخبز، حتى لا يقول أحد إنَّ الناس شبعوا، لأنهم تخيّلوا ذلك.

         وقال للأبرص الذي طهَّره: ” اذهب أرِ نفسك للكاهن” (مت8: 4) لكي يجعل برهان الشفاء واضحًا وثابتًا لكي يغلق أفواه الوقحين الذين يزعمون أنه يعمل ضد وصايا الله. وقد فعل نفس الأمر أيضًا عندما حوَّل الماء إلى خمر؛ لأنه لم يُظهر فقط الخمر، لكن حَرِصَ على أن يعطيه لرئيس المتكأ حتى يعترف ذاك أنه لم يكن يعرف ما كان قد حدث، حتى يعطي شهادته دون أية شبهة أو تشكيك، لذلك قال الإنجيلي، إن رئيس المتكأ لم يعرف من أين جاء هذا الخمر موضحًا بهذه الطريقة صدق شهادته. وفي حالة أخرى، حيث أقام (ابنة يايرس)، قال أعطوها لتأكل (لو8: 55)، لكي يعطي دليلاً غير قابلٍ للشك أنها قامت. لقد حاول أن يقنع هؤلاء الأغبياء أنه لم يكن مضلاً، أو مجرد صانع للمعجزات مثل السابقين، لكنه أتى لخلاص كل البشر.

         لكن لماذا لم يطلب إيمانًا من المشلول كما فعل مع الأعميان الذين قال لهما: ” أتؤمنان أني أقدر أن أفعل هذا؟” (مت9: 28). لأن المشلول لم يكن يعرف أبدًا أنه هو المسيح. إضافةً إلى أن الرب اعتاد أن يفعل ذلك بعد المعجزات لا قبلها. لأن أولئك الذين رأوا قوته في حالات أخرى، كانوا قد سمعوه قبل المعجزات. أما الذين لم يعرفوه أبدًا، لكن كان لهم أن يتعلموا من معجزاته، هؤلاء دُعوا إلى الإيمان بعد المعجزات. لذلك لم يذكر متى الإنجيلي أن المسيحَ قال هذه الأقوال في بداية المعجزات، لكن شفى كثيرين أولاً، ثم قال هذا للأعميين.

         لكن لعلك تلاحظ إيمان هذا المشلول. لأنه عندما سمع: احمل سريرك وامشِ، لم يسخر، ولا قال ما هذا الذي تقوله؟ عندما ينزل ملاك ويحرِّك الماء ويشفى واحد فقط، وتجيء أنت، وأنت إنسانٌ تظن أنك تستطيع أن تنجز شيئًا أكثر مما يفعله الملاك، بمجرد كلمة منك؟ لم يقل أي قول من هذه الأقوال السخيفة التي تستحق السخرية. بل ولم يطرأ شيء من ذلك على فكره، بل أطاع مباشرةً وقام. وإذ صار معافى أطاع أمر السيد: ” فحالاً برئ الإنسان وحمل سريره ومشى” (يو5: 9).

 

شهادة حية:

         إن هذا الأمر لجديرٌ بالإعجاب، لكن ما هو أكثر جدارة، ما قد تم بعد ذلك.

على أن الأمر لم يكن يستحق هذا القدر من الإعجاب ـ غالبًا ـ لو كان المشلول في البداية ـ على الأقل ـ آمن بالمسيح دون أن يزعجه أحدٌ. لكنى اعتقد أنه أظهر شجاعةً عظيمةً، إذ بعد المعجزة، بينما هاجمه اليهود وأهانوه، واتهموه وحاصروه قائلين: ” لا يحل لك أن تحمل سريرك“، عندئذٍ لم يحتقر جنونهم فقط، لكن بشجاعة عظيمةٍ وفي وسط مسرح الأحداث أعلن شفاءه على رؤؤس الأشهاد وأخرس ألسنتهم الوقحة، الأمر الذي بحسب رأيي يظهر رجولةً وشجاعةً عظيمةً.

         عندما اجتمع اليهود وقالوا للمشلول بوقاحة: ” إنه سبت، لا يحل لك أن تحمل سريرك“، اسمع ماذا أجاب: ” الذي أبرأني هو قال لي احمل سريرك وامشِ“، وكأن لسان حاله يقول لهم أنتم تثرثرون بحماقة عندما تأمروني أن لا أقدِّر مَن أنقذني من مرضي المزمن، وتريدون أن لا أطيع وصاياه. في الوقت الذي كان يمكنه أن يسيء التصرف، ويعبّر عن الأمر بطريقة مختلفة، كأن يقول: لم أفعل هذا بإرادتي، لكن أمرني آخر. إن كان هذا (حمل السرير) خطية، فأدينوا هذا الذي أمرني ألاَّ أترك سريري مكانه. فهو يعرف جيدًا أن اليهود لا يفعلون شيئًا فيه نقض للسبت، حتى وإن كان ذلك للشفاء من المرض.

         ولكنه لم يُخفِ شفاءه، ولا نطق بمثل تلك الأقوال التي أشرنا إليها، ولا طلب صفحًا، لكن بصوت عالٍ اعترف وأعلن شفاءه. هذا ما فعله المشلول. على الجانب الآخر، لاحظ مقدار الكفر الذي تصرف به اليهود؛ لأنهم لم يسألوه مَن هو الذى شفاك، بل صمتوا بشأن هذا الأمر، لكن أحضروا بجرأة كبيرة المخالفة الظاهرة (جسم الجريمة) في الوسط للتشنيع والاصطياد في الماء العكر وسألوه: “مَنْ هو الإنسان الذي قال لك احمل سريرك وأمشِ. أمَّا الذي شفي فلم يعرف من هو. لأن يسوع اعتزل، إذ كان في الموضع جمع” (يو5: 12ـ13).

         لماذا اختفى المسيح؟ أولاً حتى لا يكون هناك أى شبهة من جهة حدوث المعجزة؛ لأن المشلول طالما شعر بأنه قد استعاد عافيته، كان شاهدًا حسنًا لقوة المخلص. وحتى لا تشتعل في نفوس اليهود أحقاد كبيرة؛ لأنه كان يعرف أن حضور هذا الرجل الذي شُفي يسبب حقدًا، وشرارة غضبٍ كبيرة في نفوس الحاقدين. لذلك اختفى عنهم لكي يترك عمله المعجزي (المشلول المعافى) يصارعهم، فلا يكتفي في نفسه بما حدث، بل يتناقش الذي شُفي مع مَنْ يشتكون عليه ويتهمونه.

 

شهادة الأعداء:

         ويجب أن نلاحظ أيضًا أن الذين يشتكون عليه يعطون شهادةً للمعجزة. لأنهم لم يقولوا له لماذا تقصد أن يصير هذا يوم السبت، لكنهم قالوا لماذا فعلت كل هذا في يوم السبت. ليس لأن الأمر يتعلق بالمخالفة، لكن لأنهم يحسدونه من أجل خلاص المشلول. إن ما فعله المسيح كان فقط مجرد قول. وهو بهذا يأمر بإبطال السبت. لكن في حالة أخرى يقوم هو بنفسه بهذا العمل، حيث صنع من التفل طينًا ووضعه على العينين. وهو بهذا لم يخالف الناموس، بل تخطى الناموس، لكننا سنتكلم عن هذه الأمور فيما بعد. لكن يجب أن نلاحظ بدقة أنه لا يدافع بنفس الأقوال عندما يتهم بكسر السبت.

         ليتنا نرى ما تنطوي عليه الكراهية من شر رهيب، وكيف أنها تعمي أعين نفس مَن يمقت وتدمره؛ لأنه كما يحدث في كثير من المرات يوجه المهوسون سيفهم ضد ذواتهم، هكذا الكارهون فإنهم  يهدفون إلى إبادة أولئك الذين يكرهونهم، ويتصرفون نحوهم بطريقة غير عاقلة، هؤلاء هم أكثر سوءًا من الوحوش؛ لأن الوحوش تهاجمنا بسبب احتياجها للطعام، أو لأننا سبقنا وتسببنا في هياجهم، لكن هؤلاء، بالرغم من إحساناتنا نحوهم، إلاَّ أنهم يعتبروننا أعداء.

         إذن هؤلاء هم أسوء من الوحوش، هم أشبه بالشياطين، وربما أسوء منهم . لأن الشياطين، وإن كانت عداوتهم ضدنا شديدة، لكن لا يتآمرون بنفس طريقتهم. وعندما قال المسيح إن كل مملكة تنقسم على ذاتها تخرب، فقد سد بهذه الأقوال أفواه اليهود عندما زعموا أنه بقوة بعلزبول يُخرج الشياطين. لكن هؤلاء لا يحترمون السير الطبيعي للأمور، ولا يأسفون على ذواتهم؛ لأنهم بسبب البغضة يُؤذون أنفسهم؛ لأنهم ممتلئون من كل تشويش وضيق.

 

احذروا من خطية الكراهية:

         لماذا تغتم أيها الإنسان بسبب خيرات قريبك؟ إن ما يجب أن تغتم لأجله هو الشرور التي نعاني منها، وليس لأننا نرى الآخرين يعيشون في سعادة. لذلك، لا مغفرة لهذه لخطية. لأن الزاني تحركه شهوته، والسارق يدفعه الفقر، والقاتل يحرضه الغضب. وإن كان هؤلاء عديمي الإحساس وفاقدي العقل، إلاَّ أنهم يقدمون بعض المبرارات لما يفعلونه، أمَّا أنت، فأيُ مبررٍ تقدم؟ لا يوجد أي مبرر على الإطلاق إلاَّ الخبث الشديد. لأننا إن كنا قد أُمرنا أن نحب أعدائنا، فعندما نكره من يحبوننا، فأي عقاب نستحقه؟ وإن كان من يحب أصدقاءه فقط لا يختلف عن عابدي الأصنام، فمن يؤذي هؤلاء الذين لم يدينوه أي غفران يناله؟ أي عزاء؟ اسمع ماذا قال بولس:    ” وإن أطعمت كل أموالي وإن سلمت جسدي حتى احترق، ولكن ليس لي محبة فلا انتفع شيئًا” (1كو13: 3). إذن، يتضح لنا تمامًا أنه حيث يوجد حسد وكراهية، فإن المحبة تختفي تمامًا. إن خطية الكراهية أسوء من الزنا والدعارة؛ لأن هذه الخطية (أى الزنا) تخص الشخص المصاب بها، لكن سطوة الكراهية تهيِّج كل الكنيسة وتؤذي كل المسكونة. إنها أُم القتل. هكذا قتل قايين أخيه، وأفسدت علاقة عيسو مع يعقوب، وأخوة يوسف مع يوسف والشيطان مع البشر.

         وإن كنت الآن لم تقتل، إلاَّ أنك تفعل أمورًا أخرى أسوأ من القتل، فطالما تتمنى أن تشوه أخيك فتنصب له شباكًا، وطالما تشرع في أعمال مشبوهة ضد الفضيلة، وطالما تغتم بكل ما يسر رب المسكونة، فأنت بالتالي لا تحارب من شُفى، بل من شَفىَ. وتحط من كرامتك بالإساءة إلى كرامته. والأسوأ من كل ذلك هو أنك تعتبر خطيتك صغيرة، بينما هي أثقل من الكل. لأنه بالرغم من أنك تفعل الإحسان وتسهر وتصوم إلاَّ أنك أكثر جرمًا من الكل لأنك تحقد على أخيك. وهذا يظهر من الآتي: في مرة زنى شخص في كورنثوس، لكنه عندما أُدين صار عفيفًا، لكن قايين حقد على أخيه، ولم يُشفَ من الحقد، وبالرغم من أن الله ذكَّره بالجرح، إلاَّ أنه تألم وغضب أكثر، وجهز لجريمة القتل.

         هذا إذن هو خطر الكراهية الذي هو أثقل من الخطأ السابق (الزنا)، وهو داء لا يستجيب بسهولة للعلاج إن لم ننتبه.

         دعونا إذن أن نقلع هذا الخطأ من جذوره واضعين في حسابنا أننا نخطئ إلى الله عندما نحترق من الكراهية لأجل خيرات الآخرين. هكذا نصير مقبولين عنده حين نفرح ونشترك مع ذاك الذي نال الصالحات باستقامة. لذلك ينصح بولس قائلاً: ” فرحًا مع الفرحين، وبكاءً مع الباكين” (رو12: 15)، لكي نستمتع بفائدة عظيمة.

         إذن، طالما ندرك أننا وإن كنا لم نتعب، لكن عندما نفرح مع ذاك الذي يتعب ونتقاسم معه الأكاليل دعونا نطرد أي كراهية، ودعونا نزرع في نفوسنا المحبة حيث نتهلل ونفرح من أجل مسرات أخوتنا لكي ننال الخيرات الحاضرة والمستقبلة بنعمة ومحبة ربنا يسوع المسيح الذي له المجد مع الآب والروح القدس الآن وكل أوان إلى أبد الآبدين آمين.

 

(عظة 38)

”بعد ذلك وجده يسوع في الهيكل وقال له ها أنت قد برئت فلا تخطئ أيضًا لئلا يكون لك أشر”

(يو5: 14)

 

الخطية مصدر الأمراض:

         لا شك أن الخطية أمرٌ فظيع، فظيعٌ للنفس. وعندما يطفح الشر، كثيرًا ما يؤثر على الأجساد. وعندما تمرض النفس، قد لا نتألم جسديًا، لكن عندما يعاني الجسد ضررًا، وإن كان صغيرًا، نبذل كل مجهود ممكن لكي نتخلص من هذا الضرر، لذلك في مرات كثيرة قد يعاقب الله الجسد لأجل خطايا النفس، حتى يشفى الكبير بعقاب الصغير. بهذه الطريقة شفى بولس زاني كورنثوس، فقد أهلك الجسد لكي ما يشفى  مرض النفس؛ لأنه أوقف الشر بجرح الجسد، مثل الطبيب الممتاز عندما يمرض المرء بالاستسقاء أو بالطحال ولا تجدي الأدوية الداخلية (التي تعطى داخل الجسم)، فإنه يلجأ للكي من الخارج.

         هذا هو ما فعله المسيح مع المشلول. ولعلك تلاحظ ماذا قال له؟   ” ها أنت قد برئت. فلا تخطئ لئلا يكون لك أشر“. ماذا نتعلم من هذه الأقوال؟

أولاً: إن مرض المشلول كان نتيجة خطيئته.

ثانيًا: حقيقة الحديث عن جهنم.

ثالثًا: ديمومة العقاب وطول مداه الزمني. فأين هم الذين يزعمون قائلين: ألأجل ساعة قتلت فيها، وفي أقل زمن ارتكبت الزنا أعاقب عقابًا أبديًا؟ وهذا المشلول لم يخطئ لفترة سنين كثيرة، لكنه قضى كل حياته في عقاب طويل. لأن الخطايا لا تُصنَّف من قِبل الله على أساس الفترة الزمنية، لكن وفق طبيعة الجرائم نفسها.

 

نحن نجلب على أنفسنا العقاب:

         بالإضافة إلى هذا، ينبغي أن نلاحظ أنه وإن كنا خاضعين لعقاب ثقيل لأجل خطايا سابقة، إلاّ أننا لا نزال نفعل الخطايا نفسها، فإننا بذلك سنعاني ما هو أكثر سوءًا. وهذا حق؛ لأن ذاك الذي لم يصر إلى حال أفضل بالعقاب، يجلب على نفسه عقابًا أعظم كإنسان عديم الشعور وفاسد. لأن العقاب يكفى أن يحجِّم من أخطأ مرةً واحدة فيصير أكثر تهذيبًا. لكن، مَنْ فُرِض عليه عقاب أولى، ورغم هذا لم يثب إلى رشده، بل تواقح للدرجة التي معها يرتكب نفس الخطايا، فإن عقاب هذا الإنسان يكون عادلاً، طالما هو نفسه يجلب على نفسه العقاب[5]. ولو سقطنا أيضًا في ذات الخطايا التي عوقبنا من أجلها، نعاقب بعقاب أثقل. وعندما لا نعاقب هنا من أجل خطايا ارتكبناها، كيف لا نخاف ونرتعب مما سوف نواجهه هناك من عقوبات لا حصر لها؟!!.

         وقد تسألني عن السبب في أن الكل لا يعاقبون بطريقة واحدة؟ لأننا نرى كثيرين من الملحدين أصحاء جسديًا وممتلئين حيويةً ويرفلون في رفاهية عظيمة؟ لكن وإن كنا لسنا على يقين من أنهم كذلك، فليتنا نبكي عليهم بالأكثر؛ لأن كونهم لا يعانون شيئًا في هذه الحياة، يكونون بمثابة وقود لعقابهم الأعظم في الحياة الآتية[6]. وقد شرح القديس بولس هذا حين قال: ” ولكن إذ قد حُكِمَ علينا نُؤدَّب من الرب لكي لا ندان مع العالم” (1كو11: 32)؛ لأننا هنا قد نتقبل النصائح، أمَّا هناك فلا يوجد غير العقاب.

         إذن ماذا يحدث؟ وسوف تسأل: هل كل الأمراض تأتي من الخطايا؟ ليس كلها بالتأكيد، لكن أغلبها يأتي من الخطايا. لأن النهم والسكر والخمول (البطالة) توَّلد هذه الأمراض. إذن، ففي كل حالة خاطئة يجب البحث عن مرض من الأمراض، هكذا نعاني كل صعوبة نتيجة سعادة وقتية، فبسبب الخطايا تصير كل النكبات (الآلام) لأننا نرى في كتب الملوك أن واحدًا من الملوك (آسا ملك يهوذا) عانى مرضًا في رجليه (1مل15: 23). إن هذا الأمور كلها تحدث لكي نكون أكثر تقوى مثلما قال الله لأيوب (انظر أيوب40).

         لكن لماذا أعلن المسيح عن خطايا هذين المشلولين؟ حيث قال للمشلول الذي ذكره القديس متى: ” ثق يا بني مغفورة لك خطاياك” (مت9: 2). وفي حالة هذا المشلول يقول له: “ها أنت قد برئت. فلا تخطئ أيضًا لئلا يكون لك أشر“(يو5: 14)؟ أعرف أن البعض يعتقدون أن هذا المشلول ارتكب جريمةً ما؛ لأنه صار متهمًا في مواجهة المسيح، ولهذا سَمِعَ المسيح يوجه له هذه الأقوال. لكن ماذا نقول عن المفلوج الذي ذكره متى الإنجيلي الذي سمع تقريبًا نفس الأقوال؟ لكن بما أن المسيح قال له: “مغفورة لك خطاياك“، فالواضح أنه لم يسمع هذه الأقوال لنفس السبب. وهذا يمكن أن نتبينه بسهولة؛ لأن الإنجيلي يوحنا يقول: “بعد ذلك وجده يسوع في الهيكل“، الأمر الذي يبرهن على تقوى عظيمة. فهو لم يذهب إلى الأسواق أو إلى النزهات، ولا استسلم للراحة والتنعم، لكن قضى وقته في الهيكل. وبالرغم من أنه تعرض للهجوم وللطرد من الهيكل، إلاَّ أن شيئًا من ذلك لم يجعله يبتعد عن الهيكل. وعندما قابله المسيح، بعد مناقشته مع اليهود، فإن شيئًا من ذلك لم يؤثر فيه. لأنه لو أراد (المسيح) أن يدينه، لكان في استطاعته أن يقول له: أتفعل نفس الأشياء ثانيةً؟ ألم تصِر أفضل حتى بالشفاء؟ لكن لم يقل له شيئًا من هذا، لكن نبهه إلى أن يكون متيقظًا للمستقبل.

         إذن، لماذا لم يقل لكل المفلوجين والمشلولين الذين شفاهم مثل ما قاله لهذين؟ أنا أعتقد أن الخطايا هي السبب الرئيسي لمرض الاثنين، أما الآخرون فبسبب ضعفهم الجسدى. وأعتقد أيضًا أن المسيح قال لهؤلاء ما قاله لهذين. لأنه كان يشفي الأمراض الصغيرة من خلال شفائه للأمراض الكبيرة أى الروحية، لأن هذه الأمراض كانت دائمًا أثقل، فطالما شفى المرء، ينصحه لكي يمجد الله، ولذلك فهو لم يعطِ هذه النصيحة لواحد فقط، بل للجميع. هكذا ـ من خلال هذين المريضين ـ يثير انتباه الجميع ويرشدهم بنفس الأقوال التي قالها لهما. ويمكننا أن نقول أنه كان قد استشف ما تنطوي عليه نفس المشلول من احتمال وصبر، ومدى قابليته لتقبُّل الوصية، لذلك نصحه وضبطه بإحسانه أى بنعمة الشفاء ولأجل صحته حذره من الشرور الآتية.

 

نصيحة ثمينة:

         ولعلك تلاحظ غياب التفاخر والتباهي؛ فهو لم يقل له (أرأيت أنني جعلتك معافىً)، بل قال له: ” ها قد برئت فلا تعد تخطئ“، وكذلك لم يقل له “لئلا أعاقبك”، بل ” لئلا يكون لك أشر“، هذين التعبيرين يدلان على أن العافية كانت نتيجة عمل النعمة، وليس لأنه مستحق الشفاء؛ لأنه لم يقل إن المشلول كان جديرًا بأن يتحرر من العقاب، لكنه شُفي بإحسان الله محب البشر. لأن الأمر لو كان على خلاف ذلك لكان قد قال له: هل رأيت الآن أنك قد عُوقبت عقابًا كافيًا لأجل خطيئتك، عليك أن تنتبه من الآن فصاعدًا. ولكنه لم يقل له هذا، لكن: “ها قد برئت فلا تخطئ أيضًا“.

         ليتنا نكرر هذه الأقوال على أنفسنا، وإن تحررنا من العقاب، فعلى كل واحد أن يقول لنفسه: ” ها قد برئت فلا تخطئ أيضًا“. أمَّا إن كنا لم نُعاقَب بعد، فلنُبقِ على نفس الأقوال أيضًا، وتعالوا نردد أقوال الرسول: “أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة. ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذَّخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة” (رو2: 4ـ5).

         ولعلك تلاحظ أيضًا أن المسيح لم يعطِ المشلولَ برهانًا على إلوهيته فقط بشفاء جسده، بل بطريقة أخرى. فبقوله: ” لا تخطئ أيضًا” يبرهن على أنه يعرف كل الخطايا السابقة التي اقترفها، وبالتالي يكون جديرًا فيما يخص الأمور المقبلة.

 

الاعتراف بالجميل:

         ” فمضى الإنسان وأخبر اليهود إن يسوع هو الذي أبرأه” (يو5: 15). وهنا نراه مصممًا على إعلان اعترافه بالجميل؛ لأنه لم يقل إن المسيح أمره: ” احمل سريرك“؛ فقد أثار اليهود ـ بحسب رأيهم ـ دائمًا هذا الاتهام، ولكن المشلول كان دائمًا ما يصر على نفس الدفاع، حتى يمجِّد الطبيب ويمهد لدعوة الآخرين ليتعرَّفوا على المسيح. فلم يكن عديم الإحساس، حتى أنه بعد فعل الإحسان هذا وما أسداه إليه من نُصحٍ، يخون من أحسن إليه، ويقول عنه كلامًا سيئًا. فحتى لو كان وحشًا، وإن كان مجردًا من الإنسانية أو كان قد صُنع من حجرٍ، فالإحسان والخوف كانا قادرين على ضبطه، لأن تهديدًا كان قد وصل إلى مسامعه، فخاف أن يكون له أشر؛ خصوصًا وقد حصل على برهان عظيم عن قوة الطبيب، هذا من ناحية. ومن الناحية الأخرى، لو كان قد أراد أن يشي به، لكان في استطاعته أن يتغاضى عن عافيته، فيؤكد لليهود أن المسيح خالف الوصية فيتهمونه بكسر السبت، لكنه لم يفعل ذلك. بل على النقيض، فقد تحدَّث بجرأة كبيرة، وعرفان بالجميل، ومجَّد من شفاه وأحسن إليه إحسانًا ليس بأقل من الذى ناله المولود أعمى.

         لأن المولود أعمى قال: ” صنع من التفل طينًا وطلى بالطين عينيَّ” (يو9: 6). كذلك قال المشلول: ” فمضى ذلك الإنسان وأخبر اليهود إن يسوع هو الذي أبرأه” (يو5: 15). “ولهذا كان اليهود يطردون يسوع ويطلبون أن يقتلوه لأنه عمل هذا في سبتٍ“.

 

المساواة بين الآب والابن:

         بماذا أجاب المسيح؟: ” أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل“. وعندما دافع عن تلاميذه وضرب لهم مثال داوود وقال: ” أما قرأتم ما فعله داوود حين جاع هو والذين معه؟” (مت12: 3). إذن، عندما أراد أن يتكلم عن نفسه لجأ إلى الآب لكي يبرهن على أن له نفس كرامة الآب، فهو يذكره بقوله “أبى”، من ناحية. ومن ناحية أخرى، هو يعمل نفس الأعمال معه.

         ولماذا لم يذكر لهم المسيح ما صار في أريحا (لو1:19ـ10)[7]، لقد أراد أن يفصلهم عن الأرض والفكر الأرضى حتى لا يروا فيه مجرد إنسان، بل إلهًا ومشِّرعًا حين قال ” أبى يعمل حتى الآن وأنا أعمل“. لأنه، لو لم يكن ابنًا حقيقيًا وليس من ذات جوهر الآب، لكان الدفاع أقل من أن يرد الاتهام. فإنه لو خالف أحد الرؤساء القانون الملكي مستندًا على أن الملك نفسه يخالف القانون، لما استطاع أن يخلص نفسه، بل يزيد ذلك من صعوبة موقفه.

                 لكن، إذا كانت الكرامة متساوية، عندئذٍ يكون هذا الدفاع متفقًا وحكم القانون. فالمسيح يريد أن يقول إن الله برئ من كل ما تقولونه، وأنا أيضًا كذلك. لذلك، كلمهم منذ البداية عن “أبيه” مريدًا أن يقنعهم بذلك لكى يتفهموا موقفه بشفاء المريض (يوم السبت) ويحترموا معرفته الحقيقية للآب.

         وإذا سأله أحدٌ أين هو عمل الآب طالما أنه استراح في اليوم السابع من كل أعماله؟ فليته يعلم كيف يعمل. وما هي طريقة عمله؟ إنه يحفظ خليقته ويعتنى بها على الدوام. فعندما ترى الشمس تُشرق، والقمر يسطع، عندما ترى المواني، والينابيع، والأنهار، والمطر، وعندما ترى بصمة الطبيعة سواء على أجسادنا، أو على أجسام الحيوانات غير العاقلة، وكل الأمور الأخرى التي يتكون منها الكون، عندئذٍ تدرك عمل الآب الدائم. لأن الإنجيلي يقول: ” فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين” (مت5: 45)، ثم يستمر قائلاً: ” فإن كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح غدًا في التنور يُلبسه الله هكذا، أفليس بالحري جدًا يلبسكم أنتم يا قليلي الإيمان” (مت6: 30)، وعن العصافير يقول: ” أبوكم السماوي يقوتها” (مت6: 26).

         هنا صنع المسيح المعجزة في يوم السبت، ولم يضِّف شيئًا. لكن ما حدث في الهيكل بعد ذلك، وما فعله اليهود، يدفع الاتهام، ليس بالنسبة لِما أمر أن يكون من عمل، مثل أن يرفع المشلول سريره، فإن ذلك لم يكن أمرًا على درجة كبيرة من الأهمية في حد ذاته، لكن بالنسبة لمَن أشار بوضوح إلى مخالفة السبت، يتوسع المسيح في كلامه بالأكثر؛ لأنه أراد أن يفاجئهم بكل ما قاله عن مساواته بالآب، ويرفعهم إلى أعلى. لذلك، عندما كان الحديث يدور حول السبت، لم يكن يدافع بصفته إلهًا فقط، أو كإنسان فقط كان يتكلم، لكنه كان يتكلم بأيٍ من الطريقتين بحسب الأحوال؛ لأنه أراد أن يؤمنوا بالاثنين: أي الولادة بالجسد، والمساواة في الإلوهية. لذلك يمكننا أن نؤكد أن حديثه هنا كان كإله.

         لأنه لو أراد أن يتحدث إليهم دائمًا باعتباره إنسانًا، لاستمر على هذه الحال. ولهذا ذكر الآب لكى يوضح بنوته للآب. ولكن بما أن الخليقة نفسها تستمر في العمل يوم السبت، حيث ترسم الشمس مسارها، والأنهار تخط طريقها، والينابيع تتدفق، والنساء تلد، ولكي تعلم أن عطلة السبت لا علاقة لها بالخليقة، لم يقل نعم أنا أعمل، لكنه قال أنا أعمل لأن أبي يعمل، ” فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه؛ لأنه لم ينقض السبت فقط، بل قال أيضًا إن الله أبوه معادلاً نفسه بالله” وقد برهن على ذلك ليس فقط بالأقوال، لكن بالأكثر جدًا بالأعمال. إذن لماذا طلب اليهود أن يقتلوه؟ لأنه لو برهن بالأقوال فقط لكانوا قد اكتفوا بأن يستهزئوا به ويتهمونه، ولكن لأنهم رأوا إن الأقوال تتفق مع الأعمال، لم يستطيعوا أن يواجهوه.

         وإن كان أولئك الذين لم يريدوا أن يقبلوا كل هذا ـ من باب التقوى[8] ـ يزعمون إن المسيح لم يجعل نفسه مساويًا لله، لكن اليهود هم من ادعى عليه هذا الادعاء.

         إلاَّ أن ملخَّص ما قلناه يرد على هؤلاء. اخبرني: هل أدانه اليهود أم لم يدينوه؟ الواضح للكل أنهم أدانوه. بل وقد أدانوه لأجل هذا السبب بالتحديد كما أقرَّ بذلك الجميع. هل أبطل السبت أم لم يبطله؟ إن أحدًا لا يستطيع أن يعترض على هذا الاتهام. ألم يقل إن الله أبوه؟ وهذا أيضًا صحيح، لقد قال إن الله أبوه. إن تجميع حلقات هذه السلسلة يؤدي بنا إلى النتيجة التالية: بما أنه قال إن الله أبوه، وإنه أبطل السبت بالفعل، وقد أدانه اليهود على كلا الاتهامين، إذن فهم لم يدَّعوا عليه كذبًا، لكن ما اتهموه به كان حقيقةً واقعةً، لأنه إذا كان قد جعل نفسه مساويًا لله، فقد كان ذلك إعلانًا عن ذاته.

         من كل ما سبق يمكن للمرء أن يتأكد من مساواته لله بوضوح. لأن تعبير المسيح ” أبي يعمل وأنا أعمل” يعني أنه جعل نفسه مساويًا لله، ولا يمكن لأحد أن يختلف على ذلك، فهو لم يقل: ذاك يعمل وأنا اخدمه، لكن قال: كما يعمل ذاك، هكذا أعمل أنا، وأظهر بالفعل مساواةً تامةً. وإذا لم يكن المسيح قد أراد بالفعل أن يُظهر ذلك، لكان عبثًا ما يدعيه عليه اليهود، وما كان المسيح ليتركهم يرون فيه رأيًا خاطئًا، بل كان سيصحح لهم هذا الرأي. بل وما كان يوحنا الإنجيلي قد صَمَت، بل لقال بوضوح إن اليهود قد اشتكوا عليه أنه جعل نفسه مساويًا لله.

         وقد حدث ذلك عدة مرات، عندما كان المسيح يتكلم عن أمرٍ ما، في الوقت الذي كان فيه اليهود يفهمون أمرًا آخر. وعلى سبيل المثال: عندما كان يتكلم عن جسده، قال: ” انقضوا هذا الهيكل وأنا أبنيه في ثلاثة أيام“، أمَّا اليهود فلم يفهموا ماذا يقصد بقوله هذا، فقد ظنوا أنه يقول عن مبنى الهيكل اليهودي، فأجابوه: ” في ست وأربعين سنة بُني هذا الهيكل أفأنت في ثلاثة أيام تقيمه. وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده” (يو2: 20ـ21). واضح لنا هنا أن المسيح بينما هو يتكلم عن أمرٍ ما، فهم اليهود أمرًا آخر، فبينما كان المسيح يكلمهم عن جسده، ظنوا هم أنه يتحدث عن هيكلهم. فهل صَمَت الإنجيلي أم بالأحرى صحح رأيهم؟ لقد صحح لهم ما فهموه عندما أضاف: “ أما هو فكان يتكلم عن هيكل جسده“. إذن، فبالرغم من أن المسيح ـ في هذه الحالة ـ لم يكن يتكلم عن مساواته لله، ولا أراد أن يعرض لهذا الأمر، لم يتركهم الإنجيلي في خطئهم، بل صحح لهم رأيهم.

         ولم يقتصر هذا الأمر على يوحنا الإنجيلي، لأن إنجيليًا آخر صنع نفس الأمر في حالة أخرى. فعندما أوصى المسيح تلاميذه قائلاً:     ” انظروا وتحرزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين” (مت16: 6)، لم يكن يتكلم عن أن التلاميذ لم يأخذوا خبزًا، وإنما دعا تعليم الفريسيين والصدوقيين خميرًا. ولكن التلاميذ فهموا شيئًا آخر، فقد ظنوا أنه يتكلم عن خبز الأكل. هنا، ليس الإنجيلي، بل المسيح نفسه هو من صحح لهم الأمر قائلاً: ” كيف لا تفهمون إني ليس عن الخبز قلت لكم أن تتحرزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين حينئذ فهموا انه لم يقل أن يتحرزوا من خمير الخبز بل من تعليم الفريسيين والصدوقيين” (مت16: 11ـ12).

         هنا أيضًا تم التصحيح، رغم أن المسيح لم يتكلم عن مساواته لله بل عن موضوع آخر.

 

 

ليت الرب يبارك حياتنا بصلوات القديس يوحنا ذهبى الفم،

ولإلهنا المجد والكرامة من الآن وإلى الأبد، آمين.

[1] العناوين الجانبية من وضع المترجم.

[2] يقصد الفقير من إخوة الرب.

[3] ” لأنه يوجد خصيان وُلدوا هكذا من بطون أُمهاتهم. ويوجد خصيان خصاهم الناس. ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السموات” (مت12:19).

[4] يقصد القديس يوحنا ذهبي الفم معجزة شفاء المفلوج الذي دلاه أصدقاؤه من فتحة السقف (انظر مت9).

[5] “أنا اختطفت لى قضية الموت” (القداس الغريغورى).

[6] مثلما يقول الكتاب: ” أفرزهم كغنم للذبح” (انظر إر3:12).

[7] ربما عندما تذمر الجميع أن يسوع دخل بيت زكا العشار، وقال لهم المسيح: ” أن ابن الإنسان قد جاء ليطلب ويخلص ما قد هلك“.

[8] ذهبي الفم يقصد ـ طبعاً ـ التقوى الزائفة.

 

شفاء المخلع – ق. يوحنا ذهبى الفم – د. جورج عوض إبراهيم

Exit mobile version