ما زال الله يدعو ف6 – الفردوس بين يديك – الأب أنتوني م. كونيارس
الفردوس بين يديك
هأنذا واقف على الباب وأقرع
الفصـل الســـــــادس – ما زال الله يدعو
نحن مِلك الله بحق الخلق والفداء،
فلنكن ملكه بحق الاختيار.
ما زال الله يدعو
- كانت هناك لافتة على لوحة إعلانات تقول:
“مازال الله يدعو. وكل ما عليك هو أن تفتح له الباب”.
قال يسوع: «هأنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي.»
- ما زال الله يدعو, في الواقع يحب الله أن يدعو, لكن المشكلة تكمن في أن الباب لا يُفتح له دائمًا, فالباب يبقى مغلقًا, وطالما أن الباب يظل مغلقًا، فإنه يشكِّل جدارًا, لكن الله لا يحب الجدران. لقد نزل الرب يسوع من السماء ليُحوِّل الجدار إلى باب يقف من ورائه ويقرع. فقد قام الرب يسوع بدوره, والآن علينا أن نقوم بدورنا, فعندما نفتح له الباب، ندمِّر الجدار، ومن ثمَّ يدخل الرب الإله إلى حياتنا.
الباب المسدود:
- هناك أشياء قليلة في الحياة تجرح أكثر من مجرد أن يُغلَق الباب في وجهك بعناد. أنت تقرع على باب بيت صديق. الستائر تتمايل قليلاً, وأنت تعرف أنهم قد رأوك واقفًا على الباب، لكن الباب يبقى مغلقًا. إن الصدَّ والرفضَ يجرحان جروحًا عميقة, فمجرَّد الكلمات: “بابٌ مغلق, بابٌ مقفول، بابٌ مسدود” تعيد للأذهان ذكريات خيبة الأمل العميقة.
- تخيَّل خيبة أمل الله حينما يُقابَل قرعه ببابٍ مسدود لا يُفتح أبدًا. يمكنني أن أتخيله واقفًا وراء الباب المغلق (الذي هو نفسي ونفسك) وهو يقول في حزنٍ نفسيٍّ تلك الكلمات التي وجهها قبلاً لسكان أورشليم: «يا أورشليم، يا أورشليم! يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردتُ أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا! هوذا بيتكم يُترك لكم خرابًا!» (لو13: 34-35). ومع ذلك, فمن الجيِّد أن معظمنا لديه شريطٌ طويلٌ من ذكريات الأبواب المفتوحة وصيحات الترحيب. رأينا الستائر تتمايل قبلما نصل منتصف الطريق، ورأينا الباب يُفتح على مصراعيه حتى قبلما نقرعه ونسمع كلمات الترحيب: “تفضل بالدخول! من الرائع أن نراك! كنَّا نتوقع حضورك! أليس هذا هو نوع الترحيب الذي يستحقه يسوع؟
- «هأنذا واقف على الباب وأقرع… »
- كيف لا تلهبنا هذه الكلمات أشواقًا؟ الله الأبدي خالق الكون، الألف والياء، رئيس السلام، الأقنوم الثاني من الثالوث القدوس، الراعي الصالح، ملك الملوك، ورب الأرباب، يقف على باب نفسي قارعًا. يا لها من صورة رائعة! القدير القادر على كلِّ شيء ينتظر الإنسان على الجانب الآخر كي يفتح له الباب. هذه الصورة المذهلة لأهمية البشر المخلوقين على صورة الله! الله يقرع على باب إنسان سبق فخلقه، منتظرًا أن ينفتح له الباب. إن الإنسان الذي خلقه الله ليس مسلوب الإرادة، لكنه كائنٌ مسئولٌ يختار إمَّا أن يسمح لله بالدخول، أو أن يتركه خارجًا. هذه هي عطيَّة الحريَّة والسُّلطان التي منحها الله إيَّانا.
الله لا يأتي بمفرده:
- قال شخص ما :
“نحن مِلكْ الله بحق الخلق والفداء، فلنكن ملكه أيضًا بحق الاختيار.”
- اِفتح باب قلبك, امنح يسوع غرفتك الرئيسيَّة، ثم واصل المسيرة، وامنح تلاميذه بقية الغرف، ثم أظهْر استضافتك لكل أبنائه المتألمِّين المحتاجين.
- الله لا يأتي بمفرده, لكنه يأتي ليمنحكَ رفقة القديسين المجيدة. «المعلِّم يقول: “أين المنـزل (غرفة استضافتي) حيث آكل الفصح مع تلاميذي؟”» (مر 14:14), ولنجِبْه قائلين: “ها هنا، يا رب، غرفة استضافتك: قلبي. ها أنا أفتح لك الباب, تعالَ مع تلاميذك وكلِّ قديسك, هيِّئ المائدة المسيانية في غرفة قلبي.”
- نحن مستأجِرون في مسكن الجسد، والله هو المالك, الله يتمنَّى أن يكون مالك المكان، لكنه لن يدخل ما لم نفتح الباب.
- يقول يسوع: «هأنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشَّى معه وهو معي.»
- خُلِق الجسد الإنساني كي يُرحِّب بيسوع، ويحبه, ويحيا فيه, هذا ما خُلِقَت أجسادنا لأجله, وهذا هو هدف الحياة. عَبَّر يسوع عن ذلك بمنتهى الوضوح قائلاً: «إن أحبَّني أحد يحفظ كلامي، ويحبُّه أبي، وإليه نأتي وعنده نصنع منـزلاً.» (يو23:14)
- المثال الذي يفوق الوصف لأول شخصية تُخلِص وتُخلَّص وتفتح الباب ليسوع هو مثال العذراء مريم, وهي أصبحت كمثال لنا نحن جميع المخلَّصين. وبهذا لا تصبح مريم الاستثناء العظيم، لكنها تصبح بالحري المثال العظيم, مثلما اعتاد الأب شميمان Schmeman أن يقول دائمًا.
”إن حياة العذراء بأكملها توضِّح لنا كيف يجب أن يكون جميع البشر حينما يتقدَّسون بالروح القدس ليكونوا عبيدًا وهياكل للمسيح. نحن مخلوقون جميعًا ـ مثل مريم ـ كي نكون هياكل حيَّة لله، ومساكن مجده. وحيث إننا مصَّورون على صورته ومثاله، فنحن مخلوقون كي نكون هياكل حيَّة لحضوره. يسوع المسيح صُوِّر في جسد مريم جسديًّا وروحيًّا حتى يمكنه أن يصوَّر فينا نحن أيضًا (اقرأ غل19:4), ومن أجل هذا يقف الرب يسوع ويقرع“.
الباب الخلفي:
قصَّة:
في 30 نوفمبر من العام 1940 قُصِفَت مدينة كوفنترى Coventry الإنجليزية بالقنابل, وفي اليوم التالي كانت زوجة العمدة تجمع بعض الجير المتساقط والزجاج المكسور في حجرة الجلوس, بينما قرع واحد الباب, فصرخت فيه قائلة: “ارجَع للباب الخلفي، فالباب الأمامي انخلعت مفاصله ولن يعمل ثانية.” فاستجاب الزائر ـ الذي كان طويل القامة ويرتدي عباءة طويلة ـ لنصيحة السيدة, وكم كانت دهشتها حينما فتحت الباب الخلفي لتجد أمامها فخامة ملك انجلترا واقفًا هناك! هكذا يأتينا ملك الخليقة بمنتهى التواضع, فقد تسلَّل إلى العالم بمنتهى الهدوء من خلال مذود بيت لحم, الذي كان بمثابة بابٍ خلفيٍّ له. عندما يأتينا اليوم، فإنه سيجد عالمًا محطَّمًا, سيجدنا منشغلين فيه بجمع بقايا حياة مكسورة مرتبكة.
- ربما لا يليق الباب الأمامي لحياتنا بالملك، لكنه سيأتي ويقف عند الباب الخلفي. إنه لا يمانع في أن نفتح له أي باب طالما سندعوه للدخول.
يسوع نفسه هو الباب:
ذاك الواحد الذي يقرع على الباب هو بنفسه “الباب”, الباب المفتوح على الآب والروح القدس، باب الخلاص والحياة الأبدية. «قال لهم يسوع أيضًا: “الحق، الحق أقول لكم: إني باب الخراف. جميع الذين أتوا قبلي هم سرَّاق ولصوص، ولكن الخراف لم تسمع لهم. أنا هو الباب. إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى”». (يو10: 7ـ9)
- هناك بابٌ واحد فقط يؤدِّي للخلاص الأبدي، ويسوع بنفسه هو هذا الباب. الآخرون الذين يأتون ويدَّعون أنَّهم “أبواب” هم سراق ولصوص، يحاولون تضليل الخراف بعيدًا عن مرابضها الحقيقية. وكم يوجد الكثير من هذه الأبواب الزائفة اليوم تتكون من عقائد كثيرة وقادة كثيرين يسعون لاستعباد الخراف.
قرعُنا وقرعُه:
- قيل عن المذبح في الكنيسة الأرثوذكسية إنَّه يُمثِّل قدس الأقداس، أي حضور الله في وسطنا. وحامل الأيقونات يشبه بوابة أمام قدس الأقداس. الشماس يقود الشعب في العبادة الأرثوذكسية في تضرعاتهم وصلواتهم, ويقف أمام الأبواب الرئيسية لحامل الأيقونات و”يقرع أبواب السموات من خلال الصلاة”, كما يقول القديس يوحنا الدرجي John Climacus. وبذلك نكون قد رسمنا لأنفسنا بواسطة القديس يوحنا تلك الصورة الجميلة لما نفعله في الليتورجية كل يوم: فنحن نقف ونقرع على أبواب السماء بصلواتنا! قال يسوع: «اسألوا تعطوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يُفتَح لكم.» وهكذا نقرع, والله يفتح لنا الأبواب في كلِّ قدَّاس من خلال القراءة, والكرازة بكلمته, والتناول المقدس. نرى هنا أن المفتاح الذي يفتح الباب لدخول يسوع هو الليتورجية التي تتكون من خلال قراءة كلمته، وتعليم العظة، والتناول والصلاة وطلب حلول الروح القدس.
- الصلاة هي السماح للرب يسوع بدخول قلوبنا, وقراءة الكلمة هي السماح ليسوع بدخول قلوبنا. والإصغاء لكمة الله المقروءة في الكنيسة هي السماح ليسوع بدخول قلوبنا. الاشتراك في سرِّ التناول المقدَّس” بخوف الله والإيمان والمحبة” هو السماح ليسوع بدخول قلوبنا, لكن ليست صلواتنا هي التي تُحرِّك الرب يسوع, لكن الروح القدس هو الذي يدفعنا في المقام الأول للصلاة.
- هو يقرع أولاً, ومن خلال الروح القدس يُعرِّفنا برغبته الحارَّة الجارفة لمجيئه إلينا, ودائمًا ما تكون صلواتنا نتيجة قرع يسوع على أبواب قلوبنا. إنه يقرع من خلال الروح القدس كي يحرِّكنا بالصلاة لفتح الباب وقبول عطيَّة حضوره الحميم. الصلاة هي السماح ليسوع بدخول حياتنا. هذا يعلِّمنا في المقام الأول أن صلاتنا ليست هي التي تُحرِّك الرب يسوع, لكن يسوع هو الذي يدفعنا للصلاة. إنه يقرع, ومن ثم فهو يُعرِّفنا رغبته في المجيء إلينا، ودائمًا ما تكون صلواتنا نتيجة قرع يسوع على أبواب قلوبنا, وهذا يلقي ضوءًا جديدًا على الرسالة النبويَّة القديمة: «ويكون أنِّي قبلما يدعون أنا أجيب، وفيما هم يتكلمون بعد أنا أسمع.» (إش 24:65) وبذلك يكون ما لدينا بمثابة بحث ثنائي، أي أنَّه ليس بحث الإنسان عن الله فحسب، ولا بحث الله عن الإنسان فحسب، لكنه مزيج من الاثنين؛ حيث إنَّ الله دائمًا ما يبادر بالبحث بقرعه على الباب, الأمر الذي لا بد أن نستجيب له. استجابتنا لله هي أهم الأشياء التي نقوم بها في حياتنا على الأرض على الإطلاق, لأنه إن لم نستجِب، وإن لم نفتح الباب عن وعي واختيار ونسمح ليسوع بدخول حياتنا كالرب والسيد، فسوف يضيع منَّا هدف الحياة بأكمله.
- أهم سؤال في الحياة هو: ماذا نفعل بحضور المسيح؟ وكيف نستجيب لقرعه المتواصل على الباب؟ أنتجاهله؟ أنبتعد عن الباب حتى لا نسمع النداء؟ أنحاول أن نخفض صوت القرع برفع صوت التلفاز؟ أم نفتح الباب لنجد السماء على عتبة أبوابنا؟ هناك أبواب كثيرة يقرع عليها المخلِّص, ليقرع على بلايين قلوب البشر في هذا العالم. لا تدعه واقفًا خارج الباب الوحيد الذي يمكنك أن تفتحه. اِفتح له باب قلبك.
Øصلاة×
تعالَ، يا ربِّي يسوع، تعالَ!
باب قلبي مفتوح لك, مفتوح لك تمامًا.
كما كانت ذراعاك مفتوحتين فوق الصليب, كي تحتضنِّي بغفرانك وحبك.
تعالَ! أنت الواحد الذي أحتاجه, فمن سواك يمكنه أن يملأ فراغ حياتي؟
ومَن سواك يمكنه أن يزيل الوحدة القاسية، وعدم الإيمان. كل عواقب الخطية هذه التي تجعل من الحياة جحيمًا بالنسبة لي؟
تعالَ، أيها الرب يسوع، ها أنا أفتح الباب،
فاغمرني بغفرانك، وسلامك، وحضورك، وملئك.
آمين.