الرب يسوع يقرع كمتوسل ف10 – الفردوس بين يديك – الأب أنتوني م. كونيارس
الفردوس بين يديك
هأنذا واقف على الباب وأقرع
الفصـل العاشر – الرب يسوع يقرع كمُتوسِّل
يسوع واقف على الباب ويقرع…
يطلب منك المساعدة في صورة شحاذ…
في صورة إنسان محطم بملابس رثَّة.
إنه يقابلك في كل ِإنسان تراه.
ديتريك بونهوفر
Dietrich Bonhoeffer
الضَّيف العظيم
- سمع إشعياء نداء الله من خلال إدراك حاجات الآخرين, فمنحه الله رؤيا عالمَ نجس محتاج وسأله قائلاً: «من أُرسِل ومن يذهب من أجلنا؟» (إش8:6), وعندما أدرك إشعياء أنه يستطيع تسديد هذا الاحتياج، فتح قلبه لقرع الله, فقال: «هأنذا أرسلني.»
قصَّة:
- تتحدَّث قصيدة إدوين ماركام Edwin Markham: “كيف جاء الضيف العظيم” عن قصَّة كيف أن كونراد Conrad الإسكافي حَلِم أنَّ الرب سيأتي في دكانه, فأعدَّ كونراد المكان لهذه الزيارة بتنظيف الجدران وأرفف دكانه، وتزيين المكان بالنباتات وتهيئة المائدة بأفضل ما عنده, وبعدما هيَّأ كل شيء جلس منتظرًا الرب. وفيما كان منتظرًا، رأى كونراد شحاذًا فقيرًا خارجًا في الشارع يسير تحت الأمطار دون حذاء, فشعر كونراد بالحزن بسبب حاله ودعاه للدخول وأعطاه زوجًا من الأحذية. ثم رأى امرأة كبيرة السن منحنية لأنها كانت تحمل حملاً كبيرًا من الأخشاب للتدفئة, فأعطاها بعض الطعام وساعدها في عبور الطريق. ثَّم جاء طفل صغير إلى بابه وكان تائهًا وخائفًا, فأعطاه كونراد بعض اللبن وساعده في أن يعود للمنـزل, ثم حلَّ المساء، وكان الإسكافي لا يزال منتظرًا مجيء الرب, وبدأ يتساءل في نفسه: هل نسي الرب أن يأتيني؟ فسمع صوتًا في سكون الصمت يقول:
ابتهج لأنَّك قد حفظت كلمتي.
ثلاث مرات أتيتُ إلى بيتك الكريم،
ثلاث مرات كان ظلِّي على أرضيتك.
لقد كنتُ أنا ذاك الشحاذ بالقدمين المجروحتين،
وكنتُ أنا تلك السيدة التي أعطيتها طعامًا،
وكنتُ أنا ذاك الطفل في الشارع بلا مأوى.
- توضِّح هذه القصة الجميلة كيف يستمر يسوع في القرع على باب قلوبنا اليوم من خلال الاحتياجات المؤلمة للمحرومين، المنبوذين، الجياع، المظلومين، والمنسِّيين. يقول يسوع: «بما أنَّكم فعلتموه بأحد إخوتي الأصاغر, فبي فعلتم.» (مت25: 40)
إنَّه يقرع كمُتوسِّل:
يسوع لماذا لم تخبرني أنَّك كنتَ جائعاً؟
لماذا لم تخبرني أنَّك كنتَ عطشانًا؟
لماذا لم تخبرني أنَّ أصابع قدميك هي التي كانت تتلوى في الحذاء الضيق؟
لم أكن أعلم أنك بحاجة للدواء،
لماذا لم تخبرني أنَّهم ساقوك للسجن؟
أريد أن أفتح الباب وأدعوك للدخول،
من فضلك أخبرني من أنتَ في المرة القادمة التي تقرع فيها.
أندرو بلاك وود
Andrew Blackwood
- إنَّه يقرع من خلال المحتاجين, يقرع وهو متخفٍّ, ولا يقول لنا أبدًا من هو.
- قال بونهويفر ذات مرة إنَّنا بحاجة كي نواجه الحقيقة المروعة أن يسوع واقف على الباب ويقرع, وهو يطلب منك المساعدة في صورة مُتوسِّل، في صورة إنسان محطَّم بملابس رثة, إنه يقابلك في كل إنسان تراه. يسوع يدخل العالم بطريقة أن يخفي نفسه في صورة الضعف كي لا يُعرف بأنه الله المتجسِّد. إنه لا يدخل بالثياب الملكيَّة الإلهيَّة… لكنه يدخل متخفيًا، كشحاذ بين الشحاذين، كطريد بين المطرودين, كبائس بين البائسين. المسيح يُظهِر نفسه لا مع صفوة هذا العالم، بل مع الشحَّاذين، والمطرودين، والبائسين, فعندما نسمع قرعهم اليائس على أبوابنا، فلنكن مُتأكِّدين أن هذا هو قرع المسيح القادم إلينا متخفيًا.
يقرع من خلال الكتب الجيِّدة:
- طريقة أخرى يقرع بها الرب يسوع هي من خلال الكتب المسيحية الجيِّدة. بالإضافة للكتب الجيِّدة، هناك طريقة نسمع بها قرع يسوع, وهي قراءة كلمة الله في أعظم الكتب قاطبة, ألا وهو الكتاب المقدس.
- شعر رئيس الأساقفة أنتوني بلوم Anthony Bloom للمرَّة الأولى بالحضور الشخصي لله في حياته, عندما كان طالبًا يقرأ ذات يوم إنجيل القديس مرقس.
- بدأ اهتداء أوغسطينوس Augustine عندما أمسك العهد الجديد ذات يوم في إحدى حدائق ميلان, وبدأ يقرأ كلمة الله. الله يستخدم كلمته ليقرع على أبواب قلوبنا.
يقرع من خلال العظات:
- الرب يقرع على باب قلبك الآن من خلال كلمات هذه الرسالة, ويطلب منك أن تدعوه للدخول بمحبة فائقة الرقة. لو كنت مهيَّأً الآن لقبوله، فإنه أكثر تهيُّؤًا للقدوم إليك من قدومك إليه. في كل قدِّاس تحضره وفي كل عظة تسمعها، تسمع الرب يسوع يقرع، ويطرق، ويدعو، ويسعى للدخول إليك، لا ليدينك بل ليتعشَّى معك وأنت معه. دور الله أن يقرع الباب، ودورك أنت أن تدعوه للدخول.
يقرع من خلال القدَّاس الإلهي:
- في كل يوم من أيام الرب، يقرع الرب يسوع على أبواب قلوبنا بينما نجتمع في بيته لحضور القدَّاس الإلهي. ما هي الليتورجية إلا قرع الله على أبوابنا ساعيًا لدخول حياتنا، وإرشادنا من خلال كلمته، ومنحنا الغفران، وتوحيد نفسه بنفوسنا، وتقويتنا من خلال جسده المقدس ودمه الكريم في سر التناول: «خذوا كلوا، هذا هو جسدي, وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً: اشربوا منها كلُّكم… لمغفرة الخطايا» (مت26: 26-28). هذا هو صوت الرب يسوع الذي نسمعه في كل قدَّاس, إنه يقرع على أبواب نفوسنا, وقرعه هذا يصير عاليًا واضحًا خلال بعض المواسم الكنسيَّة, وعلى سبيل المثال, يقرع الرب يسوع بصورة أكثر شدة وحدَّة عن المعتاد أثناء الصوم المقدس، والقيامة، والميلاد, فهناك بعض الأوقات المناسبة بشكل خاص لسماع قرعه على أبوابنا والاستجابة له.
الجهل ليس عذرًا:
- إن توزيع الأحداث المتنوعة الخاصَّة بتاريخ خلاصنا طوال أيام السنة الليتورجية, يتطلب منَّا مواجهتها والتعامل معها سنويًّا وتقديم استجابة لها عامًا بعد الآخر. فلو كنتُ في الثانية والستين من عمري يكون الأمر أنني قد عاصرتُ اثنين وستين عيد ميلاد, واثنين وستِّين يوم جمعة عظيمة، واثنين وستين أسبوع آلام، واثنين وستين ليتورجية عيد قيامة، واثنين وستين تذكارًا للمجيء الثاني في مناسبة عيد الشُّهداء, وهكذا دواليك في باقي الأعياد ومواسم القدِّيسين. وهكذا لا يكون لديَّ عذرٌ عندما أظهر أمام الرب يوم الدينونة.
- يمكنني أن أسمعه وهو يقول للكثيرين الذين سيدَّعون الجهل: “ألم تروا وتختبروا محبَّتي المضحيَّة الباذلة لكم كل يوم جمعة عظيمة لمدة 62 عاما؟ ألم تسمعوني أتحدث عن القيامة في درس الإنجيل كل عام في أحد القيامة لمدة 62 عاما؟ ولو لم تكونوا في الكنيسة في هذه المناسبات, فقد كان لابد أن تكونوا هناك, لذلك لا تقولوا إنكم لم تعرفوا ! إحدى المفاجآت العظمى في يوم الدينونة ستحدث في تلك اللحظة التي سيُحصي فيها يسوع تلك القرعات اللانهائيَّة التي فشلنا في الاستجابة لها. لكن بعض الناس لا يأتون إلى الكنيسة أبدًا ولا يقرأون الكتاب المقدس أبدًا, إنَّهم يهربون من الله على الدوام, والله يجتاز وقتًا عصيبًا ليلحق ويمسك بهم, وسيظل يُلاحقهم, فيقرع على أبوابهم من خلال ضربات الحياة، أي فشلهم وإخفاقاتهم وأمراضهم التي تحدَّثنا عنها, وبعد كل شيء ، كما يقول سي إس لويس:
“الله استراتيجي (مُخطِّط) بارع.”
يقرع من خلال الذنب وأوقات الصَّمت والتأمُّل:
- بالإضافة لصرخات الفقراء، والكتب الجيدة، والكتاب المقدس، والقدَّاس، والعظة، يقرع الله أيضًا من خلال الذنب, فالشعور الإيجابي بالذنب هو عطيَّة من الله. هذا الشعور يكون ناجمًا من عدم الرضا مع النفس الذي يزرعه الله في قلوبنا بعدما نكون قد كسرنا علاقتنا معه من خلال الخطية. الشعور الإيجابي بالذنب بَرَكَة. إنه يمثل حضور الله الذي يطرق، ويقرع، ويدعونا لعودتنا إليه بالتوبة والاعتراف.
- الله يقرع أيضًا في لحظات الصَّمت والتأمُّل, كما كتبت ربَّة منـزل مشغولة في أعمالها:
ربِّي، لقد قرعتَ وقرعتَ، ولم أسمعك.
لقد كانت الغسَّالة تدور، والتليفون يرن،
وآن أوان تجهيز العشاء، وآن موعد مقابلة أُخرى.
ثم جاءت فترة صمت, فوجدتُ نفسي وقد سمعتُك.
ركضتُ نحو الباب، وعندما فتحتُه، وجدتُك هناك واقفًا.
يقرع من خلال الفراغ الداخلي والطبيعة:
- بالإضافة للصمت والتأمل، يقرع الله أيضًا من خلال الفراغ الداخلي, ذاك الفراغ والألم الموجِع فينا الذي يشتاق أن يمتلئ بملء حضور الله, لأنَّنا خُلقنا له، وبدونه سيكون هناك دائمًا فراغٌ مؤلمٌ في حياتنا. قال أوغسطينوس:
لقد خلقتَ نفوسنا لك، يا رب، ولن تستريح إلا فيك.”
- وكتب القديس إيريناؤس:
“أشكرك، يا رب، من أجل الفراغ الذي فينا, والذي بدونه لَمَا عرفنا ملء حبك.”
- الله يقرع من خلال عالم الطبيعة. كل فجرٍ جميل، وكل غروبٍ ساحر، وكل قوس قزح رائع، هو بالحقيقة مخصَّص لي أنا. الله يقرع, يطرق على بابي، محاولاً أن يخبرني أنَّه لو فتحتُ الباب سامحًا له بالدخول، فسوف أختبر في حياتي جمالاً أكثر هيبة من أيِ قوس قزح أو أيِّ غروب بقدر يفوق الوصف. لا يسعنا إلا أن نقف في خشوع عندما نُدرِك الطرق الكثيرة التي يستخدمها الله في القرع على أبواب نفوسنا.
- من خلال احتياجات الفقراء، من خلال الكتب المسيحية، ولاسيما الكتاب المقدس، من خلال القدَّاس والعظة، من خلال الضمير، من خلال الشعور بالذنب، من خلال مُشَهِيَّات السماء، من خلال لحظات الصَّمت والتأمُّل، من خلال العالم من حولنا، من خلال الفراغ الداخلي الذي يصرخ فينا أن نمتلئ بالله، من خلال الاقتراب من الموت، من خلال موت أحد الأحباء، من خلال أزمة خاصَّة في الحياة. إنه يقرع، بطرق كثيرة مختلفة، يقرع وسوف يواصل قرعه في محبَّة حتى اللحظة الأخيرة, لأنَّه يحبُّنا أكثر ممَّا نتخيَّل، ويأتي كي يُقدِّم لنا أعظم عطيَّة على الإطلاق, ألا وهي ملء حضوره. «أدخل إليه وأتعشَّى معه وهو معي.»
بفرحٍ مجيد يا رب، أُقدِّم لك قلبي باعتباره بيتك.
لقد تركته عمدًا غير مرتَّب وبدون أي ديكور،
وبدون سجاد وثير، وبدون زخرفة ناعمة,
وحتى بدون زيت نقي،أو طقم أدوات فضيَّة منقوشة.
اِفحصه أولا من أجل أن تُنظِّفه؛ كل غرفة،وكل مخدع.
ثم أعددهُ أنت حسب ذوقك الرائع.
ها الباب مفتوح على مصراعيه,
فلا تضايق نفسك بالقرع عليه أو رنِّ الجرس.
روث هـ. كالكن Ruth H. Calkin