روايات مسيحيةكتب

البابا على كرسيه ف14 – كتاب البحار المغامر – حلمي القمص يعقوب

البابا على كرسيه ف14 - كتاب البحار المغامر - حلمي القمص يعقوب

البابا على كرسيه ف14 – كتاب البحار المغامر – حلمي القمص يعقوب

البابا على كرسيه ف14 - كتاب البحار المغامر - حلمي القمص يعقوب
البابا على كرسيه ف14 – كتاب البحار المغامر – حلمي القمص يعقوب

 

الفصل الرابع عشر : البابا على كرسيه

 

وصدر الأمر الإمبراطوري من الإمبراطور ” مكسيميانوس دايا ” إلى والي الإسكندرية بالحكم على بطرس أسقف الإسكندرية بالإعدام بحد السيف ، وما أن وصل هذا الأمر للثغر السكندري حتى تسرَّب سريعاً ، وإنتشر إنتشار النار في الهشيم ، وبحركة عفوية ، وبدون أي تنظيم من أي شخص ، أحاط بالسجن عشرات الألوف في لحظات 00 آباء كهنة وشمامسة وعذارى 00 رجال ونساء 00 شيوخ وأطفال ، وكأن لم يبقَ إنسان مسيحي في بيته بعد 00 نحو مائة ألف أحاطوا بالسجن لا يحملون سلاحاً ، لكنهم يحملون مشاعر ملتهبة أفاضت أنهاراً من الدموع 00 الجميع بلا إستثناء على أهبة الإستعداد للتضحية بأرواحهم رخيصة جداً فداءً لباباهم الحبيب 00 مستعدون أن يُذبحوا جميعاً ولا يرون باباهم يُذبح أمامهم 00 إزدحموا حول السجـن كالحصن الحصين : ” لو أنكم قتلتمونا جميعاً ، فلن ندعكم تقتلون بابانا ورئيسنا وبطريركنا ” 00

وعلت الهتافات : ” يابابا 00 بنحبك ” 00 ” بنحبك 00 يابابا ” 00 ” نحن ماعاك ( معك ) 00 حياتنا فداك “0

         وإذ رأى القائد هذه الإنفعالات الجياشة ، تحاشى حدوث تصادم مع هذا الشعب الهادر ، وأرجأ تنفيذ حكم الإعدام للغد ، ظناً منه أنه متى خيم الظلام وأرخى الليل سدوله ، فإن المتجمهرين سينفضون إلى حال سبيلهم ، ولاسيما أن الليلة تبدو شديدة البرودة ، ليلة التاسع والعشرين مـن شهر هاتور ، ولكن يبدو أن ظنه قد خاب ، فالجميع عزموا على قضاء ليلتهم مرابضين في موقعهم أمام السجن ، لـن يسمحوا بخروج البابا من السجن إلى ساحة الإستشهاد ، وإرتفعت نبرة الهتافات التي دوَّت في سماء الإسكندرية : ” إقتلونا إذبحونا 00 من بابانا لن تحرومنا “0

         أقبل المسيحيون جميعاً يزودون عن باباهم الموت ، وأقبل غير المسيحيين ليشاهدوا منظراً فريداً لم يره أحد من قبل ، فأي سجن مثل هذا أحاط به عشرات الألوف من مختلف الأعمار والأعمال والثقافات من أجل الإفراج عن شخص واحد فقط00 وإذ بالقائد في حيرته لا يجد سبيلاً للخروج من هذا المأزق الذي يهدد المدينة بالإشتعال ، وإذ بـ ” قداسة البابا بطرس ” بحكمته وأبوته الوديعة وهو لا يريد حدوث تصادم بين قوات رومانية باطشة مسلحة وبين شعب أعزل ، ولا يريد أن تُسفك دماء سواء كانت بريئة أو غير بريئة ، رأى أن يسلم نفسه فديه عن شعبه ولا يُمَس أحد من أولاده ، فسريعاً ما وضع خطة الخروج من المأزق ، والإنسان المسيحي دائماً هو المطالب بإمتصاص الصدمات 00 أرسل يستدعي القائد ، وإلتقى به بكل حب ، وإقترح عليه أن يتسلل بعض رجاله إلى خلف السجن ، حتى يثقبوا الجدار ، فيخرج إليهم ويفعلون به ما أُمروا به ، وإستحسن القائد الفكرة جداً0

         وبعد منتصف الليل تسلل بعض الجنود بأدوات الحفر إلى خلف السجن ، وإذ شعروا بطرقات خفيفة تأتي من الداخل حدَّدوا المكان ، وبدأوا عملهم ، وإذ في الأفق صوت أزير الرياح ، وأيضاً صوت الهتافات التي تدوي ، وهذا وذاك غطى على صوت المعاول التي تنهال على جدار السجن 00

         ومن ثقب الجدار خرج ” قداسة البابا المعظم بطرس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسة ” 0

         فأختشى منه الضابط المُكلَّف بأداء المهمة مع جنوده الرومان الأشداء الخمسة ، وسار البابا يحف به الجنود وقائدهم ، وقد إكتسب إحترامهم وتقديرهم وثقتهم 00 من يسلم نفسه للموت من أجل أحبائه لهو جدير بالتقدير والتبجيل0

         ومازالت هتافات الشعب الثائر الهادر تدوي في سماء الإسكندرية ، ولاحظ بعض رجال المخابرات الرومانية الذين يرتدون الملابس المدنية ، ويندسون وسط الجماهير ، يشاركونهم الهتافات ، ويراقبون حركاتهم وسكناتهم 00 لاحظ هؤلاء الرجال ان من أكثر الملتهبين حماساً ويلهبون حماس الجماهير أحد الأشخاص ذو البنية القوية ، فاحتالوا عليه ، ونجحوا في إجتذابه بعيداً عن الجماهير بحجة ان لديهم أخباراً سرية تخص البابا بطرس ، وسريعاً ما كان هذا الرجل مقيداً يقف ليُحاكم ليلاً أمام قاضي الظلمة :

القاضي :  من أنت ؟ وما إسمك ؟

الرجل : أنا ضابط بحري بالأسطول الروماني ، وإسمي ديمتري منسى0

القاضي : ضابط بحري بالأسطول الروماني وتهيج الشعب ضد روما 00 هل أنت روماني ؟

ديمتري : لستُ رومانياً 00 أنا من أصل يهودي وإلتحقت بالبحرية الرومانية ، وكثيراً ما عرَّضتُ حياتي للخطر من أجل سلامة وبحار الإمبراطورية 00 بعد أن أنهي خدمتي سأحصل على الرعوية الرومانية0

القاضي : إذاً أنت تحب الإمبراطورية الرومانية وتطمع في رعويتها ، وثانياً أنك يهودي ، فما بالك بمشاكل المسيحيين الخونة ؟ وإن كانوا يهتفون لبطرس أبيهم ، فما شأنك به ؟

ديمتري : قلتُ أنني من أصل يهودي ، ولم أقل أنني مازلتُ يهودياً 00 أنا مسيحي أؤمن بالسيد المسيح إبن الله الحي الذي تجسد وصُلب من أجل خلاص كل البشرية ، أما ” قداسة البابا بطرس ” فهو أب لي ، أعرفه ويعرفني معرفة شخصية ، وطالما تمتعت بأبوته 0

القاضي : إذاً أنت مسيحي ؟!

ديمتري : نعم أنا مسيحي 00 أعيش مسيحياً وأموت مسيحياً 00 أعتز وأفخر بهذا0

القاضي : ألا تعلم أنه بموجب تصريحك هذا ، الذي يعني عدم ولاءك لآلهتنا وأباطرتنا ، تستوجب الموت0

ديمتري : وهل تظن أن تماثيل الذهب والفضة والحجر والخشب هذه آلهة ينبغي لها السجود ، وكيف تكون آلهة وهي لا تنفع ولا تشفع ، لا حيلة لها ولا قوة ، وإن قلت أنها رمز فلماذا تسجدون لها وتقدمون لها الذبائح ؟! 00 أما الإمبراطور فإنني أكنُّ له الإحترام اللائق ، لكنني لا يمكن أن أؤلّهه ، فهو مجرد إنسان مثلي ومثلك0

القاضي : أنت ضابط سليط اللسان تحتاج إلى التأديب0

ديمتري : هذه نظرتك لي 0 أما نظرة السماء فهي شئ آخر 0

         وسريعاً ما أصدر القاضي حكمه على ديمتري 00

         من رأى محاكمة كهذه ، لضابط عظيم كهذا ، تجري في جناح الليل ، لا تستغرق سوى دقائق معدودة ، ومن الجلسة الأولى يصدر الحكم ؟!!

         أما ديمتري فأمضى ليلته مكبلاً بالأصفاد ، لم يغمض له جفن ، فإن قلبه هناك في السجن العام حيث باباه البابا بطرس 0

         وأخذ الضابط ديمتري يستجدي الأخبار ، فتنامى إلى سمعه أن البابا البطريرك طلب من القائد أن يثقب الجدار الخلفي للسجن ، وفعلاً تم ثقب الجدار ، وخرج البابا إلى ساحة الإستشهاد ليفدي أولاده من أي أذى ، فالتهبت مشاعر ديمتري أكثر فأكثر ، فمن يطلقه ليخلص بابا من الذبح ؟!

         وأيضاً تسامى وإرتفع قدر ” قداسة البابا بطرس ” في نظره :

الأب يسلم نفسه للموت عن أولاده 00

يهوه يصير إنساناً من أجل حياة أولاده 00

يهوه يُضرب ويُهان ويُعرى من أجل إنقاذ أولاده 00

يهوه يُصلب ويموت من أجل أحبائه 00

نعـم ” ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه ” ( يو 15 : 13 )0

يهوه يُدفن ثلاثة أيام ويقوم منتصراً على الموت 00

بالموت دحر الموت 00

         وتعجب ديمتري من نفسه ، إذ بعد أن شهد ليسوع إلهه ، قد أدرك تماماً قضية التجسد والفداء 00 لم تعد عثرة في طريقه 00 هوذا العقل يسلم الراية للإيمان ، والإيمان يُكمل المشوار الذي عجز العقل عن إستكماله 00 تنهد ديمتري قائلاً :

أؤمن ياربي 00 أؤمن ياإلهي 00 أؤمن ياسيدي0

         وفي الطريـق مـن السجـن إلـى ساحة الإستشهاد طلب ” قداسة البابا بطرس ” من القائد أن يسمح له بالمرور على قبر مارمرقس ، وهل لهذا القائد أن يرد للبابا الشجاع البطل طلباً ، وهو الذي يود لو يُطلقه لولا أن هذا يعرض حياته وحياة جنوده لحكم الإعدام ، فقال له : ” أفعل ما تريد أيها الأب ، لكن بسرعة ” 0

         فتوجه البابا بطرس إلى ذاك الموضع الذي حوى جسد سلفه البطريرك الأول ، وجثا على ركبتيه ، وأخذ يناجيه قائلاً :

أيها الأب كلي التبجيل 00

كاتب إنجيل إبن الله المُخلص  ، والشاهد لآلامه 00

لقد إختارك مخلصنا لتكون أول رئيس للكهنة في مصر ، وعاموداً لكنيستها 00 عهد إليك بالكرازة في هذه المدينة وكل كورة مصر وتخومها 00

كنت ساهراً على الخدمة التي أئتمنك عليها لخلاصنا ، وجزاء لهذا العمل المجيد نلت إكليل الشهادة 00

إستحققت بذلك كرامة الإنجيلي ، وكرامة رئيس الأساقفة 00

أنت إختـرت ” أنيانوس ” الطوباوي لأنه كان مستحقاً ، ومن بعده ” ميليـوس ” ، ومـن كـان بعدهمـا ، ثم الآباء ” ديمتريوس ” و ” ياراوكـلاس ” و ” ديونسيـوس ” و ” مكسيمـوس ” والطوباوي ثاؤنا الذي قام بتربيتي منذ الطفولة وقام بتهذيب قلبي 00

         وقد صرت أنا الخاطئ غير المستحق أن أكون خليفتك على كرسيك رغم عدم إستحقاقي ، فأطلب إليك ياسيدي أن تجعلني مستحقاً لأن أكون خليفتك في بذل الروح أيضاً0

نعم 00 يالغني فيض مراحم الله عليَّ ، أن يُوهب لي أن أكون شهيداً من أجل صليبه الثمين والقيامة المُفرحة 00 ليسمح لي أن أسكب تقدمة دمي 00

الآن 00 أطلب إليك ياأبـي أن تصلي من أجلي لتسندني القوة الإلهيَّة ، فأبلغ غاية هذه الآلام بقلب شجاع وإيمان راسخ 00

أيها المثل المجيد 00 أستودعك قطيع المسيح الذي كنتُ مسئولاً عن رعايته ، متضرعاً إلى رب المجد أن يكون موت خادمه خاتمة هذا الإضطهاد ، فلا تقوم له قائمة بعد اليوم(96)0

         ثم رفع البابا بطرس صلاته الختامية ذبيحة مقبولة عن شعبه :

ياإبن الله الوحيد ، يسوع المسيح ، كلمة الآب الأبدي 00

إسمع لي طالباً رأفاتك 00

أتضرع إليـك أن تقـول سلاماً ، فتهدأ العواصف التي تهز كنيستك 00

وليكن سفك دمي أنا خادمك خاتمة هذا الإضطهاد الحال بقطيعك الناطق 0 آمين(97)0

         وكان بالقرب من هذا الموضع مسكناً تقام فيه العبادة تكريماً للإنجيلي ناظر الإله ، وكانت ساعتئذ صبية عذراء مع أبيها الشيخ ساهرة تصلي ، فسمعت صلاة البابا بطرس ، وسمعت صوتاً يقول :

” بطرس آخر شهداء هذا الإضطهاد “

         إنتهى ” قداسة البابا ” من مناجاته لمارمرقس وصلاته السهمية ، فنهض ، وإذ وجهه يضئ كوجه ملاك ، فدخل الخوف قلب الجنود 00 أكمل البابا مسيرته نحو ساحة الإستشهاد وضوء الفجر كاد ينبلج ، وفي الطريق رأى البابا شيخاً ومعه إمـرأة عجوز ، فسألهما : إلى أين أنتما ماضيان ؟ وهل أنتما مسيحيان ؟

فقالا : نعم نحن مسيحيين ، ونحن ماضيين إلى المدينة لنبيع ما معنا0

البابا : الله يعينكما ياولديَّ المؤمنين 00 هل تقفا معي ساعة0

         وإذ أدركا أن محدثهما هو البابا بطرس إنحنيا أمامه يقبلان يديه ويظهران طاعتهما وخضوعهما له ، وسارا مع البابا والجنود ، وقد أدركا أيضاً حجم الكارثة0

         ووصل موكب السلام إلى أرض الإستشهاد ففرش العجوزان الجلود التي بحوزتهما على الأرض ، وجثا ” قداسة البابا المعظم بطرس خاتم الشهداء ” على ركبتيه ، وخلع عنه البلين كاشفاً عن رقبته الطاهرة وقال لهم بقلب ثابت : إفعلوا ما أُمرتم به0

         وإذ بالجنود يلحقهم الخوف والخشية من أن تلحقهم عقوبة السماء إذا ألحقوا الأذى برجل الله ، فصار كل منهم يشير للآخر أن يضرب الرجل 00 إرتبك الجنود الرومان الشجعان وشعروا أن موقفهم صار مخزياً 0 أما قداسة البابا فقد أخذ يتعجلهم :

إسرعوا ياأولادي قبل أن يدرككم الصباح ، ويدرك المرابضون أمام السجن حقيقة الأمر 00″

         ومازالت الربكة والحيرة تأخذ بالجنود مأخذاً ، حتى قائدهم عجز عن أن يعطي أحدهم أمراً ليضرب الرجل الجاثي أمامهم 00 الدقائق تمر ثقيلة متباطئة والصمت يلف المكان0

أحد الجنود : ليدفع كل منا خمسة قطع ذهبية ، ومن يضرب رجل الله يأخذ المبلغ0

         فأخرج كل واحد من الجنود القطع الذهبية ، ووضفت على الأرض بجوار القديس ، فأثارت هذه القطع الذهبية مطامع أحدهم من محبي الفضة ، فتجرأ وضرب عنق ذاك البطل المغوار 00

         تدحرجت الرأس المقدَّسة ، وأسرع الضابط وجنوده يهربون من المكان ، تلازمهم مشاعر اللصوص القتلة 00 هربوا قبل أن يعلم الشعب الثائر فيفتك بهم ، وما أن وصل الضابط بالقرب من السجن العام ، حتى سرَّب خبر بأن البابا بطرس خرج من خلف السجن وتوجه إلى ساحة الإستشهاد 00 ركضت الجموع نحو الساحة ويكاد بعضهم يدوس البعض ، من أجل إنقاذ باباهم الحبيب من ضربة السيف 00

         وما أن وصلوا حتى وجدوا جسد البابا مسجي على الأرض ورأسه منفصلة ، وبجواره الشيخ والمرأة العجوز ينتحبان وينوحان 00 صُدِمت الجموع ، وإرتفعت أصوات البكاء والنحيب ، والتنديد بظلم المستعمر الروماني 00 أسرع الآباء الكهنة بلف الجسد مع الرأس بقطعة من الجلد ، وبصعوبة بالغة منعوا الشعب من الإقتراب إليه ، فكل إنسان يطمع في قطعة صغيرة من ثياب البابا بركة لبيته وأولاده0

         وحمل الآباء الكهنة جسد البابا الشهيد في مشهد ضم عشرات الألوف في طريقهم إلى الكاتدرائية وصاروا يهتفون بكل قوة وحماس ، وكأن البابا في وسطهم حيَّاً ، وجندياً رومانياً لم يحرك ساكناً ، وضابطاً رومانياً لم يتفوه ببنت شفة ، وكأن الرومان قد إختفوا عن وجه الأرض0 فقد أدركوا خطورة الموقف وخافوا أن تحترق الإسكندرية بكل من فيها من ثورة الغضب العارمة هذه ، فأفسحوا المجال للمسيحيين للتنفيث عن أنفسهم ، وقد علت صرخاتهم :

كيريالايسون 00 كيريالايسون ” 00

” أوكيريوس 00 أوكيريوس ” 00

†   ” الســـلام الســـلام    إحنـا أولاد ملك الســـلام “

†   ” إلهي إلهي هـو خلاصي     هو دائماً رافع راســــي “

†   ” ألف سلام وألـف تحيـة       على شهيد المسيحيــــة “

†   ” ياشهيد نـــام وإرتـاح إحنا هنكمل الكفـــــاح “

†   ” ياوالي نـام وإرتـــاح  عمـر مسيحي ماشال سلاح “

†   ” عمر مسيحي ماشال سلاح  واللي بيذبح ده سفـــاح “

†   ” أنتم معاكم سلاح ونـــار      وإحنا معانا إله جبــــار “

†   إهتف إهتف وعلـي الصوت    عمر مسيحي ماخاف من الموت

†   ” أنا مش خايف 00 أنا مش خايف    طيَّر طير طيَّر راسي “

         وإذ أخذوا يستصرخون السماء إهتزت أعتاب السموات وصدر الحكم الإلهي بنهاية وسقوط الإمبراطورية الرومانية ، أعظم إمبراطوريات التاريخ كله ، التي مثلت رجلي التمثال الذي أبصره نبوخذ نصر في حلمه المصنوعتان من الحديد ( دا 2 ) ، والتي مثلت الحيوان الهائل القوي ذو الأسنان الحديدية في رؤيا دنيال النبي ( دا 7 )0

         وصل الموكب المهيب إلى كاتدرائية العذراء ذات الألف عمود بحي راكوتيس ، فلفوا الجسد في ستائر من الحرير ، وألبسوه ملابس التقديس ، ووضعوا عليه أطياباً كثيرة ، وأجلسوه على كرسي مارمرقس الذي لم يجلس عليه قبلاً ، وهتف الشعب يحيون شجاعته وفداءه لأولاده 00 صاروا يهتفون للراعي الصالح الذي بذل نفسه عن الخراف 00 إختلطت الزغاريد بأصوات النحيب ، وإختلط التصفيق بالصرخات ، وإختلطت فرحة الإنتصار بحرقة الألم 00 إمتلأت كنيسة الألف عمود التي تسع عشرين ألف شخصاً وفاضت 00 آباء أساقفة وكهنة 00 شمامسة وعذارى 00 رجال ونساء 00 حيَّا الآباء الأساقفة قداسة البابا البطل الشجاع المقدام ، رافعين الأنظار إلى فرحة السماء بإستقبال هذا الراعي الأمين ، وتجاوبت معهم هتافات شعب يتيم ” يابابا 00 بنحبك ” 00 ” بنحبك 00 يابابا “0

         رأى البعض أن يُدفن البابا بطرس بجوار سلفه وشفيعه البطريرك الشهيد ” مارمرقس الرسول ” ، ورأى البعض أن يُدفن في الكاتدرائية ، وإنتهى الأمر إلى قرار دفنه بالمقبرة التي أعدها لنفسه في ” لوكابتس ” بغرب المدينة ( القباري ) فحملوه من الكاتدرائية بموكب مهيب رافعين الصلبان ، والآباء الأساقفة والكهنة حملوا المجامر ، والشعب سعف النخيل ، وقطع الموكب الطريق بالألحان الكنيسة حتى إهتزت أساسات المدينة 00 وإستراح البابا بطرس بعد أن جلس على كرسي مارمرقس تسعة سنوات وعشرة أشهر في إضطهادات متصلة سُفكت فيها دماء مئات الآلاف من المسيحيين الأبرياء0

         إستقر جسد البابا في مسواه الأخير ، وكانت نحو الساعة الثانية عشر ظهراً ، وإذ لفت أنظار البعض أنه بالقرب من المقبرة كان هناك صليباً مرفوعاً سُمّر عليه رجل في نحو الأربعين من عمره ، وعيناه ترنوان نحو مقبرة البابا الشهيد 00 ظنوه في البداية مجرماً 00 وإذ ” ميناس ” ينظر إلى الصليب مليئاً ، ثم يركض تجاه الأبوين ” أرشيلاوس ” و ” ألكسندروس ” يخبرهما عن المصلوب 00 يركض الآباء وميناس وخلفهم المئات تجاه الصليب 00 تحت الصليب نسوة إنحنت تفيض عيونهن دماً أقصد دمعاً وقلوبهـن تنفطر 00 إنهن ” سوسنا ” وبناتها الخادمات ” راحيل ” و ” دينه ” و ” ميراب “00

         لقد إجتمع الأصدقاء الأربعة من جديد ولكن أحدهم قد إعتلى الصليب 00 إنه الضابط الشجاع البحار المغامر ” ديمتري “ 00 إلتفت الجموع حوله ، أما الجنود المكلفين بحراسة المصلوب ، فقـد أطلقوا سيقانهم للريح 00 أراد الأصدقاء الثلاثة إنقاذ المصلوب ، أما هو فرفض بشدة 00 إنه يريد أن يختبر ما سمع عنه كثيراً أن الشهيد يحتمـل على قدر طاقته ، وأن يسوع المصلوب يشاركه آلامه 00

         وقفت الجموع تصلي في خشوع ودموع حول الضابط المصلوب 00

         وأُعلنت للمصلوب رؤيا رائعة ، إذ أشرق فجر جديد ، تلاه نهار صحو جميل ، وإذ بسحب الإضطهاد السوداء تخف حدتها كثيراً ، وإذ بالسماء تستضئ بنور سماوي لا يُعبر عنه ، وإذ بالكنائس ترتدي ثوباً قشيباً 00 ما تهدَّم منها أُعيد بناؤه 00 الأماكن الخاوية شيدت بها أبراج الصلاة ، آية من الروعة والجمال الروحاني ، وسُمع فيها صوت الدف والتريانتو مع أصوات التسبيح 00 عادت الأعياد ، وأُقيمت الإحتفالات ، ونُصبت الولائم الفخمة للفقراء ، وتوافدت الشعوب إلى المدينة المُحبة للمسيح الإسكندرية التي قدمت إثنين من بطاركتها شهداء للحمل ، مارمرقس الرسول والبابا بطرس خاتم الشهداء 00

         وإذ بالقرون تمر والسنون تفر ، سبعة عشر قرناً تعبر على ذلك اليوم بالتمام والكمال ، ولاح لديمتري في شرق المدينة كنيسة شامخة ، ترتفع منارتها إلى عنان السماء ، تحمل إسم البطريركين الشهيديـن ، تتصاعد منها الصلوات النقية ليل نهار ، فسرَّ الرب بها ، وكان لابد من الإحتفال بمرور سبعة عشر قرناً على إستشهاد باباهم الحبيب ” البابا بطرس خاتم الشهداء ” ومع الدقائق الأولى وبعد مرور واحد وعشرين دقيقة من عام 2011م سُمع صوت دوي هائل على أعتاب تلك الكنيسة هزَّ المكان ، وسُمع صوت صرخات ودماء وأشلاء متناثرة على الأرض وعلى الجدران تدشن ذلك المكان وتُعلن سرور الرب به ، وإذ بالبابا بطرس يُسرع متلهفاً يحتضن عشرين نفساً من أولاده ويقدمهم أمام العرش الإلهي ليتوَّجوا بأكاليل الشهداء 00 هؤلاء هم أيضاً شهداء 00 والشهادة تجديد لشباب الكنيسة00 بالإضافة لأكثر من مائة معترف 00

         صارت هذه الكنيسة منارةً ومزاراً 00 يتوافد إليها الأفراد والجماعات ، وتتبادل المحبة والمساندة في أسمى صوُّرها 00 صار الجميع بنفس واحدة ، وإيمان واحد يهتفون بترنيمة واحدة ، ترنيمة الحب لله وللبشرية وللوطن 00 ظل الآباء الكهنة يرفعون صلواتهم ويرعون أولادهم ، وصار الأولاد الصغار يلهون في فناء الكنيسة ، حتى صارت ألعابهم تمثل شجاعة وبطولة الشهيد إزاء قوى الظلم والطغيان 00 وصار الشعار ” محدّش يخاف ” 00

         هذا ما رآه ديمتري المصلوب في رؤياه0

         وهنا إرتسمت إبتسامة خفيفة على شفتي المصلوب ، لاحظها الأصدقـاء المرابضيـن تحـت الصليـب وتعجبوا 00 إن ” ديمتري ” لا يصرخ ولا يتلوى من شــدة الآلام التي لا تُطاق 00

         رابض الأصدقاء بجوار المصلوب بينما إنصرفت الجموع 00 أخيراً سمعوا همسات حبيبهم ديمتري :

ياربي يسوع المصلوب عني 00 أشكرك من أجل شركة آلامك

ياأبي بطرس 00 لست أنا البحار المغامر 00 إنما أنت 00

أنت البحار والربان الماهر 00

يامن قدت السفينة بمهارة 00

         ومع غروب شمس ذاك اليوم الرهيب سُمعت الهمسات الأخيرة للبحار المغامر ، البطل الشجاع ، حلو المعشر ، الضابط ” ديمتري ” :

” إذكرني يارب متى جئت في ملكوتك “

                                  الإسكندرية في 24/7/2011م

                                             17 أبيب 1727 ش

                                            شهادة القديسة أوفيمية

                                                أمام دقلديانوس

 

تمجيد للبابا بطرس خاتم الشهداء

 

أفتح فاي بالتسبيــح      وأذكر للتخليــــــد             رئيس الكهنة الشهيــد

” بنيوت أفا بطرس “

أخبركم ياأحبــــاء          عن بطرس خاتم الشهداء عظيم ورئيس آبــــاء

أبوه كان قسيـــس         مقامه رفيع ونفيـــس        طاهر ورجل قديـــس

طلــب كزكريـــا             من إله كل عطيــــة          أن يرزقــه ذريـــة

أمه نســل الأبـرار         بكت بدمـوع غـــزار           في عيد الرسل الأطهـار

رأت في رؤيا المنـام       من بشرهـا بغـــلام           بطرس وبولس الكــرام

رُزقت بهذا النزيــر        وكان فصيـح وقديــر         في العلــم والتبشيــر

رسمه البابا ثاؤنـاس      في رتبــة الشمــاس          فكاهن لقدس الأقــداس

إختارتـــه السمـاء         مدبراً فرئيـس آبـــاء          هو خاتم الشهــــداء

راعي صالـح وأميـن       حصَّن شعبه تحصيــن       من بــدع المبتدعيـن

منهم أسقـف أسيـوط      ميليتيوس صار مربـوط      بمجمع جمعه المغبــوط

ويسوع في رؤياه ناداه    عن أريوس قـد نهــاه        من أنكر إبن اللــــه

إياك ياقديـــــس            تقبل أريوس قسيـــس        ده فيه روح إبليـــس

فأطاع لصوت السماء     وجمع مجمع آبــــاء          فندوا كـــــل الآراء

حرموا أريوس حرمان     مع حزب الشيطــــان         وحفظوا لنا الإيمـــان

رأيت قوة إيســوس        على كرسي مار مرقـس      فأبيـــت الجلــوس

طلبت من إله السماء     أن تُحقن اللقـــــاء            وتكون آخر الشهــداء

أعطاك سؤال قلبــك       ومضيت إلى ربـــك           إختــارك وأحبـــك

السلام لك ياآفا بطرس    ياراعي شعب إيسـوس       وموصلهم إلى الفردوس

السلام لك ياقديــس       يا إبن القسيـــــس            يا حبر ونفيـــــس

السلام لك يامختــار       يارئيس الأحبـــــار            يامؤتمن على الأسـرار

طوباط ثم طوبـــاك         أكسيوس أكسيوس أكسيوس   يامن أكملت مسعـاك

أذكرنــا ياأبانـــا            لنكمــل مسعانــــا             ونحظى برجانـــــا

تفسير إسمك في أفواه كل المؤمنين

الكل يقولون ياإله البابا بطرس أعنا أجمعين

 

 

(96)   المرجع السابق ص 37 ، وكامل صالح نخلة – حياة البابا بطرس الأول خاتم الشهداء ص 48 ، والمستشار زكي شنودة – الشهداء ص 235

(97)   القمص تادرس يعقوب – البابا بطرس الأول خاتم الشهداء ص 38

 

البابا على كرسيه ف14 – كتاب البحار المغامر – حلمي القمص يعقوب