آبائياتأبحاث

لا تتركه واقفا على الباب ف3 – الفردوس بين يديك – الأب أنتوني م. كونيارس

لا تتركه واقفا على الباب ف3 - الفردوس بين يديك - الأب أنتوني م. كونيارس

لا تتركه واقفا على الباب ف3 – الفردوس بين يديك – الأب أنتوني م. كونيارس

 

لا تتركه واقفا على الباب ف3 - الفردوس بين يديك - الأب أنتوني م. كونيارس
لا تتركه واقفا على الباب ف3 – الفردوس بين يديك – الأب أنتوني م. كونيارس

 

 

الفردوس بين يديك

هأنذا واقف على الباب وأقرع

الفصل الثالث – لا تتركه واقفًا على الباب

 

إنَّ قلعتَك الداخليَّة التي هي نفسك,

إنَّما هي ملكٌ خاصٌّ لله وقد وهبها لك.

والله لن يقدر بنفسه أن يدخلها ما لم تريده أنت،

وتفتح له الباب مُرحِّبًا به.

فالإنسان يستطيع أن يغلق حياته في وجه الله

حتى لا يدخل إلى الأبد.

                                                   مورتون ت. كيلسي

Morton T. Kelsey

 

هذه هي قرعات الله

العالي, الفائق والسامي

  • هذا الكلمة الذي صار جسدًا هو نفسه الله الذي غطَّت أمامه السيرافيم ـ في رؤيا إشعياء ـ وجوهها بأجنحتها, معبِّرة في خوف ورعدة قائلة: “قدوس، قدوس ، قدوس، رب الصباؤوت!” المخلوق لم يجرؤ أن ينظر لأعلى, وهكذا كانت عظمة الله الفائقة, حتى قيل إنَّه لا يستطع إنسان أن يرى الله ويعيش. هذا الكلمة الغامض، الفائق، السامي، الذي لا يُقترب منه، هو الذي أصبح جسدًا, فهو قد اقترب منَّا للغاية ليقول: «هأنذا واقف على الباب وأقرع إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي», فالله العظيم الذي لا يحويه الفضاء الخارجي بأكمله يودُّ أن يجعل سكناه في أعماق قلبك وقلبي.
  • قال العلامة أوريجانوس:

“كل مخلوق روحاني هو هيكل لله بالطبيعة، وهو مخلوق لقبول مجد الله في أعماقه.”

  • عندما نفتح الباب لقبول المسيح، فنحن نسمح لمجد الله بالدخول, وهكذا نتهيَّأ لنكون هياكل حيَّة لمجده.

لا تتركه واقفًا على الباب:

  • ذات مرة قال يهودي: “الأزمان سيِّئة للغاية. لماذا لم يأتِ المسيا؟” فرد عليه مسيحي: “لقد جاء حقًّا، لكننا تركناه، واقفًا بالخارج.” «هأنذا واقف على الباب وأقرع… ».
  • كثيرٌ منَّا نحن المعمَّدين لم يفتحوا الباب حقًّا كي يسمحوا للرب يسوع بالدخول إلى حياتهم, لقد تركوه واقفًا بالخارج! الصورة التي تبيِّن الرب يسوع واقفًا خارج الباب ويقرع هي صورة مصمَّمة للتعبير عن حقيقة أن هذا هو مكانه الفعلي في حياة كثير من المسيحيين ـ خارج الباب وليس داخله.

قصَّة:

  • حكى فولتون أورسلر Fulton Oursler قصَّة جْراَّح فيينا ذي الشهرة العالمية د. لورينـز Lorenz الذي جاء إلى الولايات  المتحدة لإجراء عملية لامرأة ثريَّة في شيكاغو, تلك التي كانت تعاني من مرض نادر. وبينما كان الجراح في شيكاغو، فقد قرَّر أن يأخذ جولة في المنطقة السكنية لرؤية معالم المدينة, وفي منتصف جولته أدركته عاصفة رعدية شديدة. وحالما وجد ملجأ، قرع جرس أقرب الأبواب, وحينما فتحت امرأة الباب، التمس منها الدخول احتماءً من الأمطار, لكن المرأة التي كانت متضايقة للغاية ردَّت قائلة:
  • “اذهب إلى أي مكان آخر! ففي هذا البيت ما يكفيه من مشاكل.” ثم خبطت الباب بشِدَّة وهي تغلقه وكأنَّها صفعت الرجُل على وجهه. وفي اليوم التالي صرخت هذه السيدة غير المحبَّة لضيافة الغرباء بشيء من الفزع عندما طالعت إحدى الصحف, وذلك لأنها ميَّزت صورة د. لورينـز المنشورة في الصفحة الأولى, وكانت الحقيقة المؤلمة هي أن ابنة هذه السيدة كانت تعاني من نفس المرض النادر الذي كانت تعاني منه المرأة الثريَّة في شيكاغو؟ كانت هذه المرأة قد كتبت رسائل للفندق الذي يقيم فيه د. لورينـز في شيكاغو وهي تطلب ملتمسة حضوره ليجري عملية لابنتها المريضة, ولكن كانت فكرة أنَّ الطبيب نفسه قد جاء بيتها، وأنها أغلقت الباب في وجهه تكاد تصيبها بالجنون.
  • الطبيب السماوي الشافي الأعظم، المحب الأعظم في الكون، واقف على باب نفسك ونفسي يطلب الدخول. البعض يغلقون الباب بشدَّة في وجهه, والآخرون يتركونه هناك ببساطة واقفًا بالخارج!
  • ذات مرة قال واحد إن الجحيم في النهاية سيكون هو التأكيد على أن الرب الإله كان واقفًا على باب قلبي طوال حياتي، بينما أنا لم أدعُه للدخول.

تَرْك القبطان خارجًا:

قصَّة:

  • ذات مرة سمعتُ واحدًا يقول إنه كان في طائرة مستعدة للإقلاع, وكانت جميع المقاعد مشغولة, وأُغلِق الباب للتو, وطُلِب من الركاب أن يربطوا أحزمة الأمان، وفجأة صار قرعٌ شديدٌ على باب الطائرة, وهنا اندهشت المضيفة. فتحت المضيفة الباب، فوجدت هناك القبطان يقف مندهشًا على الباب! قال راوي القصة إنه كان يظن أنَّ كل ما يتمنَّاه ليضمن نجاح الرحلة كان متوفِّرًا, ولكن كيف ينتقل أي إنسان إلي مكان آخَر دون وجود القبطان؟ كيف يمكن لأيٍّ منَّا أن يحقِّق كل ما خُلق لأجله ما لم نعرف أن الرب يسوع هو قبطان حياتنا، وندعوه ليُدبِّر جميع أمورنا؟

الله لا يُقحِم نفسه عنوة:

  • كتب مورتون كيلسي:

أنت وأنا يمكننا أن نجعل الله خارج نطاق حياتنا، وليس في هذه الحياة فقط، بل وإلى الأبد.

الله رحيم وكلِّي الكَرَم, ومع ذلك فقد وضع لنفسه حدًّا لا ولن يتخطَّاه على الإطلاق. الله لا يُقحم نفسه في حياة الإنسان، وسيبقى هناك ما لم يكن الإنسان يطلبه، وما لم يكن الباب مفتوحًا، وطالما لم يدعُه الإنسان للدخول.

قلعة نفسك الداخلية هي مِلكٌ لله وهو أعطاها لك, ولكن الله بنفسه لن يدخلها ما لم تريده أنت، وتفتح له الباب مرحِّبًا به, فكل إنسان له أن يغلق حياته في وجه الله حتى لا يدخل إلى الأبد.”

إلزام المحبة:

  • الله يبذل جهده بكل وسيلة لكي يربحنا, ولكن لأنه منحنا حريَّة الإرادة, فهو لا يفرض نفسه علينا أبدًا, كما لا يوجد أبدًا أي إكراه أو إلزام, ولكن في الواقع يمكننا أن نقول إنَّه إن وُجِد إلزامٌ, فهو موجود في محبة الله لنا، تلك المحبة التي دفعته أن يصبح واحدًا منَّا في المسيح، وأن يقف قارعًا على أبواب نفوسنا كمحتاج.
  • وهذا ما كتبه القديس مار افرآم السرياني:

”إنَّ قوة الآب المدفوعة بمحبته, نزلت وحلَّت في بطن العذراء.”

  • خَاطَر الله مخاطرة عظمى حينما خلقنا بحرية الإرادة، لكنه يدرك بوضوح أن الأمر يستحق ذلك, فقد منحنا حريَّة الإرادة حتى نفتح له الباب طوعًا، وندعوه لدخول حياتنا.

هل يغادر إلى الأبد:

  • تساءل طفٌل صغير: “ألا يتعب يسوع أبدًا من الوقوف والقرع خارج الباب؟ ألا يغادر المكان أبدًا؟” والإجابة هي أنَّه لا يغادر أبدًا, وسوف يظل واقفًا هناك حتى يوم موتنا, قارعًا، طالبًا الدخول.
  • ومهما وضعنا لافتات “ممنوع الإزعاج” أو “ممنوع القرع على الباب”, إلاَّ أنَّه سيظل مستمرًّا في قرعه المتواصل. عندما نقرع نحن الباب ولا نجد أية استجابة، فمن الممكن أن نسأم ونغادر المكان، لكن الأمر ليس هكذا مع الرب يسوع, فمحبَّته عظيمة تفوق الوصف, فائقة تفوق الحدود, لدرجة أنه سيظل واقفًا هناك، قارعًا منتظرًا حتى يوم موتنا.

والشيطان يقرع أيضًا:

  • لابد أن ندرك أن الشيطان واقف أيضًا على الباب ويقرع, فنحن نقرأ في (لو 3: 22) «فدخل الشيطان في قلب يهوذا الذي يُدعى الإسخريوطي.» غالبًا ما يُلاقَى الشيطان بترحيبٍ لا يلاقيه المسيح أبدًا, وكثيرًا ما يجد الشيطان البيت مكنوسًا مزيَّنًا، مهيَّأً لدخوله واستقراره, وكثيرًا ما تُرمى الأقفال، ويُلقى بالمفتاح، ويُسمَح بدخول كل الأفكار الشريرة, ويكون الأمر كما لو كان الرب يسوع يرى كل ضيفٍ آخر من الأرض أو الجحيم وهو يدخل, بينما لا يُفتح الباب ليسوع أبدًا، فيبقى واقفًا بالخارج منتظرًا بلا جدوى، ويسمع الصوت: “لا يوجد مكان شاغر.”
  • نحن لدينا مكانٌ وزمانٌ في حياتنا لجميع الأشياء, ولكن ليس هناك مكانٌ أو زمانٌ للربِّ يسوع, فالشيطان مُرَّحبٌ به أكثر من المُخلِّص! ورغم هذا كله، يواصل يسوع وقوفه على الباب في محبة وصبر بلا حدود.
  • عندما طلب كاهن من شخص محتضر أن يتوب، ردَّ عليه قائلاً: “لماذا أتوب؟ ما الأذى الذي سبَّبته له؟” إن أشد أذى يمكن أن نُسبِّبه ليسوع هو أن نتجاهله ونتركه واقفًا بالخارج.
  • كتب ج. أ. شتودر كينيدي A.Studdr Kennedy قصيدة بعنوان: “لا مبالاة” يقول فيها:

”عندما جاء يسوع إلى الجلجثة علَّقوه على خشبة،

سمَّروه في يديه ورجليه، وصنعوا صليبًا،

توَّجوه بتاج من الأشواك،

كانت جروحه حمراء غائرة،

لأن تلك الأيام كانت بدائيَّة قاسية،

وكانت أجساد البشر رخيصة.

وعندما جاء يسوع إلى برمنجهام، فقد تجاوزوه بمنتهى البساطة،

لم يجرحوه على الإطلاق،

بل سمحوا له فقط أن يموت!

فالناس قد أصبحوا أكثر رقَّة،

فلا يمكن أن يسبِّبوا له الألم،

فاكتفوا بعبورهم الشوارع،

تاركينه خارجًا في وسط الأمطار.

كان يسوع لا يزال يصرخ:

«اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون».

كانت السموات لا تزال تمطر أمطارها الشتوية،

تلك التي جرفته بعيدًا،

وعادت الجماهير إلى بيوتها تاركةً الشوارع خالية من البشر،

فاستند يسوع على جدار صارخًا من العذاب وآلام التـرك والإهمال والتجاهل واللامبالاة.“

  • إن كانت اللامبالاة تجرحنا نحن، فكم بالحري تجرح إله المحبة؟! أن تُحَب أو أن تُكرَه هذا شيء، أمَّا أن يتجاهلك الآخر أو يعبُر عنك كأنك غير موجود, فهذا شيءٌ آخر تمامًا, فنحن في الواقع نُفضِّل أن نكون غير محبوبين, ولا نُفضِّل لا مبالاة الناس بنا.
  • قد تقول امرأة عن زوجها: “إن كان لا يقدر أن يحبَّني, فليقُل لي إنَّه يكرهني”, فهذا أفضل من أن يتجاهلني.
  • قد تتساءل: “ما الأذى الذي سبَّبته ليسوع؟” لو كنتَ قد تجاهلتَ يسوع طوال حياتك، وتركته واقفًا بالخارج، ولم تستجب للقرع والصوت، فأنت بذلك تكون قد سَبَّبتَ له أشد الأذى.
  • سوف يحترم الرب يسوع حرية اختيارنا، وسيسمح لنا أن نقضي الأبدية بدونه، وحيدين, وربما يكون هذا هو معنى الجحيم!

مسكنًا لإله يعقوب:

  • كتب مارتيريوس Martyrius  أحد رهبان القرن السادس:

«أقسمنا لإله يعقوب ألاَّ نعطي وسنًا لعيوننا، ولا نومًا لأجفاننا، حتى نجد مقامًا للرب في نفوسنا، مسكنًا لإله يعقوب» (انظر مز 5،4:132) ليسكن داخل قلوبنا. لن نتوقَّف عن السهر, والصلاة, والعمل, والجهاد حتى يُسرَّ الرب بنفوسنا، ويختارنا كالمكان الذي يحل فيه قائلاً: «هذه هي راحتي إلى الأبد. ههنا أسكن لأنِّي اشتهيتها.” (مز14:132)

إن مكان راحة الرب إلى الأبد, والذي يشتهي أن يسكن فيه, هو نفسك.

 

لا تتركه واقفا على الباب ف3 – الفردوس بين يديك – الأب أنتوني م. كونيارس