أيها المصلح لماذا؟! ف9 – كتاب البحار المغامر – حلمي القمص يعقوب
أيها المصلح لماذا؟! ف9 - كتاب البحار المغامر - حلمي القمص يعقوب
أيها المصلح لماذا؟! ف9 – كتاب البحار المغامر – حلمي القمص يعقوب
الفصل التاسع : أيها المُصلح 00 لماذا ؟!
إحتفلت الكنيسة بأعياد الظهور الإلهي ، الميلاد والختان والغطاس ، وتركزت عظات ” قداسة البابا بطرس ” في شرح عقيدة الثالوث القدوس ، والرد على كـل الشكوك التي أثارها أريوس ، وإستفاض أبونا المحبوب بطرس في الحديث عن الظهور الإلهي للأقانيم الثلاثة في قداس عيد الغطـاس ( 19 يناير سنة 303م )0
وفي يوم عيد الغطاس كانت فرصة لقاء طيبة للأصدقاء ، إذ سمحت الظروف بتواجد ” ديمتري ” ، الذي إستضاف أصدقائه الأحباء ، ” أرشيلاوس ” و ” الكسندروس ” و” ميناس ” ، وإذ كانت أسرة ديمتري ميسورة الحال ، وقد نالت أمه وأخواته الصبغة المقدَّسة بيد المتنيح أبونا ثيؤدوسيوس والد قداسة البابا بطرس ، صارت ” سوسنا ” والدة ديمتري إنسانــة تقيــة تصنع إحسانات كثيـرة للفقراء ، وصارت أخواتـه ” راحيل ” و ” دينة ” و ” ميراب ” خادمـات فضليـات فـي كاتدرائيـة الألف عمود 0 أما ” ديمتري ” فقد ظل كما هو ، لا هو يهودي ، ولا هو مسيحي ، والأمر العجيب أن الأصدقاء يعاملونه بكل حب وإخاء ، بالرغم من أنه يقف في محطة وسط بين اليهودية والمسيحية ، فمازال عقله يقف بمقابله : ” يهوه يصير عبداً ! 00 يهوه يُضرب ويُهان ويُصلب ويموت !! ” 00 كان الأصدقاء يوقنون أن الله لن يتخلى عن ديمتري الإنسان المُحب المُخلص الصادق الأمين ، وكما إعتاد الأصدقاء أن يجري الحديث بينهم بلا عائق ، وتتواصل الأفكار بلامانع ، فهذه قلوب عامرة بالمحبة تستأنس لبعضها البعض0
ديمتري : إننـي أعيش قول بولس الرسول لأهل روميا عن اليهود ” فإنهم إصطدموا بحجر الصدمة0 كما هو مكتوب ها أنا أضع في صهيون حجر صدمة وصخرة عثرة ” ( رو 9 : 32 ، 33 )0
الكسندروس : ولماذا لا تكمل القول ” وكل من يؤمن به لا يخزى ” ( رو 9 : 33 )0
ديمتري : نعـم كل من يؤمن !! 00 لكنني للآن لا أستطيع أن أؤمن ، أفلا ينطبق عليَّ قول الرسول بولس لأهل كورنثيوس ” نحن نكرز بالمسيح مصلوباً لليهود عثرة ولليونانيين جهالة ” ( 1كو 1 : 23 )0
الكسندروس : وأيضاً أكمل الرسول قوله ” وأما للمدعوّين يهوداً ويونانيين فبالمسيح قوة الله وحكمة الله ” ( 1 كو 1 : 24 ) وقال لأهل رومية عن اليهود ” فأقول ” ألعل الله رفض شعبه ؟ حاشا0 لأني أنا أيضاً إسرائيلي 00 لم يرفض الله شعبه الذي سبق فعينه ” ( رو 11 : 1 ، 2 )0
ديمتري : ولكن ماذا أعمل لو كنت لستُ من المعينين المختارين لملكوت السموات ؟ هل أذهب للجحيم ؟ 00 أمي وأخواتي الذي أحبهم يذهبون لمكان السعادة وأنا لمكان الشقاء ؟! 00 هل جاء المسيح ليصنع إنشقاقاً في الأسرة المتآلفة المتحابة ؟!!
السكندروس : الله لم يعين مجموعة للملكوت وأخرى لجهنم النار ، ولكن الله بعلمه السابق يعلم الذين سيقبلوه ويسلكون في وصاياه ، فعينهم للملكوت ، وبعلمه السابق أيضاً يعلم الذين سيرفضونه فهؤلاء ليس لهم نصيب في ملكوته0
ديمتري : لكنني لم أرفضه 0 فقط عقلي يقف مقابلي حجر عثرة في طريق إيماني 00 فماذا أفعل ؟
ألكسندروس : إطمئن ياديمتري ، فإن لكل شئ تحت السماء وقت 00 سيأتي الوقت الذي تؤمن فيه ، ويكون إيمانك عظيماً ، فإن الله ليس بظالم حتى ينسى تعبك ومحبتك وصدقك وأمانتك ، ولن ينسى الله صلوات أمك عنك وطلبتها بأن يضمك المصلوب إلى أحضانه ، وأيضاً أنت بالنسبة لنا أخ محبوب من أجل الآباء كقول معلمنا بولس الرسول عن اليهود ” من جهة الإنجيل هم أعداء من أجلكم0 وأما من جهة الإختيار فهم أحباء من أجل الآباء 0 لأن هبات الله ودعوته بلا ندامة ” ( رو 11 : 28 ، 29 ) 00 ونحن لسنا ننكر أننا مدينون لليهود الذين حفظوا لنا أقوال الوحي الإلهي ” إذاً ما هو فضل اليهودي أو ما هو نفع الختان0 كثير على كل وجه0 أما أولاً فلأنهم إستؤمنوا على أقوال الله ” ( رو 3 : 1 ، 2 ) 0
ديمتري : كنت أشعر أن والدي رغم أنه لم يكن متديناً ، ورغم محبته الكبيرة لنا ، فأنه كان يوقر ويحترم ويهاب ويقدس الرقوق المقدَّسة ، وأنه على إستعداد أن يضحي بنا ولا يضحي بهذه الأسفار المقدَّسة 00
أرشيلاوس : ما هي أخبار دراستك وأبحاثك ياأبو التاريخ ؟
ميناس : بعد أن إنتهيت من دراسة تاريخ الإسكندرية في العصر اليوناني ، كما حكيت لكم من قبل عن نهاية عصر حسن وبداية عصر سئ ، نهاية العصر الإغريقي ( اليوناني ) حيث كانت خيرات مصر لمصر ، وبداية العصر الروماني ، حيث تنهب روما خيرات بلادنا وتُثقل كاهلنا بالضرائب الباهظة المتعددة وتعاملنا كعبيد 00 بدأتُ الآن في دراسة التاريخ الحديث المعاصر ، فالإمبراطور ” دقلديانوس ” يبذل جهود مضنية للإصلاح ، والكنيسة بلاشك لا تكف عن الصلاة من أجله ، ولا أحد ينكر أننا نتمتع بالسلام الجزيل في هذا العهد المبارك ، وقد جفت أنهار الدماء التي روت أرض مصر0
أرشيلاوس : وهل عرفت آخر الأخبار ياأخ ميناس ؟
ميناس : وما هي ياأرشي ؟
أرشيلاوس : هذه الأخبار لا يمكن أن تخفى عن دارس مدقق وباحث ضليع في التاريخ الحديث مثلك ياميناس 00 إن دقلديانوس أوشك على تغيير سياسته نحونا 180 درجة0
ديمتري : سمعت هذا وحزنت جداً ، الرجل الذي ترك لنا الحرية الدينية ، حتى إرتفع شأن المسيحيين في كل المسكونة نحو عشرين عاماً ، يعود إلى أفعال الأباطرة البشعة 00 سمعت أن جاليريوس هو الذي يغريه لإضطهادنا0
ياأخ ميناس 00 ما هو تقييّمك لهذا الرجل الذي تفتخر به ؟
ميناس : قبل أن نقيَّم دقلديانوس دعونا نُلقي الضوء قليلاً على الأوضاع التي كانت سائدة في مصر قبل حكمه ، فإن الإمبراطورية الرومانية ، أعظم إمبراطورية عرفها التاريخ قوة وإتساعاً ، قد شهدت في القرن الثالث إضطرابات وقلاقل كثيرة ، فمثلاً في سنة 240م إخترقت جماعات البربر حدود الإمبراطورية من الغرب ، فغارت على غالة ( سويسرا وفرنسا ) ، ، وفي سنة 251م زحف القوطيون من الشمال إلى شبـه جزيرة البلقان وقتلـوا الإمبراطور ” ديكيوس ” ، وفي سنة 260م هاجم الفرس الحدود الشرقية وإستولوا على بارثيا وأسروا الإمبراطور ” فاليريان ” ( 253 – 260م ) ، وفي سنة 282م جاء الجرمانيون من الشمال ، وهم قوم يتميزون بقوة البنية والعيـون الزرقاء اللامعة ، والشعــر الأحمر ، وأغـاروا على حـدود الإمبراطورية ، وأخيـراً إستطاع ” كاروسوس ” ( 287 – 296م ) قائـد الأسطول الإستقلال بإنجلترا ، وعمت القلاقل أنطاكية فتصدى لها دقلديانوس إمبراطور المشرق ، وكذلك شمال أفريقيا فتصدى لها ماكسيميان إمبراطور الغرب ، وفي مارس 297م هزم ” نارسيس ” ملك الفرس بجيشه العرمرم الروم ، وإستولى على ولاية ما بين النهرين حتى إستعادها ” جاليويوس ” في مايو 298م ، وتزايد الصراع على عرش روما لدرجة أنه خلال القرن الثالث تولى العرش ستة وعشرون إمبراطوراً ، أُغتيل منهم خمسة وعشرين ، وكان من النادر أن يحتفظ أحد الأباطرة بالعرش لمدة عشر سنوات0 أما ” السناتو ” ( مجلس الشيوخ ) فقد تعرَّض للضعف فـي عهد الإمبراطور ” كاروس ” Carus ( 282 – 284م ) وبعد أن كان ” السناتو ” هو الذي ينعم على الأباطرة بالإمبيريوم Imperum ( سلطة قيادة الجيوش ) صارت السلطة للجيش ، فالجيش هو الذي يُنصّب الإمبراطور ، وهو الذي يعزله أو يغتاله ، أما ” السناتو ” فصار أشبه بمجلس البلدية الذي يجمع أغنياء روما ووجهاءها ، بل أن الجيش نفسه تعرَّض للضعف ، بسبب كثرة الحروب من جانب ، ومن جانب آخر سمح لمن لا يريد أن يلتحق بالجيش من الشباب أن يدفع ” البدل ” وهو مبلغ من المال مقابل الإعفاء من الخدمة العسكرية 0 هذا من الناحية السياسية0
أما من الناحية الإقتصادية ، فقد أصاب الكساد الزراعة بسبب كثرة الحروب ، وبسبب الضرائب الباهظة ، فانتشرت ظاهرة ” الأناخوريسيس ” Anachoresis أي هروب الفلاحين من زراعة الأرض ، فيتركون ذويهـم وأراضيهم وينزون في أحد المدن البعيدة ، حتى يفلتوا من الضرائب الباهظة الكثيرة والمتشعبة ، فالضرائب تُفرض على الغلال مثل القمح والشعير ، وعلى التبن ، وعلى الكتان ، والفواكه والخضروات ، والنبيذ ، واللحوم ، وعلى الأشخاص ( ضريبة الرأس ) من سنة 14 إلى 60 سنة ، وعلى البيع والتجارة ، وعلى الوظائف والحرف والخدمات مثل النقل ، وعلى حركة البضائع ، وحركـة الأفراد ، والممتلكات ، والرهونات ، وعلى كل شئ ، وبنسبة غير محددة ، حتى أن أحد الولاة لكيما يسر قلب الإمبراطور زاد من الأعباء الضريبية ، وعندما أرسل الحصيلة إلى الإمبراطور بكته قائلاً : ” لقد كان مرادي أن تجز صوف غنمي لا أن تسلخها ” (60)0
وبالإضافة للضرائب فهناك ” الخدمات الإلزامية ” Leitourgia أي ” العمل من أجل الشعب ” فيكلف الأشخاص بأعمال إلزامية مجاناً ، فمثلاً كل شخص عليه أن يعمل خمسة أيام في تطهير الترع والقنوات بلا مقابل ، ويحصل على شهادة تثبت إتمام هذه الخدمة وإلاَّ تعرَّض للمسائلة الشديدة ، ويكلَّف أحد الأشخاص الأغنياء بوظيفة ” السينولوجوس ” أي المسئول عن تجميع الضرائب العينية بلا مقابل ، بل أن الغلال التي يجمعها هو مسئول عن شحنها للإسكندرية توطئة لشحنها إلى روما ، وهو مسئول عن سد أي عجز يحدث في الكمية المتوقعة ، حتى لو بعد إنتهاء مدة تكليفه ، وإن أراد هذا الشخص الذي تم إختياره لتجميع الضرائب إعفاءه من هذه المهمة الثقيلة ، لا يُعفى إلاَّ إذا تنازل عن أمواله وممتلكاته ، وكثيرون كان يفضلون هذا ، وعندما كان يهرب أحد الفلاحين تاركاً أرضه بدون زراعة تتعرَّض أسرته للضرب والتعذيب الذي يصل إلى حد القتل للإرشاد عنه ، بل أن الدولة ترصد مكافآت مالية لمن يرشد عن هؤلاء الفلاحين الهاربين ، وأيضاً يُعاقب أهل قريته فيُلزمون بزراعة أرض الفلاح الهارب وتسديد الضرائب عنها ، فكل إهتمام روما زراعة كل شبر لكيما تضمن وصول القمح مجاناً إليها ، فمصر هي الضيعة الرومانية ، والبقرة الحلوب التي يُستدَر لبنها حتى الإستنذاف ، والشعب المصري هم سخرة لروما ، وما يقدمه المصريون للرومان من ضرائب عينية ومالية هي خطوط حمراء لا يمكن المساس بها0
وأيضاً أصاب الكساد التجارة بسبب غزوات البرابرة ، وإنتشار أعمال القراصنة الذين يسطون على سفن البضائع وسفن الركاب ، فيأسرون الأشراف ، ويبيعونهم عبيد ، فأسواق الرقيق الأبيض يُعرَّض فيها عشرات الألوف من هؤلاء التعيسي الحظ ، الذين ساقتهم أقدارهم لفقدان أسرهم وذويهم إلى الأبد ، وسلبت منهم حرياتهم فصاروا أشياء تُباع وتُشترى ، والضيع الرومانية المتسعة إستوعبت أعداداً ضخمة منهم في أعمال الزراعة ، والبعض أُرسلوا للعمل في المناجم في ظروف قاسية للغاية ، ويكاد لا يخلو بيت من وجود العبيد ، حتى أن عدد العبيد في روما يفوق جداً عدد الأحرار فيها ، وأُستغل بعضهم في التعليم وإدارة أعمال سادتهم ، بينما عمل الآخرون كالدواب في إدارة الطواحين ، وقد عُلّقت الأجراس بأقدامهم حتى لا يتوقفوا عن العمل ، وتشوَّهت أجسادهم من ضربات الشيطان أقصد ضرباب السياط ، فحينما لا يوجد المسيح توجد كل قسوة وتجبر ، وسعداء هم العبيد الذي يعيشون في بيت من بيوت المسيحيين ، يشاركونهم الصلوات ويتمتعون بمحبتهم ورحمتهم وكأنهم أعضاء في البيت الواحد0
ومن الناحية المالية لم تجد الإمبراطورية الرومانية كفايتها من المعادن التي تُسبك منها العملات الذهبية والفضية والنحاسية ، فلجأت للتزييف ، فخلطت العملات الذهبية بنسبة أكبر من الفضة ، والعملات الفضية بنسبة أكبر من النحاس ، حتى وصلت نسبة الفضة في عهد ” أوريليان ” ( 270 – 274م ) إلى 5 % من وزن العملة الفضية ، وخلطت العملات النحاسية بالرصاص ، فقلت قيمة العملة وإرتفعت الأسعار إرتفاعاً جنونياً ، وحدث تضخم كبير ، مما أدى إلى فقدان السلام ، وإنتشار الفقر والأوبئة ، بالإضافة للحروب والقلاقل وشر القراصنة ، وقد عبّر ” برونوس ” كاتب سيرة الإمبراطور ” نومريانوس ” ( 276 – 282 م ) عن حلمه في مستقبل يسوده السلام والرخاء فقال عن ذلك العصر :
” لن يُحتاج إلى جنود ، وكذلك قريباً لن يكون هناك جنود رومان0
سوف تسود الدولة ( الرومانية ) في كل مكان ، وتحكم الجميع في أمان0
لن يصنع أحد أسلحة ولن يجهز المؤن0
سوف تحفظ الثيران لحرث الأرض ، ستُربى الخيول لأغراض السلام0
لن تكون هناك حروب ولا أسرى0
سوف يسود السلام في كل مكان ، وسيكون قضاة منا في كل مكان ” (61)0
بينما كتب أحد الأشخاص الذي يعيش في قلق دائم بسبب الخدمات الإلزامية ، فقال :
” هل سأبقى تحت ثقل الضغوط ؟!
هل ستصادر أموالي ؟!
عل ستُباع أملاكي في المزاد العلني ؟!
هل سأستطيع الحصول على أموال ؟!
هل سأكلف بالسفارة ؟! وهل سأصبح عضوا في المجلس البلدي ؟
هل ستنتهي مقاومتي ” (62)0
فواضح أن أي شخص ميسور الحال حينذاك كان يتوقع أي كارثة تحل به ، كأن يُنتدب للسفارة ، أو يُختار عضواً في المجلس البلدي ، أو تُصادر أملاكه وتُباع بالمزاد العلني 00 إلخ0
أرشيلاوس : يبدو ياأخ ميناس أنك لم تكتفِ بالتخصص في التاريخ الحديث ، ولكنك صرت أيضاً خبيراً في الأمور الإقتصادية والمالية 00 على كلٍ لنستمع إلى تقيّمك للإمبراطور دقلديانوس 0
ميناس : ليكن كقولك ياأرشيلاوس 00
وُلِد ” دياكلس ” Diocles في 22 فبراير سنة 245م في مدينة ” سالونا ” بولاية ” دالمتيا ” بإقليم ” إيلليريا ” المُطل على البحر الأدرياني ( غرب كرواتيا ) وكان والده يعمل كاتباً لدى السيناتور الروماني ” انوللينوس ” Anulinus ، وإلتحق بالجيش الروماني في طبقة الفرسان ، فوصل إلى رتبة ” دوق ” ( أي قائد فرسان ) ثم أصبح قائداً لقوات الحرس الإمبراطوري ، ورغم أنه لم يكن قائداً عسكرياً فذاً ، لكنه كان سياسياً مُحنكاً واسع الأفق ، له مواهبه في شئون الإدارة والسياسة ، وفي خريف سنة 284م إستطاع الوصـول إلـى عرش رومـا ، فقيل (63) أنه عندما مات ” نومريانوس ” في خلقيدونية بعد عودتـه من حرب الفرس ، دبر ” دقلديانوس ” حيلة محبوكة ، فإستطاع الحصول على تصديق من قواد الجيش لإنتخابه إمبراطوراً ، وعندما خشى من رجلاً كان أحق منه بالكرسي الإمبراطوري ، أمر بالقبض عليه ، فأحضروه أمامه مقيداً بالسلاسل والأغلال ، فلم يحقق معه ، بل إتهمه بأنه هو الذي قتل الإمبراطور ” نومريانوس ” ولم يقدمه للمحاكمة ، إنما أطاح بكل التقاليد والأعـراف الرومانية ، وفعل ما لم يفعله إمبراطوراً قبله ، إذ جرد سيفه وأطاح برأس الرجل البرئ0
وعندما تولى دقلديانوس الحكم سنة 284م قام بإصلاحات جوهرية سياسية ، وإدارية ، وعسكرية ، ومالية وضريبية (64) :
فبالنسبة للإصلاح السياسي إختار دقلديانوس شريكاً له في الحكم ، وهو ” مكسيميان ” Maximian الذي كثيراً ما شاركه في المعارك الحربية ، فكان كل منهما يسعف الآخر ، فصار ” دقلديانوس ” مسئولاً عن الشرق ، و ” مكسيميان ” مسئولاً عن الغرب ، ومكسيميان أكبر من دقلديانوس سناً فولد نحو سنة 240م ونشأ في أسرة قروية بجانب مدينة ” سرميوم ” Sirmium ( بلجراد ) ولم يتلقى إلاَّ القليل من التعليم ، ولكن كان له قدرة عسكرية فذة ، ومنح دقلديانوس مكسيميان رتبة ” قيصر ” وهذه الرتبة لا تعطه إمتيازات دستوريـة وتشريعيـة ، ولذلك رقــاه إلى رتبة ” أغسطس ” أي ” المهيب ” أو ” المختـار بحسـن الطالع ” وهو لقب إلهي ، وكان ” مكسيميان ” يميل للقسوة والإفراط في إستخدام القوة ، يميل للخرافات ، ويعتقد بالسحر ، حتى أنه كان يفتح بطون الحبالى ، ويقدم ضحايا بشرية للشياطين ، وظل ماكسيميان وفياً لدقلديانوس رفيق السلام0 وفي سنة 293م عيَّن دقلديانوس ” جاليريوس ” Galerius زوج إبنته ” فاليريا ” Valeria مساعداً له في الحكم برتبة ” قيصر ” ، كما عيَّن ” قنسطنطينيوس ” Canstantius زوج ” ثيودورا ” Theodora إبنـة ماكسيميان مساعداً لماكسيميان برتبة ” قيصر ” ، وبذلك تغلب دقلديانوس على مشكلة من أهم المشاكل التي كانت تقابل الأباطرة ، وهي إغتيالهم ، فجعل المسئولين عن الحكم أربعة أشخاص ، حتى إذا أُغتيل واحد منهم يظل في الحكم ثلاثة آخرون يقتصـون مـن الجناة ، وكان ” قنسطنطينوس ” إبن ” يتروبيوس ” Eutropius من الأشراف ، وأمه إبنة أخت الإمبراطور ” كلاوديوس ” Claudius ( 268 – 270م ) وقد تميز بالخلق الرفيع والطبع الهادئ الرقيق ، فكان أفضلهم جميعاً ، فأحب الجميع وعاملهم بالحسنى ، ومنح حرية العبادة للمسيحيين ، ولم يستخدم أي قسوة معهـم ، ولم يضطهدهم ، ولم يصادر أملاكهـم ، إنمــا طلب منهم أن يصلوا من أجله ومن أجل حكومته (65) ، وقال عنه ” يوسابيوس القيصري ” : ” كان كل أيام حياته رحيماً برعاياه ومحباً للكلمة الإلهيَّة 00 كان أرق إمبراطور ، وأكثرهم شفقة ورحمة0 كان هو الوحيد بين أباطرة عصرنا الذي قضى كل وقت حكمه بكيفية تتناسب مع مركزه0 وعلاوة على هذا فقد تصرف مع الجميع بكل رقة وصلاح ، ولم يشهر ضدنا أقل حرب ، بل حفظ الأتقياء الذين كانوا تحت إدارته دون أن يمسهم أقل أذى0 لم يهدم أبنية الكنائس ولا دبر أي شئ آخر ضدنا ، وكانت خاتمة حياته مكرَّمة ، ومثلثة الطوبى ، فهو الوحيد الذي ترك الإمبراطورية في حالة سعيدة ومجيدة لإبنه خليفة له “(66) 0
وتولى ” دقلديانوس ” حكم آسيـا الصغرى والشرق ومصر ، فقسم مصر إلى ثلاث ولايات هي :
- مصر الجوبترية : وتضم غرب الدلتا والإسكندرية0
2- مصر الهرقلية : وتضم شرق الدلتا ومصر الوسطى0
3- طيبة0
وعين لكل ولايـة ” إيبارخوس ” أي والياً مدة ولايته عامين ، و ” ديوكس ” dux أي قائـداً عسكرياً ، وإتخذ دقلديانوس ” نيقوميدا ” Nicomedia بآسيا الصغرى عاصمة له بدلاً من روما ، فابتعد عن مؤامرات ودسائس ” السناتو ” من جهة ، ومن جهة أخرى كانت نيقوميدا من الولايات الغنية ، ذات الكثافة السكانية العالية ، يتوفر بها أمهر الصنَّاع والتجار والمزارعين ، وأيضاً يستطيع دقلديانوس أن يصد أي هجوم فارسي قبل أن يتغوَّل في جسد الإمبراطورية 00 وترك دقلديانوس ” روما ” التي عبر زمانها وفات0
وتولى ” جاليريوس ” منطقة البلقان وجزء كبير من آسيا الصغرى ، وإتخذ ” سيرميوم ” عاصمة له0
وتولى ” مكسيميان ” إيطاليا والمناطق الشمالية من الراين والدانوب وشمال أفريقيا ، وإتخذ ” ميلان ” Milan شمال إيطاليا عاصمة له ، حتى يراقب حركات البرابرة ويتصدى لغاراتهم في وقت مبكر ، وقد تميزت هذه المدينة بمبانيها الفخمة ، وميادينها المنسقة المزينة بالتماثيل ، وأسوارها العالية0
وتولى ” قسطنطينوس ” بلاد الغال وبريطانيا وأسبانيا وموريتانيا ، وإتخذ ” تريفس ” Treves ( جنوب بلجيكا ) عاصمة له0
والجميع يخضعون لدقلديانوس الذي أرسى نظاماً جديداً للحكم يقوم على الكفاءة بدلاً من الوراثة ، بل أنه حدد مدة للحكم ، بأنه ألزم نفسه بالتخلي عن منصبه بعد عشرين عاماً ، وبعد أن كانت بعض الولايات تخضع للسناتو والبعض يخضع للإمبراطور ، جعل جميع الولايات تخضع له ، وأعاد المهابة والقداسة لمنصب الإمبراطور ، فأقام من نفسه إلهاً يستوجب العبادة ، فكان كل من يقترب منه يمر بين صفين من الخصيان والحُجَّاب وأمناء القصر ذوي الألقاب ، وعندما يصل هذا الشخص إلى عرشه يركع ويُقبّل أطراف ثوبه الحريري فإذا رفع عينيه يرى حذاءه المرصَّع بالأحجار الكريمة ، كما أن الخواتم في أصابعه مرصعة بالجواهر التي تومض ، وعقود الياقوت والزمرد تحلي صدره ، والتاج المرصَّع بالجواهر الكريمة على رأسه 00 فماذا ينقصه إذاً من مظاهر الألوهة بحسب الفكر الروماني ؟! 00 كانت عباءة دقلديانوس يحملها ثمانية أشخاص يسيرون خلفه ، ولقَّب نفسه بلقب ” جيوفيوس ” أي ممثل الإله ” جوبتر ” Jupiter 0
وبالنسبة للإصلاح الإداري فقد قام دقلديانوس بتقسيم الولايات ، حتى وصل عدد الولايات إلى أكثر من مائة ولاية ، وبذلك قلَّص من سلطات رؤساء الولايات ، وإن كان هذا النظام الجديد قد حمَّل الدولة أعباء أكثر وأرهق ميزانيتها لكنه أدى إلى إستقرار الأمن والسلام وقضى على الفتن والقلاقل داخل الإمبراطورية0 كما قام دقلديانوس بفصل الحكم الإداري عن الحكم العسكري ، فعيَّن حكاماً للقيام بالأعمال الإدارية ، وترك العمل العسكري للقادة العسكريين ، كما أنشأ كتيبة Agentes in rebus كجهاز مخابرات ، ترفع له التقارير السرية حتى شعر كل موظف أنه تحت الرقابة ولاسيما أن الفساد كان متفشياً بين كبار الموظفين الذين يبيعون الوظائف ويسرقون الشعب 0
وقام دقلديانوس بالإصلاح العسكري فقوى الحصون ، وأقام مصانع لتصنيع الأسلحة من سهام ونبال وسيوف وعجلات حربية في كل من الرها وأنطاكية ودمشق0 كما أقام مصانع لملابس الفرسان ، وصنَّع المعاطف المدرعة من الرأس للقدمين ، وكوَّن فرقة كبيرة قوية يصل عددها إلى 45 ألف فارس و 15 ألف من المشاة ، تميزت بسرعة الحركة والإنتقال من مكان إلى آخر سواء لصد الغزوات الخارجية أو لحماية السلطة الإمبراطورية ، وإن كانت قوات الجيش الضخمة التـي وصلت إلى ربع مليون من المشاة ، و 110 ألف من الفرسان قد أرهقت ميزانية الدولة ، لكن ساعدت على إستتباب الأمن0
وقام دقلديانوس أيضاً بالإصلاح النقدي فأصدر أوامره بإغلاق دور سك النقود المحلية منعاً للتلاعب ، وإقتصر سك النقود على المناطق المركزية ، وفي سنة 295م أصدر عملات موحدة لكل أنحاء الإمبراطورية سواء ذهبية ، أو فضية مدموغة بأوزانها ، أو فضية مطلية بالنحاس ذات نوعية عالية من الجودة حتى يعالج الإنهيار المستمر في قيمة العملة ، ونقش على هذه العملات تارة رأس الإمبراطور مكللاً بالغار ، وتارة رأساً لامعاً للإمبراطور ، وبذلك بدأت العملات المحلية في الإختفاء ، وخصص وزيراً للمالية أطلق عليه إسم Rationalis للإشراف على النظام النقدي ، وخصص موظفاً يسمى Chancellory يعطي الأوامر بسـك العملة ، وله إتصال مباشر بالإمبراطور0 وأيضاً لكيما يقاوم الإرتفاع الجنوني للأسعار والتضخم أصدر دقلديانوس مرسوم سنة 301م الخاص بضبط الأسعار ، والأجور ، أشار فيه للتجار الجشعين ، الذي إستغلوا ظروف الحرب فتضخمت ثرواتهم حتى أنها تكفي أمماً بأكملها ، وأوضح المرسوم الحد الأقصى لأسعار السلع المختلفة والخدمات في شتى الولايات الرومانية ، وغلَّظ عقوبة المخالفة ، أو إخفاء السلع إلى حد الإعدام أو النفي ، ومع هذا فإن مرسوم الأسعار هذا قد فشل في وقف زيادة الأسعار ، التي ظلت ترتفع ليس بين يوم وآخر ، بل بين ساعة وأخرى ، وظلت النقابات مثل نقابة الخبازين تحدد سعر الدقيق كل شهر ، وكذلك نقابة العاملين في الفضة تعلن سعر الفضة الشهري ، ولم ينجح هذا المنشور في القضاء على السوق السوداء ، وبعض التجار أخفوا السلع والآخرين أغلق المحلات0
وأيضاً قام دقلديانوس بالإصلاح الضريبي ، فبعد أن كانت هناك أنواعاً كثيرة من الضرائب ، وحَّد كل هذه الأنواعه في ضريبتين فقط أحدهما على الأشخاص ، والأخرى على الأرض ، وجعل ضريبة الأرض عينية ، فكل أرورا ( وحدة قياس الأرض ) يورد المزارع عنها عدد من أرادب القمح ، وفي 16 مارس 297م أصدر دقلديانوس مرسوماً يحدد الضريبة بناءً على إنتاجية الأرض وأصدر والي مصر منشور الإصلاح الضريبي :
” أرستيوس أوبتانوس والٍ مصر يقول : أكثر أباطرتنا إعتدالاً وحكمــة ، دقلديانوس وماكسيميان الأغسطسين ، وقسطنطينوس ( وجاليريوس ) القياصرة النبلاء قد علموا أن جباية الضرائب العامة كانت ( تتم بطريقة ) ملتوية ، بحيث جعلت بعض الأشخاص يُعفَون ، أو يعاملون برفق بينما أُثقِل الآخرون0
لقد قرَّروا لصالح ولايتهم أن يزيلوا الشر الوبيل ، أو الممارسة الهدامة من جذورها ، وأن يصدروا قانوناً صالحاً ، وطبقاً لذلك من الممكن للجميع أن يعلموا مقدار الضريبة التي تُفرض على كل أرورا ( وحدة قياس الأرض ) تبعاً لنــوع الأرض ، ومقــدار ( الضريبة ) التي تُفرض على كل رأس من السكان القرويين ، والسن الأعلى والأدنى 00
فإن كرم أباطرتنا وقياصرتنا معروف جداً للجميع ، ويظل جامعوا كل نوع من الضرائب يعملون بكل دقة ، وإذا ضُبط أحدهم منتهكاً له ، فسوف يتعرض لعقوبة الموت ” (67)0
وبعد أن كانت الضرائب تتغير بحسب إحتياجات الإمبراطورية من عام إلى آخر ، ثبت دقلديانوس النظام الضريبي ، فلا يتغيَّر إلاَّ كل خمسة عشر عاماً ، بالرغم من أن حركة التعمير التي قام بها دقلديانوس مثل إنشاء الطرق والكباري والحمامات والقصور إحتاجت لتمويل أكبر ، كما أن وجود أربعة قصور للحكام كانت لها تكلفتها0
وهكذا لم يترك دقلديانوس شيئاً للصدفة ، بل مد يده في كل مناحي الحياة ، وعمل على إستقرار الصناعة ، ووفر الأمن للتجارة بالقضاء على القراصنة ، وإستطاع دقلديانوس أن ينأى بالإمبراطورية عن الحروب الأهلية ، ويقر السلام والهدوء إلى حد كبير0
ألكسندروس : لا يمكن أن ننسى الأيام الصعبة التي عشناها منذ سنوات قليلة عندما حاصر دقلديانوس مدينتنا العظمى عدة شهور ، عندما قام ” أخيلليوس ” Achilleus ( لوكيوس دوميتانوس ) Lucius Damitianus بالثورة ضد روما مستغلاً سخط الفلاحين بسبب فداحـة الضرائــب ، فأثـار مصر العليا أولاً وإنتزع إقليم ” طيبة ” وأقام نفسه ملكاً على مصر لمدة أربع سنوات ، ذاق فيها المصريون طعم الحرية ، وأصدر عملة نقدية وضع عليها إسمه ، ثم زحف إلى الإسكندرية في عام 296م ، وكان دقلديانوس في أنطاكية فجاء إلى مصر بجيش ضخم ، وحاصر مدينتنا لمدة ثمانية شهور ، لأن فقدان روما لمصر يعني ضياع ثلث مؤونة الغلال التي تصل إلى روما وتبلغ ستة ملايين أردب قمح ، وأرشد بعض الخونة دقلديانوس إلى المكان المناسب لدخول المدينة ، فاستطاع الدخول إلى المدينة بمشقة كبيرة وقتل ” أخيلليوس ” وتمكن من قمع الثورة وإعدام رؤوس الثورة ومعاوينهم ، ولكنه لم يستبح المدينة ، إنما حفظ حرمتها ، بل أنه عندما رأى معاناة الشعب السكندري ، ردَّ بعض شحنات القمح المتجهة إلى روما ، ووزعها على الشعب ، ولهذا أقام له السكندريون نصباً تذكارياً في ” معبد السيرابيوم ” وهو عمود السواري ، وقد سجل تحته عبارة ” إلى الإمبراطور العادل الإله حامي الإسكندرية دقلديانوس الذي لا يُقهر وبوستوم والي مصر أقام هذا الأثر ” (68)0
أرشيلاوس : إذا كانت أعمال دقلديانوس بهذه العظمة فلماذا أنقلب هذا المُصلح ضدنا ؟
ميناس : كان ” دقلديانوس ” متسامحاً مع المسيحيين حتى أن زوجته ” بريسكا ” Prisca وإبنته ” فاليريا ” Valeria إعتنقتا المسيحية ، وكثر في عهده عدد الموظفين المسيحيين في القصر الإمبراطوري ، وبعضهم تولى مراكز هامة مثل ” لوشيان دورثيوس ” و ” جورجونيوس ” و ” أندرياس ” الذي حظوا بمحبة دقلديانوس وعطفه ، بل أن دقلديانوس أوكل كرسي البلاغة اللاتيني إلى الكاتب المسيحي الشهير ” لاكتانتيوس ” وعندما زار دقلديانوس مدينة أنطاكية أبدى إعجابه بالكاهن المثقف ” دورثيوس ” Dorotheus الذي إتقن اللغة العبريـة وقرأ أصول الأسفار المقدَّسة باللغة العبرية ، وجعله مسئولاً عن أعمال الصباغة في مدينة ” تيري ” Tyre 0
ولكن بلغ أسماع دقلديانوس أن المسيحيين يرفضون الخدمة العسكرية والإشتراك في الحروب التي تؤدي إلى سفك الدماء ، لأن المسيحية تدعو لمحبة الجميع حتى الأعداء ، لهذا خشى دقلديانوس من تفشي مثل هذه الأفكار في أرجاء الإمبراطورية ، مما يؤثر على قوة الجيش ، كما أنه نهى المسيحيون بشدة عن تكريم التماثيل التي يكرّمها الوثنيون ، أثار حقد الوثنيين على المسيحيين ، وأيضاً الصياغ والصيَّاغ خشوا كساد تجارتهم0
ألكسندروس : الإنسان المسيحي له الحرية في التسامح والصفح فيما يخص أموره الشخصية ، بل هذا مبدا إنجيلي ، ولكن فيما يخص حق الدفاع عن الدولة فلا يجب على المسيحي الذي يحب وطنه أن يقصر في أداء الواجب العسكري ، بل يقدم نفسه بسرور فداءً عن شعبه ووطنه 0
ديمتري : سمعت أيضاً أن دقلديانوس طلب من ” تاجيس ” Tages رئيس العرافين أن يفحص أحشاء الأضحية التي قدمها للآلهة ، فأخبره ” تاجيس ” بأن المسيحيين أعداء الآلهة قد أفسدوا مهمته ، وأن الآلهة غاضبة منهم ، ومادام هؤلاء الكفرة في القصر فإن الأرواح لن تتجلى ولن تظهر0
أرشيلاوس : أيضاً المسيحيون لا يؤلهون الإمبراطور ولا يسجدون له ، فبلاشك أن هذا يضايق دقلديانوس كثيراً لأنه يؤلّه نفسه0
ديمتري : وأيضاً ” جاليريوس ” لا يكف عـن إفساد ذهن دقلديانوس ، فهــو لا يطيــق المسيحيين ، كما أن أم جاليريوس ” رامولا ” Ramula الوثنية دائماً تحرضه علينا ، والجميع يعلم أن ” جاليريوس ” يؤمن بالخرافات مثل أمه ، كما أنه سكير وفاسق0 والأمر الغريب أن دقلديانوس عندما يستشعر أن القرار صائباً فهو يتخذه منفرداً لكيما يرجع إليه المديح والثناء ، أما إذا إستشعر القرار خاطئ فأنه يستشير أعوانه حتى لو حدث فشل يُنسَب إليهم ، ولذلك فهو ينصت إلى ” جاليريوس ” لأنه يشعر أن قراره في القضاء على المسيحيين قرار غير صائب0
ألكسندروس : حقاً قال العلامة ” ترتليان ” : ” فإذا فاض التيبر على الأسوار ، أو غاص النيل فلم يبلغ الحقول ، أو أُمسكت السماء عن المطر ، وإذا زلزلت الأرض ، أو حدثت مجاعة ، أو إنتشر وباء ، تتعالـى الصيحـات على الفور هاتفة : فليلقَ المسيحيين إلى الأسود ” (69)0
(60) نفتالي لويس – ترجمة دكتورة أمال الروبي – الحياة في مصر في العصر الرومان 30 ق0م – 284م ص 178
(61) منيرة محمد الهمشري – النظام الإداري والإقتصادي في عصر دقلديانوس ( 284 – 305 م ) ص 58
(62) المرجع السابق ص 59
(63) راجع لويزا بوتشر – تاريخ الأمة القبطية – طبعة 1897م
(64) راجع معالي حسين محمد – رسالة ماجستير عن الإمبراطور دقلديانوس ( 284 – 305م )
(65) راجع كامل صالح نخلة – حياة البابا بطرس الأول خاتم الشهداء ص 19
(66) ترجمة القس مرقس داود – تاريخ الكنيسة ص 378
(67) منيرة محمد الهمشري – النظام الإداري والإقتصادي في مصر في عهد دقلديانوس 284 – 305م ص 147 ، 148
(68) دليل متحف الإسكندرية – تأليف برشا ص 100 ، 101 – كامل صالح نخلة – حياة البابا بطرس الأول خاتم الشهداء ص 20
(69) د0 حسن يوسف ، د0 حسن الإبياري – تاريخ وآثار مصر في عصر الرومان ص 58