سر التقوى ف4 – الأربعة والعشرون ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض
سر التقوى ف4 - الأربعة والعشرون ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض
سر التقوى ف4 – الأربعة والعشرون ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض
اقرأ وافهم
روايات إيمانية
الأربعة والعشرون ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض
الفصل الرابع: سـر التقـوى
عودة إلى العلية 00 فبعد أن فارق يهوذا الخائن جماعة القديسين وأختفت رائحـة الخيانة تألق وجه يسوع بنور سمائي وقال : الآن تمجَّد إبن الإنسان وتمجَّد الله فيه 00 إن كان الله قد تمجَّد فيه فإن الله سيمجده في ذاته ويمجده سريعاً 0 ياولادي أنا معكم زماناً يسيراً بعد00
وأمسك المعلم برغيف مـن الخبز ، ووضعه على راحة يده ، ورفع عيناه نحو السماء ، وبارك وشكر وقسم وأعطى التلاميذ الأطهار سر التقوى قائلاً : خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور عنكم يعطى لمغفرة الخطايا0
فأخذ التلاميذ وأكلوا وهم في حالة تأمل وإنسكاب ، وهمس متَّى في أذن فيلبس : لنحذر ياأخي لئلا يُجرّبنا الشيطان قائلاً أن هذا ليس بجسده ، فمادام يسوع قال هذا فهو هكذا 00
ثم أخذ المعلم كأس عصير الكرمة ورفع عينيه نحو السماء وشكر وبارك وأعطى تلاميذه الأطهار قائلاً : خذوا إشربوا منها كلكم لأن هذا هو دمي للعهد الجديد الذي يسفك عنكم وعن كثيرين لمغفرة الخطايا00
فتناول التلاميذ الكأس وأخذوا يرتشفون منها واحداً تلو الآخر ، وهمس فيلبس في إذن متى قائلاً : لنحذر ياأخي لئلا يُجرّبنا الشيطان قائلاً هذا ليس بدمه ، فما دام يسوع قال هذا فهو هكذا0
وتساءل متى في نفسه : ما علاقة ما يحدث الآن بقول أشعياء النبي ” من أجل أنه سكب للموت نفسه ” ( أش 53 : 12) ؟! ثم إن النفس في الدم هكذا قال الناموس ” نفس الجسد في الدم ” ( لا 17 : 11) ، فكيف نشرب الدم ؟!
ثم إلتفت يسوع إلى تلاميذه وأمرهم قائلاً : إصنعوا هذا لذكري { وفي الأصل اليوناني للذكرى ” أنا منسيس ” ليس كذكرى لأمر غائب بل كذكرى حاضرة وفعالة ، فلا يتذكر التلاميذ أو خلفاؤهم ما فعله يسوع كأمر مضى وأنتهى ، بل كحقيقة حاضرة وفعالة }0
وتذكَّر متـى العهـد الجديد الذي تحدث عنه أرميا النبي ” ها أيام تأتي يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً 0 ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب ” ( أر 3 : 31 ، 32 )0
وهمس يوحنا لبرثلماوس : أتذكر ياأخي قول يسوع للجموع في كفر ناحوم ” أنا هو خبز الحياة 00 من يقبل إليَّ فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً 00 هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت 0 أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء 0 إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد 0 والخبز الذي أنا أُعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم 00 إن لم تأكلوا جسد إبن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم 00 من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير 0 لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه “0
قال برثلماوس : نعم يايوحنا أذكر ذلك اليوم ، ويومئذ إرتد كثير من التلاميذ ، فقال لنا المعلم : ألعلكم أنتم أيضاً تريدون أن تمضوا ، فقال بطرس : إلى أين نمضي يارب وكلام الحياة الأبدية عندك0
وسأل توما يعقوب : قـل لي يايعقوب 0 إن كان الذي أكلناه جسد يسوع والذي شربناه دمه ، فكيف يأكل هو جسده ويشرب دمه ؟
يعقوب : لقد أكل المعلم خبزاً عادياً ، ثم قال لنا بعد هذا ” خذوا كلوا هذا هو جسدي ” ، ففي هذه اللحظة صار الخبز جسداً له ، وهكذا مع عصير الكرمة ياتوما ، ولا تنسى ياتوما أنه مادام يسوع قال هذا فلابد أن يكون هكذا0
ولم يدرك أحد من التلاميذ أن يسوع يكسر جسده بيده الآن قبل أن يكسره الرومان بالصليب غداً ، ولم يدرك التلاميذ أنهم بهذا الطقس قد أقاموا أول قداس في العالم كله في أول كنيسة في العالم أجمع ، ولم يدرك أحد منهم أيضاً أنهم في هذه اللحظات يختمون العهد القديم بعصر الآباء وعصر الناموس ، وأنهم يقفون علـى أعتاب العهد الجديد عهد النعمة والحرية ومجد أولاد الله 00 ” كان يسوع ، في حب سماوي عجيب ، يقدم جسده المكسور ودمه المسفوك لأحبائه 0 إنها ساعات قليلة ، ويكسر جسده 00 دقائق ويُسفك دمـه 00 لكنـه ” مقدمـاً ” وهب ذاته مؤكداً أنها ذبيحة حب لا نهائي 00 ما أروع يسوع وهو ممسك بالكأس يقدمها بكل حب وسرور لأحبائه 00 كانت الشموع تضئ العلية وإذا بوجه يسوع ينعكس على وجوه التلاميذ ، وإذا بالكأس ترتسم في كل مكان 00
في صمت وخشوع كان التلاميذ يحدقون في سيدهم وقد تسمرت عيونهم عليه ، وأخذوا يتناولون الخبز ويشربون من الكأس وهم في مزيج من الرهبة والذهول ، كانت هناك تفاعلات خفية تجري في أعماقهـم ، وتساؤلات كثيـرة تخطر على عقولهم ، لكنهم فوق كل شئ ، كانوا يشعرون وكأنهم يُحلّقون في أجواء سماوية عليا ، فهاهم يشاهدون أشياء لم ترها عين ويسمعون كلمات لا يمكن أن تخطر على قلب بشر ” (3)
وفي نهاية التناول سبَّحت الجماعة بالمزامير 00 كل هذه الآلام لم تمنعهم من التسبيح !!00 سبحوا في خشوع وتأثر بالغ ، وهكذا ستفعل جماعة يسوع من جيل إلى جيل إذ تُحوّل العذابات والآلامات إلى تسابيح وألحان تشفي النفس العليلة 0
وبعد أن قدم يسوع جسده ودمه لتلاميذه الأطهار أتجه إليهم بالحديث الوداعي يطمئنهم ويشجعهم قبيل هبوب العاصفة العاتية : لا أترككم يتامى 00 إني آتي إليكم 00 سلاماً أترك لكم 0 سلامي أعطيكم ، ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا 0 لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب أنتم تؤمنون بالله فآمنوا به 00 أنا أمضي لأعدَّ لكم مكاناً 0 وإن مضيتُ وأعدَّدتُ لكم مكاناً آتي وآخذكم إليَّ حتى حيث أكون تكونون أنتم أيضاً وتعلمون حيث أن أذهب وتعلمون الطريق0
تومـا : ياسيد لسنا نعلم أين تذهب ؟ فكيف نقدر أن نعرف الطريق ؟
يسوع : أنا هو الطريق والحق والحياة 0 ليس أحد يأتي إلى الآب إلاَّ بي 0 لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضاً 0 ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه0
فيلبس : ياسيد أرنا الآب وكفانا0
يسوع : أنا معكم زماناً هذه مدته ولم تعرفني يافيلبس 0 الذي رآني فقد رأى الآب ، فكيف تقول أنت أرنا الآب 0 ألست تؤمن إني أنا في الآب والآب فيَّ00
وأصغى سطانئيل لهذا الحديث فأرتعب هو وشياطينه : تُرى من يكون هذا ؟! 00 هل يمكن أن يكون هو كلمة الله ؟! 00 من هو هذا الذي في الآب والآب فيه إلاَّ الإبن الأزلي بأزلية الآب ؟! 00 ومن هو صورة الآب والذي يراه يرى الآب سوى الأمونوجينيس ؟! 00 ولو هو كلمة الله هل يمكن أن ينحني ويغسل الأقدام ؟!! 00 هذا مستحيل 00 إني لا أفهم ، بل أكاد أن أجن 00 وصرخ سطانئيل صرخة مدوية : أكاد أن أجن يايسوع 00
بينما يسوع يُكمل حديثه : بعد قليل لا يراني العالم أيضاً وأما أنتم فترونني 0 إني أنا حي فأنتم ستحيون0
يهوذا ( ليس الأسخريوطي ) : ياسيد ماذا حدث حتى أنك مزمع أن تظهر لنا ذاتك وليس للعالم ؟
يسوع : بعد قليل لا تبصرونني 0 ثم بعد قليل أيضاً ترونني لأني ذاهب إلى الآب0
فقال التلاميذ بعضهم لبعض : ماهو هذا الذي يقوله لنا ؟ بعد قليل لا تبصرونني ثم بعد قليل أيضاً ترونني ، ولأني ذاهب إلى الآب 00 ماهو هذا القليل الذي يقول عنه ؟ 00 لسنا نعلم بماذا يتكلم0
يسوع : أعن هذا تتساءلون فيما بينكم ، لأني قلت بعد قليل لا تبصروني ثم بعد قليل أيضاً ترونني 0 الحق الحق أقول لكم أنكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح 0 أنتم ستحزنون ولكن حزنكم يتحوَّل إلى فرح 0 المرأة وهي تلد تحزن لأن ساعتها قد جاءت 0 ولكن متى ولدت الطفل فلا تعود تذكر الشدة لسبب الفرح لأنه قد وُلِد إنسان في العالم0 فأنتم كذلك عندكم الآن حزن ، ولكني سأراكم أيضاً فتفرح قلوبكم ولا ينتزع أحد فرحكم منكم 00 قد كلمتكم بهذا بأمثال ولكن يأتي ساعة حين لا أكلمكم أيضاً بأمثال0
فيلبس : هوذا الآن تتكلم علانية 0
نثنائيل : لستَ تقول مثلاً واحداً0
يعقوب : الآن نعلم أنك عالم بكل شئ ولست تحتاج أن يسألك أحد0
توما : لهذا نؤمن أنك من عند الآب خرجت0
يسوع : الآن تؤمنون ؟ هوذا تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته وتتركوني وحدي 00 وأنا لست وحدي لأن الآب معي 0 كلمتكم بهذا ليكون لكم فيَّ سلام0 في العالم سيكون لكم ضيق ، ولكن ثقوا ، أنا قد غلبت العالم00
ثم أخذ يسوع يجذب الأنظار نحو المحبة : وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضاً 0 كما أحببتكم أنا تحبون أنتم أيضاً بعضكم بعضاً 00 بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضكم لبعض 00 هذه هي وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم 0 ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه 0 أنتم أحبائي إن فعلتم ما أُوصيكم به 00 بهذا أوصيكم أن تحبُّوا بعضكم بعضاً0
ثم أخذ يكشف لهم عن الإضطهادات التي ستلاقيهم قائلاً : إن كانوا قد إضطهدوني فسيضطهدونكم 00 سيخرجونكم من المجامع بل تأتي ساعة فيها يظن أن كل من يقتلكم أنه يُقدِم خدمة لله 00 الحق الحق أقـول لكـم أنكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح 0 أنتم ستحزنون ولكن حزنكم يتحول إلى فرح 00 هوذا تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرَّقون فيها كل واحد إلى خاصته وتتركوني وحدي 0 وأنا لست وحدي لأن الآب معي 0
تكلم يسوع بهذا ورفع عينيه نحو السماء مخاطباً الآب السماوي : أيها الآب قد أتت الساعة 0 مجّد إبنك ليمجدك إبنك أيضاً 00 أنا مجَّدتك على الأرض العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته 00
ثم أخذ يطلب من أجل خواصه الأطهار : من أجلهم أنا أسأل 0 لست أسأل من أجل العالم بل من أجل الذين أعطيتني لأنهم لكَ 00 وكل ماهو لي فهو لكَ ، وما هو لك فهو لي 00 أيها الآب القدوس أحفظهم في إسمك 00 حين كنت معهم في العالم كنت إحفظهم في إسمك 0 الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد إلاَّ إبن الهلاك 00 لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير 00 قدّسهم في حقك 0 كلامك هو حق ، ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط بل من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم 00 أيها الآب البار العالم لم يعرفك أما أنا فعرفتك وهؤلاء عرفوا أنك أرسلتني وعرَّفتهم إسمك وساعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم.
(3) دكتور فؤاد بولس – تحت أقدام الصليب ص 58