هل الله هو الأول في حياتك؟ ج1 – الأب أنتوني م. كونيارس
هل الله هو الأوَّل في حياتك؟
اطلبوا أوَّلاً ملكوت الله وبرَّه، وهذه كلُّها تُزاد لكم
الأولوية العظمى للحياة
اِعمل أولويات: أطلب أولاً ملكوته
أنت تمتلك حياة واحدة تحياها, وأنا أيضًا. ولكن كم مِن أُناس يضيعون حياتهم. قد يعيشون إلى السبعين، أو الثمانين أو التسعين عامًا دون تحقيق أي شيء. قال أحد الأشخاص: “عندما ذهب أبى إلى مستشفى مايوMayo Clinic الشهيرة في نيويورك تقابل مع كل الأطباء والممرِّضات الذين قالوا له: يا سيِّد كلارك كلنا سنموت, وعلينا عندما نُدرك هذه الحقيقة أن نُفكِّر في كيف سنحيا حياتنا”.
بالفعل علينا أن نفكر جيِّدًا كيف سنحيا حياتنا وإلاَّ ستضيع منَّا, وسنفقد الهدف من الحياة نفسها.
هناك شيء واحد فقط ينقذنا من أن تضيع حياتنا, وهذا الأمر هام جدًّا لدرجة أنَّني سأكرِّره ثلاث مرات: الطريق الوحيد الذي ينقذنا من أن تضيع حياتنا هو: اِعمل الأولويَّات، اِعمل الأولويَّات، اِعمل الأولويَّات.
نسمع الكثير عن الأولويَّات عندما نتحدَّث عن الأعمال التجاريَّة. إذا لم يقم صاحب العمل التجاري بعمل أولويَّات في إدارته للعمل، حتمًا سيفشل. وهكذا نحن أيضًا.
تحدَّث السيِّد المسيح كثيرًا عن أهمية عمل الأولويَّات، فقال في الإنجيل:
«لا تهتموا قائلين ماذا نأكل؟ أو ماذا نشرب؟ أو ماذا نلبس؟ فإنَّ هذه كلها تطلبها الأمم. لأنَّ أباكم السماوي يَعلم أنَّكم تحتاجون إلى هذه كلها, لكن اطلبوا أوَّلاً ملكوت الله وبِرَّه وهذه كلُّها تزاد لكم. فلا تهتمُّوا للغدِ, لأنَّ الغدَ يهتم بما لنفسه. يكفى اليوم شرُّه» (مت6: 31-33).
رتِّب أولويَّاتك جيِّدًا وجميع الأولويَّات الثانويَّة (الطعام والشراب والملبس) سوف تأتى تباعًا. اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره. هذه عبارة قويَّة عن ترتيب الأولويَّات. اطلب الله ليس في المرتبة الثانية أو الثالثة أو الرابعة. اطلب ملكوت الله أوَّلاً. رتِّب الأولويَّات. يتحتَّم علينا أن نرتِّب أولويَّاتنا. لماذا؟ لأنَّنا نحيا حياتنا هذه مرَّة واحدة وإمَّا أن نفعل هذا بالطريقة السليمة, وإلاَّ سنفشل في تحقيق الهدف الأصيل لحياتنا.
قال سى. إس. لويس C.S. Lewis ذات مرَّة:
”الآن يتَّضح لنا أن هناك العديد من الأشياء التي لا تستحق أن أهتم بها إذا كنتُ سأعيش لمدة سبعين عامًا, ولكن يجب أن أهتم بشكل جاد جدًّا بالأشياء التي سأحيا بها إلى الأبد“.
قال بسكال Pascal :
”بين السماء وجهنم توجد هذه الحياة التي نحياها, وهى أكثر الأشياء هشاشة في العالم“.
إذا لم نرتِّب أولويَّاتنا في هذه الحياة، فسوف نفشل وسوف نهلك كما يتَّضح لنا ذلك من كلمة الله. يطلب منَّا السيِّد المسيح أن تكون لنا أولويَّات في حياتنا.
«اطلبوا أوَّلاً ملكوت الله وبِرَّه وهذه كلُّها تزاد لكم».
اطلبوا
«اطلبوا!» هنا يبدأ الأمر كله.
كل شيء يبدأ بهذه الكلمة: “اطلبوا”, فالذي لا يطلب لا يجد. ولكن كيف ينبغي أن نطلب؟ أجاب الرب على هذا السؤال عندما قال: «وتطلبونني فتجدونني إذ تطلبونني بكل قلبكم» (إر13:29). هؤلاء هم الذين يجدون الله: الذين يطلبونه من كل قلوبهم. الذي يطلبه ليس بقلبه كله لن يجده.
قصَّة:
أتى شاب إلى أحد الشيوخ القدِّيسين وطلب منه أنْ يُعلِّمه كيف يُصلِّي, فأمسك الشيخ برأس الشاب وغمرها في الماء بقوَّة. صارع الشاب وأراد أن يُحرِّر نفسه من هذه القبضة, وأخيرًا تركه القدِّيس. سأل الشابُّ الشَّيخَ لماذا فعلتَ هذا؟ أجاب رجل الله: “أنا فقط أعطيتُك الدَّرس الأول, عليك أن تجاهد وأن تغصب نفسك في الصَّلاة, وعليك بعد ذلك أن تشتاق أن تصلِّي بنفس القدر الذي كنت تريد به أن تتنفَّس وأنت في الماء, وعندئذ ستكون قادرًا على الصلاة باشتياق”.
قال السيِّد الرب: «وتطلبونني فتجدونني إذ تطلبونني بكل قلبكم». اِجعل ملكوت الله هو أولوَّيتك الأولى والأساسيَّة.
يقول الرب يسوع: «اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيِّق» (لو13: 24). الفعل اليوناني المُستخدم لكلمة “اجتهدوا” يأتي من الاسم اليوناني agon، وهو الجذر الذي يُشتَق منه كلمة agony بمعنى: “اشتياق أو عذاب”. “اجتهدوا” تعنى أن: ”تشتاق أن تدخل من الباب الضيِّق, وهو ما أطلق عليه آباء الكنيسة “النُّسك أو الجهاد ascesis” الذي يحدث في طلبنا لله ونجعله في المرتبة الأولى. ممَّا لاشكَّ فيه, فإنَّ عمليَّة الجهاد هذه قويَّة ومُجهِدة. في الواقع قال السيد المسيح: «ملكوت السموات يُغصَب والغاصبون يختطفونه» (مت 12:11).
لا يأتي ملكوت السموات إلى هؤلاء الكسالى الذين يأكلون البسكويت والشِّبسي أثناء فرجتهم على مباراة في كرة القدم, ولكن يجب أن يكون طلبنا لله أمرًا ذا قرارٍ وتصميم وقَطع, فهو يتضمَّن الالتزام بالسلوكيَّات والمثابرة والجهاد والنُّسك, كما يقول الرب: «وتطلبونني فتجدونني إذ تطلبونني بكل قلبكم».
قال وليم جيمس William James, مُبدِع علم النفس الأمريكي:
”إذا تمنَّيتَ أن تكون غنيًّا سوف تصبح غنيًّا, إذا أردتَ أن تكون صالحًا ستكون صالحًا, إذا أردتَ أن تكون متعلِّمًا ستكون متعلِّمًا. عليك أن تتمنَّى شيئًا محدَّدًا وليس مئات الأشياء غير المتوافقة معًا“.
لا تُبدِّد طاقاتك, ضع هدفًا رئيسيًّا لحياتك وجاهد من أجله! حدِّد الأولويَّات. حدِّد الأولويَّات. حدد الأولويَّات. حدِّد أفضل الأشياء التي تتمنَّاها فوق أي شيء آخر وتمسَّك بها. لا يستطيع الشَّخص الفاتر الهمَّة أن يصنع القرار الكبير الوحيد الذي يُوجِّه حياته كلها ويحدِّد هدفه. سوف تحصل على ما تطلب فقط عندما تطلبه من كل قلبك.
إذا كان على الإنسان أن يُصلِّى صلاة واحدة, فيجب أن تكون في أنْ يطلب من الله أن يعطيه روح التمييز ليكون قادرًا على التمييز بين الأشياء التي تهم والأشياء التي على المدى البعيد لا تهم.
«اطلبوا أوَّلاً ملكوت الله وبِرَّه وهذه كلها تزاد لكم».
أحبب الأولويَّة, ولتكن رقم: “واحد“
سوف تحصل على ما تطلب إذا أحببتَ الشيء الذي تعطيه الأولويَّة الأولى في حياتك وتطلبها.
قال المُرشِد الرُّوحي المسيحي ب. أروب P. Aruppe:
”لا يوجد شيء أكثر واقعيَّة من أن تجد الله, وأن تقع في حبِّه حُبًّا مُطلقًا؛ إلى أبعد الحدود إلى النهاية. فالذي تحبه والذي يشغل خيالك سوف يؤثِّر على كل شيء, سوف يُحدِّد الأمر الذي تستيقظ من النوم لأجله في الصباح, والذي ستنشغل به حتى المساء, والطريقة التي ستقضي بها إجازة نهاية الأسبوع, ونوعيَّة قراءتك, وسلوكك تجاه الذين تعرفهم, وتجاه الذي يحزنك, والذي يُدهشك بالفرح. حِب واستمر في حبِّك وهذا سوف يُحدِّد كل شيء“.
أحبب الشيء الذي تطلبه فوق كل شيء في حياتك, وهذا سوف يحدد لك كل شيء. إذا أردتَ شيئًا بقوَّة وبحبٍّ كافٍ وبرغبة صادقة, سوف تحصل عليه. أليس هذا ما كان يقصده السيٍّد المسيح عندما قال: «طوبى للجياع والعطاش إلى البِر لأنَّهم يُشبَعون» (مت5: 6), فالأمر يتضمَّن الجوع والعطش, وهو يتطلَّب أيضًا التزامًا كاملاً وحبًّا وجهادًا.
حكى شخص حلمًا حلم به, فقال إنَّه تقابل مع السيِّد المسيح وسأله عن أكثر شيء يطلبه منَّا؟ أجابه السيِّد المسيح: “أريد أنَّ شعبي يطلبني, أشتاق إلى أنَّ شعبي يشتاق لي بنفس الدرجة التي أشتاق بها إليه”. الذين يشتاقون إلى الله يجدونه, «اطلبوا أوَّلاً ملكوت الله وبِرَّه وهذه كلُّها تزاد لكم».
رتِّب الأولويَّات. رتِّب الأولويَّات. رتب الأولويَّات.
الذين يطلبون يجدون, ولكن عليهم أنْ يطلبوا بكل قلوبهم وفكرهم ونفسهم وقوَّتهم. كن جائعًا وعطشانًا إلى البِر وسوف تشبع.
لا يجب أن يأتي الله أبداً في المرتبة الثانية
الحياة عبارة عن مجموعة من الأولويَّات التي تأتي في المقدِّمة, ونوعيَّة الحياة تتحدَّد بتلك الأشياء التي تعطيها الأولويَّة. ومع ذلك يحدث في حياة الكثيرين منَّا أنْ يأتي ما يجب أن يكون أولاً في المرتبة الأخيرة, وما يجب أن يكون في المرتبة الأخيرة يأتي أولاً.
قصَّة:
هناك قصَّة عن لص اقتحم ذات ليلة محلاًّ تجاريًّا كبيرًا, ولكنَّه لم يكن لصًّا حقيقيًّا, فهو لم يسرق شيئًا. كانت كل جريمته أنَّه مرَّ بكلِّ الممرَّات وأخذ يبدل بطاقات الأسعار ليضايق صاحب العمل الذي كان مُستاءً منه؛ وفى الصباح التالي وجد المتسوِّقون أن الفول على سبيل المثال يباع بـ 9.99 دولار وشريحة اللحم بـ 38 سنتًا. هذه هي الطريق التي يعبث بها الشيطان في حياتنا, فهو دائمًا يبدل بطاقة السِّعر حتى تصبح الأشياء ذات القيمة الأبديَّة تأتى في المرتبة الثانية أو الثالثة, والأشياء التي توجد اليوم هنا وتمضى غدًا تأتى للأسف على قمَّة الأولويَّات في حياتنا.
السيِّد المسيح يتحدَّث عن الأولويَّات
تحدَّث السيِّد المسيح عن الأولويَّة العظمى في الحياة عندما قال: «اطلبوا أوَّلاً ملكوت الله وبِرَّه وهذه كلُّها تزاد لكم», وقدَّم لنا العديد من الأمثلة عن تنفيذ ذلك في الحياة اليوميَّة. ذلك الإنسان الذي دعاه السيِّد المسيح ليصبح تلميذًا له, ولكنَّه اعتذر وقال: «يا سيِّد, ائذن لي أنْ أمضي أوَّلاً وأدفن أبي» (لو9: 59), وفى كلمات أخرى كأنَّه يقول: “إنَّ أبي رجل كبير السِّن, ويجب عليَّ أن أعتني به, وعندما يموت فسيأتي الاهتمام بما تطلبه منِّي, وعندئذٍ سآتي وأتبعك”, أمَّا السيِّد المسيح فلا يريد ذلك أبدًا, وهو لن يقبل أن يكون بعد أي شخص أو أي شيء, وقال له: «دَع الموتى يدفنون موتاهم, وأما أنتَ فاذهب ونادِ بملكوت الله».
وما قاله السيِّد المسيح لهذا الإنسان يقوله لنا نحن أيضًا كل يوم: “لن أقبل أن أكون ثانيًا على قائمة أولويَّاتك, إمَّا أن أكون أولاً أو لا أكون على الإطلاق, وأنا كإله لن أقبل المكانة الثانية أو الثالثة, وبصفتي رب هذا الكون, لا أقبل أنْ أكون بعد أي شخص أو أي شيء”.
وقال تلميذ آخر للسيِّد المسيح ذات يوم: «أتبعك يا سيِّد, ولكن ائذَن لي أوَّلاً أنْ أُودِّع الذين في بيتي» (لو9: 61). بالنِّسبة لهذا الشخص, فإنَّ عائلته تأتى في المرتبة الأولى والسيِّد المسيح يأتي بعد عائلته, فأجابه السيِّد المسيح بحزم: «ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله». يجب أن يكون لله الأولويَّة الأولى. يسألنا السيِّد المسيح كما سأل بطرس: «أتحبُّني أكثر من هؤلاء» (يو21: 15).
لا يريد السيِّد المسيح تلاميذ يكون هو بالنِّسبة لهم شيئًا صغيرًا وأمرًا عاديًا ثانويًّا كما ورد في المَثَل الذي ذكره في (لو14: 6- 34), فإنَّ المدعوِّين إلى العشاء العظيم وضعوا الحقل والبقر والزوجة أولاً؛ وكذلك في مَثَل الغَني الغبي, وضع الغَنيُّ المحاصيل أولاً ونفسه في المرتبة الثانية أو الثالثة, ولكن الله قال له: «يا غبي! هذه الليلة تُؤخَذ نفسك منك» (لو 16:12 – 21).
نرى في هذه الأمثلة كيف أنَّ الأعذار تُؤثِّر على أولويَّاتنا, والله إله غيور لن يقبل آلهة أخرى أمامه.
«اطلبوا أوَّلاً ملكوت الله وبِرَّه وهذه كلها تزاد لكم».
لا يضع الحب الحقيقي شيئًا فائقًا في الحب في المرتبة الثانية أو قبل الأخيرة. عندما بدأ أبونا إبراهيم في تقديم ابنه إسحق محرقة لله, أثبت أنَّ الله هو الأول وإسحق هو الثاني. لم يتردَّد أبونا إبراهيم في التضحية بإسحق وتقديمه لله, فالحياة مسألة أولويَّات. وإذا كان لدينا مشكلة, فمن المحتمل أن تكون أولويَّاتنا ليست في ترتيبها السليم. عندما يصبح السيِّد المسيح الألف والياء, البداية والنهاية, الأوَّل والأخير بالنِّسبة لنا, وكلُّ شيء يكون بينهما, فإنَّ كل شيء آخر سيكون في مكانه السليم, تمامًا كما تضع الزرار الأوَّل في مكانه الأول في المعطف, ولكن عندما تضع الزرار الثاني أو الثالث في الفتحة الأولى, فلن يستقيم شيء.
عبَّر الشاعر الروسى بوشكن Pushkinعن هذا جيِّدًا عندما قال:
”يجب علينا أن نعطي الله المكانة الأولى في حياتنا, وإذا أعطيناه المرتبة الثانية, فهذا يعنى أنَّنا لا نعطيه أي مكان على الإطلاق“.
الأشياء الأولى يجب أن تأتى أوَّلاً, عليك أنْ تُرتِّب الأولويَّات. تُرتِّب الأولويَّات. تُرتِّب الأولويَّات.
الأولويَّات تُحدِّد حياتنا
الأولويَّات ليست مجرد اختيارات هامشيَّة في حياتنا, إنَّها تُحدِّد حياتنا. أنت تصبح مثلما تعطيه الأولويَّة في الحياة. عِش من أجل اللذة, فستصبح أنانيًا وفارغًا وشاعرًا بالملل. عِش من أجل الشُّهرة, فسوف تصبح متغطرسًا ومتمركزًا حول ذاتك. عِش من أجل القوَّة, فستصبح مستبِّدًا وظالمًا وطاغية وغير حسَّاس للناس. عِش من أجل الثَّروة, فستصبح طمَّاعًا. عِش من أجل المسيح ومن أجل مشيئة الله في حياتك واطلبه أوَّلاً, فستصبح عطوفًا ومُحبًّا مِثل الرَّاعي الصالح. نحن نصير مثل الإله الذي نعبده, حيث إنَّ الأولويَّة في حياتنا هي التي تصبح إلهنا.
ويعتقد سي. إس. لويسC.S. Lewis أنَّنا عندما نضع الله أوَّلاً في حياتنا, فإنَّ كل شيء آخر في الحياة بما في ذلك محبَّتنا الأرضيَّة تزيد, وكتب يقول:
”عندما أتعلَّم أنْ أُحِبُّ الله أكثر من أي محبة أرضيَّة أخرى, فإنَّني عندئذٍ سأُحبُّ الأمور الأرضيَّة أكثر مما أفعل الآن. وعندما أتعلَّم أنْ أُحب الأمور الأرضيَّة على حساب محبَّتي لله وبدلاً من الله, سأتحوَّل إلى الحالة التي فيها لن أُحب أموري الأرضيَّة على الإطلاق. عندما توضع الأمور الأولى في مكانتها الأولى, فإنَّ الأمور الثانوية لا تنقص بل تزيد“.
نحن مخلوقون من أجل الله, وطالما نحن نضع علاقتنا مع الله كأولويَّة أولى, فسوف نجد السَّعادة التي ننشدها, وسيختفي الألم, وسيختفي الفراغ. إنَّها مسألة أولويَّات الأشياء, الأولى تأتي أوَّلاً. رتب الأولويَّات. رتب الأولويَّات. رتِّب الأولويَّات.
الطيران بالمقلوب
قصَّة:
يُحكَى أنَّ أحد الطيَّارين كان يتدرَّب على الغارات بسرعة عالية بطائرة حربيَّة, وأدار جهاز تحكُّم الطائرة اعتقادًا منه أنَّه صعودٌ مفاجئ, ولكنَّه هبط ناحية الأرض, إذ لم يكن مدركًا أنه يطير بالمقلوب.
أليس هذا مثالاً لحياتنا اليوم؟ يعيش معظمنا بسرعة مُدمِّرَة لدرجة أنَّنا لا نلاحظ أننا نطير بالمقلوب.
أنْ نتجاهل كلمة الله ونعطى الأولوَّية لآرائنا بدلاً من ذلك, فهذا يشبه كثيرًا الطيران بالمقلوب, فندمِّر صحَّتنا وعائلتنا وكرامتنا ونسير في الحياة ولا نعلم أيَّ طريقٍ يؤدِّي إلى فوق, ولا أي طريق يؤدِّي إلى أسفل؛ وفى نهاية الأمر كما تخبرنا كلمة الله أنَّه سينتهي بنا الأمر أنْ نصير مُحطَّمين في مكان اسمه الجحيم؛ وعندما نعطي الله الأولويَّة الأولى في حياتنا, فإنَّنا سنمضي في طريق حياتنا ونحن نطير في شكل سليم إلى أعلى.
الأولويَّات تُصبح القِيَم التي نؤمن بها
تُعطي أولويَّاتنا صورة واضحة عن قِيَمنا. ما نضعه في المكانة الأولى في حياتنا يكون هو قِيَمنا الحقيقيَّة. يمكننا أن نستخدم فكرة الهَرَم لشرح كيف تُشكِّل قِيَمَنا ترتيبًا هرميًّا. نحن نضع الأشياء في أسفل, والأشخاص فوق الأشياء, والله على القِمَّة. يجب أنْ يكون الترتيب: الأشياء, الإنسان, والله يكون على قِمَّة الهرم. عندما نضع الله وملكوته في المرتبة الأولى في الترتيب الهرمي لأولوَّياتنا, فإنَّ كل الأولويَّات الأخرى في الحياة سوف تأتي في مكانها السليم من حيث الأهميَّة.
مِثْل المِكبح (فرامل) في عجلة
عبَّر C.S. Lowis عن هذا بقوله:
”إذا كانت علاقتك سليمة مع الله, فأنت بلا شك على علاقة طيِّبة مع كل المخلوقات. تمامًا مِثْل وضع مِكبح العجلة مُثبَّتًا جيِّدًا في مركز العجلة وفي حافَّتها, عندئذٍ سترتبط الأجزاء جميعًا معًا في مكانها السليم الواحدة مقابل الأخرى“.
يُعَرِّف الأب باباي Babai، واحد من الآباء السريان في القرن السابع أولويَّات المسيحي بشرح أبعادها السلبيَّة فيقول:
”اِفصل نفسك (أو ذاتك) من أيِّ شيء لن يصاحبك وأنتَ خارج مِن هذا العالم. «اِعمل لا من أجل الطعام البائد بل من أجل الطعام الباقي للحياة الأبدية» (يو6: 27), كما يقول السيِّد المسيح أيضًا: «اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرَّه… », وأيضًا: «لأنَّه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلَّه وخسر نفسه؟» (مت16: 26)“
قال شيستيرتون G.K.Chesterton ذات مرة, عن مقابلته لإحداهن لاختيارها مديرة منـزل, إنَّ السؤال الصعب ليس: “هل تعرفين أن تطبخي؟” ولا: “هل أنتِ مديرة منـزل جيِّدة؟ ولكن السؤال التالي هو الصَّعب: “ما رأيكِ في الكون؟” وبكلمات أخرى: “ما رأيك في الله؟”, “ما أو مَن على قمَّة قائمة الأولويَّات في الحياة؟”, “ما أو مَن يأتي أوَّلاً في حياتِكِ؟” هذه هي الأسئلة الهامَّة التي تكشف الشخصيَّة والقِيَم, وهذه الأسئلة سوف تُعرِّفك ما إذا كانت هذه السيِّدة ربَّة منـزل جيِّدة أو ربَّة منـزل أمينة أو أي شيء آخر.
مركز تتكامل حوله حياتك
ذات يوم, عاد من الحرب جندي صغير في القوَّات الجويَّة الأمريكيَّة, فوجد أنَّه من المستحيل أن يستقرَّ, إذ كان يشعر بعدم الارتياح في المنـزل, وعدم الرضا في العمل, ويشعر بالإحباط لأنَّه غير قادر على أن يجد نفسه, فذهب إلى أحد الأطباء النفسيِّين. وبعد عدد من الجلسات تمكَّن الطبيب النفسي من تشخيص المشكلة. قال له الطبيب: “أنت تحتاج إلى مركز تتكامل حوله حياتك”.
عبَّر عن هذه الفكرة أحد علماء النفس بقوله: “السعادة هي التحرُّك بكل قلبك في اتِّجاه رئيسي واحد”, وهذا بالفعل ما كان السيِّد المسيح يُعلِّمه عندما طلب منَّا أن نجعل ملكوت الله وبرَّه المركز الذي تتكامل حوله حياتنا, وبالتالي نتحرِّك بكل قلوبنا في اتِّجاه رئيسي واحد. تمامًا مثل نهر المسيسبي العظيم, فهو يجمع مياه ألف نهر صغير ويحملها إلى قلب القارَّة إلى خليج المكسيك. الحياة العظيمة، النفس العظيمة هي التي تجمع الطاقات وتُوجِّهها إلى غرض مركزي, وهذه بالضَّبط هي الدعوة الموجَّهة إلينا في كل صلاة ليتورجيَّة, ليس مرَّة واحدة بل مرَّات عديدة أن تتكامل حياتنا كلها حول المسيح إلهنا: “هيَّا بنا نُسلِّم أنفسنا وكل حياتنا والآخَرين, للمسيح إلهنا”. حياتنا كلها تصير للمسيح إلهنا, فهذه هي الأولويَّة الأولى. هذه هي الدعوة للتكامل: «اطلبوا أوَّلاً ملكوت الله وبِرَّه», الأشياء الأولى أولاً. اعمل الأولويَّات. اعمل الأولويَّات. اعمل الأولويَّات.
أُعجَبُ بمقولة فورسيث P.T. Forsythe:
”إذا لم يكن داخلنا شيء فائق، فنحن سنخضع ونستسلم لِما يحيط بنا“.
حارس المنار
قصَّة:
هناك قصَّة عن حارس لمنارة كانت توجد على أحد السواحل ذات الطبيعة الصَّعبة. وكان زيت الإضاءة يُعطَى كل شهر مرَّة واحدة, وكانت المهمَّة هي المحافظة على المنارة مضيئة طوال الليل. ذات يوم، طلبت منه أمٌّ بعضًا من الزيت لتستخدمه في تدفئة أولادها، فوافق وأعطاها. وفي يوم آخر طلب منه أحد الفلاحين كمية من الزيت ليستخدمها في إشعال مصباح للقراءة ليلاً, فوافق ثانية وأعطاه. وهكذا أخذ حارس المنارة يوافق على كل طلب, وأخذ يُوزِّع على الناس الزيت ليرضي الجميع, وقبل نهاية الشَّهر كان الزيت قد فرغ. وحدث في ليلة عندما كان لا يوجد أي ضوء يلمع في المنارة أن اصطدمت ثلاث سفن بالحجارة, ومات أكثر من 100 شخص. عندما أجرت الجهات المسئولة تحقيقًا مع الحارس، اعترف بما فعل ولماذا. لكن الضابط قال له: “لقد أُعطيتَ مُهمَّة واحدة وهى أن تجعل الضوء مشتعلاً, وكلُّ شيءٍ آخر كان أمرًا ثانويًّا, فليس هناك ما تدافع به عن نفسك”.
الأولويَّة الأولى في حياة المسيحي هي أن يجعل النور مضاءً من أجل السيِّد المسيح. أن يطلب أولاً ملكوت الله وبرَّه. إذا لم يحدث هذا الأمر هكذا، فلن يوجد لدينا ما نُدافع به عندما نظهر أمام كرسي الله من أجل الدينونة.
قال أحدهم:
”إنَّ الأمر يشبه ملكاً أرسلك إلى مقاطعة لتنفيذ مهمَّة معيَّنة واحدة محدَّدة وخاصَّة, فذهبتَ أنتَ إلى المقاطعة وأنجزت مائة مهمَّة أخرى, ولكن إذا لم تُنَفِّذ هذه المهمَّة المحدَّدة التي أُرسلتَ من أجلها, فأنت لم تُحقِّق شيئًا. لهذا جاء الإنسان إلى العالم من أجل مهمَّة محدَّدة, وهذا هو هدفه وإذا لم يُحقِّقه، فإنَّه لم يُنجز شيئًا. وهذه المهمَّة الواحدة التي أَرسلنا الله من أجلها إلى العالم, هي أن نعرف ونحب ونخدم الله على الأرض حتى نسعد معه في السماء“.
«اطلبوا أوَّلاً ملكوت الله وبِرَّه وهذه كلها تزاد لكم». اعمل الأولويَّات. اعمل الأولويَّات. اعمل الأولويات.
عمل الأشياء المهمَّة أولاً
إذا عملنا الأشياء المهمَّة أولاً، سيكون لدينا الوقت الكافي لإنجاز المهام الأقل أهميَّة أيضًا. دعوني أشرح هذا الأمر. قام شخص بملء إناء زجاجي كاملاً بالحجارة, وسأل المشاركون عمَّا إذا كان ممكنًا وضع أي شيء آخر في الإناء فكانت إجاباتهم: “لا”. ثم قام الشَّخص بأخذ إناء مملوء بالرمل وصبَّه داخل الإناء الذي به الحجارة, فاخترقت الرمال الفراغات الموجودة بين الحجارة داخل الإناء وملأتها. ثم طرح عليهم نفس السؤال: هل هناك فرصة لوضع أي شيء آخر في الإناء الممتلئ؟ وكانت إجاباتهم ثابتة: “لا”, عندئذ قام بصب ماء داخل الإناء الذي يبدو ممتلئًا. ثمَّ قام هذا الشَّخص بشرح معنى هذه التجربة فقال: الصخور الكبيرة تُمثِّل الأشياء المهمَّة التي يتعيَّن علينا عملها في حياتنا, بينما الماء والرمل يُمثِّلان الأشياء الأقل أهميَّة. إذا وُضِع الماء والرمل أولاً في الإناء الزجاجي, فلن يوجد هناك مكان لوضع الحجارة؛ ولكن لما وُضعت الحجارة الكبيرة أولاً، كانت هناك مساحة كافية للمهام الأصغر والأقل أهميَّة.
كم مرَّة حاولنا إنجاز المهام الصغيرة أولاً حتى يمكننا أن نتفرَّغ لإنجاز المهام الأكبر “الأعظم”, فيحدث أن نتوقَّف عن إتمامها أو أن ينفد منَّا الوقت. إذا لم نكن ملتزمين بأن نطلب أولاً الله وملكوته، فسوف نلتزم بإنجاز المهام الأقل أهميَّة في حياتنا, وسوف نهدر أهم الموارد التي نمتلكها: والتي هي حياتنا, والتي كما ذكرنا سابقًا هي مورد لا يمكن تجديده. إذا أهملتَ عن وعي الالتـزام بالأمور الهامَّة, فسيكون اهتمامك بالأمور غير الهامة. ليس هناك وقت كافٍ لإنجاز كل شيء, ولكن هناك دائمًا الوقت الكافي لإنجاز الأمور الهامَّة.
كلَّما يتقدَّم بنا العمر ويصبح الوقت مقصَّرًا تظهر الحاجة إلى عمل أولويَّات, وندرك أنه لا يجب علينا أن نترك الأشياء نصف منجزة في حالة عدم إنجازها كليَّةً . علينا أن نختار جيِّدًا ونُرتِّب أولويَّاتنا حول ما سوف نفعل, لأنَّه لا يوجد الوقت الكافي لإنجاز كل الأمور, وهكذا علينا أن ننجز فقط الأمور التي تهم.
صاغ الكاتب الرُّوسي تيرجينف Turgenev هذا الأمر فقال:
”يبدو لي أنَّ اكتشاف ما نجعله في المرتبة الأولى في حياتنا هو مشكلة هذه الحياة“.
سر الحياة الحقيقية هو أن تجد هدفًا تحيا لأجله, وتبنى حياتك كلها حوله, وتعطى نفسك له بكلِّ قوَّتك. وهذا الهدف كما قال السيد المسيح: «اطلبوا أوَّلاً ملكوت الله وبِرَّه وهذه كلها تزاد لكم». اعمل الأشياء المهمَّة أولاً طالبًا ملكوت الله وبره, وباقي هذه الأمور ستأتي تباعًا. الأولويَّات ذات الأهميَّة تأتى قبل الأولويَّات الثانويَّة. الأولويَّات هي بالدرجة الأولى من الأهميَّة, وهى ترسم صورة للإنسان تُعبِّر عنه. هي تقول شيئًا عن الحياة, كما تعمل شيئًا من أجل الحياة.
حافظ على أولوياتَّك مستقيمة
السيِّد المسيح على سبيل المثال حافظ على أولوَّياته واضحة ومستقيمة, فقد قال: «ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني ما دام نهار, يأتي ليلٌ حين لا يستطيع أحدٌ أن يعمل» (يو9: 4). مهمَّتنا الأساسيَّة كلَّما تقدَّم بنا العمر هي أن نحافظ على أولويَّاتنا واضحة ومستقيمة. أولويَّتنا الأولى الأساسيَّة هي الله وبره ومشيئته وملكوته، ثم كل شخص آخر وكل شيء آخر يأخذ المرتبة الثانية أو الثالثة بعد الله؛ فهو الألف والياء، البداية والنهاية وكل شيءٍ بينهما. الأولويَّات مُهمَّة في حياتنا, فهي الفيصل بين النجاح والفشل, بين الحياة والموت, بين السماء والجحيم.
قال أحدهم قولاً حسنًا:
”بدون وجود أهداف لك في الحياة لا تستطيع أن تعرف ماذا تفعل. بدون أولويَّات لا تعلم ماذا تفعل أولاً. بدون وجود موعد لإنجاز المهام لا تعرف متى تفعل أي شيء. بدون تقييم ما فعلت لا تعرف ما جَودة ما فعلته. هدفنا الرئيسي الوحيد هو الاتِّحاد بالله“.
هذه هي أولويَّاتنا, ولدينا موعد نهائي لإنجازها, وسوف يكون هناك تقييم أمام الله. في نفس الوقت، تُقَيِّمنا ضمائرنا طوال الوقت، وكذلك رفقاؤنا المسيحيون, والكتاب المقدس، وآباؤنا وأمَّهاتنا الروحيُّون. أولويَّتنا هي أن نطلب أولاً ملكوت الله عن طريق عمل مشيئته وحبه من كل القلب. الموعد النهائي لإنجاز هذا هو الآن لأنَّنا لا نملك الغد.
قال الأب ديمتري ستانيلو Fr. Dumitru Stanilo:
”الوقت بالنسبة لله يعنى الزمن الفاصل بين قرعه على بابنا واللحظة التي نفتح له الباب“ (انظر رؤ 20:3).
هل سنستجيب لقرعه على الباب أم سنخيِّب آماله وتوقُّعاته. قال السيد المسيح: «يا أورشليم, يا أورشليم!… كم مرَّة أردتُ أنْ أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها, ولم تريدوا!» (لو13: 34). لا أستطيع أن أُفكِّر في كلمات أكثر حزنًا من «لم تريدوا», والسَّبب وراء هذه الكلمات الحزينة هو أنَّنا نضع الأشياء التي من الدرجة الثانية في المرتبة الأولى. ومثل هذا الفشل في إعطاء الله الأولويَّة الأولى سوف يؤدِّي في النهاية إلى البُعد عن ملكوت الله.
تجاهل المجوهرات على سفينة تايتنك Titanic
يستخدم الله في بعض الأحيان بعض الظروف الصَّعبة لمساعدتنا في إعادة ترتيب أولويَّات حياتنا. حدث في مساء الرابع عشر من إبريل 1912م, أنَّ أكبر سفينة وتدعى تايتَنك اصطدمت بجبل جليدي في مياه المحيط الأطلنطي, وبعد أربع ساعات غرقت في قاع المحيط. احتُفِظ بمكان على أحد قوارب النجاة لسيِّدة معيَّنة أخذت في الخطو نحو القارب, ولكنها تساءلت ما إذا كان من الممكن أن تُسرِع إلى مكتبة السفينة لتُحضر شيئًا ما؟ سُمِحَ للمرأة بخمس دقائق فقط, هَرْوَلَت فيها السيِّدة عبر ممرَّات الباخرة. وعندما عَبَرَت الصَّالة، لَمَحَت بعض المجوهرات الثَّمينة ملقاة على الأرض, وكان يبدو أن أحد المسافرين فيما هو يجري للنجاة, وبعد أن أخذ كل شيء من خزانته سقطت منه تلك المجوهرات على الأرض. يا لها من فرصة ثمينة! كانت الثَّروة على بعد مسافة صغيرة جدًّا من أصابع السيِّدة. ومع ذلك، تجاهلت السيدة المجوهرات وأسرعت إلى المكتبة وسحبت نسخة من الكتاب المقدس وعادت مُسرعة إلى مركب النجاة الذي ينتظرها. كان من المُحتَمَل صباح هذا اليوم, عندما كان كل شيء على الباخرة جيِّدًا, ألاَّ تُعطي المرأة القيمة الأولى للكتاب المقدَّس عن الجواهر, ولكن في مواجهة الموت، فإن الأشياء الثَّمينة الغالية تبدو بلا قيمة, والأشياء التي كانت تبدو بلا قيمة تصبح قَيِّمَة.
تذكَّر ما قاله الأب باباي:
[اِفصل نفسك (أو ذاتك) من أيِّ شيء لن يصاحبك وأنتَ خارجًا مِن هذا العالم].
للأسف، فإن الأمر يكون كارثة عندما نُغيِّر أولويَّاتنا إلى طلبات أرضيَّة زائلة. «اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره, وهذه كلها تُزاد لكم».
اطلب أولاً
اطلبوا أولاً ملكوت الله. لماذا ينبغي علينا أن نضع الله في المرتبة الأولى في حياتنا؟ لأنَّ الله يضعنا في المرتبة الأولى لديه: «لأنَّه هكذا أحب الله العالم… » (يو16:3), حتى أنَّه وَضَعَنا في المرتبة الأولى. كل شيء عمله السيِّد المسيح عمله لأجلنا, فلم يحيا حياته لأجل نفسه ولكن لأجلنا. المسيح تجسَّد لأجلنا ولأجل خلاصنا, سفك دمه على الصليب لأجلنا من أجل غفران خطايانا, مات على الصليب لأجلنا, وقام من الموت لأجلنا ليبيد موتنا, وصعد إلى السماء لأجلنا ليشفع فينا, وسوف يأتي في آخر الزمان ليأخذنا إليه إلى الموضع حيث لم ترَ عين ما أعدَّه الله للذين يحبُّونه. هذه هي الأسباب التي تجعلنا نضع الله في المكانة الأولى في حياتنا. ليس فقط لأنه هو الله إلهنا, ولكنَّ لأنه في محبَّته لنا يضعنا دائماً أولاً. الله يستحق نفس المكانة في قلوبنا رقم: “واحد”, الألف والياء, البداية والنهاية, ليكون المسيح كما يقول بولس الرسول: «الكل في الكل» (كو3:10-11).
يقول ويلز H.G Wells :
”إذا لم يوجد الله، فلن يكون شيء مهم. أمَّا إذا وُجد الله، فلا شيء آخر يهم“.
في كل وصايا الله لنا, ما هي الوصيَّة التي تأتى أولاً والأكثر أهميَّة؟ يقول الرب يسوع إنَّ أهم وصيَّة هي:
«اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد. وتحبُّ الرب إلهك مِن كلِّ قلبك، ومِن كلِّ نفسك، ومِن كلِّ فكرك, ومِن كلِّ قدرتك. هذه هي الوصيَّة الأولى. وثانية مثلها هي: تحبُّ قريبك كنفسك. ليست وصيَّة أخرى أعظم من هاتين»
(مر12: 28-31).
أحبِب الرب فوق كل شيء,
أَوْ لا تحبه على الإطلاق
يقول القدِّيس أغسطينوس St. Augustine:
[الذي لا يحب المسيح فوق الكل. لا يحب المسيح على الإطلاق].
كما يضيف أيضًا قوله:
[لا يُقيَّم السيِّد المسيح على الإطلاق, إلاَّ إذا قيَّمناه فوق الكل].
قال القدِّيس كبريانوس St. Cyprian of Carthage أسقف كارطاجنَّة:
[اِجعل المسيح أولاً لأنَّه يضعك في المرتبة الأولى لديه, ولا تدع شيئاً يفصلك عن محبَّته].
يضيف جون رسكن John Ruskn على ذلك فيقول:
”توجد العديد من الأمور التي قد يتغاضى عنها الله في قلوبنا, ولكن يوجد شيء واحد لا يقبله الله على الإطلاق وهو أن نعطيه المكانة الثانية. الإنسان الذي يعطي السيِّد المكانة الثانية, فهو لا يعطيه أي مكان على الإطلاق“.
قال أحد الأشخاص:
”يحب أن يكون الله هو الرَّئيس وليس مواطنًا عاديًا“.
ذات مرة قال هنري دريموند Henry Drummond لمجموعة من الشباب الجامعي:
”أيُّها السَّادة، أطلب منكم أن تطلبوا أولاً ملكوت الله, أو لا تطلبوه على الإطلاق. أوعدكم بأوقات تعيسة إذا أعطيتم الله المرتبة الثانية في حياتكم, فالله لن يكون مُهمًّا بالنسبة لك إلاَّ إذا أعطيته المكانة الأولى“.
يقول القدِّيس أغسطينوس:
[نفوسنا خُلِقَت له, وستظل مُتْعَبَة إلى أن تجد راحتها فيه].
بعض الأولويَّات في حياة المسيحي الحقيقي
وفيما نحن نطلب ملكوت الله أولاً وبره، يخبرنا السيِّد المسيح أنَّه توجد بعض الأمور الأخرى التي يجب أن تأخذ المكانة الأولى في حياتنا, وإليكَ الأمور الثلاثة الأولى التي نجدها في إنجيل القديس متى:
الأولويَّة الأولى:
«فإن قدَّمتَ قربانك إلى المذبح، وهناك تذكَّرت أنَّ لأخيك شيئًا عليك، فاترك هناك قربانك قدَّام المذبح واذهب أولاً اصطلح مع أخيك, وحينئذ تعال وقدِّم قربانك» (مت5: 23-24).
الأولوية الثانية:
«ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك, وأمَّا الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها؟ أَم كيف تقول لأخيك: دعني أخرج القذى من عينك، وها الخشبة في عينك. يا مرائي، أَخرج أولاً الخشبة من عينك, وحينئذ تُبصِر جيِّدًا أن تُخرج القذى من عين أخيك» (مت7: 3-5).
الأولوية الثالثة :
«الويل لكم أيها الكتبة والفريسيُّون المراؤون! لأنَّكم تنقُّون خارج الكأس والصحفة, وهما مِن داخل مملوآن اختطافًا ودعارة. أيُّها الفرِّيسي الأعمى! نقِّ أولاً داخل الكأس والصحفة, لكي يكون خارجهما أيضًا نقيًّا» (مت23: 25-26).
ولكن أولاً
توجد كلمتان تكثران كثيرًا في هذه الأيَّام في الإعلانات التجارية في الراديو والتلفاز وهما: “لكن أولاً… لكن أولاً سجائر مارلبورو, ولكن أولاً الكوكاكولا الدايت، ولكن أولاً لا يفوتك التخفيض الهائل على الأحذية في نوردستروم؛ لكن هذه ليست أولويَّات السيِّد المسيح, فأولويَّاته هي أولاً ملكوت الله وبره… ولكن اذهب أولاً اصطلح مع أخيك… أخرج أولاً الخشبة من عينك… نظِّف أولاً داخل الكأس والصحفة.
لكن أولاً… عليك أنْ تختار هدفًا كبيرًا وأنْ تتمسَّك به, وهذا الهدف الكبير هو ملكوت الله. السيِّد المسيح هو بِكر كلِّ خليقة (أي رأسها), وهو قبل كل الدهور, إنَّه رب الأرباب وإله الآلهة وملك الملوك, ويوم الرب هو الأول بين أيام الأسبوع. الإنجيل هو الأوَّل بين الكتب, وفي الواقع, فهو وحده الذي يُعرَّف أنَّه: “الكتاب”. والكنيسة هي الأولى بين المؤسَّسات, هي جسد المسيح التي أحبَّها وأسلم نفسه لأجلها. الأوَّل بين الأوراق الماليَّة هو العشور, وما نقدِّمه لله وللفقراء. الأولى بين كل الدَّعوات التي جاءتنا هي دعوة الله: «تعالَ اتبعني».
في البدء… الله
كل البدايات يجب أن تبدأ بالله. نقرأ في بداية سفر التكوين (1:1): «في البدء خلق الله»، الله يجب أن يكون أولاً, أوَّل فكرة في الصباح؛ الهدف الأوَّل لكلِّ نشاط أثناء اليوم يجب أن يكون من أجله. كتب الراحل هنرى نوين Henry Nouwen يقول:
”يقول القدِّيس أغسطينوس إنَّ: “الله هو الحقيقة الوحيدة”, ونحن نكون حقيقيِّين عندما نكون فيه وهو فينا. لأجل هذا، فإنَّ أيقونة السيِّد المسيح التي على الكتاب المقدس الخاص بي تؤثِّر فيَّ جدًّا. عندما أُوضِّح اتِّجاهي، عندما أحاول أن أعيش لله, يكون لحياتي معنى وبؤرة أُركِّز عليها, وعندئذ تأتي كل الأنشطة والمشكلات والاهتمامات في مكانها السليم“.
«اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرَّه» تعني أنَّ الأشياء الأولى تأتى أولاً. كم ستكون الحياة بسيطة عندما لا نكون منقسمين؛ عندما يكون لدينا هدف كبير في الحياة: أنْ نسير مع الله، أنْ نرضى الله، أنْ نعمل مشيئته.
توفير مواردنا المحدودة
من أجل هدف الحياة الأكبر
كما أنَّ لدينا قوَّة جسمانيَّة محدودة, كذلك لنا حدود في قوَّتنا الروحيَّة والوجدانيَّة. قال أحد الأشخاص:
”كلَّما سعد الناس وفرحوا خارج الله، كلَّما كان فرحهم بالله ضعيفًا. وكلَّما كانت آمالهم تتعلق بأمور غير الله، كلَّما كانت آمالهم تضعف نحو الله“.
لاعب كرة القدم الذي يبدو متعَبًا أثناء المباراة لأنَّه خاض سباق ماراثون في صباح اليوم, فإنَّ مدرِّبه وزملاءه سوف يوبِّخونه كثيرًا على ذلك, والعامل الذي يأتي إلى العمل متعَبًا لأنَّه قضى الليل كله يشاهد التلفاز لن يجد مبرِّرًا أمام رئيسه في العمل, والمتوقَّع منَّا أن نحافظ على طاقتنا من أجل الأمور الهامَّة في الحياة. الله لا يتوقَّع منَّا أقل من ذلك.
ذات مرَّة كتب أحد الأشخاص المسيحيِّين الأتقياء عن ضرورة المحافظة على قوَّتنا الروحيَّة والوجدانيَّة المحدودة فقال:
”كانت هناك لحظة فارقة في حياتي الروحيَّة حدثت عندما أدركتُ أنه إذا كنت مُصِرًّا أن تُنهَك قُوَّتي من خلال كل حدث رياضي أو سباق سياسي، وكل حركة في البورصة, أو أي أمر عائلي؛ إذا تركت هذه الأمور تخطف قلبي، فلن أحتفل بيوم الرب بشكل حقيقي, ولن أفرح بثمار المعموديَّة, أو بالعشاء الربَّاني, أو بعيد الميلاد, أو بعيد القيامة, أو أي احتفال حقيقي. تعلَّمتُ أن: “أحفظ قلبي” (أم 23:4)، لأن قلبي ليست له قدرة غير محدودة ليبتهج أو ينـزعج. عندما أنشغل بالأمور العابرة فأنا أُنهِك قلبي وقدراته عن الاهتمام بالأشياء المهمَّة بالفعل“.
حافظ على مواردك من أجل الأمور الهامَّة في الحياة.
قال القديس أنبا مقار المصري St. Macarius of Egypt:
[لا يستطيع الإنسان أن يمتلك نفسه ومحبَّة الروح السماوي إلاَّ إذا قطع نفسه من كل أمور هذا العالم وأخضع نفسه لطلب محبَّة المسيح. لابد أن يُحرِّر الإنسان ذهنه من كل الاهتمامات العالميَّة حتى يؤخذ كليَّة بالهدف الواحد الوحيد, الذي هو أنْ يُوجِّه كل هذه الأمور حسب الوصيَّة, حتى تصبح كل اهتماماته وجهاده وانشغاله في الجهاد لاقتناء فضائل الإنجيل والروح السماوي, ويصير شريكًا في برِّ المسيح وتقديسه].
وتظهر كذلك الدعوة لعمل الأولويَّات في الترنيمة التالية التي تُصلَّى في كلِّ قدَّاس (بحسب الطَّقس البيزنطي):
”نحن الذين نمثِّل الشاروبيم سريًّا،
عندما نُصلِّى الثلاث تقديسات للثالوث المحيي،
لنترك عنا كل اهتمام عالمي حتى نَقْبَل ملك الكل,
الذي تُصاحبه الجنود السماوية, وتقول:
هلليلويا. هلليلويا. هلليلويا“.
قال ذات مرة بيتر دروكر Peter F. Drucker شيئًا ينطبق تحديدًا على عمل أولويات مرتبطة بعلاقتنا بالله, فقال:
”ترتبط الكفاية بعمل الأشياء بشكل سليم. الفعاليَّة هي عمل الأشياء السليمة“.
نحن المسيحيِّين مدعوُّون لعمل الأشياء بشكل سليم عن طريق عمل الأشياء السليمة. وهذا يجعلنا نتمتع بالكفاءة والفعاليَّة, لأنَّنا نضع الأشياء أولاً. والشيء الصائب عمله هو: «اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرَّه».
كيف يُعبِّر بناء الأديرة عن هدفنا في الحياة
فيما نحن نطلب ملكوت الله أولاً، ماذا تكون الأشياء التي تصبح ذات أهميَّة في حياتنا؟ هذه الأشياء هي الحياة الليتورجيَّا ودراسة كلمة الله والصلاة الجماعيَّة والصلاة الفرديَّة والمحبَّة والعبادة والتسامح والصَّدقة والتناول من الأسرار المقدَّسة، مساعدة الفقراء، زيارة المرضى والذين ليس لهم أحد يذكرهم وإطعام الجياع. كل هذه الأمور تُشكِّل معنى الجهاد, وتُمثِّل النقطة المركزيَّة التي تدور حولها حياتنا. في كل هذه جميعًا، تصبح الإفخارستيا قلب وحدتنا مع المسيح.
ويُعبِّر البناء المعماري للدير عن هذه الحقيقة وهى إعطاء الله الأولويَّة الأولى في حياتنا, حيث تُبنى الأديرة ومبنى الكنيسة يتوسَّط الدير في المركز في قلب الدير, كما لو كان الدير كله أنشودة نسيج هندسيَّة، ليتورجيَّا مُعبَّرًا عنها بالحجارة, كما تقع قلالي الرهبان حول الكنيسة. تُشكِّل هذه القلالي مع المكتبة والمضيفة وباقي المباني التابعة “بناءً حيًّا”, تتوسَّطه الكنيسة حيث تُقدَّم الصلوات على مدار الأربعة والعشرين ساعة. نحن بلا شك لا نعيش في أديرة؛ ومع ذلك، أَلاَ نستطيع أن نجعل مَثَل الأديرة: الكنيسة والإفخارستيا والصلاة وقراءة كلمة الله ووصيَّة المحبَّة قلب حياتنا ومركزها؟ بالطبع نستطيع عندما نُرتب أولويَّاتنا بالشكل السليم, بأن نطلب: «أولاً ملكوت الله وبرَّه».
كيف عبَّرت الأيقونة في روسيا
عن أنَّ الله يجب أن يكون أولويَّة حياتنا
حديثًا قرأتُ ما كتبه الإنجليزي ستيفين جراهام Stephen Graham عن روسيا قبل الفترة السوفيتيَّة, فقد ذهب إليها في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين, وتجوَّل فيها كثيرًا، وتحدَّث اللغة الروسيَّة, وتزوَّج فتاة أرثوذكسيَّة, والمقطع التالي هو جزء من كتابه بعنوان: “روسيا غير المكتشفة” والذي نُشر في إنجلترا عام 1912م, وهو يشرح فيه كيف كان المسيحيُّون الأرثوذكس الرُّوس يضعون المرتبة الأولى لحضور الله في حياتهم في ذلك الوقت, فكتب يقول:
”كان لكلِّ منـزل في روسيا في ذلك الوقت أيقوناته الخاصَّة, والتي تُبرهِن على أنَّ ساكنيه هم لله… فقد كانت الأيقونة تجعل الله هو المالك لهم, وقد كانت الأيقونة هي تمامًا مثل العلامة التجاريَّة لأي شيء. كانت توجد أيقونة في كل حجرة في روسيا, بل وكانت توجد أيضًا في كل قاعة انتظار في محطات السكك الحديديَّة، وفي القاعات العامة وفي كل زنزانة في سجن. كانت الأيقونة توضع فيما يُعرَف بـ”رُكن الغرفة”, وهو الرُّكن الواقع تجاه شروق الشَّمس, وكان لا يليق لأي شخص أن يجلس ويعطي الأيقونة ظهره, فقد كان الفلاحون يُرتِّبون المناضد بحيث يكون مِن المتعذِّر أنْ يجلس شخصٌ ما ويعطى ظهره للأيقونة. لو أُتيحت لك الفرصة وقضيت الليلة في منـزل روسي، سوف تنام على السرير وتجد الأيقونة أمامها مصباح مُضيء, وهى تُطلُّ عليك طوال الليلة. واحترامًا للأيقونة، كان الشخص يرفع قبَّعته عند دخول الحجرة, وكأنَّها علامة أن الله موجود داخل الحجرة معك, فالأيقونة تمتلك الحجرة, أو بالأحرى هي تعبير عن الحضرة الإلهيَّة فيها. وكما أنَّ الشمس والقمر والنجوم تأخذ مكانها خارج المنـزل, هكذا داخله تأخذ الأيقونات مكانها داخل الحجرات. يوجد لدى الرُّوس 117 يومًا مقدَّسًا في السَّنة, يبدو فيها المؤمن وكأنَّه يكتسب شيئًا فريدًا؛ بينما في إنجلترا هناك يومٌ مقدَّسٌ واحدٌ في الأسبوع بين أيَّامه السَّبعة. يُطلق الروسي على يوم الأحد: “يوم القيامة”, ولديه يوما صوم في الأسبوع, ويرفض الفلاحون التقويم المَدَني, ويُسمِّي اليوم بحسب اسم القدِّيس أو الذي يسبقه أو يليه.كل الرُّوس يطلقون أسماء القدِّيسين على الأطفال. رأيتُ بنفسي سائقي القطارات ينـزلون على رصيف محطَّة القطار وينحنون أمام الأيقونة الموجودة على الرصيف ثم يكملون مسيرتهم بالقطار. بل وحتى سائقو التاكسي يرشمون الصليب عندما يمرُّون أمام الأديرة والكنائس، والأيقونة تُقدِّس المنـزل وتُكرِّسه وتُخصِّصه, وهى تُذكِّر الرُّوس دائمًا أنَّ الله ليس مغلَقًا عليه داخل الكنيسة, بل هو موجود في كل مكان“.
الأيقونات والأيام الـ 117 تعطي الأولويَّة لله في روسيا القديمة، هل يمكنهم الآن عمل ذلك؟ ألم نُخلَق لهذا الغرض؟
رائد الفضاء بَظ ألدرن Buzz Aldrin
هناك أمثلة لا تُحصى عمَّا يحدث للناس عندما لا يطلبون ملكوت الله وبره أولاً، ويسعون وراء أهدافٍ أقل. قال رائد الفضاء الشَّهير “بظ ألدرن” إنَّه جعل الهبوط على سطح القمر هو الهدف الأعظم لحياته, بل وأصبح لهذا الهدف الأولويَّة الأولى بل وأيضًا الوحيد في حياته. الأولوية رقم واحد. وبعد تحقيق هذا الهدف ـ كما قال ألدرن ـ لم يوجد شيء أكثر باقيًا في حياته ليعمله. اجتاز ألدرن شعورًا بالإحباط بشكل كبير, فانصرف إلى شرب الخمر وشعر بالاكتئاب. هذا بالفعل ما يحدث لنا عندما نستبدل الله بأهداف أخرى غير ملكوت الله وبرِّه, وعندئذٍ نشعر بخيبة أمل شديدة. كان هناك قصد إلهي في هذا الشعور بالخيبة الذي انتاب رائد الفضاء “بظ ألدرن” وآخرين مثله عندما فشلوا في أنْ يجعلوا لله الأولويَّة في حياتهم. هذا الإحباط ليس هو إلاَّ من الله نفسه يقول لنا إنَّنا نسعى إلى الشبع في المكان الخطأ. يستخدم الله مثل هذا اليأس ليدعونا للرجوع إليه عن طريق التوبة, وعندما نجد الله، نجد الحياة. هذا ما كتبه القديس يوحنا الرسول: «مَن له الابن فله الحياة, ومَن ليس له ابن الله فليست له الحياة» (1يو 12:5).