الخالق الضابط الكل ف3 – الإيمان بالثالوث – توماس ف. تورانس
الإيمان بالثالوث
الفكر اللاهوتي الكتابي
للكنيسة الجامعة في القرون الأولى
توماس ف. تورانس
ترجمة
دكتور عماد موريس اسكندر
الفصل الثالث
الخالق الضابط الكل
“إله واحد، آب ضابط الكل، خالق السموات والأرض،
ما يرى وما لا يرى”
معرفتنا لله ’كخالق‘ تُستَمد من معرفتنا له ’كآب‘
لقد تعمَّد مجمع نيقية إعطاء المكانة الأولى لأبوة الله، وذلك في اعتراف المجمع بالإيمان بإله واحد الله ’الآب‘، ضابط الكل و’الخالق‘، لأن معرفتنا لله ’كخالق‘ تُستَمد من معرفتنا له ’كآب‘* وليس العكس. ولكن كما رأينا، فإن معرفة الآب هي مأخوذة من يسوع المسيح ابنه الذي له ذات الجوهر الواحد مع الآب، لأن الآب أعلن لنا نفسه فيه (أي في المسيح) كما هو في طبيعته الذاتية. ولهذا السبب أصرَّ ق. أثناسيوس في عبارته الهامة التي استرشدنا بها “إنه يكون أكثر تقوى وحق أن نتعرف على الله من خلال الابن وندعوه ’الآب‘ عن أن نسميه من خلال أعماله فقط وندعوه ’غير المخلوق‘(¢γένητον)[1]“. وعلى ذلك، فإن فهمنا لله كخالق ينبغي بالمثل أيضًا أن يُستَمد من الابن، لأن الله هو خالق الكل وصانع الكل بالابن ’الكلمة‘ الذي هو في الآب أزليًّا ومن نفس طبيعته الذاتية. ويؤكِّد ق. أثناسيوس: “إن مَن يدعو الله ’آبًا‘ يتعرَّف عليه من الابن، مدركًا تمامًا أنه حيث يوجد ابن، فبالضرورة تكون كل الأشياء التي أتت إلى الوجود قد خُلقت بالابن. وعندما يدعونه (أي الله) ’غير المخلوق‘ فإنهم يسمُّونه هكذا من جهة أعماله فقط وبذلك فهم لا يعرفون الابن أكثر مما يعرفه اليونانيون (الوثنيون). ولكن مَن يدعوه ’آبًا‘ فإنه يسمِّيه من جهة ’كلمته‘؛ وإذ هو يعرف الكلمة فإنه يعترف بأنه صانع الكل، ويفهم أن به (أي بالكلمة) قد أتت كل الأشياء إلى الوجود[2]“. إذن فعند ق. أثناسيوس فإن مفهوم الله كخالق محكوم تمامًا بعلاقة التلازم والتواجد (الاحتواء) المتبادل بين الآب والابن، وبالعمل الواحد غير المنفصل الذي لهما. وبما أن الآب لا يكون قط بدون الابن كما أن الابن أيضًا لا يكون بدون الآب، فكل ما يصنعه الآب يتم بالابن ومن خلاله، وكل ما يصنعه الابن يكون هو نفسه ما يصنعه الآب. ونفس الشيء ينبغي أن يُقال بالنسبة للعلاقة بين الله وكلمته، فبما أن الله لا يكون قط بدون كلمته كما أن الكلمة لا يكون بدون الله، فكل شيء مخلوق قد خلقه الله من خلال كلمته وبكلمته وفي كلمته[3]. وبالطبع من النصوص التي كانت ذات أهمية قصوى بالنسبة للقديس أثناسيوس وكل لاهوتيي نيقية، الإصحاحات الأولى من إنجيل ق. يوحنا والرسالتان إلى أهل كولوسي والعبرانيين، والتي قُدِّمت فيها عقيدة الخلق التي مركزها المسيح الكلمة المتجسِّد.
وقد فسَّر ق. هيلاري عقيدة نيقية الخاصة بالله كخالق، بنفس التأكيد على أبوة الله والدخول إلى الله الآب من خلال الله الابن، وهذه بعض من أقواله في هذا الصدد:
– “تذَّكر أن الاستعلان لم يكن للآب الذي أُظهر كـ ’الله‘ بل لله الذي أُظهر كـ ’آب‘[4]“.
– “إن صميم مركز الإيمان الخلاصي، ليس هو مجرد الإيمان بالله بل الإيمان بالله كآب، وليس هو مجرد الإيمان بالمسيح ولكن الإيمان به كابن الله، ليس كمخلوق بل بكونه الله الخالق المولود من الله (الآب)[5] “.
– “إن الوجود كله مدين في أصله ومنشأه للآب، (فالآب) في المسيح وبالمسيح هو مصدر كل شيء[6]“.
إذن بالنسبة للقديس هيلاري، فإن كل ما يُقال أو يُعتقد عن الله ’كخالق‘ يجب أن يكون محكومًا بفهم ’أبوة‘ الله التي تُنقل (إلينا) في ومن خلال شخص وعمل يسوع المسيح ابنه الحبيب، ولذلك نجد ق. هيلاري يقول : “الله لا يمكن أن يكون إلاّ محبة، ولا يمكن أن يكون إلاّ آبًا: و(كما أن) مَن يحب لا يحسد، فمَن هو آب هو آب بكليته وبجملته*[7]“.
معرفتنا لله ’كخالق‘ تكون من خلال ابنه الكلمة المتجسِّد
ونستطيع الآن من منظور أولوية ومركزية علاقة الآب بالابن وأيضًا من حقيقة أننا نأتي إلى الآب، فقط من خلال الابن ـ الكلمة الذي صار جسدًا ـ أن نقدِّم عرضًا لعقيدة نيقية الخاصة بالله الخالق ضابط الكل. ونحن لا نقدر أن نفهم معنى ’ضبط‘ الله للكل أو كونه ’خالق‘، من خلال احتمالات نظرية مجردة وتعميمات غامضة ـ وذلك بتخيلنا عن ما هو ليس الله، أو بالبحث فيما قد أتى به الله إلى الوجود مختلفًا عن نفسه. ولكن كما ذكرنا، أنه ليس من خلال أعمال الله (خليقته)، وإنما فقط من خلال إعلان الله عن ذاته، وإعطاء الله ذاته لنا، في يسوع المسيح ابنه المتجسد المولود من طبيعته الذاتية الإلهية، فإننا نستطيع أن نفهم مَن هو الله فهماً حقيقيًّا وأن نعرفه ـ على قدر الامكان ـ وفقًا لطبيعته الذاتية كآب. وكذلك على نفس الأساس وبنفس الطريقة فقط، يمكننا أن نعرف الله الضابط الكل، بكونه خالق السماء والأرض، وكل الأشياء ما يرى وما لا يرى ـ أي عندما نعرفه مباشرةً وهو يعمل من خلال يسوع المسيح، الذي دُفع إليه من الآب كل سلطان في السماء وعلى الأرض[8].
وبسبب وحدة الجوهر والطبيعة بين الآب والابن فإنه يوجد أيضًا وحدة في الفعل بينهما، فما يصنعه الآب يصنعه الابن، كما أن أعمال الابن ينبغي أن يُنظر إليها على أنها أعمال الآب.[9] إذن فإن فهمنا لسيادة الله كلي القدرة وفعله الخلاَّق يجب أن تحكمه معرفتنا الفعلية لله كآب في يسوع المسيح ـ فهو أبو المسيح بشكل فريد، وأبونا نحن من خلال المسيح. ومن هنا نتعلَّم أن الله بكونه الآب ضابط الكل فهو الخالق ضابط الكل.
الله هو ’آب‘ في صميم كيانه، ولهذا فهو ’خالق‘
إن الله هو الكيان الواحد الأسمى، ضابط الكل، غير المخلوق، المكتفي ذاتيًّا، كليّ الكمال، الينبوع (πηγή) والمصدر (¢ρχή) والمسبب (ατιος) لكل الكائنات الأخرى[10]. ويمكن حتى أن يُقال إنه هو وحده الكائن بكل معنى الكلمة، حيث إن جميع الكائنات الأخرى هي كائنات فقط من منطلق أنها تستمد (كيانها) منه بكونها خليقته[11]. ومع ذلك، فإن الله هو هذا المصدر أو الينبوع المطلق للكينونة، فقط لأنه آب للابن منذ الأزل، ومن هنا فهو ينبوع في صميم طبيعته الداخلية كإله[12]. وعندما نسمي الله ’آب‘ فنحن لا نسمي إحدى صفات الله، وإنما “نعني (أو ندلِّل على) صميم كيانه[13]“.
وهذا بالطبع لا يعني أن الله هو الينبوع بالنسبة للكائنات المخلوقة بنفس الطريقة التي بها هو الينبوع بالنسبة للابن الأزلي، وإنما يعني أنه إن لم يكن هو الآب الذي قد وَلَد الابن أزليًّا من جوهره (κ τÁς οÙσίας) الذاتي، فلا يمكن أن يكون (من الأساس) ولودًا (γεννητικός) أو مثمرًا (καρπογόνος) في جوهره الذاتي[14]، أو بالتالي لا يمكن أن نعتبره كمصدر للوجود أو لأي كيان على الإطلاق، لأنه في هذه الحالة لن يكون أكثر من مجرد صانع أو مُشكِّل للكون[15]. فلأن الله (في الأساس) هو ولود في صميم كيانه لذلك فهو خالق.
ومن هنا كان إصرار ق. أثناسيوس على أن الذين ينكرون أن الله ضابط الكل هو ’آب‘ لا يمكنهم أن يؤمنوا به ’كخالق‘ فيقول: “لو كان الله بلا ’مولود‘ (¨γονος) لكان بلا ’أعمال‘ (¢νενέργητος)، لأن الابن هو مولوده الذي يعمل من خلاله[16]“.
الآب يخلق كل الأشياء بالابن في الروح القدس
ولقد كان مفهوم ق. أثناسيوس الأساسي أنه بما أن كيان الابن بكامله مطابق تماماً لكيان الآب، وبما أنهما واحد في ذات الطبيعة وفي ذات اللاهوت، فكل ما يقال عن الآب يقال عن الابن ما عدا (كونه) ’آب‘[17]. وإذا كان “الابن له كل ما هو للآب” وبالحقيقة هو نفسه ’الكل‘ الذي للآب*، وإذا كان الابن هو “الله بكامله وكماله” (Öλος καί πλήρης θεός)، فبالحقيقة يكون هو أيضًا بالتأكيد أصل أو مبدأ (¢ρχή) الوجود# مع الآب[18]. ولا يمكن بالطبع أن يكون هناك اثنان أو ثلاث مصادر أو أصول، بالضبط كما أنه لا يمكن أن يكون هناك آبان أو ثلاثة آباء[19]. فالآب والابن والروح القــدس هم واحد بلا انقســام، وهم أزلـــيًّا في تــواجد (احتـــواء) متبــــادل، كل منهم في الآخر، بكونهم الثــــالوث القـــــدوس المبــــارك. ولكن هم “لاهـــوت واحـد ورئاسة واحــــدة” (μία Θεότης καί μία ¢ρχή)[20]. أي إن الله مثلث الأقانيم، الثالوث غير المنقسم، هو وحده الرأس أو المبدأ (¢ρχή) المطلق الواحد لكل الأشياء. وبعبارة أخرى، فإن الجوهر الإلهي الواحد هو كامل وكلي الكمال، ليس فقط في الآب ولكن أيضًا في الابن وفي الروح القدس. فكل أقنوم هو الله بأكمله (Óλος Θεός)، وكل أقنوم هو ’كل ما هو الله منذ الأزل[21]‘.
وبهذا المعنى علينا أن نفهم التمايز والوحدانية في الفعل الخلاَّق الذي للآب وللابن، وهو ليس للواحد بدون الآخر على الإطلاق، لأن أي شيء يصنعه الآب يصنعه وهو في الابن، وأي شيء يصنعه الابن يصنعه وهو في الآب. “فبينما يُعطي الآب كل الأشياء للابن، فهي لا تزال له في الابن، وحينما تكون هذه الأشياء للابن فإنها لا تزال للآب، لأن لاهوت الابن هو لاهوت الآب، ولذلك فالآب يحقِّق ضبطه لكل الأشياء وتدبيره الإلهي (πρόνοιαν) بالابن[22]“. وفي الواقع “لا يوجد شئ يجريه الآب إلاّ بالابن[23]“.
الآب مع الابن والروح القدس هو أصل ومصدر كل الوجود
إذن فالله بكونه ’آب‘ فإنه الكيان الواحد الأسمى ضابط الكل الذي هو نبع (πηγή) كل الوجود. فهو الآب الأزلي الذي مع الابن الأزلي والروح القدس الأزلي ـ المساويين له واللذين لهما ذات الجوهر الواحد معه ـ هو الأصل (¢ρχή) الفائق الإدراك لكل الأشياء المخلوقة، ما يرى وما لا يرى على حد سواء، والتي تختلف تمامًا في طبائعها الزائلة عن طبيعته. و لأن الله هو وحده ’الآب‘ ضابط الكل ـ والعلة (ατία) غير المحدودة والفائقة الإدراك لكل الموجودات ـ فهو الذي يجب أن نعرفه بكونه ’الخالق‘ ضابط الكل[24]. ويقول ق. أثناسيوس: “نحن نؤمن بإله واحد غير مولود، الله الآب ضابط الكل، خالق الكل، ما يرى وما لا يرى، الذي وجوده من ذاته[25]“، وهذا الإيمان عبَّر عنه ق. هيلاري أيضًا بأسلوب جدير بالذكر حيث قال: “إنه الآب الذي تدين له كل الكائنات بأصل وجودها؛ إذ إنه في المسيح وبالمسيح هو مصدر الكل. وبخلاف كل شيء آخر، فهو كائن بذاته. وهو لا يستمد وجوده من خارجه ولكنه يمتلك هذا الوجود من ذاته وفي ذاته. إنه لانهائي لأنه لا شيء يمكن أن يحتويه ولكنه هو يحتوي كل شيء. ولا يحده مكان لأنه غير محدود، وفي أزليته هو أقدم من الزمن لأنه هو خالق الزمن. أطلق العنان للخيال لتخمِّن ما هو أقصى حدود الله ولسوف تجده حاضرًا هناك، ومهما حاولت أن تمتد (بخيالك) فستجد دائمًا آفاقًا أبعد وأبعد. اللانهائية هي ملكه مثلما تمتلك أنت المقدرة على بذل هذا الجهد (في التفكير). الكلمات سوف تخذلك، ولكن وجوده لن يمكن أن يُحاط (أو يُحصر). ولك أيضًا أن تعود بصفحات التاريخ إلى الوراء فسوف تجده حاضرًا على الدوام، وإذا عجزت الأرقام عن تحديد أقدم العصور التي تغلغلت إليها فسوف تجد أن أزلية الله لم تنتقص بالمرة. حاول أن تُحفز ذهنك وتنهضه لتدرك الله ’ككل‘ فستجده يفلت منك. فالله ’ككل‘ قد ترك لك شيئًا لتدركه ولكن هذا الشيء غير منفصل أبدًا عن ’كليته‘. وهكذا فأنت تفقد ’الكل‘ طالما ما تبقى بين يديك هو مجرد ’الجزء‘، وقد يكون ولا حتى ’الجزء‘ لأنك تتعامل مع ’كلٍّ‘ لن تتمكن من تقسيمه. لأنه بينما ’الجزء‘ يحمل معنى التقسيم فإن ’الكل‘ هو غير منقسم، والله كائن في كل مكان وهو حاضر ’بكليته‘ أينما كان. إذن فالعقل لا يستطيع الوصول إلى مستوى الله طالما لا توجد نقطة يمكن تأملها خارج ذاته، وطالما أن الأبدية هي ملكه منذ الأزل. هذا عرض صادق لسر الكيان الفائق الإدراك الذي يُعبر عنه باسم ’آب‘: الله غير المرئي، غير المحدود، الذي لا يُنطق به. ولنعترف بِصَمتنا أن الكلمات لا تستطيع أن تصفه، وليعترف العقل أنه فشل في محاولته لإدراك الله وفشل في سعيه لتعريف الله. ورغم ذلك، كما قلنا، فإن الله له في اسم ’الآب‘ ما يشير إلى طبيعته: فهو آب دون أي قيد أو شرط، وهو لا يأخذ قوة الأبوة من مصدر خارجي مثلما يفعل البشر. هو غير مولود، باقٍ على الدوام، أبدي بطبيعته. وهو معروف للابن فقط لأن “لا أحد يعرف الآب إلاّ الابن، ومن يريد الابن أن يُعلن له”، كما أنه لا أحد يعرف الابن إلاّ الآب. كل منهما له معرفة تامة وكاملة بالآخر. ولذلك طالما أن ’لا أحد يعرف الآب إلاّ الابن‘ فلنجعل أفكارنا عن الآب متوافقة مع (ما قد أعلنه) الابن، الشاهد الأمين الوحيد الذي يعلن الآب لنا[26]“.
هذا النص مفيد للغاية، لأنه في حين يبيِّن ق. هيلاري أن الله الضابط الكل ـ والمعروف لنا بالابن ـ يفوق بصورة لانهائية كل ما يمكن أن ندركه أو نعبِّر به عنه، إلاّ أنه (أي ق. هيلاري) رغم ذلك يؤكد أن كل ما نفكر فيه أو نقوله عن الله يجب أن يكون مقصورًا ومحكومًا داخل حدود إعلان الآب في الابن المتجسِّد ومن خلاله[27]. وهذا الإعلان عن قدرة الله ضابط الكل الذي قدَّمه لنا الله بذاته بواسطة الابن وفي الروح القدس، يتعارض بالطبع مع أفكارنا التي تنسب لله قوى متجبرة غير محدودة، تلك الأفكار التي نكوِّنها نحن من اختباراتنا في هذا العالم ثم ننسبها إلى الله بعد أن نعطيها صفة اللانهائية، لأن القدرة الإلهية ـ والتي ظهرت في يسوع المسيح ـ هي من نوع مختلف تمامًا. إن الأمر ليس في أن نفكر نحن فيما يمكن أن يفعله الله، وإنما نفكر فيما فعله الله ولا يزال يفعله من خلال يسوع المسيح. وبهذا نستطيع أن نفهم شيئًا عن ما هي بالحقيقة قدرته الإلهية كضابط الكل[28].
قدرة الله (ضابط الكل) وعنايته، تجلَّت في التجسد والفداء
ربما الذي استحوذ على فكر ق. هيلاري أكثر من أي شيء آخر في هذا الصدد، كان هو قدرة الله المذهلة التي ظهرت في تنازله ليصير متجسدًا داخل حدود البشرية المخلوقة والضعيفة، وهذه القدرة ظهرت أيضًا في حياته المحتقرة التي أرادها لنفسه على الأرض في تواضع الجسد، من الطفل الباكي في المذود وصولاً إلى الإنسان الضعيف على الصليب. فأن يصير الله ضابط الكل في مثل هذه الحالة من الصغر والفقر والعوز لأجلنا بينما يظل هو الله بكل ما هو عليه أزليًّا، فهو عمل ينم عن قدرة وعظمة لا توصف وأبعد مما يمكن للعقل البشري وحده أن يدرك[29]. وبذلك يتضح لنا تمامًا أن كلاًّ من ’الخريستولوجي‘ (أي التعليم عن المسيح) و’السوتيريولوجي‘ (أي التعليم عن الخلاص) لهما ـ ولا بد أن يكون لهما ـ أهمية حاسمة في فهمنا لقدرة الله ’كضابط الكل‘ وفي فهمنا لفعله المتميز في الخلق والفداء.
وقد سلَّط ق. أثناسيوس الضوء على هذا التعليم النيقي وأوضحه بشدة، حيث تحدث عن الله بأنه في جوهره الثالوثي هو الرأس (أو المبدأ)، وبأن المسيح (بكونه واحدًا في ذات الجوهر) فهو الرأس (أو المبدأ) المتجسد. ويقول ق. أثناسيوس في هذا الصدد: “إن ناسوت الرب (Ð Κυριακός ¨νθρωπος) الذي أخذه من العذراء مريم، هو الشكل التدبيري الذي اتخذه الرأس (أو المبدأ) (¢ρχή) الإلهي، وذلك في تنازل ابن الله الكلمة شخصيًّا ليدخل الخليقة ويحقِّق في داخلها عمل وتدبير (πρόνοια) الله الآب ضابط الكل[30]“. أما الأريوسيون، فلكي يبرروا وجهة نظرهم بأن ابن الله الكلمة هو مخلوق في الأساس ـ على الرغم من أنه الفاعل الإلهي في الخلق ـ فقد لجأوا إلى ما ورد في الترجمة السبعينية لسفر الأمثال (22:8) “الرب قناني (أوجدني) أول (رأس ـ مبدأ) طريقه من أجل أعماله[31]“. وبدلاً من أن يرفض ق. أثناسيوس هذه الفقرة، فسَّرها بأنها تعني أن يسوع المسيح في طبيعته الإنسانية، قد خلقه الله كرأس (أو بداية) (¢ρχήν) وكنموذج أول لكل أعمال عناية الله وفدائه لنا. ولقد حرص ق. أثناسيوس أولاً على ترسيخ حقيقة أن الابن المتجسد هو إله حق من إله حق وهو الذي به أتت كل المخلوقات إلى الوجود من العدم، وفيه تقوم وتتماسك معًا (وذلك بكونه الرأس أو المبدأ الإلهي)[32]. ثم أوضح ق. أثناسيوس بعد ذلك أن الابن قصد أن يصير إنسانًا “في شكل العبد” لكي ما يتمم عمل الله الخلاصي والتجديدي لنا (بكونه الرأس أو المبدأ المخلوق، أي بداية الخليقة الجديدة)[33].
ولكي يربط ق. أثناسيوس بين الرأس (أو المبدأ) (¢ρχή) المخلوق ـ أي يسوع المسيح في طبيعته الإنسانية ـ وبين الرأس (أو المبدأ) (¢ρχή) غير المخلوق الذي هو الله في جوهره الفائق، اعتبر ق. أثناسيوس أن المسيح بكونه الرأس (أوالمبدأ) المخلوق ـ في طبيعته الإنسانية ـ إنما يعتبر ’الأول‘ لبداية جديدة داخل الخليقة، كما أنه ـ بكونه الرأس (أو المبدأ) الإلهي مع الآب والروح القدس ـ فإنه ’المصدر‘ لعطاء الله ونعمته لخليقته[34]. وهذا يعني، أولاً: أنه بكونه الرأس (أو المبدأ) (¢ρχή) لكل طرق الله لأجلنا ـ وذلك في هذا الشكل التدبيري في المكان والزمان ـ فإن الابن المتجسد له وظيفة ذات شقين، فمن ناحية هو الطريق الفعلي الذي اتخذه الله بيننا في تدبيره لخلاصنا، ومن ناحية أخرى هو أيضًا الطريق الوحيد الذي نعود فيه إلى الآب. ثانيًا: بكونه الرأس (أو المبدأ) (¢ρχή) الإلهي فإنه (بالتالي) هو مصدر كل الخليقة، والوحيد الذي به يمكن أن نفهم جميع طرق الله وأعماله*.
فما عسى لهذا المدخل ’المتمركز حول المسيح‘ (Christocentric) أن يخبرنا عن الله كخالق وضابط الكل؟
أولاً: الله لم يكن خالقًا على الدوام#
التمييز بين الابن والخليقة
لقد ذكرنا فيما سبق أن الله الآب بينما هو ينبوع كل الوجود، إلاّ إنه ليس ينبوعًا للمخلوقات بنفس الطريقة التي بها هو ينبوع الابن. لأن الابن مولود من الآب أزليًّا داخل جوهر الله الواحد كإله من إله، في حين أن المخلوقات ليست مولودة من الله بل مخلوقة بواسطته من العدم وهي بذلك تكون خارجًا عن الله. فالابن مولود من طبيعة الله وهو بلا بداية (¨ναρχος) مثله مثل الآب، ولا يوجد أي فاصل (زمني أو من أي نوع) بينه وبين الآب لأنه واحد مع الآب في ذات الجوهر والطبيعة.
أما على الجانب الآخر فإن المخلوقات قد أُوجدت من العدم بإرادة الله ولها بداية محددة، وهي تختلف اختلافًا كاملاً من حيث الجوهر والطبيعة عن الله. والنقطة المحورية هنا، هي التفريق والتمييز المطلق بين ولادة الابن بالطبيعة (φύσει) من الله وبين خلق العالم بالإرادة (βοÚλhσει / θλhσει) من الله[35]. وقد بات واضحًا جدًّا للكنيسة في العقود الأولى من القرن الرابع، أنه ما لم يتم تحديد هذا التمييز بوضوح فإن الكنيسة يمكن أن ترتد في نهاية الأمر إلى الوثنية.
المشاكل التي نتجت عن نظرة كل من أوريجينوس وأريوس لله والعالم
وكان هذا هو الأمر الذي يكمن وراء المشاكل التي واجهت آباء نيقية، لأن الأفكار المزعجة التي ظهرت في تعاليم أريوس كانت تعود إلى عدم وضوح الرؤية لدى أوريجانوس بخصوص الفرق بين علاقات الله الداخلية والخارجية، أي بين ولادة الابن الأزلية داخل جوهر الله الواحد وبين خلق الكون بواسطة الابن الأزلي أو كلمة الله[36]، فلم يستطع أوريجينوس أن يفكر في الله بكونه ’باندوكراطور‘ أو ضابط الكل (Παντοκράτωρ) إلاّ في ظل تلازم (أو اقتران) ضروري وأزلي لله مع كــل الأشيــاء (المخـلوقة) (τ£ πάντα). ولذا فالخليقة بالنسبة لأوريجينوس، كان ينبغي أن يُنظر إليها على أنها ملازمة لجوهر الله وأنها موجودة معه منذ الأزل[37].
ومما ساعد على زيادة هذا القصور في إعطاء أسبقية قاطعة (خارج الزمن) لعلاقة الآب بالابن عن علاقة الخالق بالكون، أن أوريجينوس كان لا يتفــق مع العقـــيدة الخـــاصة بولادة الابن “من جوهر الآب” (κ τÁς οÙσίας τοà Πατρός) وقد بدا أنه يعتقد بأن كلاًّ من ولادة الابن وخلق الكون إنما يرجع إلى إرادة الآب[38].
ولذلك كان يتعين حل مشكلتين أساسيتين: الأولى هي نظرة أوريجينوس ’الأحادية‘الخاصة بأزلية العالم (الذي وحّد فيها بين الله والعالم من جهة الأزلية) والتي أدت إلى تقويض مبدأ سمو (أو تفوق) الله على الخليقة، لأنها بذلك جعلت العلاقات الخارجية لله* كما لو كانت ضرورية بالنسبة لله#، كما أدت أيضًا إلى تقويض الحقيقة التاريخية الفريدة الخاصة بالتجسد لأن نظرة أوريجينوس تلك كانت تعني ضمنًا أن الأحداث التاريخية ليست في النهاية أكثر من مجرد تصويرات رمزية مؤقتة ’للإنجيل الأزلي‘.
أما المشكلة الثانية فتمثلت في أن نظرة أريوس ’الثنائية‘ لعلاقة الله بالعالم (التي فصل فيها بين الآب والابن) قد أدت إلى قطع الصلة الوجودية بين الابن المتجسد والله الآب وهي التي يعتمد عليها جوهر الإنجيل كله، كما أدت إلى نظرة أريوس أيضًا التي اعتبر فيها الابن ضمن أعمال الله التي أحضرها إلى الوجود بإرادته الخالقة. ولذلك اقتصرت معرفة الإنسان لله بالنسبة لأريوس على علاقات الله الخارجية بالخليقة؛ إذ كان الله بالنسبة له ’خالقًا‘ في المقام الأول وليس ’آبًا‘، وأنه فقط لكونه ’خالق‘ فإنه يكون ’آبًا‘ وليس العكس.
دور ق. أثناسيوس في إيضاح الإيمان الرسولي فيما يخص تعليم كل من أوريجينوس وأريوس
ومرة أخرى، كانت الكنيسة مدينة للقديس أثناسيوس أكثر من أي شخص آخر في إيضاح إيمانها الرسولي والإنجيلي. فمن ناحية، رفض ق. أثناسيوس فكرة أزلية العالم وضرورته بالنسبة لله وأظهر أنه وفقًا لطبيعة الأشياء التي أتت إلى الوجود فإنه ليس لها أي شبه ’في الجوهر‘ مع خالقها (الذي أوجدها)، بل هي خارج عنه (ξωθεν αÙτοà) وتعتمد في وجودها على نعمة الله وإرادته[39]. ومن ناحية أخرى أيضاً، رفض ق. أثناسيوس كذلك الفصل الأريوسي بين جوهر الابن وجوهر الآب كما أكَّد على الفكر النيقي الخاص بوحدانية الابن مع الآب في ذات الجوهر مُظهرًا أن الابن ينتمي إلى الجانب الإلهي من العلاقة بين الخالق والخليقة[40]. وسوف نتناول هذه النقطة فيما بعد لأن موضوعنا الآن يتعلق بالرفض الحاسم (من جانب الكنيسة) لفكرة الوجود الأزلي المشترك للعالم مع الله.
أسلوب الأريوسيين في تفسير تعليم أوريجينوس عن أزلية الخليقة، وتفنيد ق. أثناسيوس لآرائهم
كان الضغط شديدًا على الكنيسة من جهة الادعاء بأن ’الله هو خالق على الدوام‘ طالما أن قدرة الخلق لم تنشأ عنده في وقت لاحق[41]. وهنا كما أوضح فلوروفسكي[42] لجأ الأريوسيون إلى تعاليم أوريجينوس، ولكنهم خرجوا منها باستنتاج مختلف تمامًا إذ قالوا: بما أن كل مخلوقات الله أزلية (لأن الله بالنسبة لهم هو خالق على الدوام)، فما هو الخطأ في القول بأنها لم يكن لها وجود قبل أن تصدر؟* أي إن الأريوسيين أرادوا مساواة نوع ’الأزلية‘ المنسوبة للمخلوقات التي أُوجدت بالإرادة من الله مع نوع ’الأزلية‘ التي تخص الابن، وذلك في ضوء عبارتهم السيئة الشهيرة التي تقول: إنه “كان هناك وقت لم يكن فيه الابن كائنًا[43]“. وردًّا على هذا، دفع ق. أثناسيوس بأنه لا يوجد أي تشابه بين ’ابن‘ و ’شيء مخلوق‘، وأن الفرق بينهما يكافيء الفرق بين وضع ’الأب‘ ووضع ’الصانع‘، لأن هناك تفاوت هائل للغاية بين ’شيء مخلوق‘ أُوجد من العدم بإرادة الله ’كعمل خارج عن طبيعته‘ وبين ’الابن‘ الذي هو بالطبيعة ’المولود الحقيقي من جوهر الله (الآب)‘. إذن فبالمقارنة مع ’الابن‘ ـ الذي هو أزلي مثله مثل الآب تمامًا ـ فإن المخلوقات (أي الأشياء المصنوعة وغير المولودة) ليس لها وجود مشترك مع الله منذ الأزل[44].
وكما رأينا فيما سبق، فإن ق. أثناسيوس أوضح أن الله بفضل أبوته الذاتية الأزلية، كان دائمًا له القدرة على الخلق ـ بل وقد خلق بالفعل ـ لأنه كان ولا يزال هو أبو الابن. فالله هو دائمًا أبدًا ’آب‘، ولكن أن يخلق شيئًا من العدم ـ وهذا الشيء مختلف تمامًا عن نفسه ـ فإن ذلك يفعله بإرادته ويصدر عنه بفضل ما هو أزلي وداخلي في ذاته (أي بفضل كونه آبًا). لذلك “فبالنسبة لله كونه يخلق فهذا أمر ’ثانوي‘ أما كونه والد فهذا هو أمر ’أولي‘[45]“.
لماذا لم يكن الله على الدوام خالقًا، بالرغم من أن الله كانت لديه دائمًا القدرة على الخلق؟
ورداً على هذا السؤال، أوضح ق. أثناسيوس أنه بسبب الطبيعة الداخلية (الذاتية) للمخلوقات، لم يكن ممكنًا أن توجد منذ الأزل، لأنها خلقت من العدم. ويقول ق. أثناسيوس: “كيف يمكن للأشياء التي لم تكن موجودة قبل أن تُخلق، أن تكون لها ذات الأزلية مع الله؟[46]” وبقرار الله أن يخلق أشياء خارجًا عنه، فإنه كان يعرف ما هو الصالح لوجودها واستقرارها. وفي إشارة إلى التجسد أيضًا أوضح ق. أثناسيوس أن الله على الرغم من أنه كان قادرًا أن يرسل كلمته الذاتي من البداية منذ أيام آدم أو نوح أو موسى، إلاّ أنه على خلاف ذلك لم يرسله إلى أن جاء ملء الزمان، لأنه رأى أن هذا هو صالح الخليقة كلها. ونفس الأمر بالنسبة للمخلوقات أيضًا: فقد صنعها الله عندما أراد أن يفعل ذلك، ولأن هذا كان صالحًا لها[47]. وفقط في ضوء ما فعله الله في الخلق والفداء وما أعلنه عن قصده الإلهي الأزلي، نستطيع أن نتحدث عنه بهذه الطريقة.
فحقيقة الأمر إذن، أنه في حين كان الله ’آبًا‘ على الدوام فإنه لم يكن على الدوام خالقًا أو صانعًا. وهذا ليس معناه أن الخليقة لم تكن في فكر الله قبل أن يأتي بها إلى الوجود، ولكن يعني أن الله قد أوجد الخليقة بفعل محدد من إرادته، وبذلك قد أعطاها بدءًا.
قصور اللغة البشرية في الحديث عن الله
من الواضح تمامًا أن كلمات مثل ’كان‘ و ’قبل‘ و ’عندما‘ و’بدء‘ كلها لها علاقة بالزمن، وهي تجلب لنا مشاكل عندما نتحدث بها عن الله، لأن العلاقات الزمنية التي تعنيها هذه الكلمات قد لا تصلح للحديث عن الله.[48] فهذه التعبيرات يكون لها معنى معين عندما تُستخدم في الحديث عن الله، أي عندما تحكمها طبيعة الله الفريدة، ولكنها تحمل معنى آخر تمامًا عندما تُستخدم في الحديث عن المخلوقات بطبيعتها الزائلة[49].
لذلك عندما يخبرنا الكتاب المقدس أنه “في البدء خلق الله …” فإننا ينبغي أن نفهم كلمة ’بدء‘ على نحو ثنائي: أولاً كإشارة لفعل (قدرة) الله في الخلق (وهذا يسبق عملية الخلق الفعلي)، وثانيًا كإشارة للأشياء التي خلقها، أي أعماله (ργα) (أي بداية وجود هذه المخلوقات). ولذا استطاع ق. أثناسيوس أن يقول “بينما الأعمال (المخلوقات) يكون لوجودها بداية، فإن ’بدء‘ هذه الأعمال (أي أصلها ومصدرها الذي هو قدرة الخلق في الله) يسبق حضورها إلى الوجود[50]“. فقبل بداية الخليقة، هناك بدء مطلق أو فائق في الله الذي هو ذاته أزلي بغير بداية[51]. وهذا ما يجعل خلقة العالم من العدم أمرًا مُحيرًا ومذهلاً للغاية، وهذا ليس فقط بسبب أن شيئًا جديدًا تمامًا قد ابتدأ في الوجود ـ جديدًا حتى لله* الذي خلقه بكلمته وأعطاه واقعًا وتكاملاً خارج ذاته ـ ولكن بسبب أن “الكلمة ذاته صار خالقًا للأشياء التي لها بداية” على حد قول ق. أثناسيوس[52]، وذلك كان بطريقة ما يصعب على البشر إدراكها.
كيف فسَّر ق. أثناسيوس الخلق في ضوء التجسد؟
إن الله كان ’آبًا‘ على الدوام ولم يكن ’خالقًا‘ على الدوام، ولكنه الآن هو ’خالق‘ بالإضافة لكونه ’آبًا‘ أيضًا. ومن نفس المنطلق، نستطيع أن نتحدث عن الابن الأزلي الذي صار إنسانًا، فالابن كان على الدوام ’ابنًا‘ لله ولكنه الآن هو الإله المتأنس “لم يكن إنسانًا قبلاً، ولكنه صار إنسانًا من أجلنا[53]“.
ولنتوقف هنا لنتأمل كيف أقرن ق. أثناسيوس الخلق والتجسد معًا، وذلك في إظهاره أنه في كليهما ينبغي علينا أن ندرك أننا أمام أعمال جديدة حاسمة لم تكن موجودة سابقًا وتمت بإرادة الله. فحيث إن الله لم يكن’خالقًا‘ على الدوام، فإن خلق الكون ـ كواقع ’خارج عن الله‘ ـ كان شيئًا جديدًا (أي لم يكن واقعًا موجودًا فيما قبل) بالنسبة لله. وحيث إن ابن الله أو ’كلمة‘ الله الذي به خلق كل الأشياء لم يكن متجسِّدًا على الدوام ولكنه صار إنسانًا في ملء الزمان، إذن فاتصال الله نفسه بنا في يسوع المسيح ـ الذي هو واحد في ذات الجوهر والطبيعة مع الآب ـ يعتبر شيئًا جديدًا. وهكذا بتفسير الخلق في ضوء التجسد، صار للخلق والتجسد معًا تأثيرات رائعة على فهمنا لطبيعة الله؛ إذ إنهما (أي الخلق والتجسد) يخبراننا بأن الله له الحرية في أن يصنع ما لم يصنعه من قبل، وله الحرية أيضًا في أن يكون ما لم يكُنه منذ الأزل: أن يكون الخالق ضابط الكل، وحتى أن يتجسد في هيئة المخلوقات، بينما يظل هو هو الله كما هو منذ الأزل.
إن عقيدة الخلق من العدم هذه ـ والتي تعني أن شيئًا جديدًا تمامًا قد حدث ـ كانت بلا شك أمرًا مغضبًا للفكر اليوناني، ولكن هذه العقيدة كانت مدعومة بقوة بعقيدة التجسد. وكانت كلتا العقيدتين تتصادمان بشدة مع المقولات الفلسفية اليونانية التي تصف الله ’بالحتمية‘ و ’الجمود‘ و ’عدم تفاعله مع الخليقة‘. وهنا نأتي إلى الوضع المميّز بشدة لعقيدة الخلق، والذي يظهر من خلال الإعلان بأنه: بواسطة ابن الله الكلمة الأزلي الذي صار إنسانًا، خلق الله الآب ضابط الكل السماء والأرض ما يرى وما لا يرى، وأن هذه الخليقة في يسوع المسيح تُحكم كلها وتُضبط معًا.
ثانيًا: الله لا يريد أن يكون وجوده هو لنفسه فقط
الله كائن بذاته ولا يعتمد على شيء خارج ذاته
لقد تناولنا موضوع أن الله كان ’آبًا‘ على الدوام ولكنه لم يكن على الدوام ’خالقًا‘، ولكن مع ذلك علينا أن نكون حريصين حتى لا نفهم عبارة ’كان الله على الدوام‘ بشكل زمني، كما حذَّرنا ق. غريغوريوس النزينزي الذي قال “إن الله كان على الدوام ويكون على الدوام، أو بالأحرى هو كائنٌ على الدوام، لأن ’كان‘ و ’سيكون‘ هما أجزاء من زماننا و لهما طبيعة قابلة للتغيير، (أما الله) فهو كائن أزلي أبدي[54]“.
إن النقطة محل الاهتمام هنا، هي أن الله هو: الذي كائن في ذاته (أو بذاته)، وغير معتمد بتاتًا على أي حقيقة غير ذاته، ولذلك فهو مستقل تمامًا عن خليقته، ومتعالٍ بشكل لانهائي فوق كل زمان ومكان. وكما عبَّر عن ذلك ق. هيلاري بقوله: “إن الآب الذي تدين له كل الكائنات بوجودها… هو، بخلاف هذه الكائنات جميعها، كائن بذاته. هو لا يستمد وجوده من خارجه ولكنه يمتلك هذا الوجود من ذاته وفي ذاته. وهو لانهائي، لأنه لا شيء يمكن أن يحتويه ولكنه هو يحتوي كل شيء؛ ولا يحده مكان لأنه غير محدود، وفي أزليته هو أقدم من الزمن لأنه هو خالق الزمن”.[55] إذن فإن الله له في ذاته حرية فائقة وهو لا يحتاج إلى شيء خارج ذاته، لأنه هو خالق و رب كل الكائنات الأخرى.
لا توجد علاقة إلزامية (ضرورية) بين الله والخليقة
بينما الله هو ’الخالق‘ بفضل كونه ’آبًا‘ منذ الأزل، فبالنسبة لنا الأمر عكس ذلك: لأن الله قد صار أبًا لنا ـ ليس بالطبيعة بل بالنعمة ـ بعدما صار خالقًا لنا[56]. وبالرغم من ذلك فهو معروف لنا من خلال الخليقة وفقًا لما هو في ذاته منذ الأزل كـ ’آب‘، كما أنه معروف بالحقيقة كـ ’آب وابن وروح قدس‘ بمعزل عن الخليقة[57]. ولذلك لا توجد علاقة إلزامية (ضرورية) بين الله والعالم المخلوق، كما لو كان الله يحتاج إلى علاقة مع شيء غير ذاته لكي يكون ما هو أزليًّا في ذاته، أي الله الآب ضابط الكل[58]. ولهذا السبب كما قد ذكرنا سابقًا، لم يقبل الفكر اللاهوتي النيقي فكرة أن الله كان أيضًا ’خالقًا‘ على الدوام بالاضافة إلى كونه ’آبًا‘، هذا بالرغم من أن آباء نيقية أقرّوا بأن فعل الخلق ينبع من طبيعة الله الأزلية ’كآب‘ للابن الأزلي. إذن فمن منطلق كيان الله الذاتي الأزلي كآب ضابط الكل، يمكننا أن نتحدث كما ينبغي عن الخليقة وعن تفاعل الله المستمر معها.
الله أوجد الخليقة ’من العدم‘ بسبب صلاحه وحبه الفائق
وكما اعتاد ق. هيلاري أن يقول، فإن الله في ذاته ليس “منعزلاً”[59]، لأنه كآب وابن وروح قدس هو في ذاته شركة أزلية للحب والوجود الشخصي. وقبل ق. هيلاري كان ق. إيرينيئوس قد قال إنه على الرغم من أن الله مكتفٍ ذاتيًّا تمامًا في الشركة الداخلية التي لكيانه، إلاّ إنه لا يريد أن يكون وجوده هو لذاته فقط، بل بتلقائية وحرية قد أحضر العالم إلى الوجود من العدم وأعطاه تكاملاً خاصًا به، ووضع فيه كائنات مخلوقة عاقلة يمكنه أن يهبها من نِعَمه ويشركها معه في شركة الحب الخاصة به. ومع أن الله متعالٍ بصورة فائقة إلاّ أنه ليس بمعزل عن خليقته، بل هو حاضر وعامل فيها بلا عائق، كما أنه يتدخل شخصيًّا بعنايته الإلهية في أحداث العالم وفي شئون خليقته من البشر[60].
وكان ق. إيرينيئوس قد وجَّه الانتباه إلى تعليم أفلاطون الذي في رده على سؤال: لماذا من الأساس خلق الله العالم؟ قد أشار إلى صلاح الله الذي بلا حسد، والذي بدلاً من أن يحتفظ بصلاحه لنفسه، كوَّن العالم لكي يعكس من خلاله صلاحه ونظامه الخاص[61]. وكذلك أرجع ق. أثناسيوس ـ وكلمات أفلاطون واضحة في ذهنه ـ سبب وجود العالم إلى حقيقة أن الله مصدر كل صلاح وكمال، وهو لا يضِنُّ بالوجود على أي شيء قد صنعه. ولكن ق. أثناسيوس مثل ق. إيرينيئوس أعطى هذه الفكرة توضيحًا مسيحيًّا وذلك بالتأكيد على أن الله خلق كل الأشياء ’من العدم‘ وأنه يريد للبشرية الوجود بسبب محبته للبشر (φιλανθρωπία)، تلك التي أظهرها للعالم في يسوع المسيح الكلمة الذاتي المتجسد، الذي به أُحضرت كل الأشياء إلى الوجود وأُعطيت كيانًا واقعيًّا. وبدلاً من أن يضِنَّ الله على الخليقة بالوجود ـ كواقع خارج عن ذاته ـ أحضرها بحريته إلى الوجود بواعز من كرمه المحض لكي ما يغدق عليها حبه[62].
الخليقة هي نتاج إرادة الله وفعل محبته
هذا المدخل إلى فهم سر الخليقة من خلال ’مركزية المسيح‘، كان هو الأساس الرئيس لكل الفكر اللاهوتي النيقي. وكان تنازل الله الواضح في تجسد الكلمة وإعلانه عن ذاته في يسوع المسيح ابنه الحبيب ـ الذي به خُلقت كل الأشياء ـ هو المنطلق الذي من خلاله تأمل آباء نيقية في الأصل المحيِّر للكون كواقع حقيقي خارجٍ عن الله.
وكان خلق العالم من العدم واستمرار وجوده، يُفهم على أنه نابع من ـ وقائم على ـ محبة الله غير المحدودة، هذه المحبة التي هي الله ذاته منذ الأزل كآب وابن وروح قدس، وهي التي يريد أن يشرك خليقته فيها[63]. فالخلق مثله مثل الفداء، كان عملاً من أعمال نعمة الله المحضة التي تعلو على الشرح، والتي ظهرت في ابنه المتجسد الذي “قناه الله أول طريقه لأجل أعماله”، حيث فيه وبواسطة عمله الخلاصي، نستطيع أن نستدل على السبب الخفي للخلق[64].
ولم تكن هناك أية محـاولة للإجابة على سـؤال: كيـــف خلـق الله الكون من العدم (κ τοà μή ×ντος)؟، فقد كان كافيًا اتباع تعليم الكتاب المقدس في الإيمـان بأن “جميع الأشياء هي من الله (κ τοà θεοà)”[65]، ولكن هـذا “التكوين الـذي من الله” (γένεσις κ θεοà) كما عبَّر عنه ق. غريغوريوس النيصي، يجب أن يُفهم على أنه ليس فيضًا من جوهر الله، وإنما نتاج من إرادة الله وفعل محبته[66]. وهكذا صارت محبة الله هي المبدأ والمصدر الأوّلي في كل الفكر المسيحي عن الخلق.
الخليقة لم تُحضَر إلى الوجود، لا بصورة جزافية (بالمصادفة) ولا بصورة إلزامية (وجوبية)
كيف إذن ينبغي أن ننظر إلى علاقة الله بالكون؟ إنها ليست علاقة ضرورة ولا هي علاقة اعتباطية. فالله كانت له الحرية في أن يخلق العالم وكانت له الحرية أيضًا في ألاّ يخلق العالم[67]. والكون لم يأتِ إلى الوجود بنفسه أو دون قصد (κατάσυμβεβηκός) كما لو كان نتاج مصادفة جزافية مضادة للعقل[68]، ولكن حقيقة أن الله قد خلق الكون بكلمته أو حكمته الأزلي إنما تعني أن العالم لم يتصوَّر ولم يُؤتى به إلى الوجود ’بدون سبب‘، ولكن على العكس كان نتاجًا مفهومًا للفكر الإلهي[69]. ولهذا السبب كما قال ق. أثناسيوس، فإن الكون المخلوق، بدون الابن الكلمة، لا يُعتبر في ذاته كافيًا ليجعل الله معروفًا لنا. ولكن التأمل الصحيح في الكون إنما يكون في اللوغوس (Λόγος) ومن خلاله؛ إذ هو الذي أنشأ الكون وأعطاه نظامه المنطقي، وفيه (أي في الكلمة) يتماسك الكون بثباتٍ معًا[70].
ومن جهة أخرى، فإن الكون لم يأتِ إلى الوجود بسبب أي اضطرار داخلي في جوهر الله[71]. كلا، بل إن الكون صدر بحرية من المحبة الأزلية التي هي الله ذاته، وهو (أي الكون) مؤسس على الدوام على هذه المحبة. وعلى الرغم من أن الله في اكتفائه الذاتي الكامل غير محتاج للكون إلاّ أنه خلقه بحرية بسبب محبته ونعمته، ولذا يجب أن نعتبر أن للكون أساسًا أوليًّا منطقيًّا في طبيعة الله الخيّرة وفي محبته الفائقة.
ولقد كان ظهور هذا الحب الإلهي في يسوع المسيح اللوغوس وحكمة الله الذي صار جسدًا، هو الذي دعا الآباء إلى إدراك أن للكون سببًا لوجوده فائق للتصور، هذا السبب مؤسس ـ أبعد من نطاق الكون ذاته ـ في محبة الآب والابن والروح القدس. ولذلك فقد سعى اللاهوتيون أن يدركوا الله الخالق وعمله في ضوء نشاطه وفعله الواحد غير المنقسم كآب وابن وروح قدس، إله واحد الذي منه وبه وفيه جميع الأشياء[72]. وهكذا أعلن ق. أثناسيوس: “أن الآب يخلق جميع الأشياء بالكلمة في الروح[73]” كما أكد ق. غريغوريوس النزينزي قائلاً “عندما أقول الله، أعني الآب والابن والروح القدس[74]“.
الكون خُلق على مثال الثالوث القدوس
إن الكون قد أُحضر بالحقيقة إلى الوجود من الآب بالابن في الروح القدس، بحيث يكون على مثال الثالوث، وهذا ما أسماه كارل بارث في أيامنا “(الكون هو) نظير زمني ـ واقع خارج الله ـ لما هو في الله ذاته، والذي فيه الله هو آب للابن” أو بتعبير آخر أن الكون هو “مقابل (مماثل) مخلوق” للثالوث القدوس[75]. وهذا حقًّا ما نجده مرارًا وتكرارًا في كتابات آباء نيقية وما بعد نيقية، ومثال ذلك الإشارة التي وردت على لسان ق. غريغوريوس الصانع العجائب عن “التدبير المقدس للكون[76]“. وكان ق. إيرينيئوس، على الأخص، هو الذي أوضح بجلاء تعليم الكتاب المقدس عن الكون باعتباره خليقة الله الصالحة، الذي يصونه الله على الدوام ويضبطه بتناغم في علاقة عهد مع نفسه، وهو الذي يعكس مجد الله ويشكِّل المجال الذي يظهر فيه قصد محبة الله للبشرية[77]. ومن جانبه استخدم ق. أثناسيوس تعبيرات من عالم الموسيقى مثل ’تناغم‘ و ’سيمفونية‘ من أجل التعبير عن الوحدة الرائعة وتناسق نظام الخليقة التي تعلن وتمجد الله باعتباره ربها وخالقها[78].
ومع إدراك اللاهوتيين أنه في تدبير التجسد جعل الخالق نفسه واحدًا مع خليقته، وأنه في حلول الروح القدس أصبح الله ذاته حاضرًا شخصيًّا في كل خليقته ـ محافظًا على كيانها ونظامها، وممارساً عنايته الإلهية بصورة مباشرة في أحداثها ـ أصبحت لهم القناعة بأن الكون كله بزمانه ومكانه قد أقيم على أساس جديد[79].
لقد شعروا بضرورة اعتبار أن نظام الخليقة قد تجدَّد وتقدَّس في المسيح على هذا النحو لكي يكون ـ حسب قصد الله ـ مقابلاً (مماثلاً) مخلوقًا للشركة والمودة والأمانة التي تظهر في الله ذاته، لأن الخليقة تقوم على ثبات الله ذاته كما أنها تعتمد في وجودها المستمر على الحضور الدائم لروحه القدوس[80].
إن كل المنطق في وجود الكون (raison d´être) هو في حقيقة أن الله لا يريد أن يكون وحده، وأنه لا يريد أن يكون بدوننا، ولكنه بقصد وحرية قد خلق الكون وربطه بذاته كمجال يسكب فيه محبته بلا تحفظ، وكمكان نتمتع نحن فيه بالشركة معه.
ثالثًا: الله خلق الكون من العدم
خلق الكون من العدم هو مفهوم ’عبري- مسيحي‘
لقد كان تركيزنا حتى الآن موجَّه إلى الله كخالقٍ للكون، ولكننا لا بد أيضًا أن نعطي قدرًا من الاهتمام إلى طبيعة الخليقة ذاتها، وعلى الأخص إلى المفهوم الصعب الخاص بالخلق من العدم (creatio ex nihilo)، والذي يعني أن الله خلق الكون كمادة وكشكل من العدم، وأعطاه بداية مطلقة (أي بداية لم يكن قبلها شيء) في الوجود والزمن. وهذا المفهوم هو في أساسه مفهوم عبري- مسيحي مصدره تعليم العهد القديم أن الله “صنع السماء والأرض، والبحر وكل ما فيها”[81]، وكان لهذا التعليم صدى قوي أيضًا في العهد الجديد[82].
إن الآية الافتتاحية من سفر التكوين “في البدء خلق الله السموات والأرض” لم يُذكر فيها مفهوم الخلق من العدم بصورة مُفصَّلة، ولكن في التفسير اليهودي كان هذا المعنى يُفهم ضمنيًّا[83]، لأن الفعل العبري المستخدم للحديث عن عمل الله في خلق السموات والأرض لم يكن ’عاساه‘ (עָשָׂה) وهو الذي يُستخدم عادة للحديث عن عمل الإنسان أوعمل الله في صنع أو إنتاج أو تغيير الأشياء. وإنما الفعل الذي استُخدم كان الفعل المميَّز ’بارا‘ (בָּרָא) وهو الفعل المخصص فقط لما يصنعه الله ليقدم شيئًا جديدًا تمامًا لم يكن قد حدث من قبل ولم يكن من الممكن حدوثه إلاّ هكذا[84]، وهذا الفعل لم يكن يُستخدم إطلاقًا للحديث عما يصنعه الله بأشياء موجودة من قبل[85]. أي إن الفعل ’خَلَقَ‘ (בָּרָא) وبخلاف الفعل ’صَنَعَ‘ (עָשָׂה)، إنما يشير إلى عمل الله الفريد والأوّلي بواسطة كلمته، في إحضار ما لم يكن موجودًا من قبل إلى الوجود، وفي إعطائه إياه واقعًا وثباتًا أمامه “قال فكان. هو أَمَر فصار[86]“.
وكانت أول شهادة مسجَّلة في الكتابات اليهودية تذكر بوضوح موضوع الخلق من العدم تُنسب إلى أمٍّ مكابية قالت: “انظر يا ولدي إلى السماء والأرض وإذا رأيت كل ما فيها فاعلم أن الله خلق الجميع من العدم وبنفس الطريقة أوجد جنس البشر[87]“. وفي العهد الجديد كان الإيمان بأن الله خلق الكون من العدم قد ترسَّخ تمامًا وصار أمرًا بديهيًّا مُسلَّمًا به، غير أن أول ذكر لهذا الأمر بوضوح في الكتابات المسيحية وُجد فقط في نهاية القرن الأول في كتاب ’الراعي‘ لهرماس، وهذا النص كان له تأثيره الكبير على تطور الفكر المسيحي: “أول كل شيء، آمن بأن الله واحد الذي خلق كل الأشياء ورتبها وأحضرها إلى الوجود من العدم، وهو يضع حداً لكل الأشياء إلاّ أنه هو وحده لا يُحد[88]“. ومن هنا يبدو واضحاً أن الإيمان بأن الله خلق كل الأشياء من العدم قد صار أمراً مُعترفاً به ضمن ’قانون الإيمان‘[89].
وكانت فكرة الخلق من العدم (creatio ex nihilo) قد أُثيرت عدة مرات في تاريخ الفكر اليوناني كما يخبرنا بذلك أناس مختلفون أمثال أرسطو[90] وبلوتارخ[91] وديوجنيس لايرتيوس[92] وسِكستُس امبيريكوس[93]، ولكنها رُفضت كأمرٍ مستحيل ومناقض لذاته[94]. أما المفكرون المسيحيون الأوئل أمثال ثيؤفيلوس الأنطاكي[95] وأثيناغوراس الأثيني[96] وأرستيدِس[97] وتاتيان[98] فقد صمموا على فكرة خلق الكون من العدم من حيث المادة والشكل، واعتبروها أمرًا أساسيًّا للإيمان بالله الواحد الوحيد. ومما كانت له دلالته الهامة بالنسبة لهؤلاء المفكرين، أن نقطة الانطلاق الحقيقية لعقيدة الخلق ـ كما أوضح أثيناغوراس بالأخص[99] ـ كانت هي عمل الله العظيم في إقامة يسوع المسيح من الأموات، لأن في هذا العمل ظهرت بشكل فريد قوة الله المطلقة وسلطانه على الحياة والموت، وعلى كل الموجود وغير الموجود. وكان هذا التركيز يتفق تمامًا مع شهادة العهد الجديد، ويكمل الصورة بالنسبة لعقيدة الخلق التي ’مركزها المسيح‘ والتي ترسَّخت في كنيسة ما قبل نيقية[100].
التجسد كان هو مدخل الآباء لفهم عقيدة خلق الكون من العدم
في أوائل القرن الرابع، ظهر ضعف خطير في المفاهيم السائدة عن ’الخلق‘، وذلك نتيجة الخلط بين ولادة ابن الله الأزلية وبين عمل الله في الخلق بإحضار الكون إلى الوجود. وهذه هي المشكلة الأساسية التي كنا نبحث فيها بمساعدة تعاليم ق. أثناسيوس الذي ميَّز بوضوح بين كينونة الله المطلقة وبين وجود العالم، هذا الوجود الذي يعتمد اعتمادًا كليًّا على كلمة الله وإرادته الخالقة، وبذلك فكَّ ق. أثناسيوس للكنيسة، الاشتباك بين خطوط الفكر المتداخلة في تعاليم أوريجينوس وأريوس: عن الله والمسيح والعالم، وقد أدى ذلك إلى توضيح الفهم المسيحي لله كآب وكخالق في ضوء علاقة الابن المتجسد بالآب. ولكن حقيقة أنه في يسوع المسيح، الله الخالق ذاته صار واحدًا مع خليقته لكي يفدي العالم، هذه الحقيقة أجبرت اللاهوتيين أن يفحصوا بأكثر عمق في مفهوم الخلق من العدم وفي طبيعة الوجود المخلوق. وكان ق. أثناسيوس هو الذي أدرك أكثر من غيره ماهية القضايا الحقيقية، وكان أول مَن أوضح الطبيعة والحالة الاعتمادية* للواقع المخلوق، وأيضًا نظامه المخلوق المُعطى له من الله. ولذلك سوف نعتمد على ق. أثناسيوس ومعه بعض لاهوتيّ الكنيسة الأولى، لاستخراج المعاني العميقة لتجسد الكلمة، من أجل الوصول إلى فهم مسيحي لخليقة الله من جهة اعتماديتها وعقلانيتها وحريتها.
1ـ اعتمادية الخليقة (على الله)
التجسد أظهر حقيقة الطبيعة المخلوقة
كان ق. أثناسيوس في أول عمل له بعنوان ’ضد الوثنيين‘، قد تعرَّض بالفعل للسؤال الأساسي الذي يثيره التجسد من جهة علاقة كلمة الله ـ المولود الواحد والوحيد الذي هو بلا تغيير وبلا حدود وبلا تركيب في كيانه وطبيعته ـ بالأشياء المخلوقة من العدم والتي تتسم بالتغيير والمحدودية والتركيب في كيانها وطبيعتها. وقد وجد ق. أثناسيوس الجواب على هذا السؤال في التجسد ذاته، لأن ذلك الاتحاد العجيب بين الكلمة والأشياء المخلوقة (في التجسد) هو الذي أظهر أن طبيعة الأشياء المخلوقة من العدم ـ عند النظر إليها في حد ذاتها ـ ليست فقط ضعيفة وقابلة للموت، ولكنها أيضًا متجهة إلى الزوال، أو في حالة تغير متواصل وعرضة للانحلال والفناء بحسب قوانينها الذاتية. ومع ذلك، فعندما ننظر إلى الطبيعة المخلوقة من زاوية صلاح الله الكامل ومحبته وحنانه سنجد أن هذه الطبيعة قائمة بواسطة الفعل الخالق والمدبر لكلمة الله، وبالتالي فهي محفوظة بالنعمة الإلهية من الارتداد مرة أخرى إلى العدم. فبالحقيقة كما علَّمنا القديس بولس الرسول أنه في المسيح وبه يقوم الكل ما يرى وما لا يرى[101].
وقد تابع ق. أثناسيوس عرض ومناقشة هذه الأفكار في كتابه ’تجسد الكلمة‘، حيث أشار بصورة واضحة للآية الأولى من سفر التكوين “في البدء خلق الله السموات والأرض”. وقد أشار أيضًا لتعليم الرسالة إلى العبرانيين (3:11): “بالإيمان نفهم أن العالمين أُتقنت بكلمة الله حتى لم يتكون ما يُرى مما هو ظاهر” والتي فسَّرها ق. أثناسيوس على نفس النحو الذي جاء في النص الذي ذكرناه في كتاب ’الراعي‘ لهرماس[102].
وكان ق. أثناسيوس واضحًا كل الوضوح بخصوص حقيقة أن خلق الكون من العدم لا تعني أن الله خَلَق الكون من ’شيء ما‘ يُسمى ’العدم‘، وإنما ما خلقه الله لم يخلقه من أي شيء سابق بالمرة. فالخلق من العدم إنما يعني بالأحرى أن الخليقة تعتمد كلية في وجودها على إرادة الله وتفضله، وأنه ليس لها ثبات ولا استقرار على الإطلاق بدون ما يُمنح لها بسخاء بواسطة حضور كلمة الله وفعله المستمر. وهذا الفكر يتفق تمامًا مع تعليم ق. إيرينيئوس بأن جوهر كل الأشياء المخلوقة ينبغي أن يُنسب إلى قوة الله وإرادته، لأن أساس هذه المخلوقات ليس في ذاتها بل هو قائم في كلمة الله[103].
ومن الواضح أن ق. أثناسيوس قد واجه بعض الصعوبة في إيجاد اللغة المناسبة السليمة لوصف الطبيعة المحيِّرة التي للمخلوقات، لأنه بينما مُنحت هذه المخلوقات حقيقة خاصة بها من الله، إلاّ أن استمرار وجودها ظل كما لو كان معلقًا فوق هاوية العدم، الذي كانت قد أُحضرت منه بواسطة نعمة الله. وقد استخدم القديس أثناســـــيوس كلــــــمة (rεÙστός)[104] ليعبِّر عن الطبيعة المتجهة للزوال وغير المستقرة داخليـــــًّا، التي للأشـــــــياء المخــــــــــلوقة (γενητά, τυγχάνοντα)، والتي بالرغم من هذا تبقى كمخلوقات حقيقية بواسطة الحضور الإلهي للكلمة[105]. واستعار ق. أثناسيوس من الفكر اليوناني كلمتيّ (συμβεβηκός)[106] و(νδεχόμενος)[107] ليعبِّر عن حقيقة عدم ضرورية الأشياء المخلوقة، ولكنه رفض فكرة أن وجود هذه المخلوقات كان بمحض الصدفة أو أنها أتت عن غير قصد[108]. وهذا المفهوم عن طبيعة المخلوقات يوضح بشكل كبير ما نقصده عندما نصفها ’بالاعتمادية‘[109]. وفي الحقيقة أن هذا ما كان يعنيه بالتأكيد ق. أثناسيوس، لأنه في ظل تأثير التجسد على الفكر المسيحي تولد مفهوم جديد تمامًا لم يكن من الممكن تفسيره وفقًا لمعطيات أنماط الفكر العلماني التقليدي.
مفهوم الاعتمادية في الفكر اليوناني
في الفلسفة أو العلوم اليونانية، كانت فكرة ’الاعتمادية أو العرضيّة‘ تطابق في المعنى حدوث شيء بالمصادفة المحضة، أي إنه عكس الشيء الضروري أو المنطقي، ولذلك كان يُنظر إلى ذلك الشيء العرضي على أنه يفتقر إلى أي نظام عقلاني (منطقي) ولا يعدو أن يكون أكثر من مظهر مؤقت تنقصه الحقيقة، وبالتالي كان يعتبر أمرًا مستحيلاً وغير واردٍ تمامًا ولم يكن من الممكن إدراجه في أي حديث عقلاني أو تفسير علمي، بل كان في الواقع يعتبر نوعًا من الشر. ومن هنا جاءت المقاومة الشديدة للفكر المسيحي من جهة طبيعة الوجود ’الاعتمادية‘، نتيجة لما كان سائدًا من نماذج الفكر اليوناني الكلاسيكي[110].
اعتمادية الخليقة في المفهوم المسيحي
من المعترف به أن مفهوم ’الاعتمادية‘ ليس بالمفهوم السهل أبدًا، لأنه كما رأينا فإن خلق الكون من العدم يعني أن الكون قد أُحضر إلى الوجود كشيء متميز تمامًا عن الله ـ ولكن له حقيقة خاصة به وبالتالي له قدر من الاستقلال الحقيقي ـ وهذا ما يتضمَّنه مفهوم ’الاعتمادية‘. وقد تأصل هذا الاتجاه الفكري وتقوّى بواسطة عقيدة تجسد الله الخالق داخل خليقته. فبينما من ناحية، قامت عقيدة التجسد على تمييز مطلق بين الكائن غير المخلوق والكائن المخلوق، إلاّ أنها من الناحية الأخرى أكدت على الحقيقة الكاملة للوجود المادي وأحداثه حتى بالنسبة لله.
غير أن صعوبة مفهوم ’الاعتمادية‘ تكمن في حقيقة أن الاستقلالية التي أعطاها الله للخليقة هي ذاتها معتمدة على الله؛ إذ أن الله قد صنع الطبيعة بحيث تعمل بقدرٍ من ’الحكم الذاتي‘: فهي (أي الكائنات الحية) تأتي بنفس نوع ثمرها من ذاتها ’تلقائيًّا‘ كما عبَّر عن ذلك العهد الجديد[111]. وهذا يعني أننا كلما سعَينا لاستكشاف وفهم الطبيعة، فإننا ينبغي أن نفعل ذلك فقط من خلال فحص الطبيعة كما هي فعليًّا في ذاتها، ومن خلال اكتشاف عملياتها وتكوينها وقوانينها الداخلية الخاصة بها. ورغم ذلك فإن استقلال الطبيعة هذا في صميم حقيقته، هو ذاته اعتماد الطبيعة على الله أو توقفها عليه. وكان هذا التداخل المحيِّر بين الاعتماد والاستقلال هو الذي جعل فكرة ’الاعتمادية‘ عسرة علينا جدًّا في فهمها وفي التعبير عنها. فالكون لا يعول نفسه بنفسه أو يفسِّر نفسه بنفسه كما لو كان له مبدأ داخلي في ذاته، كما أنه أيضًا ليس مجرد مظهر خارجي، لأنه من جهة وجوده فهو يعتمد على الله وليس على ذاته، وقد أعطاه الله واقعًا حقيقيًّا وشرعية خاصة به وهو يدعمها على الدوام بواسطة حضور كلمته الخالق وروحه القدوس. ولو فُرض أن الله سحب ذلك الحضور من الخليقة، لتلاشت وصارت عدمًا[112]. ولذا ففي نهاية الأمر فإن معنى الكون وحقيقته الجوهرية تكمن فيما وراء حدود هذا الكون، أي في الله الذي يحبه ويحفظه ويطوقه بحقيقته الإلهية الخاصة. إذن فبالمعنى الحقيقي، هذا الكون يمكن أن يُنظر إليه على أنه ’في الله‘، وأنه محاط بقوة وحضور الكلمة الخالق والروح القدس.
كيف شرح ق. أثناسيوس عقيدة ’الخلق من العدم‘؟
لقد لعبت عقيدة التجسد دورًا إضافيًّا في عقيدة ’الخلق من العدم‘ عند الآباء؛ إذ كشفت أن العالم كان في وضع غير مستقر وغير ثابت تمامًا، مما استدعى من الله الابن أن يوحده بذاته لكي يحفظه وينقذه.
وكان هذا الأمر من الموضوعات الرئيسية في كتاب ق. أثناسيوس عن ’تجسد الكلمة‘، حيث ظهر فيه أن موضوع طبيعة البشر ’الاعتمادية‘ كان في ذهنه أثناء كتابته لهذا العمل. فمن جهة، أشار ق. أثناسيوس إلى القصور الطبيعي في الوجود لدى البشر (τÒ μ» εναι ποτέ)، ولكن من الجهة الأخرى أشار إلى دعوتهم إلى الوجود (ες τÒ εναι) بواسطة “حضور الكلمة ومحبته للبشر” (παρουσία κα φιλανθρωπία). وبما أن البشر قد أُحضروا إلى الوجود من حالة عدم الوجود بنعمة الله، فإنهم بحسب طبيعتهم يفنون ويعودون إلى حالة عدم الوجود عندما يبتعدون عن الله، ويقعون عندئذ تحت قانون الموت (العودة إلى العدم أو الفساد الطبيعي). كما قد كشف تجسد الكلمة في داخل هذا الوجود العرضي (الاعتمادي) أن المخلوقات البشرية قد أصبحت مُصابة بفسادٍ (φθορά) آخر ضارب في العمق، أكثر من الفساد الطبيعي الناتج عن طبيعتهم العرضية ’الاعتمادية‘، وهذا الفساد الأعمق يؤدي بهم إلى الفناء التام[113]. ولم يكن هذا الفساد (الإضافي) الذي أصاب البشر هو ذلك الفساد الطبيعي الذي في جميع الكائنات التي لها بداية ونهاية محددة ـ بسبب قابليتها للفناء والموت ـ ولكنه هو فساد الشر والذي كان هناك حكم إلهي ضده، وهذا الفساد لا يمكن التغلب عليه إلاّ من خلال العمل الكفاري والفدائي لله نفسه[114].
وكانت عملية استعادة وتجديد الخليقة هي السبب وراء تجسد كلمة الله وابنه الأزلي، الذي بأخذه طبيعتنا الضعيفة ’العرضية الاعتمادية‘ لنفسه ـ وهو الأصل والمصدر الواحد لكل الكائنات المخلوقة ـ فإنه نقل أصلنا إلى ذاته لكي يحفظ وجودنا من الفناء والعدم (قانون الموت)، وفي نفس الوقت أخذ لنفسه طبيعتنا المنحرفة والفاسدة بما في ذلك لعنة الخطية حتى يفدينا (من حكم الموت) ويجدِّد كياننا في ذاته*. أي إن الفكر اللاهوتي المسيحي أدرك أن الكيان العرضي (غير الثابت) للخليقة قد فسد نتيجة اتجاه الخليقة نحو تدمير وجودها (بالخطية)، وهو ما كان لا بد من التغلب عليه من أجل إنقاذ الخليقة وتوجيهها ثانية نحو الهدف الذي قد صوَّرها خالقها لأجله. وبنقل وجودنا ’الاعتمادي‘ (العرضي) إلى ذاته ـ وهو الذي اتحد فيه بغير انفصال؛ الإلهي مع البشري، غير المخلوق مع المخلوق ـ فقد حفظ يسوع المسيح الابن المتجسد أصل وجودنا وغاية وجودنا في كيانه الذاتي الأزلي. وهكذا بالنظر إلى التجسد بهذه الطريقة، فإنه ينبغي أن يُفهم على أنه (أي التجسد) يُكمِّل عمل الخلق ويُتمِّم علاقة الخليقة ’الاعتمادية‘ بالله#. إذن فبصورة ما، يجب اعتبار أن الخليقة من البداية كانت متوقفة على (أو مشروطة بـ) التجسد[115].
2ـ عقلانية الخليقة* ونظامها المنطقي
اعتمادية الخليقة تنطوي على مفهوم عقلانية الخليقة
إذا كانت فكرة ’اعتمادية‘ الخليقة (على الله) وعرضيتها أمرًا صعب الفهم على العقل اليوناني، فإن فكرة عقلانية هذه الخليقة (أو نظامها المنطقي) كان أمرًا أكثر صعوبة. ولكن العقيدة المسيحية عن خلق الكـــــون من العدم و’اعتماديته‘ كانت في الحقيقة تتضمن مفهــــوم هذه ’العقـــــلانية‘، لأن ’اعتماديـــــة‘ الخليقة تظهر بالتحــــديد في نظامهـــــــا المنطقي الــــــــداخلي، والذي لا يُفسِّـــر نفسه، بل هو يعتمد على ’عقلانية‘ خالقها الفائقة الإدراك. ولذا اعترفت الكنيسة في قانون إيمانها أن الله خلق السماء والأرض ما يُرى وما لا يُرى، مــا هو مُــــــــــــــدرك بالعقل ومــا هو مُــــــدرك بالحـــــس. فالله في خلقــــــته للكــــــــون لم يُحضر إلى الوجود مادة الكون فقط، بل أوجد أيضًا شكل الكون ونظامه المعقول (المنطقي)، وحتى العقل البشري أوجده الله أيضًا من العدم[116].
عقلانية الخليقة تُستمد من عقلانية خالقها الفائقة
وإذا كان قد ظهر في التجسد، أن ’كلمة‘ الله الخالق الذي هو ’اللوغوس‘ الوحيد الذاتي (ΑÙτολόγος) الأزلي غير المخلوق هو الذي قد صار جسدًا، فقد تبين بالتالي أن كل الأشكال العقلانية (λόγοι) (الأخرى) المنتشرة في الكون هي مخلوقة. وبالضبط كما أن هناك تمييزًا تامًا بين كيان الله غير المخلوق وبين الكيان المخلوق، كذلك هناك تمييز تام بين ’عقلانية‘ الله غير المخلوقة و’عقلانية‘ العالم المخلوقة، وهناك تمييز بين نور غير مخلوق ونور مخلوق سواء كان مادِّيًّا أو ذهنيًّا. ومع ذلك فإن ’العقلانية‘ المخلوقة ـ أو ’النور‘ المخلوق ـ إنما تُستمد من الله ذاته، وهي تكون على ما هي عليه من خلال المشاركة في ’عقلانية‘ و’نور‘ الله غير المخلوق، الذي بدلاً من أن يطغى عليها ويلغي كيانها فإنه يحفظها في حقيقتها ’الاعتمادية‘ الخاصة بها[117].
ولا عجب إذن أن ق. أثناسيوس قد وجد أنه من الواجب عليه رفض الثنائية اليونانية بين عالم ’المدركات‘ (الأشياء التي تُدرك بالعقل) وعالم ’الحسيّات‘ (الأشياء المحسوسة)، بما في ذلك تعاليمهم عن: ’اللوغوس‘ الإلهي كمبدأ داخلي للكون، وعن ’بذور المنطق‘ (λόγοι σπερματικοί) أو ’الصور العقلانية الأزلية‘ الكامنة في الطبيعة[118]. وبدلاً من هذه الأفكار والمفاهيم، قدَّم ق. أثناسيوس التمييز الكتابي بين الخالق والخليقة مُظهرًا أن كل النظام العقلاني في الكون ينبغي إرجاعه إلى مصدره الخلاّق أي كلمة الله، لأنه بواسطة الكلمة قد مُنِحَ الكون كله ’عقلانيته‘ الرائعة المخلوقة، وهو (أي الكلمة) يداوم على مساندته للكون وإبقائه في وضعه هذا[119]. وبفضل فعل اللوغوس الإلهي المُنظِم والمتكامل والشامل الكل، فإن الوجود المخلوق كله يتغلغله نظام ’عقلاني‘ واحد يعتمد على ’العقلانية‘ الفائقة الإدراك التي لله رب الخليقة الذي يفوق الوجود المخلوق كله[120].
نظام الكون المخلوق منفتح على الدوام لفعل الله الخلاّق
دعونا نتأمل هذا الأمر من منطلق أن الله في خلقته للكون من العدم، قد خلق معه الزمان والمكان أيضًا. هذه الأفكار عادةً ما تُنسب لأغسطينوس (الذي كتب باللاتينية) بالرغم من أنها قد وُجدت في التراث اللاهوتي اليوناني (أي المُدوّن باليونانية) منذ القرن الثاني، حيث كانت منتشرة في الإسكندرية قبل وقت أغسطينوس بكثير ووصلت هذه الأفكار هناك إلى تمام نضجها[121]. ومع عقيدة التجسد التي تعني ـ كما عبَّر ق. أثناسيوس ـ أن الرب لم يحل داخل إنسان بل هو قد صار إنسانًا[122]، وجد المسيحيون أنفسهم في خلافٍ حادٍّ مع الأفكار التي سادت طويلاً في الفلسفة والعلوم اليونانية عن الزمان والمكان، والتي ظهرت في صور متنوعة إما أفلاطونية أو أرسطوطالية أو رواقية. ففي ظل حقيقة وواقعية ظهور (παρουσία) الله المتجسد في الزمان والمكان، وجد آباء الكنيسة أن عليهم وضع مفاهيم متغايرة عن الزمان والمكان تتوقف على حسب من تُستخدم معه ويمكن تطبيقها بطرق مختلفة: فبالنسبة لله تُطبَّق بطريقة تتوافق مع طبيعته الفائقة، وبالنسبة للكائنات المخلوقة تُطبَّق بطريقة أخرى تتمشى مع طبيعتهم ’الاعتمادية‘ (العرضّية).
وهكذا سعى الآباء إلى التأكيد على أنه داخل النظام المخلوق لهذا العالم، توجد تركيبات زمنية ـ مكانية مُهيأة ومتاحة لفعل الله المدّبر والخلاّق، كما توصّل الآباء إلى مفاهيم جديدة تمامًا عن قانون الطبيعة تجعله ذا تكوين منفتح ومتحرر من أفكار الحتمية والقدرية التي كانت سائدة في الفكر اليوناني[123]. ووفقًا لفهم الآباء لعقيدة الخلق، كانت القوانين الطبيعية تُعتبر بالنسبة لهم كتتابع منظم وكتركيبات ثابتة في الطبيعة، تقوم بأمر الله الخالق[124]. أي إن قوانين الطبيعة (أي أنظمتها العقلانية) كانت بالنسبة للآباء تعتمد على كلمة الله بكونه مصدرها وأساسها. فهذه القوانين في حد ذاتها هي أنظمة ’اعتمادية‘ وعرضّية، وهي ’عقلانية‘ (أي لها نظام منطقي) فقط لأنها تشير إلى أساس ’العقلانية‘ الفائق في ’لوغوس‘ الله الخالق، حيث إنه على هذا الأساس يقوم ثبات هذه القوانين وإمكانية الثقة فيها والاعتماد عليها[125].
3ـ حرية الخليقة
اعتمادية الخليقة تنطوي على مفهوم حرية الخليقة
إن المفهوم الكامل لـ ’اعتمادية‘ الخليقة، يحمل في طياته فكرة أن علاقة الله بالكون ليست هي علاقة جزافية (أي إنها لم تأتِ بمحض الصدفة)، كما أنها ليست علاقة الضرورة (أي إن وجودها لم يكن ضروريًّا بالنسبة لله)، وإنما هي علاقة ناتجة عن حرية نعمة الله وحرية إرادته، حيث إن الله قد خلق الكون انطلاقًا من حبه البحت وجعله معتمدًا على كلمته الذاتي (اللوغوس)[126].
وكما أن ’اعتمادية‘ الخليقة تنطوي على مفهوم اعتماد ’عقلانية‘ الخليقة على ’عقلانية‘ الله، فعلى نفس النمط فإن ’اعتمادية‘ نظام الكون على إرادة الله تحمل معها فكرة ’حرية‘ الخليقة التي تعتمد بالكامل على ’حرية‘ الله. فالله لم يبخل على خليقته بحرية كاملة، بالضبط كما لم يضنّ عليها بوجودٍ أو بحقيقة مختلفة عن نفسه، بل على العكس فهو يمنح خليقته أن تشارك أيضًا ـ بصورة مناسبة ـ في حريته الخاصة الفائقة.
الخليقة أُحضرت إلى الوجود بحرية الله الكاملة
وكما سبق وأشرنا، فإن الله كانت له الحرية المطلقة في أن يخلق الكون أو لا يخلقه، مما يعني أن الكون كان من الممكن ألاّ يُوجد على الإطلاق، فلم تكن هناك ضرورة تحتم على الله أن يخلق أي شيء، وكان من الممكن أن يضع نهاية لوجود الخليقة إن كانت هذه هي مشيئته لأنه لا توجد ضرورة بأن يكون الكون موجودًا إلى الأبد[127]. وعليه فإن التداخل الفريد بين الاعتماد والاستقلال داخل مفهوم ’الاعتمادية‘ يجب أن يُنظر إليه من جهة الله وأيضًا من جهة الخليقة.
وكما اعتاد جورج فلوروفسكي أن يؤكد، فإنه ينبغي علينا أن نفكر في الأمر من منطلق “اعتمادية ثنائية”: أي من جهة عمل الله الحر الخلاّق؛ إذ لم يكن الله مضطرًّا إلى أن يصنع ما قد صنعه (اعتمادية من جهة الوجود من العدم)، وأيضًا من جهة ما أوجده الله بالفعل والذي كان من الممكن ألاّ يحدث بهذا الشكل أو حتى لا يحدث على الإطلاق (اعتمادية من جهة شكل الوجود)[128]. وهذا لا يعني بالطبع أن عمل الله الحر والسيادي في الخلق كان عملاً غير عقلاني أو عملاً جزافيًّا بأي شكل، لأن الخليقة وكل ما فيها لها سببها ومنطقها الإلهي[129].
حرية الخليقة في الفكر اليوناني
هذا الاعتقاد المسيحي في حرية الكون، كان جديدًا تمامًا بالنسبة للعالم القديم الذي كانت تسوده أفكار عن حتمية عدم تغيُّر الطبيعة وعن أزلية العالم، وذلك بسبب مفهوم تكون (ونشأة) الطبيعة مع الله[130]. وكان هذا وراء ظهور فكرة ’عجلة القدر‘ ذات الطبيعة العنيدة والتي انعكست في الأدب الكلاسيكي اليوناني والروماني القديم، كما كان هذا أيضًا وراء ظهور فكرة ’المعادلة بين الضرورة والعقلانية‘ والتي نجدها منتشرة في كل فلسفتهم وعلومهم.
ولم يتوان المدافعون عن العقيدة المسيحية في الكنيسة الأولى مثل أثيناغوراس الأثيني، في إظهار كيف أن النظرة المسيحية إلى الله والخليقة كان لها الفضل في كسر الصلة الجائرة في عقول الناس بين الله وبين القدر المجهول المتسلط على الكل، كما كان لها أيضًا الفضل في تحريرهم من السطوة الخرافية للعرافة والتنجيم[131].
كيف نشأ مفهوم ’حرية‘ الكون أو حرية الطبيعة؟
هذا المفهوم جاء بلا شك من النظرة الجديدة إلى العالم وتاريخه، والتي تولّدت من رسالة الإنجيل التي نادت بأنه: بتجسد الكلمة، فإن الخالق ذاته قد جاء بنفسه ليفدي ويحرر جنس البشر من أربطة الخطية والذنب ومن الفساد والموت[132]. غير أن هذا الفداء وهذا التحرر ينطبق على الخليقة جمعاء، لأن المسيح هو رأس كل الخليقة، وهو أصلها وغايتها. فبواسطته قد خُلقت كل الأشياء، وفيه تقوم ومن خلاله تتصالح مع الله. إذن ففي يسوع المسيح قد أسس الله وأمَّن علاقة جديدة بينه وبين الخليقة، ومن خلال هذه العلاقة أُعطيت الخليقة ’حرية‘ مؤسسة على ’حرية‘ الله الفائقة وغير المحدودة.
وكان مفهوم الفداء وتجديد الخليقة بأسرها في المسيح أقوى بكثير في الفكر الآبائي اليوناني (أي عند الآباء الذين كتبوا باليونانية) عنه في الفكر الآبائي اللاتيني (أي عند الآباء الذين كتبوا باللاتينية)، وكان ذلك بسبب العلاقة المتبادلة العميقة بين عقائد التجسد والفداء والخلق في الفكر اللاهوتي لآباء الإسكندرية وكبادوكية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى بسبب الثنائية الضارة بين عالم المدركات (أي الأشياء التي تُدرك بالعقل) وعالم الحسيات (أي الأشياء المحسوسة) في فكر ق. أوغسطينوس. ففي الشرق، سادت حقيقة أن الذي تجسد هو بذاته الخالق ـ الأصل والمصدر المطلق لكل وجود ولكل نظام ولكل عقلانية، والذي تغلغل بنفسه إلى داخل موتنا وانتصر عليه بموته وقيامته ـ وهذا معناه أن الكون كله مرتبط من جهة وجوده (كيانيًّا) بالمسيح الابن المتجسد والقائم، وبالتالي فالكون كله قد دُعيّ للمشاركة في ’حرية‘ الخالق. وبالضبط كما أن الكون قد أخذ بدايته في الكلمة، هكذا أيضًا من خلال الفداء والتقديس والتجديد سيأخذ اكتماله فيه.
حرية الخليقة تعتمد على حرية خالقها الفائقة
لنتوقف قليلاً لنتأمل فيما تعنيه ’حرية‘ الخليقة هذه. فبما أن هذه ’الحرية‘ هي ’حرية‘ كون ’عرضي‘، فإنها ستكون بالضرورة ’حرية‘ عرضّية وبالتالي ’حرية‘ محدودة. لأنه لو أُعطيت ’حرية‘ غير محدودة لعالم ’عرضي‘ لانطوى ذلك على تناقض بيِّن. ولكن كون ’حرية‘ العالم المخلوق هي ’حرية‘ عرضّية فإن ذلك يعني أنها محكومة بتلك ’الحرية‘ الفائقة الإدراك التي لله والتي تمثل بالنسبة لها أساسها الحقيقي الذي تعتمد عليه بحكم كونها ’حرية عرضّية أو اعتمادية‘.
وهنا أيضًا نرى مرّة أخرى التداخل العجيب بين الاعتماد والاستقلال الذي وجدناه في مفهوم ’الاعتمادية‘. غير أنه لو كان الكون مرتبطًا فعلاً بحرية الله اللانهائية وغير المحدودة، ولو كان الكون منفتحاً بصورة مستمرة على قوة الله الخلاّقة، فإن هذا يعني أن ’حرية‘ الخليقة لا بد وأن تعكس ’حرية‘ الله وأن تكون ـ بصورة ما ـ غير محدودة ولا نهائية بطريقتها الخاصة وعلى مستواها المخلوق الخاص بها. أي إنه بسبب علاقة الخليقة ’الاعتمادية‘ بالله، فإنه يوجد في الكون المخلوق إمكانيات غير محدودة ولانهائية، وهذا مبدأ جوهري في مفهوم ’الاعتمادية‘.
وبسبب أن الكون يتصف بهذا النوع المحيِّر وغير المحدَّد من ’الاعتمادية‘، فإننا لا نستطيع أن نحقق أية اكتشافات علمية عن الكون عن طريق أساليب التفكير المنطقية الاستنتاجية. وبسبب قدر الاستقلالية الحقيقية المعطاة للكون ـ والمؤيدة من الله ـ فنحن نقدر أن نكشف عن أسرار الطبيعة، فقط من خلال تجارب نقدم فيها أسئلتنا للطبيعة، ثم ندع الطبيعة تخبرنا هي عن نفسها دون أن نفرض عليها الافتراضات المسبقة المخبأة في أسئلتنا.
وكان البعض من آباء الكنيسة قد أدرك بالفعل هذا الأمر، ولذا كانوا معارضين لفرض أية نماذج من الفكر ’المنطقي‘ أو الإستنتاجي على الطبيعة[133]. ولا يمكن القول إنهم كانوا مستعدين في تلك المرحلة لأن يضعوا تعليمًا كافيًا عن الطبيعة، ولكن ما أقروه بالفعل هو أن الطبيعة في علاقتها المرتبطة بحرية الله يجب اعتبارها غير كاملة في حد ذاتها[134]. وبالتحديد لأنها كذلك فقد منحها الله انفتاحًا وتلقائية وحرية تفاجئنا بها على الدوام. فكل أعمال الله وطرقه في الطبيعة لها نفس خاصية المفاجأة والتي تتحدى بها أية توقعات من جانبنا. إلاّ أنه في داخل ’حرية‘ الطبيعة هذه ـ كما هو الحال بالطبع في ’حرية‘ الله ولكن بصورة فائقة ـ يوجد ثبات وانتظام مذهل يمكن الاعتماد عليه.
وكان المفكر الوحيد في الكنيسة الأولى الذي ـ حسب معرفتي ـ قد أدرك بالفعل هذه الحقيقة وطبقها بصورة ذات معنى هو يوحنا فيلوبونوس السكندري، حيث أصرَّ على رفض آراء أفلاطون وأرسطو عن أزلية العالم، بل وتبنى أفكارًا مميزة عن طبيعة النور[135]، فقد نظر إلى نور الكون المخلوق على أنه انعكاس مخلوق لنور الله غير المخلوق وبالتالي فهو مرتبط ـ بصورة اعتمادية ـ بثبات الله وعدم تغيره. وهكذا ينبغي علينا بالتأكيد أن نفكر بنفس الطريقة في العلاقة بين ’حرية‘ الكون المخلوقة و’حرية‘ الله غير المخلوقة.
كيف تستقيم حرية الخليقة مع ثباتها؟
إنه في إعلان الله عن ذاته في يسوع المسيح الكلمة المتجسد ومن خلاله، نستطيع أن ندرك شيئًا من هذا الجمع بين: الحرية والثبات، تلقائية الطبيعة وإمكانية الاعتماد عليها، أحداث الطبيعة التي لا يمكن التنبؤ بها والنظام الدقيق الذي في الطبيعة. غير أن كل شيء يتوقف على ما نفهمه عن محبة يسوع المسيح وعدم تغيره (ثباته) وأمانته كرب ومخلِّص، وعما إذا كان ما يعلنه عن طبيعة الله هو بالفعل ما هو حقيقي عن الله الآب ضابط الكل خالق السماء والأرض ما يُرى وما لا يُرى. هل توجد علاقة أمانة مطلقة بين ’إعلان الله عن ذاته‘ في التجسد وبين ’مَن هو الله‘ في جوهره الذاتي الأزلي؟ فإذا كانت هناك مثل هذه العلاقة من الأمانة المطلقة والثبات المطلق، إذن فيسوع المسيح في محبته الفادية وفي نعمته المحررة، هو الضمان الإلهي* لما نفهمه عن ’حرية‘ الخليقة وتكاملها وإمكانية الاعتماد عليها حتى في نظامها الطبيعي وسلوكها المادي[136].
وقد لا يكون من السهل علينا اليوم أن نقدِّر مدى الأهمية العظمى لهذا الاكتشاف بالنسبة للكنيسة الأولى التي كان عليها أن تجاهد لتكوين صورة مترابطة للكون باعتباره له نظام عقلاني خاص به، وهذا النظام ليس نظامًا جزافيًّا (أي بمحض الصدفة) ولا نظامًا ضروريًّا (أي من المحتم وجوده)، ولكن رغم أن الكون ’عرضي‘ في طبيعته ـ حيث كان من الممكن أن لا يأتي إلى الوجود على الإطلاق، أو أن يكون مختلفًا تمامًا عما هو بالفعل ـ إلاّ أنه مع ذلك مستقر وثابت ويمكن الاعتماد عليه، بل إنه أيضًا منفتح لعناية الخالق في إتمام قصد محبته. وكان كل هذا إظهارًا ـ في ضوء إنجيل المسيح ـ لما أشار إليه العهد القديم عن الخلق بأنه “حسن” لأنه جاء من يد الله، وبالتحديد هو حسن في تكامله وحقيقته.
وقد نجح المسيحيون بالفعل في الجمع بين ’عرضية‘ الخليقة وثباتها، وأيضًا بين مرونة الخليقة وإمكانية الاعتماد عليها، كصفات أساسية للواقع المخلوق ـ والذي دأبنا على تسميته “بالطبيعـة”. ولم يكــن هذا بالأمـر الســهل بالنســبة لأنــاس كان يسيطر عليهم مفهــوم حتمية ارتبـــاط أو تطـابق الله مع الطبيعة (dues sive natura). أما فكرة أن هذا الكون الواقعي أي عالم الحسيات والوجود المادي له ثباته ووحدته الخاصة به، فقد كانت غريبة تمامًا بالنسبة للحضارة الكلاسيكية. وكانت لهذه النظرة الجديدة تمامًا على العالم، جذور عميقة ـ كما قد رأينا ـ في التقليد اليهودي، مع الفارق في أن العامل الحاسم في الفهم المسيحي للكون الذي صنعه الله كان يتمثل في ثبات محبة الله في يسوع المسيح.
ولذلك ففي التحليل الأخير، تظهر عقيدة الخلق وهي متصلة بشدة بمفهوم ’الوحدانية في ذات الجوهر‘، لأنه بيسوع المسيح الذي له ذات الجوهر الواحد مع الآب “كان كل شيء”، كما قرر قانون الإيمان بنيقية. وهذا الموضوع الهام هو ما سنتناوله في الفصل القادم.
* إن معرفتنا لله بكونه ’آبًا‘ إنما تعني ضمنيًّا: أنه آب مولود منه الابن ومنبثق منه الروح القدس، لأنه الله في جوهره ثالوثي ومعرفتنا له تعني معرفتنا له بكونه ثالوثًا (كما سيأتي ذكره في الفصل الأخير). وهذا هو المنهج الذي نراه في قانون الإيمان؛ إذ يبدأ بالاعتراف بالله بكونه آبًا ثم بعد ذلك يعلن الإيمان بالابن المولود من هذا الآب والروح القدس المنبثق من هذا الاب أيضًا. (المترجم)
2 Athanasius, Con.Ar., 1.33; De decr., 30-31.
3 Athanasius, Con.Ar., 2.31ff. And cf. De decr., 7, 11f.
* القديس هيلاري يقصد هنا أن ’أبوة‘ الله هي التي تحكم كل كلامنا وتفكيرنا عن الله كخالق‘، لأن الله هو ’آب‘ كما أعلن لنا عن ذاته في المسيح. وكما أن الله كمحبة لا يمكن أن يحسد (وإلا فلن يكون حينئذ محبة)، فكذلك بما أن الله ’ آب‘ فهو في كل ما يكونه ويفعله ’آب‘ (حتى حينما يخلق)، وهذا هو مدخل فهمنا لله في كل شيء. (المترجم)
8 في مجمع القسطنطينية، تم تحريك كلمتي “السماء والأرض” في قانون الإيمان لتكون في موضعها الحالي، وذلك بعد أن كانت ضمن العبارة التي عن الابن في قانون نيقية.
9 Hilary, De Trin., 7.17, with reference to John 5.17-22. Cf. De Trin., 8.4.
10 Athanasius, Con. Ar., 2.54; 3.1; 4.3; De decr., 16; De syn., 46; Ad Ant., 5.
11 See Athenagoras, Leg., 4.2; 15.1,
كانت المخلوقات، في علاقتها مع الله ’الكائن‘ الوحيد ’غير المخلوق‘، تُوصف بأنها ’غير كائنة‘
Cf. Origen, Con. Cel., 7.42f; De prin., 1.1; Athanasius, Con. gent., 2, 35, 40; De inc., 17.
13 Athanasius, De decr., 22; cf. De syn., 34; and Ad Afr., 8.
14 Athanasius, De decr., 15; Con. Ar., 1.14; 2.2, 33; 3.66; cf. 1.14, 19; Ad Ser., 2.2.
15 Cf. here G. Florovsky, ‘The Concept of Creation in Saint Athanasius’, Studia Patristica, Vol. IV, 1962, pp.45f.
16 Athanasius, Con. Ar., 4.4; cf. 2.41; 3.11f.
17 Athanasius, Con. Ar., 3.3-6; De syn., 49. For the same principle see Gregory Nyss., Con. Eun., 1.38 and 42, ed. Jaeger, I, pp. 196f and 222f; Con. Eun., 3.4, II, p. 260; Antir., 6 and 7, 11, pp. 330f and 337.
* ارجع إلى ق. أثناسيوس في ضد الأريوسيين 9:1 “إن كل ملء لاهوت الآب هو كيان الابن”. (المترجم)
# إن الآب هو مصدر الوجود ولكن ليس بمعزل عن الابن أو الروح القدس، حيث إن الاب يخلق كل شيء بالابن في الروح القدس. (المترجم)
18 Athanasius, Con. Ar., 3.6; 4.1.
19 Athanasius, Con. Ar., 3.15; 4.1-3; Ad Ser., 1.28.
20 Athanasius, Ad Ant., 5; 6-11; Con. Ar., 2.33; 3.1f, 15; Ad Afr., 11; In ill. om., 5; Exp. Fidei, 1-4.
21 Athanasius, De decr., 16ff., 22f; Ad episc., 17f; Con. Ar., 1.16.28; 2.33; 3.1ff; Ad Afr., 4f; cf. also Exp. Fidei, 1f In ill. om., 6.
22 Athanasius, Con. Ar., 3.36.
23 Athanasius, Con. Ar., 3.12.
28 Hilary, De Trin., 3.1-5; cf. 1-12; 2.33.
29 Hilary, De Trin., 2.24-27; 3.20; 9.4-14; Com. In Ps. 53 (54).3.
30 Athanasius, Exp. Fidei, 1 and 4.
31 (Κύριος ε̉́κτισέν με α̉ρχήν ο̉δω̃ν αυ̉του̃ ει̉ς ε̉́ργα αυ̉του̃)
32 Athanasius, Con. Ar., 2.18-43.
33 Athanasius, Con. Ar., 2.44-82.
* كان ق. أثناسيوس يرى أنه بسبب أن المسيح هو الرأس (أو المبدأ) (¢ρχή) الإلهي الذي به أُعطيت كل المخلوقات وجودها من العدم، فإنه بالتالي هو الوحيد الذي يستطيع تجديدها، ولذا أتى وتجسد ليصير هو الرأس (¢ρχή) المخلوق (في طبيعته الإنسانية) لكل الخليقة الجديدة. (المترجم)
# بالطبع ليس المقصود أن الله لم تكن لديه ’على الدوام‘ القدرة على الخلق، ولكن المعنى أن الله لم يكن ’على الدوام‘ ممارسًا لعمل الخلق. فالخليقة لم تكن موجودة ’على الدوام‘ مع الله، حيث لا توجد علاقة ضرورية (لزومية) بين الله والخليقة. (المترجم)
35 See the Epistle of Alexander, recorded by Theodoret, Hist. eccl., 1.3; the overture of the Council of Antioch to the Council of Nicaea, J.N.D. Kelly, Early Christian Creeds, pp. 150, 209f; and Athanasius, Con. Ar., 3.59-62.
36 G. Florovsky, ‘The Concept of Creation in Saint Athanasius’, op. cit., pp. 39ff; see also ‘Creation and Creaturehood’, Collected Works, Vol. III, pp. 47ff.
37 Origen, De prin., 1.2f, 10. See the fragment of De rebus creatis by Methodios of Olympus, preserved by Photius, Bibliotheca, c.235.
38 Origen, De prin., 1.2, 6; 4.4, 1; In Jn., 20.18.
* العلاقات الداخلية في الله هي العلاقات الأقنومية داخل جوهر الله الواحد، أما العلاقات الخارجية فهي علاقات الله بكل ما هو خارج عنه. (المترجم)
# بمعنى أن وجودها ضروري بالنسبة لوجود الله. (المترجم)
39 Athanasius, Con. Ar., 1.20.
41 Athanasius, Con. Ar., 1.29: (α̉εί ποιητής ε̉στιν ο̉ Θεός)
42 G. Florovsky, ‘Creation in Saint Athanasius’, op. cit., p. 50f.
* رأى أوريجينوس أن الله خالق على الدوام وبالتالي فإن الخليقة ملازمة لجوهر الله وموجودة معه منذ الأزل. أما الأريوسيون فرأوا أنه بما أن الله هو خالق على الدوام فكل خليقته أزلية، ولكن هذه الأزلية نسبية لأنها الخليقة خُلقت بالإرادة وبالتالي فإن الله كان أسبق من الخليقة. وبما أنه كان هناك وقت لم تكن فيه الخليقة موجودة حيث إنها أوجدت بالإرادة من الله، فكذلك الابن رغم أنه أزلي إلاّ أنه كان هناك وقت لم يكن فيه الابن كائنًا. (المترجم)
43 See Athanasius, Con. Ar., 1.5: (ήν ποτε ο̉́τε ου̉κ ήν). See also De syn., 15; the Letter of Arius to Eusebius, Theodoret, Hist. eccl., 1.4; and Epiphanius, Haer., 69.6
44 Athanasius, Con. Ar., 1.29.
46 Athanasius, Con. Ar., 1.29; 2.2.
47 Athanasius, Con. Ar., 1.29.b
48 Athanasius, Con. Ar., 1.2, 11, 13.
49 Athanasius, Con. Ar., 1.11; 2.3.
50 Athanasius, Con. Ar., 2.57.
51 See especially, Basil, Hex., 5-6.
* جديد بمعنى أنه لم يكن موجوداً فيما قبل، ولكن ليس جديداً على معرفة الله الذي الكل حاضر أمامه. (المترجم)
53 Athanasius, In ill. om., 3.
وبالتأكيد لم يحدث تغيير في جوهر الله :
Con. Ar., 1.62-64; 2.8f; 2.12ff; 4.15. See Hilary, De Trin., 11.16;
ويقول ق. غريغوريوس النزينزي: “هو لم يتغير عن ما كانه، ولكنه أخذ ما لم يكنه”
Gregory Naz., Or., 39.13.
54 Gregory Naz., Or., 38.7 and 45.3.
56 Athanasius, Con. Ar., 2.59ff.
57 Athenagoras, Leg., 8-10, 13, 16.24; De res., 12-14.
58 Gregory Thaumaturgos, In Origenem, 8; Athanasius, De decr., 22; De syn., 34; Hilary, De Trin., 2.6ff; 9.72; 11.44ff.
59 Hilary, De syn., 37; De Trin., 4.21; 6.12, 19; 7.3, 8, 39; 8.52.
60 Irenaeus, Adv. haer., 2.47.2, vol. 1, pp. 367f; 2.56. 1f, p. 382f; 4.25.1f, vol 2, pp. 184f; 4.34.1f, pp. 212ff; 4.63.1f, pp. 294ff; Dem., 3ff, 11f.
61 Irenaeus, Adv. haer., 3. Praef. And 41, vol.2, pp. 1ff; 4.25.1f, pp. 184ff; 4.63.1, p. 294f; Plato, Timaeus, 29e-30b. Cf. philo, De migr. Abr., 32.
62 Athanasius, Con. gent., 41; De inc., 3; cf. Con. Ar., 2.29.
63 Basil, Hex., 1.2; Gregory Nyss., Or. cat., 5; De an. et res., MPG 46.9Bff; Gregory Naz., Or., 38.9; 45.5. See also Athenagoras, De res., 12-13.
64 Athanasius, De inc., 1.1ff; Con. Ar., 2.14, 44-65; 3.43, 67; 4.33.
[65] 1كو 12:11.
66 Gregory Nyss., De op. hom., 23f; De an. et res., MPG 46.94-125; Or. cat., 5. Cf. Evagrius/ Basil, Ep., 8.11.
67 1Clement 27.4; Tatian, Or., 7.3; Aristides, Apol., 13; Athanasius, Con. Ar., 2.31; Gregory Naz., Or., 29.6.
68 Athenagoras, Leg., 6-9, 16, 20, 22, 25; De res., 12-13; Basil, Hex., 1.5-7; Gregory Nyss., Con. Eun., 1.20.
69 Theophilus, Ad Aut., 1.7; 11.4, 10, 13; Athenagoras, Leg., 10, 13-16; Irenaeus, Adv. haer, 2.2.1ff, vol. 1, pp. 254ff; 2.8f, pp. 271ff; 2.47.2, p. 367f; 3.41, vol.2, p.135f; 4.25.1f, pp.184f; 4.83.1, p.295; 5.3.2, p. 326; 5.18.1f, pp. 372ff; Basil, Hex., 1.5-10; 2.2; 4.6; 5.5.
70 Athanasius, De inc., passim; Con. Ar., 1.11-12- a comment on Romans 1.19f.
71 Athanasius, Con. Ar., 3.59-62.
[72] 2كو 6:8، رو 36:11. انظر:
Irenaeus, Adv. haer., 4.34.1f, vol.2, pp. 212ff; Dem., 3; Hilary, De Trin., 8.36f; Gregory Naz., Or., 39.12; Basil, De Sp. St., 4.6
74 Gregory Naz., Or., 38.8 and 45.4.
75 Karl Barth, Dogmatics in Outline, p.52; Church Dogmatics, III.1, pp. 13ff.
76 Gregory Thaum., In Origenem, 8.
77 Irenaeus, Adv. haer., 2.2.3f, vol.1, pp. 255f; 2.37.1f, pp.342f; 2.43.2f, pp. 356f; 2.47.2, p. 367f; 3.11.2ff, pp. 35ff; 3.12.14f, vol. 2, pp. 66ff; 4.6, p.152; 4.18-19, pp.168-172; 4.27.3-30, pp.189-200; 4.34.1ff, pp.212ff; 5.18.1f, pp. 372ff.
وهذا الأمر لا ينبغي أن يختلط مع أفكار البدعة الغنوسية عن ’النماذج الإلهية‘:
Adv. haer., 2.7.1ff, pp.270ff, etc.
78 Athanasius, Con. gent., 34ff. Cf. Con. Ar., 2.20: ‘The whole earth hymns the Creator’.
79 Irenaeus, Adv. haer., 3.11.2, vol.2,p.35.
80 See also Athenagoras, Leg., 4.2; 6.2; 10.2-5; 12.3; 18.2; and Theophilus, Ad Aut., 1.4, 7; 11.13.
[81] خر 11:20؛ تك 1:1؛ مز 6:146، 4:148؛ إش 7:45؛ عا 13:4؛ أم 24:8؛ نح 6:9؛ يون 9:1.
[82] أع 24:4، 15:14؛ رو 17:4؛ رؤ 6:10؛ يو 1:1؛ كو 1:1؛ عب 1:1؛ وكذلك أع 28:17؛ رو 36:11؛ 2كو 6:8؛ أف 5:4؛ عب 10:2.
83 E.g., philo, De spec. leg., 4.187; De op. mundi, 26, 28, and 31; cf. Justin Martyr, Dial., 5.
[84] خر 10:34؛ عد 30:16.
[85] انظر التفريق الواضح بين عمل ’الخلق‘ عند الله و ’صنعه‘ للأشياء:
See Basil, Hex., 1.7, Cf. Athanasius, Con. Ar., 2.21f, 27, 31, 57ff.
[86] مز 9:33؛ مز 91:119؛ جا 36:43؛ حك 24:16.
[87] 2 مك 28:7، وقد اقتبسها أوريجينوس في (De prin., 2.1.5 and In Jn., 1.18). انظر:
Hilary, De Trin., 4.16; cf. Basil, Ep., 6.2. And see also Jubilees 12.4.
88 Hermas, Mand., 1.1. See also Vis., 1.1.6 and 2 Clement, 1.8.
89 Compare Mand., 1.1 with Irenaeus, Adv. haer., 1.15.1 and 4.34.2, vol.1, p.188f and vol. 2, p.213f; Dem., 4-6; Origen, De prin., praef., 3f; 3.3; and Tertullian, De praescr. Haer., 13.
90 Aristotle, De coelo, 1.10, 279f; 3.1, 298; cf. Met., 10.1075b; also Pseudo – Aristotle, cited by A. Ehrhardt, in ‘Creatio ex nihilo’, Studia Theologica, IV, 1950, p. 24.
91 Plutarch, De an. Procr., 5.
92 Diogenes Laertius, Vitae, 9.4.
93 Sextus Empiricus, Adv. Math., 1.53 and 60; cf. 7.66f
94 Cf. the Epistle of Epicurus cited by Diog. Laert., 10.38.
عن فكرة وجود ’البدء المطلق‘ في الفكر اليوناني، انظر:
- Ehrhardt, The Beginning. A Study in the Greek Philosophical Concept of Creation from Anaximander to St John, 1968.
95 Theophilus, Ad Aut., 1.4; 1.8; 2.4; 11.4; 11.10; 11.13.
96 Athenagoras, Leg., 4.1f, 7-8.
97 Aristides, Apol., 1.4f, 13.
100 Thus, for example, Origen, De prin., praef., 4; Irenaeus, Adv. haer., 3.4.1, vol.2, p.15f; cf. 3.17.6, p.87; Apost. Const., 5.7; 7.33; 8.12.
* كائنات اعتمادية تعني أنها كائنات عرضية لا توجد بذاتها بل تعتمد في وجودها على غيرها. (المترجم)
101 Athanasius, Con. gent., 41- the reference is to Col. 1.15-18.
102 Athanasius, De inc., 3.Cf. De decr., 18.
103 Irenaeus, Adv. haer., 1.15, vol. 1, p. 188f; 2.1; p. 251; 2.10.2, p. 274f; 2.47.2, p. 367f; 3.8.3, vol. 2, p. 29f; Athanasius, Con. Ar., 2.24; 2.31; Ep., 11.4.
104 Athanasius, Con. gent., 41; De decr., 11; Con. Ar., 1.23 and 28. Cf Basil, Con. Eun., 2.23; Gregory Naz., Or., 28.22.
105 Cf. Athanasius, Con. gent., 39 and 41; De decr., 11, etc.
106 Athanasius, De decr., 22; Con. Ar., 1.20; 1.36; 4.2; cf. 3.65. See also Gregory Nyss., Con. Eun., 1.26.
107 Athanasius, Con. Ar., 1.51; 3.62; In Ps., 88.36-37.
108 Athanasius, De inc., 2; cf. De decr., 19; De syn., 35.
[109] في اللغة اليونانية الحديثة، تستخدم الكلمة: (ε̉νδεχόμενος) لتعني ’الإعتمادية‘ أما الكلمة: (ε̉νδέχεται) فهي المقابل اليوناني للكلمة اللاتينية: (contingit).
110 See John Philoponos, De aetern. Mundi con. Proclum, 9.11-13; In physica, apud Simplicius, Comm. in Artist. Gr., vol. 10, p.189.
[111] مر 28:4.
112 Aristides, Ad Aut., 1.7; Basil, Hex., 3.1f; 4.1f; 5.1f; 8.1; De Sp. St., 16.37-38; 19.49.
114 Athanasius, De inc., 3-10.
* أي إن الإنسان بعد السقوط ـ كما يؤكد ق. أثناسيوس ـ كان تحت سلطان الموت بصورة مزدوجة: أولاً، قانون الموت والفساد الذي بسبب الطبيعة العرضية للإنسان، وثانياً، حكم الموت الذي قرره الله بسبب الشر وخطية الإنسان. (المترجم)
# لقد كان التجسد في ذهن الله من قبل إنشاء العالم، وذلك لتكميل الخلق وتحويل أصل الخليقة ’الاعتمادي‘ إليه، لتحقيق هدف خلقة الإنسان وهو التبني لله من خلال اتحادنا بالابن: “مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح، الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح، كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم، لنكون قديسين وبلا لومٍ قدامه في المحبة؛ إذ سبق فعيّننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه، حسب مسرة مشيئته…الذي فيه لنا الفداء بدمه، غفران الخطايا، حسب غنى نعمته” (أف 1: 3-10). (المترجم)
115 See Athanasius, Con. Ar., 2.65-72, 74ff, 77; 3.33, 38; 4.33; cf. Con. gent., 40ff; De inc., 2ff & 44f .
* يُقصد بعقلانية الخليقة أن لها نظامًا داخليًّا منطقيًّا ودقيقًا ومتكاملاً تسير عليه، ولها قوانين منظمة تحكمها. (المترجم)
116 Basil, Hex., 2.1ff; Gregory Nyss., Con. Eun., 1.22; De op. hom., 23,29,39; De an. et res., MPG 46.30B, 105B, 124B, 125C.
118 Athanasius, Con. gent., 35ff; 40ff; 44 & 46; De decr., 11; Exp. Fidei, 1; cf. Con. Ar., 3.16.
119 Athanasius, Con. Ar., 2.2, 24, 31f, etc; cf. Gregory Nyss., De op. hom., 23f.
120 Athanasius, Con. gent., 29ff, 34ff, 38ff, 40ff, 44, 46. Cf. Con. Ar., 2.28, 41.
121 T.F. Torrance, Space, Time and Incarnation, 1969; and in ‘The Rela- tion of the Incarnation to Space’, the contribution to the Festschrift for Georges Florovsky, The Ecumenical World of Orthodox Civilization, vol. III, 1974, pp. 42-70.
122 Athanasius, Con. Ar., 3.30; cf. Ad Ant., 7.
123 Athanasius, Con. gent., 11f, 26, 28, 32, 39, 41.
124 Basil, Hex., 4.2ff; 5.1f, 5; 8.5; 9.1ff; Gregory Nyss., Con. Eun, 1.26.
125 Basil, Hex., 1.8-10; 3.1ff; 9.2ff.
[126] انظر بالأخص ق. أثناسيوس في تصميمه على أن يسوع المسيح نفسه هو إرادة الله:
Con. Ar., 1.20; 2.2; 2.24f; 3.60ff. Cf. Con. Ar., 2.31; 3.63.
127 Athanasius, Con. Ar., 1.20; 2.24, 29f.
128 Georges Florovsky, ‘The Concept of Creation in Saint Athanasius’, Studia Patristica, 1962, p. 37; Collected Works, vol. II, pp. 48f, 57ff
129 Basil, Hex., 5.4; Athanasius, Con. Ar., 2.31
130 Origen, Con. Cel., 5.7; Basil, Hex., 1.3; cf.
131 Athenagoras, Leg., 6.3-4; 20.3; 22.12; 25.2; De res., 19.1-3. See also Con. gent., and De inc. of Athanasius.
132 Athanasius, Con. Ar., 1.48f; 2.14, 56, 61ff, 67-69, 70-72; Ad Ant., 7.
135 John Philoponos, De op. mundi, 2.1ff.
* لأنه إذا كان الله أمينًا في إعلانه عن ذاته لنا (في يسوع المسيح)، وإذا كان ثابتًا في محبته لنا، فهذا هو الذي يضمن ثبات الخليقة ووحدانيتها والاعتماد عليها. (المترجم)
136 Aristides, Ad Aut., 1.4. See Athanasius, Con. Ar., 1.9, 35ff, 51f; 2.6-10; 3.36; De decr., 14; cf. De syn., 27.12; Con. Apol., 1.12, 15.