الحركة الكارزماتيكية في التاريخ البروتستانتي ف1 – بين الحركة الكارزماتيكية واللاهوت الليبرالي
بين الحركة الكارزماتيكية واللاهوت الليبرالي
مقدمة
لابد أن نلتفت ياصديقي إلى هذا الموضوع الهام والخطير الذي بدأ يطرق أبوابنا بشدة عبر شبكة الأنترنت والقنوات الفضائية والمؤتمرات الطائفية ، حتى صرخ أحد قادة البروتستانت قائلاً :
” بين الحركة الكارزماتيكية واللاهوت الليبرالي تتمزَّق البروتستانتية “
حقاً إن ” الحركة الكارزماتيكية ” تمثل ضربة يمينية ، تلهث وراء الأمور الخارقة والمعجزات الخادعة ، أما ” اللاهوت الليبرالي ” فهو يمثل ضربة يسارية حيث ينكر الوحي الإلهي ، والمعجزات الكتابية ، والشخصيات التاريخية ، وهذه الضربات لا توجه للوسط البروتستانتي فحسب ، بل توجه أيضاً لنا نحن الأرثوذكس ، الذين نعاني من التغلغل البروتستانتي بطوائفه الشتى وفق خطط موضوعة ، وتمويل غزير من الخارج ، فمثلاً في صيف 2004 م وُضعت خطة لإجتذاب الشباب الأرثوذكسي عبر النشاط الرياضي ، وتم التركيز على بعض المحافظات ، مع رصد التمويل اللازم ، وشهد عام 2005م قيام مؤتمرين كارزماتيكيين في شهر مارس في شاطئ أبي يوسف بالأسكندرية ، والذي تعدت تكاليفة المليون جنيه ، ويوم الصلاة العالمي ذو الصبغة الكارزماتيكية والذي عُقد في شهر مايو بكنيستنا القبطية الأرثوذكسية بجبل المقطم ، وفي عام 2006م رصدت الكنيسة المعمدانية بالخارج 150 مليون دولاراً لنشر الإيمان المسيحي في مصر ، والمستهدفين بالطبع هم الأرثوذكس لا غير ، ونحن لسنا بحاجة قط للدفاع عن كتابنا المقدَّس ضد اللاهوت الليبرالي ، لأننا نثق أن الكتاب يدافع عن نفسه ، والسماء والأرض تزولان ولا يزول حرف واحد منه ، ولسنا بحاجة أن ندافع عن أرثوذكسيتنا ضد الحركة الكارزماتيكية ، لأنها راسخة 00 كل ما يحركنا هو الخوف على البسطاء من صغار النفوس لئلا تختلط عليهم الأمور ، فيتوهون في خضام الشكوك الليبرالية والأوهام الكارزماتيكية0
لقد انشغلتُ بهذا الموضوع المتضارب ، فألقيت محاضرة فـي سبتمبـر سنـة 2005م في ” مؤتمر العقيدة ” بالفيـوم عن ” اللاهوت الليبرالي ” ، ومحاضرة أخرى في يونيو 2006م في مؤتمر ” الأرثوذكسية والتحديات الطائفية ” بالفيوم عن الحركة الكارزماتيكية ، ولأن هاتين المحاضرتين لم تكفيا لطرح الموضوع بأبعاده المختلفة ، وتلبية لرغبة بعض الأباء في إصدار كتاب بهذا الموضوع ، لأن الكتاب أسهل تداولاً وأسرع انتشاراً ، لذلك أعود وأطرح هذا الموضوع للحوار عبر كتابي هذا ، والذي يشمل الفصول الآتية :
الفصل الأول: الحركة الكارزماتيكية في التاريخ البروتستانتي
الفصل الثاني: سمات الحركة الكارزماتيكية
الفصل الثالث: اللاهوت الليبرالي
الفصل الأول
موقع الحركة الكارزماتيكية في التاريخ البروتستانتي
الحقيقة أن هناك عدة موجات رئيسية ظهرت في تاريخ البروتستانتية من أهمها اربع موجات :
الموجة الأولى : ودُعيت بالكنائس المصلحة ، ويرجع تاريخها إلى القرن السادس عشـر ، ويمثلها ” مارتـن لوثر ” ( 1483 – 1546م ) الألماني الذي حاول إصلاح الكنيسة الكاثوليكية من داخل الكنيسة ( كما يقولون ) ويعتبر البروتستانت يوم 31 أكتوبر 1517م بداية الإصلاح الإنجيلي ، وهو يناسب اليوم الذي علَّق فيه لوثر احتجاجاته الخمسة والتسعين على باب كاتدرائية فيتمبرج 0
كما يمثل هذه الموجة أيضاً ” الريخ زونكلي ” السويسري الذي رفض الكنيسة الكاثوليكية ككل ، واحتج عليها بقسـوة ، وحطم كل شئ ، وأيضاً يمثل موجة الكنـائس المصلحة ” جون كلفن ” الفرنسـي الذي أراد أن يكون وسطاً بين لوثر وزونكلي ، وأن يمسك العصا مـن المنتصف ، ولذلك دُعي بالمرحب ، وتمخضت هذه الموجة عن ولادة الجماعات اللوثرية ، والزونكلية ، والمشيخية 0 ولا يوجد في مصر تواجد للجماعة اللوثرية ( وبها حالياً رهباناً متبتلين ) ولا تواجد أيضاً للجماعة الزونكلية ، وإنما توجد الكنيسة البروتستانتية المشيخية التي تنتمي لجون كلفن ، وقد دُعيت ” مشيخية ” لأنها تعترف بنظام الشيوخ ، وأول كنيسة بروتستانتية نشأت في درب الجنينة بالقاهرة 1860م ( راجع كتابنا : ياأخوتنا البروتستانت 00 هلموا نتحاور جـ 1 )0
كما ظهر في ركاب الموجة الأولى في القرن السادس عشر ” الكنيسة الإنجليكانية ” التي أنشقت عن الكنيسة الكاثوليكيـة سنـة 1528م لأن ملك إنجلتــرا ” هنـري الثامن ” ( 1509 – 1547 م ) أراد أن يُطلق زوجته كاترين ، فرفض بابا روما ، ولاسيما أن إبن شقيقة كاترين هو تشارلز الخامس ملك أسبانيا وإمبراطور ألمانيا ، فانفصل هنري الثامن عن الكنيسة الكاثوليكية وتزوج بآن بولين ثم سيمور ثم أوف كليفز ثم كاترين هوارد ثم كاترين بار ، فبسبب ملك مزواج نشأت الكنيسة الإنجليكانية التي تنادي اليوم برسامة المرأة في الكهنوت ، وزواج الشواذ ، وحقهم في الكهنوت 00 إلخ وهذه الكنيسة لها تواجد في مصر متمثلاً في الكنيسة الإنجليكانية ( الأسقفية ) ، وعقيدتها خليط بين الكاثوليكية والبروتستانتية ، فتجد فيها رتبة الأسقفية ولكن الأسقف الإنجليكاني متزوج 00 إلخ0
وأيضاً واكب الموجة الأولى ” الكنيسة المعمدانية ” التي ظهرت في القرن السادس عشر كجماعة منشقة عن الكنيسة الكاثوليكية ، فأطلقوا عليها ” أنا بابتست ” Ana-Baptists أي المعارضون لمعمودية الأطفال ، وقد أضطهدتهم الكنيسة الكاثوليكية لذلك توهموا أنهم سيجدون آمالهم في حمى البروتستانت ، فحاربوا بجانبهم ضد الكاثوليك ، ولكن البروتستانت أيضاً أنقلبوا عليهم ونظـروا لهم أنهـم أصحـاب بدعـة يجـب مقاومتها ، حتى أن ” زونكلي ” أصدر أوامره بإغراق كل من يحاول إعادة المعمودية في النهر ، فرُبط في فيينا الكثيرين منهم بسلاسل معاً وأُغرقوا في النهر ، وحكم على أحد قادتهم ” بلثاصر هابماير ” بالإعدام حرقاً سنة 1528م وأُغرقت زوجته في نهر الدانوب ، وتزوج أحد قادتهم ” جان مائيس ” الـذي كـان يعمـل خبازاً من راهبة جميلة تدعى ” ديفارا ” وادعى أنه أخنوخ الذي نُقل إلى السماء من قبل ، وعندما قُتل جان بائيس في أحد المعارك خلَّفه ” يوحنا ” الذي تزوج بديفارا أرملة مائيس ، ونادى بتعدد الزوجات حتى أنه تزوج هو بخمسة عشر زوجة ( ايريل كيرنز – المسيحية عبر العصور ص 351 – 355 ) وتدَّعى هذه الجماعة أنها قدمت خمسين مليون شهيداً0
وقد تأسَّست أول كنيسة معمدانيـة في إنجلترا سنة 1612م ، عندما قام ” جون مورتون ” و ” توماس هيلويز ” بإعادة تعميد بعضهما البعض ، وهاجر بعض المعمدانيين إلى أمريكا ونشروا مذهبهم هناك رغم الإضطهاد الذي عانوه على يد البروتستانت ، وقد هاجمت الكنيسة المعمدانية بابا روما وأطلقوا عليه ” ضد المسيح ” كما هاجموا قسطنطين البار وقالوا أن الكنيسة الزانية قد إقترنت بالحكومة سنة 313م في أيام الإمبراطور قسطنطين ، ونشأت أول كنيسة معمدانية في الفيوم سنة 1955م على يد القس ” صديق واسيلي جرجس ” وتُسمى الآن بكنيسة الأقباط المعمدانيين ، ومعترف بها من قِبل المجلس الملي الإنجيلي ، كما توجد في الأسكندرية ” الكنيسة المعمدانية الكتابية الأولى ” وهي تتبع الخارج ، ولم يعترف بها المجلس الملي الإنجيلي الذي يشترط عدداً معيناً من الكنائس لكي يعترف بطائفة جديدة0
الموجة الثانية : ودُعيت بكنائس الإصلاح أو الميثودست أي المنهجيين ، وقُصد بها إصلاح ما آلت إليه الموجة الأولى من فساد ، ويرجع تاريخهـا إلـى القرن الثامن عشر عندما إنشقت من الكنيسة الإنجليكانية ، لأن رجال الدين الإنجليكان الذين شغلوا مناصب عالية كانوا يحصلون على رواتب ضخمة ، بينما عانى بقية الخدام الإنجليكان من الفقر ، مما جعلهم يسيرون في ركاب الإقطاعيين ، يسهرون ويلعبون القمار ويسكرون معهم ، حتى تقسَّت القلوب ، فأصبح خروج الأسرة لمشاهدة مناظر الإعدام الجماعي النزهة المفضلة0
وفي هذه الأجواء وُلِد ” جون ويسلي ” ( 1703 – 1791م ) الإبن رقم (15) للقس الإنجليكاني ” صموئيل ويسلي ” وزوجته ” سوزانة ويسلي ” ، وقد تربى تربية دينية ملتزمة ، وفي السادسة من عمره شبَّ حريق في منزله ، وأُنقذ من الموت ، لذلك كان يلذ له أن يدعو نفسه ” الجمرة المنتشلة من النار ” كما قيل عن يهوشع الكاهن العظيم في سفر زكريا 0 حصل ويسلي على ليسانس آداب سنة 1723م ، وقام بالتدريس في جامعة أكسفورد ، وحصل على الماجستير سنة 1727م ، ورسم قساً إنجليكانياً سنة 1728م ، وأقام مع مجموعة من الدارسين إجتماعاً مسائياً درسوا فيه العهد الجديد باللغة اليونانية ، وكانوا يدققون في الدراسة فدعـوا بالمنهجيين ( الميثودست ) كما عُرفوا باسم ” النادي المقدس ” ومارسوا صوم الأربعاء والجمعة ، والمواظبة على العشـاء الرباني ، وزيارة المرضى ، وكان من الأعضاء البارزين ” تشارلز ويسلي ” ( 1707 – 1788 ) وهو الشقيق رقم (18) لجون ويسلي ، وكانت له موهبة نظم الترانيم ، فقام بتأليف نحو 5500 ترنيمة حتى دُعي بشاعر الحركة ، بينما أُعتبر جون ويسلي الذي ألقى 42000 عظة واعظ الحركة ، بالإضافة إلى تأليف نحو مائتي كتاب0
وقد سافر ” جون ويسلي ” مع شقيقه تشارلز إلى أمريكا لنشر الإيمان المسيحي بين الهنود الأصليين ، ولكن السلطات لم تسمح لهما بهذا ، فخدما في المجتمع الإنجليزي في جورجيا ، ولكن حدث نزاع بين ” جون ويسلي ” والآنسة ” صوفيا هوركي ” ، فعاد مع شقيقه إلى إنجلترا في أواخر 1737م 0 وفي يوم الأحد 21 مايو 1938م تحوَّل ” تشالز ” للإيمان الإنجيلي وقَبِل المسيح مخلصنا شخصياً ، وتبعه جون يوم 24 مايو ، ومع ” جون ويسلي ” تظهر بوادر ظاهرة السقوط على الأرض ، فعندما كان يصلي مع أتباعه في الثالثة صباحاً من أحد الأيام يقول ” حلَّت علينا قوة الله 00 فصـرخ الكثيرون مـن فرط الفرح وسقط آخرون على وجوههم ” (1) ونلاحظ هنا أن الذين سقطوا سقطوا على وجوههم ، بينما الذين يسقطون اليوم فإنهم يستلقون على ظهورهم في تؤدة وهدوء معتمدين على من يسندوهم من الخلف ، ويمثل كنائس الميثودست في مصر ” كنيســـة نهضة القداســــة ” ( الإصلاح ) ، و ” كنيســـة المثـــال المسيحـــي ” ، و ” كنيســـة الإيمـــــان ” ، و ” كنيسة الله ” 0
الموجة الثالثة : ويمثل هذه الموجة الثالثة كنيسة ” الأخوة البلاميت ” الذين ظهروا في النصف الأول من القـرن التاسع عشر ، على يد القس ” يوحنا نلسون داربي ” ( 1800 – 1882م ) الذي وُلِد في لندن من أسرة بروتستانتية ، وتلقى تعليمه في مدرسة وستمنستر بلندن ، ثم التحق بكلية ترينتي ( الثالوث القدوس ) بمدينة ” دبلن ” بأيرلندا ، وفي سنة 1819م حصل على الميدالية الذهبية للكلية ثم عمل محامياً ، وعُيَّن شماساً فقساً في كنيسة أيرلندا الوطنية0
وفي سنة 1827م أعلن القس يوحنا داربي إنشقاقه عن الكنيسة البروتستانتية ، وبدأ يعقـد إجتماعاته مع ” د0 كرونن وستر ” ، ومستر ” بللت ” ، ومستر ” هتشنسون ” في أحد المنازل بدبلن ، وفي سنة 1834م عندما ضاق بهم المنزل أستأجروا قاعة واسعة ، وتم تقديم أول مائدة للعشاء الرباني سنة 1838م 0 ثم أنتشرت حركتهم في دول أوربا وأمريكا وكندا ، وجاءت تسميتهم بالأخوةالبلاميث نسبة إلى بلدة ” بلميئوس ” التي ظهرت فيها هذه الطائفة ( الأخوة في أوربا طبعة سنة 1935م ص 10 )0
وقام يوحنا داربي بترجمة الكتاب المقدَّس من العبرية واليونانية إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية ، وكتب ملخصاً لأسفار موسى الخمسة في خمس مجلدات ، وخمسة وثلاثين مجلداً في الوعظ والتعليم ، واهتم الأخوة البلاميث بالمعرفة حتى قالت عنهم دائرة المعارف البريطانية أنه ” بلغ مجموع ما نُشر من مطبوعاتهم ما يساوي مجموع كل ما نُشر من مطبوعات ومن كتب وجرائد يوميـة ومؤلفـات علمية فـي القارة الأوربية في نفس هذه المدة ” (1)0
ودخلت هذه الطائفة مصر سنة 1860م على يد المُرسَل الأمريكي ” بنيامين بنكرتون ” الذي كان يقيم في بيروت ، ويأتي متجولاً في مصر لمدة أربعة شهور ، وقد ترجم مؤلفات داربي ، وبللت ، وشروحات وليم كلي ، وجميع هذه المؤلفات تنادي بحرية العبادة تحت قيادة الروح القدس ، وسلَّم بنيامين بنكرتون مبادئه لعدد من المصريين وفي مقدمتهم القس الإنجيلي جرجس روفائيل بملوي ، ثم أعلن القس جرجس إنفصاله عن الكنيسة المشيخية ، وأسَّس طائفة الأخوة البلاميث ، وتم كسر الخبز لأول مرة على الطريقة البلموثية في أواخر سنة 1883م بملوي حيث تقدم الشاب ” موسى صالح ” لكسر الخبز في وجود القس جرجس 0 ثم انتشرت مبادئ الأخوة في أخميم والنخيلة والأقصر ، كما انفصل القس بطرس دينسيوس عن الكنيسة الإنجيلية بالأقصر وانضم لجماعة الأخوة ، ولأن مبادئ الأخوة تحض علـى الخدمة بلا مقابل فقد قام ( القس ) جرجس روفائيل بخدمة الأخوة بلا مقابل حتى باع أثاث منزله من الفاقة ، فالتف حوله الإنجيليون وأقنعوه أنهم يقبلون جميع مبادئه ماعدا كسر الخبز الذي يجب أن يقوم به هو ، وعادوا يصرفون له راتبه ، ولكن الأخوة البلاميث أثروا عليه ثانية فترك الكنيسة الإنجيلية بلا رجعة ، وقد إعترف المجلس الملي الإنجيلي بهذه الطائفة0
وتنطوي عقيدة البلاميث علىالإنفصال التام عن أي مذهب أو طائفة ، ورفض أي قيادة بشرية ، فلا يعترفون بنظام الشيوخ أو القسوس 0 لكنهم يعتبرون أن الروح القدس هو وحده المُدبّر والقائد والمرشد في وجود الملك المسيح ، والكل سواسية فلا مكان لشماس ولا قسيس 0 والروح القدس هو الذي يدير الاجتماع ، فمن يحركه روح الله فيبدأ بترنيمة ، أو صلاة ، أو عظة ، أو تقديم العشاء الرباني ، فالقيادة البشرية مُلغاة أو قل أنها تنتقل من شخص إلى آخر ، ومع ذلك فإن البعض يدرس ويُحضّر موضوعاً معيناً وكأنه قد علم أن الروح سيحركه لإلقاء الكلمة ، وأن الروح سيختار له هذا الموضوع بالذات الذي سبق تحضيره ، وقد ينعقد الاجتماع وينفض دون كلمة تعزية لأن الروح لم يحرك أحداً لإلقاء كلمة0
ويُعرف الأخوة البلاميث بالتدقيق الشديد ، فلا يقبلون أي إنسان عضواً إلاَّ بعد أن يخضع للإختبار لمدة قد تصل إلى عدة سنوات ، وغير مسموح للعضو بمشاهدة التليفزيون ، وأيضاً لا يتزوج العضو من خارج الطائفة ، ويصل بهم التدقيق إلى مرحلة الفريسية الشديدة ، فعندما أعطي أخ منهم بعض البلح لآخر قائلاً : خذ البلحتين دول ( وهذا أسلوب مُتعارف عليه ) فعدَّهم الآخر ووجدهم نحو ست بلحات فقال له ” أو ألاَّ تخاف الله ؟!! 00 تقول على ست بلحات أنهم بلحتان !! ” ولا يسمحون لغير الأعضاء بالإشتراك في مائدة الرب0
وبسبب هذا التدقيق الذي مارسه الأخوة البلاميث نشأت طائفة أخرى منهم أكثر تساهلاً ، فتقبل الكل بلا إختبار ، وتسمح لأي إنسان أن يشترك في مائدة الرب على مسئوليته ، ودعوا أنفسهم بكنيسة ” الأخوة المرحبين ” ، وقد أعترف بهم المجلس الملي الإنجيلي من ضمن الطوائف البروتستانتية0
الموجة الرابعة : ويرجع تاريخها إلـى منتصف القرن التاســع عشر ، وتدعى بكنائس الكارزماتيك Charismatic Churchs من ” كاريزمـــــا ” Charisma أي ” موهبة إلهية روحية ” حيث يركز الخمسينيون على مواهب التكلم بألسنة ومعجزات الشفاء ، وطرد الأرواح النجسة ( راجع د0ق سامي حنا غبريال – نمو الكنائس الإنجيلية بمصر وعلاقته بالقيادة ص 117 ، 118 ) وجاء في تقرير الحالة الدينية سنة 1995م ” أن الكنائس الرسولية هي مجموعة تؤمن بمواهب الروح القدس كمواهب فردية تُعطى لكل شخص على حدة ” ( ص 388 ) 0
تعالوا يا أحبائي نغوص في أعماق التاريخ الكتابي ، لنوضح خلط الخمسينيين بين الحقائق الكتابية وبين وضعهم وواقعهم ، فراحوا يبحثون عن مرجعية وجذور لهم في كنيسة الرسل ، وحلول الروح القدس يوم الخمسين ، ومواهب الروح القدس مثل التكلم بألسنة ومعجزات الشفاء 000 إلخ0
إذا عدنا للخلف نحو ثلاثة آلاف وخمسمائة عام فأننا نلتقي مع عيد الأسابيع الذي هو يوم الخمسين ، وهو أحد الأعياد الثلاث الرئيسية في العهد القديم :
1- عيد الفطير 2- عيد الأسابيع (يوم الخمسين) 3- عيد المظال0
وكان عيد الأسابيع يقع في اليوم الخمسين من بدء حصاد الشعير ، وتقديم الحزمة الأولى للكاهن لترديدها أمام الرب للرضى ( لا 23 : 10 ، 11 ) وهذا الوقت يناسب بدء حصاد الحنطة ( خر 34 : 22 ) ولذلك كان من أهم طقوس يوم الخمسين تقديم رغيفين من دقيق الحنطة الجديد ، مع الذبائح المختلفة ، وهذان الرغيفان يرمزان إلى قبول اليهود والأمم في الإيمان ( لا 23 : 28 ) كما كان اليهود يذكرون في ذلك اليوم عبوديتهم المرة في أرض مصر ، ويجددون العهود مع الله ” وتذكر أنك كنت عبداً في مصر وتحفظ وتعمل هذه الفرائض “ ( تث 16 : 12 )0
وإذا عدنا للخلف نحو ألفي عام نقف أمام يوم الخمسين الذي حلَّ فيه الروح القدس على الرسل الأطهار ، كوعد مخلصنا الصالح لهم ، وما أجمل المقارنة التي عقدها القديس جيروم بين ولادة كنيسة العهد القديم على جبل سيناء ، وبين ولادة كنيسة العهد الجديد في علية صهيون حيث يقول :
” هناك سيناء وهنا صهيون 00
هناك الجبل المُتزلزل وهنا البيت المُهتز 00
هناك الجبل المُتقد بالنار وهنا الألسنة من نار 00
هناك الرعد الصاخب وهنا أصوات ألسنة كثيرة 00
هناك رنين الأبواق وهنا نغمات بوق الإنجيل ” 0 (1)
هذه حقائق كتابية 0 أما إذا عدنا للخلف نحو مائة وسبعين عاماً فإننا نلتقي بولادة الحركة التي دُعيت بالحركة الرسولية ( والتي إنشقت منها الحركة الخمسينية ) ففي بداية الأربعينات من القرن التاسع عشر تجمَّع عدد من الزنوج البروتستانت في لوس أنجلوس ، وأعربوا عن عدم إرتياحهم للحياة الروحية الفاترة التي كانت تسود المجتمع الأمريكي حينذاك ، واجتمعوا للصلاة بحرارة من أجل يوم خمسيني جديد ، وطفقوا ينطقون بكلمات مُبهمة ، مدَّعين أن الروح القدس قد حلَّ عليهم ، ومنحهم موهبة التكلم بألسنة ، وأرتبطت هذه الحركة الخمسينية في نشأتها بثلاث شخصيات :
1- إدوارد أرفينج 2- تشارلز0 ف0 برهام 3- ويليامز سيمور
1- إدوارد أرفينج ( 1792 – 1834م ) : وُلِد في دامفراس ، ودرس في جامعة أدنبرة ، ثم عمل ناظر مدرسة ، وفي سنة 1822م صار قساً بالكنيسة المشيخية في لندن ، وجذب الأنظار بعظاته الرنانة ، وتأثر أرفينج بالحركة الخمسينية التي أشعلها هؤلاء الزنوج ، وتبنى حركتهم ، وصار له الباع الأكبر في نشر هذه الحركة ، حتى أن الصحف الإنجليزية دعت هذه الحركة الخمسينية بـ ” الحركة الأرفنجية “0
وفي سنة 1827م بنى أدوارد أرفينج كنيسة أوسع لكي تتسع للأعضاء الجدد الذين إنضموا إليه ، وأثارت عظاته وخدمته جدلاً كبيراً ، وعُقِدت له عدَّة محاكمات كنسيَّة إنتهت بعزله من الكنيسة المشيخية ، أي أن الذي أسَّس الحركة الخمسينية كان محكوماً عليه ومرفوضاً من كنيسته المشيخية بسبب إنحرافاته الفكرية ، ويقول هـ0ل0 هايكوب ” وفي النصف الأول من القرن التاسع عشـر قامت في غرب اسكتلندا بدعة ” الألسنة غير المفهومة ” ولما نما خبر هذه البدعة إلى إدوارد ايرفينج أنضم إليها وأصبح فيما بعد علماً من أعلمها 0 ومنه أنفلتت العدوى إلى أعضاء كنيسته في لندن ، حتى كانت تلك الكنيسة مشهداً للتكلم بألسنة ، وانتهى به الحال إلى عزله بواسطة كنيسته المشيخية بلندن عزلاً شائناً مزرياً ” (1)
وقام ادوارد أرفينج بتأسيس طائفة جديدة بإسم ” الكنيسة الرسولية الكاثوليكية التي تؤمن بالتكلم بألسنة وعمـــل المعجزات ” وسريعاً ما أنتشرت هذه الطائفة الجديدة في إنجلترا وألمانيا وأمريكا ، وبموت أدوارد أرفينج وبقية قادة الحركة تشتَّتت هذه الجماعة 0 ثم عادت للظهور سنة 1914م في أركانساس0
2- تشالرز ف0 برهام : كان خادماً ميثودستياً وأفتتح ” كلية بيت إيل ” للدراسات الكتابية فـي ولاية كانسس في أكتوبر سنة 1900م ، وبدأ يدرس مع الطلبة سفر أعمال الرسل ، مركزاً على قبول الروح القدس ، وفي رأس السنة بدأ أحد الطلبة ينطق بلغة مبهمة فادَّعوا أنه يتكلم بألسنة ، وفي 3 يناير سنة 1901م تبعه برهام في التكلم بلغة غير مفهومة ، وخلال شهر يناير طلبت الطالبة ” اجنس أوزمان ” أن يضعوا أيديهم عليها لكيما تتكلم بألسنة ، فكان لها ما أرادت ، ونطقت بكلمات لم يفهم منها أحد شيئاً ، وابتهجت بهذا لأنها أعتقدت أن الروح القدس يتكلم بلسانها0
3- ويليامز سيمور : أفتتح تشارلز 0 ف0 برهام كلية أخرى لبيت إيل في مدينة هوستون بولاية تكساس سنة 1905م ، وكان ويليامز سيمور أحد طلبة هذه المدرسة ، وتشبع بالفكر الخمسيني وقاد الإجتماع التبشيري في لوس أنجيلوس ، حيث أصبح التكلم بألسنة ظاهرة واضحة في إجتماعات الخمسينيين00
وانتشرت الحركة الخمسينية في دول عديدة ، حتى بلغت نسبة الخمسينيين في شيلي 80 % من إجمالي السكان ، وأقام الخمسينيون أول مؤتمر لهـم في مدينة زيورخ بألمانيا سنة 1947م ، بينما وقف البروتستانت يراقبون هذه الحركة ، ولم يشاءوا أن يتصدوا لها لئلا يهتـز القــارب ، ويقول دون باشام ” كان بعض البروتستانت ينظرون إلى حركة الروح القدس على أنها ظاهرة مؤقتة ، وسرعان ما تتلاشى ، لذلك فهي لا تستحق منه إلتفاتة أو ذكراً ” (1)0
وقد بدأت الحركة الخمسينية في مصر سنة 1908م على يد ” القس براسفور ” الذي بدأ نشاطه في بيت النحال بأسيوط ، وانقلب الإجتماع إلى صياح وصراخ وكلمات مبهمة ، مدَّعين أن الروح القدس قد حلَّ عليهم وأنهم ينطقون بألسنة ، وفي سنة 1914م تكونت ” الطائفة الرسولية ” ، واعترف بها المجلس الملي العام الإنجيلي ، وتولى رئاستها القس صليب بولس مع القس بطرس لبيب ، غير أن الجماعة أنحازت للقس صليب بولس ، مما دفع القس بطرس لبيب للتقوقع في بلدته دير الجرنوس مركز مغاغة0
وفي سنة 1932م إنشقت عن المجموعة الرسولية مجموعة إنحازت إلى القس بطرس لبيب ، وكوَّنوا طائفة جديدة بأسم ” كنيسة الله الخمسينية ” وكان مقرها دير الجرنوس ، وامتدت إلى عدة بلاد أخرى مثل الفشن وسمالوط والمنيا وأسيوط والقاهرة والإسكندرية ، واعترف بها المجلس الملي العام الإنجيلي سنة 1946م ، غير أن هذه الطائفةالتي دُعيت بكنيسة المشاكل دخلت في صراعات طويلة مع رئيس الطوائف الإنجيلية ، والمجلس الملي العام الإنجيلي ، ووصلت هـذه المشاكل إلى الشرطة والقضاء ، واستمر هذا الصراع رغم صدور القرار الجمهوري 1133 في 17/7/1973 م بإنشاء مبنى كنيسة الله الخمسينية ، وفي سنة 1982م أضطرت بعض الكنائس الخمسينية للإنضمام إلى كنائس أخرى كارزماتيكية مثل الكنيسة الرسولية ، وكنيسة النعمة ، وكنيسة المسيح ، وقد شرح القس صموئيل مشرقي رئيس المجمع الخمسيني هذه الصراعات بالتفصيل في كتابه ” تاريخ المذهب الخمسيني في مصر ” ( راجع كتابنا : يا أخوتنا البروتستانت 00 هلموا نتحاور ج 2 ص 52 – 58 )0
ونستطيع أن نقول أنه خلال أربعة وثلاثين سنة أنشق عن الجماعة الرسولية التي نشأت سنة 1914م فـي مصر عدة جماعات ، ففي سنة 1932م خرجت منها الجماعة الخمسينية ، وفـي سنة 1940م خرجت منها جماعة النعمة ، وفي سنة 1948م خرجت منهـا جماعة المسيح 0 بالإضافة إلى نشأة جماعة النعمة الرسوليـة سنـة 1935م على أيدي مرسلين كنديين ، وهذا يذكرنا دائماً بأن البروتستانتية والإنشقاق صنوان لا يفترقان 00
فيا أيها الأرثوذكسي المعجب بجماعة بروتستانتية هذا العام ، لا تتعجب إن عدت إليها بعد عام فوجدتها جماعتين مختلفتين ، وأنت لا تدرك عظمة كنيستك الثابتة المستقرة على صخر الدهور منذ عشرين قرناً وإلى المجئ الثاني0
والجدول الآتي يوضح حركة هذه الجماعات الكارزماتيكية وعدد الكنائس التي تتبعها ، وكذلك الخدام ، وعدد الأعضاء التابعين لكل منها خلال الفترة من سنة 1960 م – 1996م :
|
عدد الكنائس |
عدد الخدام |
العضوية |
||||
1960 |
1985 |
1996 |
1960 |
1985 |
1996 |
||
الرسولية |
50 |
150 |
140 |
49 |
5286 |
13300 |
14000 |
الخمسينية |
30 |
27 |
45 |
18 |
1608 |
1260 |
1900 |
النعمة الرسولية |
6 |
12 |
17 |
9 |
316 |
605 |
550 |
النعمة |
5 |
8 |
15 |
10 |
150 |
240 |
700 |
المسيح |
12 |
15 |
19 |
19 |
1200 |
1500 |
1200 |
ويتبع الجماعة الرسولية ” كلية اللاهوت الرسولية ” التي تُسمى بكلية اللاهوت للشرق الأوسط ، وقد تأسست سنة 1953م في مدينة بور سعيد 0 ثم نقلت إلى لبنان عقب نكسة 1967م ، وأُعيدت إلى أسيوط سنة 1977م عقب إندلاع الحرب الأهلية اللبنانية ، فأستقرت في ملجأ لليان راشر ، ثم أنشأ ثلاثة فروع لها في القاهرة والمنيا وسوهاج ( راجــع د0ق0 سامي حنا غبريال – نمو الكنائس الإنجيلية بمصـر وعلاقتـه بالقيادة ص 201 )0
(1) رسالة جون ويسلي لعصرنا الحاضر ص 14
(1) فارس فهمي – الأخوة في مصر ص 8
(1) دائرة المعارف الكتابية جـ 3 ص 356 0
(1) تعريب د0 فخري حنا – المواهب المعجزية في ضوء كلمة الله ص 92 0
(1) معمودية الروح القدس – ترجمة غ 0 فرج ص 20 0
(1) هذا الجدول مقتطع من جدول يشمل كل الطوائف الإنجيلية أورده د0ق0 سالي غبريال في كتابه نمو الكنائس الإنجيلية بمصر وعلاقته بالقيادة ص 138