أبحاث

التمثيلية الهزلية ف9 – الأربعة والعشرون ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض

التمثيلية الهزلية ف9 - الأربعة والعشرون ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض

التمثيلية الهزلية ف9 – الأربعة والعشرون ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض

 

التمثيلية الهزلية ف9 - الأربعة والعشرون ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض
التمثيلية الهزلية ف9 – الأربعة والعشرون ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض

 

اقرأ وافهم
روايات إيمانية

الأربعة والعشرون ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض

 

الفصل التاسع: التمثيلية الهزلية

وبعد أن ظهر كذب الشهود وتجنيهم على يسوع 00 لمعت براءته ، وشعر رؤساء الكهنة بأن الطير البرئ كاد ينطلق من القفص ، فكل السهام التي صوبت نحوه طاشت ، وواحداً منها لم يصب الفريسة لا في مقتل ولا في غير مقتل ، وشعر حنان أن الوقت يمرَّ سريعاً ، ولا يعرف للآن من أين تؤكل الكتف ، ورأى قيافا أن الطريق صار مسدوداً لإدانة يسوع ، فتفتق ذهنه عن فكرة شيطانية ، وهي القيام بدور درامي في تمثيلية هزلية ، تنتهي بإعتراف المتهم 00 تجاهل قيافا أنه هو القاضي ، أو قل قاضي القضاة في المجلس الأعلى للقضاء ، ولا يحق له على الإطلاق القيام بدور المشتكي ، فطبقاً للإجراءات القانونية التي توجبها الشريعة يقوم المشتكي بتوجيه الإتهامات للمتهم ، وعلى المجلس الإستماع لهذه الإتهامات ، ووزنها بميزان العقل ، وسماع الشهود مع تمحيص أقوالهم ، ومناقشة المتهم مع إعطائه الفرصة كاملة للدفاع عن نفسه0 ثم يقوم قيافا وشركاؤه بإصدار الحكم العادل بدون تحيُّز لأي من الطرفين 

فما بالك ياقيافا تحتقر كل هذه الإجراءات ، وتضرب بها عرض الحائط ، وأنت الفاهم والعالم بالأمور؟!

وما بالك ياقيافا تزج بنفسك ، وتحطم القاعدة القانونية التي تحرم على أعضاء المحكمة سؤال المتهم بقصد إثبات التهمة عليه ؟! 00

هل ما فشلت في إثباته عبر شهود الزور ، تريد أن تثبته بنفسك ، وتلصق التهمة بالمتهم ، سواء بطريق شرعي أو غير شرعي ؟!

ومالك تطلـق سهمك تجاه المتهم مع إن الشريعة لا تعطيك هذا الحق ؟!

تناسى وتجاهل وتغافل قيافا كل شئ ، وركز كل تفكيره ، وحنكة سنيَّ الشر ، في صياغة السؤال الذي سيطلقه ، وإستخدم قيافا كل حيلته ودهائه ومكره ووسم سؤاله بإسم يهوه العظيم : أستحلفك بالله الحي قل لنا أأنت المسيح إبن المبارك ؟ هل أنت إبن الله ؟

          ولك ياصديقي أن تتصوّر النتيجة 00

          لو ظل المعلم في صمته ولم يجب على السؤال ، فهذا إحتقار لإسم يهوه وبهذا يستحق الموت ، وجاء في كتاب التلمود ” إذا قال قائل : أستحلفك بالله القادر على كل شئ ، أو بالصباؤوت ، أو بالعظيم الرحيم ، الطويل الأناة ، الكثير الرحمة ، أو بأي لقب من الألقاب الإلهية ، فإنه كان لزاماً على المسئول أن يُجيب “ (14) ورغـم أن قيافا لم يوقر إسم الله الحي ، بل إستخدمه إستخداماً باطلاً ، وإستغله إستغلالاً مُشيناً ، فليس له أن يطرح هذا السؤال الذي يحمل إتهاماً معيناً للمتهم ، إلاَّ أن يسوع الذي يُوقّر الإسم المملوء بركة فقد إلتزم بالإجابة 00

ومادام يسوع سيجيب ، إذاً فقد يجيب بالنفي أو بالإثبات :

فلو أجاب بالنفي فهذا تراجع منه عما قاله سلفاً ، مما ينافـي مبادئ يسـوع ، لأنه علّم أتباعه ” ليكن كلامكم نعم نعم لا لا “ ، وقد منعهم من الحلف وأكد عليهم الصدق فلو خالف هو ما قاله سابقاً ، فإنه سيسقط في نظر أتباعه ، ولم يجب يسوع بالنفي 00 بماذا أجاب إذاً ؟!

لقد أجاب بالإثبات 00 بالرغم من جو الإرهاب الذي هيمن على قاعة المحكمة ، فإن يسوع أكد بالإيجاب ، بل وأجاب سريعاً ، وإجابة صريحة جريئة واضحة حاسمة 00 بل أيَّد إجابته بالدليل البين فقال :

أنتَ قلتَ 00

ولا تؤخد هذه الإجابة بمفهوم هذه الأيام ، كمحاولة للتملُّص والتخلُّص والمراوغة وإلقاء المسئولية على الآخر 0 إنما كانت في تلك الأيام تُعبر عن أسلوب أدبي راقي يحمل التأكيد ، فهي تعني ” أن الأمر كذلك حسب قولك تماماً ” 00 كما قلتَ أنتَ 0 هكذا هي الحقيقة 00 هكذا أنا هو إبن الله0

          وفهم رئيس الكهنة الإجابة جيداً ، وإنها إجابة بالإيجاب ، وفوجئ بالدليل الذي ساقه المعلم إذ قال : وأيضاً أقول لكم من الآن سوف تبصرون إبن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء 0

          وحملت نبرات يسوع قوة الإجابة وصدقها ، وكانت كفيلة بأن تخترق قلب حنان ، وتمزق قلب قيافا إرباً ، لو أرادا ذلك ، أو لو كان لديهما إستعداد بسيط لتقبل الحق وتصحيح المسار ، وكان عليهما أن يتذكرا قول دانيال النبي  ” كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحاب السماء مثل إبن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقرَّبوه قدامه 0 فاُعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبَّد له كل الشعوب والأمم والألسنة 0 سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض ” (دا 7 : 13 ، 14) فكم سمعا المعلم يدعو نفسه بإبن الإنسان ، ولكن إذ أغلقا قلبيهما تماماً فإن هذه الشهادة لا تدين يسوع ، إنما تدينهما في يوم الدينونة الرهيب 00 كيف سيكون موقفهما ؟! 00 حتى لو قالا للجبال إسقطي علينا وللتلال غطينا فإنها لن تكفي 0

          وكان على قيافا أن يقوم على الفور بالدور الدرامي ، في التمثيلية الهزلية التي ألفها وأخرجها وقام بدور البطل فيها ليحفز الحاضرين ضد يسوع 00 فماذا فعل ؟

لقد مزق ثيابه 00 نعم كانت هذه عادة اليهود عندما يسمعون ما يهين أو يشين إسم الله القدوس ، أو عندما تحل مصيبة عظيمة بشعب الله ، كما فعل الياقيم بن حلقيا وشبنه الكاتب ويوآخ بن آساف عندما سمعوا تعيير رسل ملك آشور فمزقوا ثيابهم (أش 36 : 22) بل وعندما أطلعوا حزقيا الملك على الأمر مزَّق هو أيضاً ثيابه وتغطي بمسح (أش 37 : 1) ومع أن الناموس كان يمنع رئيس الكهنة من تمزيق ثيابه 00

لم يكتـرث قيافا بأوامر الناموس ومزَّق ثيابه عوضاً عن تمزيق قلبه 00

لقد إنفجر الحقد الأسود من بين ضلوعه ، فلم يحتمل ثيابه ، فمزقها 00

شق ثيابه في منظر فاضح جنوني لا يليق أبداً برئيس كهنة الله ، فشق الله عنه كهنوته 00

شق ثيابه تعبيراً عن الكبت النفسي الناتج من حقد الأيام وغل السنين 00

مزق ثيابه وهو يشعر بالفخر والإعتزاز ، لأنه إستطاع أن يُسقط يسوع في الفخ الذي نصبه له ، وكأن جبلاً قد إنزاح عن صدره وتنفس الصعداء ، ورن صوته مجلجلاً بنغمة الفوز والنصرة ، وصاح صيحة الذئب الجريح الذي طالما أعيته الحيلة ، وإهتزت لحيته الطويلة إهتزازات شيطانية مُصدراً الحكم قبل أن يستمع لرأي بقية الأعضاء ، مع إن الإجراءات القانونية توجب عليه أخذ رأي الأعضاء أولاً عضواً عضواً مبتدئاً من الصغير إلى الكبير ، ثم يُعطي رأيه أخيراً وليس أولاً 00 إنه أراد أن ينحو بأعضاء المجلس بحسبما ما يشتهي هو ، فقال : لقد جدف 00 ها قد سمعتم تجديفه 00 ما حاجتنا بعد إلى شهود ؟ وهو يقول في نفسه ” لقد أصاب السهم الفريسة ولا مفر من الذبح ، فكلمة التجديف لها مفعول السحر في إثارة حماس الأعضاء حماة يهوه0

          ثم إستدرك رئيس الكهنة ما سقط فيه من مخالفة ، فأعقب قوله بالسؤال التالي : ماذا ترون ؟!

ما رأيكم ياأبناء يعقـوب ؟! وماذا تقولون يا قضاة إسرائيل ؟! أرأيتم تجديفاً كهذا ؟! 00 إبن الله !! 00 يهوه !! 00 إيلوهيم !! 00 أدوناي صباؤوت !! 00 ياللكفر 00 ياللعار00 معاذ الله 00

وسرت همهمة بين الحاضرين كان أول من نطق بها الخدم والعبيد ” أنه مستوجب الموت ” 00 ” نعم ” 00 ” كان يجب أن يموت من زمن بعيد ” 00 ” لماذا تُرك للآن ” 00 ” إنه يستحق الموت الزئام ” 00 ” إن كان إبن الله فلينقذه الله ” 0

          عجباً 00 ألم يكن الأجدى برئيس الكهنة أن يستكمل إستجوابه ليعرف التفاصيل ؟! 00 أو هل يوجد إستجواب يتكون من سؤال واحد ، إلاَّ إذا كان وراءة نية خبيثة ؟! 00 لماذا لم تُفكر ياحنان في حوار يسوع مع الفريسيين ” وفيما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع قائلاً : ماذا تظنون في المسيح 0 إبن من هو ؟ قالوا :إبن داود 0 قال لهم : فكيف يدعوه داود بالروح رباً قائلاً قال الربَّ لربي أجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطناً لقدميك 0 فإن كان داود يدعوه رباً فكيف يكون إبنه ؟ فلم يستطع أحد أن يُجيبه بكلمة ” (مت 22 : 41 – 46)00

          ولماذا لم تلتفت ياقيافا إلى قول داود أيضاً ” إني أخبر من جهة قضاء الرب 0 قال لي أنت إبني 0 أنا اليوم ولدتك ” (مز 2 : 7) وقول إبنه سليمان ” من صعد إلى السموات ونزل ؟ من جمع الريح في حفنتيه ؟ من صرَّ المياه في ثوب ؟ من ثبت أطراف الأرض ؟ ما إسمه وما إسم إبنه إن عرفت ؟ ” (أم 30 : 4) فإن كانت عقيدة الأمونوجينيس ( الوحيد الجنس ) ثابتة في الأسفار المقدَّسة 00 فما بالك تعتبر ياقيافا أن هذا تجديفاً ؟! 00 لماذا لم تمنح نفسك فرصة للتفكير في إجابة يسوع ، إنما فضلت إستكمال دورك كما رسمته في هذه المسرحية الهزلية0

          وقف يسوع يرى ويسمع ماسبق وأخبرهم به 00 فهوذا قيافا وحنان مع بقية الكرامين الأردياء يتربصون بإبن صاحب الكرم قائلين ” هذا هو الوارث هلمُّوا لقتله ونأخذ ميراثه ” ( مت 21 : 38 ) مستخدمين سلطانهم الكهنوتي مع تزوير الحقائق وتلفيق التهم ، وللأسف فإنهم لا يدركون أن الحكم الإلهي عليهم بات وشيكاً ” أُولئك الأرياء يهلكهم هلاكاً رديَّاً ويُسلّم الكرم إلى كرَّامين آخرين يعطونه الأثمار في أوقاتها ” ( مت 21 : 41 )0

          وكان صدور الحكم على المتهم بالموت في ذات الجلسة خطأً فادحاً ضد الشريعة ، وضد نصوص وروح القانون اليهودي الخاص بالسنهدريم ، بالإضافة لإنعقاد الجلسة ليلاً 00 وهذا ما حدا بحنان إلى تنبيه الأعضاء بأن الجلسة القادمة ستعقد في الصباح الباكر حيث تضم أعضاء المجلس بالكامل 00 فما لزوم الجلسة التالية إذا كان كل شئ قد تم قانونياً ؟! 00 إن إنعقاد جلسة أخرى يعالج فيها الجلسة الأولى لهو إعتراف واضح وفاضح لما شاب المحاكمة الأولى من أخطاء قاتلة00

          وفي أحد أركان الصالة المتسعة كان يقف إنساناً ينظر في حيرة وقلق بالغ وقد جحظت عيناه ، وإذ رأى أن يسوع قد حُكم عليه بالموت ، إضطرب وإنسحب يجر أذيال الخيبة والعار ، وإشتعلت النيران في جوفه ، وإذ بالشياطين ترقص حوله طرباً ، هازئة بتلميذ خان معلمه الذي يُحبه ، وأخذت هذه الشياطين ذاتها تدين يداً إستلت سكيناً لتطعن من أحسن إليها ، وتبكت عبداً باع سيده ، ورجلاً سلم صاحبه للموت بقبلة غاشة ، وإرتفعت أصوات التقريع 00 خائن 00 فاسد 00 شرير 00 حتى كاد يهوذا يسد إذنيه ، ولم تعد ساقاه تحتملاه ، فإنصرف نحو خزانة الهيكل ذات المكان الذي باع فيه سيده 0

(14) فرانك موريسون – من دحرج الحجر ؟ تعريب حبيب سعد ص 19

التمثيلية الهزلية ف9 – الأربعة والعشرون ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض