روايات مسيحيةكتب

الأسقف المحب لذاته ف11 – كتاب البحار المغامر – حلمي القمص يعقوب

الأسقف المحب لذاته ف11 - كتاب البحار المغامر - حلمي القمص يعقوب

الأسقف المحب لذاته ف11 – كتاب البحار المغامر – حلمي القمص يعقوب

الأسقف المحب لذاته ف11 - كتاب البحار المغامر - حلمي القمص يعقوب
الأسقف المحب لذاته ف11 – كتاب البحار المغامر – حلمي القمص يعقوب

 

 

 

الفصل الحادي عشر : الأسقف المُحب لذاته

 

         مرت أيام الإضطهاد بطيئة متثاقلة ، وفي أواخر ديسمبر سنة 309م إلتقى الأصدقاء بدون سابق ميعاد في مزار ” البابا ثاؤنا ” فكل منهم ذهب يلتمس صلواته من أجل بعض الأمور ، ولكن العامل المشترك بينهم هو طلبهم صلوات هذا البستاني الأمين من أجل البستان الذي يعاني من متاعب شتى من الخارج والداخل ، وتعزى الأصدقاء بصلواتهم التي تصاعدت إلى السماء كبخور عطر الرائحة ، وشعروا بأن روح أبيهـم ثاؤنا الذي أحبهم ترفرف حولهم ، فجلسوا في هذا المكان الهادئ بعيداً عن أعين الكل ودار الحديث بينهم حول مشكلة أسقف ليكوبوليس ( أسيوط ) الذي صنع إنشقاقاً في الكنيسة 0

أرشيلاوس : ما يحز في نفسي أن أبائنا الأساقفة الأجلاء في غياهب السجون يشهدون للمسيح بقوة ، و ” قداسة البابا ” عاد من أرض فلسطين لكنه غائب عن كرسيه ، لأنه يتفقد أولاده في شتى المديريات ، ويشد من أزرهم ضد إضطهاد غاشم قاسٍ ، فيشجعهم البابا علـى التمسك بالإيمان المسيحي حتى الدم وحتى النفس الأخير ، واضعاً نصب أعينهم قول مخلصنا الصالح ” كن أميناً إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة ” ( رؤ 2 : 10 )0 أما ” ميليتوس ” أسقف ليكوبوليس الذي ضعف أمام الإضطهاد وبخـر للأوثـان خوفـاً من الموت ، عندما أوقع عليه ” قداسة البابا بطرس ” عقوبة التأديب رفض ، بل أنه إنتهز فرصة غياب الآباء الأساقفة عن كراسيهم وأخذ يرسم أساقفة وقسوس في إيبارشياتهم0

ميناس : الأمر العجيب أنك دائماً تجد صوت الباطل هو الأعلى ، فكثيرون يشايعون ميلتيوس ، وإلتف حوله كثير من الإكليروس والرهبان والشعب بسبب شعبيته الكبيرة 00 إنني في منتهى الألم من أجل أمي الكنيسة المتألمة 00 إضطهادات من الخارج ، ونفوس تخور في الطريق ويتزعزع إيمانها ، وإنقسامات من الداخل بسبب محبة ميلتيوس لذاته ، وبدع أريوسية ترعى في الشعب00

ديمتري : سمعت أن مشايعي مليتوس يلتمسون له العذر في هذه السيامات ، لأنه أقنعهم بأن هذه الإيبارشيات التي غاب أساقفتها عنها في حاجة للرعاية الروحية ، ولذلك إضطر لهذه السيامات في هذه الظروف الإستثنائية غيرةً منه على خلاص النفوس ومجد الخدمة0

ألكسندروس : هذا لا يمنع أن ما يفعله ميلتيوس ضد تقاليد الآباء وقوانين الآباء الرسل ، التي تمنع تدخل أسقف في شئون إيبارشية غير إيبارشيته0

أرشيلاوس : إن قساوة القلب تمادت في نفس ميليتوس فلم تردعه الرسالة المؤثرة جداً التي أرسلها الآباء الأساقفة وهم في سجنهم0

ديمتري : كنت أتمنى أن أطلع على هذه الرسالة التي كُتبت في غياهب السجن0

أرشيلاوس : معي صورة من هذه الرسالة ، إحتفظت بها على سبيل البركة 0

ديمتري : هل تقرأها لنا ؟

أرشيلاوس : ” من ” هيتيخوس ” و “باخوميوس ” و ” ثيؤدوسيوس ” و ” فيلاس ” إلـى ” ميليتوس ” المحبوب وشريكنا الخادم في الرب 0 التحية0

في بساطة الذهن نخبركم أنه قد نمى إلى علمنا عنك إشاعات لا تُصدَق ، فقد أخبرنا زائرون عن بعض المحاولات0 لا بل والأعمال التي تصـدر عنك ، غريبة عن النظام الإلهي والكنسي ، هذه التي لم نكن نود تصديقها من أجل ما حملته هذه التصرفات من تهور شديد وطياشة 00 إننا لا نستطيع أن نعبر عن مدى الضيق والحزن اللذين حلا بنا كجماعة وأفراد عند سماعنا بالسيامات التي قمتَ بها في إيبارشيات ليست تحت سلطانك0

00 إنه يوجد قانون الآباء والأجداد ، إننا لا نجهله ، مؤسَّساً على أساس إلهي وكنسي 00 إنه لا يجوز للأسقف أن يقوم بالسيامة في غير إيبارشيته 00 هذا القانون الذي تسلمناه له حكمته وأهميته القصوى :

1- لكي يكون سلوك المرشحين للسيامة وحياتهم ممحصة بعناية فائقة0

2- منعاً من حدوث أي إرتباك أو إضطراب ، فكل منا لديه من الأعمال الخاصة بتدبير إيبارشيته ما يكفيه ، عليه أن يسعى باجتهاد باحثاً بعناية فائقة وإهتمام شديد ليجد خداماً مناسبين من بين الذين عاش في وسطهم كل حياته ، وتدربوا على يديه0

أما أنت فلم تعطِ إعتبارات لهذه الأمور ، ولا تطلعت إلى المستقبل ، ولا إلى شريعة آباءنا الطوباويين التي تسلموها من السيد المسيح بالتتابع ، ولا إلى كرامة أسقفنا العظيم وأبينا ( البابا ) بطرس الذي نضع فيه جميعاً الرجاء الذي لنا من الرب يسوع المسيح ، ولا ترفقت بنا من أجل حبسنا في السجن ، وما يحل بنا من ضغوط وضيقات ، تاركين كل شئ دفعة واحدة0

ربما تقول : إني صنعت هذا لأحافظ على كثيرين بعدما إرتد الكثيرون عن الإيمان ، وصارت القطعان في عوزٍ ، وهي متروكة بلا راعٍ0

لكن الأمر بكل تأكيد ليس هكذا ، ولا هم في عوزٍ شديد :

  • فإن كثيرين ( من الرعـاة ) يفتقدوزنهــم كزائريـــن ( للأيبارشية ) 0
  • إن وُجِد شئ من الإهمال نحوهم فكان يليق إستخدام الطريق السليم في شكاوي الشعب العاجلة ، أما نحن فنعمل ما في وسعنا نحوهم0

إنك قد أملت أذنك بمبالغة لخداعات البعض وكلماتهم الباطلة ، وصنعت تعديات متمماً السيامات خلسة ، فلو أن الذين معك قد ألزموك بحق أن تفعل ذلك ، وفي جهلهم أساءوا للنظام الكنسي ، كان من واجبك أن تسلك حسب النظام وتكتب إلينا ليكون تصرفك لائقاً0

إن كان البعض قد حرضك لكي تصدقهم أكثر منا 00 فإننا نقول لك بأنه كان يلزمك أن تستشير الأب الأول ( بطرس ) وتأخذ منه تصريحاً0

إن عدم مبالاتك بهذا كله ، تاركاً العنان لنفسك في تكهنات كثيرة ، متجاهلاً كل إعتبار لنا 00 خلقت إنقسامات بتصرفاتك التي لا مبرر لها ، معطياً لنفسـك حــق السيامات ، الأمر الذي أحزن الكثيرين 00 ” (90)0

ألكسندروس : إن هذه الرسالة المؤثرة التي حملت روح الحب والرجاء الحار لميلتيوس لم تؤثر فيه ، ولم يسعَ للقاء البابا بطرس لتصحيح الأخطاء التي سقط فيها ، إنما تمادى في غيه ، حتى أنه جاء إلـى مدينتنا وصار يتصرف كيفما يشاء ، ويقيم أساقفة وقسوس ، وكأنه الأسقف البديل الشرعي في غياب قداسة البابا ، ولم يحترم غيبة البابا ، ولهذا كتب ” قداسة البابا بطرس ” للآباء الأساقفة :

من بطرس إلى أخوته المحبوبين ، المتأسسين في الإيمان بالله ، سلام من الرب0

لقد جاءت تصرفات مليتوس ضد المصلحة العامة تماماً ، إذ لم يقتنع برسالة الأساقفة القديسين الشهداء ، بل إقتحم إيبارشيتي عاملاً بذلك على سحب الكهنة والموكلين بخدمة الفقراء من طوعي ، مؤكداً رغبته في الرئاسة ، بسيامة كهنة في السجن يكونون تابعين له0

إحذروه ، ولا تدخلوا معه في شركة حتى ألتقي به في صحبة بعض الحكماء المتزنين المتعقلين ونرى ما يصبوا إليه 0 وداعاً(91)0

أرشيلاوس : ولا ننسى أن ” قداسة البابا بطرس ” عقد مجمعاً مع بعض الآباء الأساقفة ، وحكم المجمع بتجريد ” ميليتوس ” من رتبة الأسقفية ، ولكن كما هو متوقع لم يلتزم ميليتوس بقرار المجمع ، ولا كفَّ عن تصرفاته ، فقد سام حتى الآن أكثر من خمسة وعشرين أسقفاً ومئات من الآباء الكهنة0

ميناس : عندما أظهر بابانا الحبيب تعاطفه مع الذين ضعفوا في الإضطهاد الشرس وتزعزع إيمانهم ، أخذ ميلتيوس يشيع أن الذي تعمدوا وإستناروا وسقطوا لا يمكن تجديدهم0

أرشيلاوس : لقد أوضح قداسة البابا معنى قول الإنجيل ” لأن الذين إستُنيروا مرة وذاقوا الموهبة السماوية وصاروا شركاء الروح القدس0 وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتي0 وسقطوا لا يمكن تجديدهم أيضاً للتوبة ” ( عب 5 : 4 – 6 ) فالإنجيل لم يقصد أن الذين جحدوا الإيمان تُرفض توبتهم لأنهم جنود خونة جبناء كقول ميليتوس ، إنما الإنجيل أوضح أن هؤلاء لا يمكن تجديدهم ، أي لا يمكن أن تعاد معموديتهم ، لأن المعمودية تتم مرة واحدة على مثال موت السيد المسيح الذي مات مرة واحدة وقام 00 إن ” ميليتوس ” لـم يشفق على تلك النفوس التي خارت في الطريق ، أما البابا بطرس فراح يقوي ويشجع تلك النفوس الخائرة على إستكمال المسيرة والمشوار في درب الصليب والملكوت 00 فهو تعلَّم من سيده أن فتيلة مدخنة لا يطفئ وقصبة مرضوضة لا يقصف0

ألكسندروس : لقد ثبت كثيـر من المسيحيين أمام الإضطهادات المرة ، ولكن البعض تزعزع إيمانه 00 كتب أحدهم : ” أمام هذه الحملة الغاشمة تزعزع ثبات بعض المسيحيين ، فشاركوا في التضحيات الوثنية إتقاء للعذاب0 وقد كان مسلك هؤلاء موضع خلاف كبير بين المسيحيين فيما يتعلق بتوبتهم بعد ذلك0 ولكن بعضاً آخر من الرجال والنساء واجه الإضطهاد بثبات ، وتحمل العذاب المرير من ضرب بالعصي وسحل للعين وجر فوق حصى الشوارع إلى خارج المدينة(92)0

         وبينما رأى البعض مثل ” ميلتيوس ” أن توبة هؤلاء الذين أنكروا الإيان وضحوا للأوثان لا تُقبل ، ورأى البعض يجب إعادة معموديتهم ، فإن ” قداسة البابا بطرس ” أوضح أن لا هذا الرأي ولا ذاك يتفق مع مبادئ الإنجيل الذي يعلمنا أن الخطية الوحيدة التي لا تُغفر هي التجديف على الروح القدس أي عدم التوبة ، كما يعلمنا الإنجيل أن المعمودية واحدة لأنها شركة مع المسيح في موته وقيامته ، والسيد المسيح مات مرة واحدة لا أكثر ، ولما قرب عيد القيامة ( سنة 306م ) تقدم كثير من الذين جحدوا الإيمان إلى البابا بدموع وإلحاح يطلبون منه أن يحلهم من خطيتهم ويقبلهم في الكنيسة المقدَّسة وفي محبته الأبويَّة0

         فوضع ” قداسة البابا بطرس ” عدة قوانين تعالج توبة هؤلاء الراجعين إلى حظيرة الإيمان :

  • جميـع الذين زلُّوا في بداءة الإضطهاد لشدة ما قاسوه من العذاب ، ثم أظهروا توبة وندامة في أثناء الثلاث سنوات الماضية يجوز قبولهم في الكنيسة في يوم العيد الآتي ، وذلك بعد أن يصوموا أربعين يوماً صوماً عنيفاً0
  • جميع الذين عثروا في إيمانهم لداعي سجنهم فقط دون أن يُعذبوا عذاباً شديداً ، يجب أن تعطى لهم سنة كاملة فيها يُظهرون التوبة الحقيقية قبل قبولهم في حضن الكنيسة0
  • كل الذي إرتدوا عن الإيمان لمجرد الخوف والوهم فقط ولم يذوقوا عذاباً تعطى لهم أربع سنوات ليبرهنوا فيها على التوبة والندامة0
  • جميع الذين إرتدوا ولم يعودوا يطلبون التوبة والإنضمام إلى الكنيسة فلا يوجد قانون لهم بل حرى بالكنيسة أن تبكيهم وترثى لحالهم0
  • الذين نجوا من العذاب أو الموت لتظاهرهم بالبله أو الصرع أو أي حيلة أخرى تمنح لهم مهلة ستة شهور فيها يكفرون عن سيئاتهم0
  • العبيد الذين أجبرهم مواليهم للتقدم للمحاكمة عوضاً عنهم ثم سقطوا في هذه التجربة ينبغي أن يبرهنوا على توبتهم بأعمالهم في بحر سنة0
  • الموالي الذين فعلوا ما تقدم تُفرض عليهم ثلاث سنين توبة0
  • جميع الذين عثروا ثم عادوا فأصلحوا خطأهم حالاً بأن قدموا أنفسهم للسجن والعذابات يجب قبولهم في عضوية الكنيسة بدون فحص أو قصاص0
  • كل الذين قدموا أنفسهم للأخطار طوعاً وإختياراً دون أن ينتظروا إلقاء القبض عليهم أو يصبروا حتى يرى ما يحل بهم ، لا تصح محاكمتهم ومقاطعتهم بل يكتفي بتذكيرهم بأن المسيح ورسله لم يعملوا هكذا ولم يلقوا بأنفسهم في التهلكة0 أما الذين سقطوا من هذه الفئة المشار إليها فإذا كانوا من الإكليروس الذين طلبوا العودة إلى حضن الكنيسة فلا يجب قبولهم في الوظائف الكهنوتية ثانية ، بل يُقبلون كأعضاء في الكنيسة فقط0
  • أولئك الذين أنكروا حيثياتهم وأشخاصهم لأجل تشجيع الآخرين وتقوية إيمانهم في أوقات الإضطهاد أتوا عملاً حسناً فلا لوم عليهم ولا تثريب0
  • جميع الذين إفتدوا أنفسهم بدراهم دفعوها فداء عنهم فلا يلامون قط0
  • لا شئ على الذين نجوا بواسطة هربهم من الموت ولا قصاص عليهم0
  • جميع الذين أُجبروا لكي يذبحوا للأوثان والذين أفقدهم العذاب شعورهم وإحساسهم فأصبحوا لا يدركون ، يجب إعتبارهم في درجة الذين إعترفوا بالمسيح تماماً ما داموا فعلوا ما فعلوه بدون إرادتهم ، فإذا كانوا من الإكليروس يعادون إلى وظائفهم كما كانوا(93)0

ديمتري : بالرغم من أن الميلتيين يرفضون الفكر الأريوسي ، إلاَّ أنهم يتعاطفون معهم لمجرد أنهم ضد قداسة البابا بطرس0

(90)   القمص تادرس يعقوب – القديس بطرس خاتم الشهداء ص 12 – 14

(91)   المرجع السابق ص 15

(92)   د0 مصطفى العبادي – من الإسكندر الأكبر إلى الفتح العربي ص 282

(93)   أ0 لويزا بوتشر – تاريخ الأمة القبطية طبعة 1897م ص 188 – 190

 

الأسقف المحب لذاته ف11 – كتاب البحار المغامر – حلمي القمص يعقوب