أبحاث

الأرامل في الكتاب المقدس – المرأة في الكتاب المقدس ج8

الأرامل في الكتاب المقدس - المرأة في الكتاب المقدس ج8

الأرامل في الكتاب المقدس – المرأة في الكتاب المقدس ج8

 

الأرامل في الكتاب المقدس - المرأة في الكتاب المقدس ج8
الأرامل في الكتاب المقدس – المرأة في الكتاب المقدس ج8

 

مقدمة:

لما كان عطف السيد المسيح قد شمل جميع الناس من جميع الطبقات فقد وضح هذا العطف بصورة أخاذة على الأرامل.

حقاً ما أعجب رب المجد لقد اتخذ من أضعف الضعيف أمثلة للقوة, ولكن أليس هو القائل “قوتي في الضعف تكمل” فقد شاء أن يختار   خمسة أرامل جمعهن بين البؤس والترمل, وهاته البائسات دفعهن إلى كرامة العزة الشخصية.

ونحن نعلم جمعينا أهمية أرامل الكتاب المقدس اللواتي كان محرماً الإساءة إليهن ” إن لم تظلموا الغريب واليتيم والأرملة ولم تسفكوا دماً ذكياً في هذا الموضع ولم تسيروا وراء آلهة أخرى لإيذائكم , فإني أسكنكم في هذا الموضع من الأرض التي أعطيت لآبائكم من الأزل وإلى الأبد” (أر7: 6).

هاته الأرمل هن:

  • الأولى (الأرملة وقاضى الظلم) تعلن لنا أن للحق الغلبة ولا للقوة أثر الصلاة بلا ملل.
  • وتنتصب الثانية (المرأة ذات الفلسين) مثلاً حياً للبذل اتكالاً على الله.
  • بينما تؤكد لنا الثالثة (المرأة الكنعانية) أنه حتى من خلال الإهانة ينتصر الرجاء الثابت.
  • وتؤكد لنا الرابعة (أرملة نايين) حنان ورقة رب المجد.
  • وتؤكد لنا الخامسة (أرملة صرفة صيدا) قوة الإيمان.

وفي العهد القديم نجد أرملة أخرى (الأرملة ودهنة الزيت) كان عليها أن تثبت قدرة الله على حل المشكلات.

إن هاته الأرامل صورة ساطعة لعزيمة المرأة وللنصر الذي ستحرزه إن هي ثابرت إلى المنتهي.

إن قصص الأرامل المستحقات للكرامة والعناية مفيدة لنا وشيقة أيضاً وهي تهدينا في حياتنا الكنسية اليـوم: ” أكرم الأرامل اللواتي هن بالحقيقة أرامل” (1تى5: 3).

” الديانة الطاهرة النقية عند الآب هي افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقاتهم وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس في العالم” (يع1: 27).

 

الأرامل وقاضـى الظلـم

الشاهد الكتابي: (لو 18: 3- 8)

إنها أرملة لم تتراجع عن المطالبة بحقها في العدالة, ولأن ما حدث لها قليلاً ما يقرأ علناً نورده هنا كما سجله لوقا البشير:

“وقال لهم أيضاً مثلاً في أنه ينبغي أن يصلى كل حين ولا يمل قائلاً كان في مدينة قاضى لا يخاف الله ولا يهاب إنساناً, وكان في المدينة أرملة, وكانت تأتى إليه قائلة انصفني من خصمي, وكان لا يشاء إلى زمان … ولكن بعد ذلك قال في نفسه إن كنت لا أخاف الله ولا أهاب إنساناً فإني لأجل أن هذه الأرملة تزعجني انصفها لئلا تأتى دائماً فتقمعني. وقال الرب اسمعوا ما يقول قاضى الظلم،  أفلا ينصف الله مختاريه الصارخين إليه نهاراً وليلاً وهو متمهل عليهم،  أقول لكم أنه ينصفهم سريعاً،  ولكن متى جاء ابن الإنسان لعله يجد الإيمان على الأرض.

إن هذه الأرملة درس له روعة خاصة: فهي أرملة مسكينة وهي في نفس الوقت مظلومة،  فهل استكانت لهذا الظلم ؟ صحيح إنها أرملة وصحيح أنها مسكينة ولكنها باسلة رفضت الظلم لأنها تعرف أن رب الكون قد أوصى بالأرامل،  ولولا هذه المعرفة لما ثابرت ولما تمسكت بحقها دون تراجع.

وواضح أنها صاحبة حق لأن القاضي الذي لا يخاف الله ولا يهاب إنساناً داخله الخوف منها،  والحق مخيف حين يصحو صوت الضمير.

وكثيراً ما نسمع أن الحق قوة،  ولكن الواقع الأليم هو أن القوة حق،  إذ أن الحق الذي في جانب صاحبته لم يكن كافياً بل أوجب على صاحبته أن تطالب به لكي يحصل عليه،  فلما داومت على المطالبة به عرف القاضي معنى الخوف على الرغم من جموده إذ قال ” لئلا تأتى وتقمعنى ” فهو خاف ولكن خوفه كان مركزاً على نفسه لئلا يفقد وظيفته.

وهنا العجب في هذا الدرس الإلهي: درس عن إنسان خلى من كل شعور نبيل ومع ذلك فهو قاض،  ومقابله أرملة مظلومة رفضت الظلم.

أليس في هذا التقابل ما يدفع إلى التمعن ؟ أليس فيه من القوة ما يستحثنا في هذا العصر أن نتيقظ ونستبسل في المطالبة به ؟ ولو لم يهدف رب المجد إلى أن نتمثل بهذه الأرملة فلماذا قدمها لنا نموذجاً ؟

والعجب في فادينا الحبيب أنه جعل من الظالم رجلاً ومن المظلوم امرأة ألا نرى في هذا الوضع أنه يريد إنصاف المرأة ؟

ولقد استهل الدرس بقوله إنه ينبغي أن يصلى كل حين ولا يمل – ولكنه اختار امرأة كصورة “للصلاة” فأعطانا درساً مليئاً بالقوة: درس الضعف الذي يرفض الاستكانة.

الأرملة الفقيرة

الفقيرة التى قدمت أكثر من الأغنياء

” فجاءت أرملة فقيرة وألقت فلسين ” ( مر 12: 42 )

ثمة أرملة ثانية قدمها لنا يسوع كنموذج للبذل.

جلس الرب يسوع في اتضاعه الإلهي ومجده السماوى ووقاره الرئاسى تجاه الخزانة في الهيكل ونظر الجميع يلقون نحاساً ( عملة )،  والأغنياء ألقوا كثيراً بتظاهر.

جلس وهو يريدنا أن نعلم بأننا لا يمكن أن نعطى بعيداً عن عينيه الفاحصتين المدققتين المراقبتين،  مهما كبرت أو صغرت عطايانا على حد سواء.

لسنا نعلم في القليل أو الكثير عن هذه الأرملة سوى بضعة أسطر جاءت في إنجيلي مرقس ولوقا،  والسيد المسيح يتحدث عنها،  عندما وقف تجاه الخزانة،  يراقب كيف يعطون في صندوق الله،  من عطايا قلت أو كثرت على حد سواء.

ما اسمها ؟ لا ندرى. ومتى مات زوجها ؟ لا نعلم.

هل كان لها ولد أم بنت أم كانت وحيدة ؟ في مسكنها أو كوخها إن صح أنها كانت تملك مسكناً أو كوخاً.

وهل كان لها أخ أو أخت أو قريب ؟ كل هذه الأسئلة لا يقطع الإنسان بالجواب فيها… غير أنه مما لا شبهة فيه،  أنها كانت فقيرة غاية الفقر وأكثر عوزاً وحاجة منها على وجه الإطلاق.

ولقد كشف الوحي عما كانت تملك من رصيد وهما الفلسان،  وقيمتها ربع،  أو ما يقرب من الخمسة مليمات – في العملة المصرية.

وقد شهد المسيح أن هذا كل ما عندها كل معيشتها… لم تكن المرأة في غاية الفقر فحسب،  بل أكثر من ذلك كانت منكوبة،  إذ مات زوجها وعرفت طعم الترمل ومرارته وقسوته،  على أن المرأة الفقيرة الأرملة،  كانت مؤمنة بالله،  تعرف طريقها إلى الصلاة في بيت الله والتقدمة والعطاء لألهها رغم ما هي عليه من شدة الحاجة،  أو قسوة عوز،  أو ضيق ذات اليد.

كانت أرملة فقيرة لكنها لم تفقد إيمانها،  لم تستلم لتجربة فقد رجلها،  لم يسحقها الفقر والعوز،  لم تسلم جسدها للدنس مقابل أجرة الإثم،  لكنها احتمت بستر الله العلي وسكنت في ظل القدير وفي ملجئه باتت،  لذلك لم تدنو ضربة من خيمة حياتها ففغرت فاها والرب ملأه من دسم بيته،  قدمت المرأة عطاءها فلسين قيمتهما ربع.

قال الرب ” الحق أقول لكم أن هذه الأرملة الفقيرة قد ألقت أكثر من جميع الذين ألقوا في الخزانة “.

ليس من العجيب أن يضع السيد المسيح هذين الفلسين في كفة،  وجميع التقدمات التى تقدم بها الآخرون وهي كما يشهد الكتاب كانت كثيرة في كفة أخرى،  ومع ذلك رجحت كفة الفلسين على عطايا الآخرين،  كيف يكون هذا ؟ وما هو السر في ذلك ؟ علينا أن ندرك أن الحساب عند الله يختلف تمام الاختلاف عن الحساب عند الإنسان،  فليس المهم عند الله الكم بل الكيف… أو المادة بل الروح… وقد تميزت عطية الأرملة الفقيرة على الآخرين بالكثير الذي نذكر بعضه.

هي ألقت بسرور ورضا ورحب. ” المعطـى المســرور يحبـه الـرب”   ( 2 كو 9: 7 )

” مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ “.

 

الرب لا يبت مديوناً لأحد وهو ليس بظالم حتى ينسى تعب المحبة،  لا يهمه مقدار ما يدفع بل محبة القلب الذي يعطى.

  • هي ألقت رغم آلامها – والأغنياء ألقوا في وقت راحتهم.
  • هي ألقت من إعوازها – والأغنياء ألقوا من فضالتهم.
  • هي ألقت كل معيشتها – والأغنياء ألقوا القليل بالنسبة لما يملكون.
  • هي ألقت في الخفاء – والأغنياء في تظاهر.
  • هي ألقت دون أن تتوقع مدحاً – والأغنياء ألقوا لكي ينالوا مديح الناس.

كـــان عطـــائها:

  • دليل إيمانها بوجود الله الذي يرى في الخفاء ويجازيها علانية لقد كشفت عن جلال وعمق وعظمة اعتمادها الكبير والكامل على الله، فهي وإن كانت لا تملك بعد ذلك شيئاً فإنها تملك الثقة الكاملة الموطدة بعناية الله تملك كل شئ.
  • وكان دليل محبتها فهي قدمت للخزانة ليكون في بيت الرب طعام للفقراء واليتامى والأرامل.
  • وكان دليل طاعتها للوصية التى توصى بالعطاء، عطاء العشور وغيرها بينما كثيرون يسلبون الرب في عشورهم،  هي عندما أعطت لم يكن لديها ما تبقى فهي لم تقف عند حد العشور أو النصف،  أو ما هو أكثر من النصف،  إذ أعطت كل شئ دون تحفظ أو اضطرار أو شكوى أو ضيق.

إنها ذهبت إلى الهيكل بمفردها،  فما أبدع جسارتها،  إنها أرملة مسكينة،  وهي أيضاً وحيدة كسابقتها ومع ذلك فقد كان لها جرأة الإيمان بالله،  ولو لم يكن لها هذا الإيمان لما استطاعت أن تلقى كل معيشتها في خزانة الهيكل.

إن هذه الأرملة المسكينة تنتصب أمامنا كشعلة مضيئة من الإيمان الجرئ والبذل السخى.

هذا الدرس الروحى العميق الذي ألقاه فادينا بإشارته إلى هبة هذه الأرملة المعدمة يردده الأنبا كيرلس عمود الدين في أوشية القرابين الواردة في القداس الذي يحمل اسمه إذ يقول: “…. أصحاب الكثير وأصحاب القليل،  الخفيات والظاهرات،  والذين يريدون أن يقدموا لك وليس لهم “.

الكنعـانيـة

” نعم يا سيد والكلاب أيضاً تحت المائدة تأكل من فتات البنين” ( مر 7: 28)

لا يشير الوحى الإلهي عن قرب ولا عن بعد إلى أن زوج هذه الكنعانية هل كان ما زال على قيد الحياة،  فهي إذن أرملة تقف في صف واحد مع الأرامل اللواتى سبق ذكرهن،  والكثيرون يندهشون من موقف ذاك الذي هو المحبة اللانهائية من هذه المرأة،  ولكن رب المجد شاء بقسوة ظاهرة،  أن يجعل منها نموذجياً للأمومة التى تقبل الإهانة لخير أولادها وللإيمان الذي يرفض أن يتراجع،  لقد تقبلت أن يشبهها الرب بالكلاب ولكنها دافعت عن حق هذه الكلاب،  ويعترف لها الفادى الحبيب بهذه النعمة فيعلمنا متى البشير أنه قال لها ” عظيم هو إيمانك ” ثم منحها سؤال قلبها.

جاء الرب إلى تخوم صور وصيدا،  وجاءت هذه المرأة التعسة ذات البيئة الوثنية بأبنتها التى بها روح نجس وهي وثنية أممية ” كنعانية ” أن المنطقة الوثنية التى كانت تعيش فيها هذه المرأة كانت بعيدة كل البعد عن الإيمان الصحيح.

هي جاءت لتطلب متذللة تلتمس من الرب أن يشفي ابنتها قائلة: ” ارحمني يا سيد يا ابن داود ابنتي مجنونة جداً “،  وحقاً قد قيل في سفر نشيد الأنشاد ” هلمي معي من لبنان يا عروس،  معي من لبنان أنظري من رأس شنير وحرمون ومن خدود الأسود من جبال النمور،  وقد سبيت قلبي ياأختي العروس قد سبيت قلبي بأحدي عينيك بقلادة واحدة من عنقك،  ما أحسن حبك يا اختي العروس…. شفتيك يا عروس تقطران شهداً،  تحت لسانك عسل ولبن ورائحة ثيابك كرائحة لبنان “. ( نش 4: 8 )

وحقاً المرأة خرجت من خدود الأسود أى الأبالسة – ومن جبال النمور أى الأوثان ونجاساتها وحقاً سبت قلب الرب بإيمانها وبدموع عينيها أى اتضاعها وبقلادة من عنقها أى إرادتها القوية،  حقاً ما أحسن حبها وما أحسن شفتيها التين قطرتها شهد الإيمان وعسل الاتضاع ولبن النقاء.

هذه المرأة تشبه جدتها القديمة الأرملة التى أعالت إيليا قديماً بكوار الدقيق وكوز الزيت،  فأخذت البركة التى لم ينالها أحد من إسرائيل وهذه الآن تأخذ البركة من رب إيليا ” الله الظاهر في الجسد “.

كان اليهود المتعصبون يعتبرون الأمم كالكلاب،  وقال الرب للمرأة وفي الحقيقة كان يوبخ اليهود على كبريائهم وعدم إيمانهم ” ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ( أى اليهود ) ويطرح للكلاب ( أى الأمم ) كما يعتبرهم اليهود “.

أجابت المرأة دون غضب أو يأس وكأنها هي أيضاً تُخجل اليهود على كبريائهم ” نعم يا سيد والكلاب أيضاً تحت المائدة تأكل من فتات البنين ” لأجل هذه الكلمة التي فاض بها قلب المرأة الممتلئ من الإيمان والاتضاع والحكمة وقال لها الرب ” لأجل هذه الكلمة اذهبى قد خرج الشيطان من ابنتك “.

ولا شبهة في أن هذه المرأة وهي تقترب من السيد المسيح كانت قد لفظت من حياتها كل يقين بدياناتها وآلهتها الوثنية القديمة،  إذ لم ترى فيها سوى الإفلاس الكامل الرهيب تجاه مأساة أبنتها التى كانت تعانى أكثر المعاناة من روح نجس شرير…

بل لعلها بالنظرة الصحيحة إلى الحياة،  لم يهتز يقينها فحسب بإفلاس دياناتها،  بل أخذ يظهر من وراء الظلام شمس إيمان أخر،  أخذ يشرق حتى بلغ اكتمال النور والجلال عندما قال لها يسوع المسيح: ” عظيم إيمانك “.

المرأة  تمثل أمم العالم التى بإيمانها بالمسيح خرج الشيطان من شعوبها بينما أولاد إبراهيم ( اليهود )،  إسرائيل طرحوا خارجاً لعدم الإيمان.

قال الرسول بولس ” إن القساوة قد حصلت جزئياً لإسرائيل إلى أن يدخل ملء الأمم وهكذا سيخلص جميع إسرائيل “.  ( رو 11: 25 ).

المرة حقاً كانت رائحة ثيابها كرائحة لبنان معطرة بالبساطة والرجاء،  فنالت ما أرادت فطوبى لها هذه الكنعانية.

 

 

أرمـلة نـاييـن

    الشاهد الكتابى: ( لوقا 7: 11 – 17)

أرملة أخرى ساعدها يسوع في محنتها،  فهي كالأرامل الأخريات،  فهذه المرأة من نايين وقد هدها الحزن وهي مثال لملايين الأمهات الحزينات واللواتى ذهبت أحزانهم بفضل إعلان محبة الله وعطفه.

ذهب رب المجد إلى مدينة تدعى نايين وذهب معه كثيرون من تلاميذه وجمع كثير وذلك في اليوم التالى لشفاء عبد قائد المائة.

يسجل لوقا وحده توقف الموكب الجنائزى الذي التقى به يسوع وهو في الطريق إلى المقابر.

فعندما اقترب يسوع من باب المدينة إذا ميت محمول ابن وحيد لأمه وهي أرملة ومعها كثير من المدينة.

رأى رب المجد أمه تحنن عليها وقال لها ” لا تبكى ” يا للسلطان والتعزية في تلك العبارة الرقيقة،  فهو الإله المتجسد القادر أن يجفف دموع الأرملة،  ثم تقدم ولمس النعش فوقف الحاملون،  فقال أيها الشاب أقول لك ” قم ” فجلس الميت وابتدأ يتكلم فدفعه إلى أمه. يا لها من  لمسة جميلة،  إنها تعنى حرفياً ” أعطاه لأمه “. عيد ميلاد الشاب جاء كهبة من الله للأسرة،  والآن بعد أن قام من الأموات،  أصبح عطية مقدمة من الله بمعنى أسمى.

عندما قام الشاب أخذ الجميع خوف ومجدوا الله قائلين ” قد قام فينا نبى عظيم وافتقد الله شعبه ” وخرج هذا الخبر عنه في كل اليهودية وفي جميع الكورة المحيطة.

نحن نلاحظ أن الأرملة الكسيرة القلب لم تبحث عن يسوع ولكنه هو الذي أتى إليها حيث كانت،  وفي اللحظة التي رأى فيها جسدها الهزيل،  بجوار النعش المحمول بالأيدي بما فيه جثة،  عطف عليها،  والمعجزة التى تلت ذلك لم تكمن فقط في لإثبات لاهوته ولكنها أيضاً الانسكاب التلقائى لتعاطفه غير المحدود مع آلام البشر.

ترى ماذا كان رد فعل تلك الأرملة عندما عادت لبيتها مع ابنها الذي عاد من الأموات ؟ ويمكن أن نتصور امتنان كل منهما ليسوع،  وإنهما قد ابتدأ في التعرف عليه أكثر والتعرف على الحقائق المجيدة التى كان يعملها.

 

 

 

 

أرملة صرفة صيدا

“هوذا قد أمرت هناك امرأة أرملة أن تعولك” ( 1 مل 17: 9 )

أمر الرب إيليا أن يذهب لصرفة صيدا بجنوب لبنان لتعوله أرملة مجهولة الاسم ولكنها لم تكن خافية عن عينى المسيح.

في البداية رأى إيليا الأرملة وناداها لتصنع له كعكة فقالت ” أنه ليس عندى كعكة ولكن ملء كف من الدقيق في الكوار وقليل من الزيت في الكوز،  فقال لها ” هكذا قال الرب… إن كوار الدقيق لا يفرغ وكوز الزيت لا ينقص إلى اليـوم الذي فيـه يعطـى الـرب مطـراً عـلى وجـه الأرض”  ( 1 مل 17).

الرب دائماً يتمجد بالوسائل البسيطة فقيل ” اختار الله جهال العالم ليخزى الحكماء،  واختار ضعفاء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود”    ( 1 كو 1: 17 ).

  • استخدم الرب عصا موسى الجافة في فتح البحر الأحمر حتى عبر مع شعبه.
  • الجرار الفارغة في يد جدعون وجنوده أزعجت أعداءه.
  • لحى حمار طرى في يد شمشون غلب به أعداءه. ( قض 15: 15)
  • خمسة أحجـار ملـس في مقـلاع داود، أنهـت جبـروت جليـات. ( 1 صم 17: 40 )
  • غيمة صغيرة قدر كف صغيرة أنهت المجاعة أيام إيليا.(1مل17: 12 )
  • دهنة زيت في بيت أرملة النبى فاضت وسددت ديونها.
  • عشرون رغيفاً في يد إليشع أشبعت 100 نبى.
  • خمس خبزات وسمكتين في يد الرب أشبعت 5000 رجل غير النساء والأولاد.
  • سمكة صغيرة في سنارة بطرس سددت الجزية.
  • عظة واحدة لبطرس يوم الخمسين خلصت 3000 نفس.
  • جزيرة بطمس التى نفي إليها يوحنا أضاءت برؤياه العظيمة.
  • الانبا أنطونيوس المصرى البسيط تأسست به حياة الرهبنة.
  • والعذراء القديسة مريم اليتيمة الأبوين ولدت لنا مخلص العالم.

” لأنه من إزدرى بيوم الأمور الصغيرة فتفرح أولئك… ” ( زك 4: 10 )

فرحت الأرملة بضيفها وكوارها وزيتها ولكن ولدها مات فقالت لإيليا ” مالى ولك يا رجل الله،  هل جئت إلى لتذكير إثمى وإماتة ابنى ؟ ” من قولها نرى أنها عملت إثماً وخبأته زماناً ربما يكون فعل النجاسة فلما مات وحيدها استيقظ ضميرها فاعترفت بخطيتها”.

هناك تجارب تمر بأولاد الله توقظ ضميراً نائماً أو قلباً خاملاً أو حباً بارداً أو خدمة متروكة فيعود القلب لحبه الأول للرب.

أضجع إيليا الولد على سريره وصلى بدالة وقوة فقام الولد, قالت المرأة وربما كانت متشككة في نبوة إيليا ” هذا الوقت علمت أنك رجل الله وأن كلام الرب في فمك حق”.

الرب يسوع مدح إيمان الأرملة ففي مجمع الناصرة دفعوا إليه سفر أشعياء فقرأ فيه ” روح الرب على مسحنى لأبشر المساكين, أرسلنى لأشفي منكسري القلوب لأنادي للمأسورين  بالإطلاق وللعمى بالبصر وأرسل المنسحقين في الحرية وأكرز بسنة الرب المقبولة” (لو14: 18).

اليهود الذين بلا إيمان رفضوا المسيح فوبخ عدم إيمانهم قائلاً ” وبالحق أقول لكم أن أرامل كثيرة كن في إسرائيل في أيام إيليا حين أغلقت السماء مدة 3 سنين, 6 أشهر… ولم يرسل إيليا إلى واحدة منها إلا إلى امرأة أرملة صرفة صيدا” فطوبى لها.

الأرملـة ووعـاء الـزيت

الشاهـد الكتـابى: (2مل4: 1-7)

من الواضح أن هذه المرأة المهمومة كانت أرملة لواحد من تلاميذ أليشع, والتى تركها زوجها مع ولدين لتواجه عذاب رؤية ولديها يؤخذان ليعملا كعبدين لتسديد الديون كانت عليها, واعترفت لأليشع أن زوجها الذي مات كان رجلاً “يخاف الرب” وحتى وإن لم يكن قادراً على تدبير شئونها وشئون ولديها, فهو كنبى, كانت دعوته تعوقه عن جمع المال.

ونحن هنا نجد أرملة أخرى كان عليها أن تثبت قدرة الله على حل المشكلات, و بسبب اهتمام أليشع بكل تلاميذه, فإن أرملة واحد منهم اتجهت للنبى طلباً للنصيحة والعون في محنتها “وبنو الأنبياء” هؤلاء لم يكونوا شباناً غير متزوجين يعيشون وحياة التبتل تحت أشراف رئيسهم, بل كانوا رؤساء لعائلات ولهم بيوتهم المستقلة, وكان أليشع يهتم اهتماماً خاصاً بأمورهم.

إن الحكمة تقول:” السماء تساعد أولئك الذين يساعدون أنفسهم” ولكن كيف يمكن لهذه المرأة المثقلة بالديون ؟ قال لها أليشع: ” ماذا لك في البيت ؟ “فأجابت: ” ليس لجاريتك شئ في البيت إلا دهنة زيت”.

إن أرملة هذا الشاب الذي كان يتعلم في مدرسة الأنبياء كان عليها أن تثبت كيف أن الله يستطيع أن يبارك ما نقدمه له.

قال لها أليشع: “أذهبي استعيري لنفسك أوعية من خارج من عند جميع جيرانك أوعية فارغة لا تقللي, ثم أدخلي وأغلقي الباب على نفسك وعلى بنيك وصبى في جميع الأوعية وما امتلأ انقليه”

فذهبت من عنده وأغلقت الباب على نفسها وعلى ابنيها, فكانوا هم يقدمون لها الأوعية وهي تصب, ولما امتلأت الأوعية قالت لأبنها قدم لي أيضاً وعاء, فقال لها لا يوجد بعد وعاء فوقف الزيت.

فأتت وأخبرت رجل الله فقال أذهبي بيعي الزيت وأوفي دينك وعيشي أنت وبنوك بما بقى.

لقد كان على المرأة وولديها أن يغلقوا الباب ويتبعوا تعليمات أليشع بنوع خاص, كان لأبد من تجنب حب الاستطلاع والتشويش من الخارج لأن العلانية على نطاق واسع غير مرغوب فيها في مثل هذه المعجزة.

لقد فـرض يسـوع سريـة مشـابهة علـى بعـض الذين شفـاهم (لو 8: 51, 45) إن المعجزات الروحية تتوقف تماماً على الباب الغلق, “صل لأبيك في الخفاء, وأبوك الذي يرى في الخفاء يجازك علانية”.

إن الأوعية الفارغة تكون ذات فائدة قليلة إذا لم يكن الباب مغلقاً. وبغلق الباب, أخذت المرأة وعاء الزيت الخاص بها وبدأت تملأ الأوعية الفارغة وبقدر ما كانت تصب من الوعاء, كان الزيت يتكاثر بطريقة معجزية, كما تحول الماء إلى خمر (يو2: 1- 12).

وعندما امتلأت جميع الأوعية المستعارة, قالت الأرملة الفرحة والشاكرة أيضاً لأبنها الأكبر ” قدم لي أيضاً وعاء” ولكنه أجاب بأسف ” لا يوجد بعد وعاء” ثم تأتى العبارة ذات المغزى ” فوقف الزيت” فالله لا يسمح لمدده أن يضيع هباء.

أن ختام هذه المعجزة معبر أيضاً, فالأرملة الفرحة أتت وأخبرت أليشع عن كمية الزيت الرائعة  التى نتجت من كمية الزيت القليلة التى كانت عندها, فأخبرها أن تبيع ما لديها من كميات كبيرة من الزيت وتوفي دينها وتعيش على ما تبقى من مال ثمناً للزيت.

فزيادة على ما كان ضرورياً لسداد الديون التى ورثتها المرأة, كان هناك ما يكفي لتعيش عليها العائلة دون أى دين.

من مثل الله الذي يعطينا أكثر جداً مما نطلب أو نفتكر, إن عطاءه يتسم بالوفرة والكثرة, فمع الإحسان الإلهي لا يوجد أى شح, فبعد معجزة الأرغفة والسمك, جمع التلاميذ اثنتي عشرة قفة مملوءة من الكسر. ونمط السخاء الإلهي مقدم في عظة السيد المسيح على الجبل “كيلاً جيداً ملبداً  مهزوزاً فائضاً” (لو6: 28- 46).

انتظروا الجزء التاسع من المرأة في الكتاب المقدس

 

مع نساء النبوة في الكتاب المقدس

 

الأرامل في الكتاب المقدس – المرأة في الكتاب المقدس ج8