كيف وصل إلينا العهد القديم سالما وبدون تحريف؟
هل يمكن تحريف الكتاب المقدس؟
الفصل الثاني كيف وصل إلينا العهد القديم سالماً وبدون تحريف؟
تصور البعض أن التوراة التي بين أيدي كل من المسيحيين واليهود الآن ليست هي التوراة الحقيقة التي أعطاها الله لموسى النبي!! ولا كتاب المزامير (الزبور) هو الكتاب الذي أعطاه الله لداود النبي، وكذلك بقية أسفار أنبياء العهد القديم!! وزعموا أن أنها كتب محرفة، بل ومن وضع اليهود أنفسهم!! ولهم في ذلك مزاعم عديدة أهمها:
1 – الزعم بان التوراة فقدت بعد موسى النبي!
2 – الزعم بأنها فقدت، ومعها مزامير داود، بعد أيام داود وابنه سليمان!
3 – الزعم بأن كل الكتب المقدسة، سواء التوراة أو المزامير أو بقية كتب الأنبياء الآخرين، قد فقدت عندما أحرق نبوخذ نصر الملك البابلي الهيكل اليهودي وأسر معظم اليهود إلى بابل، فيما بين سنة 605 إلى 586 ق م!!
4- الزعم بأن هذه الكتب المقدسة فقدت أيام الملك السوري، أنتيوخس الرابع، الذي استولى على أورشليم فيما بين سنة 170 إلى 164 ق م، وأحرق كل ما وقع بين يديه من كتب مقدسة!!
والغريب أن هؤلاء جميعاً يتكلمون عن هذه الأسفار المقدسة وكأنه لم يوجد منها غير نسخة واحدة فقط وقد فقدت في العصر الذي تصوروا أنها فقدت فيه!!
والسؤال الآن هل كان من الممكن أن تحرف هذه الأسفار أو تفقد في أي عصر من العصور؟! وهل كان الله يسمح بذلك؟! والإجابة هي أن هذا مستحيل لأن الله هو الحافظ لكلمته كما يقول ” لأني أنا ساهر على كلمتي لأجريها ” (ار12:1)، كما حذر من زيادة حرف واحد أو حذف حرف واحد من كلامه ” لا تزيدوا على الكلام الذي أنا أوصيكم به ولا تنقصوا منه ” (تث2:4). ” كل الكلام الذي أوصيكم به احرصوا لتعملوه. لا تزد عليه ولا تنقص منه ” (تث32:12).
وقد مرت أسفار العهد القديم من موسى النبي إلى الرب يسوع المسيح بعدة مراحل، كان من المستحيل أن يحدث فيها تحريف في أي حرف أو كلمة أو لفظ بأي شكل من الأشكال، لأن هذه الفترة لم ينقطع فيها الوحي على مدى 1100 سنة، من موسى النبي (1500 ق م) إلى ملاخي النبي (حوالي 400 ق م)، ولم ينقطع فيها الحكيم أو الغيور على كلمة الله من أمثال يشوع ابن سيراخ أو الجماعات الدينية التي كانت مهمتها الأولى دراسة وحفظ كلمة الله في هذه الأسفار وتطبيق ما جاء فيها.
- من موسى النبي إلى صموئيل النبي (1500 – 1000 ق م):
في هذه الفترة التي استمرت حوالي خمسة قرون وُجد فيها موسى النبي وتلميذه يشوع بن نون وسبعون من الشيوخ الذين حل عليهم الروح القدس وكانوا يتنبأون، وكانوا مساعدين لموسى النبي، ثم القضاة الذين جاءوا بعد يشوع بن نون وكان أخرهم هو صموئيل النبي الذي كان قاضياً وكاهناً ونبياً. وكان جميع هؤلاء يحفظون ما جاء في أسفار موسى الخمسة ويحكمون بما جاء فيها إلى جانب الإعلانات الإلهية والوحي الإلهي الذي لم ينقطع عنهم، فقد كان الله يكلمهم ويتعامل معهم بالظهورات الملائكية والرؤى والأحلام الإلهية وكان الروح القدس يحل عليهم. كانت سلسلة لا تنقطع من رجال الله الموحى إليهم.
فعندما كتب موسى النبي التوراة (الأسفار الخمسة) سلمها للكهنة واللاويين الذين وضعوها إلى جوار تابوت العهد (تث26:31) في خيمة الاجتماع، وكان يقوم بتطبيقها ويحفظ ما جاء بها هارون وبنوه (خر1:28)، ومعهم بقية الكهنة وقادة المجموعات الذين عينهم موسى النبي رؤساء ألوف ورؤساء مئات ورؤساء خماسين ورؤساء عشرات ليقضوا للشعب كل حين (خر18)، والسبعون شيخاً الذين أختارهم الله ليقضوا للشعب ويساعدوا موسى والذين حل عليهم روح الرب ” فلما حلّ عليهم الروح تنبأوا ” (عد25:11)، وذلك إلى جانب يشوع بن نون تلميذ موسى النبي وخادمه الذي تتلمذ على يديه وكان موسى يكتب التوراة ويضعها في مسامعه حسب وصية الله ” فقال الرب لموسى اكتب هذا تذكارا في الكتاب وضعه في مسامع يشوع ” (خر14:17) والذي كلمه الله بعد أن تسلم قيادة الشعب من موسى النبي.
وكانت التوراة في أيام موسى ويشوع وبعد ذلك تقرأ أمام الشعب كل سبع سنوات في عيد المظال (تث31). وكان على جميع الشعب بجميع أفراده أن يتعلم ويحفظ التوراة كل كلمة فيها.
يقول المؤرخ والكاهن اليهودي يوسيفوس المعاصر لتلاميذ المسيح (سنة 36 – 100م) كانت ” هذه النواميس محفورة في أرواحهم ومحفوظة في ذاكرتهم وكان للنواميس أيضاً سلطان أعظم بينهم وهذا ما نعرفه مما كان عليهم أن يكابدوه إذ كسروها “(1).
وكان صموئيل النبي حافظاً لهذه الأسفار وما كتبه يشوع بن نون بوحي الروح القدس ولما كتب هو أيضا بالروح القدس ضم ما كتبه للأسفار السابقة ” فكلم صموئيل الشعب بقضاء المملكة وكتبه في السفر ووضعه أمام الرب ” (1صم25:10).
ويقول يوسيفوس أيضا “ وضع الكتاب في خيمة الاجتماع ليكون للأجيال التالية “(2).
(2) من داود النبي إلى سبي بابل (1000 – 586 ق م):
وهذه الفترة كانت تضم عدد كبير من الأنبياء مثل داود الملك وابنه سليمان الملك والحكيم ومعهما ناثان النبي (2صم25:12) وجاد الرائي (1أخ29:29) وأخيا الشيلوني ويعدو الرائي (2أخ29:9)، ثم إيليا النبي وأليشع النبي وتلاميذهما ” بنو الأنبياء ” (1مل35:20)، وغيرهم مثل عاموس وهوشع وميخا واشعياء إلى ارميا النبي الذي كان أخر أنبياء هذه الفترة والذي عاصر السبي بجميع مراحله.
وذلك إلى جانب أنبياء الهيكل الذين كانوا يسبحون بالمزامير ويكتبونها بالروح القدس مثل ” بني آساف وهيمان ويدوثون المتنبئين بالعيدان والرباب والصنوج ” (1أخ1:25). بل ويتكلم سفر صموئيل عن أعداد كبيرة من الأنبياء كانت موجودة في تلك الفترة ويصفهم بـ ” زمرة من الأنبياء ” (1صم5:10؛ 10:10)، و” جماعة الأنبياء ” (1صم20:19). وكان هناك أيضا تلاميذ الأنبياء الذين عرفوا بـ ” بني أو بنو الأنبياء “؛ ” بنو الأنبياء الذين في بيت إيل ” (2مل3:2)، ” بنو الأنبياء الذين في أريحا ” (2مل5:2)، ” فذهب خمسون رجلا من بني الأنبياء ” (2مل7:2).
وكان محور رسالة هؤلاء الأنبياء هو حفظ شريعة موسى وبقية الأسفار التي كتبت بعدها والتي كانت موجودة معهم جميعاً. مع داود وابنه سليمان (1مل2:3)، ومع اشعياء (63:11-12)، ومع ارميا (15:1)، وغيرهم من الأنبياء.
بل وكانت وصية الرب لكل ملك يجلس على عرش إسرائيل ” عندما يجلس على كرسي مملكته يكتب لنفسه نسخه من هذه الشريعة في كتاب من عند الكهنة واللاويين فتكون معه ويقرأ فيها كل أيام حياته ” (تث19:17).
وفي أيام الملك يوشيا (640ـ609ق م) وجد حلقيا الكاهن (2مل22:23) نفس نسخة التوراة التي كتبها موسى النبي بيده (بنفسه) أو على أقل تقدير هي نسخه منقولة عنها مباشرة، وإن كانت غالبية العلماء ترى أنها نفس النسخة التي كتبها موسى بنفسه.
(3) فترة السبي البابلي (605 – 538 ق م):
وكانت جميع أسفار موسى والأنبياء مع كل من حزقيال النبي ودانيال النبي في هذه الفترة في بابل. حيث يؤكد دانيال النبي قائلا ” أنا دانيال فهمت من الكتب (أي الأسفار المقدسة) عدد السنيين التي كانت عنها كلمة الرب إلى ارميا النبي لكماله سبعين سنة على خراب أورشليم ” (دا 2:9، مع إر25). كما يشهد حزقيال لدانيال بأنه أحد الأبرار الثلاثة ” نوح وأيوب ودانيال ” (حز14:14) وأنه كاشف الأسرار الذي لا يخفى عليه سر من الأسرار (حز3:28).
وكان المسبيون متجمعين في تل أبيب ببابل على نهر خابور (حز15:3) وكان معهم كهنتهم وشيوخهم فأقاموا المجامع كبديل للهيكل وكانوا يحتفظون فيها بالأسفار المقدسة ويدرسونها في كل السبوت والأعياد. وانتشرت هذه المجامع، والتي يقول عنها الفيلسوف اليهودي المعاصر للرب يسوع المسيح فيلو (26م) أنها كانت ” بيوتاً للتعليم حيث كانت تدرس فلسفة الأباء وجميع الفضائل “، في جميع البلاد والمدن والقرى التي تشتت فيها اليهود في كل دول حوض البحر المتوسط، بعد السبي الآشوري الذي حدث سنة 723 ق م والسبي البابلي الذي حدث في الفترة من 605 ق م إلى 586.
وكانت لهذه المجامع ترتيباتها الخاصة والتي تشمل قراءة ” الشيما ” أي التلاوة وهي الاعتراف بوحدانية الله وتتكون من (تث6:4-9،13:11-21، عد 37:15-41) وقراءة الناموس (أسفار موسى الخمسة) والذي كان منقسماً إلى مئة وأربعة وخمسين جزءاً تقرأ بالترتيب على ثلاث سنوات، لذا يقول الكتاب ” لان موسى منذ أجيال قديمة له في كل مدينة من يكرز به إذ يقرأ في المجامع كل سبت ” (أع21:15)، ثم قراءة جزء مناسب من أسفار الأنبياء ” قراءة الناموس والأنبياء ” (أع15:13). وقد انتشرت هذه المجامع مع انتشار اليهود في بلاد كثيرة، مثل أشور وفارس وميديا وأرمينيا ومصر وبابل وفلسطين واليونان وقبرص وتركيا .. الخ.
(4) فترة ما بعد السبي (من زربابل إلى عزرا 440 ق م):
ولما عاد بعض الذين كانوا في السبي البابلي بقيادة زربابل (عز2) وبنوا الهيكل من جديد كانت معهم هذه الأسفار ومارسوا عبادتهم بحسب ما جاء فيها. ولما عادت الدفعة الثانية من هؤلاء المسبيين بقيادة عزرا الكاتب والكاهن ونحميا ساقي ملك فارس كانت معهم هذه الأسفار، فقد كانت مع عزرا الكاتب والكاهن حوالي سنة 440 ق م الذي جمع كل الأسفار المقدسة وأقر قانونيتها بإرشاد الروح القدس ورتب قراءة الناموس والأنبياء وأسس المجمع العظيم (السنهدرين) (نح 8-10 والمشنا 200م). ثم وضعت الأسفار المقدسة في الهيكل (الذي بناه زروبابل 520-516 ق م).
وفي تجمع هائل للشعب وقف عزرا يقرأ للشعب الناموس ويترجمه ويفسر معناه (نح8:8). كما جمع نحميا رجل البلاط الفارسي الكتب المقدسة في مكتبه واحدة يصفها سفر المكابيين الثاني بـ ” السجلات التي لنحميا وكيف أنشأ مكتبة جمع فيها أخبار الملوك والأنبياء وكتابات ورسائل الملوك في التقادم” (2مك13:2).
وهكذا وصلت الأسفار المقدسة من موسى النبي إلى يشوع بن نون واستلمها القضاة الذين كان أخرهم صموئيل النبي من يشوع، واستلمها الأنبياء من صموئيل وظلوا يسلمونها بعضهم لبعضهم حتى وصلت إلى عزرا ونحميا حوالي سنة 440 ق م، دون أن يكون هناك أي احتمال لزيادة حرف أو حذف حرف واحد منها. فقد كانوا جميعهم أنبياء يوحى إليهم ويكلمهم الله بروحه القدوس.
تقول المشنا (أبوت1:1) ” أستلم موسى الناموس من سيناء وسلمه ليشوع ويشوع سلمه للشيوخ والشيوخ سلموه للأنبياء والأنبياء سلموه لرجال المجمع العظيم “.
(5) فترة ما قبل الميلاد والميلاد (من 440 ق م إلى70 م):
في هذه الفترة كانت الأسفار المقدسة محفوظة في الهيكل وفي جميع المجامع اليهودية سواء في فلسطين أو في الكثير من البلاد الأخرى، ومع الكهنة والغيورين من الشعب والجماعات الدينية المختلفة. ولما حاول الملك السوري أنتيوخس الرابع (أبيفانس) (175-164 ق م) أن يستأصل اليهودية من جذورها أصدر أمراً بتمزيق وحرق الأسفار المقدسة ” وما وجدوه من أسفار الشريعة مزقوه وأحرقوه بالنار وكل من وجد عنده سفر من العهد أو أتبع الشريعة كان يقتل بأمر الملك” (1مك1). وبرغم ذلك لم ينجح في القضاء على هذه الأسفار المقدسة في فلسطين بل كانت هذه الأسفار موجودة مع الغيورين من الشعب وقادته الدينيين والمدنيين فاجتمعوا على المصفاة على بعد 13 كم من أورشليم ” ونشروا الشريعة ” (1مك48:3). ولما انتهت الحرب يقول سفر المكابيين ” جمع يهوذا (المكابى) كل ما بعثر من الأسفار في الحرب التي حدثت لنا وهو عندنا ” ويقول لليهود في مصر ” فإذا كنتم في حاجة إلى شيء منها، أرسلوا من يأخذها إليكم ” (2مك14:2و15).
كان من المستحيل على من يحفظون كلمة الله أن يفرطوا فيها حتى ولو دفعوا حياتهم ثمناً لذلك. ولو افترضنا، جدلا، أن الملك السوري نجح في القضاء على هذه الأسفار المقدسة في فلسطين فهل كان في إمكانه أن يستأصلها من بلاد العالم الأخرى؟ مستحيل!
وكما كانت الأسفار المقدسة للعهد القديم في المجامع التي كانت منتشرة في دول عديدة كانت أيضاً مع الجماعات الدينية اليهودية، ومن أهم هذه الجماعات بالنسبة لدراستنا هذه جماعة الأسينيين الذين عاشوا في منطقة قمران في الطرف الشمالي الغربي للبحر الميت في القرن الثاني ق م وحتى سنة 68م، والتي اكتشفت مخطوطاتها في هذه المنطقة ابتدأ من سنة 1947م والتي وجدت بها مخطوطات عديدة لكل أسفار العهد القديم.
وكانت نسخ من جميع أسفار العهد القديم موجودة مع يشوع بن سيراخ الذي كتب سفره سنة 180 ق م. وقد لخص أهم أحداثها في الإصحاحات 44 إلى 49 من سفره ويقول حفيده في مقدمة السفر الذي ترجمه إلى اليونانية سنة 130 ق م. ” جدي يشوع كرس نفسه مدة طويلة لقراءة الناموس والأنبياء والكتب الأخرى التي لآبائنا وتألف معها بدرجة عظيمة حتى كتب هو نفسه ” سفره.
ويؤكد حفيد ابن سيراخ على انتشار هذه الأسفار المقدسة التي للعهد القديم في أيامه فيقول ” لقد وصلتنا أشياء كثيرة عظيمة عن طريق الناموس والأنبياء والآخرين الذين اتبعوا خطواتهم “.
ويذكر سفر المكابيين الثاني الذي كُتب سنة 70 ق م أسفار العهد القديم وانتشارها بغزارة في أيامه ويدعوها ” بالكتب المقدسة “، ” والشريعة والأنبياء ” (2مك19:15).
(6) التحذير الإلهي من الحذف أو الإضافة في كلام الله:
وكان الله قد أوصى وحذر من حذف أو زيادة كلمة أو حرف على كلامه وقد ضمن الله ذاته سلامة الأسفار من التحريف والتبديل والحذف والإضافة:
- V ” لا تزيدوا على الكلام الذي أنا أوصيكم به ولا تنقصوا منه ” (تث2:4).
- V ” كل الكلام الذي أوصيكم به احرصوا لتعلموه. لا تزد عليه ولا تنقص منه ” (تث32:12).
- V ” إلى الأبد يا رب كلمتك مثبتة في السموات ” (مز89:119).
- V ” لا تزد على كلماته لئلا يوبخك فتكذب ” (أم5:30).
- V ” أما كلمة إلهنا فتثبت إلى الأبد ” (إش8:40).
- V ” لأني أنا ساهر على كلمتي لأجريها ” (ار12:1).
وقد عامل المؤمنون هذه الأسفار بكل تقديس وإجلال ودافعوا عنها حتى الموت. يقول المؤرخ اليهودي يوسيفوس ” يوجد برهان عملي على كيفية معاملتنا (تقديرنا) لهذه الأسفار، فبرغم المدة الطويلة التي انقضت حتى الآن (1500 سنة) لم يجرؤ أحد أن يضيف إليها أو أن يحذف شيئاً منها أو يغير أي شيء منها. بل إنه من الطبيعي لكل اليهود من يوم الميلاد مباشرة يعتبرون هذه الأسفار هي تعاليم الله ويثابرون فيها وإذا دعت الضرورة يموتون لأجلها سعداء “(3).
(7) شهادة المسيح ورسله لأسفار العهد القديم:
وفي أيام الرب يسوع المسيح كانت أسفار العهد القديم منتشرة في المجامع، المنتشرة في الكثير من بلاد العالم، ومع الكهنة والكتبة والفريسيين وكانت هناك نسخة الهيكل الخاصة التي عرفها الرب يسوع المسيح وتلاميذه والتي كان الكهنة والكتبة والفرق الدينية في عصره ينقلون عنها نسخهم، وقد حصل عليها المؤرخ والكاهن اليهودي يوسيفوس (36-100م)، بعد أن دُمر الهيكل سنة 70م، واستخدمها في كتابة مجموعته “عاديات أو العصور القديمة لليهود – The antiquity of the Jews ” التي لا تزال موجودة بأيدينا. ويقول يوسيفوس نفسه إنه بسماح من تيطس الروماني حصل على النسخة المعتمدة للأسفار المقدسة التي كانت في الهيكل ” وحصلت على الكتب المقدسة أيضاً “(4).
وقد أشار الرب يسوع المسيح ورسله إلى صحة كل كلمة وكل حرف وكل حدث مذكور في أسفار العهد القديم واقتبسوا منها بشكل مباشر حوالي 250 مرة، واستشهدوا بما جاء فيها حوالي 2500 مرة، وشهدوا لكل سفر وكل فصل فيها، فقد أشاروا إلى موسى ككاتب التوراة حوالي خمسين مرة (مر19:12) وإلى يشوع وأعماله (أع 35:7، عب 8:4) وصموئيل النبي (أع24:3،13-20) وإلى داود كاتب المزامير ” داود نفسه يقول في كتاب المزامير ” (لو41:20) وإلى سليمان (متى 42:12) وإلى أيوب وصبره (يع 11:5) وإلى إشعياء ككاتب لسفره ” لكي يتم ما قيل بإشعياء النبي ” (مت3:3)، وكذلك ارميا ” حينئذ تم ما قيل بارميا النبي القائل ” (مت18:2) وإلى دانيال ككاتب لسفره “رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي” (مت5:24) وإلى هوشع ” كما يقول هوشع أيضاً ” (رو9:5) وإلى يونان وحوته (مت12).
وقد اقتبس الرب يسوع المسيح نفسه منها حوالي 31 مرة مؤكداً أنها أسفار مقدسة وكلمة الله التي نطق بها على أفواه الأنبياء وإنها كتبت بوحي الروح القدس كقوله ” لأن داود نفسه يقول بالروح القدس ” (مر36:12)، وإنه لن يزول منها حرف واحد أو نقطة واحدة وإنه لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب فيها كما دعاها بالكتب المقدسة؛ ” الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل ” (مت18:5). وأكد حتمية إتمام كل ما هو مكتوب فيها (مت54:26).
كما أشار إلى أهم الأحداث التاريخية المذكورة فيها مثل خلقة الله للكون (مر19:13)، وخلقة الله لآدم وحواء (مت3:19-5؛ مر6:10-8)، وإلى الشيطان كمصدر للشر (يو44:8)، ودمار العالم بالطوفان الذي حدث أيام نوح (مت38:24و39؛ لو26:17و27)، وقصة لوط ودمار سدوم وعمورة (مت15:10؛ لو28:17و29)، وظهور الله لموسى في العليقة (مر26:12)، ونزول المن والسلوى في البرية (يو32:6)، وأكل داود من خبز التقدمة في خيمة الاجتماع.