أبحاث

وصاح الديك ف10 – الأربعة والعشرون ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض

وصاح الديك ف10 - الأربعة والعشرون ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض

وصاح الديك ف10 – الأربعة والعشرون ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض

 

وصاح الديك ف10 - الأربعة والعشرون ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض
وصاح الديك ف10 – الأربعة والعشرون ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض

 

 

اقرأ وافهم
روايات إيمانية

الأربعة والعشرون ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض

 

الفصل العاشر :  وصاح الديك

 

          وبينما كان يسوع يُحاكم المحاكمة الثانية كما رأينا ، وإذ كانت الليلة شديدة البرودة على غير العادة جلس الخدم والعبيد حول النار التي أشعلوها يصطلون ، وكان بطرس بداية راضياً بتواجده خارج القصر خوفاً من إكتشاف فعلته مع ملخس ، وعندما دخل إلى فناء القصر بوساطة يوحنا إندس وسط الخدم والعبيد ، كأحد المتفرجين الذين لا يعنيهم أمر ذلك الرجل 00 دخل بطرس وجلس في هذا الوسط المتدني لينظـر النهايـة ، ونسى الوصية المقدَّسة ” طوبى للرجل الذي لم يسلك في طريق المنافقين وفي طريق الخطاة لم يقف وفـي مجلس المستهزئين لم يجلس ” (مز 1 : 1) ” ربما سمـع بطرس أن رئيس الكهنة سأل السيد المسيح عن تلاميذه ، فخشى أن يُقبض عليه أو يتعرض لضربات مثل سيده 00 أراد أن يستدفـئ بنار الأشرار ، فحمل برودة من جهة الحياة الصالحة 0 كان يليق به أن يستدفئ بنار محبة المسيح التي لا تقدر مياه كثيرة أن تطفئها ( نش 8 : 6 – 7 ) ” (15) 00 وإذ بجارية تتمتع بقدر من الذكاء الفطري تتفرس فيه على ضوء النار التي يصطلون عليها وتقول له : وأنتَ كنتَ مع يسوع الناصري 0

وإنطلق السهم المباغت على حين غرة ، فأصاب بطرس في مقتل ، وإضطرب مثل فريسة نشب بها سهم الصياد الماهر ، وحـاول بطرس إخفـاء إضطرابه ، وإظهارعدم إكتراثه بالأمر : من ؟! 00 أنا ؟! 00 لست أنا كما تقولين 00 لا أعرف ما تقصدين 00 لا أفهم ولا أعرف 0

الجارية : ألم تكن مع يسوع الناصري في تجواله ؟

بطرس : لا أعرف شيئاً مما تقولين 00 ربما واحد يشبهني 00

الجارية : ألستَ أنتَ من تلاميذه ؟

بطرس :  لستُ أنا 00 لا تلميـذه ، ولا رفيقه ، ولا أعرفـه ياامرأة 0

          وتمنى بطرس في هذه اللحظة أن يُطوّح برأسه الصلعاء بعيداً ، ويستعير رأساً أخرى حليقة اللحية بشعر أشعت ، ورغم أنه من النادر خروج الجواري ليلاً بعد مشقة يوم طويل ، إلاَّ إنهنَّ ظلّلن يقظات ، بسبب شدة كراهيتهن ليسوع التي إنتقلت لهن عبر أسيادهن ، ورغم أن النساء يتميزن بالرقة والترفق ، إلاَّ أن هذه الجارية أرادت أن تزُج ببطرس مبكراً إلى الصليب0

          ما بالك يابطرس تخاف وتُنكر ؟! 00 ألم تقل لسيدك لو شك فيك الجميع فأنا لا أشك ؟! 00 ولو إضطررت أن أموت معك لا أنكرك ؟! 00 أتخاف من سؤال الجارية ، فما بالك لو سُئلت من قيافا وحنان ؟! 00 ولا عجب ، فحالك يابطرس هو حالي عندما أضع ثقتي في ذاتي 00 وطوباكَ يابطرس لأنك إستوعبت الدرس جيداً ، فبعد القيامة عندما سألك سيـدك : أتحبني يابطرس ؟ لم تقل : نعم إني أحبك أكثر من كل هؤلاء ، إنما أجبت بإتضاع والدموع تترغرغ في عينيك : يارب أنت تعلم كل شئ 00 أنت تعلم إنني أُحبك ، ومهما صنعت يابطرس فيما بعد من معجزات عظيمة مثل إقامة طابيثا من الموت 00 مهما رأيتَ ظلك يشفي الأمراض ويُخرج الأرواح الشريرة ، فإن ضعف طبيعتك سيظل أمامك في كل حين 0 أما الذين يثقون في إمكاناتهم ، فإن الشيطان كفيل بأن يلهو بهذه الإمكانات ، فكم من الملوك المفتخرين بعدالتهم أجروا المظالم بإسم العدل ؟!

وكم من الخدام المختالين بمواهبهم إنزلقوا وضاعوا ؟!

وكم من العلماء الواثقين في رجاحة فكرهم سقطوا في البدع والهرطقات ؟!0 

          وحاول بطرس أن يندس وسط الخدم والعبيد أكثر فأكثر ، وهو يُعاني من هزة نفسيَّة عميقة ، وفكر في الإنسحاب من المكان 00 لقد عاش الحيرة والخوف والإرتباك على أشدَّ ما يكون ، فإتجه نحو الباب ببطء شديد حتى لا يلحظ أحد إنسحابه ، وإذ بالبوابة تلمحه ، فيدفعها شيطانها الذي هوى العزف على ذات الوتر ، بعد أن وضع بطرس في غرباله لكيما يغربله مع هزات موسيقاه السخيفة 00 تفرَّست البوابة فيه ، وحدجته بنظرات فاحصة ، وأطلق الشيطان سهمه الثاني : وأنتَ كنتَ معهم ، فملابسك  هي هي ملابس أهل الجليل0

          وقال بطرس في عصبية : لستُ أنا ياإمرأة 00 لستُ أنا وأشاح بوجهه بعيداً حتى لا تتفرس فيه أكثر ، وإرتبك كإنسان يطارده الموت ولا يعرف كيف ينجو بنفسه ، ويبدو أن حالة بطرس أثارت عواطف هذه البوابة فتركته لحال سبيله ، وإلتقط بطرس الأنفاس 00 هل يهرب من هنا كما هرب منذ قليل من البستان ؟! 00 هل يظل صامداً قريباً من معلمه مادام الموقف مرَّ بسلام ؟! 00 وصاح الديك للمرة الأولى ، ولم يلفت هذا الصوت نظر بطرس القلق المضطرب 0

          وإذ بزمري وهو نسيب ملخس الذي قطع بطرس أذنه ، وكان معهم في البستان ، يرى بطرس فيمسك بتلابيبه قائلاً بصوت عالٍ : أنتَ تلميذ ذاك الجليلي 00 كنتَ معه في البستان 00 وأنت الذي ضربتَ ملخس بالسيف 0

وإضطرب بطرس وظهر عليه التوتر الواضح 0 لستُ أنا يارجل 00 لا أعرف ما تقول 00 لتنتقم السماء مني أربعين ضعفاً لو كنتُ أنا هو ، وأصير ملعوناً من الله لو كنتُ أنا 00 وأخذ بطرس يستنزل اللعنات على رأسه لو كان تلميذ يسوع الناصري 0

زمري : إنكَ أنتَ بلا شك 00 لغتك تُظهرك 00 أنك جليلي 0

فأخذ بطرس يسب ويلعن الإسم المبارك 00

وهنا فُتح باب صالة السنهدريم ، فحانت إلتفاتة حانية من يسوع نحو بطرس ، وإذ بالأعين تتلاقى ، وإذ بالديك يصيح ثانية ، وإذ بالقلب ينكسر والفؤاد يذوب 00

إنها نظرة يسوع تلتقط بطرس من بئر الهاوية 00

نظرة يسوع التي تزيح جبلاً عظيماً وكابوساً رهيباً جثم على صدر بطرس حتى كاد يلفظ أنفاسه 00

نظرة يسوع التي تنتشل بطرس لئلا يغوص في الوحل 00

نظرة يسوع تقول لبطرس : إطمئن يابطرس 00 لقد طلبتُ من أجلك لكي لا يُفنى إيمانك 00

نظرة يسوع التي تقول لبطرس : لستُ غاضباً منك ياإبني ، ولكنني مشفق عليك ياحبيبي 00

إنها نظرة باقية لكل إبن ليسوع يجوز في محنة قاسية0

          وإذ ببطرس يذوب خجلاً ، بل حسرة وندماً 00 إعتصره الألم ، فإنسحب من خلال الدهليز إلى خارج 00 كانت دموعه الحارقة تنساب على وجنتيه مع عبرات وتنهدات ونهنهات ، وأخذ يهدر كحمام الأوطئة ” كحمام الأوطئة كلهم يهدرون كل واحد على إثمه ” (حز 7 : 16) 00 تأمل بطرس خطيئته فإذ هي عدَّة خطايا معاً 00 لقد إعتدَّ بنفسه أكثر مما يجب ، وميَّز نفسه عن إخوته ، ونام في وقت كان ينبغي فيه أن يصلي حسب الوصية ، وتصرف من تلقاء نفسه ضارباً ملخس بالسيف ، وهرب من البستان متخلياً عن سيده ، ولم يكن صادقاً في وعوده لسيده ، وجلس في وسط لا يناسبه ، وأنكر وسبَّ ولعن ، ولاح أمام بطرس قول سيده ” كل من يعترف بي قدام الناس أعترف أنا أيضاً به قدام أبي الذي في السموات 00 ولكن من ينكرني قدام الناس أنكره أنا أيضاً قدام أبي الذي في السموات ” (مت 10 : 32 ، 33) ووقفت فرقة من الشياطين تُبكّته ، وتصب عليـه اللعنات ، وتدفعه دفعاً إلى بئر اليأس ، ولكن نظرة يسوع تقاتل عنه ، وكلما نظر إلى نفسه وشعر أنه يغوص في الوحل ، يرى نظرة يسوع تنتشله 00 تلك النظرة الحانية الغافرة تنتشله من بئر اليأس وصغر النفس 00

          الأمر العجيب أن يوحنا كان قريباً من معلمه ، ولم يتهمه أحداً بأنه من أتباع يسوع ، لأن عناية المعلم تحفظ القريبين منه المستعدين لبيع حياتهم من أجله 00 نشكر الله من أجل يوحنا الذي حفظته عناية يسوع ، ونشكر الله من أجل بطرس الذي غسل خطيته بدموع التوبة ، وصار مثالاً للرجاء الحي لكل نفس في ضعفها تنكر سيدها وتطرح صليبها وتعود بالتوبة ، فإذ بالنعمة الإلهية تحملها على أذرعها الأبدية ، وتربّت عليها وتُطيّب جراحاتها0

          وقد تساءل البعض : من أين جاء صوت الديك والتقليد اليهودي يمنع تربية الدواجن في أورشليم ؟

والحقيقة أنه لم يكن كل سكان أورشليم من اليهود بل كان هناك بعض السكان من الأمم 0 كما إن بعض اليهود أيضاً لم يلتزمـوا بالتقليد اليهودي ، فمن هذه المساكن قد إنطلق صوت الديك ، وقد يكون هذا الصوت قد وصل في سكون الليل من إحدى القرى المحيطة بأورشليم 0 كما إن صوت البوق الذي كان يُعلن تغيير نوبات الحراسة كانوا يدعونه صوت الديك ، وقد سُمع هذا الصوت في الساعة الثالثة صباحاً عند تغيير نوبة الحراسة ، حيث ضرب البوق مرتين ، الأولى عند بدء التغيير ، والثانية عند نهاية تغيير جميع النوبات في المنطقة

(15)  القمص تادرس يعقوب – تفسير إنجيل يوحنا جـ 2 ص 1162

وصاح الديك ف10 – الأربعة والعشرون ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض