Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

الله الباحث ف1 – الفردوس بين يديك – الأب أنتوني م. كونيارس

الله الباحث ف1 – الفردوس بين يديك – الأب أنتوني م. كونيارس

 

الله الباحث ف1 – الفردوس بين يديك – الأب أنتوني م. كونيارس

الفردوس بين يديك

هأنذا واقف على الباب وأقرع

 

الفصل الأول – الله الباحث

 

بعصا الراعي التي تشبه الصليب،

يجول عبر أرجاء العالم… باحثًا عنكَ وعنِّي

 

 

الله الباحث

البحث الإلهي:

تفرُّد المسيحية:

كل الديانات الأخرى تُصوِّر الإنسان الباحث عن الله، أمَّا المسيحية فتنادي بإله ينـزل من “القلعة” باحثًا عن الإنسان. ليس هذا بحث الإنسان عن الله، لكنه بحث الله عن الإنسان.

تقليب الكون بحثًا عن نفس ضالة واحدة:

هرب أوغسطينوس من الله:

في كتابه “الاعترافات” Confessions, ترك أغسطينوس لنا سجلاً بمرحلة هروبه من وجه الله، وأوضح لنا كيف أن الله قد بدأ يطلبه وهو طفل من خلال صلوات ومحبَّة أمِّه، وكيف تجوَّل من مدرسة إلى مدرسة، بلا راحة أو سعادة في مرحلة بحث مستمرة، دون أن يجدَ الحق أبدًا, وكيف أصبح عبدًا لخطية وراء خطية. وبينما كان الله يبحث عنه دائمًا، كان هو يهرب من وجه الله دائمًا, إلى أن جاء ذاك اليوم بينما كان في حديقة بالقرب من “ميلان” Milan, وهو وسط صراعات الذهن والقلب العنيفة، وجد أغسطينوس المسيحَ، أو بالأحرى وجد المسيحُ أغسطينوس.

عندما استعاد أغسطينوس ذكرياته، أدرك كيف أن الله كان يبحث عنه، دون أن يغضَّ عنه الطرف أبدًا, وكتب قائلاً:

’’يا للشر الذي كنتُ منغمسًا فيه! أنتَ (يا رب) كنتَ دائمًا تبحث عني، وأنا أهرب منكَ بعيدًا بعيدًا. يا لها من طرقٍ ملتوية! ويلٌ للحماقة المندفعة التي ترجو أن تتركك حتى تجد ما هو أفضل. أنتَ وحدك هو الراحة‘‘. 

V الـمُطارِد السماوي:

يخبرنا الشـاعر الإنجـليزي “فرانسيس ثومبسون Francis Thompson” في قصيدته البديعة “المُطارِد السماوي” عن تاريخ نفسه، وهي نفس هربت من محبة الله التي تجدُّ بحثًا عنها, تمامًا مثل نفس أغسطينوس التي هربت من محبَّة الله الباحثة والمُختبئة في أعماق ذهنه, وحاوَلَتْ أن تطرد الله بعيدًا عن مسارها في غابات المتعة, وحاولت أن تنساه في مباهج العلم, ولكنه لم يستطع ـ لا في العلم ولا في المُتعة ـ أن يهرب من ملاحقة الله, المُطارِد السماوي فيقول في قصيدته:

     ’’هربتُ منه طوال الأيام والليالي,

     هربتُ منه طوال السنين,

     في متاهات عقلي،

     واختبأتُ منه وسط الدموع…‘‘.

      مَنْ لا يأوي المسيح لن يأويه شيء, ومَنْ لا يُرضي المسيح لن يرضيه شيء. وأخيرًا أصبح المطارد الذي كان يهابه أكثر اقترابًا حتى وجده في النهاية, وأصبح “فرانسيس ثومبسون” المنبوذ ومدمن المخدرات، هو “فرانسيس ثومبسون” الشاعر المسيحي الذي وجده المسيح وخلَّصه، وأسره المطارد السماوي. الله لا يخفي نفسه عنَّا في قصر السماء, ولكن بعصا الرَّاعي التي تُشبه الصَّليب, يجول أرجاء العالم باحثًا عنِّي وعنك.

يلاحقنا حتى الرمق الأخير:

      كتب القديس يوحنا ذهبي الفم عن يسوع وهو يلاحقنا كشاب يحب عروسه حبًّا مفرطًا. يلاحقنا حتى الرمق الأخير. يخلع عنه رداءه السماوي ويصبح إنسانًا، وليس إنسانًا فقط، بل عبدًا، وليس عبدًا فقط، بل عبدًا حتى الموت، وليس الموت فقط، بل موت الصليب. من أجلنا يصبح خطيَّة ولعنة، كما يكتب القديس بولس. إنها علاقة حب تصل ذروتها على الصليب بهذه الكلمات: “قد أُكمِل.” يلاحقنا حتى حفرة الهاوية، محطمًا أبوابها، وجاعلاً مفاصلها تتطاير في جميع الاتجاهات، حتى يحرِّرنا.

      وهكذا لا نعيش في عالم كافكا، حيث يحاول الناس الوصول لرئيس القلعة كي يعرفوا علَّة وجودهم, بل نعيش في عالمٍ يُلاحَق فيه كلٌّ منَّا بحب الراعي الصالح، المطارِد السماوي، الباحث كي يمنحنا ما لا يستطيع أي شيء أو أي إنسان آخر في هذا الكون أن يمنحنا إياه أبدًا: محبة الله وفرحه، وحياته، وسلامه!

Øصلاة×

يسوع الحبيب،

كيف أشكرك

لأنك تركت  السماء وأتيت بحثًا عني, وسلكت نفس طريقي.

وأنَّك تحبُّني وتود أن تهديني إلى السماء،

شرف لا أستحقه, أن اعرف أنك لست في القلعة الموجودة على قمة التل،

بل أنت واقفٌ خارج باب نفسي،

منتظرًا إياي كي أفتح لك وأدعوك للدخول،

حتى تغمرني بالسرور.

هأنذا أفتح الباب لحضورك,

فتعالَ، أيها الرب يسوع، تعالَ.

اجعل ملكوتك فيَّ ملكوتًا حقيقيًّا.

تعشَّ معي وأنا معك. آمين.

دَع الله يجدك:

[إن فحوى الديانة ليست هي فيما يفعله الإنسان مع وحدته, لكن ما يفعله الإنسان مع حضور الله].

Abraham Heschel

 أبراهام هيسكيل

 

الله الباحث ف1 – الفردوس بين يديك – الأب أنتوني م. كونيارس

Exit mobile version