أبحاث

الروح الأزلي ف5 – الإيمان بالثالوث – توماس ف. تورانس

الروح الأزلي ف5 - الإيمان بالثالوث - توماس ف. تورانس

الروح الأزلي ف5 – الإيمان بالثالوث – توماس ف. تورانس

 

الروح الأزلي ف5 - الإيمان بالثالوث - توماس ف. تورانس
الروح الأزلي ف5 – الإيمان بالثالوث – توماس ف. تورانس

 

 

الإيمان بالثالوث

الفكر اللاهوتي الكتابي

للكنيسة الجامعة في القرون الأولى

توماس ف. تورانس

 ترجمة 

دكتور عماد موريس اسكندر

 

 

الفصل الخامس*

 

الروح الأزلي

“و (نؤمن) بالروح القدس، الرب المحيي، المنبثق من الآب، نسجد له ونمجده مع الآب والابن، الناطق في الأنبياء”

 

شهادة مجمع نيقية عن الروح القدس

لقد تكلَّم الآباء في مجمع نيقية عام 325م عن الروح القدس في جملة واحدة فقط وهي الجملة الأخيرة من قانون الإيمان: “نؤمن بالروح القدس”. ورغم قصر هذه العبارة إلاّ أنها أبرزت بوضوح تأكيد إنجيل العهد الجديد على طبيعة الروح القدس الإلهية والأقنومية، والذي مع الآب والابن هو موضوع وهدف الإيمان، ومن خلاله وفيه نؤمن بيسوع المسيح وننال الخلاص. ففي الروح القدس، الله ذاته يكون حاضرًا مباشرة في وسطنا، وعاملاً بطريقة إعجازية من أجل خلاصنا، ومن خلال الروح القدس يعلن الله عن ذاته بكونه ’ربًا‘؛ إذ إن الله نفسه يكون هو محتوى (أو مضمون) كل ما يفعله الروح لنا أو ينقله إلينا. فالروح القدس ليس مجرد شيء إلهي، أو شيء شبيه بالله ينبعث منه، ولا هو عمل يتم بعيدًا عن الله أو عطية منفصلة عن نفسه، لأن في الروح القدس الله ذاته يعمل مباشرةً فينا، وعندما يعطينا الله روحه القدوس فهو لا يعطينا إلاّ ذاته، حيث إن مُعطي الروح وعطية الروح هما واحد[1]، ولذلك نجد في قانون الإيمان النيقي أن الإيمان بالروح القدس اقترن بالإيمان بالآب وبالابن باعتباره إيمانًا بإله واحد ورب واحد[2].

 

شهادة الكتاب المقدس عن الروح القدس

ولقد شهد الرسل بوضوح منذ البداية عن طبيعة الروح الإلهية والأقنومية بكونه ’الرب‘، وذلك من خلال تفرده بلقب ’القدس‘ (¤γιος) أي (القدوس) كترجمة للكلمة العبرية ’قادوش‘ )קָדוֹשׁ( التي كانت قد استخدمت في أسفار العهد القديم للتحدث عن طبيعة الله الفائقة الإدراك، وعن مجده وجلاله الذي لا يُدنى منه: “قدوس، قدوس، قدوس رب الجنود، مجده ملء كل الأرض[3]“. ولذا نجد أن كلمة ’قادوش‘ )קָדוֹשׁ( استخدمت في سفر إشعياء للإشارة إلى الرب باعتباره “قدوس إسرائيل”، وخاصةً في التعبير عن عمله الخلاصي في حياة وتاريخ شعبه[4]، كما اُستخدمت هذه الكلمة أيضًا في أحيان أخرى للإشارة إلى روح الله بوصفه “الروح القدس”[5]. ومما لا شك فيه أنه نظرًا لطبيعة الروح الفريدة والتي لا تُضَاهى، فإن كلاًّ من العهد القديم (في ترجمته السبعينية إلى اليونانية) والعهد الجديد لم يستخدما الكلمة اليونانية الأكثر شيوعًا ’يروس‘ (ƒερός) بل فَضَّلا استخدام الكلمة النادرة نسبيًّا ’أجيوس‘ (¤γιος) للتعبير عن القداسة والتميُّز الفائق الخاص بالألوهية، ولذلك فإن مصطلح “الروح القدس” كان يعبِّر عن الإدراك بأن حلول الروح هو حلول ’للروح‘ في سموه وعلوه الفائق.

وعلاوة على ذلك، كانت الكلمة العبرية المستخدمة للتعبير عن الروح ’رُوَح‘ )רוּחַ( تحمل معنى محدَّدًا وديناميكيًّا، وهو الأمر الذي لم يكن كذلك بالنسبة الكلمة اليونانية ’بنفما‘ (πνεàμα) التي تُستخدم في الفكر والأدب اليوناني القديم[6]. ولذلك عندما ربط العهد القديم كلمتي “روح” )רוּחַ) و”قدس” (קָדוֹשׁ) معًا فقد قصد بذلك الإشارة بوضوح إلى الله الحي القدير، وإلى أن حضور روحه القدوس يجب أن يُفهم في الحال على أنه هو الحضور الشخصي الحقيقي والفعَّال لله. إن روح الله ليس هو انبعاث لبعض القوة الإلهية المنفصلةً عن الله، بل هو تقابل الله نفسه مع البشر ومع شئونهم، حيث يؤثر الله بقوته الإلهية وقداسته ويعمل بصورة مباشرة و’شخصية‘ في حياتهم. وقد تأكد جدًّا هذا المفهوم عن روح الله من خلال العلاقة الحميمة بين ’كلمة‘ الله و ’روح‘ الله في عمله الإعلاني والخلاصي[7]. وكانت هذه النظرة العبرية هي ما ميَّز تعليم إنجيل العهد الجديد عن الروح القدس، باعتباره وصول الله إلى البشر لتقديسهم وفدائهم وإعطائهم الحياة بواسطة كلمته، جاذبًا إياهم إلى الشركة وجهًا لوجه مع نفسه[8]. وكما يُنظر إلى القداسة والطبيعة الفائقة لكل من الله (الآب) ـ في العهدين القديم والجديد ـ والرب يسوع المسيح، وتُقدم لهما العبادة والسجود، فكذلك أيضًا روح الله، الذي بفضل طبيعته الذاتية المقدسة يستوجب نفس العبادة والسجود. لأن في الروح القدس لا يكون إلاّ الله ذاته ـ القدوس الضابط الكل ـ حاضرًا بصورة شخصية مع شعبه، يجتمع بهم ويتحدث معهم.

 

أولاً: عقيدة الروح القدس

واكتمال الفهم الثالوثي لله في الكنيسة

 

علاقة عقيدة الروح القدس بعقيدة الآب والابن في الكنيسة

لقد كان إيمان آباء نيقية بالروح القدس متمشيًا مع تعليم الكتاب المقدس حينما اعترفوا قائلين: “نؤمن بإله واحد … وبرب واحد يسوع المسيح … وبالروح القدس”، حيث قد أكدوا بذلك أن الإيمان بالروح القدس هو في داخل إطار الثالوث القدوس، طبقًا لطقس المعمودية المقدسة التي تتم بالاسم الواحد: الآب والابن والروح القدس، وطبقًا للإيمان المسلَّم لهم من الرسل. وكما عبَّر عن ذلك ق. باسيليوس: “إننا ملتزمون بأن نُعمِّد بالأحكام التي تسلَّمناها، وبأن نعلن إيماننا بالأحكام التي تعمَّدنا بها[9]“. إذن فإن التأكيد الواضح على العبارة الخاصة بالروح القدس في قانون الإيمان، قد أظهر كمال فهم الكنيسة لله، كما أنه أعطى مركزية لعقيدة الثالوث القدوس. وحيث إن تعليم إنجيل العهد الجديد عن الله أنه روح، وأنه يُعرف بالحقيقة ويُسجد له بكونه روحًا ـ لأن طبيعة جوهر الله الأزلي أنه روح: سواء آب أو ابن أو روح قدس ـ فلذلك ينبغي علينا أن نفهم الآب والابن والروح القدس في ذاتهم وفي علاقاتهم الداخلية المتبادلة بطريقة روحية فقط.

ويمكننا أن نفهم تأثير عقيدة الروح القدس بالنسبة لعقيدة الآب والابن من العبارة التي قالها ق. أثناسيوس: “وبينما أن المسيح هو ’الهيئة‘ (ōδος) الوحيدة أو ’الشكل‘ الوحيد أو ’الصورة‘ الوحيدة للاهوت الآب، فإن الروح هو ’هيئة‘ (ōδος) أو ’صورة‘ الابن[10]“. والقول بأن الروح هو ’صورة‘ الابن قد يكون محيرًا بعض الشيء إلى أن ندرك أن الروح نفسه بلا صورة، وحيث إن الآب والابن والروح القدس لهم ذات الطبيعة الواحدة[11]، فيتعين أن يكون تفكيرنا فيهم وفي علاقاتهم المتبادلة داخل الثالوث القدوس بطريقة فائقة وروحية تمامًا ولا تصوير فيها (imageless)[12]. ويقول ق. إبيفانيوس في هذا الصدد: (في تعاملنا مع الله) علينا أن نستخدم آذاننا بدلاً من أعيننا، لأننا نعرفه فقط من خلال كلمته ونراه فقط بالذهن[13]، لأن ’الله روح‘ ويُعرف فقط بالمسيح، كلمة الله الحي و’الهيئة‘ الوحيدة أو ’الصورة‘ الوحـــيدة لله غير المنظــــور[14]. وقد أشـــــرنـا في الفصل الثاني إلى أن الوحي الإلهي عندما يستخدم مصطلحي ’آب‘ و’ابن الله‘، فإننا يجب أن نفكر في هذين المصطلحين بكونهما يشيران إلى الآب والابن بطريقة لا تصوير فيها، وبدون إقحام أي نوعٍ من الصور (أو الأمثلة) المخلوقة أو أي شكل من أشكال الفكر المادي[15]. بل المقصود هو أن نربط معًا في أذهاننا صورة الآب بالابن، وصورة الابن بالروح القدس، وهكذا نستطيع أن نشير بصور مأخوذة من علاقاتنا البشرية إلى اللاهوت بطريقة روحية وليس بطريقة مادية بشرية[16].

وكان تطبيق مفهوم الـ ’هوموأووسيوس‘ (Ðμοούσιος) مع الروح القدس ـ في خلال الفترة التي بين مجمعيّ نيقية والقسطنطينية[17] ـ إنما يعني أن الابن له ذات جوهر الله بالضبط كما هو الحال بالنسبة للروح القدس، وكذلك أن الروح القدس له ذات جوهر الله بالضبط كما هو الحال بالنسبة للابن. وكان تطبيق مفهــــوم الـ ’هـومـوأووسيــوس‘ (Ðμοούσιος) مــع الــــروح القــــدس ـ  بالطبع مع ما تضمَّنه ذلك من التأكيد التام على ألوهية الروح القدس ـ قد ساعد الكنيسة على أن تدرك بشكل أعمق مفهوم ’الوحدانية في ذات الجوهر‘ (Ðμοούσιος) التي للابن المتجسد مع الآب، وكذلك العلاقات الجوهرية داخل الثالوث القدوس. وهكذا اكتمل التعبير عن عقيدة الروح القدس بوضوح كامل من داخل إيمان الكنيسة بالثالوث، واحتلت هذه العقيدة مكانًا راسخًا في ذهن الكنيسة، بالضبط كما هو الحال بالنسبة لعقيدة الابن[18].

 

الهدف من وراء الاستخدام الثلاثي لفعل ’نؤمن‘ في قانون الإيمان النّيقيّ

وكان ق. أثناسيوس قد أكد على هذه النقطة الأساسية في خطابه المجمعي عام 369م ـ والذي سبق الإشارة إليه ـ وذلك في تعرضه لتعاليم أنصاف الأريوسيين وإنكارهم لألوهية الروح القدس، حيث قال: “لأن مجمع نيقية هذا، قد فَضَح بالحقيقة كل هرطقة، كما أنه يحبط أولئك الذين يجدِّفون على الروح القدس ويدعونه مخلوقًا. لأن الآباء بعد حديثهم عن الإيمان بالابن أضافوا على الفور ’ونؤمن بالروح القدس‘، لكي باعترافهم الأمين والكامل بالثالوث القدوس يعلنون الشكل الدقيق لإيمان المسيح وتعليم الكنيسة الجامعة. فمن الواضح لكم وللجميع ـ ولا يمكن لأي مسيحي أن يساوره شك في هذا ـ أننا لا نؤمن بمخلوقٍ بل بإله واحد؛ الآب ضابط الكل خالق كل شيء ما يُرى وما لا يُرى، وبرب واحد يسوع المسيح ابنه الوحيد، وبروح قدس واحد: إله واحد يُعرف في الثالوث الكامل القدوس، الذي به (باسمه) نعتمد، وفيه نتحد بالإلوهة (بالله)[19]“.

وقد ذكر ق. باسيليوس وق. إبيفانيوس[20] أنه في مجمع نيقية، لم يكن هناك أي جدال بالنسبة للروح القدس، لأنه على مدى حياة الكنيسة وتسبحتها وإيمانها: كان الروح القدس مرتبطًا بالآب والابن بغير انفصال في العبادة والتمجيد (الذي تقدِّمه الكنيسة) باعتبار أن الروح القدس هو المصدر الإلهي للخلاص والتجديد[21].

ولكن حينما تفجَّر الخلاف بعد عام 350م، رفض ق. أثناسيوس الادعاء القائل بأن الروح القدس مخلوق، واعتبر أن هذا الكلام يقوِّض أسس الإيمان لأنه يقسِّم الثالوث القدوس ويهدم سر المعمودية المقدسة. واستند ق. أثناسيوس في ذلك ليس فقط إلى تقليد الكنيسة الجامعة، بل أيضًا إلى التعليم الرسولي والكتابي المتضمَّن في هذا التقليد، والذي كان قد كرَّس نفسه (أي ق. أثناسيوس) لشرحه وتوضيحه[22]. وكما قال ق. غريغوريوس النزينزي في وقت لاحق، أنه فقط بعد أن أعطانا الله معرفة واضحة عن الآب وعن الابن، كان في تدبير إعلان الله عن ذاته أن تصبح معرفتنا عن ألوهية الروح القدس الساكن في الكنيسة معرفة جليّة، وأن يتضح أيضًا أن عبادتنا لله الآب والله الابن والله الروح القدس، هي مقدمة لثلاثة أقانيم ولاهوت واحد[23].

 

النصوص الكتابية التي ساهمت في فهم الكنيسة لعقيدة الثالوث

وكـانت الـوصـية التي أعطـاها المسيـــــح القـائم للكنيسـة كـلهـا ـ والتي كانت ذات أهمية قصوى في تقليد الكنيسة ـ هي أن تعمِّد باسم الآب والابن والروح القدس ـ كما جاء في الإنجيل بحسب ق. متى ـ وذلك استنادًا إلى ما حدث في معمودية المسيح نفسه في نهر الأردن عندما أعلن الآب أنه ابنه الحبيب، ونزل عليه الروح معلنًا أنه المسيح. وفي العهد الجديد، كانت هناك ثلاثة نصوص ذات أهمية لاهوتية خاصة، وقد دخلت تلك النصوص في صلب الإيمان الرسولي والتعليم والعبادة والتقليد، وتجلى مضمونها داخل الفكر اللاهوتي للكنيسة الأولى. وهذه النصوص هي:

  1. صيغة المعمودية كما وردت في (مت 19:28) “باسم الآب والابن والروح القدس”.
  2. البركة الرسولية كما وردت في (2كو 14:13) “نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله، وشركة الروح القدس مع جميعكم”.
  3. الفقرة المأخوذة من (1كو 4:12-6) والتي نوقشت كثيرًا في الكنيسة الأولى: “فأنواع مواهب موجودة، ولكن الروح واحد. وأنواع خِدَم موجودة، ولكن الرب واحد. وأنواع أعمال موجودة ولكن الله واحد، الذي يعمل الكل في الكل”.

ويلفت نظرنا كارل لودويج شميدت في وقتنا المعاصر ـ وقد سبقه في ذلك كل من ق. غريغوريوس النزينـزي وديديمـوس في القـرن الرابع ـ إلى أنه في تلك النصوص الثلاثة، هناك تنوع في الترتيب الذي ذُكر به كل من ’الآب‘ و’الابن‘ و’الروح القدس‘[24]. وحقيقة أن كل من ’الآب‘ و’الابن‘ و’الروح القدس‘ قد ذُكر أولاً (في الترتيب) في أحد هذه النصوص، إنما يشير إلى أن الترتيب الذي اُستخدم في أي منها لا ينتقص من المساواة الكاملة بين الثلاثة أقانيم الإلهية. فبينما في الليتورجيا الكنسية وفي طقس المعمودية يُذكر الآب أولاً، نجد أنه في البركة الرسولية المذكورة في الإنجيل ـ والتي سادت في عصر ما بعد الرسل كما أشار أوسكار كولمان[25] ـ يأتي ذكر الابن أولاً لأن الإيمان بالله الآب والله الروح القدس كان متضمنًا في الإيمان بيسوع المسيح كرب ومخلِّص، بيد أنه في حياة أبناء الكنيسة وفي خدمتهم الروحية، كان التركيز المباشر على عمل ومواهب الروح القدس. ورغم أن ق. أثناسيوس اعترف بهذا التنوع في ترتيب ذكر الأقانيم وفقًا لفهمه للإيمان المسيحي والحياة المسيحية، إلاّ أنه حذَّر من تغيير ترتيب أقانيم الثالوث عن الترتيب الذي ذُكر في صيغة المعمودية المقدسة، وذلك في مواجهة هرطقة سابليوس[26].

وهناك شواهد أخرى عن الثالوث القدوس في العهد الجديد كان لها قدر من التأثير على نمو الفكر اللاهوتي في فترة ما قبل نيقية وما بعد نيقية[27]، ومن أهم هذه الشواهد ما يلي:

  1. 1. (أع32:2-33): “فيسوع هذا أقامه الله، ونحن جميعًا شهود لذلك. وإذ ارتفع بيمين الله، وأخذ موعد الروح القدس من الآب، سكب هذا الذي أنتم الآن تبصرونه وتسمعونه”.
  2. (1بط2:1): “إلى…. المختارين بمقتضى علم الله الآب السابق، في تقديس الروح للطاعة، ورش دم يسوع المسيح: لتكثر لكم النعمة والسلام”.
  3. (2تس13:2-14): “وأما نحن فينبغي لنا أن نشكر الله كل حين لأجلكم أيها الإخوة المحبوبون من الرب، أن الله اختاركم من البدء للخلاص، بتقديس الروح وتصديق الحق. الأمر الذي دعاكم إليه بإنجيلنا، لاقتناء مجد ربنا يسوع المسيح”.
  4. (أف18:2): “لأن به (يسوع المسيح) لنا كلينا قدومًا في روح واحد إلى الآب”.
  5. (أف4:4 ـ 7): “جسد واحد، وروح واحد، كما دعيتم أيضًا في رجاء دعوتكم الواحد. رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة، إله وآب واحد للكل، الذي على الكل وبالكل وفي كلكم. ولكن لكل واحد منا أعطيت النعمة حسب قياس هبة المسيح”.

 

الإيمان بالثالوث كان مستقرًّا في عبادة الكنيسة وخبرتها قبل صياغته في مجمعيّ نيقية والقسطنطينية

وتبين تلك النصوص أن تعاليم الإنجيل التي تسلَّمناها بواسطة التقليد الرسولي كانت تعلن الإيمان الراسخ بالآب والابن والروح القدس، وهو الإيمان الذي استقر في خبرة الكنيسة التي أسسها المسيح. ونجد الدليل على هذا، في التسابيح الأولى المتبقية لدينا من فترة ما بعد العصر الرسولي مثل: تسبحة باكر “المجد لله في الأعالي…” (Δόξα ™ν Øψίστοις Θεù) التي وُجدت في المخطوطة السكندرية للكتاب المقدس (Codex Alexandrinus)، وقد وُجدت ملحقة بسفر المزامير[28]، وكذلك تسبحة المساء “النور الساطع للمجد المقدس” (Φîς ƒλαρόν ¡γίας δόξης) التي ذكرها ق. باسيليوس في كتابه ’عن الروح القدس‘[29]. كما تتضح أيضًا عمومية هذه النظرة الثالوثية في الكنيسة من كتابات أخرى ترجع إلى العصور الأولى[30].

وقد وجد آباء نيقية أن الشهادة (التعاليم) الإنجيلية عن الآب والابن والروح القدس، تتضمَّن بالفعل فهمًا ثالوثيًّا لجوهر الله الواحد. وهذه الشهادة لا يمكن فهمها بعيدة عن عقيدة الثالوث، تلك العقيدة التي نشأت عن تفسير أمين وصادق للعهد الجديد ونمت في حياة الكنيسة الليتورجية وخبرتها الإنجيلية منذ البداية. ومن هنا يمكننا القول أنه قد تم بالفعل استجلاء ما كانت تتضمَّنه وديعة الإيمان الأساسية[31] من خلال صياغة مصطلح ’هوموأووسيوس‘؛ إذ قد تم توضيح وإظهار العلاقة الجوهرية بين الابن والآب والتي تقوم عليها رسالة الإنجيل. وبتطبيق نفس مفهوم ’هوموأووسيوس‘ على الروح القدس ـ للتعبيـر عن وحدانيتـه في ذات الجـوهر مع الآب والابن ـ فإن الفهم الثالوثي لله يكون قد اكتمل وترسَّخ بشدة في ذهن الكنيسة. وكان مفهوم الوحدانية في ذات الجوهر يحمل في طياته أيضًا مفهوم التواجد (الاحتواء) المتبادل للثلاثة أقانيم الإلهية داخل جوهر الله الواحد[32]. وهكذا بواسطة مفهوم الـ ’هوموأووسيوس‘ تم تتبع إعلان الله عن ذاته كآب وابن وروح قدس ـ والذي حدث في التجسد ـ ودخلت الكنيسة بالفعل من خلاله إلى معرفة الله وفقً ’لما هو‘ الله أقنوميًّا في جوهره الذاتي الأزلي[33].     

 

التلازم المتبادل بين عقيدة الابن وعقيدة الروح القدس

وفي أعقـاب مجمـع نيقية، وفي ظـل الحرب المستمرة ضد الأريوسية ـ والتي ظلت قائمة نتيجة وجود بعض التدخلات اللاهوتية للقادة السياسيين في تلك الفترة ـ أصبح واضحًا أن إنكار إلوهية الابن يترتَّب عليه إنكار لإلوهية الروح القدس، لأن رسالة وتعاليم الإنجيل قدَّمت الابن والروح القدس معًا بشكل متلاحم جدًّا، حتى أن الاعتراف بإلوهية الابن الكاملة كان يحمل معه الاعتراف بإلوهية الروح القدس الكاملة. ولذلك كان لا بد للإيمان التقليدي بالروح القدس بكونه ’الرب‘ من أن يُعطَى الصياغة اللاهوتية المناسبة، أسوة بما حدث بالنسبة للابن، وهذا يفسر ـ إلى حد ما ـ السبب وراء تأكيد عقيدة الروح القدس انطلاقًا من عقيدة الابن[34]. وكانت الأولوية في هذا السياق أيضاً، لإيمان الكنيسة وصلاتها وعبادتها لله من خلال المسيح وفي الروح القدس*، والذي انعكس على شكل تسبيحها الدائم ـ أي أن الأولوية كانت للدخول إلى الآب بالمسيح وفي روح واحد.

وقد أوضح لنا ق. باسيليوس هذا الجانب من عقيدة ما بعد نيقية في كتابه ’عن الروح القدس‘[35]، حيث قام اللاهوتيّون في الفترة التي تلت نيقية، بوضع صياغة قانونية لما كان مستقرًّا ومُتَفقًا عليه بالنسبة للروح القدس ـ بالضبط مثلما فعل آباء نيقية بالنسبة للابن في علاقته بالله الآب ـ إذ قد صار واضحًا أن حقيقة الإنجيل وفاعليته لا تعتمد فقط على الوحدانية في ذات الجوهر والفعل بين الابن المتجسد والله الآب، بل أيضًا على الوحدانية في ذات الجوهر والفعل بين الروح القدس وكل من الابن والآب. ولذلك علَّم ق. كيرلس الأورشليمي طالبي العماد قائلاً: “آمنوا أيضًا بالروح القدس، وتمسكوا بالنسبة له بنفس التعليم الذي أخذتموه عن الآب والابن … فهو مع الآب والابن ممجد بمجد اللاهوت[36]“.

 

مدخل القديس أثناسيوس لشرح عقيدة الروح القدس

وكانت الصياغة اللاهوتية لعقيدة الروح القدس قوية وواضحة جدًّا بصفة خاصة عند القديسين أثناسيوس، وباسيليوس، وغريغوريوس النزينزي، وإبيفانيوس[37]. وكان مدخل ق. أثناسيوس لعقيدة ’الروح القدس‘ متفقًا تمامًا مع مدخله لعقيدة ’اللوغوس‘ أو ابن الله، فكما أنه تمشيًا مع تعليم العهد الجديد رفض أي فكر يقول بأن ’اللوغوس‘ هو مبدأ هذا الكون ويحتل مكانًا متوسطًا بين الله والخليقة، فكذلك أيضًا وبنفس الأسلوب رفض ق. أثناسيوس كل محاولة للوصول إلى فهم الروح القدس تبدأ من مظاهر أو أعمال الروح في الخليقة سواء في الإنسان أو في العالم. وإذا اعتبرنا أن هناك خطًّا فاصلاً بين ما هو إلهي وما هو مخلوق، أي بين جانب الله الخالق وجانب الخليقة، فإن ق. أثناسيوس جعل النقطة المحوريَّة في شرح عقيدة الروح القدس هي ما أسماه ’اختصاص أو خصوصية‘ (the propriety) الروح القدس بالجانب الإلهي وليس بالجانب المخلوق، وبالتالي كانت مرجعيته الأساسية هي نفس مرجعيته في موضوع علاقة الابن الداخلية بجوهر اللاهوت الواحد. فالروح القدس مثله مثل الابن هو عطاء الله الذاتي: الذي فيه المُعطي والعطية هما واحد[38]. وبالتحديد لأن الروح القدس هو روح الآب وروح الابن، فقد صاغ ق. أثناسيوس عقيدة الروح القدس من واقع علاقته الجوهرية في الله الواحد، ومن واقع الفعل الواحد غير المنفصل الذي له مع الآب والابن، وكذلك من واقع خصوصية علاقة الروح القدس بالابن، ولذلك نجده يقول: “الثالوث القدوس المبارك واحد في ذاته بغير انقسام. وعندما يُذكر الآب، فإن ذلك يتضمَّن كلمته والروح القدس الذي هو في الابن. وعندما يُذكر الابن، فإن الآب هو في الابن والروح القدس ليس خارج الكلمة. لأنه توجد نعمة واحدة من الآب تتحقق بالابن في الروح القدس، وتوجد طبيعة إلهية واحدة وإله واحد، ’الذي على الكل وبالكل وفي الكل‘[39]“.

ويعبِّر ق. أثناسيوس أيضًا عن العمل الواحد الذي للآب والابن والروح القدس بقوله: “الآب يعمل كل الأشياء بالابن في الروح القدس، وهكذا تُحفظ وحدانية الثالوث القدوس[40]“. وحيث إن عمل الثالوث هو عمل واحد، فلا يجوز بأي حالٍ اعتبار أعمال الروح القدس على أنها أقل شأنًا من أعمال الآب أو الابن، لأن كل الأعمال هي في الله الواحد ومن الله الواحد[41]. كما يتضح أيضًا، أنه طبقًا لترتيب ق. أثناسيوس في صياغة العقيدة، فإن معرفتنا الحقيقية عن الروح القدس تأتي من معرفتنا الحقيقية عن الابن، وعن الآب من خلال الابن[42].

إذن، كانت عقيدة الروح القدس تنبع ليس فقط من مجرد النصوص الكتابية أو الذكصولوجيات، ولكن من الحقيقة العظمى وهي: أن الله يعلن عن ذاته بواسطة ذاته، وبالتالي فإن الله ذاته يكون هو محتوى أو مضمون هذا الإعلان من خلال الابن وفي الروح القدس[43]. أي إن عقيدة الروح القدس لم يتم إقحامها من الخارج، بل قد ظهرت ونمت بصورة طبيعية من داخل معرفة الله الواحد، هذه المعرفة النابعة من إعلان الله عن ذاته واتصاله بنا بذاته كآب وابن وروح قدس. وهذا البناء العقيدي هو ما سلَّط الآباء الضوء عليه في نيقية، وذلك من خلال صياغة مصطلح ’هوموأووسيوس‘ للتعبير عن علاقة الابن بالآب. وكل ما تبقى عمله بعد نيقية كان تطبيق نفس مفهوم الـ ’هوموأووسيوس‘ بصورة مماثلة على الروح القدس المُرسل من الآب بواسطة الابن. ولذا نرى أن ق. أثناسيوس لم يتردد في تطبيق مصطلح ’هوموأووسيوس على الروح القدس كما هو الحال بالنسبة للابن[44]، وقد تبعه في ذلك آخرون من لاهوتييّ ما بعد نيقية خاصةً ديديموس[45]، وإيفاجريوس[46] وغريغوريوس النزينزي[47] وإبيفانيوس[48]. فبما أن الآب والابن والروح القدس هم إله واحد كامل غير منقسم[49]، كان من الطبيعي تطبيق مصطلح ’هوموأووسيوس‘ (Ðμοούσιος) أي ’الوحدانية في ذات الجوهر‘ على الثالوث القدوس ككل[50].

 

معرفة الآب والروح القدس تكون من خلال معرفة الابن

وعلاوة على ذلك، كان واضحًا تمامًا أمام هؤلاء الآباء أنه فقط في الابن ومن خلاله ـ الابن الواحد الوحيد ـ يمكننا أن نعرف هيئة (εδος) اللاهوت، لأنه بالتحديد في يسوع المسيح الابن المتجسد، أوصل الله ذاته لنا نحن البشر من داخل ظروف وواقع وجودنا الأرضي ومعرفتنا المحدودة. وبالتالي فإنه في الابن المتجسد وحده، الذي هو ’هوموأووسيوس‘ مع الآب وفي نفس الوقت ’هوموأووسيوس‘ معنا*، نستطيع أن نعرف الله بالحقيقة وفقًا لما هو في ذاته ووفقًا لطبيعته. وكذلك على نفس هذا الأساس ـ الذي به نعرف الآب من خلال الابن ـ نستطيع أيضًا أن نعرف الروح القدس، لأنه في الروح القدس المُرسل لنا من الآب بواسطة الابن تُنقل إلينا معرفة الله وتتحقَّق فينا[51]. إذن، فمعرفتنا للروح القدس ومعرفتنا للآب تُستمد وتُضبط من معرفتنا للابن#[52]. ولا يعطينا الروح القدس أية معرفة مستقلة عن الله ولا يضيف أي محتوى جديد لإعلان الله عن ذاته[53]، بل هو يأتي بكونه روح الآب وروح الابن معلنًا الآب في الابن والابن في الآب، ولأنه هو ذاته الله، فمن خلاله يعلِّن الله عن ذاته، ويقول ق. أثناسيوس: “الثالوث القدوس المبارك واحد في ذاته بغير انقسام. وعندما يُذكر الآب، فإن ذلك يتضمن كلمته و الروح القدس الذي هو في الابن. وعندما يُذكر الابن، فإن الآب هو في الابن والروح القدس ليس خارج الكلمة[54]“. ولا يمكن فصل معرفتنا لكل من الآب والابن والروح القدس بعضها عن البعض الآخر، لأن الله يُعرف فقط من خلال إعلانه الواحد عن ذاته الذي من الآب بالابن في الروح القدس. وبهذا الفهم للوحدانية في إعلان الله الثالوثي عن ذاته بواسطة ذاته، وجد ق. أثناسيوس أنه من الضروري تطبيق مصطلح ’هوموأووسيوس‘ (Ðμοούσιος) النيقي على علاقة الروح القدس بكل من الله الابن والله الآب.

 

عقيدة الروح القدس فيما بين نيقية والقسطنطينية

وقد أُعطيت عقيدة الروح القدس تركيزاً واهتماماً أكثر في الفترة ما بين نيقية والقسطنطينية، وذلك في اتجاهين:

الأول كان بالنسبة للأسرار المقدسة، وقد قام ق. كيرلس الأورشليمي بتوضيح وشرح هذا الجانب من عقيدة الروح القدس في عظاته الشهيرة للموعوظين (Catecheses) وخاصة العظات 4، 16، 17.

أما الاتجاه الثاني فكان بالنسبة للفكر اللاهوتي النسكي وتقليد الكنيسة في تمجيد الله (الذكصولوجية)، وهذا التعليم هو ما قـــدَّمه ق. باسيلـــيوس في كــــتابه الهــام ’عن الــروح القـــدس‘ (De Spiritu Sancto)، والذي بيَّن فيه أن الكنيسة حينما تقدم تمجيدًا واحدًا للآب والابن والروح القدس فإن هذا يشير إلى وحدانية الثالوث الفائقة في الطبيعة والجوهر. ومن ثم فإن الكنيسة كانت ترى أنه بالروح القدس “يكتمل الثالوث المبارك والمسجود له[55]“.

وعلى أساس هذا الفهم الذي اشترك فيه لاهوتيّو كبادوكية والإسكندرية، قدَّم ق. إبيفانيوس أسقف سلاميس (في قبرص) في كتابه ’المُثبَّت بالمرساة‘ (Anchoratus) عام 374م، تعبيرات قاطعة عن الروح القدس سبق بها ما تم صياغته في قانون الإيمان[56] (في مجمع القسطنطينية). وهذا التعليم الذي نقله ق. إبيفانيوس عن ق. أثناسيوس كان له تأثيره الدامغ ـ ولا ننسى في ذلك أيضًا ديديموس وق. غريغوريوس النزينزي وق. باسيليوس ـ على الصياغة التي وضعها مجمع القسطنطينية عام 381م (عن الروح القدس)[57].

والآن ننتقل لبحث الملامح الرئيسية لعقيدة الروح القدس التي تمت صياغتها في مجمعيّ نيقية والقسطنطينية.

         

 

ثانيًا: الملامح الرئيسية لعقيدة الروح القدس

في مجمعيّ نيقية والقسطنطينية

 

1ـ الله روح، والروح القدس هو الله

 

تعبير الله ’روح‘، يشير إلى ماهية الله في جوهره الأزلي

كانت العبارات المتضمَّنة في قانون الإيمان عن الروح القدس تخبرنا عن أمرين رئيسيين في وقت واحد: أولاً أن الله في صميم طبيعته هو روح، وثانيًا أن الروح القدس مع الآب والابن لهم نفس الجوهر الأزلي الواحد للاهوت[58]. وفي الكتب المقدسة وكتابات آباء الكنيسة كانت كلمة ’روح‘ تُستخدم في كثير من الأحيان للتعبير بصورة مطلقة عن الله، خاصة من جهة طبيعته غير المحدودة، والفائقة الإدراك، وغير المنظورة، وغير المادية وغير المتغيرة، وذلك بالمقارنة بطبيعة المخلوقات الإعتمادية والزائلة والمحدودة[59]. فكلمة ’روح‘ تُعبِّر عن ماهية الله في ذاته في الكمال اللانهائي الذي لجوهره القدوس، كما أنها تُخبر أيضًا عن ماهية الله في حريته غير المحدودة تجاه كل شيء آخر عداه: سواء في أن يخلق هذا الشيء من العدم، أو في أن يحفظه في علاقة معه[60].

وحين يذكر الإنجيل بحسب ق. يوحنا أن “الله روح”[61]، فإن المعنى المطلق لكلمة ’روح‘ يشير ببساطة إلى اللاهوت بدون تمييز للأقانيم وهو ينطبق هنا بالتساوي على الآب والابن والروح القدس[62]. وكما يقول ق. إبيفانيوس: “الله روح، روح يفوق كل روح، ونور يفوق كل نور[63]“. إذن، فعندما يقال أحيانًا عن المسيح ابن الله إنه “روح” فالمقصود هنا ليس مقارنته بالروح القدس، بل مجرد التأكيد على طبيعته الإلهية[64]. وهذا هو ما جعل ق. غريغوريوس النزينزي يستطيع أن يتحدث عن مسح الابن المتجسد بالروح، على أن هذه المسحة هي “بواسطة لاهوته[65]“.

 

كيف يميِّز الكتاب المقدس بين كون الله ’روح‘ وبين ’الروح القدس‘

إن استخدام كلمة ’روح‘ بمعناها المطلق مع الآب والابن والروح القدس، لا يجب أن تُفهم على أنها تلغي التمايز بين أقانيم (Øποστάσεις) الآب والابن والروح القدس، لأن كلمة ’روح‘ إنما المقصود بها التأكيد على طبيعة الجوهر (οÙσία) الواحد الذي للاهوت، والذي للأقانيم الثلاثة على السواء[66]. وقد أوضح ق. أثناسيوس للأسقف سرابيون أنه عندما يشير الكتاب المقدس إلى الروح القدس مميزًا إياه عن الآب والابن، نجد أن كلمة ’روح‘ تأتي دائمًا معرَّفة أو مضافة إلى إضافات محددة مثل “روح الله” أو “روح الآب” أو “روح الابن” أو “الروح” أو “الروح القدس”[67]، وذلك بطريقة لا تشير إلى وجود أي انفصال قط بين أقانيم الآب والابن والروح القدس لا في الجوهر ولا في الفعل، لأن الثالوث القدوس المبارك هو أساسًا واحد بغير انقسام[68].

 

’الله روح‘ ولذلك يجب علينا أن نعرفه بطريقة روحية

وتوضح الكنيسة في اعترافها بالإيمان، مكانة الروح القدس بكونه في تلازم وتواجد (احتواء) متبادل مع الآب والابن في اللاهوت الواحد غير المنقسم[69]. وقد أكدت على إيمانها بأن الله في طبيعته الأزلية هو روح[70]، ولذلك يجب علينا أن نعرفه ونفكر فيه بطريقة روحية تقوية وبدون استخدام للصور (التشبيهات) المادية التي لا تليق بالله[71]. وإذ تختلف طبيعة الله بصورة فائقة تمامًا عن طبيعة المخلوقات، وحيث إن الله لا يمكن مقارنته أبدًا بأي شيء نعرفه، فلذلك لا يليق بنا أن نسأل أسئلة بشرية عن اللاهوت، فالله يمكن أن نعرفه، ولكن ليس من (خلال أمور) خارجًا عنه، بل فقط من ’ما هو‘ الله في داخل ذاته[72].  

وهكذا، وللمرة الثانية، أثارت عقيدة الروح القدس قضية معرفية كان قد أثارها الأريوسيون في بداية القرن الرابـع عندما نـادوا بمبدأ: أن ما لا نستطيع أن ندركه كبشر لا يمكن أن يكون موجودًا[73]. أي إنهم تصوَّروا أن حدود إدراكهم هي نفس حدود الحقيقة، ومن ثم وضعوا شروطًا لفهمهم لله ولإدراكهم للإعلان الإلهي[74]. ولكن كان واضحًا تمامًا لدى لاهوتيّ نيقية، أن أنماط التفكير هذه تتحطم من نفسها أمام ربوبية الروح القدس الفائقة الإدراك، مما يعني أن الله يمكن فقط معرفته بواسطة ذاته[75]، فسيادة الله في إعلانه عن ذاته هي بلا أي قيدٍ أو شرط[76].

 

المعرفة الصحيحة للروح القدس لا تكون من خلال أعماله (في الخليقة)، ولكن من واقع علاقاته الأزلية في داخل جوهر الثالوث

لقد صار واضحًا أنه بدون الروح القدس لا تستقيم عقيدتنا في الله كإيمان صحيح ومتكامل[77]، كما أن تضمين عقيدة الروح القدس في داخل عقيدة الله المثلث الأقانيم، أصبح يعني أنه لا ينبغي علينا أن نعرفه (أي الروح القدس) من خلال بعض العلاقات الخارجية، وإنما من خلال علاقته الداخلية الفريدة مع الآب (والابن)[78]. ونُذكِّر القارئ هنا أنه بالنسبة للقديس أثناسيوس، لم تكن الطريقة الصحيحة والخاشعة لكي نعرف الله (الآب) هي من خلال أعمال الخلق التي هي أمور ’خارجة عن الله‘ بل من خلال ابنه الأزلي، لأننا عندئذ نعرفه وفقًا ’لما هو‘ بالحقيقة في ذاته ووفقًا لطبيعته الإلهية بكونه آبًا[79]. وعلى نفس النمط، فإن المعرفة الصحيحة والخاشعة للروح القدس لا تبدأ من مظاهر وأعمال الروح في الخليقة والتي هي أمور ’خارجة عن الله‘، بل من واقع كون الروح القدس في جوهر اللاهوت الأزلي كروح الآب وروح الابن، أي من واقع علاقاته الداخلية في اللاهوت[80].

وقد ذهب ق. إبيفانيوس بمدخل معرفة الله هذا، إلى أبعد من ذلك إذ قال: وكما أننا نعرف الآب والابن، فقط من داخل العلاقة المتبادلة بينهما في الوجود وفي المعرفة، وكما أن هذه المعرفة يعلنها لنا الله بذاته من خلال الروح القدس، فكذلك نحن يمكننا أن نعرف روح الآب وروح الابن، فقط عندما يسكن فينا ويدخلنا في الشركة مع الثالوث القدوس. أي إن مدخلنا لعقيدة الروح القدس يجب أن تكون من خلال علاقاته الداخلية ’الأقنومية‘ في جوهر الله المثلث الأقانيم[81]. وهنا نجد أن التركيز كان بلا شك على حقيقة الروح القدس الموضوعية*، لأنه حتى عندما نشترك في روح الله من خلال سكناه فينا، فإن هذا الأمر في عمقه متأصل في السكنى المتبادلة (التواجد والاحتواء المتبادل) التي للآب والابن والروح القدس في الثالوث. ويعبِّر عن ذلك ق. أثناسيوس بقوله: “إن وجودنا في الآب ليس منا، بل من الروح القدس الذي في داخلنا والذي يسكن فينا … إذن فالروح هو الذي في الله وليس نحن بذواتنا[82]“. فبالنسبة لنا، أن نكون في الروح أو أن الروح ساكن فينا فهذا معناه أننا جُعلنا شركاء مع الله ذاته[83]. ولم يغب عن آباء نيقية أبدًا، أن الروح يسكن فينا بكونه يفوق تمامًا كل الوجود المخلوق؛ ولذا رأوا أن الروح يسكن فيهم بمعنى سكناهم هم في الله. “الروح القدس يُشتَرَك فيه، ولكنه لا يَشتَرِك هو (في أحد)[84] “.

 

حضور الروح القدس، هو الحضور الفعلي المباشر لله ذاته

وإذا نظرنا إلى الروح القدس من هذا المدخل، أي من خلال علاقته الداخلية في الثالوث، سوف نتيقن أن حضوره هو حضور الله معنا في كامل حقيقة جوهره وحياته الإلهية ـ أي إن حضور الروح القدس معنا يكون هو الحضور الفعلي المباشر لله الكلي القداسة ضابط الكل، في مجده وقوته وجلاله الفائق، وفي ألوهيته وقداسته المطلقة.

وفي رسالته إلى سرابيون، يتحدث ق. أثناسيوس عن التقوى (εÙσέβεια) والخشوع (εÙλάβεια) الذي يهبهما لنا الروح القدس، حيث نجده يتعجب أمام حقيقة أن الله بإرساله روحه القدوس لنا، لم يعطنا مجرد شيء من ذاته بل ذاته بالفعل، ففي الرب المُحيي (الروح القدس المُعطى لنا)، الله ذاته يكون هو محتوى عطيته. ويقول ق. أثناسيوس: “عندما نُعطى الروح القدس (إذ يقول المخلِّص’اقبلوا الروح القدس‘[85]) فإن الله يصبح فينا، ولهذا كتب يوحنا ’إن أحب بعضنا بعضًا، فالله يسكن فينا.. بهذا نعرف أننا نسكن فيه وهو فينا، لأنه قد أعطانا من روحه‘[86]، ولكن عندما يكــــون الله فينا، فالابن أيضــًا يكــــون فينا، لأن الابن نفسه قال: ’أنــــا والآب نـــــأتي ونصنع عنــــده منــــزلاً‘[87]، وأيضًا بما أن الابن هو الحياة ـ لأنه يقول’أنا هو الحياة‘[88] ـ فإننا نُحيَّ بالروح[89]“. وهكذا فإن الحـــــاضر فينا ليس هو مجــــرد قوته أو عمله الإلهي، بل هو الله ذاتــــــــه الخــــــالق ضابط الكل في حقيقته الفائقة الإدراك.

ولذلك كان ديديموس واضحاً في اعتراضه على التفريق بين أعمال الله (أو طاقاته) وبين الفعل المباشر لجوهره*، والذي أشار إليه ق. باسيليوس[90]، لأن مثل هذا التفريق من شأنه أن يهدم فهمنا الصحيح لحضور الله الحقيقي فينا بروحه القدوس[91].

ولم ينس لاهوتيّو نيقية كلمة الرب يسوع التي ظل صداها يدوي في الكنيســة الأولى، بأن كــــل مَن تكلَّم (بسوء) على ابن الإنســــان يُغفر له، أما من جــــــــدَّف على الـروح القدس فلا يُغفر له[92]. وكــــــان لهذا النص أثره في تأييد الكنيسة في توقيرها وعبادتها وسجودها للروح القدس، بكونه بالحقيقة الله في (كامل) ألوهيته وجلاله غير المحدود وفي قداسته المطلقة وربوبيته ومجده الأسنى. وحيث إن الروح القدس له ذات الجوهر الواحد مع الآب والابن، فيحق له السجود والتمجيد مع الآب والابن والاعتراف بأنه الله[93]. وهنا نجد أن الكنيسة وهي تسبح تسبحة الثلاثة تقديسات التي في الليتورجيا، والمقدَّمة للآب والابن والروح القدس، وتترنم بها على الأرض إنما هي تردد ما يسبح به الملائكة والسيرافيم بغير انقطاع حول العرش في السماء[94].

وهنا نطرح ملاحظتين هامتين ينبغي الانتباه لهما بالنسبة لهذا المدخل في عقيدة الروح القدس:

في الروح القدس يظل سر الله محفوظًا، لأنه حاضر بيننا بنمط أقنومه الشفاف والخفي*

الملاحظة الأولى، هي أنه في الروح القدس، يظل سر الله الذي لا يُنطق به محفوظًا، لأنه في حين نحن في الروح القدس نتقابل مع الله ونوجد في حضوره، إلاّ أن الروح القدس يبقى غير مدرَك بالعقل ولا يمكن معرفته في ذاته[95]. والروح القدس هو ’روح‘ ليس فقط في جوهره (οÙσία) ـ والذي هو أمر مشترك بينه وبين الآب والابن ـ ولكن أيضًا في أقنومه (Øπόστασις) المتمايز أو نمط كيانه الشخصي (personal mode of being) بكونه ’الروح‘، لأنه إذ يُدعى ’الروح القدس‘ فهو يتمايز عن نمط الكيان الأقنومي (الشخصي) الذي لكل من الآب والابن، في حين أنه واحد معهما تمامًا في ذات الجوهر (Ðμοούσιος)[96].

والروح القدس هو “روح من روح، لأن الله (الآب) ذاته هو روح (Πνεàμα ™κ Πνεàματος, Πνεàμα γ£ρ Ð Θεός)[97] “.

وفي حين أن الآب والابن يُعلنان لنا، كل في أقنومه (Øπόστασις) المتمايز ـ لأننا في الروح القدس نُعطَى أن نشترك في معرفة الآب للابن وفي معرفة الابن للآب ـ إلاّ أن الروح القدس لا يُعرف مباشرةً في أقنومه الخاص لأنه يبقى محتجبًا وراء ما يقدِّمه من إعلان فعليّ عن الآب والابن[98]. وهو روح الحق غير المنظور المُرسل من الآب باسم الابن، وليس باسمه الشخصي بكونه الروح القدس، ولذلك فهو لا يتكلَّم من نفسه بل كل ما يسمع يُخبر به[99]. والروح القدس لا يُظهِر لنا ذاته، ولذلك لا يستطيع العالم أن يقبله أو يعرفه[100]. وهو يُظهِر لنا وجه الآب في الابن، ووجه الابن في الآب، ومن هنا يمكن القول عن الروح القدس أنه هو ’وجه الآب‘ من جهة أنه يجعل وجه الآب يُرى في الابن[101]. وبينما في الله هناك ثلاثة أقانيم، إلاّ أنه توجد هيئة (εδος) واحدة (للاهوت) تنبع من الآب وتتألق وتشع في الابن وتصير ظاهرة ومدرَكة من خلال الروح القدس[102]. والروح القدس بنمط وجوده الأقنومي كروح من روح، فإنه يُخفي نفسه عنا، وراء الآب في الابن، ووراء الابن في الآب، ولذا فنحن لا نعرفه وجهًا لوجه في أقنومه (Øπόστασις) الذاتي[103]. وبالروح القدس، الكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا ولكنه لم يكن هو الكلمة، وبالروح القدس تجسد ابن الله ولكن الروح لم يجسِّد نفسه بيننا. إنه هو الروح الواحد الذي فيه يوصِّل الآب ذاته لنا من خلال ابنه، وفيه أيضًا نصل إلى الآب بواسطة الابن. والروح القدس هو النور غير المنظور الذي في بهائه نرى نور الله (الآب) ظاهرًا في يسوع المسيح، وهو نفسه يُعرف فقط في كونه هو الذي يضيء (لنا) وجه الله الآب في وجه يسوع المسيح[104]. والروح القدس حاضر بالحقيقة بأقنومه بيننا، ولكن بنمط كيانه الشفاف والخفي[105]، وبما إنه واحد في ذات الجوهر مع الآب والابن فإنه (وهو فينا) يلقي بنوره الأزلي على (وجه) الآب في الابن وعلى (وجه) الابن في الآب، ولذا يقول ق. باسيليوس: “إن ذهننا الذي استنار بالروح، ينظر إلى الابن ـ وفيه (أي في الابن)، كما في صورة ـ يرى الآب[106]“.

وبهذه الطريقة، فإن الله ’الآب والابن والروح القدس‘ الثالوث غير المنقسم، يضيء علينا من خلال الروح القدس بنوره المثلث، ويقول ق. أثناسيوس: “وعندما يكون الروح القدس فينا، فالكلمة الذي يعطي الروح يكون فينا أيضًا، وفي الكلمة يكون الآب. وهذا يتفق مع ما قيل ’وإليه نأتي (أنا والآب) وعنده نصنع منزلاً‘. لأنه حيثما يكون النور فهناك يكون الشعاع أيضًا، وحيثما يكون الشعاع فهناك أيضًا يكون فعله ونعمته الخافقة[107]“. ونجد نفس المعنى عند ق. غريغوريوس النزينزي؛ إذ يقول: “بمجرد أن أفكر في الواحد، أجدني مستنيرًا ببهاء الثلاثة، وبمجرد أن أميِّز بينهم، أجدني عائدًا إلى الواحد. عندما أفكر في أحد الثلاثة (أقانيم) أفكر فيه بكونه الكل، وتمتلئ رؤيتي، وأجد أن ما فكرت فيه أكثره قد هرب مني، ولا أستطيع أن أدرك مقدار عظمة ذلك الواحد حتى ما أنسب عظمة أخرى للأقنومين الآخرين. وعندما أتأمل في الثلاثة أقانيم معًا، لا أرى إلاّ منيرًا واحدًا لا يمكن تقسيمه أو قياس نوره غير المنقسم[108]“. إذن، فأقانيم الثالوث القدوس الثلاثة ينبغي علينا أن نعرفهم ونسمع لهم ونسجد لهم ونمجدهم بكونهم واحد تماماً[109].

وهكذا من خلال نمط وجوده الأقنومي الذي لا يُعبَّر عنه، يجعلنا الروح القدس نتقابل مع عظمة الله المطلقة التي لا توصف، لأننا فيه (أي في الروح) نتلامس مباشرةً مع الكليّ القداسة ضابط الكل الذي تتوقف أمامه ـ في خشوع وسجود ـ كل أشكال الفكر والكلام. ونستشهد هنا أيضًا بقول ق. أثناسيوس في رسائله لسرابيون: “إلى هذا الحد تبلغ المعرفة البشرية. وعندئذ يبسط الشاروبيم أجنحتهم للتغطية[110]“.

 

في الروح القدس، الله يجعل نفسه مُتاحًا لأن نعرفه

الملاحظة الثانية بالنسبة لهذا المدخل في عقيدة الروح القدس، هي أنه على الرغم من أن جوهر الله الأزلي يفوق بصورة لا نهائية حدود إدراكنا إلاّ أن الله ليس مغلقًا أمامنا تمامًا، لأن الروح القدس يعني تحرك الله ’نحو الخارج‘، والذي فيه (أي في الروح) يجعل الله نفسه متاحًا لأن نعرفه. وكون الله لا يُنطق به ولا يُعبَّر عنه، لا يعني أنه غير قابل للإدراك أو المعرفة[111]، لأن الله في داخله مُدرَك وقابل للمعرفة، وهذا هو أساس ومصدر معرفتنا له بواسطة يسوع المسيح ـ الكلمة الذي صار جسدًا ـ وفي الروح القدس. ولذا نجد أن ق. باسيليوس يتحدث عن الروح القدس بكونه ’روح المعرفة‘، لأنه “في ذاته، يُظهِر مجد الابن الوحيد المولود، وفي ذاته يمنح معرفة الله للعابدين المخلصين. إذن، فالطريق إلى معرفة الله يتحرك من الروح القدس الواحد بواسطة الابن الواحد إلى الآب الواحد[112]“.

وحقيقة أن الروح القدس في نمط وجوده الأقنومي وفي فعله، له ذات الجوهر الواحد (Ðμοούσιος) مع الآب والابن إنما تؤكد لنا أن حضور الروح القدس ينقل إلينا حقيقة إعلان الله عن ذاته بالكلمة المتجسد، لأن كلمة الله وروح الله هما في تلازم وتواجد (احتواء) متبادل بغير انفصال[113]. ويقول ق. أثناسيوس: “(كل) ما يُقال من الله، يُقال بالمسيح (الابن المتجسد)، وفي الروح القدس[114]“. وبما أن الله له فعل واحد وتحرك واحد (نحونا) للإعلان عن ذاته: من الآب بالابن في الروح القدس[115]، فإن هذا يخبرنا بأن عظمة الله التي لا يُنطق بها هي إيجابية وليست سلبية، لأن الله بجعل نفسه معروفًا بالحقيقة لنا بواسطة الابن وفي الروح القدس، قد أظهر عظمته بشكل يفوق كل ما يمكن أن نتصوره. والوحيد الذي يستطيع أن يعلن الله لنا، هو روح الله الذي يعرف ما في داخل الله “لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله[116]“. وبما أن الروح القدس قد أُرسل لنا من الآب باسم المسيح لكي يشهد له ولكي يرشدنا إلى كل الحق لأنه هو روح الحق، فإنه (أي الروح القدس) يعطينا وبصورة مذهلة وصولاً إلى معرفة الله وإدراكه، ولكن مع الحفاظ على السر المطلق الذي لا يُعبَّر عنه الذي لجوهره الإلهي. ويقول ق. إبيفانيوس: “وبكونه آتيًا إلينا (أي مُرسلاً) من الآب والابن*، فإنه هو وحده الذي يرشدنا إلى الحق … (وهو) معلِّم الرسل، والمصدر المنير للعقائد الإنجيلية، ومنظم الأمور المقدسة، وهو نور حقيقي من نور حقيقي[117]“.

وهكذا من خلال شركتنا مع الروح القدس، أُعطينا أن نرتفع إلى معرفة الله وفقاً لما هو في ذاته، ولكن في نفس الوقت حُفظنا من تعدي حدودنا ونحن أمام قداسة الله وجلاله ونوره الذي لا يدنى منه.

 

2ـ الروح القدس أقنوم حقيقي متمايز،

وهو كائن على الدوام مع الآب والابن بغير انفصال

 

تطبيق مفهوم ’هوموأووسيوس‘ مع الروح القدس هو دليل على إيمان الكنيسة بحقيقته الأقنومية

كان اعتراف مجمع نيقية بأن الابن المتجسد هو ’هوموأووسيوس‘ (Ðμοούσιος) مع الآب، قد أكَّد ليس فقط على ألوهية المسيح، بل أيضًا على الكينونة الأقنومية التي لله الآب ضابط الكل. وكما أوضحنا في حديثنا عن الـ ’هوموأووسيوس‘، أن ’ما هو‘ الله الآب في ذاته منذ الأزل هو نفس ’ما هو‘ نحونا في يسوع المسيح. فالله ذاته هو نفس محتوى (أو مضمون) نعمته في شخص يسوع المسيح: أي أن المُعلِّن وما يعلِّنه ، والمُعطي وما يعطيه، هما واحد تمامًا. كما أن تعبير “أنا هو” الخاص بالآب، و “أنا هو” الخاص بالابن هما واحد تمامًا بغير انفصال، لأن الآب في الابن والابن في الآب، وبينما الآب والابن متمايزان أقنوميًّا عن بعضهما (حيث أن الآب غير الابن والابن غير الآب)، إلاّ أنهما واحد بغير انقسام في الجوهر الإلهي. ولذا كان التجسد في نظر مجمع نيقية يعتبر تجسيمًا دقيقًا للغاية لطبيعة وعمل الله[118].

وقد طبَّق ق. أثناسيوس نفس مفهوم الـ ’هوموأووسيوس‘ على علاقة الروح القدس بالمسيح وبالآب، وقد أدى ذلك إلى تأكيد تعليم الإنجيل عن حقيقة الروح القدس الأقنومية وتعميق هذا التعليم في إيمان الكنيسة[119]. وكان تطبيق مفهوم الـ ’هوموأووسيوس‘ على الروح القدس بالإضافة إلى تطبيقه على الابن، هو ما دعا ق. إبيفانيوس إلى تسمية مفهوم الـ ’هوموأووسيوس‘ بأنه ’رباط الإيمان‘ (σύνδεσμος τÁς πίστεως)[120].

 

الروح القدس في تعليم القديس أثناسيوس

كان هدف ق. أثناسيوس في تأكيده الواضح والمحدَّد على وحدانية الروح القدس مع الابن والآب في ذات الجوهر والطبيعة والعمل، هو الرد على أنصاف الأريوسيين ـ أو مَن أسماهم ق. أثناسيوس ’التروبيكيين‘* ـ وغيرهم في ادعائهم بأن الروح القدس ليس إلهًا من إله، بل هو قوة لا أقنومية مخلوقة، صادرة من الله وقابلة للانفصال عنه[121]. وكما أوضح ق. أثناسيوس في رسائله إلى الأسقف سرابيون عن الروح القدس، فإن هذا المفهوم يمثل انتهاكًا خطيرًا لإيمان الكنيسة في وحدانية الثالوث القدوس الذي باسمه يتم سر المعمودية. ويقول ق. أثناسيوس في هذا الصدد:

– “إنه ثالوث ليس فقط في الاسم أو في صيغة الكلام، بل أيضًا في الحقيقة والوجود الفعلي، فكما أن الآب هو مَن يكون (بذاته)، فكذلك أيضًا كلمته هو مَن يكون (بذاته)، وهو الله الذي فوق الكل. وليس الروح القدس هو مَن بلا وجود حقيقي، بل هو كائن وله وجود فعلي[122]“.

– “وكما أن المعمودية التي تُعطى بالآب والابن والروح القدس هي واحدة، وكما أن هناك إيمان واحد بالثالوث (كما قال الرسول)، فهكذا الثالوث القدوس هو متطابق مع ذاته ومتحد في ذاته، وليس له شيء من التي للمخلوقات في نفسه. وهذه هي وحدانية الثالوث غير القابلة للانقسام، والإيمان به إيمان واحد[123]“.

وعندما تَجدَّد الهجوم على ألوهية الروح القدس من قِبل إفنوميوس وبعض أصحاب المفاهيم الأفنومية[124] في الكنيسة، أُدينت تعاليمهم رسميًّا في مجمع محلي رأَسه ق. أثناسيوس في الإسكندرية عام 362م، وأعلن المجمع الإيمان “بثالوث قدوس، ليس ثالوثًا بالاسم فقط بل ثالوث حقيقي كائن ـ آب حقيقي كائن، وابن حقيقي كائن جوهريًّا، وروح قدس حقيقي كائن… وقد اعترفوا بثالوث قدوس ولكن بلاهوت واحد ومبدأ (رأس) واحد، وبأن الابن ـ كما شهد الآباء ـ له ذات الجوهر الواحد مع الآب، كما أن الروح القدس ليس مخلوقًا وليس ’خارجًا‘ عن الله، بل هو بغير انفصال واحد في ذات الجوهر مع الآب والابن”. وفي رفضهم لفكرة أن الابن ليس له ذات الجوهر الواحد مع الآب، وكذلك لفكرة أن الروح القدس ليس أقنومًا حقيقيًّا، أكَّد الآباء اعترافهم بالإيمان بقولهم: “نؤمن أنه يوجد إله واحد وأن له طبيعة واحدة، وأن ليس للآب طبيعة تختلف عن تلك التي للابن أو تلك التي للروح القدس”. ومن هنا تم قبول صيغة “ثلاثة أقانيم (أشخاص)” (τρε‹ς Øποστάσεις)، و”جوهر واحد” (μία οÙσία)، وصارت هذه الصيغة تُعبِّر عن الفهم الأرثوذكسي الصحيح للثالوث القدوس؛ إذ إنها من ناحية تتجنب فكرة أن الله أقنوم واحد (unipersonal)، كما أنها من الناحية الأخرى  تتجنب فكرة تقسيم الله إلى ثلاثة آلهة (tritheistic)[125]. ومع هذا، سرعان ما بات واضحًا، أنه يتعين صياغة المزيد من العبارات اللاهوتية لدحض الحجج الفلسفية التي أثارهـــــا إفنـــوميوس وأتباعه.

وكان من عادة ق. أثناسيوس أن يستخدم المصطلحــــات اللاهوتية بأســــلوب مرن ومنفتح، بحيث يسمح للحقــــائق الموضوعية ـ المراد التعبير عنها ـ أن تكون هي المتحكمة في استخدامات هذه المصطلحات وفي معانيها، ولذا حرص ق. أثناسيوس على تجنب التعريفات الشكلية والتحديدات المنطقية التحليلية التي لا أساس لها في الواقع[126]. ومن هنا كان ق. أثناسيوس يرى أن في مقدوره أن يتفـــق تمـــــــامًا مع من كــان يختلف معهم لو كـــان هذا الاختلاف هو مجرد اختلاف لفظي، وطالمـــا أن المعنى المقصود هو واحد. ولكــــن عندما استُغِّلت هذه الاختلافــــات اللفظية كستار للهرطقة، أصبح من الضروري استخـــــدام مصطلحــــات لاهوتية أكثر تحــــديدًا وأكثر دقة. وفي هذا المنعطف، ساهم الآباء الكبادوكيون ـ وعلى أساس تعاليم ق. أثناسيوس ـ في دحض أراء إفنوميوس، وفي تنظيم استخدام المصطلحات اللاهوتية الملائمة بالنسبة لعقيدة الثالوث[127].

 

الروح القدس في تعليم الآباء الكبادوكيين

كان هذا هو الدافع الذي جعل ق. باسيليوس يكتب مؤلفه العظيم “عن الروح القدس” بناء على طلبٍ من أمفيلوخيوس[128]. وعلى الرغم من أن ق. باسيليوس كان مترددًا في استخدام مصطلح ’هوموأووسيوس‘ (Ðμοούσιος) بشكل مباشر في تعليمه عن الروح القدس، إلاّ أنه أكَّد على طبيعة الروح القدس الإلهية والأقنومية. وهذا هو ما نراه جليًّا في كل عبادة الكنيسة؛ إذ كان الروح القدس يُمجَّد ويُسجد له بالتساوي مع الآب والابن في وحدانية الثالوث القدوس غير المنقسمة. وكان أيضًا قد استقر في فهم الكنيسة وخبرتها التي استلمتها، أن الروح القدس له نفس العمل الواحد غير المنقسم الذي للثالوث القدوس سواء في الخلق أو في التقديس.

وعلاوة على ذلك أوضح ق. باسيليوس أن خصوصية علاقة الروح القدس بالابن* هي مثل خصوصية علاقة الابن بالآب، وهكذا تكون هناك هيئة واحدة للاهوت تُرى في الآب والابن والروح القدس. ولذلك فبينما الثلاثة متمايزون أقنوميًّا، إلاّ أنهم في الوحدانية التي لا تنفصل التي لـ “أنا هو” الخاصة بالله في طبيعته البسيطة غير المركَّبة ولاهوته الواحد، وفي عمله الواحد تجاه العالم[129]. لذلك فالروح القدس ليس هو ذو طبيعة مخلوقة، وليس هو قوة غير أقنومية؛ بل هو “أقنوم حيّ”، هو الرب الذي يقدِّس الجميع. وهكذا نستطيع أن ندرك علاقته في جوهر اللاهوت (مع الآب والابن)، بينما يظل نمط وجوده (τρόποj Øπάρξεως) الأقنومي غير المدرك فوق القدرة على التعبير[130]“.

ومثل ق. أثناسيوس، أكَّد ق. باسيليوس على أن الروح القدس هو كيان أقنومي حقيقي في الله ـ وذلك من جهة وجوده في الثالوث غير المنقسم ـ وأن ما يعمله من أعمال إلهية إنما يعمله بأقنومه (بشخصه) الذاتي[131].

وفي رغبته ليكون أكثر تحديدًا، ميَّز ق. باسيليوس بين مصطلح ’أوسيا‘ (οÙσία) باعتباره يشير إلى جوهر الله الواحد، وبين مصطلح ’هيبوستاسيس‘ (Øποστάσεις) باعتباره يشير إلى أقانيم الثالوث، وقد ساعد ذلك على تعميم استخدام صيغة ’جوهر واحد، ثلاثة أقانيم‘ (μία οÙσία, τρε‹ς Øποστάσεις)[132]. وبينما اُستخدم مصطلح ’أوسيا‘ (οÙσία) للإشارة إلى جوهر اللاهوت الواحـــــــد الذي للأقـــــــانيم الإلهية الثــــلاثة على السواء، فإن مصطلح ’هيبوستاسيس‘ (Øπόστασις) كان يشير إلى الأقانيم في تمايزهم عن بعضهم البعض وفي علاقاتهم ببعضهم البعض وفقًا لأنماط كيانهم الخاصة في شركة الجوهر الواحد كآب وابن وروح قدس[133]. ولهـذا الغرض أضاف ق. باسيليوس للإشارة إلى ’الأقنوم‘ (Øπόστασις) مصطلح ’بروســـــوبون‘ (πρόσωπον) أي وجـــــه أو شخص ومصطلح ’أونومـا‘ (Óνομα) أي اسم[134]، وذلك من أجل التعبير بصورة أوضح عن نمط الوجود (τρόποj Øπάρξεως) الأقنومي الفريد الذي للآب والابن والروح القدس في جوهر اللاهوت الواحد[135].

ويبدو أن مفهوم نمط الوجود (τρόποu Øπάρξεως) الأقنومي الذي قدَّم به ق. باسيليوس تعليمــــه عن الأقـــــــانيم، كـــان يعتمد على مفهوم ق. أثناسيوس عن الأقنـــوم بكونــه ’نمــــط الألــوهة‘ (τρόποu Θεότητος) أي ’نمط الألوهة الكائن جوهريًّا في اللاهوت (الله)‘، وقد طبَّقه ق. باسيليوس على التمايزات الأقنومية في داخل الله ولكن بدون أن يتضمن ذلك أي شبهة تقسيم في وحدانية الجوهر[136]. وقد أيَّد هذه الإضافة التفسيرية التي قدمها ق. باسيليوس لتعليم ق. أثناسيوس ولاهوتي نيقية[137]، زملاؤه الآباء الكبادوكيون الآخرون وهم: ق. غريغوريوس أسقف نيصص وق. غريغوريوس النزينزي وأمفيلوخيوس[138]، مما كان له أكبر الأثر في زيادة وتعميق الفهم لطبيعة الـــــــروح القـــــــدس الإلهية والأقنـــــومية، ولنسمع مـــــا يقوله ق. غريغوريوس النيصي في هذا الصدد: “نحن نعتبر روح الله ملازمًا للكلمة ومُظهرًا لفعله، وليس كمجرد تأثير أو نفخة… لكنه في قدرته هذه، له وجود حقيقي بذاته وفي أقنومه (Øπόστασις) الخاص المميَّز الذي لا يمكن أن ينفصل عن الله (الآب) الذي هو فيه ولا عن الكلمة الذي هو ملازم له. والروح القدس ليس هو شيء عارض (أو اعتمادي)، بل هو كائن أقنوميًّا بحريته الذاتية في الاختيار والتحرك والعمل كما يشاء، وبقوته في تنفيذ كل غاية[139]“. كما أدرك ق. غريغوريوس النيصي أنه بسبب أن الروح القدس يأتينا ويعمل فينا من داخل شركة اللاهوت الواحد مع الآب والابن في الثالوث القدوس، فإننا نعرف أنه متعال وممجد في أقنومه الذاتي وفي قدرته على إعطاء الحياة[140].

 

الروح القدس في تعليم القديس إبيفانيوس

أما ق. إبيفانيوس، ففي كتابه ’المثبَّت بالمرساة‘ (Anchoratus) الذي صدر قبل صـدور كتاب ق. باسيليوس ’عن الروح القـدس‘ (De Spiritu Sancto)، وكذلك في كتابه ’خزانة الدواء‘ (Panarium haeresium) الذي صدر بعد ذلك بأربع سنوات، قدَّم نفس المفهوم عن طبيعة الروح القدس الأقنومية الكاملة وعمله الأقنومي. غير أن ق. إبيفانيوس كان له توجه عبري في كونه أرجع “أنا هو” الخاصة بالله الواحد إلى جوهره (οÙσία) (الواحد)، بينما أشـــــار إلى كل أقنوم بمصطلحات ’شخص‘ و’اسم‘ و’أقنوم‘[141]. وكان هذا الفكــــــر يعــد امتدادًا مباشرًا لتعليم ق. أثناسيوس الذي جاء في خطابه إلى كنيسة أنطاكية (Tomus ad Antiochenos). ولكن من الواضح أيضًا في نفس الوقت أن أفكار ق. إبيفانيوس وق. باسيليوس كانت مألوفة لدى بعضهما البعض[142].

وقد أكَّد ق. إبيفانيوس كذلك أن مصطلح ’هوموأووسيوس‘ (Ðμοούσιος) النيقي ينطوي ضمنيًّا على وجود أقانيم متمايزة في الله، لأن أقنومًا واحدًا لا يمكن أن يكون له ذات الجوهر الواحد ’هوموأووسيوس‘ مع نفسه، وأصرَّ على أن كلاًّ من الأقانيم الثلاثة له وجود ثابت وجوهري وحقيقي وكامل داخل جوهر الله الواحد، وبالحقيقة فإن كيان الروح الكامل هو مثله مثل كيان الابن الكامل وكيان الآب الكامل، فكل أقنوم هو الله بالتمام والكمال[143]، ولذلك تَعبد الكنيسة وتمجِّد الروح القدس مع الله الآب والله الابن.

وفي ضوء هذا، يتضح أن صيغة ’جوهر واحد، ثلاثة أقانيم‘ كانت مقبولة تمامًا لدى ق. إبيفانيوس، على الرغم من أنه كان ينظر إلى ’الأوسيا‘ (οÙσία) بنفس طريقة مجمع نيقية* حيث إنه (أي مصطلح الأوسيا) كـــان يُفهم لــــديه بكونه يعبِّر عن الجوهر في علاقاته الداخلية (أي المتضمِّن العلاقات الداخلية للثالوث) وبكونه يشتمل على مـــــدلول أو معنى أقنـــــومي (أي شخصي)[144]. ولذا استطاع ق. إبيفـانيوس أن يتعامل ـ مثلما فعل ق. أثناسيوس ـ مع

المصطلحين ’أوسيا‘ (οÙσία) و’هيبوستاسيس‘ (Øπόστασις) بمرونة كبيرة* في ضوء المعنى المقصود في كل موقف[145]. وقد ساهم ق. إبيفانيوس بالفعل في الوصول بعقيدة نيقية عن الروح القدس إلى صورتها الكاملة التي تؤكد تمامًا وبلا تردد على ألوهية الروح القدس، ولذا نراه يقول: “نحن ندعو الآب الله، والابن الله، والروح القدس الله … وعندما تنطق بالـ ’هوموأووسيوس‘ فإنك تعلن أن الابن هو إله من إله، وأن الروح القدس هو إله من نفس اللاهوت[146]“. فالروح القدس في أقنومه الذاتي المتمايز، هو إله تام وكامل، إله من إله، له ذات الجوهر الواحد مع الآب والابن. وفي فعله الخاص الفريد بكونه الروح القدس، فإنه يجعل الاشتراك في الثالوث ـ غير المنقسم ـ ممكنًا.

وكان لتعليم ق. إبيفانيوس عن الروح القدس بعض الملامح الخاصة المميَّزة:

  1. على خلاف الآباء الكبادوكيين، لم يتحدث ق. إبيفانيوس عن أقانيم الثالوث الآب والابن والروح القدس بكونها “أنماط للوجود” (τρόπος Øπάρξεως) في جوهر الله الواحد، ولكنه فضَّل أن يتحدث عنهم ككيان ’أقنومي‘ (شخصي) أساسي (™νυπόστατος) في داخل جوهر الله*، أي إن لهم كيانًا حقيقيًّا وشخصيًّا في الله وأنهم في تلازم وتواجد (احتواء) متبادل فيما بينهم. وكان هذا الأسلوب أكثر تحديدًا وواقعية في الحديث عن حقيقة الأقانيم الإلهية المتمايزة في داخل جوهر الله الواحد[147]، ومن الملاحظ أن ق. كيرلس السكندري قد التقط نفس هذا الأسلوب ـ الذي يعود إلى ق. أثناسيوس ـ في تعليمه اللاهوتي.
  2. 2. كان فهم ق. إبيفانيوس للـ ’هوموأووسيوس‘ بأنه لا ينطبق على كل أقنوم فحسب، بل أيضًا على علاقات الثالوث الداخلية ككل*، مما كان له أكبر الأثر في تعميق إدراكه للتلازم والتواجد (الاحتواء) المتبادل الذي بين الآب والابن والروح القدس في علاقاتهم الأقنومية داخل الجوهر الواحد، حتى إنه استطاع أن يقول عن الروح القدس إنه في “وسط (™ν μέσù) الآب والابن” أو إنه هو “رباط الثالوث (σύνδεσμος τÁς Τριάδος)[148]“. إلاّ أن هذا التعليم لم يكن يتضمَّن أية إشارة إلى تبعية أو خضوع أي من الأقانيم للآخر، لأن كل ما للآب هو للابن وهو للروح القدس. وصدور الابن والروح القدس من الآب، ووجودهما مع الآب، هو بلا أي بداية وبلا أي زمن (¨νaρχως καί ¨χρoνως)؛ إذ لا يوجد ’قبل‘ أو ’بعد‘ فيما يتعلق بالله[149]. وكما قال ق. إبيفانيوس عن الـــــــروح القدس: “لم يـوجد هنـاك (وقت)، لم يكن فيه الروح (القدس) كائنًا (οÙδέ Ãν ποτέ Óτε οÙκ Ãν Πνεàμα)[150]#.
  3. الروح القدس كائن في، ويتدفق من، جوهر الثالوث القدوس الداخلي ومن حياته ونوره، حيث يشترك بصورة مطلقة وكاملة في المعرفة المتبادلة التي بين الآب والابن. ومن هذا المنطلق يحل الروح القدس في وسطنا (™ν μέσù)، منبثقًا من الآب وآخذًا من الابن، ومعلنًا الله لنا، ويجعلنا فيه نشارك في معرفة الله لذاته[151].
  4. 4. ومثله مثل ق. أثناسيوس، رفض ق. إبيفانيوس بشدة أي اتجاه أو تفكير فيه تجزيء لله، سواء فيما هو نحونا (أي فيما يخص عمل الله معنا) أو فيما هو في ذاته (أي فيما يخص عمل الأقانيم الواحد). ولذا اعتبر ق. إبيفانيوس أن إعطاء الله ذاته لنا في الروح القدس هو أمر موحد لا يمكن تجزئته؛ إذ إن المُعطي والعطية هما واحد. كما رأى أنه توجد أعمال متنوعة للروح القدس، ولكن في جميعها، يكون الثالوث هو الذي يعمل بشكل مباشر وخلاَّق، فهناك نعمة واحدة (›ν χάρισμα) فقط، وروح واحد (›ν Πνεàμα)، لأن الله ذاته في ملء كيانه الثالوثي يكون حاضرًا في جميع أعماله من خلق واستعلان وشفاء واستنارة وتقديس[152].

من كل هذا نرى أن ق. إبيفانيوس قدَّم تعليمه عن الروح القدس من منطلق فهمٍ شاملٍ للثالوث القدوس غير المنقسم ككل، وليس فقط من منطلق أن الرئاسة (في الثالوث) هي في الآب وحده (Μοναρχία). وأكَّد إبيفانيوس تأكيداً مشدداً على أن الله واحد مثلث الأقانيم بدون أن يكون في ذلك أي انتقاص من حقيقة وكمال الطبيعة الأقنومية المتمايزة لكل من الأقانيم الإلهية في علاقتهم ببعضهم البعض، ونراه يقول: “وفي إقرارنا بوحدة المبدأ (أو وحدة الرأس) (Μοναρχία) فإننا لا نضلّ، بل نعترف بالثالوث، وحدة في ثالوث وثالوث في وحدة، لاهوت واحد للآب والابن والروح القدس[153]“، ويضيف أيضًا: “يوجد إله حقيقي واحد، ثالوث في وحدة، إله واحد الآب والابن والروح القدس[154]“.

ومن الجدير بالذكر أن صياغة ق. إبيفانيوس لعقيدة الروح القدس ـ انطلاقًا من هذا التعليم ـ كانت هي التي امتدت مباشرةً إلى مجمع القسطنطينية عام 381م وهي: “نؤمن بروح قدس واحد، الرب المحيي، المنبثق من الآب، نسجد له ونمجده مع الآب والابن، الناطق في الأنبياء[155]“.

 

الروح القدس في تعليم ديديموس الضرير

وعلى غرار تعليم ق. إبيفانيوس، طبَّق ديديموس السكندري مفهوم الـ ’هوموأووسيوس‘ النيقي على الثالوث بأكمله[156]، وقد تبنى ديــــديموس كـــذلك صيغــــــة ’جـوهر واحد، ثلاثة أقانيم‘ (μία οÙσία, τρε‹ς Øποστάσεις)[157]. ومثله مثل ق. إبيفانيوس، استخدم ديديموس مرارًا في الحديث عن الأقانيم، مفهوم الكيان ’الأقنومي‘ الأساسي (™νυπόστατος) في داخل جوهر الله[158]، ولكنه استخدم أيضًا مثل آباء كبادوكية وخلاف ق. إبيفانيوس، تعبير ’نمط الوجود‘ (τρόπος Øπάρξεως) وذلك لوصف أنماط الوجود ’الأقنومي‘ المميِّزة للأقانيم الإلهية[159]. وبنفس إصرار القديسين أثناسيوس وإبيفانيوس، أكَّد ديديموس على الوحدانية في الجوهر والربوبية للآب والابن والروح القدس؛ إذ إن كل أقنوم هو الله بالتمام والكمال، وهذا بفضل الطبيعة غير المنقسمة التي لجوهر الله[160]، فالآب في ذاته له الطبيعة الإلهية بكاملها، وهذا صحيح أيضًا بالنسبة للابن وبالنسبة للروح القدس. لأن الآب ليس هو آبًا بعيدًا عن الابن، كما أن الابن ليس هو ابنًا بعيدًا عن الآب وهما بكونهما آبًا وابنًا ليسا كذلك بعيدًا عن الروح القدس، وأيضًا الروح القدس ليس هو روح قدس بعيدًا عن الآب والابن، لأنهم جميعًا وبغير انفصال متلازمون وفي تواجد (احتواء) متبادل في ذات جوهر الله الواحد. فاللاهوت في داخله ثالوثي، والثالوث في جوهره هو واحد ـ وِحدة في ثالوث وثالوث في وِحدة[161].

وقد حرص ديديموس في نفس الوقت، على دحض بدعة سابيليوس الذي علَّم بأن الله أقنوم واحد (unipersonalism)، ومثل الآباء الكبادوكيين وضع ديديموس دائمًا نصب عينيه، حقيقة وجود الأقانيم الثلاثة، وخصوصية وتميُّز كل منهم، وكذلك علاقاتهم (σχέσεις) الأقنومية المتبادلة مع بعضهم البعض داخل جوهر الله الواحد[162]. وقد طبَّق ديديموس مفهوم الـ ’هوموأووسيوس‘ بكل أمانة حتى إنه تحدث عن الأقانيم (Øποστάσεις) الثلاثة بكونها متماثلة بالكامل ومتساوية تمامًا في السلطان والكرامة، ولهذا فالآب ليس أعظم من الابن، كما أنه يمكن أن يُذكر أي من الأقانيم الإلهية أولاً في الترتيب، كما ورد في الكتب المقدسة[163].

وفي مجمل كتاباته ركَّز ديديموس بشكل أساسي على الروح القدس، وكان هذا متفقًا مع تقواه الإنجيلية وحياته الروحية العميقة التي تغذت على ’التقليد السري (mystical tradition)‘ للأسفار المقدسة في العهدين القديم والجديد، والذي يتحدث فيها الروح القدس شخصيًّا إلى الكنيسة على الدوام[164]. وكان ديديموس ينظر إلى الروح القدس بكونه القدوس في ذاته، والمصدر المطلق والحقيقي لكل قداسة، وهكذا فهو يأتي ويسكن فينا في حين هو كائن في الله على الدوام، وهو حاضر في كل الأعمال الإلهية في الخلق والإعلان والفداء والتبرير والتقديس وذلك ليس بصورة جزئية بل بكامل لاهوته. كما رأى ديديموس أن الروح القدس كائن بشخصه (بأقنومه) في كل عطايا الله، وحاضر حضورًا مباشرًا بكيانه الذاتي، حتى أن فيه يكون الله المُعطي والعطية هما واحد تمامًا[165]. وهذا المفهوم الأقنومي للروح القدس عند ديديموس كان يتعلق بعقيدته عن الروح القدس بكونه يصدر ـ بلا زمن وبلا بداية ـ من أقنوم الآب، وقد تحدث ديديموس أيضًا عن صدوره (إرساله) من أقنوم الابن[166]، ولكن هذا بالنسبة لديديموس كان يعني أن سكنى الروح القدس فينا، وعلاقة البنوة للآب التي ننالها من خلال الابن، كلاهما مرتبطان ومتصلان ببعضهما بلا انفصال*[167].

 

الروح القدس في تعليم القديس كيرلس الأورشليمي

وإذا انتقلنا إلى ق. كيرلس الأورشليمي، سنجد أنه في تواصل مع تعليم نيقية ـ وداخل إطار الفكر الكتابي ـ سعى لتقديم عقيدة الكنيسة عن الروح القدس لطالبي المعمودية. وقد رأى أنه بما أن الكتاب المقدس بعهديه مُوحى به من الروح القدس، فينبغي لنا أن نتمسك بما يقوله الكتاب عن الروح القدس حتى نستطيع أن نتكلَّم عنه بشكل صحيح يليق به[168] وبالحقيقة نحن فقط من خلال الروح القدس نفسه نستطيع أن نتحدث عنه بحكمة. ومن هنا رفض ق. كيرلس أن يقول أي شيء عن الروح القدس سوى ما قيل عنه في الكتب المقدسة. ويعلل ذلك بقوله: “إن الروح القدس نفسه هو الناطق في الكتب المقدسة، كما أنه تحدَّث عن نفسه بالقدر الذي يريده، أو على قدر ما نستطيع أن نقبل. فلنتحدث إذن عن الأشياء التي قالها هو نفسه، لأن كل ما لم يقله لا نجرؤ نحن أن نقوله[169]“. ويضيف ق. كيرلس قائلاً، إن الرب يسوع نفسه قال لنا، إنه يوجد إله واحد: الآب والابن والروح القدس، ونحن “يكفينا أن نعرف هذا، فلا تبحثوا بطريقة تخمينية في طبيعته أو جوهره، لأنه لو كان قد كُتب شيء في هذا الشأن لكان يمكننا أن نتحدث عنه. فلا ندع أنفسنا نتجاسر في أن نذهب إلى أبعد مما هو مكتوب، ويكفي لخلاصنا أن نعرف أنه يوجد آب وابن وروح قدس[170]“. وقد يفسِّر لنا هذا التوجه سبب عزوف ق. كيرلس ـ بخلاف الآباء الآخرين المعاصرين له ـ عن التحدث بوضوح عن كل من الروح القدس أو الابن بأنه ’هوموأووسيوس‘ (Ðμοούσιος)[171]، وذلك بالرغم من أنه كان يؤكد بصورة قاطعة أن كلاًّ من الروح القدس والابن هما بلا انفصال، واحد في ذات الجوهر والقدرة مع الآب. وكان ق. كيرلس يرفض تمامًا بدعة سابليوس التي تنادي بأن الله أقنوم واحد، أو بدعة القائلين بأن الله ثلاثة آلهة ـ تلك البدع التي خلطت بين الثلاثة أقانيم أو التي فصلت بين بعضهم البعض[172].

وبرغم هذه القيود التي وضعها ق. كيرلس، إلاّ أنه شعر أنه يجب عليه أن يؤكد ويجزم بأن الروح القدس ليس قوة كونية غير أقنومية ـ مثل ’الروح (πνεàμα)‘ التي كان يتكلم عنها الرواقيِّون ـ بل هو أقنوم (شخص) حقيقي، حيّ، فاعل، عاقل، ناطق، وكائن جوهريًّا في اللاهوت غير المنقسم الذي للثالوث[173]. وقد صاغ ق. كيرلس العبارة تلو الأخرى، ليوضح حقيقة أن الروح القدس على الرغم من كونه قوة الله الفائقة وغير المفحوصة، إلاّ أنه ـ وبصورة أساسية وكاملة ـ أقنوم حقيقي في نمط وجوده الإلهي[174]. ويقول ق. كيرلس عن الروح القدس: “وهو مع الآب والابن ممجد بمجد اللاهوت… لأنه يوجد إله واحد، (الآب) أبو المسيح؛ ورب واحد يسوع المسيح، الابن الوحيد المولود من الله الوحيد؛ وروح قدس واحد*، الذي يقدس ويؤله الكل[175]“. ويضيف ق. كيرلس قائلاً: “الآب يهب كل الأشياء بالابن، وعطايا الآب ليست إلاّ هي بعينها عطايا الابن وعطايا الروح القدس، لأنه يوجد خلاص واحد وسلطان واحد وإيمان واحد؛ إله واحد الآب، ورب واحد ابنه الوحيد، وروح قدس واحد البراكليت[176]“. وهذا الروح حيّ وفعَّال، وهو أقنوم حقيقي كائن جوهريًّا في الله، ومساوٍ في الكرامة للآب والابن، وحاضر معهما على الدوام. وهو بهذا ليس فقط كيانًا حيًّا وعاقلاً بذاته، بل هو مصدر الخلق والتقديس لكل الأشياء التي صنعها الله بالمسيح. إذن فالقديس كيرلس رأى أن الروح القدس هو مصدر الروحانية والاستنارة والعقلانية، ولذلك فهو الذي تدين له كل الطبائع الروحية والعاقلة الأخرى (بعقلانيتها وروحانيتها)[177].

وهنا ـ كما في كل تعليم الآباء الذين كتبوا باليونانية خلال القرن الرابع ـ كان الإيمان بأن حضور الله المباشر، لا يعني أن الله يطغى على (أو يكتسح) الكائنات المخلوقة، ولكنه يعني بالحقيقة أنه يبقيها ويحفظها. وهذا أيضًا صحيح ـ كما أشار ق. باسيليوس وديديموس ـ حتى بالنسبة للمذنبين الذين يقعون تحت حكم الله[178]. وكان تعليم ق. كيرلس الأورشليمي عن الروح القدس في هذا الصدد واضحًا أشد الوضوح؛ إذ تحدث عن حضور الله الذي يعطي الحياة للعالم، بأنه هو نعمة الروح القدس، التي هي مثل الأمطار، لا تتغير عندما تهبط إلى أسفل ولكنها تتكيف مع طبيعة كل مَن يستقبلها. وبينما الروح القدس هو واحد في طبيعته الخاصة، وغير منقسم في ذاته، إلاّ أنه يقسِّم لكل واحد نعمته، وحسب مشيئة الله وباسم المسيح يعمل عجائب كثيرة[179].

ولذا ينبغي علينا، أن ننظر إلى الروح القدس بكونه حضور الله: الخالق والفعّال والمنير، الذي يتفاعل مع مخلوقاته من البشر بالشكل الذي يُبقي على علاقتهم به كمصدر لحياتهم الروحية والشخصية والعقلانية. ويعبِّر ق. كيرلس الأورشليمي عن حضور الروح القدس المميَّز فينا بأنه في حين يأتي (الروح) إلينا ويعمل فينا بقوة الله غير المحدودة، إلاّ أنه لا يعصف بنا بجبروت وعنف، حيث إن حلوله يكون بشكل مختلف تمامًا. ويقول ق. كيرلس: “هو يحل برقة، ونحن نشعر به كالعطر، وحمله خفيف للغاية، وفي حلوله تشع خفقات من نور. هو يأتي بحنو الوصيّ الحقيقي، لأنه يأتي ليخلِّص ويشفي، ليعلِّم ويوبِّخ ويقوي وينصح وينير العقل[180]“. وهذا الربط بين الروح القدس والنور كان شائعًا تمامًا عند آباء القرن الرابع، الذين كثيرًا ما كانوا يشيرون (في شرحهم) إلى النور المخلوق وسلوكه، حتى ما يتمكن الناس (من خلال هذا المثل) من إدراك شيء عن الطريقة الصامتة غير المحسوسة التي يعمل بها الله في خليقته[181]. إذن، فالروح القدس والكلمة الذي صار جسدًا يمكن وصفهما بأنهما “النور المعطي الحياة[182]“، فكما أن في يسوع المسيح “كانت الحياة” التي هي نور للناس، فهكذا أيضًا الروح القدس يعمل بهذا النوع من القوة الهادئة والفائقة السمو. وإذا كان (الله) ضابط الكل هو وحده القادر أن يكون لطيفًا للغاية، فالروح القدس يمكن وصفه بأنه هو لطف الله الآب ضابط الكل.

 

عمل الروح القدس في تكميل وتقديس الكائنات العاقلة      

ويمكننا ربط هذا الفهم الكيرلسي لصفات الروح القدس المميَّزة، بتعليم ق. باسيليوس عن الطريقة التي بها “يتمم الروح القدس كمال الكائنات العاقلة، ويكمِّل امتيازها[183]“. فبما أن الروح القدس لا ينفصل قط في الجوهر أو القدرة عن الآب والابن، فهو متحد بهما في كونهم مصدر (πηγή) وعلَّة (α„τία) كل الأشياء في خلقتها الأولى، غير أن ق. باسيليوس ميَّز بين عمل الآب بكونه ’العلَّة الأصلية أو المصدرية‘ (τήν προκαταρκτικήν α„τίαν) لكل المخلوقات، وبين عمل الابن بكونه ’العلَّة الفعَّالة أو العـاملة‘     (τήν δημιουργικήν α„τίαν)، وبين عمل الروح القدس بكونه ’العلَّة المحقِّقة للكمال‘ (τήν τελειωτικήν α„τίαν)[184]. ويقول ق. باسيليوس: “إن المبدأ الأول لكل الموجودات هو واحد، (الآب)، وهو يخلقها بالابن، ويكمِّلها (أي يُتمم كمالها) بالروح[185]“. وقد نظر ق. باسيليوس إلى عمل الروح القدس على أنه حضور الله مع مخلوقاته في العالم ـ بكامل حريته السيادية ـ ليحقق ويكمِّل قصده (من خلقتهم) في أن يكون البشر في علاقة دائمة ومستقرة مع قداسة الله وربوبيته[186]. واختار ق. باسيليوس أن يستخدم في هذا الصدد كلمتي (τελειοàν)، (τελειωτικός) والتي تحمل المعنى المزدوج للتكميل (أو الكمال) والتقديس معًا[187]. وكانت هذه الكلمات مناسبة جدًّا للتعبير عن إرادة الله في حضوره في البشر من أجل أن يثمر قصده الإلهي من جهة علاقتهم به. ومن خلال حضوره الفائق الوصف في الروح القدس، فإن الله على الدوام يسند مخلوقاته في وجودهم وبقائهم، وبفضل حضوره في داخلهم يحقِّق علاقتهم مع نفسه وبالتالي يصبح هو أساس حياتهم ومصدر استنارتهم. وعلاوة على ذلك، فإن الروح القدس بحضوره يكون هو ’المكان‘ (τόπος) الذي يلتقي فيه الناس مع الله، ويُعطَون إمكانية الشركة معه وقبول إعلانه والدخول في عبادته[188].

واستطاع ق. غريغوريوس النزينزي، صديق ق. باسيليوس، أن يعبِّر عن العلاقة التي يقيمها الله معنا من خلال روحه القدوس بقوله: إن الله، يُدخلنا بنفسه في علاقة مع نفسه[189]. إذن، ففي عملية رفع البشر من أسفل، والعمل داخلهم، والوصول بهم إلى هدفهم الحقيقي في الله، فإن الروح القدس يجعلهم يشاركون في حياة وقداسة الله ذاته، لأن “بلوغهم الكمال” (τελείωσις) هو هو “تقديسهم” (τελείωσις)[190].

وإذا تتبعنا هذا النضوج في فهم عقيدة الروح القدس كما ظهرت في تعليم آباء مثل ق. باسيليوس وق. كيرلس الأورشليمي، فلا يجب أن نغفل المنظور الخريستولوجي العميق الذي ظهر قبلاً عند ق. أثناسيوس، والذي أوضح فيه أنه في ضوء علاقة التلازم والتواجد (الاحتواء) المتبادل التي بين الروح القدس والابن المتجسد نستطيع أن ندرك بالحقيقة عمل الروح في البشر، حيث إنه يقدسهم من خلال علاقتهم مع الله (حيث يأخذ من الابن ويعطيهم). ومن هنا ندرك أن “العلَّة المحقِّقة للكمال” ينبغي أن تُفهم مقترنة بتجسد “علَّة الله الفعَّالة أو العاملة” الذي هو يسوع المسيح.

 

شفاء وتجديد وتكميل وجودنا ’الشخصي‘

لقد صار الابن الأزلي إنسانًا دون أي انتقاص للطبيعة الإنسانية (التي أخذها في تجسده)، بل على العكس كان لها وجود كامل وحقيقي. وهذا يعني في لغة ق. إبيفانيوس وق. كيرلس الأورشليمي أن طبيعة المسيح البشرية قد تشخصَنت أو أُعطيت حقيقة أقنومية في اتحادها بأقنوم ابن الله المتأنس، وقد حدث هذا في يسوع المسيح بطريقة فريدة للغاية. وبالنسبة لنا، فمع أننا كلنا أشخاص في كياننا المخلوق، إلاّ أننا بفضل عمل كلمة الله وروح الله، صار لنا وجود متأقنم* حقيقي في علاقتنا بالله، وفي علاقة كل منا بالآخر. فنحن أشخاص، ولكن ليس بشكل مستقل أو مطلق (أي إن هذا ليس أمرًا نابعًا من ذواتنا)، وإنما بصورة اعتمادية وعرضية، وهذا يعني أننا أشخاص ليس بذواتنا ولكن بآخر أي ’أشخاص مُشَخصَنين‘ والذي يعني باللاتينية (persona personata). ولكن الله هو وحده الشخص الحقيقي في ذاته، وبكونه هو الكمال المطلق للوجود ’الشخصي‘ (الأقنومي)، فإن الله هو المصدر (πηγή) والمُسبب (α‡τιος) لكل واقع ’شخصي‘ آخر، لأنه وحده هو ’الشخص المُشخصِن‘ (persona personans). وبالتحديد من منطلق هذا العمل المُشخصِن، فإن ابن الله “نزل من السماء، وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء، وتأنس”. ولم تحل ألوهية الابن محل الطبيعة البشرية أو تطغى عليها ـ وينطبق هذا أيضًا بالنسبة للعقل البشري والروح البشرية (في المسيح) ـ وإنما ما حدث كان هو العكس تمامًا، ولذلك ينبغي علينا أن نقول إنه لا يوجد إنسان له مثل كمال الطبيعة البشرية المتأقنمة التي للمسيح. ومن هذه الزاوية يتعين علينا بالحقيقة أن ننظر إلى عمل الله في الخلاص والتجديد بالمسيح وفي الروح القدس كما أعلنه لنا الإنجيل، فبدلاً من أن يكتسح طبيعتنا البشرية أو يدمر وجودنا الشخصي، كان حلول الله فينا بالمسيح يسوع وفي الروح القدس هو ما أدى إلى شفاء وتجديد واستعادة وجودنا البشري الشخصي[191]*. وهذا العمل المُشخصِن الذي للروح القدس لا يجب فهمه بمعزلٍ عن فعله التقديسي في المعمودية (والمرتبط باسمه الخاص). وحيث إن روح الله يُدعى “الروح القدس” إعلانًا لهويته الشخصية المميَّزة، فلذلك فإنه في المعمودية المقدسة، يختمنا الروح باسم الله ليتبنانا أبناءً له، ومن خلال حضوره السري فينا كروح الابن وروح الآب فإنه يعطينا أن نصرخ “يا أبا الآب”[192]، وهذا ما يعنيه أن نكون “في المسيح” و “في الروح” في وقت واحد، لأنه بالمسيح وفي الروح القدس نكون باليقين في شركة شخصية مع الله الحي المثلث الأقانيم[193].

 

3ـ انبثاق الروح القدس

 

دور القديس أثناسيوس في وضع أساس عقيدة الروح القدس

كان ق. أثناسيوس، هو الذي وضع الأساس الثابت لعقيدة الروح القدس؛ إذ أوضح أن معرفتنا للروح، في علاقته داخل الثالوث وفي طبيعته الذاتية الإلهية كروح الله، يجب أن تأتي من معرفتنا للابن. كما أنه استخدم مفهوم الـ ’هوموأووسيوس‘ (Ðμοούσιος) في الحديث عن الروح القدس بالضبط كما استخدمه من قبل في الحديث عن الابن[194].

ويقول ق. اثناسيوس عن الروح القدس:

-“الـــــــــــــــروح القــــــــــــــــــــــدس ينبثـــــــــــــــــــــــــــــــــــق مــــن الآب (παρά τοà Πατρός ™κπορεύεται)؛ وإذ هو خـــاص* بـالابن (καί τοà Υι̉οà ‡διον Ôν) فإنه يُعطى منه (أي يُرسل من الابن) (παρ’ αÙτοà δίδοται) للتلاميذ ولكل الذين يؤمنون به[195]“.

-“الـــــروح القـدس ينبثق من الآب، ويأخــــــذ# منه (مـــــن الابن) (καί ™κ τοà αÙτοà λαμβάνει) ويعطي[196]“.

-“الروح القدس يأخذ من الابن (™κ τοà Υ…οà λαμβάνει)[197]“.

-“فــإن كــــان الابـن هو من (™κ) الآب وخـــــاص بجـــــــوهره  (‡διος τÁς οÙσίας αÙτοà)، فإن الروح القدس الذي هو من (™κ) الله (الآب) لا بد أيضًا أن يكون خاصًّا بجوهر الابن من جهة كيانه* (‡διον ε‡ναι κατ’ οÙσίαν τοà Υ…οà)[198]“.

-“ولأن الروح واحد، بل ولأنه خاص بالكلمة الذي هو واحد، فهو خاص بالله الذي هو واحد وله ذات الجوهر الواحد (Ðμοούσιον) معه … وفي الطبيعة والجوهر، (هو مختلف عن المخلوقات ولا يوجد شيء خاص أو مشترك بينه وبينها) ولكنه هو (أي الروح) خاص بلاهوت الابن وجوهره وليس غريبًا عنه، وكذلك بالنسبة للثالوث القدوس[199].”

وكان ق. أثناسيوس قد وضع أساس عقيدة الروح القدس وعلاقته الكيانية مع الآب والابن، في أثناء جداله مع الأريوسيين[200]، وأوضح أن الابن ليس مختلفًا في الجوهر (˜τερούσιος) عن الله (الآب)، ولا غريبًا (¢λλότριος) عن طبيعته، بل له ذات الجوهر الواحد (Ðμοούσιος) والطبيعة الواحدة (Ðμοφυής) معه. وبالمثل أيضًا لا بد أن ننظر إلى الروح القدس بكونه له ذات الجوهر الواحد (Ðμοούσιος) مع الله (الآب)، ولا يمكن فصله عن الابن، لأن الثالوث القدوس غير قابل للانقسام وذو طبيعته واحدة (Ðμοφυής)[201]. وبينما تردد ق. باسيليوس وق. كيرلس الأورشليمي في استخدام مفهوم ’الوحدانية في ذات الجوهر‘ في تعليمه عن الروح القدس، نجد ق. غريغوريوس النزينزي غير متردد بالمرة ـ مقتفيًا في ذلك أثر ق. أثناسيوس ـ في أن يقول: “هل الروح القدس هو الله؟ بكل يقين. إذن هل هو ’هوموأووسيوس‘(Ðμοούσιος)؟ نعم، طالما هو الله[202]“. وعندما اجتمع مفهوم ’الوحدانية في ذات الجوهر‘ (Ðμοούσιος) مع مفهوم أن الأقانيم ’كيان شخصي أساسي في داخل جوهر الله‘ (™νυπόστατος) ـ مثلما ظهر بقوة عند ق. إبيفانيوس ـ صار الطريق مفتوحًا لفهم أعمق للثالوث، ولعقيدة انبثاق الروح القدس من جوهر الآب في توازٍ مع ما قد تم بالنسبة لعقيدة الابن التي أقرَّها مجمع نيقية.

 

’ما هو‘ الله الآب نحونا بابنه في الروح القدس، هو نفس ’ما هو‘ الله أزليًّا في ذاته

وفي تطبيق الـ ’هوموأووسيوس‘ (Ðμοούσιος) على علاقة الابن المتجسد بالله الآب، عبَّر آباء نيقية بدقة عن إيمانهم، بأن ’ما هو‘ الله نحونا ـ في إعلانه وعمله الخلاصي بيسوع المسيح ـ هو نفس ’ما هو‘ الله أزليًّا في ذاته. ولذا أكَّد الآباء أيضًا أن المسيح هو “من جوهر الآب (™κ τÁς οÙσίας τοà Πατρός)، إله من إله، نور من نور، إله حق من إله حق”. وكان هذا الفكر ينطوي على تحركٍ في اتجاهين معًا وهو أن: ’ما هو‘ الله نحونا (بابنه المتجسد) هو نفس ’ما هو‘ الله في ذاته، و’ما هو‘ الله في ذاته هو نفس ’ما هو‘ الله نحونا. فالآب والابن يتواجد كل منهما في الآخر (ويحتوي كل منهما الآخر) في جوهر الله الواحد، وكما عبَّر عن ذلك ق. إبيفانيوس وديديموس فإن كلاًّ منهما يتواجد ’أقنوميًّا‘ في الآخر، أي إنه فيما يتعلق بحقيقتيهما الأقنومية المتمايزة فإن كلاًّ منهما هو ’الله بالكامل‘ (Óλος Θεός). وقد اتضح لنا ـ كما رأينا ـ أن عقيدة نيقية في الروح القدس، كما هي بالنسبة للآب والابن،  كانت تنطوي على نفس الفكر ’الثنائي الاتجاه ‘، وذلك بفضل علاقة التلازم والتواجد (الاحتواء) المتبادل بين الروح القدس وكل من الآب والابن. وكان إيمان الكنيسة بالنسبة للروح القدس ـ كما ظهر في كل خبرتها وتسبيحها ـ هو أن أعمال الروح المميَّزة: في النطق على لسان أولاد الله (في الكتب المقدسة)، وفي الخلاص، والاستنارة، والتقديس، والتحرير، يُنظر إليها بكونها أعمالاً إلهية؛ لأنه في الروح القدس يكون كياننا البشري تحت التأثير المباشر لكيان الله الخالق والضابط الكل ومصدر كل وجود. ومن هنا كان الاعتراف بأن الروح القدس، في طبيعته وكيانه الذاتي، يعمل فينا كل أعماله الإلهية بما يهبنا من بركة ونعمة*، لأن الروح ـ وكما هو الحال بالنسبة للابن ـ ينتمي إلى ويتدفق من الجوهر الداخلي للاهوت. ولذا يقول ق. إبيفانيوس: “عندما تنطق بالـ ’هوموأووسيوس‘، فإنك تؤكد بأن الابن إله من إله، وأن الروح القدس أيضًا هو إله من نفس اللاهوت[203]“.

وهنا أيضًا نجد تحركًا في اتجاهين معًا وهو أن: ’ما هو‘ الروح القدس نحونا هو نفس ’ما هو‘ الروح في ذاته، و ’ما هو‘ الروح القدس في ذاته هو نفس ’ما هو‘ الروح نحونا. فالروح القدس هو مع الآب والابن على الدوام، في علاقة تواجد (احتواء) متبادل معهما في جوهر الله الواحد، ولكن علاقة التواجد ’الأقنومي‘ المتبادل هذه تكون بحيث إنه، في جوهر الله الواحد، الروح القدس يكون دائمًا هو روح قدس، كما أن الآب هو دائماً آب، والابن هو دائمًا ابن، وكل من الأقانيم الثلاثة هو بالحقيقة “الله بالتمام والكمال” كما كان ق. إبيفانيوس يحب أن يقول[204]. أي إن الروح القدس ينتمي إلى الجوهر الداخلي الذي لله الواحد، كما ينتمي إلى العلاقات الداخلية التي للاهوت كآب وابن وروح قدس. فالروح القدس ليس إضافة بالنسبة للثالوث، لأن الله الآب لا يكون الآب ولا الله الابن يكون الابن بدون الله الروح القدس. ولذلك هناك عمل إلهي واحد: الذي هو من الآب بالابن في الروح القدس، لأن كل ما هو للآب وللابن هو أيضًا للروح القدس ما عدا كونهما ’آبًا‘ و’ابنًا‘[205].

ومن هنا استطاع ق. غريغوريوس النزينزي أن يتحدث عن الروح القدس أنه في وسط الآب والابن[206]، كما استطاع ق. باسيليوس أن يتحدث عن الشركة (κοινωνία) التي للروح مع الآب والابن (في الطبيعة والجوهر)، وأن يجد في تلك الشركة (κοινωνία) وحدانية اللاهوت[207]. وبالمثل فإن ق. إبيفانيوس قد تحدث عن الروح القدس بأنه “في وسط الآب والابن”، بل واستطاع حتى أن يقول عنه إنه “رباط الثالوث[208]“. غير أن أغسطينوس قد تمادى في هذا المفهوم عن الروح القدس لدرجة إنه قال عن الروح إنه (سبب) “شركة الآب والابن في ذات الجوهر الواحد”*، وأنه هو “الحب المتبادل الذي به يحب الآب والابن كل منهما الآخر[209]“. وكان النمو الذي حققه الفكر اللاهوتي النيقي قد أدرك أن علاقات التلازم والتواجد (الاحتواء) المتبادل بين الآب والابن والروح القدس والتي أُعلنت في أعمال الله الخلاصية بالمسيح وفي الروح القدس، ليست مجرد مظاهر وقتية لطبيعة الله بل هي ثابتة وأزلية في داخل الجوهر الواحد للثالوث[210]. ويقول ق. إبيفانيوس: “إن الله واحد، الآب في الابن والابن في الآب مع الروح القدس،… آب أقنوم حقيقي، وابن أقنوم حقيقي، وروح قدس أقنوم حقيقي، ثلاثة أشخاص (أقانيم) ولاهوت واحد، جوهر واحد، مجد واحد وإله واحد. وعندما تفكر في الله (الواحد) فأنت تفكر في الثالوث، ولكن دون أن تخلط في ذهنك بين الآب والابن والروح القدس. لأن الآب هو الآب، والابن هو الابن، والروح القدس هو الروح القدس، ولكن دون أن يكون في (هذا) الثالوث أي انحراف عن الوحدانية والتطابق[211]“.

وفي ضوء نضوج عقيدة الثالوث هذه، والتي تجمع بين مفهوم الجوهر الإلهي الواحد ومفهوم الوحدة الداخلية التي للأقانيم الإلهية الثلاثة، فإننا نستطيع أن نتطرق بشكل أفضل إلى موضوع انبثاق الروح القدس.

 

انبثاق الروح القدس في تعليم القديس أثناسيوس

يخبرنا ق. أثناسيوس أنه في سياق الحوار حول الثالوث والوحدانية، أثار ديونيسيوس السكندري موضوع انبثاق الروح القدس، وذلك قبل مجمع نيقية بوقت طويل. ففي دفاعه عن مفهوم ’وحدة المبدأ (الرأس)‘ (Μοναρχία) ضد بدعة القول بأن الله ثلاثة آلهة (tritheism) أو البدعة القائلة بأن الله أقنوم واحد (unipersonalism)، أصَّر ديونيسيوس على أن يأخذ الروح القدس في الاعتبار من ناحية “مِن أين، وممن ينبثق”، وقد أشار إلى الشركة (κοινωνία) التي بين الآب والابن، وقال: “(الآب والابن) الذيّن في يديهما الروح القدس، الذي لا يمكن أن ينفصل عن ذاك الذي يرسله أو عن ذاك الذي ينقله[212]“.

وكان هذا هو الموقف الذي تبنَّاه ق. أثناسيوس نفسه، حيث قال: “الروح القدس الذي ينبثق من الآب، هو دائمًا في يديّ (لدى) الآب الذي يرسله والابن الذي يعطيه[213]“. إلاّ أن هذا الفكر اكتسب قوةً وثباتًا عند ق. أثناسيوس بفضل عقيدته عن علاقة التلازم والتواجد (الاحتواء) المتبادل بين الأقانيم الإلهية الثلاثة، حيث نجده يقول: “الروح (القدس) ليس خارج الكلمة، بل إذ هو في الكلمة فهو في الله بالكلمة[214]*. وبما أننا نأخذ معرفة الروح القدس الحقيقية ـ بحسب تعليم ق. أثناسيوس ـ من معرفة الابن، على أساس وجود الروح في الابن وفي الله، فإن عطية الروح القدس لا بد أن تأتينا “بالمسيح ومن المسيح” علاوة على أنه “من الآب”، لأن الروح القدس مثل الابن هو “في الله” و “من الله[215]“.

إذن فبالنسبة للقديس أثناسيوس، كان انبثاق الروح القدس من الآب مرتبط ارتباطًا وثيقًا “بولادة الابن من الآب والذي يفوق ويسمو فوق أفكار الناس[216]“. وحيث إنه لا يكون من التقوى أن نسأل عن كيفية انبثاق الروح القدس من الله، فقد رفض ق. أثناسيوس أن يتناول مثل هذا السؤال. وهكذا لم تكن مشكلة ما يُسمّى “بالانبثاق المزدوج” للروح القدس، واردة من الأصل عند ق. أثناسيوس[217]، بل كان كل تركيزه ينصب على فهم أن الروح القدس هو “من جوهر الله” و”من الله” وذلك في ضوء مفهوم الـ ’هوموأووسيوس‘ وفي ضوء تفسير نيقية بأن “من الآب” تعني “من جوهر الآب” (™κ τÁς οÙσίας τοà Πατρός). وبالتالي كان تطبيق ق. أثناسيوس لمفهوم الـ ’هوموأووسيوس‘ على الروح القدس، له أثره ليس فقط في التأكيد على أن الروح القدس له ذات الجوهر الواحد مع الآب، ولكن أيضًا في كون انبثاق الروح هو من جوهر الآب وليس من أقنوم (Øπόστασις) الآب[218]. وبالنسبة للقديس أثناسيوس، كانت حقيقة أن الابن والروح القدس كلاهما من جوهر الله الآب، إنما تعني أن الله له فعل ونشاط واحد وهو الذي يظهر في الأعمال المتمايزة للأقانيم الإلهية الثلاثة، ودائمًا ما يأخذ شكل تحرك واحد “من الآب، بالابن في الروح القدس[219]“.

 

تعليم الآباء الكبادوكيين عن الثالوث وانبثاق الروح القدس

واستلم آباء كبادوكية هذا الإيمان بالثالوث من ق. أثناسيوس، ولكنهم كما رأينا دعوا إلى تمييز واضح بين الجوهر (οÙσία) وبين الأقنوم (Øπόστασις) لكي يتمكنوا من تسليط الضوء على أقانيم (أشخاص) الآب والابن والروح القدس في أنماط وجودهم المختلفة وخصوصياتهم المميَّزة. فعلاقة الابن الخاصة بالآب الذي هو مولود منه بالتحديد كابن، تختلف تمامًا عن علاقة الروح القدس الخاصة بالآب الذي هو منبثق منه بالتحديد كروح مثل نفخة من الفم[220]. وكان هذا التمييز الواضح بين ’الأبوة‘ و’البنوة‘ و’الانبثاق‘ له أثره في تحويل التركيز (في الشرح والتعليم) إلى الأقانيم (Øποστάσεις) الإلهية الثلاثة، مع الاحتفاظ بكونهم ـ بفضل طبيعتهم الإلهية المشتركة ـ لهم جوهر إلهي واحد (μία οÙσία)[221]. إذن، شركة الطبيعة الواحدة لا يمزقها تمايز الأقانيم، كما أن خصوصية وتمايز الأقانيم لا يربكها شركة الجوهر الواحد[222]. والابن يصدر من الآب بطريقة تتناسب مع الابن كابن ’بالولادة‘، والروح القدس يصدر من الآب بطريقة تتناسب مع الروح كروح ’بالانبثاق‘، وكل من ولادة الابن وانبثاق الروح أمر لا يُنطق به[223].

       ومما يُذكر أن آباء كبادوكية عندما تحدثوا عن صيغة “جوهر واحد، ثلاثة أقانيم” (μία οÙσία, τρε‹ς Øποστάσεις) كان ذلك على أساس فهمهم بأن علاقة الجوهر (οÙσία) بالأقنوم (Øπόστασις) هي مثل علاقة ’العمومي‘ (أو المشترك) بالخصوصي (أو المميَّز)، وقد لجأوا في شرح الوحدانية والتثليث في الله إلى الاستعانة بتشبيه بدا خطيرًا وهو ’ثلاثة أشخاص مختلفين، لهم طبيعة واحدة مشتركة‘، مما جعلهم موضع شك (ممن حولهم) في ميلهم بنوع ما إلى البدعة التي تنادي بثلاثة آلهة لهم طبيعة مشتركة (tritheism). وقد أنكر الآباء الكبادوكيون هذا الاتهام ورفضوه بشدة، كما يتضح لنا ذلك في كتاب ق. غريغوريوس النيصي: ’في أنه لا يوجد ثلاثة آلهة‘[224].

وقد سعى هؤلاء الآباء إلى الحفاظ على وحدانية الله من خلال التأكيد على أن الله الآب ـ الذي هو غير مولود وغير معلول ـ هو الرأس الواحد أو مبدأ (¢ρχή) وعلة (α„τία) الابن والروح القدس، على الـــــرغم من أن هذا المفهوم لا يعني أنه هناك أي فاصل في الوجود أو الزمان أو المكان بينهم، وبدون أن يكون هناك “قبل” أو “بعد” في ترتيب وجودهم. وقد تضمَّن هذا التعليم مفهومًا ’سببيًّا‘ خاصًّا، كان له تأثيره ونتائجه المباشرة[225]. وهـذه النظرة إلى الآب باعتبـاره المبدأ الموحِّـد في اللاهـــوت كان قد قدمها بقوة ق. غريغوريوس النيصي حتى إنه استطاع أن يقول عن الابن والروح إنهما ’معلـولان‘ (α„τιατοί) بواسطة الآب، وذلك ليــس من جهة طبيعتهما ولكـن مـن جهـة نمــط وجودهما. وفي نفـس الوقت اعتقـد ق. غريغوريوس أن كيان الروح القدس متأسس في كيان الآب من خلال كيان الابن[226].

وهنا تظهر مشكلة من شقين، نستطيع أن نلاحظها بوضوح في كلام ق. غريغوريوس النيصي عن انبثاق الروح القدس؛ إذ يقول: “إن الروح القدس الذي هو مصدر كل الأشياء الصالحة في الخليقة، مرتبط (متصل) بالابن، ولا يُدرَك إلاّ متصلاً به. أما كيانه فيعتمد فيه على الآب كعلةٍ له، ومنه أيضًا هو ينبثق. ومن العلامات المميّزة لطبيعته الأقنومية أنه يُعرف بعد الابن ومعه، وأنه كذلك يستمد كيانه من الآب[227]“. ففي الشق الأول من المشكلة، نجد أنه في رفض آبـــــاء كبـادوكـية للاتهــام بـأنهـم في تمييزهـم بـين الأقــانيـم الثلاثـة ـ بأنماط الوجود المتمايزة ـ أشاروا ضمنيًّا بوجود ثلاثة “مبادئ” (¢ρχαί) إلهية، وكذلك في محاولتهم الحفاظ على وحدة (›νωσις) اللاهوت بإرجاع الثلاثة أقانيم إلى ’مبدأ‘ (رأس) (¢ρχή) واحد أو ’علة‘(α„τία) واحدة في الآب، فإنهم قد فعلوا هذا على حساب تفرقة خاطئة ومدمرة بين ألوهية الآب باعتبارها “غير مستمدة أو غير معلولة” وبين ألوهية الابن والروح القدس باعتبارها “مستمدة أو معلولة” أزليًّا[228]. أما الشق الثاني فيتجلى في كون آباء كبادوكية في تمييزهم بين أقانيم الثالوث القدوس، وضعوا العلاقات الداخلية بين الآب والابن والروح القدس في بناء متسلسل من السببية والترتيب المنطقي أو في ’سلسلة‘ من الاعتمادية “من خلال الابن[229]“، وذلك بدلاً من النظر إلى الأقانيم، مثل ق. أثناسيوس، من جهة تواجدهم (احتوائهم) المتبادل فيما بينهم، ومن خلال كليتهم غير المنقسمة والتي فيها كل أقنوم هو “كل الكل[230]“. ولو كان الآباء الكبادوكيون لم يعطوا كل هذا التركيز لمفهوم ’السببية‘ في الله، ولو أنهم اهتموا أكثر بما وصف به ق. أثناسيوس الابن بأنه “إرادة الله الحية”[231]، لكان ذلك أفضل بكثير. وفي هذا الشأن نجد أن ق. غريغوريوس النزينزي كان هو الأقرب للقديس أثناسيوس؛ إذ قد أكَّد على وحدانية الجوهر والعمل والإرادة في الله[232].

وبينما قدَّم ق. غريغوريوس النزينزي تقريبًا نفس التعليم الذي قدَّمه زملاؤه الكبادوكيون، إلاّ أنه كان أكثرهم مرونة في استخدام المصطلحات اللاهوتية، وكان له مفهوم أكثر قربًا للقديس أثناسيوس بالنسبة لوحدة الله ووحدة اللاهوت الكاملة، ليس فقط بكونها أوليًّا في الآب، ولكن بكونها في كل أقنوم، وكذلك بكونها في جميعهم ككل[233]. غير أن ق. غريغوريوس أيضًا ـ مثله مثل بقية الآباء الكبادوكيين ـ استخدم لغة تنطوي على ’السببية‘ في إرجاعه ألوهية الابن وألوهية الروح القدس إلى مبدأ (رأس) (¢ρχή) واحد في اللاهوت[234]، ولكنه مع هذا كان أكثر إدراكًا من غيره بالصعوبات التي يتضمَّنها هذا المفهوم فنراه يقول: “أود أن أدعو الآب أعظم؛ إذ إن مساواة وكيان الأقانيم المتساوية هي منه، ولكني أفزع من كلمة ’مبدأ‘ (τήν ¢ρχήν) لئلا أجعل الآب ’مبدأ‘ لمَن هم أدنى منه، وأكون بذلك قد أهنته بفكرة الأسبقية في الكرامة… لأنه لا يوجد أعظم أو أقل عظمة بالنسبة لكيان الأقانيم التي لها ذات الجوهر الواحد[235]“. كما كتب أيضًا: “إننا لا نكرم الآب بأن نعطي مَن يصدر عنه (أي الابن والروح القدس) درجات غير مساوية من الألوهة … واعتبار أي من الثلاثة أقانيم في مرتبة أدنى إنما يعني الإطاحة بالثالوث (كله)[236] “. وبالرغم من أن ق. غريغوريوس النزينزي تحدث عن الآب بكونه ’المبدأ‘(¢ρχή) و’العلة‘ (α„τία) بهدف الحفاظ على وحدة اللاهوت، إلاّ أن هذه المصطلحات كانت في ذهنه تشير إلى علاقات (σχέσεις) كائنة في داخل الله، والتي تتخطى كل زمن (¨χρoνως) وكل بداية (¨νaρχως) وكل سبب (¨ναιτiως)[237]. وهذا المفهوم للعلاقات الإلهية أخذه ق. كيرلس السكندري فيما بعد، إلاّ أنه دَعمه برفضه لأي فكر ينطوي على ’السببية‘ داخل الثالوث القدوس[238].

وعلاوة على هذا، ظلت هناك مشكلة إضافية (فيما يتعلق بتعليم الآباء الكبادوكيين) وهي السؤال: هل ’كيان‘ الابن والروح القدس هو الذي يمكن إرجاعه إلى أقنوم الآب، أم ’نمط وجودهما‘ الأقنومي[239]؟ وقد سعى ق. غريغوريوس النيصي للرد على هذه النقطة ـ رغم عدم استمرار ثبات رأيه ـ حيث أوضح في كتابه ’أفكار شائعة‘ أن لفظ ’الله‘ (Θεός) (الذي يُطلق على أي من الأقانيم الثلاثة) إنما يشير إلى ’الجوهر‘ (οÙσία) ولا يشير إلى أقنوم (Øπόστασις)، وبالتالي فإن الآب ليس الله بفضل أبوته بل بفضل جوهره، وإلاّ فلا يكون الابن ولا الروح القدس هو الله. ورغم ذلك وفي نفس الوقت، عاد ق. غريغوريوس النيصي ليقول: في الثالوث القدوس، كل شيء يصدر من الآب بكونه مركز الوحدة، وهو الذي يُسمى ’الله‘ بكل معنى الكلمة، لأن في ’أقنومه‘ (Øπόστασις) يستقر مبدأ (رأس) (¢ρχή) اللاهوت[240]. والنتيجة التي يمكن أن نراهـــا هنـــا من خـــــلال هذا العــــرض المتســـلسـل، أن الابن والـــروح القـــدس لا يستمــــدان ’ألوهيتهما‘ من الآب، ولكن فقط ’أقنوميهما‘ (Øποστάσεις) أو نمطي وجـودهما     (τρόποι Øπάρξεως) المتمايزين، لأن جوهر (οÙσία) اللاهوت هو واحد وهو ذاته في الكل. ومن هذا المنطلق نستطيع أن نعتبر أقنومي الابن والروح القدس يصدران من، ويعتمدان من جهة ’علتهما‘ على، أقنوم  Øπόστασις)أو (πρόσωπον الآب[241].

وقد حاول آباء كبادوكية شرح عقيدة الثالوث بدقة أكثر من خلال ما استخدموه من مصطلحات تعبِّر عن خصوصية وتمايز الأقانيم (الأشخاص) الإلهية الثلاثة. ولكن هؤلاء الآباء وضعوا الكنيسة أمام مشكلة من شقين: الأول يتعلق بأهمية أبوة الله، والثاني يخص وحدانية الثالوث. فمن جهة كان مصطلح ’آب‘ يُستخدم في الكنيسة الأولى ليشير إلى ’جوهر اللاهوت‘ وأيضًا إلى ’أقنوم الآب‘ دون الفصل أو الخلط بينهما قط، ولكن الآباء الكبادوكيين دمجوا هذين المعنيين للأبوة دمجًا كاملاً. ومن الجهة الأخرى وفي نفس الوقت كان أسلوبهم في التمييز بين ’الجوهر‘(οÙσία) كمفهوم عمومي وبين ’الأقنوم‘(Øπόστασις) كمفهوم خصوصي، قد أدى إلى التحول: من التركيز على ’الهوموأووسيوس‘ (أي الوحدانية في ذات الجوهر) (Ðμοούσιος) بكونه مفتاح التطابق والوحدانية والعلاقات الداخلية للثالوث، إلى التركيز على الأقانيم الثلاثة المتمايزة بكونها موحدة من خلال ’وحدة المبدأ (وحدة الرأس)‘ (Μοναρχία) التي في الآب ومن خلال أن لها جوهرًا واحدًا مشتركًا[242]. وهكذا كان المحور الرئيسي لتعاليم الآباء الكبادوكيين ـ وحتى مع كل الحرص والتحفظ ـ هو جعل الأقنوم الأول من الثالوث أي أقنوم الآب هو ’المبدأ‘ (الرأس) (¢ρχή) أو ’العلة‘ (α„τία) أو ’المصدر‘ (πηγή) الوحيد للألوهة (Θεότητος). ورغم قولهم بأن كل ما للآب هو للابن وكل ما للابن هو للآب[243]، إلاّ أن الاتجاه العام لديهم كان يُضعف مقولة ق. أثناسيوس بأن كل ما نقوله عن الآب نقوله عن الابن وعن الروح القدس ما عدا (كونه) ’آبًا‘[244]. وبالنسبة للقديس أثناسيوس كما للقديس ألكسندروس، كان مفهوم أن الآب وحده هو ’المبدأ‘ (الرأس) (¢ρχή) على هذا النحو، إنما يُعتبر مفهومًا أريوسيًّا[245]، لأن قناعة ق. أثناسيوس هي أنه: بما أن اللاهوت بكامله هو في الابن وفي الروح القدس، لذلك لا بد من اعتبارهما مع الآب في نفس ’المبدأ‘ (الرأس) (¢ρχή) الواحد ـ الذي لا مصدر له ـ الذي للثالوث القدوس[246].

ورغم أن أسلوب آباء كبادوكية في شرح عقيدة الثالوث ’جوهر واحد، ثلاث أقانيم‘ (μία οÙσία, τρε‹ς Øποστάσεις) قد ساعد الكنيسة على فهمٍ أغنى وأعمق لأقانيم الثالوث القدوس في أنماط وجودهم المتمايزة، إلاّ أن هذا كان على حســـاب استبعـــــاد المعنى الحقيقي للأوســـيا (οÙσία) بكـونه ’الجوهر في علاقاته الداخلية‘، وعلى حســـاب سلب مفهوم الأوسيا (οÙσία) معناه ومدلوله الشخصي (الأقنومي) العميق الذي برز بشدة في مجمع نيقية*. وعلاوة على ذلك، كان الفهم الكبادوكي (للثالوث) يحمل غموضًا كبيرًا: فعلى الرغم من أن ما يُسمى بـ ’النسق الكبادوكي‘ في شرح الثالوث كان يرفض فكرة وجود ترتيب أو درجات (مراتب) (subordinationism) بين الأقانيم، إلاّ أنه من جهة أخرى كان يحوي ضمنيًّا وجود بناء (أو ترتيب) متدرج        (hierarchical structure) داخل اللاهوت ـ وقد أدى هذا الغموض إلى ارتباك في الفكر داخل الكنيسة، كما أنه فتح الطريق للانقسام.

 

انبثاق الروح القدس في تعليم ديديموس الضرير

وفي هذا الوقت، ظهر أثر المناقشات التي تلت نيقية على فكر ديديموس الضرير فيما يخص انبثاق الروح القدس. وقد ربط ديديموس بحكمة ـ كما رأينا ـ بين عقيدة الثالوث: ’جوهر واحد، ثلاثة أقانيم‘ وعقيدة ’الوحدانية في ذات الجوهر‘ للثالوث ككل. فبينما كل من الآب والابن والروح القدس هو متمايز تمامًا، إلاّ أن كل واحد منهم هو الله بكل المعنى المطلق للكلمة، وهو في تلازم وتواجد (احتواء) متبادل مع الأقنومين الآخرين، وبدون أي انقسام داخل وحدانية جوهرهم الإلهي وطبيعتهم الإلهية. وكان ديديموس هو الأقرب إلى تعليم ق. غريغوريوس النزينزي عن الابن والروح القدس بكونهما يصدران ’أقنوميًّا‘ بالولادة والانبثاق من الآب قبل كل زمان وكل بداية، فيقول ديديموس: “نحن نعترف أن الروح القدس هو الله، وفي ذات الجوهر الواحد مع الآب والابن، وهو معهما دون أي بداية (συν£νaρχως)، وهو ينبثق من الله الآب جوهريًّا[247]“. إلاّ أن ديديموس كان كثير التأكيد على أن هذا يعني الانبثاق من أقنوم (Øπόστασις) الآب[248]. وقد كتب يقول، وكما أن الابن يصدر من الآب عن طريق الولادة بطريقة تتناسب معه بكونه ابنًا (υ„ϊκîς)، فكذلك أيضًا الروح القدس يصدر من الآب عن طريق الانبثاق بطريقة تتناسب معه بكونه الروح (πνευματικîς)، ولكن لا الولادة ولا الانبثاق كانا بالفعل الإرادي أو الخلق (δημιουργικîς)[249]. وفي مرة نادرة تحدث ديديموس عن علاقات الثالوث بصيغة تنطوي على ’السببية‘، ولكن لم يشكل هذا الفكر عند ديديموس بعدًا رئيسًا في تعليمه كما كان لدى آباء كبادوكية[250].

وتكمن أهمية ديديموس في أنه رغم كونه ينتمي في الأساس لنفس توجه ق. أثناسيوس (في شرح الثالوث)، إلاّ أنه نزع إلى استبدال صيغـة نيقية عن كــــون الابن (وأيضًا الـــروح القدس) “من جوهر الآب” (™κ τÁς οÙσίας τοà Πατρός) بصـيغة “مـــن أقنــــوم الآب”* (™κ τÁς Øποστάσεως τοà Πατρός)[251]. ومع هذا فقد دافع ديديموس عن حقيقة وحدانية الروح القدس مع الله (الآب) في ذات الجوهر وأنه (أي الروح) هو إله من إله، ولذا ينبغي النظر إليه بأنه يأتينا بكيانه الفعلي وليس فقط في نشاطه وأعماله، لأن الله نفسه يكون هو محتوى إعطائه ذاته لنا في الروح القدس. ولذا عرَّف ديديموس انبثاق الروح من أقنوم الآب بأنه انبثاق أزلي ’من الله‘، لأن الروح القدس والابن يتواجدان جوهريًّا وطبيعيًّا معًا، ويصدران في آنٍ واحد وعلى الدوام من الآب داخل وحدة الثالوث القدوس[252].

وجدير بالذكر أن ديديموس قد أراد بالتأكيد أن يتجنب تقديم مفهوم وحدانية اللاهوت من خلال اعتبار أن صدور الابن والروح من أقنوم الآب هو بسبب أنه هو المصدر (أو الرأس) (¢ρχή) الوحيد للألوهة، وبالتالي يتجنب أي ترتيب أو درجات (subordinationism) أو تفرقة في المكانة بين ألوهية الآب غير المستمدة، وألوهية الابن والروح القدس ’المستمدة‘ من الآب. صحيح أن الابن والروح القدس يستمدان نمطي وجودهما المتمايزين من خلال ’الولادة‘ و ’الانبثاق‘ من أقنوم الآب، ولكن هذا لا يساوي في المعنى أبدًا اعتبار أن الآب هو المتسبب في وجودهما. لذلك عندما تحدث ديديموس عن صـــــدور الــــــروح من أقنـــــــوم الابن كما من أقنـــــــوم الآب داخل وحـــــــدانية الجــــــــــوهر غير المنقسمة التي للثـــــــالوث القـــــدوس، لم يكـــــن يعني أن الروح القدس قد أخذ نمط وجـــــــــوده بالابن أو أن هناك مبـــــــدآن إلهيان (في اللاهوت)، بل أن هذا كــــــان له علاقة بأن الـــــــروح القـــــدس كائن في الابن* وبأنه هو والابن في شركة الطبيعة الواحدة (والجوهر الواحد) مع الآب[253].

 

 

انبثاق الروح القدس في تعليم القديس إبيفانيوس

أما ق. إبيفانيوس، فقد تناول مسألة انبثاق الروح القدس وقام بتوضيحها من خلال الرجوع إلى التعليم الرئيسي الذي أرساه ق.أثناسيوس والبناء عليه. وكان ق. أثناسيوس قد علَّم بأن: الروح القدس الذي ينبثق من الآب، هو دائمًا في يديّ الآب الذي يرسله والابن الذي ينقله، باعتبار أن الروح هو للابن أو خاصّ به، ومنه (أي من الابن) يأخذ الروح*. وبما أن الروح مثله مثل الابن هو من جوهر الله الآب، وأنه خاص بالابن، فلا يمكن إلاّ أن ينبثق من جوهر الله ومن غير انفصال عن الابن. وبطبيعة الحال، فإن فكرة أن الروح القدس يستمد كيانه من أقنوم الابن لم تكن ولا يمكن أن تكون واردة على الإطلاق عند ق. أثناسيوس[254].

ويمكننا أن نسمع صدى هذا التعليم عند ق. إبيفانيوس، حيث كتب في كتابه ’المُثبَّت بالمرساة‘ (Anchoratus) إن “الروح القدس هو على الدوام مع الآب والابن، وهو ينبثق من الآب، ويأخذ من الابن#[255]“. كما أوضح ق. إبيفانيوس كذلك أن صدور الابن أو الروح القدس، والذي يحدث ’أقنــــوميًّا‘ في الله، هــو قبل كــــل بدايـــــــة وكـــل زمن (¨νaρχως καί ¨χρoνως)[256]. وينبغي علينا أن نفهم هذه الأقوال في إطار تعليم ق. إبيفانيوس عن الثالوث بكونه ثلاثة أقانيم متساوية معًا وأزلية معًا في داخل جوهر اللاهوت، وأن الروح القدس ’في الوسط‘ هو ’رباط الثالوث‘.وفي ضوء هذا نظر ق. إبيفانيوس إلى الروح القدس ليس فقط بكونه يصدر أقنوميًّا ’من الآب من خلال الابن*‘ (™κ Πατρός δι’ Υ„οà) بل بكونه بالتحديد ’من جـــــوهر‘ (™κ τÁς οÙσίας) الآب، أو ’مــــن ذات الجـــــــــــوهر‘ (™κ τÁς αÙτÁς οÙσίας) الواحد الذي للآب والابن، لأن الروح القدس هو الله. والروح القدس هو كنفخة نور وحق من الآب والابن كليهما#[257].

ومن هذا العرض يتضح لنا كيف فهم ق. إبيفانيوس عبارة ق. أثناسيوس الموجزة “الروح القدس ينبثق من الآب، ويأخذ من الابن”، وبالطريقة التي تظل فيها الحقائق الأقنومية والخصائص المميّزة للآب والابن والروح القدس كما هي على الدوام في التساوي المطلق والوحدانية في ذات الجوهر الذي للثالوث القدوس[258].

وعلى هذا الأساس وضع ق. إبيفانيوس الصياغة الإيمانية عن الروح القدس، والتي اتخذها فيما بعد مجمع القسطنطينية عام 381م: “نؤمن بروح قدس واحد، الرب المحيي، المنبثق من الآب، نسجد له ونمجده مع الآب والابن، الناطق في الأنبياء[259]“.

 

عقيدة انبثاق الروح القدس في مجمع القسطنطينية

لقد كان آباء مجمع القسطنطينية مدينين بلا شك للآباء الكبادوكيين فيما يخص عقيدة الروح القدس، وبالأخص للقديس غريغوريوس النزينزي الذي كان يرأس الاجتماعات الأولى للمجمع[260]. ومن الواضــــــح أن الذي كان له الدور الحـاسم في النهـاية ـ بالنسبة لأولئك الآباء ـ هو خط العقيدة (الخاص بالروح القدس) الذي بدأ من ق. أثناسيوس عبورًا بإبيفانيوس، وهــــــذا يتضح بالأخص في عبارتهم عن انبثاق الروح القدس ’من الآب‘. فباليقين كان المقصود أن تكون هذه العبارة متوازية مع عبارة مجمع نيقية عن ولادة الابن ’من الآب‘، وبدون أية إضافات تنتمي إلى فكر الآباء الكبادوكيين.* وهذا بالطبع مع إعطـــــــــاء عقيدة “جــوهر واحــــــد. ثلاثــــة أقانيم” (μία οÙσία, τρε‹ς Øποστάσεις) مرجعيتها المجمعية[261].

وبالتأكيد كان هذا الاتفاق على عدم الابتعاد عن الموقف الأساسي الذي اتخذ في نيقية دليلاً على العناية الإلهية؛ إذ إن محاولة الآباء الكبادوكيين في إعادة تعريف ’الأوسيا‘ (οÙσία) أو الجوهر على أنه مفهوم عام ـ والذي فقد معه مدلوله ومعناه الراسخ بكونه الجوهر المتضمِّن العلاقات الداخلية ـ كان معناه أنه سيصبح من الصعب إن لم يكن من المستحيل للفكر اللاهوتي أن يربط بين إعلان الله عن ذاته في أعماله (أي بين ’ما هو‘ الله نحونا) وبين ’ما هو‘ الله داخليًّا في ذاته. فكما أكَّد ق. أثناسيوس، أنه لو لم يكن ’كلمة الله و’فعل‘ الله كائنين في جوهره (™νούσιοι) فلن نستطيع أن نربط بين ’ما هو‘ الله نحونا في إعلانه وعمله الخلاصي وبين ’ما هو‘ الله في ذاته، والعكس صحيح.[262] وكان فكر الآباء الكبادوكيين قد أدى إلى مأزق خطير حين تبنوا الطريق الوسط بين الذين علَّموا بأن الله أقنوم واحد (unipersonalism) وبين من نادوا بتقسيم الله إلى ثلاثة آلهة (tritheism) ـ حيث جعلوا أساس وحدة اللاهوت في الآب بكونه المبدأ (الرأس) الفريد والوحيد للاهوت، وبالتالي هو العلة الوحيدة لكيان ووجود الابن والروح القدس.

 

الاختلاف بين الغرب والشرق في مسألة انبثاق الروح القدس

وفي ظل القول بأن الروح القدس ينبثق من الآب فقط، اتجهت الكنيسة الغربية إلى القول بأن الروح القدس ينبثق من الابن أيضًا كما من الآب، وإلاّ فلا يمكن اعتبار الابن إله من إلهًا، أي إله بالمعنى الذي ينطبق على الآب. وأمام هذا التعليم وجدت الكنيسة الشرقية أنه يتعين عليها رفض أية فكرة لانبثاق الروح القدس من الابن كما من الآب، لأن هذا يعني وجود مبدأين إلهيين في الله ـ ولذا تمسكوا بعقيدة انبثاق الروح القدس من الآب فقط. ولم يكن لمثل هذا المأزق أن ينشأ لو أن الكنيسة في الشرق والغرب اقتربت أكثر من عقيدة ق. أثناسيوس عن الروح القدس، هذه العقيدة التي نمت عبر ق. إبيفانيوس ومجمع القسطنطينية إلى أن وصلت إلى ق. كيرلس السكندري. وهنا تجدر بنا الإشارة إلى تعليم ق. كيرلس الأورشليمي الذي قدَّم عقيدته عن انبثاق الروح القدس بعيدًا عن هذه المشكلة حيث قال: “الروح القدس هو هو على الدوام، حيّ وكائن أقنوميًّا وحاضر دائمًا مع الآب والابن معًا ـ ليس كأنه نَفَس انبث من فم وشفاه الآب والابن ليتبدد في الهواء ـ ولكن بكونه كيانًا أساسيًّا أقنوميًّا يتحدث ويعمل ويوزع ويحقِّق (يكمِّل) تدبير الخلاص الذي يأتينا من الآب والابن والروح القدس. وهو (أي الروح) واحد، متناغم وغير قابل للتقسيم[263]“.

وقبل أن نختم هذا العرض عن مضمون الفكر الآبائي اليوناني (أي الآباء الذين كتبوا باليونانية) خلال القرن الرابع الميلادي، يجب علينا أن نوجه الأنظار ـ ولو باختصار ـ للمظاهر العديدة لعمل الروح القدس في داخل حياة الكنيسة.

 

ثالثاً: الروح القدس في حياة الكنيسة

 

الروح القدس الناطق في الأنبياء

إن المظهر الأول لعمل الروح القدس في حياة الكنيسة يمكن الاستدلال عليه من العبارات التي وردت في قانون الإيمان بنيقية والقسطنطينية عن الروح القدس بكونه ’الرب‘ وبكونه هو ’الناطق في الأنبياء‘[264]. وهذا معناه أن الروح القدس يتقابل معنا باعتباره آتيًا من ’أنا هو‘ (جوهر اللاهوت) الخاص بالرب الإله ضابط الكل[265]. والروح القدس هو “الرب الروح”[266]، الفاعل الإلهي ذو السيادة (Κύριος) الذي يكلِّمنا شخصيًّا ويدخل في شركة معنا. وهو “الروح الناطق”، الروح ذاته الذي كلَّم شعب الله في أنبياء العهد القديم، وهو يكلِّمنا الآن أيضًا في العهد الجديد[267]. ولقد سبق لنا الحديث عن الوحدة الجوهرية التي بين ’روح‘ و’كلمة‘ الله وأنهما في تواجد متبادل مع بعضهما البعض، ولكن ما يعنينا الآن هو أثر ذلك في موقفنا من احترام وتبجيل الأسفار المقدسة في العهدين القديم والجديد. وقد جاء اعتراف الإيمان في نيقية بأن الروح القدس هو ’الناطق في الأنبياء‘ ليؤكد الوحدة بين إعلان الله لذاته من خلال شعب إسرائيل وبين إعلانه لذاته من خلال التجسد، وبالتالي الوحدة بين الوحي الإلهي في جميع الأسفار المقدسة.

ولم يكن الاهتمــــــــام الأول للآبــــــاء هو عن كيفية حدوث الوحي الإلهي أو مظاهره الخارقة، وإنما كان اهتمامهم منصبًا على حقيقة أنه عبر كــــل هذه الأسفــــــــــار لم يكـــــن إلاّ الله نفسه وليس آخر هو الذي يتحدث في الروح ’الرب‘. وإذا استرشدنا هنا بديديموس كأحد الذين غاصوا في الأسفار المقدسة، نجده يأتي بتعبيرات متنوعة للتأكيد على حقيقة أن ما نسمعه في الكتاب المقــــــدس ليس هو إلاّ كلمة الله المبــاشرة[268]. ولذا استطاع أن يتحدث عن كلمة الله في الأسفار المُوحى بهـــــا بكـــــونها ’الحضـــــور الإلهي‘ للروح[269]، لأنه فيها يتحدث الروح الحيّ، الذي يفحص أعماق الله ويكشفها لنا[270]. أي إن كلمة الله التي نسمعها في الأسفار المقدسة ليست مجرد كلمة ساكنة (جامدة وخاملة أو بلا حياة)، بل هي كلمة آتية إلينا من فم الله الحيّ بواسطة روحه المحيي (أو نسمته المحييّة) ـ أي كلمة من أنفاس الله (θεόπνευστος)[271].

 

الروح القدس يأخذ من الابن ويعطينا

ومما كان له أهمية قصوى في كل حديث عن الروح القدس، تلك الفقرات التي في إنجيل ق. يوحنا والتي تتحدث عن إرسالية الروح القدس من الابن والآب، حيث نجد فيها أن الروح لا يتكلَّم من نفسه بل مما يأخذه من الابن. وهذه العلاقة غير المنفصمة التي بين ’الكلمة‘ و’الروح‘ كانت واضحة للغاية في خطابات ق. أثناسيوس لصديقه الأسقف سِرابيون.[272] ولذا ليس غريبًا أن نرى أن هذه العلاقة الوثيقة التي بين ’الكلمة‘ و’الروح‘ قد انعكست أيضًا في خولاجي سرابيون (Euchologion of Serapion)، والذي يظهر فيه أول شكل من أشكال صلوات الاستدعاء* (™πίκλησις). ففي هذا الخولاجي نجد صلاة تُرفع من أجل عطية الروح القدس، لكيما يتحدث الرب يسوع والروح القدس في المصلين ليمكِّناهم من قبول استعلانات الأسرار المقدسة والاشتراك في تمجيد الثالوث؛ غير أنه في صلاة الاستدعاء نفسها كانت الصلاة موجهة للكلمة دون ذكر الروح القدس.[273] إلاّ أن الأمر يختلف في الطقس الأورشليمي بالنسبة لصلاة الاستدعاء، حيث نجد الصلاة توجه للروح القدس، ولكن كما رأينا فإن الروح القدس عند ق. كيرلس الأورشليمي هو “الروح الناطق” الذي ينقل المسيح وكلمته إلى المؤمنين.[274] وحيث إن الكلمة والروح القدس في تلازم وتواجد (احتواء) متبادل مع بعضهما البعض، فإن الروح ليس صامتًا بل متحدث بليغ عن المسيح الكلمة المتجسد. وهو روح الله الواحد، الحاضر والعامل في العهد القديم والعهد الجديد على حد سواء ـ لأنه هو “الناطق في الأنبياء”.

 

الروح القدس ’الباراكليت‘

وإذا تأملنا العبارات التي تقول إن الروح القدس هو “الرب المحييّ المنبثق من الآب”، وأيضًا الإضافة التي أضافها ق. أثناسيوس وق. إبيفانيوس عن الروح القدس أنه “يأخذ من الابن”، فسوف نقترب من اللقب الذي أطلقه السيد المسيح على الروح القدس أنه “الباراكليت” الذي يرسله هو إلى العالم. وصِلة الروح القدس بكيان وفعل الابن المتجسد هي صلة وثيقة للغاية، فالابن المتجسد يرسل الروح القدس من عند الآب والروح القدس يأخذ من الابن المتجسد ويعطينا، وهذا يعني أنه هو ’المعزي الآخر‘ (Alter Advocatus) الذي يمجِّد المسيح ويحقِّق (يكمِّل) عمله[275]. إن الباراكليت هو روح الله الحيّ والمحييّ، الذي يعطينا الشركة في حياة الله، والذي يمجد المسيح بكونه ابن الله؛ إذ يلقي بضوئه على شخص المسيح ليستعلنه لنا، وهو الذي يحقِّق فينا إعطاء الله ذاته لنا في ابنه، وهو أيضًا ينقل إلينا عمل المسيح الخلاصي من أجلنا، ويجعله يثمر فينا. ووفقًا لهذا التعليم الكتابي، عبّّر هيبوليتس عن الروح القدس بأنه “الروح الكهنوتي الأسمى[276]“. وكان هذا العمل المعزي والشفاعي للباراكليت موضوعًا محببًا في تعليم آباء نيقية وما بعد نيقية[277]، ويعد هذا التعليم الآبائي ـ وبخاصة المدوَّن باليونانية ـ نموًّا مباشرًا للتعليم الذي قدمه ق. بولس في رسالته إلى أهل رومية (الإصحاح الثامن)، حين تحدث عن الروح القدس بكونه يشفع فينا. ومما يثير الانتباه أن ق. بولس استخدم في نفس الإصحاح مع الروح القدس الفعل (Øπερεντυγχάνει) * وهو أقوى حتى من ذاك الذي استُخدم مع المسيح (™ντυγχ£νει) #، وذلك لكي ما يؤكد بشدة ما قاله عن العمل الشفاعي الذي يقوم به الروح القدس. وهذا ما يحدث ـ على حد قول بولس الرسول ـ  عندما نصلي، لأن صلوات الخليقة كلها تُقدم بتدخل وبفعل الروح القدس الشفاعي[278].

وفي هذا الصدد يرى ق. غريغوريوس النزينزي أن وظيفة الباراكليت مرتبطة بصفة خاصة بالصلاة والعبادة، لأنه من خلال الروح القدس تصل شفاعة المسيح ـ رئيس كهنتنا الأعظم ـ إلى داخل قلوبنا، ومن ثم تُحمل صلواتنا وعبادتنا في الروح إلى أعلى وتصبح فعَّالة بواسطته وكأن الله بنفسه (من خلال الروح) يُدخلنا في علاقة مع نفسه[279]. أما بالنسبة للقديس إبيفانيوس، فإن الصلة بين عمل المسيح الخلاصي وبين سكنى الروح القدس فينا، تظهر بوضوح في صلوات الاستدعاء،  وبوجه عام في تقديس وتكميل حياة المؤمنين في المسيح[280].

الروح القدس هو ’روح الشركة‘

وفي كل عمله، يأتي إلينا الروح القدس من الشركة الداخلية التي بين الآب والابن والروح القدس (في الجوهر وفي الطبيعة). وهو الرب المحييّ، وهذا معناه أنه هو المحتوى الحي لإعطاء الله ذاته لنا بالابن وفي الروح القدس[281]. إذن، ففي الروح القدس نحن نُعطى الشركة (κοινωνία) في سر المسيح، ونصير أعضاءً في جسده. وهذا العمل المُشخصِن (المُؤقنِم)* الذي يقوم به الروح القدس لا يخلق فقط شركة اتحاد بين المسيح وبيننا كمؤمنين، بل أيضًا شركة اتحاد بين بعضنا البعض، وهذا لا يكون إلاّ انعكاسًا لعلاقات الثالوث في الله ذاته، وهكذا تقوم الكنيسة وتوجد على الدوام بفضل اتحادها بالمسيح بكونها جسده. هذه هي كنيسة الله مثلث الأقانيم، الحاملة في داخلها قوة الروح القدس الرب المحييّ، وإذا كانت الكنيسة ’في الروح‘ خلال وجودها على الأرض فهي بالتالي تكون ’في الله‘. ومن صميم طبيعة الكنيسة وحياتها أن تشترك في الحياة والنور والحب الذي هو الله ذاته، ولذا فمن الضروري لحياة الكنيسة أن تحافظ دائمًا على وحدانية الروح ورباط السلام وبهذا تكون مرآة تعكس في ذاتها وحدانية الثالوث القدوس المبارك.

* هذا الفصل هو الفصل السادس في الكتاب الأصلي

1  Athanasius, Ad Ser., 1.30; Epiphanius, Haer., 74.7.

[2]   انظر تركيز ق. إبيفانيوس على الاستخدام الثلاثي لفعل ’نؤمن‘ مع كل من الآب والابن والروح القدس في قانون الإيمان:  Haer., 73.25; 74.14; and Basil, Ep., 236.6 .

[3]   إش 3:6؛ انظر أيضاً لا 45:11؛ 2:19؛ 7:20؛ إلخ.

[4]   إش 4:1؛ 19:5،24؛ 17:10،20؛ 6:12؛ 7:7؛ 19:29،23،23؛ 11:30؛1:31؛ 23:37؛ 25:40؛ 14:40،16،20؛ 3:43،14؛ 11:45؛ 4:47؛ 17:48؛ 7:49؛ 5:54؛ 9:60،15؛ مر 24:1؛ لو 34:4؛ يو 69:6؛ أع 14:3؛ 1يو 20:2.

[5]   إش 10:63؛ مز 11:51.

[6]  الكلمة اليونانية ’بنفما‘ (πνεàμα) مثلها مثل العبرية، تعني حرفيًّا’ريح‘ أو ’نفس – نفخة‘، ولكن بينما خَفُتَ هذا الصدى الأصلي للكلمة في الأدب اليوناني، نجد أنه قد أُبقي عليه إلى حد كبير في العبرية وبالتالي في الاستخدام الإنجيلي للكلمة كما في يو 3: 8، أع 2: 1؛ انظر أيضًا: Gregory Nyss., Or. Cat., 2.

[7]  إش 1:11؛ 1:42؛ 3:44؛ 16:48؛ 21:59؛ 61؛ 7:63.

8  Cf. K. L. Schmidt, ‘Das Pneuma Hagion als Person und als Charisma’, Eranos Jahrbuch, 1945 (XIII), pp. 190ff; and A. I. C. Heron, The Holy Spirit, 1983, pp. 1-60.

9  Basil, Ep., 125.3.

10  See Con. Ar., 3.6, 10; Ad Ser., 1.19f; cf. Didymus, De Trin., 2.5, 11, and John of Damascus, De Fide, 1. 13.

11  Cf. Cyril of Jer., Cat., 16.3:

“الآب الواحد، والابن الواحد، والروح القدس الواحد ينتمون جوهريًّا وبلا انفصال بعضهم إلى البعض الآخر (أو يخصون بعضهم البعض الآخر)”.

12  Cf. Eusebius, De eccl .theol., 1.12; Gregory Naz., Or., 24.4; 28.12; 29.2, 8; 30.17; 31.7, 33; Basil, Hom., 111; Cyril of Jer., Cat., 11.11, 19; Epiphanius, Haer., 70.5.

13  Epiphanius, Haer., 70.4-8.

14  Cf. Ps. Athanasius, Con. Sabellianos, 5ff (MPG, 28.105f) which is evidently a variation on Basil’s Homily 111.

15  See Athanasius, Con. Ar., 1.15, 21; De decr., 24; De syn., 42& 51. See Basil, Con. Eun., 2.16; De Sp. St., 15, 84; Gregory Nyss., Con. Eun., 11.6, 4; Didymus, De Sp. St., 57.

إن عدم تصوير الله (imagelessness) كان متضمنًا في مفهوم أن الله ’نور‘ وأنه ’روح‘:

  1. Athanasius, Ad Ser., 1.19, 30; Basil, De Sp. St., 47. 64; Epiphanius, Haer., 70.5, etc.

[16]  وهذا قد يمنع أي تفكير سخيف عن وجود نوع للجنس (أي ذكر أو أنثى) في الله:

Gregory Naz., Or., 31.7.

17  Cf. Epiphanius, Anc., 7, 46, 69f; Haer., 69.17f, 32f; 74.6, etc.  

18  See Didymus, De Trin., 2.6ff; Epiphanius, Haer., 73.15ff, 24f, 34f, and especially the long refutation of the ‘Pneumatomachians’, 74.1-14.

19  Athanasius, Ad Afr., 11; see Ad Ant., 3; and Epiphanius, Haer., 73.34.

20  Basil, Ep., 125, 159.2, 226.3; Ep. ad Epiph., 258.2; Epiphanius, Haer., 74.14.

[21]  ومن هنا كان هذا التركيز على التمجيد الواحد (μία δοξολογία) الذي يُقدم للثالوث:

Epiphanius, Anc., 24; Haer., 62.3, 8; 69.29, 33, 56, 75; 74.14; 76. Ref. Aet., 10, 21, 30; Exp. fidei, 17, etc.

22 Athanasius, Ad Ser., 1.1-33; cf. Epiphanius, Anc., 65ff & Haer., 74.2ff.

23 Gregory Naz., Or., 34.26-28.

24  K.L. Schmidt, op. cit., pp. 215f. See Gregory Naz., Or., 36.15; and Didymus, De Trin., 1.18.

25  O. Cullmann, Early Christian Confessions.

26  Athanasius, Ad Ser., 4.5. Also Basil, Ep., 125.3.

27  See K.L. Schmidt, op. cit., pp. 209f, 216ff.

[28]  انظر أيضًا التسبحة التي وردت في (Apost. Const., 7.47): “المجد لله في الأعالي… الله الآب ضابط الكل، وابنه الوحيد ربنا يسوع المسيح، والروح القدس الرب الإله”. ارجع كذلك إلى ق. إبيفانيوس في (Haer., 74.10.).

29  Basil, De Sp. St., 73.

30  See Didache, 7.1; Ignatius, Magn., 13. 1; Polc. martyr., 14.3; Justin Martyr, Apol., 1.6, 13, 61, 65; Athenagoras, Leg., 6, 10, 12, 24; Irenaeus, Adv. haer., 1.2ff, vol. 1, p.90ff; 3.1f, 4, vol. 2, pp. 22ff; 4.1f, pp. 146ff; 4.53.1, p. 261f; 5.20.1f, pp. 377f; Dem., 5f; Hippolytus, Apost. Trad., 3, 8, 21; Novatian, De Trin., 7, 16, 29f; Tertullian, Adv. Prax., 2-5, 8f, 11ff, 25, 30, etc.; Origen, De prin., 1.3.5, 7f; 4.2f; 6.2; 2.2.2; 3.5.8; 4.3.14f; 4.1, 3; In Jn., 2.6; 6.17, etc.

[31]  هذا بالتأكيد كان هو القصد وراء الحاشية التي وُجدت في ’الترجمة اللاتينية للكتاب المقدس والمعروفة بـ الفولجاتا‘ على 1يو 7:5-8 وهي: “فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة: الآب، والكلمة، والروح القدس. وهؤلاء الثلاثة هم واحد. والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة: الروح، والماء، والدم. والثلاثة هم في واحد”.

32  See Athanasius, Ad Ser., 1.27; 2.3, 5; 3.1; Epiphanius, Haer., 63.6; 65.1ff; 74.12; 76.2; 76.35; Exp. fidei, 14.

33  Athanasius, Con. Ar., 3.1ff; Epiphanius, Anc., 2-7, 10, 67, 72, 81; Haer., 62.1ff; 64.9; 72.11; 73.20; 74.9, 11ff; 76.30; 77.22; Gregory Naz., Or., 29.16, 20; 31.10; Schol., MPG, 36. 911; Ep., 58; Or., 43.68.  

34  Athanasius, Ad Ser., 3.1ff.

*  أي إن الاعتراف بالروح القدس بكونه ’الرب‘ بدأ في عبادة الكنيسة وتسبيحها قبل أن يظهر في صورة صياغة رسمية قانونية. (المترجم)

[35]  وقد لجأ ق. باسيليوس لتعضيد آرائه إلى كل من إيرينيئوس وكليمندس وأوريجانوس وديونيسيوس السكندري ـ انظر: (De Sp. St., 72.).

36  Cyril of Jer., Cat., 4.16. Thus also Amphilochius, Ep. Syn., 2.

انظر أيضًا الليتورجيا البيزنطية (F.E. Brightman, Eastern Liturgies, p.382): “هلّم نحب بعضنا بعضًا حتى ما نعترف بذهن واحد بالآب والابن والروح القدس، الثالوث غير المنقسم والواحد في ذات الجوهر”.

37  Refer to Athanasius, Ad Ser.; Basil, De Sp. St., & Con. Eun., 3; Gregory Naz., Or., 31, 37, 41; Gregory Nys., De Sp. St., De Trin., Con. Eun., 1; and Epiphanius, Anc., 65ff, Haer., 74. See Theol. In Reconstr., pp. 209-258; Theol. In Reconcil., pp. 231-9; and also T.C. Campbell, ‘The Doctrine of the Holy Spirit in the Theology of Athanasius’, SJT, vol. 27, 1974. pp. 408-440.

38  Athanasius, Ad Ser., 1.30; 3.1, 16; cf. Cyril of Jer., Cat., 16.24.

39  Athanasius, Ad Ser., 1.14 & Ephesians 4.6; see also Ad Ser., 1.20f; 3.5.  

40  Athanasius, Ad Ser., 1.28.

41  Athanasius, Ad Ser., 1.31.

42  Athanasius, Ad Ser., 1.2, 20; 3.1-5; 4.4, 17, etc.

43  Athanasius, Ad Ser., 1.31-33.

44  Athanasius, Ad Ser., 1.2, 27; 3.1; cf. Ad Jov., 1, 4.

45  Didymus, De Trin., 1.19; 1.33f; 1.36; 2.4; 2.6.6; 2.6.15; 2.6.22; 2.13; 2.25f; 3.1.2; 3.2.35, 46; 3.12.25f; 3.18; De Sp. St., 17.

46  Evagrius/Basil, Ep., 8.10f.

47  Gregory Naz., Or., 31.10.

48  Epiphanius, Anc., 6, 74, 120; Haer., 73.34f; 74.12; 76.11, 16.

49  Athanasius, Ad Ser., 1.33.

50  Thus Didymus, De Trin., 1.17f; 1.34; 1.36; 2.1; 2.4; 2.6.9; 2.14; 2.18; De Sp. St., 7; Basil, De fide, 4; Amphilochius, Fragm., 13, MPG, 39.111; Epiphanius, Anc., 2, 5-7, 74; Haer., 57.4; 72.1; 74.14; 86.16; Exp. fidei, 14; Theodoret, Hist. eccl., 5.9.11; Cyril of Jer., Ep. ad Const., 8; Ps. Macarius, Hom., 17.15.

*    وهذا يعني أننا في الابن المتجسد وحده نستطيع أن نعرف الله بالحقيقة وفقًا لما هو في ذاته، وفي نفس الوقت وفقًا لظروف وواقع وجودنا الأرضي ومعرفتنا المحدودة. (المترجم)

51  Epiphanius, Haer., 73.15f; 74.4ff, 10, 13f; 76. Ref. Aet., 7, 29; 86.32; Anc., 19.67ff, 72f.

#    ارجع إلى الفصل الثاني صفحة 73. لاحظ كذلك القداس الغريغوري الذي يخاطب الابن قائلاً: “أيها الكائن السيد الرب…الذي أظهر لنا نور الآب، الذي أنعم علينا بمعرفة الروح القدس الحقيقية”. (المترجم)

52  See Theol. in Reconstr., p. 213f; God and Rationality, pp. 165ff.

53  Athanasius, Ad Ser., 3.1ff.

54  Athanasius, Ad Ser., 1.14.

55  Basil, De Sp. St., 45; cf. Hex., 2.6, and Ep., 243,

حيث أشار إلى الروح القدس بكونه (Συμπληρωτικόν τÁς `Aγίας Τριάδος) أي ’مكمِّل الثالوث القدوس‘، كما أشار كذلك إلى ما ذكره ق. أثناسيوس في رسالته إلى سيرابيون 25:1.

56  Epiphanius, Anc., 119-120; cf. also Anc., 2-11, 67; Exp. fidei, 14ff.

قارن هذه التعبيرات مع تلك التي جاءت عند ق. كيرلس الأورشليمي. ارجع إلى مناقشة ذلك في:

J.N.D. Kelly, Early Christian Creeds, 1950, pp. 297ff, 338ff.

[57]  قارن خطاب ق. أثناسيوس إلى الإنطاكيين (Tomus ad Antiochenos, 3.5, 11) والذي صدر من مجمع الإسكندرية عام 362م مع الخطاب المجمعي لمجمع القسطنطينية (Theodoret, Hist. eccl., 5.9). وارجع كذلك إلى:

  1. B. Swete, The Holy Spirit in the Ancient Church, pp. 210-229.

58  Athanasius, Con. Ar., 3.15, 24; Ad Ser., 1.11-14, 17, 22, 24-28; 3.1-5; 4.3, 6f; Ad Jov., 1.4; Ad Afr., 11.

[59]  مثل ما جاء في إشعياء 3:31؛ 11:51.  

[60]  مثل ما جاء في مز 29:104-30.

[61]  يو 24:4.

62  See Origen, De prin., I. 1-4; Eusebius, De eccl. theol., 3.5; Gregory Nyss., Ant. Con. Eun., 2.14, Jaeger, vol. 2, p. 389; Cyril of Jer., Cat., 11.5ff; 17.34; Epiphanius, Haer., 73.16-18; 74.7; Anc., 70; Didymus, De Trin., 2.5.

63  Epiphanius, Haer., 70.5.

64  See Athenagoras, Leg., 10; Theophilus, Ad Aut., 2.10; Tertullian, Adv. Prax., 26f; Apol., 23; Adamantius, Dial., 5.11; Hilary, De Trin., 2.24, 26; 8.23f; 9.3, 14; Gregory Naz., Or., 38.13; Ep. 101; Amphilochius, ap. Theodoret, Dial., 1, MPG, 83.99.etc.

65  Gregory Naz., Or., 10.4; 30.21; see also Athanasius, Con. Ar., 1.46; 4.36; Con. Apol., 2.3.

66  Epiphanius, Anc., 73; Haer., 62.1ff; 69.53; 74.10.

67  Athanasius, Ad Ser., 1.4-7; see Cyril of Jer., Cat., 16.3; 17.4.

68  Athanasius, Ad Ser., 1.14, 20, 27f, 30f; 3.5f; 4.7; Con. Ar., 3.15, etc. Cf. Basil, Hom., 111.4-6.

69  See Hilary, De Trin., 3.1-4.

70  Eusebius, Hist. eccl., 3.5; Athanasius, Con. Ar., 2.33, 41; 3.1-6; De decr., 26; Ad Ser., 1.26; Cyril of Jer., Cat., 17.34; Basil, De Sp. St., 9.22, 25, 53; Gregory Nyss., Con. Eun., 2.14; cf. Origen. In Jn., 13.21f; Novatian, De Trin., 5ff; Tertullian, Adv. Prax., 26; Hilary, De Trin., 2.26; 3.4; 4.6.

71  Athanasius, Ad Ser., 1.17-25.

72  Athanasius, Ad Ser., 1.15, 18; 4.2-5; Con. Ar., 1.15, 20ff, 57; 2.36; Gregory Naz. Or., 30.20; 31.7; Hilary, De Trin., 2.29ff; 4.1; 5.20f.

73  Basil, Con. Eun., 2.24.

74  Hilary, De Trin., 1.13, 15, 3.1, 20, etc.

75  See Hilary, De Trin., 12.55f.

76  Thus Karl Barth in his account of the Nicene doctrine of the Spirit – C.D., 1.1, pp. 468f.

[77]  يقول ق. هيلاري في كتابه عن الثالوث (29:2): “إن الروح القدس مرتبط مع الآب والابن في اعترافنا بالإيمان، ولا يمكن استبعاده من أي اعتراف سليم بالآب والابن”. انظر أيضاً:

H.B. Swete with reference to Athanasius, op. cit., p. 220.

78  Athanasius, Con. Ar., 3.3-6, 24f; Ad Ser., 1.14, 25; 3.5f; 4.3f.

79  Athanasius, De decr., 30f; Con. Ar., 1.33f.

80  Athanasius, Con. Ar., 3.15, 24f; Ad Ser., 1.25; 3.5.

81  Epiphanius, Haer., 57.4f; 62.1f, 6;74.9ff; 72.22; Anc., 5, 10f, 67f, 72, 81; cf. Didymus, De Trin., 3.37-38; Cyril of Jer., Cat., 6.6; 7.11; 16.1ff; 17.1ff.

*  أي وجوده الأزلي وعلاقاته الأقنومية في جوهر الله المثلث الأقانيم، وليس مجرد نشاطه وأعماله في الخليقة. (المترجم)

82  Athanasius, Con. Ar., 3.24-25.

83  See Theol. in Reconcil., pp. 231-239.

84  Athanasius, Ad Ser., 1.27; Gregory Naz., Or., 41.9.

[85]  يو 22:20

[86]  يو 12:4

[87]  انظر يو 23:14

[88]  يو 6:14

89  Athanasius, Ad Ser., 1.19; cf. 1.20.

*  ارجع إلى الفصل الرابع صفحة 195. (المترجم)

90  Basil, Ep., 234.1; cf. 235.2; 236.1ff; Con. Eun., 2.32.

[91]  ولذلك نجد ديديموس الضرير يتحدث عن حضور الروح القدس الساكن فينا بكونه هو حضور الله بذاته (secundum substantiam) وليس مجرد بأفعاله (secundum substantiam): (De Sp. St., 23ff, 60f; De Trin., 2.6.7). قارن هذا مع:

Basil, Ep., 234.1-3; 235.2f; Con Eun., 1.14, 23; 2.32; De obs. se, 7, Athens ed., 54, p. 36; cf. Gregory Naz., Or., 38.7.

ارجع أيضاً إلى مفهوم ق. أثناسيوس في (De decr., 11). وانظر كذلك:

Theol. in Reconst., pp. 210, 213f; Theol. in Reconcil., pp. 235f; and E. L. Mascall, Existence and Analogy, 1949, pp. 148ff.

 

[92]  مت 31:12؛ مر 28:3؛ لو 10:12. انظر:

Athanasius, Con. Ar., 1.50; Ad Jov., 1; Ad Afr., 11; Ad Ser., 1.1f; 3.7; 3.8ff, 16ff, Athens ed., 33, p. 139f, 143ff; Basil, De Sp. St., 46, 70, 75; Hom., 111.5ff; Con. Eun., 2.33; Or., 35; Ep., 152.3; 188. 1; 251.4; Gregory Nyss., De Sp. St., Jaeger, 3.1, p. 106f; Gregory Naz., Or., 31.30; Didymus, De Trin., 2.26; 3.2.54; 3.40; De Sp. St., 1, 63; Con. Eun., Athens ed., 44, p. 259; Amphilochius, Con. Haer., 17; Ep. Syn., 4; Epiphanius, Anc., 69, 116; Haer., 54.2; 74.6, 14; Cyril of Jer., Cat., 4.16; 5.5; 16.1, 6, etc.

93  Athanasius, Ad Jov., 4; Ad Ser., 1.31; Basil, De Sp. St., 3, 26, 64, 73; Ep., 90.2; 159.2; 258.2; Gregory Naz., Or., 31.12, 28; Gregory Nyss., De Sp. St., Jaeger, 3.1., pp. 92ff, 108ff; Ep., 24; Amphilochius, MPG, 39.97B; Didymus, De Trin., 2.21f; Con. Eun., Athens ed., 44, pp. 245, 247; Epiphanius, Anc., 70, 117, 119; Haer., 70.6f; Cyril of Jer., Cat., 4.16; 16.1ff.

94  Apost. Const., 8.12; Serapion, Euch., 13, Athens ed., 43, p. 76; Basil, Lit., Athens ed., 56, p. 28f (cf. Brightman, op. cit., p. 402); De Sp. St., 38; Gregory Nyss., Con. Eun., 1.23; Athanasius, In ill. om., 6; Epiphanius, Haer., 76. Ref. Aet., 10; Anc., 9, 26, 69; Didymus, De Trin., 2.7, 19; Cyril of Jer., Cat., 23.6; Gregory Naz., Or., 34.13; 38.8 & 45.4 (Cited by John of Damascus, De fide, 3.10). Cf. also the discussion of Isaiah’s vision, 6.1ff, in Ps. Athanasius, De Trin. et Sp. St., 16 and De Inc. et Con. Ar., 10.

*    بما أن الروح القدس يدعى ’الروح‘، فإنه هو ’روح‘ ليس فقط في جوهره (مثل الآب والابن) ولكن أيضًا في نمط أقنومه. ولذلك فإنه يظل مختفيًا وشفافًا ولا يُدرك في ذاته ولا نعرفه وجهًا لوجه في أقنومه الخاص، ولكننا نعرفه فقط في كونه يعطينا معرفة الآب والابن. (المترجم) 

[95]  يقول ق. باسيليوس عن الروح القدس (De Sp. St., 44, 53. Cf. 22): “إن اسمه الخاص والشخصي هو ’الروح القدس‘، وهو اسم ينطبق تماماً على كل شيء غير جسدي وغير مادي وغير منقسم”.

96  Epiphanius, Haer., 73.16, 25; 74.10ff Anc., 8,72ff.

97  Epiphanius, Haer., 73.17; 74.7; Anc., 70.

98  See Didymus, De Trin., 3.36ff; Epiphanius, Anc., 6f, 10f, 67f, 73; Cyril of Jer., Cat., 16.3, 5, 13, 24.

[99]  يو 16:14، 25؛ 26:15؛ 13:16. انظر:

Athanasius, Ad Ser., 1.20; 3.1; Con. Ar., 1.15; 3.44; Hilary, De Trin., 7.20; 8.20; Didymus, De Sp. St., 30-38; Cyril of Jer., Cat., 16.14; Epiphanius, Haer., 48.12; 62.4, 7; 69.18, 34;74.1,4,6,9ff; 76.4,7; Anc., 6ff, 11,73,120; Gregory Nyss., De Sp. St., Jager, 3.1, p. 108, etc.

[100]  يو17:14. انظر (Cf. A.I.C. Heron, op. cit., p.56): “الروح القدس هو (مرآة) يعكس صورة المسيح بنفسه، ولكن المرآة لا تنقل أية صورة إلى ’العالم‘”.

101  Thus Cyril of Alex., Thes., 34.

102  Ps. Athanasius/Basil, Con. Sab., 12. Cf. Gregory Nyss., De Trin., Jaeger, 3.1, p. 13.

103  See Gregory/Basil, Ep., 38.4.

[104]  يقول ق. باسيليوس في كتابه عن الروح القدس (47): “الروح القدس هو الذي يعلن في ذاته مجد الابن الوحيد،… إذن طريق معرفتنا بالله يبدأ بالروح الواحد من خلال الابن الواحد إلى الآب الواحد”.

105  Cf. Basil, De Sp. St., 22f; 46f.

106  Basil, Ep., 236.

 انظر أيضاً ما قاله ق. باسيليوس في كتابه عن الروح القدس (64): “إنك لا تقدر أن ترى صورة الله غير المنظور إلاّ في استنارة الروح. وفي نظرنا إلى الصورة لا يمكن أن نفصل النور عن الصورة، لأنه لا بد لهذا النور الذي يسبب رؤيتنا أن يُرى هو نفسه مع الصورة التي نراها”.

107  Athanasius, Ad Ser., 1.30 & 1.19.

108  Gregory Naz., Or., 40.1 See also Or., 39.11; Ps. Gregory Naz., Ep., 243; Gregory Nyss., De Sp. St., Jaeger, 3.1, p. 108f; Epiphanius, Haer., 69.33; 70.5; 74.7f, 10; Anc., 61; Didumus, Con. Eun., Athens ed., 44, p.255f.

109  Didumus, De Trin., 2.36; and Cyril of Alex., In Jn., 15.1.

110  Athanasius, Ad Ser., 1.17.

ومن هنا كانت الصعوبة الحقيقية في صياغة عقيدة الروح القدس، لأن الروح القدس هو إله من إله ويأتينا في نمطه الأقنومي بكونه ’الروح‘ أي بالتحديد بكونه ’غير القابل للمعرفة‘ (في ذاته)! انظر أيضًا:

 ‘The Epistemological Relevance of the Spirit’, God and Rationality, pp. 165-192.

[111]  يقول ق. باسيليوس في رسالته (2:235): “نحن نقر أننا نعرف عن الله ما هو قابل للمعرفة، ومع ذلك فما نعرفه يفوق بكثير قدرتنا على التعبير”.

112  Basil, De Sp. St., 47.

113  Athanasius, Ad Ser., 1.14, 19, 21, 30f; 4.4.

114  Athanasius, Ad Ser., 1.14.

115  Athanasius, Ad Ser., 1.19ff, 27f, 30f; 3.5; Didymus, De Sp. St., 34-39; De Trin., 2.1; Basil, Con. Eun., 3.4; Gregory/Basil, Ep., 189.6f; Gregory Nys., non tres dei, Jaeger, vol.3.1, pp. 47f, 55f; cf. Ex comm.. not., Jaeger, 3.1, pp. 3f; De Sp. St., Jaeger, 3.1, pp. 97-100, 105ff, 109; Gregory Naz., Or., 31.6, 16.

[116]  1كو 10:2. وكانت هذه الفقرة ذات تأثير قوي على الفكر اللاهوتي النيقي ـ انظر:

Athanasius, In ill. om., 1; Exp. fidei, 2; Ad Ser., 1.6, 15, 22, 26; 3.1; 4.1; Basil, De Sp. St., 10, 38, 40, 50; Con. Eun., 1.14; Gregory Nyss., Con. Eun., 2, Jaeger, 1, pp. 289, 340; 3, 1, II, p. 160; Gregory Naz., Or., 28.6; 30.15; 40.9; 43.65; Amphilochius, Fr., 5; Cyril of Jer., Cat., 4.16; 6.6; 11.13; 16.23; Didymus, Con. Man., 40; De Trin., 1.9, 15; 2.2f, 5, 6.14f, 7.8; 3.37; De Sp. St., 15, 31, 40, 54f; Con. Eun., Athens ed., pp. 232, 251f, 255, 260; Epiphanius, Anc., 7, 12, 15f, 68, 117; Haer., 74.1,5, 11, 13; 76.29.

*    هنا المقصود هو إرسالية الروح القدس من الاب باسم الابن وليس انبثاقه الأزلي من الآب. (المترجم)

117  Epiphanius, Anc., 73; cf. 15f; Haer., 74.10; 76.Ref. Aet., 29.

118  See Athanasius, Con. Ar., 1.9, 46; 3.1-6; De syn., 41-53; Ad Ser., 1.27; 2.2, 5.

119  Athanasius, Ad Ser., 1.25-33; 3.1.

120  Epiphanius, Anc., 6.

*    أي المحرِّفون، وقد ظهروا في مصر وكانوا أولاً ضمن الجماعة التي حاربت قانون الإيمان النيقي فيما يخص ألوهية الابن، ثم انفصلوا عنها عام 358م معلنين إنكارهم لألوهية الروح القدس. (المترجم)

121  Athanasius, Ad Ser., 1.2, 9-10.

122  Athanasius, Ad Ser., 1.28.

123  Athanasius, Ad Ser., 1.30.

124  See especially Eunomius, Apologia 1 of 360, MPG, 30.835ff, and Apologia 2 of 378, preserved in the Con. Eun. Of Gregory Nyss., Jaeger, 1& 2.

125  Athanasius, Ad Ant., 5-6.

126  See Theol. in Reconcil., pp. 242f. Thus also Gregory Naz., Or., 31.11& 43.68.

127  Basil, Con. Eun., 1-3, Athens ed., 52, pp. 157-227; Antir., pp. 143-156; Gregory Nyss., Con. Eun., Jaeger, 1 & 2. See also Didymus, Con. Eun. (Ps. Basil, Con. Eun., 4-5), Athens ed., 44, pp. 223-261.

128  Basil, Ep., 231.

*  أي إن الروح القدس يخص الابن أو خاص بالابن. (المترجم)

129  Basil, De Sp. St., 16f, 37, 41-47; Ep., 159; 189.5-8.

130  Basil, De Sp. St., 46; Con. Sab., 6. Cf. Gregory Nyss., Con. Eun., 1, Jaeger, 1,p. 89; non tres dei, 3.1, p. 56.

131  E.g., Basil, Hex., 2.6.

132  Basil, De Sp. St., 7; Ep., 52, 69, 125, 210, 214, 236, 258; Hom., 111; cf. Athanasius, Ad Ant., 5-6, 11; In ill. om., 6; Epiphanius, Haer., 73.16; Gregory Naz., Or., 21.35; 3.7-16; 43.30; Gregory/Basil, Ep., 38; Ex comm.. not., Jaeger, 3.1, pp. 21-33.

133  Basil, Ep., 214.4; 236.6. See also Gregory Naz., Or., 25.16, 26.19, 29.2; 31.29; 32.21; Gregory Nyss., Or. Cat., 1f – G.L. Prestige, God in Patristic Thought, pp. 168f, 188f, 244ff.

134  See also Gregory Naz., Or., 20, MPG, 35, 1072; 39.11; 42.16, etc.

ولكن ق. غريغوريوس النزينزي كان يختلف عن ق. باسيليوس في كونه لم يستخدم مصطلح نمط الوجود (τρόπος υ̉πάρξεως) الأقنومي.

135  Basil, De Sp. St., 46; Ep., 38. 1-4; 9.2; 125.1; 236.6; cf. Con. Eun., 1.19; 2.29; Gregory Nyss., Con. Eun., 1, Jaeger, 1, p. 89; and Ex com. not., 3.1, pp. 19-33.

136  See Athanasius, Exp. fidei, 2; Con. Ar., 3.15; 4.2; De syn., 52;

ويبدو أن استخدام ق. أثناسيوس للكلمتين (υ̉́παρξις) و (υ̉πάρχειν) في رسالته إلى ق. سيرابيون (28:1) كان له تأثير مباشر على ق. باسيليوس.  

137  Compare Basil, Ep., 52, with Athanasius, De syn., 45-51.

138  Cf. the statement attributed to Amphilochius (Fragment 15, MPG, 39.112)

139  Gregory Nyss., Or. Cat., 2.

140  Gregory Nyss., De Trin., Jaeger, 3.1, pp. 6-15; non tres dei, pp. 47-57; De Sp. St., pp. 99f, 105ff. Refer to D.B. Harned, op. cit., p. 87f.

141  Cf. Epiphanius, Anc., 6, 8; Haer., 57. 10; 62.7f; 63.7; 69.36, 67, 72; 73.16; etc.

142  Basil, Ep., 258.

143  Epiphanius, Haer., 62.3ff; 65.1-8.

*    انظر الفرق بين مفهوم الأوسيا عند ق. أثناسيوس (وآباء نيقية) وعند الآباء الكبادوكيين: الحاشية صفحة 294. (المترجم)

144  Epiphanius, Anc., 81; Haer., 73.34.

*   كان الفكر اللاهوتي السكندري هو أول من بدأ في التمييز في المعنى بين ’الأوسيا‘ و’الهيبوستاسيس‘ بكون الأول يعبِّر عن الجوهر والثاني يعبِّر عن الأقنوم وذلك ابتداءً من أوريجانوس (origin, in John ii 6,10-75)، كما نراه كذلك عند ديونيسيوس السكندري (في رسائله إلى ديونيسيوس الروماني quoted by St. Basil, De Sp. St., 72) وأيضًا عند ديديموس الضرير (De Trin., 1.18 etc., cited by Newman, 436). ولكن هذا النضج في التفريق بين مدلولي المصطلحين لم يكن كذلك خارج الإسكندرية، إذ بقي مفهوم ’الهيبوستاسيس‘ لا يخرج عن مفهوم ’الأوسيا‘ في أبسط معانيه، وهذا الاتجاه نجده واضحًا في مقررات مجمع نيقية نفسه؛ إذ يضع المجمع المصطلحين كمترادفين دون أي تفريق بينهما، وقد اضطر السكندريون لقبول ذلك على مضض (Hahn: the Creed p. 209 cited by Beth Bak. P. 237). ولكن الأمر المدهش الذي حيّر اللاهوتيين، هو أن آباء الإسكندرية عندما أدركوا أن الأريوسيين يحاولون الاستفادة من اصطلاح الثلاثة أقانيم ليصلوا إلى التفريق في اللاهوت (أي التفريق بين الآب والابن والروح القدس في الجوهر، بمعنى أن هناك جوهرًا أوليًّا غير مخلوق وجوهرًا ثانيًا مخلوقًا) ـ هذا من جهة ـ ومن جهة أخرى، عندما أدركوا كذلك عدم فهم اللاهوتيين وخاصة في الغرب للفرق بين معنى ’الأوسيا‘ و’الهيبوستاسيس‘، بدأوا في كتاباتهم الموجهة إليهم يخاطبوهم على حسب إدراكهم. وهذه الحقيقة نراها في غاية الوضوح في كتابات ق. أثناسيوس: إذ بينما في كتاباته الخاصة يفرِّق في الاستخدام بين المصطلحين (Ibid. De Virginitate (1) De incarn.)، نجده يعود في كتاباته العامة الموجهة ضد الأريوسيين والموجهة للغرب ليقول بالهيبوستاسيس الواحد كمرادف للأوسيا دون تفريق. إلى أن جاء مجمع الإسكندرية 362م وأعلن ق. أثناسيوس للعالم أنه يصح الأخذ بمصطلح الهيبوستاسيس بمعنى الأقنوم. ومع مرور الوقت اتفق العالم شرقًا وغربًا على الأخذ بتعليم الإسكندرية الرصين، وقد ساعد الآباء الكبادوكيون وبخاصة ق. باسيليوس على انتشار هذا الفكر. (ارجع إلى كتاب القديس أثناسيوس الرسولي للأب متى المسكين الطبعة الثانية صفحة 422). (المترجم)

145  E.g. Epiphanius, Haer., 69.72.

146  Epiphanius, Anc., 2.

*    مصطلح (™νυπόστατος) يعني كيان شخصي (أقنومي) أساسي في داخل الجوهر، وهذا يختلف عن التعبير عن الأقانيم بأنها أنماط (أشكال) للوجود. (المترجم)

147  Epiphanius, Anc., 5-10, 67, 72, 74, 81; Haer., 57.4f; 62.1ff, 6; 65.1ff; 69.21, 40; 70.6; 72.5, 11; 74.9; 76. Ref. Aet., 2f, 12, 18; 77.32; 77.22; cf. Athanasius, De syn., 42; Con. Ar., 4.2; Con. Apol., 1, 20.

*     كان ق. إبيفانيوس يقصد أن ’الوحدانية في ذات الجوهر‘ (Ðμοούσιος) لا تنطبق فقط على كل أقنوم على حدة وبالتالي كل منهم هو ’هوموأووسيوس‘ مع الأقنومين الآخريّن، ولكنها تنطبق أيضًا على علاقة الأقانيم ككل ببعضهم البعض أي إن الثلاثة يشتركون معاً في ذات الجوهر الواحد وذلك بسبب التواجد (الاحتواء) المتبادل بينهم (داخل الجوهر). (المترجم)

148  Epiphanius, Anc., 4, 7f, 10; Haer., 62.4; 74.11; cf. Gregory Naz., Or., 31.8f; Basil, De Sp. St., 38, 43, 45f.

149 Epiphanius, Anc., 46; Haer., 57.4; 62.3; 69.36; 70.8; 73.36; 74.1;76.6,21.

لاحظ إشارة ق. إبيفانيوس في (Haer., 69.54) إلى الابن والروح القدس بكونهما المصدر المطلق مع الآب، أي نبع من نبع  (πηγή ε̉κ πηγη̃ς).

150 Epiphanius, Anc., 74, 120; Haer., 74.10. Cf. Gregory Naz., Or., 29.3; 31.4.

#    وكانت نفس هذه العبارة قد قيلت عن الابن في مواجهة هرطقة أريوس. (المترجم)

151  Epiphanius, Anc., 6ff, 11, 15, 67, 70f, 115; Haer., 57.9; 62.4; 64.9; 69.18, 43; 74.4, 10; 76. Ref. Aet., 7, 21, 29, 32. Cf. Athanasius, Con. Ar., 1.20, 33, and Hilary, De Trin., 2.3; and Basil, Hom., 111.7.

152  Epiphanius, Anc., 7f, 67f, 70f, 119f; Haer., 69.17, 52; 70.5; 72.4f; 73.16, 18; 74.5, 7, 11f; De fide, 14.

153  Epiphanius, Haer., 62.3.

154  Epiphanius, Anc., 2. See also 6, 10, 24, 26, 28, 67, 73f, 81, 117f; Haer., 57.4, 8; 62.3, 8; 69. 33, 44, 54, 56, 62, 68, 74ff; 72.1; 73.16, 34; 74.11; 76.6; De fide, 14.

155  Epiphanius, Anc., 119; cf. 120; Haer., 66.70ff, 84; 67.3; 74.10; 76. Ref. Aet., 36, etc.

156  Didymus, De Trin., 1.16ff, 20, 24f, 27, 34; 2.1, 4ff, 6f, 13f, 18, 27; 3.7, 15; Con. Eun., Athens ed., 44, p. 238.

157  Didymus, De Trin., 1.16

ولكن ديديموس كان عادة يفضل صيغة: “لاهوت واحد (μία Θεότης)، وثلاثة أشخاص”، مثل ما جاء في كتابه عن الثالوث (27:2).

158  Didymus, De Trin., 1.16, 26; 2, 1ff, 8, 10; 3.19, 37; Con. Eun., Athens ed., 44, pp. 239, 253.

159  Didymus, Con. Eun., Athens ed., 44, p. 226f; for cognate expressions see De Trin., 1.9; 2.1, 12.

[160]  لاحظ التركيز المتكرر لديديموس على ’الجوهر الواحد‘ في كتابه عن الروح القدس والمحفوظ فقط في الترجمة اللاتينية لجيروم: (16-19, 21f, 24f, 32, 36f, 40, 53, 58)

161  Didymus, De Trin., 1.9f, 11, 15f, 18f, 25, 27; 2.1, 3f, 5ff, 15, 18, 26f; 3.2, 15f, 24, 47, 55; De Sp. St., 30-39; Con. Eun., Athens ed., 44, pp. 246f, 255ff.

162  Didymus, De Trin., 1.9, 11f, 15f, 18f, 21, 26f, 30, 34f; 2.1ff, 5ff, 8, 12, 19, 27; 3.1f, 18, 23f, 38, 40f, 45; De Sp. St., 27, 30. See Gregory Naz., Or., 29. 16; 31, 8-20.

163  Didymus, De Trin., 1.16, 18, 26f; cf. 3.1f, 13, 18; De Sp. St., 36.

وقد فسَّر ديديموس الآية “أبي أعظم مني” (يو 28:14) من جهة التواضع التدبيري للابن ’من أجلنا‘. انظر أيضاً في نفس الموضوع:

Hilary, De Trin., 9.51, 54f; cf. 3.65; De syn., 64; and Amphilochius, ap. Theodoret, Dial., 1, MPG 83.99; Epiphanius, Haer., 69.43, 53.

وبالنسبة للقديس أثناسيوس (في ضد الأريوسيين 58:1) كانت هذه الآية تشير إلى علاقة البنوّة التي للابن مع الآب (قانون البنوّة والأبوّة)، ولم تكن تعني بأي حال من الأحوال عدم التساوي في الطبيعة الإلهية (أو أن وحدة الرئاسة هي في الآب فقط كما سيأتي ذكره) أما بالنسبة للقديس باسيليوس وبقية الآباء الكبادوك فقد فسَّروا هذه الآية بأن الآب ’أعظم‘ في كونه هو ’المصدر‘ (πηγή) و’العلة‘ (αι̉τία) بالنسبة للابن:

Basil, Con. Eun., 1.25; Evagrius/Basil, Ep., 8.5f; Gregory Nyss., Ex comm., Jaeger ed., 3.1, p. 24f; cf. Gregory Naz., Or., 29.15; 30.7; and John of Damascus, De fide, 1.8.  

164  See for example Didymus, De Trin., 1.36.

165  Didymus, De Trin., 2.1-3; De Sp. St., 3ff; 16-25; 32-40; 57-61.

166  Didymus, De Trin., 1.15, 18, 26, 36; 2.1ff, 5; 3.3, 5, 38; De Sp. St., 26, 37; cf. Con. Eun., Athens ed., 44, p. 251.

*     لأن الروح القدس حين يسكن فينا، يجعلنا نتحد بالابن وبالتالي نشترك في بنوة الابن للآب: “أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا يا آبا الآب” (غل 6:4). (المترجم)

167  Didymus, De Sp. St., 34-37.

168  Cyril of Jer., Cat., 4.16, 33; 11.12; 16.1-4, 16ff, 24.

169  Cyril of Jer., Cat., 16.2 and 13.

170  Cyril of Jer., Cat., 16.24.

171  But cf. Sozomen, Hist. eccl., 7.7, for a reported change in Cyril’s views.

172  Cyril of Jer., Cat., 16.3-4; 17.34; cf. 17.4f, 34.

173 Cyril of Jer., Cat., 16.3f, 12, 24; 17.2, 5.

174 Cyril of Jer., Cat., 16.3, 13; 17.2, 5, 28, 33f.

*  إرجع إلى القداس الإلهي حيث نجد في كل من تقدمة الحمل والاعتراف تُذكر عبارة “واحد هو الآب القدوس، واحد هو الابن القدوس، واحد هو الروح القدس..” (المترجم)

175 Cyril of Jer., Cat., 4.16; cf. 6.1, 6f; 16.3.

176 Cyril of Jer., Cat., 16.24.

177 Cyril of Jer., Cat., 4.16; 16.3; 17.2, 5, 28, 33f.

178  Basil, De Sp. St., 38-40; Didymus, De Trin., 2.6.

179  Cyril of Jer., Cat., 16.11-13, with reference to 1Cor. 12.1-11.

180  Cyril of Jer., Cat., 16.16.

181  See, for example, Basil, Hex., 2.3-8; De Sp. St., 22f.

182  Gregory Naz., Or., 31.3, 29;41.9, 14.

183  Basil, De Sp. St., 61.

184  Basil, De Sp. St., 38; see also 48-56.

185  Basil, ibid., 38. Cf. Gregory Nyss., non tres dei, Jaeger, 3.1, p.47ff;

انظر تمييز ق. غريغوريوس النزينزي بين كل من ’المسبب‘ (αι̉́τιος) و’الفاعل‘ (δημιουργός) و’المكمِّل‘ (τελειοποιός).

186  Basil, De Sp. St., 49, 51f, 55ff, 61f.

187  Basil, ibid., 38-40.

188  Basil, ibid., 46-49, 55, 61-64.

189  Gregory Naz., Or., 31.12.

190  Basil, Con. Eun., 3.5; In Ps., 48. 1f; also Athanasius, Con. Ar., 2.41f, 46; 3.22; Ad Ser., 1.6, 9, 22f, 29; 2.7; 4.7, etc.

 

*    ’الشخص‘ (الأقنوم) له مدلول يختلف تمامًا عن مدلول ’الفرد‘. فالشخص هو من لا يوجد أو يحيا إلاّ في شركة واتحاد الحب مع آخر، وهو يحقق ذاته (بكونه شخصًا) في حبه الحر الكامل للآخر، وفي تقديمه للآخر على نفسه، وفي اختفائه هو وإظهار الآخر، وفي اتحاده الكامل مع الآخر. والاتحاد لا يحدث إلاّ بين أشخاص (أقانيم) بكل ما تعنيه الكلمة، أي بين من يحيون على صورة أقانيم الثالوث. إذن الوجود المتأقنم (الذي خُلقنا لنحياه) هو الوجود في شركة واتحاد ـ وليس الوجود الفردي ـ سواء مع الله أو مع بعضنا البعض. (المترجم)

191  Cf. Epiphanius on this, Anc., 68; Haer., 74.4.

*    كانت غاية خلقة الإنسان هي أن يحيا في شركة واتحاد الحب مع الله ومع الآخرين، ولكن الخطية أخرجت الإنسان عن صورة أقنوميته (أي عن صورة الله) وعن غاية خلقته، وظهر أثر الخطية في الفردية التي أصبح الإنسان عليها. ولذلك كان الخلاص الذي من الآب بالمسيح في الروح القدس ليعيد الإنسان مرة أخرى إلى صورته الأولى ويعيده شخصًا ـ لا فردًا ـ قادرًا أن يحيا في اتحاد مع الله ومع الآخرين. ومن هنا كان عمل الله الخلاصي في حياة الإنسان هو عمل مُشخصِن (مؤقنِم) بالمسيح وفي الروح القدس. (المترجم)

[192]  رو 15:8؛ غل 6:4؛ انظر:

Cyril of Jer., Procat., 1ff; Cat., 1.1ff; 3.1ff; 7.14; 17.4, 6; 21.1ff; 23.5.

[193]  هذا كان باليقين جزءًا من المعنى الذي يتضمنه مفهوم ’التأليه‘  (θεοποίησις)في الفكر اللاهوتي الآبائي اليوناني (المدوَّن باليونانية). انظر:

Athanasius, De decr., 14, 31; Con. Ar., 1.9, 39, 78; 2.59,70; 3.19, 33, 53; 4.21f; Ad Ser., 1.23 ff; De syn., 51; Ad Adel., 4; Ad Max., 2, etc.  

194  Athanasius, Ad Ser., 1.27; 3.1.

*   خاص بالابن أي يخصه أو أنه خاصته (his own)، والكلمة اليونانية (ι̉́διος) تعني خاصًّا أو خصوصيًّا أو ذاتيًّا. (المترجم)

195  Athanasius, Ad Ser., 1.2; cf. 3.1; 4.3.

#   على غير ما يحاول البعض خطأً الاستناد إلى الآية “يأخذ مما لي ويعطيكم” (يو14:16) لكي ما ينسبوا انبثاق الروح الأزلي إلى الابن مع الآب، فإننا نجد ق. أثناسيوس يشرحها (في رسائله إلى سرابيون 20:1) على أنها تشير فقط إلى مجرد إرسال الروح القدس من الابن، حيث يقارن بين ما سمعه الابن من الآب وتكلم به (يو 26:8) وبين ما يسمعه الروح القدس من الابن ويتكلم به “لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به…. لأنه يأخذ مما لي ويعطيكم”.(يو14:16). (المترجم)

196  Athanasius, Ad Ser., 1.11.

197  Athanasius, Ad Ser., 1.20; 3.1; 4.1f.

*   يتضح المعنى المقصود إذا بدأنا الجملة من نهايتها، أي بما أن الروح القدس هو أيضًا من الآب، فلا بد أن يكون خاصًّا بالابن الذي هو من الآب. (المترجم)

198 Athanasius, Ad Ser., 1.25; 3.1; 4.3f.

199 Athanasius, Ad Ser., 1.27; 3.1; 4.3.

200 Athanasius, Con. Ar., 1.15, 47f; 1.50, 56; 2.18; 3.15, 24, 25, 44; cf. also the addendum to the Ad Ser., 4.8-23, Athens ed., 33, pp. 133-149; and Con. Apol., 1.9.

201 Athanasius, Con. Ar., 1.58; Ad Ser., 1.17, 28; 3.1.

202  Gregory Naz., Or., 31.10.

* استخـدم ق. أثناسـيوس هذا المدخـل ليثبت ألوهية الروح القدس (انظر الرسـائل إلى سرابيون 24:1) “فلو كان الروح القدس مخلوقًا، لما كان لنا اشتراك في الله بواسطته، فإن كنا قد اتحدنا بمخلوق، فإننا نكون غرباء عن الطبيعة الإلهية حيث إننا لم نشترك فيها”. (المترجم)

203  Epiphanius, Anc., 6.

204  Epiphanius, Anc., 10, 81; Haer., 69.44, 56; 72.1; 76.21; Exp. Fidei, 18.

[205] يقول ق. غريغوريوس النزينزي: “كل ما لدى الآب هو لدى الابن أيضًا ماعدا كونه (أي الآب) غير مولود. وكل ما لدى الابن هو لدى الروح القدس أيضًا ما عدا كونه (أي الابن) مولودًا”.(خطبة 9:41)

206  Gregory Naz., Or., 31.8.

207  Basil, De Sp. St., 30, 38, 45ff, 68; cf. Athanasius, Ad Ser., 1.20; 3.1; Gregory Nyss., Con. Eun., Jaeger, 2, p. 328; Hilary, De Trin., 2.33.

208  Epiphanius, Anc., 4, 7f; Haer., 62.4; 74.11.

*   كان ق. أثناسيوس يرفض بشدة فكرة أن الروح القدس هو سبب وحدة الكلمة بالاب: “لأن الكلمة لا يشترك في الروح القدس حتى يصير في الآب،… فالروح لا يوحد الكلمة بالآب…، فالابن هو في الآب لأنه كلمته وشعاعه” (ضد الأريوسيين 25:3). (المترجم)

209  Augustine, De Trin., 6.7; 15.27, 50.

[210]  من المؤكد أن مصطلح ’التواجد (الاحتواء) المتبادل‘ (περιχώρησις) قد بدأ استخدامه اللاهوتي من خلال ق. غريغوريوس النزينزي (Or., 18.42; 22.4; Ep., 101.6.). انظر:

 Comments of G.S. Kirk and J.E. Raven (The Presocratic Philosophers, 1957, pp. 373, 380), with reference to the Scholia on Gregory’s Orationes, MPG, 36.991.

انظر أيضًا هذا المفهوم عند الآباء الذين سبقوا ق. غريغوريوس النزينزي:

 Athenagoras, Suppl., 10; Irenaeus, Adv. haer., 3.6.2, vol. 2, p. 22f; Dionysius of Alex., ap. Athanasius, De decr., 26; Hilary, De Trin., 3.4; 4.10.

211  Epiphanius, Anc., 10.

212  Athanasius, De sent. Dion., 17; cf. also De syn., 26.

213  Athanasius, Exp. fidei, 4.

214 Athanasius, Ad Ser., 3.5.

*   رغم أن هذا النص يمكن أن يُساء فهمه بمعنى أن الروح القدس يكون في الله الآب بالكلمة، إلاّ أننا إذا رجعنا إلى الفقرة التي أُخذ منها هذا النص (الرسائل إلى سرابيون 5:3) سنجد أنها تدور حول عمل الروح ووحدانيته مع عمل الآب والابن، فيبدأ ق. أثناسيوس بالكلام عن أن الروح ليس مخلوقًا بل هو فاعل في عمل الخلق، ويستمر في إثبات ألوهية الروح من منطلق وجوده الدائم مع الابن في كل أعماله الإلهية “لأنه حيث يكون الكلمة (فاعلاً)، فهناك أيضًا الروح (محققًا)”، وحتى النطق على لسان أولاد الله يكون فيه الروح أيضاً ملازماً للكلمة، ويختم الحديث بقوله إن المواهب تُعطى في الثالوث…”لأن الآب نفسه بالكلمة في الروح يعمل كل الأشياء ويعطيها”. ومن هذا السياق نستطيع أن نفهم النص في معناه المقصود والذي لا يتعرض لعلاقة الروح بالاب والابن في جوهر الله الواحد وإنما يدور حول عمل الروح القدس غير المنفصل عن عمل الابن والاب:

“لأن الروح ليس خارج الكلمة (حين يعمل أو يعطي)،

بل إذ هو في الكلمة (وهو يعطي)

فهو في الله بالكلمة (يعطي).”

كما أننا سنجد نفس هذا المعنى في نفس الرسالة (الفقرة 30): “فما يقسمه الروح لكل واحد، يكون الآب هو الذي يمنحه بواسطة الكلمة… فالمواهب التي يمنحها الابن في الروح القدس تكون هي أصلاً مواهب الآب”. (المترجم)

215  Athanasius, Con. Ar., 1.47f, 50; 2.18; 3.3ff, 15, 25; Ad Ser., 1.2, 15, 20; 4.3.

216  Athanasius, De decr., 12.

217  Athanasius, Con. Ar., 1.17f; 4.5; Ad Ser., 1.15ff, etc. Cf. Cyril of Jerusalem, Cat., 11.9.

218  Athanasius, Ad Ser., 1.0, 22,25, 27; 2.5; 3.1.

كان فكر ق. أثناسيوس قاطعًا تمامًا في هذا الأمر، وهو ما يؤكد أن الفرق بين ’الأوسيا‘ و’الهيبوستاسيس‘ كان واضحًا تمامًا في الفكر اللاهوتي السكندري، رغم أننا نجد أن ق. أثناسيوس في حرومات مجمع نيقية (De decr., 20; De syn., 41) قد استخدم المصطلحين بصورة مترادفة (ارجع إلى الحاشية صفحة: 281).

219  Athanasius, Ad Ser., 1.9, 12, 14, 20, 24, 28, 30; 3.5; 4.6.

220  Basil, De Sp. St., 46; Con. Eun., 2.28; Ep., 214.4; 236.6; Gregory Nyss., Or. Cat., 2; Gregory Naz., Or., 41.9, 14.

221  See especially Basil’s Epistles 125, 214, 236, and Gregory/Basil, Ep., 38.

[222] انظر رسالة باسيليوس (أوغريغوريوس) (4:38) حيث ذُكر عن الأقانيم أنهم في: “انفصال مرتبط، وارتباط منفصل (conjoined separation, and a separated conjunction)” في الله. وبالمثل أشار ق. غريغوريوس النزينزي للأقانيم الثلاثة بكونهم “منقسمين بلا انقسام ومتحدين في انقسام (divided without division, and united in division)” (خطبة 11:39؛ 14:31؛ 9:41).

223  See Gregory Naz., Or., 29.8f; 30.19; 31.8f; 39.12.

224  See Basil, Hom. Con. Syc., Athens ed., 54, pp. 234-237; Ep., 8, 31, 189.

225  Basil, Con Eun., 1.19, 25;  Gregory Nyss., Con Eun., 1.36, 39, 42; Gregory/Basil, Ep., 38.4, 7.

غير أنه عند الحديث عن علاقات الله الخارجية (بما هو خارجه)، فإن الابن والروح القدس حينئذ يُنظر إليهما مع الآب بكونهم معًا رأس (مبدأ) (α̉ρχή) واحد وعلة (αι̉τία) واحدة:

Basil, De Sp. St., 37; Gregory Nyss., Con. Eun., 1.36; 3.64; De Sp. St., Jaeger, 3.1, pp. 97ff, 105ff; non tres dei, Jaeger, 3.1, pp. 47ff; Gregory/Basil, Ep., 38.4, etc.

226  Gregory Nyss, non tres dei, Jaeger, 3.1, p. 56f; see also Con. Eun., 1.25, 33ff, 42; Con. Eun., 2, Jaeger, 1, pp. 264ff; Con. Eun., 3.5, 4; Or. Cat., 1ff.

227  Gregory/Basil, Ep., 38.4.

228  Gregory Naz., Or., 29.3; 31.13f.

ولكن ق. غريغوريوس عاد وأشار إلى اللاهوت (وليس الآب) بكونه هو الذي يتضمن وحدة المبدأ (أو وحدة الرأس) (Μοναρχία) في الله (Or., 2.38; 31.14; 39.12; 41.9.).

229  Gregory/Basil, Ep., 38.4; Basil, De Sp. St., 13, 45f, 58f; Con. Sab., 4; Gregory Nyss., Con. Eun., 1, 36; Adv. Maced., 13.

ورغم ذلك كتب ق. غريغوريوس النيصي في (non tres dei, Jaeger, 3.1, p. 56) أن فكرة السببية يمكن الاستغناء عنها.

230  Athanasius, Con. Ar., 1.16; 3.1ff; 4.1ff; Ad Ser., 1.16, 29, etc.

وحين ذكر ق. أثناسيوس مرة (De syn., 46f) أن الآب هو ’المسبب‘(αι̉́τιος) كان هذا بدون أدنى إشارة إلى وجود ’تركيب سببي‘ أو ’ترتيب‘ في أقانيم الثالوث. أما كلمة (αι̉τία) التي جاءت في مقالته الثانية ضد الأريوسيين (Con. Ar., 2.54) فكانت تحمل معنى ’منطق‘ وليس ’علة‘.

231  Athanasius, Con. Ar., 2.2, 31; De syn., 23; cf. Con. Ar., 3.58ff.

وقد تبعه في ذلك ق. كيرلس السكندري : (Thes., MPG 75.97A, 105C, 249A.).

232  Gregory Naz., Or., 20.7; cf. 29.6; and Basil, De Sp. St., 21.

233  Gregory Naz., Or., 30.20; 37.33ff; 38.8; 39.10f; 40.41ff; 42.16; 45.4.

234  Gregory Naz., Or., 1.38; 2.38; 20.7; 29.3, 15, 19; 30.19f; 31.8-14; 32.30, 33; 34.8, 10; 39.12; 40.41ff; 41.9; 42.15ff.

235  Gregory Naz., Or., 40.43; and see 29.15.

236  Gregory Naz., Or., 43.30.

237  Gregory Naz., Or., 29.2ff, 16; 30.11, 19f; 31.9, 14, 16. Cf. also   Gregory Nyss., Con. Eun., 1.22; De fide, Jaeger, 3.1, p. 65; and Basil, De Sp. St., 14f; Con. Eun., 1, Athens ed., 52, p. 164.

238  Cyril Alex., Thes., MPG, 75, 10. 125f, 128f; 32. 553; cf. Dial. De Trin., MPG, 75, 2.721, 744f, 769.

239  See Gregory Naz., Or., 31.14.

240  Gregory Nyss., Ex com. not., Jaeger, 3.1, pp. 19-25; cf. De Sp. St., Jaeger, 3.1, pp. 13ff; and Ex com. not., Jaeger, 3.1, p. 25.

241  Gregory Nyss., non tres dei, Jaeger, 3.1, pp. 55ff.

[242]  انظر تغير فكر ق. باسيليوس في: (Basil, Con. Eun., 1.23).

243  Gregory/Basil, Ep., 38.8.

244  Thus also Epiphanius, Haer., 70.8. Cf. Ps. Athanasius Quaest. al., 5, MPG, 28.784.

وقد كان ق. غريغوريوس النزينزي هو الأقرب إلى ق. أثناسيوس في هذا الأمر كما

 في كافة الأمور الأخرى: (Or., 21.13, 34; 31.9, 14; 34.8ff; 40.41;

 41.9; 42.15ff, etc.).

245  See the Letter of Arius to Eusebius, ap. Theodoret, Hist. eccl., 1.4; Athanasius, De syn., 16. Thus also Hilary, De Trin., 4.13; and Epiphanius, Haer., 69.8, 78; cf. also 73.16 & 21.

246  Athanasius, Ad Ant., 5; Con. Ar., 4.1-4. Thus also Epiphanius, Haer., 69.29; 73.16; Exp. Fidei, 14.

وقد كان ق. إبيفانيوس يركز دائمًا على ربوبية واحدة وسيادة واحدة مطلقة للثالوث

 غير المنقسم: Haer., 57.4; 62, 2f; 63.8; 69.33, 44, 73, 75; 73.15f; 74.14.

*   كان مفهوم ق. أثناسيوس وآباء نيقية للأوسيا (οÙσία) أنه “الجوهر الفائق لكل إدراك الذي يحوي ضمنًا العلاقات الأقنومية في داخله”، أي إن هذه العلاقات متضمَّنة داخل هذا الجوهر الواحد. أما ’الهيبوستاسيس‘ فأصبح يعني “كيان شخصي أساسي متمايز في داخل جوهر الله (™νυπόστατος)“، أي إن الأقانيم الإلهية لها وجود شخصي حقيقي، في جوهر الله الواحد وهذا هو المعنى أو المدلول الشخصي (الأقنومي) للأوسيا، ولذلك استخدم ق. أثناسيوس تعبير (ενούσιος λόγος) أي اللوغوس الذي في الجوهر. ومن هنا كان مفهوم الـ ’هوموأووسيوس‘ (أي الوحدانية في ذات الجوهر) هو مفتاح فهم الوحدانية والتطابق في الثالوث. كما أن هذا هو ما جعل ق. اثناسيوس يقول إن اللاهوت بكامله هو في الابن وفي الروح القدس كما هو في الآب، ولذلك فالثلاثة أقانيم هم ربوبية واحدة ومبدأ واحد ورئاسة واحدة. وكان مفهوم ’هوموأووسيوس‘ عند آباء نيقية يحمل في طياته أيضًا مفهوم التواجد (الاحتواء) المتبادل للثلاثة أقانيم الإلهية داخل جوهر الله الواحد (Athanas., Ad Ser., 1.27; 2.3,5; 3.1; Epiph., Haer., 63.6; 65.1 ff.). وقد تبع ق. أثناسيوس في هذا التعليم كل من ق. إبيفانيوس وق. غريغوريوس اللاهوتي وق. كيرلس الكبير.

     أما الآباء الكبادوكيون فعلى الرغم من أنهم ساهموا في فهم أعمق لأقانيم الثالوث، إلاّ أنهم قاموا بالتفريق بين مدلول ’الأوسيا‘ ومدلول ’الهيبوستاسيس‘ على أساس أن علاقة ’الأوسيا‘ بـ ’الهيبوستاسيس‘ هي مثل علاقة العمومي (أو المشترك) (τό κοινόν) بالخصوصي (أو المميَّز) (τό ‡διον)، وبالتالي فقد ’الأوسيا‘ أي مدلول شخصي (أقنومي) له. كما أنهم ميَّزوا الأقانيم الثلاثة بعضها عن البعض الآخر طبقًا لأنماط وجودهم (τρόποι Øπάρξεως) الخاصة. وكان مدخلهم لفهم الثالوث يبدأ من الأقانيم المتمايزة والموحدة من خلال وحدة المبدأ (الرأس) التي في أقنوم الآب الذي اعتبروه هو ’المبدأ‘ (الرأس) (¢ρχή) أو ’العلة‘(α„τία) أو ’المصدر‘ (πηγή) الوحيد للألوهة (Θεότητος) ولكن بدون وجود أي فاصل بين ’العلة‘ و’المعلول‘ وبحيث أن صدور الابن والروح القدس من الآب هو بلا بداية (¨νaρχως). ولكن هذا المدخل جعلهم ينظرون إلى العلاقات الداخلية بين أقانيم الثالوث على أنها تشكِّل بناءً متسلسلاً من السببية والترتيب المنطقي، كما أدى إلى تفريق بين ألوهة الآب ’غير المستمدة‘ وألوهة الابن والروح القدس ’المستمدة‘. (المترجم)  

247  Didymus, De Trin., 2.26.

248  Didymus, De Trin., 1.10, 15, 32, 34f; 2.1f, 4f; 2.6, 22; 2.7, 12; 3.2f, 5, 38; De Sp. St., 26; 34f; Con. Eun., Athens ed., 44, pp. 225f.

249  Didymus, De Trin., 2.1f, 5; 2.6.8, 22, etc.

250  Didymus, Con. Eun., Athens ed., 44, p. 251.

وقد ظهر بوضوح تأثير ق. باسيليوس على ديديموس في هذا الكتاب.

*    بينما قام الآباء الكبادوكيون وديديموس باستبدال صيغة نيقية “من جوهر الآب” بصيغة “من أقنوم الآب”، نجد أن كلاً من ق. إبيفانيوس وق. كيرلس السكندري قد تمسك بصيغة آباء نيقية. (المترجم)

[251]  وقد جمع ديديموس بين الصيغتين ’من جوهر الآب‘ و ’من أقنوم الآب‘ في:

Didymus, De Trin., 2.5. See Epistola Eusebii, ap. Theodoret, Hist. eccl., 1.11.

252  Didymus, De Trin., 2.2, 15.

*   كان ديديموس يؤكد دائمًا أن انبثاق الروح القدس الأزلي هو من الآب (من أقنوم الآب)، أما هنا فيبدو أنه يقصد إرسال الروح القدس من الآب (الذي ينبثق منه) ومن الابن (الذي يأخذ منه ويعطينا)، والمعنى أنه بما أن الروح القدس المنبثق من الآب هو يستقر في الابن، فإنه يُرسَل (إلينا) من الابن ومن الآب. (المترجم)

253  Didymus, De Trin., 2.1; 2.2, 5; 2.26f; De Sp. St., 26. Heron, Ekkl. Pharos, 1971, p. 16; kerygma und Logos, edit, by A.H. Ritter, 1979, p. 308.

*   هذا الكلام يختص بإرسالية الروح القدس؛ إذ هو يأخذ من المسيح ويعطينا. (ارجع إلى الحاشية صفحة 277). (المترجم)

254  Athanasius, De sent. Dion., 1.17; Exp. fidei, 4; Con. Ar., 1.16, 20, 46ff, 50; 2.18, 28; 3.1ff, 15, 24ff, 44ff; Ad Ser., 1.2, 15f, 20ff; 3.2ff; 4.3f.

#   ينبثق من الآب فيما يخص صدوره الأزلي داخل الثالوث القدوس، ويأخذ من الابن فيما يخص إرساليته إلى العالم. (المترجم)

255  Epiphanius, Anc., 6; cf. 9 & 11; and Haer., 76. Ref. Aet., 15, 22, 28, 31, 35; thus also Gregory Nyss., Adv. Maced., 10.

256  Epiphanius Haer., 62.3; 63.7; 69.18, 36;73.11, 26; 76.6; 76. Ref. Aet., 5, 21, 28; 78.3.

*   بما إن الروح القدس هو ـ مثله مثل الابن ـ من ذات جوهر الآب، وهو يخص الابن، لذلك فهو ينبثق من جوهر الآب بغير انفصال عن الابن. وهو ينبثق من الآب ويستقر في الابن (ق. أثناسيوس إلى سرابيون 19:1، 33؛ ق. باسيليوس خطاب 4:38) أي إن الروح القدس ينبثق من الآب إلى الابن (أو في الابن) لأنه خاص (‡διον = his own) بالابن من جهة الكيان (ق أثناسيوس إلى سرابيون 27،25:1؛ 1:3؛ 3:4).

    وهناك ارتباط بين خصوصية علاقة الروح القدس الأزلية مع الابن، وبين إرسال الروح القدس للخليقة من خلال الابن فحيث إن الروح ينبثق من الآب إلى الابن وهو يخص الابن فيمكن أن يُقال: إن الابن يرسله إلينا من الآب، أو إن الآب يرسله إلينا بواسطة الابن أو إن الروح يأتينا من الآب من خلال الابن. إذن فبينما في الأساس، ينبثق الروح القدس من الآب، فإنه “بسبب خصوصية علاقته مع الابن، فهو يُعطى منه للجميع” (ق. أثناسيوس إلى سرابيون 1:3) ويقول ق. كيرلس السكندري: “بما أن الروح هو روح الله، روح الآب وروح الابن، فهو يصدر جوهريًّا من كليهما، (بمعنى أنه) ينحدر (إلينا) من الآب من خلال الابن (MPG, 68.148). (المترجم)

#    هذا المعنى ينحصر في إرسالية الروح القدس في العالم والتي يشترك فيها الآب والابن.. ولينتبه القارئ إلى أن الابن (المتجسد) نفسه نفخ في وجه تلاميذه قائلاً لهم اقبلوا الروح القدس (يو 20:22). (المترجم)

257 Epiphanius, Haer., 62.4; 69, 54, 56, 63; 73.12, 16; 74.7f; 74.14; 76.11; Anc., 71f.

258  Epiphanius, Anc., 72ff; Haer., 74.9ff, 12.

259  Epiphanius, Anc., 119.

260  See Gregory Naz., Or., 42. 15ff.

*  انظر صفحة 287 – 289 والمرجع رقم 226، 229 في نفس الفصل. حيث ذكر هؤلاء الآباء أن كيان الروح القدس متأسس في كيان الآب من خلال كيان الابن، كما أنهم وضعوا العلاقات الداخلية بين الآب والابن والروح القدس في بناء متسلسل من السببية والترتيب المنطقي أو في ’سلسلة‘ من الاعتمادية من خلال الابن. (المترجم)

[261]  انظر الخطاب المجمعي الصادر عن المجمع (ap. Theodoret, Hist. eccl., 5.9): “هناك ألوهة واحدة وسلطان واحد وجوهر واحد للآب والابن والروح القدس، ثلاثة أقانيم كاملة وثلاثة أشخاص تامة، وهم متساوون في المجد والكرامة والربوبية”. انظر أيضاً الملحق الخاص بالمجمع الذي وُجد في رسالة دماسوس أسقف روما والذي يحرم هؤلاء الذين لا يعترفون بأن الروح القدس له ذات الجوهر الواحد والقدرة الواحدة مع الآب وللابن، وأن الثالوث الواحد في ذات الجوهر ينبغي أن يُعبد في ثلاثة أشخاص (Theodoret, ibid., 5.11.).

[262]  هذا الأمر ظهر تأثيره في النص المسمى بـ ‘Pseudo-Dionysius’؛ إذ أصبح واضحًا جدًّا أن الفكر اللاهوتي ’المستيكي‘ لا بد أن يذهب إلى ما هو أبعد من مجرد التفكير في الله بكونه جوهرًا (أوسيا) فائقًا غير مميز وغير معروف في علاقاته الداخلية:

De div. nom., 1.5 ff; Theol. Myst., 1f.

263  Cyril of Jersualem, Cat., 7.5.

264  See Epiphanius, Haer., 66.72f, 84; 74.7; Anc., 119f.

265  See Didymus, Con. Eun., Athens ed., 44, pp. 253, 255, 277; cf. Athanasius, De decr., 22; De syn., 35; Con. Ar., 1.46; 3.6f; Ad Afr., 4; Epiphanius, Anc., 70; Haer., 58. 10; 62.4; 63.7; 74.7; 76. Ref. Aet., 29.etc.

[266] 2كو 17:3. انظر:

Athanasius, Ad ser., 1.4ff; Con. Ar., 1.11; Ep., 1.8f; Basil, De Sp. St., 52f.

267  E.g., Cyril of Jer., Cat., 4.16, 33; 11.12; 16.1ff, 16f, 24, 26ff; 17.5.

268  Didymus, De Trin., 1.15-18, 25f; 2.2, 6, 21f; Con. Eun., Athens ed., p. 242, etc.

269  Didymus, De Trin., 1.18, 26, 35.

270  Didymus, De Trin., 1.18; 2.3, 5, 16; 3.37; De Sp. St., 15, 32, 55, etc.

271  Didymus, De Trin., 1.18; 2.11; Con. Eun., Athens ed., 44, p. 242; In Ps., 17.16; 39.8; 41.2; 64. 10; 92.1, etc.; see also Epiphanius, Anc., 72, 75; Haer., 74.9.

272  Athanasius, Ad Ser., 1.2f, 6, 11, 33; 3.2; 4.3f.

*  أي صلوات التوسل لله من أجل تقديس القربان. (المترجم)

273  Serapion, Euch., 13, Athens ed., 43, p. 76f.

274  Cyril of Jer., Cat., 23.7. Cf. also Apost. Const., 8.12; The Liturgy of St Mark, xvii, Brightman, op. cit., p. 134.

275  Gregory Naz., Or., 30. 14; 31.3, 30; 34.13; 41.12.

276  Hippolytus, Apost. Trad., 3.5. Cf. Hilary, De Trin., 8.19; 12.55;

Desyn., 11, 29, 54f; Cyril of Jer., Cat., 16.20; 17.4, 9; and Tertullian,

De praescr. Haer., 13.

277  Thus Basil, De Sp. St., 23, 44, 46; Con. Eun., 2.32f; 3.1ff; Gregory        Nyss., Ref. Eun., Jaeger, 2, pp. 389ff; Gregory Naz., Or., 30.14; 31.3, 12, 26ff; Epiphanius, Haer., 66. 19; 73.15, 25; 74. 12f; Anc., 8, 67; Didymus, De Trin., 2.2, 6, 16, 19; 3.38; De Sp. St., 25-37, etc.

*  رو 26:8  “لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي. ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها” (المترجم)

#  رو 34:8 “المسيح هو الذي مات ، بل بالحري قام أيضًا ، الذي هو أيضًا عن يمين الله، الذي أيضا يشفع فينا (المترجم)

278  See Origen, De Or., 2.14.

279  Gregory Naz., Or., 30.14; 31.12; Basil, De Sp. St., 50.

280  Epiphanius, Anc., 68.72; cf. Haer., 55.5; and Basil, De Sp. St., 66f.

281  Epiphanius, Anc., 5-8; Haer., 62.4; 73.36; 74.11; cf. 70.1.

*  ارجع للحاشية صفحة 275، 276. (المترجم)

 

الروح الأزلي ف5 – الإيمان بالثالوث – توماس ف. تورانس